حين تصبح الكنيست بيتًا مرغوبًا للحركة الوطنية الفلسطينية/ جواد بولس



بعد أن هدأت عاصفة تفكك القائمة المشتركة، بدأت الأحزاب العربية الثلاثة بمخاطبة أبناء المجتمع العربي واقناعهم بضرورة وأهمية مشاركتهم في انتخابات الكنيست المقبلة؛ حيث يجمع معظم المتابعين والمحللين، عربًا ويهودًا، بأن نسبة التصويت بين المواطنين العرب ستكون من أهم العوامل، إن لم تكن أهمها، في تحديد مستقبل الخارطة السياسية البرلمانية الاسرائيلية القادمة. ومن دون أن ندخل في صحة هذا التقييم، يبقى شيوعه داخل مجموعات نخبوية يهودية قليلة، لكنها وازنة، مؤشرًا هامًا يجب أن نعود إليه بجدية في مرحلة ما بعد الانتخابات، لا سيما اذا نجحت قوى اليمين الفاشية وتمكنت من إقامة حكومة، اذ لن نستطيع، نحن المواطنين العرب، أن نواجهها لوحدنا.

اخترت أن أبدأ حديثي عن الفاشية موقنًا أنها التحدي الأكبر القائم أمامنا والخطر الحقيقي الذي على جميع الأحزاب والحركات السياسية، سواء تلك المشاركة في الانتخابات أو تلك التي تدعو الى مقاطعتها، أن تتعاطى معه وتكشف لنا كيف وبأية وسائل نضالية سوف تواجهه وتحمينا منه؛ فالمواجهة الحقيقية سوف تبدأ بعد صدور نتائج الانتخابات. 

أقول هذا وآسف عندما أقرأ تصريحًا لسياسي لا يعرف ما تكونه الفاشية وما خطورتها، رغم اننا بدأنا نلمس نذائرها في حياتنا اليومية؛ أو كيف يحاول بعض القياديين ومن يكتبون في هموم السياسة، نفي وجود هذا "البعبع"، خاصة عندما يقرنون تعريف الحالة بهوية شخص مثل نتنياهو أو جانتس أو لبيد أو بن جڤير وأمثالهم، ويساوون بينهم، من باب طمأنة الناس على أن جميع  الساسة الصهاينة سواسية في الشر "ونحن لم نخف من نتنياهو ولن نخاف من بن جڤير". لو كانت هذه الشعارات من باب الرغبة في عدم اشاعة الهلع بين المواطنين فقط لقبلتها، لكنها تقال لغايات سياسية أخرى. 

فعلى سبيل المثال، لا تفرق "الحركة الاسلامية الموحّدة" بين طبيعة الحكومات الاسرائيلية وهوياتها السياسية، ولا بما تؤمن به الأحزاب المكوّنة لهذه الحكومات خاصة تجاه المسلمين والعرب عمومًا؛ فالحركة  تعلن، وفق نظريتها "النفعية" انها مستعدة لدخول أية حكومة اسرائيلية تقبل بها شريكًا، وتتذرع بواجبها في خدمة مصالح المواطنين، بالرغم من ثبوت فشل هذا الادعاء ومضرته المتحققة في تصديع هويتنا الجمعية الواقية.   

ومن الجدير أن يتابع قادة "الحركة الاسلامية" ونحن معهم، آخر التطورات التي حصلت مع "سريّة بارئيل" وقد كنا قد لفتنا النظر الى الشروع بتأسيسها قبل تسعة شهور . ولمن نسي نذكّر كيف بادرَت بعد أحداث  "هبة أهل الجنوب" أو ما أسمته الصحافة العبرية "بالتدهور الأمني"، مجموعة من خريجي الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال إلى تأسيس هذه "الميليشيا اليمينية الشعبية" كوحدة تابعة لجسم عنصري كبير  يسمى "اللجنة لانقاذ النقب".  ولقد أطلق عليها اسم "برئيل" تيمنًا بجندي إسرائيلي قتل على حدود غزة في شهر آب/ أغسطس من العام 2021، فأقسم رفاقه أن "يخلّدوا" ذكرى دمه! وقد أعربت وزارة الأمن الداخلي عن مباركتها للفكرة وكذلك فعلت بلدية بئر السبع، معتبرة أن ما يحصل هو بمثابة مبادرة رائدة هدفها حماية "أمن المواطنين اليهود" ومواجهة "ارهاب العرب". ويبلغ عدد المجندين المنخرطين في صفوف السريّة داخل مدينة بئر السبع ستين مسلحًا، بينما يصل عددهم في المناطق المحيطة لمائة وخمسين مسلحًا. وقد باشروا بعملهم الميداني قبل أيام بعد أن أعلنت البلدية وجمعيات وشركات ومؤسسات أخرى بدعم أنشطتهم الشرطية، ماديًا ومعلوماتيًا وتقنيًا. من المتوقع، حسب ما تشير اليه الدلائل، أن تحذو بلدات يهودية أخرى حذو مدينة بئر السبع، وتقيم داخلها ميليشيات شعبية مسلحة  "لحماية أمن" المواطنين اليهود ولمواجهة "عنف العرب"، خاصة في المدن الساحلية المختلطة: عكا وحيفا ويافا وفي اللد والرملة. إنها مقدمات للمشهد الفاشي الناجز. 

لا يجوز لأي جهة أن تخاطبنا كمصوتين من دون أن تكشف لنا كيف ستحاول حمايتنا وكيف ستناضل من أجل حقوقنا في الحياة وفي العمل وفي الحركة وفي التعبير. أكتب كل ذلك محاولًا ألا اصدق أننا نقف على تلك العتبات؛ فمن يعتقد أن حكومة فاشية مقبلة ستقبل بما لدينا وبما حققناه من دون أن تفرض علينا شروطها، فهو واهم .

أوجه تساؤلي هذا في الأساس لحزب "التجمع الوطني الديموقراطي" ولتحالف "الجبهة الديموقراطية والحركة العربية للتغير"؛ ولا أوجهه "للحركة الاسلامية الموحّدة" ، لأنها، كما قلنا، تؤمن بكونها صوتًا "واقعيًا ومؤثرًا ومحافظًا" عن طريق الاندماج المدني الكامل داخل المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة. 

لقد أعلن حزب التجمع الديمقراطي عن نفسه " كتيّار ثالث"، ويقصد طبعًا ثالث التيارات المتنافسة في الانتخابات. فاذا كانت "'الحركة الاسلامية الموحدة" تيار الاندماج التفريطي و"تحالف الجبهة والعربية للتغيير " يعتبر "تيار التأثير الواهم"  فهم يشكٌلون "التيار الوطني الفلسطيني" داخل الكنيست الاسرائيلي، على حد تعبيرهم. 

قلنا ان عاصفة تفكك المشتركة بدأت تهدأ نسبيًا ؛ فقد أعلن قائد حزب التجمع، سامي أبو شحاده، بعدما جرى في أعقاب حادثة ليلة ذلك الخميس المشهودة، عن قرارهم بالنأي عن لغة الاختصام المباشر والتحريض والتخوين خاصة في حديثهم عن تحالف "الجبهة والتغيير للتغيير"؛ ورغم ذلك الاعلان ما زلنا نرى أن كثيرين من نشطاء وقادة التجمع ما زالوا يحرضون على شركاء الأمس، ويقسمون عالمهم إلى معسكرين: "المعسكر الوطني", "ومعسكر  لبيد" . كنا في غنى عن هذه المزايدات والمناكفات التي لا تقنع الناخبين، خاصة وقد أتخمنا بها منذ سبعينيات القرن الماضي، حين كان تحرير القدس، عند القوميين الوطنيين، يجب أن يبدأ بتحرير جزيرتي "سبتة، ومليلة" المغربيتين، وقد تغيّر اليوم ليبدأ تحريرها، عند الاسلاميين، بتحرير دمشق والقاهرة وعدن أولًا.  

نحن بحاجة لسماع نقاشات سياسية واضحة لا تقف عند حلاوة الشعار ولا تستدر عواطف الناس الوطنيين وحسب؛ فلحزب التجمع حق أن يعلن بأنه "التيار الوطني" الوحيد داخل مجتمعنا، ويعلن كذلك أن الفارق بينه وبين ما يمثله "تحالف الجبهة" هو بأن الجبهة تعتبر نفسها حزبًا عربيًا-يهوديا، وساحة نضالها هي الساحة الاسرائيلية، بينما يرى التجمع نفسه "جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية"؛ ولكن، إن كان ذلك حق حزب التجمع، فحقنا أن نسأله لماذا تختارون الكنيست الإسرائيلي ساحة لنضالاتكم ؟ وماذا وكيف ومع من سيعمل من يعتبر نفسه "جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية" داخل الكنيست الصهيوني؟ وكيف ستمثلون "الحركة الوطنية الفلسطينية" وشرعية وجودكم في الكنيست ستكون مشروطة بأن تقسموا يمين الولاء لدولة إسرائيل ولقوانينها؟

لا أقول هذا من باب المزايدة على أحد، وقد مررنا قبلكم في هذه التجرية عندما كنّا طلّابًا جبهويين في الجامعات ؛ فأنتم تعرفون أن هذا النقاش موجود على ساحتنا منذ قيام إسرائيل، وتشهد عليه مواقف الحركات القومية، مثل حركة  أبناء البلد، التي بسبب رؤية تنظيمها كجزء من "الحركة الوطنية الفلسطينية" رفضت المشاركة في انتخابات البرلمان الصهيوني. 

انها أسئلة مستحقة وواجبكم الاجابة عليها أمام الناس، كي يقتنعوا بكم وتنجحوا بعبور نسبة الحسم ، كما أتمنى ويتمنى كثيرون مثلي من غير مصوتيكم. فمن مثلكم يعرف طبيعة العمل في الكنيست وفي لجانها وكيف تتخذ القرارات اليومية وتحصّل بعض الحقوق والميزانيات وتقايض الأصوات في بعض الحالات وما الى ذلك من واقع كنتم في خضمّه؛  أما اليوم، وبعد أن أعلنتم عن لاءاتكم السياسية، فهل لنا كمجتمع يعيش تحت وطأة العنف والسلاح، أن نعرف ما هي برامجكم لمكافحة الجريمة والقتل؟ وإذا قلتم: لا للشرطة الصهيونية المتآمرة والمتواطئة، ولا لإسرائيل غريمتكم ولمؤسساتها، فكيف ومن سيضمن للناس تحقيق شعاركم/نا لا للعنف ولا للجريمة؟  وهو نفس التساؤل بخصوص القضايا الكبيرة الأخرى مثل هدم البيوت والميزانيات وغيرها .(هذه الأسئلة وغيرها ستوجه طبعًا لتحالف الجبهة والتغيير الملزمتين باقناع الناخب كيف يكون التأثير بكرامة، ولماذ لم يسعفنا ذلك لغاية اليوم.) 

في فضاءاتنا التباسات كبيرة وشعارات تتطاير وتقال بسهولة مدهشة وهي وان قيلت بحسن نية قد تكون عواقبها وخيمة. فمثلًا كيف تفسر لنا المرشحة الثالثة في قائمة حزب التجمع للكنيست، قصدها حين أعلنت من مدينة باقة الغربية في الرابع والعشرين من الشهر الجاري:  "نحن الوحيدون الذين لم نفرق بين فاشي وفاشي، ووضعناهم جميعًا في سلة واحدة. إسرائيل هي غريمنا وليس نتنياهو ..."  إسرائيل غريمكم! فليكن؛ ولكن لماذا تتنافسون لدخول برلمانها الصهيوني؟ وكيف ستناضلون من على منصاته بدون من أسميتموهم  "معسكر لبيد"، وأنتم لا تفرقون بين فاشي وفاشي؟ 


يتبع ،،     

هل تحتاج القدس لقيادة شعبية علنية؟/ راسم عبيدات



هموم المقدسيين كثيرة ومتشعبة،وطابع الهجمة عليهم من قبل دولة الكيان بأجهزتها الأمنية والمدنية لا تتوقف،والهدف حسم السيادة والسيطرة على المدينة،وتحويلها الى مدينة يهودية،بحيث يصبح الوجود العربي الإسلامي المسيحي فيها،جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع،بعد استمكال سياسات التطويق والإختراق والتفتيت  لقراها وبلداتها المقدسية الواقعة داخل جدار الفصل العنصري،ناهيك عن توسيع مساحة المدينة،لكي تصبح 10% من مساحة الصفة الغربية، بعد ضم الكتل الإستيطانية الكبرى اليها من مجمع مستوطنات" غوش عتصيون" جنوب غرب القدس مررواً بمستوطنات "افرات" جنوب بيت لحم،فالمستوطنات المقامة على أراضي قرية الولجة وبتير وصولاً لمستوطنات مدينة القدس "بسجات زئيف" و"النفيه يعقوب"  و"رمات شلومو" ومن ثم نحو الشمال فمستوطنات "شاعر بنيامين وآدم"،ومستوطنات المجمع الإستيطاني الواقع شرق مدينة القدس "معاليه ادوميم"،وبما يجعل من أي إمكانية لإعادة تقسيم المدينة او التخلي عن أحيائها العربية في أي حل سياسي قادم،خارج إطار أي عملية سياسية تفاوضية.

ومن هنا نجد بأن دولة الكيان تشن حربها الشاملة على المقدسيين بدون توقف ولا فواصل،وما  ان يلتقطوا أنفاسهم ويخرجوا من أزمة حتى يدخلهم المحتل في أزمة اخرى،او في سلسلة متوالية من الأزمات،هي تشاغلهم في قضايا  التطهير العرقي ،كما هو الحال في سلوان والشيخ جراح،وهدم المنازل في مختلف احيائها،وفي جبل المكبر على وجه التحديد،ناهيك عن تكثيف الإستيطان وإقامة المزيد من المخططات والمشاريع الإستيطانية،وكذلك الحرب المستمرة على المسجد الأقصى،لفرض وقائع جديدة تغيير من طابعه الديني والتاريخي والقانوني،وبما يكرس التقسيم الزماني والمكاني فيه،ويفتح الطريق نحو إيجاد قدسية وحياة يهودية داخله،مع سيطرة إدارية وأمنية،ورفع للقدسية عن ساحاته غير المسقوفة.

وليس هذا فقط،بل دولة الكيان تستهدف المقدسيين في تفاصيل حياتهم الإقتصادية والإجتماعية والخدماتية،سواء لجهة الضرائب الباهظة متعددة الأشكال المفروضة عليهم،وبالذات ضريبة المسقفات " الأرنونا"،والسعي لربط كل تفاصيل حياتهم والخدمات التي يجب ان تقدم لهم،عبر مؤسسات يغلفها الإحتلال بالطابع المدني والخدماتي،ولكنها في النهاية تخضع للمستوى الأمني،من مراكز وشرطة جماهيرية ولجان عشائرية وأسرية ..الخ،ويكفي هنا أن أشير بأن  ال 17 لجنة المعينة للتعامل مع سكان المدينة العرب ،15 منها يترأسها رجال أمن سابقين.

يضاف لكل هذا الحرب المفتوحة على المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس،حيث تسعى بلدية الكيان ودائرة معارفها بموافقة المستوى السياسي الى إزاحة المنهاج الفلسطيني بشكل كلي من مدينة القدس،وإستبداله ليس بالمنهاج الفلسطيني " المحرف " أو " المعدل،بل بالمنهاج الإسرائيلي،وبما يمكن من تشويه وعي طلبتنا"  و"كيه" و"تجريفه"،وبما يسيطر أيضاً على ذاكرتهم الجمعية،ويلغي أية مضامين وطنية ودينية متعلقة بحقنا ووجودنا وتاريخنا  وكينونتنا وثقافتنا وهويتنا العربية الفلسطينية.


ومن هنا يبرز السؤال الملح والجوهري

هل قيام قيادة شعبية علنية موثوقة في القدس ،قادرة على الفعل والعمل ما بين المقدسيين،والدفاع عن حقوقهم المطلبية والمدنية اقتصادية واجتماعية وخدماتية،ضد "تغول" بلدية الكيان عليهم ، واستخدام جزء كبير من الأموال التي تجبيها منهم كضرائب مسقفات "ارنونا" و مخالفات بناء وغرامات لتمويل المستوطنات وفتح الشوارع فيها ،وتحويل جزء من هذه الأموال لتطوير القسم الغربي من المدنية ،وكذلك استمرار تلك البلدية بهدم بيوت المقدسيين ومنعهم من البناء والتوسع فيه،وعدم اقامة مخططات هيكلية تستجيب لمصلحة السكان ونسبة تزايدهم الطبيعي ،وأيضاً السعي لفرض منهاج تعليمي اسرائيلي عليهم ،يمس بهويتهم وثقافتهم وكينونتهم ويُقصي سرديتهم وروايتهم التاريخية ويزور تاريخهم ....وغيرها من القضايا المطلبية الأخرى من حقوق مدنية مجتمعية اقتصادية إجتماعية، تجعل من الضروري خوض نقاش جدي ومفتوح حول إمكانية العمل على خلق مرجعية شعبية مقدسية علنية،تعبر عن إرادة المقدسيين ،وتكون الصوت الأمين المدافع عن تلك الحقوق،وبما لا يقفز عن ولا يمس بالحقوق الوطنية والسياسية لشعبنا الفلسطيني ..؟؟

هذه القيادة العلنية التي سيناط بها المسؤولية للدفاع عن تلك الحقوق والقضايا، تأتي لكي تقطع الطريق امام كل من يحاولون،أن ينفذوا ويشرعنوا سياسات وإجراءات دولة الكيان في المدينة،وكذلك الوقوف أمام عمليات الإختراق  في مجتمعنا المقدسي،وخاصة بأن  السلم الأهلي والمجتمعي في مدينتنا مستهدف ،وكذلك هناك قضايا أسرية وعائلية،يجب ان تبقى  في إطار المعالجات الداخلية،بعيداً عن أية تدخلات من شأنها،ان تسهم في تفكك وإختراق " جدران" و"حصون"  أسرار خلافاتنا وإشكاليتنا الأسرية والعائلية.

 لا يغيب عن الذهن بان هناك من يريد أن يوظف مثل هذا الطرح،لكي يقول كلمة حق يراد بها باطل، لماذا لا نشارك في الإنتخابات لبلدية الكيان ..؟؟،والتي قد نستطيع من خلال تلك المشاركة،ان نحصل على عدد من المقاعد في البلدية،تجعلنا قادرين على التأثير في سياسة بلدية الكيان،ولجمها عن " التغول" على حقوقنا ،ومنعها من تنفيذ خططها وبرامجها المتعارضة مع حقوق شعبنا الفلسطيني،وهنا أقول بشكل واضح بأن القيادة الشعبية العلنية،ليس لها أي دور سياسي ،ولا يحق لها أن تقفز عن الحقوق الوطنية والسياسية،فالمشاركة في إنتخابات بلدية الكيان،يشرعن سيادة دولة الكيان علي المدنية، تلك المدينة المحتلة وفق القوانين والإتفاقيات الدولية، وكذلك هذه المشاركة،فيها إقرار بأن القدس عاصمة لدولة الكيان، واعتراف صريح بشرعية ضمها ،ولذلك نقول بأن خيار إقامة جسم شعبي موثوق يعبر عن إرادة المقدسيين،ويناضل من أجل انتزاع حقوقهم المطلبية المدنية الإقتصادية الإجتماعية الخدماتية ،يشكل ضمانة وحماية لمجتمعنا المقدسي من التجار والسماسرة ،وكل من يريدون ربط مجتمعنا المقدسي ودمجه في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي ،فمعظم الأجسام التي يجري تشكيلها كلجان خدماتية وغيرها ،يجري تعينها من قبل بلدية الكيان وأجهزتها الشرطية والأمنية،وإن حملت صيغ وعناوين اللجان المدنية الخدماتية.

إن المطروح ليس بلدية ظل ،أو انتخابات لمجالس بلدية ومحلية،بل هي قيادة شعبية علنية يجري التوافق عليها من المقدسيين أنفسهم،وخروجها للنور،يجب أن يكون هناك ضغط على القنصليات والممثليات الأوروبية وروسيا والصين،لكي تعترف بهذه القيادة العلنية،وتمارس ضغوطا على دولة الكيان،من أجل عدم التعرض لأعضائها والتعاطي معها كجسم شعبي،يريد أن يعمل على إحقاق  الحقوق المطلبية والمدنية لسكان المدينة المحتلة ،فسكان المدينة العرب يدفعون ما قيمته 30% من الضرائب التي يدفعها مجموع سكان المدينة،ولا يتلقون ما  لا يزيد على 7% من قيمة تلك الضرائب والأموال التي تجبى منهم .

أنا اعترف بأنها فكرة تحتمل الخطأ والصواب،وفي طريقها الكثير من "المطبات" والصعاب التي تعترض طريقها ...فهناك من سيعتبرها فكرة تمس بمصالحه او تصادر دوره ،وهناك دولة الكيان،والتي ترى في تلك القيادة  الشعبية، إفشال لمشاريعها ومخططاتها في المدينة،وإضعاف لشخصيات وقيادات تعمل على خلقها و"صنعها" لكي تكون الممثل لسكان المدينة العرب،ولكن بما لا يخرج عن إطار سياساتها ومشاريعها فيها.

خوفي على بوتين/ د. عدنان الظاهر

 


 

تواجه روسيا اليوم مشاكل جديّة كانت تتوقع بعضها لكنْ فاتها فهم والتنبؤ بالكثير:

1ـ قدرات أمريكا وحلفائها في الناتو وخارج الناتو كثار فإنها تستحوذ على مساحات شاسعة على الكرة الأرضية تابعة لحلفائها لا أعرف كم تبلغ بالكيلو متر المربع.... وهذه المساحة تبلغ أضعاف مساحة روسيا. وصل الناتو حتى حدود روسيا كبولندا وجهوريات البلطيق [ لاتفيا وليتوانيا وأستونيا ] وبحر البلطيق.

2ـ وعلى هذه الأراضي عدد لا يحصى من القواعد البرية والبحرية والجوية لها ولحلفائها [ إسرائيل حليف ستراتيجي لأمريكا وحلف الناتو بل وقلبه النابض ] وأصدقائها مثل السعودية والبحرين والإمارات وقطر والمغرب مثلاً.

3ـ كم هو تعداد نفوس هؤلاء جميعاً ؟ لا ريبّ يفوق عدد سكان روسية بما لا يُقاس.

4ـ مجموع قدرات أمريكا وإسرائيل ودول الناتو وحلفاء أمريكا العسكرية والعلمية ومصانع التصنيع العسكري الثقيل وفي مجال أجهزة التنصت والإستخبارات والمخابرات ووسائل الإتصالات ثم أقمار التجسس الصناعية وأبحاثها في مجالات الفضاء الخارجي وفي أعماق الأرض والبحار ... تعتبر روسيا متخلّفة مقارنة بما ذكرتُ للتوّ.

5ـ عدد حاملات الطائرات والقطع البحرية الأخرى التي في حوزة أمريكا وحلف الناتو التي تجوب البحار والمحيطات على مدار الساعة أكثر مما لدى روسيا.

6ـ القوة الإقتصادية والموارد الطبيعية والطاقات الإنتاجية لأمريكا وحلفائها مجتمعين متفوقة بما لا يُقاس مقارنةً بمثيلاتها في روسيا.

7ـ كم هو عدد حلفاء روسيا المستعدين للقتال معها وكم هو عدد حلفاء أمريكا المرتبطين بها إرتباطاً مصيرياً في السلم وفي الحرب ؟

8ـ إذا لم تلتحق الصين بروسيا وتتحالف معها تحالفاً مصيرياً كما هو الحال بين دول حلف الناتو فستسقط روسيا وستواجه الصين ذات مصير روسيا. لا أفهم ما يمنعها من القيام بذلك اليوم قبل الغد ؟! ولا أفهم لِمَ لا تبادر روسيا والصين إلى التحالف المصيري مع كوريا الشمالية وإيران ؟ إذا سقطت روسيا سيسقط هؤلاء جميعاً مرة واحدة ولن تقوم لهم قائمة  9ـ بعد ذلك كذلك سيواجه محور المقاومة لإسرائيل المتكون من سوريا وحزب الله اللبناني وغزة وإيران نفس المصير فلا مقاومة بعد ذلك ولا أي كلام عن فلسطين .... ستبتلعها إسرائيل جملةً وتفصيلاً وليبحث الفلسطينيون داخل إسرائيل اليوم وأولئك في الشتات والمخيمات عن بلدان تأويهم وتقبلهم لاجئين.

10ـ لستُ متشائماً ولا أملك عيني زرقاء اليمامة ولا قارئ النجوم والغيب لكنْ أستنتج مما أرى وما يحدث أمامي اليوم وما حدث في القرن العشرين وخاصة ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية وما تمخض عنها من نتائج وتحولات أكثرها خطورة هو تفكك الإتحاد السوفيتي وإلغائه لحلف وارشو وسيطرة المنحرفين والمتربصين ورجال الظلام الذي أثروا بسرعة البرق ثراءً فاحشاً وهرّبوا ما نهبوا إلى مصارف أمريكا وأوريا .... ثمَّ مافيات الفساد ومدمني الخمورعلى رأسهم يلتسن. وما كانت النتيجة ؟ تمدد أمريكا تمدداً خُرافيّاً بأعضاء الناتوالجُدد حتى ضيّقوا الحيل حول رقبة روسيا وشعوبها. وليس غريباً تحت هذه الظروف وفي ظل هذه الأوضاع أنْ تتمدد إسرائيل بتوسيع الإستيطان في القدس والضّفة الغربية واحتلال أراضٍ لبنانية وضمها هضبة الجولان إليها هِبة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. كل ما تحققه إسرائيل من إنتصارات وفتوحات وتوسعات هو في نهاية الأمر عائد لأمريكا وباقي حلفائها وإسرائيل هي في واقع الحال ولاية أمريكية مستقلة جغرافيّاً وهما كما قال أحمد شوقي [ أنا أنطونيو وأنطونيو أنا ] أو كما قال الحلاّج [ نحنُ روحانِ أحلاّ بَدنا ].

11ـ حصل أمر خطير لكنه متوقع : أصرّت موسكو، ولم تزل تُصر، على منع أوكرانيا من دخول حلف الناتو فما الذي حصل ؟ دخول الناتو إلى أوكرانيا بشتى الأشكال عسكرية وسياسية ودبلوماسية ومخابراتية وتحريضية وتسخير العديد من الأقمار الصناعية العسكرية لخدمة الأغراض القتالية لأوكرانيا فلماذا تطلب هذه عضوية هذا الحلف ؟ قالت موسكو غدت أمريكا والناتو طرفاً في النزاع وأوكرانيا تقاتل بسلاح الناتو.

12ـ لأمريكا وحلفائها قدرات وخبرات هائلة في التخريب وأمامها أهداف روسية حسّاسة مكشوفة معرَّضة للتخريب والدمار وأمامنا ما حصل أخيراً قبل أيام قليلة لأحد خطوط الأنابيب الناقلة للغاز والنفط الروسي لأوربا تحت مياه بحر البلطيق وفيه إشارة قوية لروسيا أنَّ بحر البلطيق هو بحيرة أمريكية ناتوية خلافاً لما كان عليه الأمر قبل إنضمام دول البلطيق ثم السويد وفنلندا إلى هذا الحلف. وهناك ما زالت خطوط طويلة أخرى تحت مياه البحار. الخطر الآخر الأكبر يتمثّلُ في واقع أنَّ مفاعلات الطاقة الستة في مدينة زابروجيه مكشوفة وليست محصّنة بقبّة حديدية كما هو الشأن مع إسرائيل مثلاً، وتشغل مساحات شاسعة مما يجعلها معرّضة للقصف المدفعي والصاروخي من قبل كيف وقد تعمد كيف وفي مرحلة ما من مراحل الحرب المتصاعدة باضطراد إلى القيام بمحاولات مكثّفة ومدروسة جيداً لتدمير هذه المفاعلات والتسبب في حدوث كارثة نووية تفوق حصيلة كارثة جرنوبل في عام 1986  بست مرات في الأقل !! وهناك أهداف أخرى تعرفها أمريكا والناتو جيّداً مُدرَجة في قائمة الأهداف المُرشّحة للتدمير وإيقاع الأذى بروسيا إقتصادياً وعسكرياً حتى لو أصاب هذا الأذى بعض حلفاء أمريكا والناتو وخاصة في أوريا. أمريكا ماضية بعناد وإصرار غريب في تحقيق { رسالتها الكونية } القاضية بالسيطرة على الكرة الأرضية وما فيها من بشر ومساحات وإمكانات وخيرات فوق وتحت سطح الأرض ثم الفضاء العالمي.... تزعم أمريكا صادقة أم كاذبة أنْ هذا قَدَرُها الكوني وهذه رسالتها المُكلّفة بإنجازها ولكن مَن كلّفها بهذا الأمر الجلل أين هو وما طبيعته ؟ هل أُجازف فأُجيب ؟ حَسَناً ، المُكِلف الآمر مرّكب معقّد عناصره هي : الماسونية العالمية + إسرائيل واليهود والصهيونية + الرأسمال والرأسمالية العالمية، أي سرطان الكون، وأساطين المال والبنوك وملوك النفط + منظّمات وتشكيلات وأحزاب مختلفة المسميّات لكنها متوحدة الأهداف بل الهدف الأوحد : السيطرة المطلقة على العالم.

13ـ ما سيكون مصير العراق فيما لو قامت حرب ذرية بين روسيا وأمريكا ومعها حلفاؤها ومع مَن ستقف إسرائيل ؟ هل فكر العرب بمصيرهم وبما يُسمّى [ الأمن القومي ] الذي لا تنفكُّ أمريكا بالكلام عنه صباحَ مساءَ بحيث لو ضرطت ذبابة في أقصى الأرض لأنبرت أمريكا صارخة بأعلى صوتها [ هذا تهديد للأمن القومي الأمريكي وحلفائها ] !! وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل والعرب ساكتون لا أحدَ فيهم يتكلم عن أمن بلده تجاه إسرائيل وترسانتها الذرية . يا عرب : ألا تدركون أنكم تحت تهديد إسرائيل بما تملك من اسلحة نووية لا تمتلكون أي شئ منها جعلتها تتفوق عليكم جميعاً وتخصيكم دون أنْ تستعملها فانحنيتم أمامها وتخاذيتم وفقدتم عنصر الرجولة والإستعداد للمواجهة. تركتم السلاح وتركتم فلسطين تقاوم وحيدةً تقريباً وتواجه قوات إسرائيل الضاربة وغطرستها واستهتارها بالمواثيق والعهود والشرعية الدولية تماماً كما تفعل أمريكا فضلاً عمّا لها من نفوذ لدى رؤساء وملوك العرب الذين طرحتهم أرضاً ومدّت على ظهورهم جسوراً للوصول عَبرَ أراضي جزيرة العرب وسماء مكّة وقبر ومدينة الرسول إلى سواحل الخليج قُبّالةَ إيران.


نهار: محاولة للتفسير/ ماهر طلبه



قصة قصيرة

نهار غريب.. صحيت أنا م النوم  لقيته واقف فى البلكونة على السور بيضحك.. مرات قليلة قوى، يمكن مرتين أو ثلاثة إللى قابلت فيها نهار بيضحك.. "مرة لما عيسى قدر يهرب م اليهود وطلع لفوق،  ومرة لما قابلت البنت إللى حَاوَلت تعدل حياتى وانتحرت لما فشلت،  والمرة الثالثة.. مش فاكر، بدأت أنسى حتى حالات النهار المضحكة..  " أغلب نهاراتى راسمة على وشها بألوان باهتة رسم غريب..  يمكن حزن، يمكن أسى، يمكن حيرة، بل حتى يمكن غيظ من إللى بيحصل حوالينا ومش قادرين نغيره.. . كنت بقعد طول النهار- لحد ما الليل يشوف تعبى وحيرتى فاصعب عليه ويقول لى قوم نام - أحاول أعرف أيه المرسوم دا.. وبالليل أحلم وأحلم وأحلم.. يمكن ساعات أقدر أدْخُل حلم سعيد وأضحك، ويمكن ساعات ماقدرش أَدخّل الضحكة بقى فافضل طول الليل مكشر.. رميت البطانية بسرعة، وقمت أسحب أحاول أمسكه قبل ما يطير أو يقع فى الشارع، لكن لما قربت منه لقيت حواليه بركة ميه.. ماكانش بيضحك.. لكن كان راسم نفس الرسم المحير على وشه.. أنا رجعت براحة، وقعدت على طرف  السرير، وجبت الورقة والقلم، وبدأت أكتب علشان أقدر أفسر حالة النهار.



خير جليس للشباب الغربي.. شاب مسلم لا يشرب الخمر/ حسن العاصي



يعتقد غالبية الدنماركيين أن الشباب المسلمين في الدنمارك يعيشون حياة مملة. فإما أنهم يتجولون وينشرون الفوضى في الشوارع، لأنهم يفتقرون إلى شيء أفضل يفعلونه. أو يجلسون في المنزل ويقرأون القرآن، أو يلعبون ألعاب الكمبيوتر، أو يفعلون شيئاً آخر مملاً وخالياً من الكحول في ليلة السبت، بينما يمكنهم الخروج إلى المدينة بدلاً من البقاء في البيت. فالشباب المسلمون يمتنعون عموماً عن تناول الكحول، على عكس زملائهم الدنماركيين، الذين يحملون الرقم القياسي العالمي للسكر. مما يوحي أن هناك فرقاً كبيراً بين المجموعتين.

لكن الواقع بعيد كل البعد عن الاختلاف التام بينهم. يقول الشباب المسلمون أنفسهم إن لديهم حفلات كبيرة مع أشقائهم وأولياء أمورهم وأصدقاء آبائهم، حيث يرقصون ويتناولون الطعام، أو يجتمعون مع أصدقائهم ويشاهدون الأفلام، ويتحدثون عن الأسرار، ويفعلون نفس الأشياء التي يقوم بها المراهقون مثل أقرانهم الدنماركيين على وجه التقريب.

يقول المسلمون الدنماركيون الشباب أنه يمكنهم الاحتفال بسهولة مع عائلاتهم والاستمتاع بدون شرب الخمر. يرسم التحليل الدنماركي خرائط لعادات الشرب لدى الشباب المسلمين، ويعطي تلميحاً عن السبب الذي يجعل الشباب الدنماركي والمسلمين يجدون صعوبة في تكوين صداقات.


أقل من نصف الشباب المسلم حاولوا أن يكونوا في حالة سكر

يقدم تحليل دنماركي جديد أجراه المركز الوطني للبحوث للرعاية، وقسم علم الاجتماع في جامعة كوبنهاغن بعض الأرقام لأول مرة عن كمية الكحول التي يشربها الشباب المسلمون في الدنمارك، الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و19 عاماً. يُظهر أنه في حين أن جميع الشباب الدنماركي تقريباً "من أصل دانماركي" حاولوا شرب مادة واحدة مُسكرة على الأقل، فإن هذا ينطبق فقط على 50 ٪ من الشباب من أصول مسلمة.

41٪ فقط من الشباب المسلم كانوا في حالة سُكر على الأقل مرة واحدة في حياتهم، بينما جربه 97٪ من الدنماركيين الذين ليس لديهم تربية دينية.

فقط 19٪ من الشباب المسلم شربوا أكثر من خمسة أشياء دفعة واحدة خلال الشهر الذي سبق إجراء الاستطلاع. فيما قام 82٪ من الدنماركيين الذين ليس لديهم تربية دينية بنفس الشيء.


الخوف من فقدان السيطرة

تُظهر الأرقام في الدراسة أن 50٪ من الشباب المسلمين قلقون "للغاية" بشأن فقدان السيطرة على أنفسهم بسبب الشرب. بينما تبلغ نسبة "الدنماركيين العرقيين" القلقين 17٪ .

45٪ من الشباب من أصول إسلامية لا يخرجون أبداً إلى المدينة في عطلة نهاية الأسبوع، ولا يجلسون في أي حانة. لكن 8٪ فقط من الدنماركيين لا يخرجون.

يجب أخذ الأرقام مع بعض التحفظات، لأنها تختلف اختلافاً كبيراً داخل المجموعات الفردية، على سبيل المثال وفقاً لجنس الأفراد المسلمين، ومدى ممارستهم للعبادات، ووفقاً لخلفياتهم الثقافية. على سبيل المثال الشباب المسلم من البوسنة، يتناولون الكحول أكثر من الشباب المسلمين من أصول باكستانية.

الأرقام ترسم صورة شبه شاملة لثقافتين عرقيتين مختلفتين تماماً، تحاولا التوافق والتجانس معاً اجتماعياً في المدارس والكليات وجميع أنواع الأماكن الأخرى في المجتمع.

وعلى الرغم من أنه قد يبدو من السطحي الحديث عن الجعة والنبيذ كمتممات لمفهوم الصداقة والتفاهم، فإن الإعدادات المختلفة للشرب تؤثر على مدى ارتباط الشباب ببعضهم البعض بشكل يومي. حيث تشكل عادات الشرب انقسامات اجتماعية. من الواضح على سبيل المثال، أن تناول الكحول يخلق اختلافات اجتماعية في الفصل، لأنه عندما تشرب، فأنت عادة مع الآخرين الذين يشربون أيضاً.

تقول الباحثة "ماريا روجيسكوف" Maria Røgeskov التي أجرت التحليل "يمكن أن ترى أنه في المناسبات، حيث يمكنك شراء المشروبات الغازية والكحول، يجلس شاربو الصودا على الأرائك، بينما يجلس شاربو الجعة على الطاولات. إنها ممارسة تؤدي إلى إنشاء شبكة اجتماعية بين الطلاب الشباب، والتي لها أيضاً تأثير على من تجلس بجواره في الفصل الدراسي"

تشرح روجسكوف أنه بهذه الطريقة تقريباً، يُعتبر الكحول عاملاً تكاملياً اجتماعياً بين الشباب الدنماركي، ولكنه ليس كذلك بالنسبة للعديد من المسلمين.


لماذا لا تسكر؟

يبدو أن المسلمين الدنماركيين ما زالوا سعداء بالامتناع عن تناول الكحول، حتى لو عاشوا في الدنمارك لفترة طويلة، أو ولدوا فيها. ربما يكون هذا بسبب تأثير عادات وثقافة الوالدين وأثرها بشكل كبير على الأطفال.

يستند تحليل روجسكوف إلى بيانات مأخوذة من استبيان كبير شارك فيه 3080 شاباً له علاقة بالكحول والمخدرات. وكذلك على مقابلات مع مجموعات من ست مدارس ثانوية مع ما مجموعه 35 شاب مسلم من كلا الجنسين.

تقول روجيسكوف "إن بعض المسلمين يمتنعون عن شرب الخمر بسبب الدين، لكن معظمهم لديهم أسباب وجيهة أخرى" من أبرزها أن آباءهم لا يشربون الخمر، وبالتالي فإنه ببساطة يجعل من الصعوبة على بعض الأطفال والشباب المسلمين أن ينغمسوا في الكحول. كما أنهم يعتقدون أنه من الغريب - ولا يعجبهم - أن تشرب الكحول لتستمتع.

يرى معظم الشباب المسلم أن الشرب له بعض العواقب غير السارة، على سبيل المثال قد يتسبب بأضرار جسدية، وأضرار نفسية بشكل خاص. فعندما يصل السكارى الدنماركيون الشباب إلى المدرسة صباح يوم الاثنين محملين بذكريات من ليلة السبت، حول العديد من الأفعال الغبية التي ارتكبوها، يشعرون بالندم.

وبحسب روجيسكوف فإن "الشباب المسلم يتقبلون أن شرب الكحول جزء من الثقافة الدنماركية، لكنهم يشعرون أيضاً أن شرب الكحول يخلق الانقسام لأن لديهم أسلوب حياة مختلف"


ماذا عن الفتيات المسلمات

تفضل الفتيات المسلمات الشابات البقاء في المنزل على وجه الخصوص، بعيداً عن صخب المدينة، وذلك أساساً لأنهن يفكرن فيما يمكن أن يفعله بالعائلة وشرف العائلة إذا شوهدن في المدينة، والأسوأ من ذلك إذا خُدعن وهن في حالة سكر أو حتى قبلن شاباً.

تُظهر الدراسة أن كثير من الفتيات المسلمات الشابات "يرغبن حقاً في الخروج للرقص، ولكن هناك عائقاً يتمثل في أنه إذا لم تتصرف كما ينبغي، فيمكنك الإضرار بسمعة عائلتك" وفي الواقع هن يرغبن حقاً أخذ والديهن في الاعتبار، وفعل الشيء الصحيح سلوكياً.

وهنا يتعلق الأمر بالاحترام وبضرورة أن تكون الفتاة عذراء عندما تتزوج. وإذا أُثيرت الشكوك حول ذلك، فهو لا يفسد فرصة الفتاة فحسب، بل ربما أيضاً فرصة أختها للزواج، وبمجرد حصول الشابة على سمعة سيئة، من الصعب تغييرها بعد ذلك.


الجنس بعد الشرب

عبّر ما يقرب من 62% بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و19 عاماً من ذوي الخلفية الإسلامية، الذين تمت مقابلتهم أثناء الدراسة عن قلقهم "إلى حد ما" أو "إلى حد كبير" من ممارسة الجنس غير المحمي بعد شرب الكحول. ، في حين أن هذا ينطبق على 49٪ من الشباب الذين ليس لديهم خلفية دينية في الدراسة. بينما عبّر 35% فقط من الشباب المهاجرين عن هذا القلق. كان من الواضح أن الفتيات ذوات الخلفية الإسلامية هن الأكثر قلقا. ما يصل إلى 72٪ منهن يخشون ممارسة الجنس دون وقاية.

تشرح روجسكوف بأنه "يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على الفتيات، وعلى حياتهن الاجتماعية بأكملها إذا ذهبن إلى المدينة وسكرن".


عليك أن تأخذ والديك في الاعتبار

غالباً يذهب الأولاد للسهر في الخارج ويمكنهم العودة إلى المنزل في وقت متأخر عن الفتيات، ويتبعون عموما قواعد عائلية أكثر استرخاءً من أخواتهم. من ناحية أخرى ، فإن احترام الأسرة هو نفسه، والأولاد لديهم نفس الرغبة العالية في بذل قصارى جهدهم للعائلة، وتجنب خيبة أمل الوالدين.

أخبر الفتيان المسلمون ماريا روجسكوف أنهم إما يعودون إلى المنزل في وقت متأخر، أو ينامون مع بعض الأصدقاء إذا تناولوا مشروباً لإرواء عطشهم.

كما يعبّر كل من الفتيات والفتيان المسلمين، أنه حتى إذا ذهبوا إلى المدينة وشربوا، فيجب عليهم أولاً وقبل كل شيء أن يكونوا أبناء وبنات يأخذون في الاعتبار سمعة الوالدين، وشرف العائلة.


القواعد لكل من المسلمين وغير المؤمنين

قد يبدو الأمر كما لو أن الشباب المسلم يخضعون للعديد من القواعد، ولكن من المهم الإشارة إلى أن الدنماركيين يعيشون وفقاً لقواعد وأعراف خاصة بهم أيضاً.

يحرص الشباب الدنماركي ألا يرى والديهم شخصاً قاسياً أو سيئاً، وتوضح الدراسة أيضاً أنه يتعين على الفتيات الدنماركيات توخي الحذر بشأن عدد الرجال الذين هم معهم، حتى لا تحصل الفتاة على سمعة تكون رخيصة.

فيما يرغب الشباب المسلم في إسعاد والديهم من خلال كونهم شرفاء، وأن يكونوا أبناء وبنات صالحين، تسير ثقافة الشباب الدنماركي في اتجاه مختلف تماماً. ومن يحاول الاختلاط في هذا الفضاء سيواجه صعوبات جمة.

تشير ماريا روجسكوف إلى أن بعض قواعد اللعبة نفسها تنطبق على الدنماركيين العرقيين والمسلمين، لكن الحدود تختلف فقط بالنسبة للعديد من المسلمين كونهم الأكثر حذراً وتحفظاً.

بهذه الطريقة، تُظهر الدراسة بعض الطرق الأخرى للالتقاء معاً للشباب الدنماركي، الذين يشربون تلقائيًا تقريبًا في السياج أيام الخميس والجمعة والسبت.

إذا قلبنا كل شيء رأسا على عقب، يمكننا أن نرى أن العديد من المسلمين يستمتعون بأنفسهم ويمرحون بدون كحول. ربما يمكن استخدامه كمصدر إلهام عندما يناقش الشباب أو أولياء الأمور أو المدارس الشباب والشرب.

تقول روجسكوف "يأتي المسلمون بنهج مختلف يمكننا أن نتعلم منه شيئًا ما".

الجدير بالذكر أن نتائج هذه الدراسة "الشباب والمخدرات" التي أشرف عليها المركز الوطني للبحوث للرعاية، وجامعتي كوبنهاغن وآرهوس نشرت في كتاب بعنوان "المخدرات والحياة الليلية" Stoffer og nachteliv.عن دار "هانز ريتزل" للنشر Hans Reitzels Forlag.


الجليس الصالح

في دراسة نروجية سابقة مماثلة أعدتها الباحثة النروجية إلين أموندسن المختصة في مجال الكحول بمعهد الدولة لبحوث المخدرات Statens institutt for rusmiddelforsking أظهرت أن كميات الخمر التي يعاقرها النرويجيون وصلت إلى أرقام مخيفة، وأنها تزداد عند الجيل الجديد من الشباب. نصحت الباحثة الجهات الحكومية وأولياء أمور الأبناء الذين يتناولون الخمور في سن مبكرة، ضرورة تشجيع أبنائهم على التعايش مع جيلهم من الشباب المسلمين، نظرا لأن غالبيتهم لا يتعاطون الخمر بناء على قواعد الدين الصارمة.

فهل تلجأ السلطات الدنماركية إلى الطلب من أولياء الأمور والقائمين على المؤسسات التعليمية، حث الشباب الدنماركي على مخالطة ومصاحبة اقرانهم من المسلمين الشباب، للامتناع أو الاقلال من تناول الكحول، للحد من تنامي ظاهرة انتشار الخمرة بين الشباب؟


مصادر:


-         Undersøgelsen Youth, Drugs and Alcohol, YODA (SFI)

-         Foregængeren Projekt Unge & Alkohol, PUNA (KU)


رسائل خاصّة لعاشقة الفراغ/ فراس حج محمد



1

في المدينة حيث كنتُ البارحةْ

فاجأتني وهْي تخلو من كلّ مَنْ حولي مثل غبار أسودَ

لا شيء غريب في ملامحها سوايْ

حاولتُني فارتدّ طيفك داخلي

يهزأ بي

في المدينة فكرة أخرى تسلّم نفسها من نفسها

وتعيد ما ترجّل من حكايتي القديمة

لم تتركي فيها سوايَ على سبيلٍ ليس لي

في المدينة قسوة أخرى ليس يتقنها الصمتُ

سمعت ما تدحرج من خطواتنا

لم أكن بعد تدرّبت على حنيني

حاولتُك الأمس فحاولني الغيابُ

وأمطرَتِ الطريقُ ملامحي ونسيتُ

أنّني أمشي وحيداً دونما يدٌ تضمّدُ ما تيبّس من يدي

وصرختُ في ذاك الفراغْ...

وهزئتِ بي

أيقنتُ ساعتها أنّي وحيدٌ دونما امرأة تقودني نحو قافية من ياسمينٍ

زجاجةِ عطرٍ وضحكة لَيْلَكْ


2

كأنْ لم يبق بيني وبينكِ

غيرُ حرفينِ مشتركينِ

بضعُ جملٍ

وعشر نصوص مشاكسةٍ

وخمسُ قصص قصيرةٍ جدّاً

وسبع ليالٍ طويلةٍ

عشرة أعوام قِصارْ

ونصف قمر حزينْ

ستّةُ أسفارٍ

تزفّ صورتك الجميلة للقرّاءِ والنقادْ...

أصدقائنا المشتركينْ

كأنْ لم يبقَ بينيَ غيرُ

عُسْر الوقتِ

أشجار ظلٍّ

و"كمشةُ" أقحوانْ

ومعتقلٌ

وعدوى لا تزولْ

كأنْ لم يبق فيّ سوى وجعينِ منغلقين في ذات الأنينْ


3

امنحيني قليلاً من الوقتِ لأقول شيئاً عابراً

ليس أكثرَ من أحرفٍ أربعٍ ممتدّةٍ في صفحتينْ

فقط، خمسَ دقائقَ لا غير

أظنّها كافيةً

وكافيةً أيضاً لديكِ


4

بكلتا الحالتينِ سأزرع الدرب عيوناً حارسةْ

وأضمّم الريحان إكليلاً يزيّنُ

صدركِ الجامحَ

استعارتين شهيّتين تحتلّانِ عينيّ

وأعلن أنّني المهديُّ في تلك الطريقْ

وتبتهل الأبجديّة مثل حرف النورِ

والأضواءُ تشرحني، وترشح بي

وأكون سيّدك المسافر في شرايين الغرامِ المستقيمةْ

لأبعد ما يظنّ العاشقون الوالهون

وأبتكر الحكايات واحدة فواحدة تسلّي ليلك المسكون بالنجوى ودفق العشقْ

وأعلن حبّك الفاتن روحي كألف أغنية جميلةْ

وأفتح الأسفار إذ تلقين فيها السرّ دون توريةٍ

أكظم الوقتَ، لأنّي لا أراك سوى مجازٍ مرّ سريعاً فانطفأتُ كما اللغةْ


نصوص/ عباس علي مراد



مطر

تجود به السماء

وتحيا به الأرض

***

جفاف

السماء ملبدة بالغيوم

والمطر جفاف

***

لغة

بيان

ينير الطريق

مصرة على الحياة

وما أضناها تعب أو فوضى

***

معرفة

هاي غوغل

***

فوضى

صراع بين ما هو قائم

وبين ما يجب ان يكون

***

جسد

تتربص به النهايات

منذ البدء

***

قانون

للحب قانون غير مدون

***

ظن

"إن بعض الظن اثم"

***

كوابيس

النوم في القلق

النعاس يهجر العيون

والحلم هرطقة

***

حضن

ضمآن الى شيئٍ من الدفء

***

وباء

تباعد جسدي

صمتٌ رهيب

***

ظل

يشاركني حلي وترحالي

بدون ذاكرة

أنها عتمة الروح

***

موسيقى

تصدح بوجع الاوتار

النص عاريٌّ

النغم إيقاع المعنى

***

موقد

ناره 

حطب الأيام

لهب لا ينطفئ

ضوء، دفء وحياة…

يتجدد كلما تنفس الهواء

***

عبودية

روتين يومي

الوقت يطحن الحلم

عمل ونوم

نوم وعمل

وفيسبوك

انتهى الدوام

***

أمراض

النفاق

الوهم

الفراغ

الزمن مقبرة والكل موتى

***

قلق

يلف الزمان

يلف المكان

رائحته منتشرة في الهواء

اليقين مفقود

والفرح مزيف

***

فراغ

ذات ألم

فراغ هو الكلام

***

حداثة

بناء فوق رمال الماضي

حداثة مشوهة

***

ليل

يلفنا بردائه

ويسدل ستائره

على هموم أيامنا

ويستريح



زُهُورٌ وَدِمَاء/ الدكتور حاتم جوعيه

 


- قصيدة قديمة كتبتها في بداياتي الأولى في الذكرى السنوية على مجزرة صبرا وشاتيلا -

  

اطفالُ  شعبي  فوقَ  أعوادِ  المشانِقِ  يُصْلَبُونْ  

أطفالُ شعبي في الخيام ِ يُحاصرُونَ  وَيُقتلونَ وَيُحْرَقُونْ 

فلِأيِّ  أرض ٍ  يرحلُونَ  .. لأيِّ  مَنفىً   يَلجَؤُونْ 

كم   فاضَتِ   العبَراتُ   نهرَا 

كم  صاحَتِ المُهجاتُ  "صبرَا " 

" صَبْرَا " أيا  جُرْحًا جديدًا  فوقَ صدر ِ الشَّرقِ  جاثِمْ

" صَبرا " ...فيا عارَ العروبةِ  مُذ ْ بَدَتْ  فيها الخيانةُ  والجرائِمْ  

فعدُوُّ  شعبي  يشربُ  الأنخابَ  مِن  دَم ِ  الضَّحايا  

وَعَدُوُّ   شعبي  يصنعُ  الأمجادَ   مِن  تلِّ  الجَماجِمْ 

خَسئُوا وخابَ مَآلُهُمْ .. ها نحنُ  نشمُخُ في المَنافي والخيامْ  

هذي جذورُ الشَّعبِ  تكبرُ في المنافي السُّودِ عامًا بعدَ عامْ


        هذي جذورُ الشَّعبِ  تكبرُ في المنافي السُّودِ عامًا بعدَ عامْ


لا  تَجْزَعِي..لا  تذرفي الدَّمعاتِ  يا  أرضي الحَبيبَهْ

لا   تندُبِي   قتلاكِ   إن  سقطُوا  كأزهارِ   الخميلَهْ

هذي دماؤُكَ  يا  شهيدِي  أيْنَعَتْ  مجدًا وَغارًا ..أنبَتَتْ 

وَردًا  وَفُلا ... خَضَّبَتْ  وَجْهَ  العُروبَهْ

هذي دماؤُكَ  يا  فلسطيني  تُنيرُ الدَّربَ  للجيلِ الجديدِ 

تُثِيرُ  آلهةَ  الخُصوبَهْ 

إنَّا  رضعنا مِن  حليبِ القهر ِ في  سودِ الخيامْ 

وَنطلُّ  رغمَ القصفِ رُغمَ  القتلِ  سَدًّا في  وُجوهِ الغاصبينْ

خسئُوا  فقد  خابَتْ  أمانيهُمْ  جميعُ  الطامعينْ 

من  نصفِ  قرنٍ  نحملُ  الصُّلبانَ  فوقَ  ظهورِنا .. 

نتسلَّقُ الأهوالَ .. نقطَعُ عُمرَنا المَكدودَ في ليلِ  المَجازِرْ  

حَجِبُوا  شُعاعَ  النورِ عن وَطني  ولكنَّا  سنجتازُ  المَخاطِرْ 

ما  ماتَ  حقٌّ  إنَّما  يأتي  ولو  من  بعدِ  حينٍ   

شوكةً  في  عينِ  غادِرْ 

لا  بُدَّ  يومًا  سوفَ  نرجعُ   كالطيور  بطلِّ  أجنحةِ السَّلامْ

وَنعيشُ  في  فردوسِنا  المَنشودِ  في  أرضِ  السَّلامْ  


هكذا رثت الدكتورة بهية ابو حمد الشاعر الخالد عصام ملكي

 


Today, with utmost pride we are gathering at the precincts of this hall to pay tribute to an Astute Poet, a loving father, and a caring husband. A man who is resolutely grounded in his own time, and has shown remitting commitments to Poetry and Heritage and made vast contribution to it. This Poet is Issam Melkey who is respected and honoured by us. May God rest his soul in peace. 

نَستَذْكِرُ اليومَ شاعراً مخضرماً وجليلاً. هو بارع الظرف، خمرة الشعر، سيد الارتجال، ملك الهجاء، ميزان القوافي، حاضر البديهة، فياض القريحة، معطاء الكف، صادق الكلمة، هامة الشعر، حامي الوزن والقافية، حامي الشعر والكلمة، رمز الوفاء، عربون الاصالة، رجل المواقف الصعبة والمشرفة. انه الشاعر الكبير عصام ملكي. ابنُ بشمزين الأشم، الصديق الوفي، الأبْ الحنون، والمرشدْ الكريم، والمدافعْ القوي.


-هو الذي نادى حروف الابجدية من اعلى منبره:

قلت عا منبري يا ابجدية

الوحي بيعدني موسى كليمو

بدوني تاكدي مية عا مية

ما فيكي تخلقي ردة معنّى

اذا كل الحروف بيستقيمو.

-هو الذي راى النهاية قبل ان تبدأ:

يا حاطه ايدك عا خاصرتي

جيتي لعندي ووحدك سهرتي

من شلحة عيونك عليي غفيت

تا ترجعيني شَبْ ما قدرتي.

-هو الذي طلب مني كوني محاميته ان ادافع عنه:

يا بهية باسمك من زمان

سامع وانا عم زيدها مني

بكرا اذا بعلق مع النسوان

ولنو دقيقة دافعي عني.

-هو الذي ترحم بحسرة على الموتى:


حابب تا اعرف طعمتك عالريق

وشبع عيوني بشوفتك، مَوْ تا

تقولي ما بدي الذكريات تفيق 

نامي عا زندي، يرحم الموتى.       


-هو الذي تمسك بقول الحقيقة:

انا عالأرض من ساعة وصولي

قلت: مش قابل بغير الحقيقة

طريق النقد عالكلمه افتحولي

تا حتَّى تنزل وتطلع رقيقة.

-وانتقد الشويعر والمشعور:

بدي شعر بِيفَتِّح العميان

يخلي الجمر يغلي بشراييني

مِّن شويعر ومشعور نجِّيني.

***

بالجالية موجود يا اخوان

البيسابقو الغزلان عا الدابه

بخيطان خبز بيربطو الاوزان

من هيك جايب تحت باطي الآخ

وحامل صريخ الحرف بجيابي

-واشاد بحبه وحمايته للشعر :

شاعر انا ليِّي الشرف اختال

بساعة سكر ما بِكْسُرْ الرَّده

عطيت الشعر حقو بكلّ مجال

وكلما شموخي اِكتْبو عا جبال

بَعْمِل جبل صنين مسودِّه.  

***

شاعر انا والارتجالي بجيد

بيوتي بكرم الموهبه عناقيد

البِيعِدّ حالو زير بالميدان

بقللو تعا تا نحط ايد بايد.


-هو الذي ابدع في الهجاء: 

وتا يصير بيت الشعر عا كل شكل يمون

وصيّت حرف الهجا تا يجيب رسمالو

منشان كلما انشلح عا الاهتامام عيون

نخلـّي نجوم السما بالايد ينطالو

***

لو كل نبحة كلب رميولا حجر

كان صخر الصم أغلى من الدهب

-ورسم مشواره وهدفه:

انا جاي تا كفي دروب غابو

عنها رجالها ويطُولْ مَّدي....

وجاي  تا الزجل اكتب كتابو

عا حلم القافية والوزن حدي

لأنو من الكَسر ضيَّع صوابو

وقلي: يا عصام بْرِيد هلق

بسِدني تشرِّع بواب التحدي.

-وكان للغزل مكانة خاصة عند الشاعر:

قالت: يا ملكي كنت عم عدك مليح

ليش عم تصوفر كل ما بتمرق هَنا؟

قلتلها: لا تزعلي الملكي صريح

لحوا عا راسو الف مدماك انبنى

جيابي اللي عم بيصوفرو وحق المسيح

مش انا وحياة عينك مش انا.

***

ولما بجسمي توترت العروق

وجاب الصدى للصوت رديدة

قالت بِغَنجه روق نتفه روق

مش هلق بتقطف عناقيدي.

****

ووقت اللي قلتي الي يا صاحب دواوين

قلي شي ردة غزل للحب مرهونه

غنيت ساعة لِكي وتشردق التلحين

لما بيوت الشعر عا الآخ ودوني

***

ما قدرت اعطي قُبَل لشفافك ولا نام

غطه عا اول صدر ما في الو تاني

من الإِجر باخد كنت بالامس يا الهام

ولما التقينا صرت اخد من لساني.

***

ولما رحت وتخدر كياني

عليها صرت ادلق من حناني

وصارت صوفتي بالحب حمرا

وقبل ما يندلق بالكاس خمره

شفاف الكاس دلقِت عا القناني.

***

- وابدى دامعاً رغبته للعودة الى لبنان:

لبنان لِيي متل بَي وامْ

راجع لعندو ودمعتي قدِّي

تا لِم غبرة ذكرياتي وشِم

بعمشيت وجبيل وكرم سدِّه.

-وشدد الشاعر بان نذكُره بعد مماته:

انا انسان عم تنزف جراحو

حياتي قدَّمت ساعة فراقي

بعد ما الموت يعلن اجتياحو

البيحبو الشعر بدهم يذكروني

إذا التاريخ بيلملم اوراقي.

ايها الشاعر الكبير، سيفتَقِدُك الشعر والوزن والمعنْى. سيفتَقِدُك كلُ مجلسٍ أدبي وشعري وكلُ شاعر تاق الى وزنٍ سليم لقوافيه. 

لن انساك ايها الشاعر الكبير ولن ابكيك يا استاذ عصام، بل ساذكُرُك دوماً وبكل فخرٍ وفرح في كل مجلس ادبي وثقافي اتواجد فيه.

المسيح قام ، حقاً قام.


من صور النقّاد في الأذهان/ فراس حج محمد



من نوادر معرض فلسطين الدولي للكتاب الثاني عشر ما قالته طالبة في إحدى المدارس الخاصة خلال حديثها عن النقّاد. قالت عندما عرّف بي إليها صديقي سعادة السفير منجد صالح بأنني ناقد. بدا عليها الاستغراب والاندهاش، كأنها لم تصدّق، واندفعت تقول إنها كانت تتخيّل النقّاد أشخاصاً كباراً في السن، ظهورهم مَحْنِيّة، ويمتلكون أنوفاً مدلاة أمامهم.

صورة كاريكاتورية مضحكة، لكنها مثيرة للاهتمام، إذ كيف كوّنت هذه الطالبة المتحمسة الممتلئة نشاطا وحيوية ونصوصا هذه الصورة عن النقّاد.

أقف أمامها بكامل قامتي العرجاء، ونحولي الشديد، وأنفي الصغير، على الأقل أصغر مما تخيلت. وبآخر ما تبقى من شبابي الواقف على أعتاب الخمسين خريفا بارداً. بدوت وأن كل شيء فيّ يخالف صورة النقّاد المتخيّلة في رأسها الخصب.

بل لست وحدي من يخالف هذه الصورة المتخيّلة، كثير من أصدقائي النقّاد من ذوي الهيئات الجسمية الجميلة؛ فهم طوال، معتدلو القامات، يتمتّعون بشباب نضر، متأنّقون في لباسهم، وأنوفهم صغيرة متناسقة مع جمال وجوههم، وهم في الحقيقة أجمل منّي في الهيأة واللغة.

المهم في الموقف كله ليست الصورة، واقعيةً أو متخيّلة، إنما لماذا وجدت هذه الصورة في ذهن طالبة ما زالت على مقاعد المدرسة؟

ألهذه الدرجة يكره الكتّاب النقّاد منذ اشتغالهم الأول بالكتابة؟ هذه الطالبة تحمل دفترها، وتلقي على أسماع الكتّاب في فضاء المعرض شيئاً مما كتبته، ربما كنت الثالث ممن استمع إليها، أظن أنها لم تكن تبحث عن ناقد، لأن الناقد غول ربما فكرت أنه سيغتالها وهي بعد صغيرة، فبحثت عن الكتّاب فهم أقدر على استيعاب جنون نصوصها. ربما هذا ما كانت تفكّر فيه.

كيف سترى هذه الكاتبة المحتملة النقّاد عندما تكبر، وتنضج، وتنشر كتبها، مع ما تمتلكه من قوة في شخصيتها وشجاعتها الأدبية، ووعيها المتقدم كثيرا عن قريناتها اللواتي يسخرن منها في المدرسة، وهي تجابههن بقوة الكلام وقوة المواجهة، هذه "الرهف"- واسمها رهف- هذه الطالبة تناضل بالكتابة الشرسة لتقلم أنياب المتحلّقين حولها. هي مشروع ناقد محتمل أكثر من كونها مشروع كاتبة تتحدى العالم بالنص، ففيها ذلك المزاج الحاد الذي يصبغ شخصيات النقّاد بلغتهم "الفجة" أو لعلها شخصيتي ولغتي أنا وحدي كما وصفتني بذلك كاتبة أخرى، لا ترى فيما أكتبه من نقد وأدب سوى شيء لا يستحق الاهتمام، فهو إما شخصنة بلغة فجة أو كلام بذيء ليس أكثر!

ربما صورة هذه الطالبة صورة رمزية للقبح الذي يطبع صورتي في ذهن هذه المرأة بصورة أكثر دلالة على القبح الراسخ في لغة النقد، صورة حاضرة كذلك في ذهن كل الذين اكتووا بنيران الحقيقة، على الرغم من أنني لم أصب هذه الكاتبة بسوء بكل ما كتبته عنها. لقد حملتها لغتي "الفجة" إلى مكان لم يحملها إليه أي ناقد جميل الهيأة عميق اللغة ممن تنحاز إليهم وتدافع عنهم بشغف غريب. إنما هي أقدار النقّاد فعليهم أن يحتملوا الحقيقة أيضاً.

كنت أرغب أن تنتهي الأمور عند هذا الحد، لكنها في العمق أكبر من مشكلة، وأعقد من معضلة رياضية. فالكل يريدك مادحاً أو لعوباُ، لذلك فصورة النقّاد في ذهن الكتّاب طبيعية أن تكون هي صورة الغول غير الأنيق وغير اللبق ذو اللغة "الفجّة" التي تخبط فتهشم رؤوس الكتاب وتفتح فيها جروحاً لن تبرأ أبداً أبداً، كما لم يبرأ النقّاد أو أنا على الأقل من جروح النقد الحادة التي جعلتني مقولباً في صورة الناقد الذي لا يعجبه شيء، فجّ اللغة والأسلوب، ويشخصن الكتابة، وعليه فصورة الطالبة الكاريكاتورية القبيحة للنقاد هي ذاتها بشكل معنوي ما قالته تلك الكاتبة ولكن بصورة أكثر إيلاماً.


ينظر الأوروبيون إلى المسلمين على أنهم متخلفون../ حسن العاصي

 


التجريد الصارخ من الإنسانية

"ليس عليك أو تكون وحشاً أو مجنوناً لتجريد الآخرين من إنسانيتهم. يلزم فقط أن تكون إنساناً عادياً" )عالم النفس البريطاني، أستاذ الفلسفة في جامعة نيو إنجلاند "ديفيد ليفنغستون سميث" David Livingstone Smith صاحب كتابي "نزع الصفة الإنسانية وكيفية مقاومتها" Dehumanization and How to Resist عن جامعة أكسفورد عام 2020، وكتابه العاشر "صنع الوحوش: القوة الخارقة لنزع الصفة الإنسانية" Making Monsters: The Uncanny Power of Dehumanization الصادر عن جامعة هارفارد عام 2021(.

إن العلاقة بين نزع الصفة الإنسانية والعنصرية، وما يعنيه اعتبار الآخرين ليسوا بشراً، وكيف يتحول تجريد الآخرين من إنسانيتهم إلى شيء وحشي للغاية بحيث يجب تدميرهم، أمر يثير الصدمة والرعب. يعتقد البعض أن أعداءهم وحوش وبالتالي يسهل قتلهم ـ كما حصل في رواندا عام 1994 في مذبح الإبادة الجماعية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي. إن تسمية شخص ما بالوحش، ليس مجرد ملجأ إلى الاستعارة - فالتجريد من الإنسانية يحدث بالفعل في أماكن كثيرة في هذا العالم القبيح.


الأغنام السوداء

خلال أزمة اللاجئين في عام 2015، تحدث بعض السياسيون الأوروبيون عن "أسراب" و"نفايات بشرية". وفي الحملة الرئاسية الأمريكية لعام 2016، تحدث الرئيس ترامب عن "انتشار مرض معدٍ ضخم عبر الحدود". وفي مناسبة لاحقة ، وصف ابنه الجدار سيئ السمعة على طول الحدود المكسيكية بـ "سياج حديقة الحيوانات". المرشح المحتمل لرئاسة فرنسا اليميني المتطرف "إريك زمور" Eric Zemmour ذكر أن يرحب باللاجئين الأوكرانيين لأنهم "شعب أوربي مسيحي، وأكثر قرباً للفرنسيين من أمواج المهاجرين من البلدان العربية المسلمة ودول الشرق الأوسط. في سويسرا قام "أولريخ شلوير" Ulrich Schluer المدير المسؤول عن صحيفة "الزمن السويسري" وأحد السياسيين البارزين في حزب الشعب بحملة "الأغنام السوداء" لمنع الهجرة.  تصريح رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان" Viktor Urban العنصري هذا العام الذي رفض المجتمع المتعدد، حيث قال "ننتقل إلى أماكن أخرى، نعمل في الخارج، نختلط داخل أوروبا. لكن لا نريد أن نكون عرقًا مختلطًا أو (شعبًا) متعدد الإثنيات" يختلط مع "غير الأوروبيين".


المسلمون في مرتبة أدنى

أظهر اثنان من الباحثين الرائدين في مجال علم النفس الاجتماعي هما "نور كتيلي" Nour Kteily (جامعة نورث وسترن) و"إميل برونو" Emile Bruneau (جامعة بنسلفانيا)، أن غالبية السكان في كل من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية يعلنون عن طيب خاطر أن مجموعات الأقليات العرقية والدينية المختلفة في بلدانهم هم "أقل تطوراً" من السكان العرقيين الأصليين. وهذا ينطبق بالتالي على اللاجئين المسلمين في أوروبا، وكذلك المكسيكيين، واللاتينيين، والمسلمين في الولايات المتحدة.

قام الباحثان عام 2019 بكشف تأثير التجريد الصارخ من الإنسانية للتنبؤ بالمواقف والسلوكيات السلبية للجماعة.  فعملا على فحص عملية نزع الصفة الإنسانية الصارخة عن اللاجئين المسلمين خلال "أزمة اللاجئين" خلال العامين 2015/2016 بين عينات كبيرة في أربع دول أوروبية: جمهورية التشيك، والمجر، وإسبانيا، واليونان. أشارت النتائج إلى أن تجريد اللاجئين المسلمين الصارخ من إنسانيتهم هو (أ) سائد بين الأوروبيين، و(ب) مرتبط بشكل فريد بالمواقف والسلوك المناهض للاجئين، بما يتجاوز الأيديولوجية السياسية، والتحيز، وذو صلة خاصة بأزمة اللاجئين. كما وجد الباحثان أن تجريد اللاجئين المسلمين من إنسانيتهم بشكل صارخ هو أعلى بكثير ويرتبط بقوة بالسلوك بين المجموعات في دول أوروبا الشرقية (خاصة جمهورية التشيك) منه في إسبانيا واليونان. من خلال دراسة مجموعة من الأهداف الخارجية خارج نطاق اللاجئين، توضح النتائج بشكل أكبر أن التجريد الصارخ من الإنسانية ليس تحيزاً عرقياً محضاً. في حين يشعر الأفراد عبر السياقات بدفء تجاه مجموعتهم أكثر من غيرهم، فإنهم يصنفون العديد من المجموعات الخارجية ذات المكانة العالية على أنها "متطورة بشكل متساوٍ أو كامل وحضاريًا" من الجماعة. يخلص البحث إلى أن نزع الصفة الإنسانية بشكل صارخ يلعب دوراً مهماً ومستقلاً في رفض اللاجئين المسلمين في جميع أنحاء أوروبا.


قياس التجريد من الإنسانية مع "صعود" الأمم

في سلسلة من سبع دراسات، استخدم "كتيلي" Kteily وزملاؤه "آدم ويتز"Adam Waytz الأستاذ المشارك للإدارة والمنظمات في كيلوغ Kellogg، و"إميل برونو" Emile Bruneau من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، و"سارة كوتيريل" Sarah Cotterill من جامعة هارفارد، الرسم التخطيطي المعروف "صعود الإنسان" لتحديد مدى استعداد المشاركين لتجريد الآخرين من إنسانيتهم بشكل صارخ. يعود الرسم التخطيطي، الذي تم تغييره وحتى محاكاته بصورة ساخرة على مر السنين، إلى رسم توضيحي لكتب تايم لايف Time-Life Books من الستينيات. يُظهر خمس شخصيات في صورة ظلية تم تصويرهم على أنهم في مراحل مختلفة من التطور الحضاري - من أربعة أرجل منحنية في أقصى اليسار إلى إنسان مستقيم في أقصى اليمين.

في دراساتهم، طلب الباحثون من المشاركين أن يرتبوا حيث تقع المجموعات المختلفة في طيف التطور التطوري.

يقول كتيلي: "إنه بالتأكيد مقياس استفزازي". لكننا أردنا أن نلتقط التجرد من الإنسانية بأوضح العبارات الممكنة ولا لبس فيها. أردنا التأكد من عدم وجود طريقتين لما يحدث"

شملت الدراسة الأولى 201 أمريكياً. تم عرض مخطط صعود الرجل على هؤلاء المشاركين على جهاز كمبيوتر به 13 جنسية أو مجموعات عرقية ودينية مختلفة مُدرجة، وطُلب منهم الإشارة إلى "مدى تطور [هم] في اعتبارهم متوسط عدد أفراد كل مجموعة.

قام المشاركون بذلك عن طريق تحريك شريط التمرير الموجود بجوار كل مجموعة إلى أي نقطة على مقياس صعود الرجل. قام الباحثون بتحويل الردود إلى ترتيب رقمي من 0 إلى 100 حيث يمثل 100 أعلى نقطة في التطور، وهي الصورة الظلية المقابلة للإنسان "الكامل".

في النتيجة احتل الأوروبيون والأمريكيون المرتبة الأولى والثانية بنسبة 91.9 و91.5 على التوالي. كانت ست مجموعات أخرى ضمن نقطتين من ذلك، وبالتالي لا يمكن تمييزها إحصائياً عن الأمريكيين: السويسريون، واليابانيون، والفرنسيون، والأستراليون، والنمساويون، والأيسلنديون. سجلت خمس مجموعات درجات أقل بشكل ملحوظ: الصينيون (88.4)، الكوريون الجنوبيون (86.9)، المهاجرون المكسيكيون (83.7)، العرب (80.9)، والمسلمون (77.6).

يقول كتيلي: "هذه التصورات متطرفة". "لكنهم لا يقتصرون على الهامش ، حيث يقود التأثير شخص أو شخصان. كانت أعداد كبيرة جدًا من الناس على استعداد لنزع الصفة الإنسانية عن الجماعات الأخرى ".


تطبيق التجربة في الدنمارك

أظهرت دراسة دنماركية قامت بها مركز Lundbeck الدنماركي للأبحاث عام 2020، أن الدنماركيين ينظرون إلى المسلمين على أنهم في مرحلة العصر الحجري. تظهر الأبحاث الدولية أن هذا الشكل من التجريد من الإنسانية يولد ضغطاً مضاداً ويمكن أن يؤدي إلى دوامة عنيفة.

قام المركز بقياس درجة استعداد الدنماركيين للقول إن المسلمين أقل تطوراً. في الدراسة، تم استخدام نفس المقياس الذي استخدمه الباحثون المذكورون أعلاه في الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والمجر، واليونان، من بين دول أخرى. لذلك تم الطلب من حوالي 1200 دانماركي تم اختيارهم بشكل تمثيلي للعينات المختلفة قراءة التعليمات التالية:

"تسمع أحياناً وجهة نظر مفادها أن الناس يختلفون في مظهرهم البشري. توصف بعض الشعوب أحياناً بأنها متطورة للغاية، في حين يتم وصف البعض الآخر على أنه لا يمكن تمييزه عن الحيوانات الدنيا. باستخدام الصورة أدناه كدليل وبتحريك المؤشر على المقاييس أدناه، نطلب منك الإشارة إلى مدى تطورك في إدراك العضو العادي في المجموعات المختلفة". ثم وضع المشاركون 14 مجموعة مختلفة على مقياس الصورة المرفقة.

كما يتضح من الشكل ، يمكن للمشاركين وضع المجموعات المختلفة من 0 إلى 100، والتي تقابل على التوالي الأقل والأكثر تطوراً فيما يتعلق بالتوضيح المرتبط.

كانت النتائج واضحة: أظهر الدنماركيون علامات واضحة على نزع الصفة الإنسانية كما وجدت الأبحاث السابقة في بلدان أخرى. حيث وضع الدنماركيون المسلمين في مرحلة العصر الحجري.

تم تصنيف الأقلية الدينية "المسلمون" بمتوسط 64 في مرحلة العصر الحجري.

تم سؤال المشاركين عن مجموعات الأقليات العرقية مثل الأتراك والعرب وكان متوسط ترتيب هذه المجموعات: الأتراك 70 والعرب 65.

وللمقارنة، طلب المركز أيضاً من المشاركين في الدراسة وضع المجموعتين "الاسكندنافيين" و "الأوروبيين" على نفس المقياس. وبالتالي يمكن اعتبار هاتين المجموعتين ممثلين لتصور الدنماركيين عن مجموعة الأغلبية في المجتمع الدنماركي. وكان متوسط ترتيب "الاسكندنافيين" 86، بينما كان "للأوروبيين"85 .

وبالتالي، يُنظر إلى مجموعة الأقلية "المسلمون" على أنها أقل تطوراً بنسبة 25% تقريبًا من مجموعتي الأغلبية ، ولكن المسلمين أيضاً أقل تطوراً بشكل ملحوظ من الآسيويين ـ بحسب المشاركين ـ على سبيل المثال، الذين حصلوا على 76.

هذه الدراسة الدنماركية التي شملت 1200 دنماركي تم اختيارهم تمثيلياً، على الرغم من أنها ليست جزءًا من مقالة منشورة علمياً، ولكن تمت الإشارة إليها في عدد من المقالات العلمية. يذكر المشرفون على الدراسة أنها لا تعبر بالضرورة عن أن غالبية الدنماركيين ينظرون إلى المسلمين على أنهم متخلفون تطوريًا ومتخلفون.

ربما استخدم المشاركون المقياس للتعبير عن موقفهم العام تجاه المسلمين و(عدم تعاطفهم) معهم. لكن الطريقة التي يتم بها التعبير عن هذا الموقف يمكن أن تحدث فرقاً في الانسجام الاجتماعي.

عندما تُحرم من إنسانيتك كأقلية، فإن ذلك يجلب معه الكراهية والغضب. هذا ما تشير إليه نتائج كثير من الدراسات الدولية.

يجد المركز الذي أشرف على الدراسة صعوبة في معرفة آليات حدوث نفس الديناميكيات والعمليات الأساسية للمجموعة في الدنمارك. بمعنى آخر، كيف نشير إلى بعضنا البعض.

ولكن، بغض النظر عما قد يظنه المرء من تلك العبارات، فإنهم في جميع الحالات يبنون جسراً لغوياً بين المهاجرين والأقليات من ناحية، وأنواع الحيوانات الأقل وتطوراً من ناحية أخرى.


التجريد من الإنسانية

التجريد من الانسانية هو واحد من ثمانية أشكال "فك الارتباط الأخلاقي" التي وصف من خلالها عالم النفسي الكندي "ألبرت باندورا"Albert Bandura البشر بأنهم قادرون على ارتكاب جرائم فظيعة. لقد طورت الحضارة البشرية أدواتها لمنع العدوان، ولكن لم تقم بإزالة العنف.

 يرجع ذلك جزئياً إلى تقنيات خلق الأعذار والتبريرات (الزائفة) للسلوكيات غير الأخلاقية. إن جميع تقنيات فك الارتباط الأخلاقية هي حيل لجعل الناس يقبلون السلوكيات التي قد يعترفون بها على الفور بأنها غير أخلاقية، وغير عادلة. على سبيل المثال ، بافتراض أن معظم الناس ليسوا معجبين بإساءة معاملة النساء، يتم استخدام استراتيجيات التجريد من الأخلاق وغير الإنسانية الأخرى لخداع الناس لقبول إساءة معاملة بعض النساء. المتلاعبون يفعلون ذلك لضمان السلطة أو الربح المالي.

ترى نظرية فك الارتباط الأخلاقي لباندورا أنه أثناء التطور الاجتماعي، يتم تعزيز السلوك أو المعاقبة عليه من خلال استخدام إجراءات مختلفة، وهي لائحة نخضع لها بمرور الوقت من خلال الاستيعاب عبر التنشئة الاجتماعية. شيئاً فشيئاً. نحن نطور إحساساً بالأخلاق الذي ينظم سلوكنا بناءً على القيم المحددة في طريقة وجودنا. وبالتالي، فإننا نميل إلى التصرف بطريقة تتفق مع معايير السلوك التي استوعبناها، وتنظيمها ذاتياً.

ولكن من الممكن أحياناً أن يقوم الأشخاص بأفعال تتعارض مع هذه القيم والمعايير الداخلية (من أجل الراحة، أو التوافق، أو البقاء، أو أسباب أخرى محتملة)  والتي عادة ما تسبب تنافراً بين ما نفعله وما نفكر فيه. سيؤدي هذا إلى زيادة التوتر الداخلي وظهور الانزعاج الذاتي أمام الأداء نفسه، عند ظهور صراع أخلاقي.

في هذه الحالات ، وخاصة عندما يكون الانتهاك انفصالاً قوياً عن معتقداتنا وقيمنا، من الشائع أن يدعو باندورا الانفصال الأخلاقي الانتقائي، باستخدام آليات دفاع مختلفة لمحاولة إضفاء الشرعية على الإجراءات، على الرغم من تعارضه مع نظامه الأخلاقي الذي يعطل التنظيم الذاتي، ويصبح اللوم الأخلاقي على هذه العناصر غير ذي صلة، ويمكن الدفاع عنه بالنسبة للشخص نفسه.

يحدث هذا الانفصال تدريجياً، بحيث بعد فترة يمكن قبول المزيد والمزيد من السلوكيات التي تعتبر في البداية غير مقبولة، أو سخيفة، أو قاسية، أو حتى إجرامية. وبالتالي، فإن مفهوم الذات محمي ولا تظهر عملية التنظيم الذاتي المعتادة، حيث يتم استخدام آليات دفاعية مختلفة.

تستند هذه النظرية إلى فكرة أن التفاعل بين السلوك والتفكير يتأثر بعمق بالعوامل البيئية والشخصية والسلوكية، كما تتأثر الأخلاق أيضاً بتأثير الإدراك والعواطف والتفاعلات الاجتماعية. نظرية باندورا للانفصال الأخلاقي، كما رأينا في المقدمة، قابلة للتطبيق في جميع أنواع المواقف: من البسيط والتافه، إلى جرائم الحرب الكبرى. من الواضح أنه كلما زادت صعوبة الفصل بين السلوك والأخلاقي، زادت صعوبة التطبيق، وزادت الحاجة إلى الاستخدام المكثف للآليات الدفاعية، والتي تمنع تدمير الذات ومفهوم الذات.


انتعاش الشعبوية

جاء في تقرير الشبكة الأوروبية لمكافحة العنصرية "إينار Enar"لعام 2021 أن نبرة معاداة طالبي اللجوء والمهاجرين تزاد حدة في أوروبا، حيث تنشر الجماعات والأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة أفكارها بشكل واسع، خصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وذكر التقرير أن عدد المظاهرات والاحتجاجات تكشف قوة تأثير الجماعات اليمينية المتطرفة فيما يخص نشر تصوراتها المعادية للإسلام، وطالبي اللجوء والمهاجرين في أوروبا.

وثقت الشبكة تصريحات لسياسيين منتخبين من دول مثل رومانيا، وسلوفينيا، والمجر، تحمل الكثير من العداء للأجانب. أما الخطابات النارية المعادية خصوصا للمهاجرين المسلمين فلها مواطن كثيرة في دول الاتحاد الأوروبي. في بولونيا، وكرواتيا حصلت الأحزاب التي تحمل أفكارا عنصرية أكثر من 30% من أصوات الناخبين. وكانت هذه النسب بحدود 20% في كل من النمسا، والدنمارك، والمجر. فيما لا تجد هذه الظاهرة انتشارا واسعا في إسبانيا مثلا، حسب تقرير الشبكة.


حقائق مقلقة

التاريخ مليء بأمثلة عن كيفية تجريد الناس من إنسانيتهم من أعراق، أو ديانات، أو خلفيات عرقية مختلفة. نفكر في حقيقة أن العبيد في الولايات المتحدة كانوا يُحسبون على أنهم ثلاثة أخماس الشخص عند تحديد التمثيل في الكونجرس، أو أن النازيين أشاروا بشكل روتيني إلى فئات عرقية معينة على أنهم "حشرات".

لقد اتسم النقاش الدائر في السنوات العديدة الماضية حول اندماج الأقليات في الدول الأوروبية، بالنقاش حول المحتوى السياسي الفعلي لهذا النقاش، وحول لهجة النقاش، أي الطريقة التي يتم الحديث بها عن المهاجرين.

تعتبر نتائج هذا المشروع بمثابة تذكير عاجل بأن التمييز الحقيقي مستمر ويساهم في العنف السياسي والمجتمعي. بعبارة أخرى ، فإن التجريد من الإنسانية يؤدي إلى دوامة مفرغة لا تؤدي إلا إلى تفاقم إمكانية حل المشكلات الفعلية التي قد توجد فيما يتعلق بالهجرة والاندماج. إن الضغط يولد الضغط المضاد. عندما تعبر مجموعة الأغلبية عن أن الأقليات أقل تطوراً ، تستجيب الأقليات من خلال إدراك الأغلبية السكانية بنفس الطريقة.

إن الحقيقة القائلة بأن التجريد الصارخ من الصفة الإنسانية تجاه مجموعات معينة في عدد من الدول، هو أمر حقيقي وواسع الانتشار، وهو أمر مثير جداً للقلق أيضاً. يتطلب الأمر منا أن نسأل، كيف يمكننا تجاوز هذه التصورات المقلقة للغاية وتحسين المواقف والسلوكيات بين المجموعات المختلفة؟


 مصادر


- Backlash: The Politics and Real-World Consequences of Minority Group Dehumanization' (2016). Personality and Social Psychology Bulletin. DOI: https://doi.org/10.1177/0146167216675334

- The ascent of man: Theoretical and empirical evidence for blatant dehumanization' (2015). Journal of Personality and Social Psychology. DOI: https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037/pspp0000048

- The unique effects of blatant dehumanization on attitudes and behavior towards Muslim refugees during the European ‘refugee crisis’ across four countries'. (2017) European Journal of Social Psychology. DOI: https://doi.org/10.1002/ejsp.2357

https://insight.kellogg.northwestern.edu/article/the-danger-of-dehumanizing-others

انشطار القائمة المشتركة وسياسة النجوم/ جواد بولس



راهنتُ على أن قادة الأحزاب العربية الثلاثة: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة وحزب التجمع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير، سيتوصلون، مهما راوغوا وناوروا وضَلّلوا وضُلّلوا، إلى تفاهمات أساسية تفضي في نهايتها لاعادة بناء القائمة المشتركة وتُمكّنهم، مجتمعين، من العبور ، هذه المرة أيضًا ، نهر السياسة الإسرائيلية المضطربة، وتنجّيهم من السقوط الكبير. 

فشلت رهاناتي؛ فعند اقتراب ساعة الصفر وقبل اغلاق باب تقديم القوائم إلى لجنة الانتخابات الاسرائيلية بوقت قصير، سمعنا نبأ حدوث "الانفجار الكبير" الذي نجم عنه تقديم قائمتين منفصلتين، واحدة باسم التجمّع الديمقراطي، وأخرى تجمَع الجبهة الديمقراطية والحركة العربية للتغيير.

لن أتعاطى في هذا المقال مع سيل التبريرات والادعاءات التي دفع بها كل طرف لشرح مسببات  قرار الانفصال وتأثيم شركاء اللحظة قبل الأخيرة، بحدوث ما حدث. لن أفعل ذلك لأن المشهد برمته كان معيبًا ؛ وهو يشبه خناقة بدأت بين أطفال في شوارع قرية، ثم ما لبثت أن انتقلت إلى كبارهم ثم إلى اقتتال دام بين عائلتين أو حمولوتين كتب عليهما، بسبب تلك الخناقة، أن تمضيا العمر تحت ظلال الثأر والانتقام والضغينة الدفينة. ما حصل كان مؤسفًا، ولعبة  " إنت بديت ..لأ، انت بديت"  كانت طفولية إلى حد السذاجة، ومستفزة الى حد الدهشة؛ لكنها في الواقع أثبتت أن الاقتتال لم يكن بسبب "رمّانة، بل من قلوب مليانة"، ومن يبحث يستطيع أن يجد كم مرة أشهرت بين الشركاء الخناجر  المخبأة تحت العباءات وفي أنفاس الزمن.      ليس من الصعب اليوم، بعد أن تكشّفت بعض الوثائق والتسجيلات، أن يتعرف مستطلع محايد الى ماذا ومن كان وراء القرار الحاسم بالانسلاخ وفض تلك الشراكة؛ ولن أتطرق هنا الى الدوافع التي رجّحت وحسمت سلوك كل طرف من الأطراف الثلاثة، خاصة قادة حزب التجمع، ولماذا اختاروا الطريق الذي اختاروه في النهاية ؛ فالخوض في تلك التفاصيل اليوم لن يكون في مصلحة الحملات التي تطالب المواطنين العرب وتحثهم على التصويت والمشاركة في حسم المعركة الانتخابية، وهذا ما بدأ ينتبه له قادة ونشطاء الأحزاب في اليومين الأخيرين.

يوجد ضرورة  لطي تلك الصفحة والانتقال إلى الجوهر، كما صرّح مؤخرًا معظم قادة الأحزاب العربية وبضمنهم النائب سامي ابو شحادة. فالوضع الذي اوصلونا إليه خطير وبائس، ويتطلب بذل مجهودات استثنائية، من قبل جميع الأحزاب،  لاقناع الناخبين بضرورة المشاركة في التصويت، ثم اقناعهم للتصويت  لأحزابهم بعد أن يستعرض كل حزب برنامجه السياسي وتصوره حول الوسائل الممكنة والمتاحة من موقعهم في الكنيست لتحقيق تلك البرامج. بالرغم من أهمية هذه المسألة وكي تكون مساعي طي الصفحة أنجع، من المفترض أن تُنقّى الفضاءات الاجتماعية و السياسية في قرانا ومدننا من رواسب الحملة الخطيرة التي شنها قادة ونشطاء في حزب التجمع، بعد فض الشراكة، ضد شركائهم في القائمة المشتركة، خاصة اتهامهم الصريح للنائبين أيمن عودة وأحمد الطيبي بالتآمر مع يئير لبيد، رئيس الحكومة، على تفكيك القائمة المشتركة والقضاء على وجود حزب التجمع عن طريق عرقلة امكانية تقديم قائمته الانتخابية للجنة الانتخابات؛ وهي فرية تعادل في عرف السياسة والقوانين الاجتماعية والاخلاقية تهمة "الخيانة".    

لم أتوقع أن يتبنى النائب سامي أبو شحادة مثل هذا الادعاء المختلق الذي لا يستسيغه عاقل، وغير المسبوق بخطورته؛ ولا أن يردده بتصميم من على جميع المنصات لبضعة أيام، وهو الذي عرفناه دمثًا رزينًا متعقلًا يصون لسانه كما يصون كرامته ويدافع عنها بصلابة واصرار.  

لم أكن على معرفة شخصية مع النائب سامي أبو شحادة، إلى أن التقيته مؤخرًا خلال وجودنا في عمان للمشاركة في حفل الفنان مرسيل خليفة الذي اقامه "نادي الهلال المقدسي". كانت لقاءاتي به في عمان قليلة وقصيرة، لكنها كانت كافية كي ألمس طيبته وهدوءه واتزانه في علاقاته مع الآخرين. وقد لفت انتباهي دفء علاقته مع زميله النائب أحمد الطيبي، الذي تواجد في عمان لنفس السبب، والاحترام الظاهر المتبادل بينهما، في كل اللقاءات التي حضرتها أو شاهدتها  او عرفت عنها. أقول هذا ليس من باب الصدفة أو النميمة بل كي أوكد على أن ما حدث  ليلة الخميس الماضي لم يكن متوقعًا ولا مبررًا؛ والأغرب من ذلك كان الهجوم الشرس على شخصي أيمن عودة والطيبي، بعد حصول الانفصال، بمشاركة النائب ابو شحادة غير المفهومة لدي على الاطلاق والغريبة على أسلوبه السياسي العام الذي يبديه في الحديث حتى عن ومع الساسة اليمينيين العنصريين.     

جميعنا يعرف أننا على عتبة مرحلة سياسية مصيرية سنشعر بتبعاتها في الثاني من شهر تشرين ثاني المقبل، أي بعد ظهور نتائج الانتخابات.  وعلى الرغم من الاختلافات السياسية في مواقف الأحزاب المشاركة في عملية الانتخابات وبينهم وبين من يقاطعونها، يجب أن تبقى جسور الاحترام والحذر  ممدوة بين الجميع، لا سيما عندما نشاهد اليافطات العملاقة التي يعلّقها نشطاء اليمين الفاشي المحموم في شوارع المدن اليهودية وعليها صور النائب أيمن عوده والنائب الطيبي وهما يتلفعان علم اسرائيل وشعار كبير بينهما يعلن بشكل تحريضي "هكذا ستكون صورة النصر"، والمقصود طبعًا نصر يئير لبيد ومعسكره. لا يمكن أن نستبعد تأثير هذه الدعاية على بعض المأفونين ودفعهم إلى الاعتداء على النائبين، قد يصل إلى حد ارتكاب جريمة القتل.

ألم يكن على قادة حزب التجمع، وكل من يستسهل اطلاق تهمة الخيانة ضد غريمه السياسي، أن يحذروا من اشاعة أجواء التنابز العنيف ومن عواقبها المحتملة، خاصة ونحن نعيش بين نارين : نار العنصرية الفاشية ودعايتها المحرضة على القتل، ونار العنف والجريمة التي قد تتمادى وتجيّر، في معطيات مختمرة، لبث الفتنة والفوضى السياسية داخل مجتمعاتنا. لقد صارت احتمالات الاغتيالات السياسية في مواقعنا أقرب مما يتخيّلها البعض، ولنا بما يحصل في  المجالس البلدية والمحلية عبَرٌ واضحة. 

لسنا في معرض سرد سلبيات وايجابيات مسيرة القائمة المشتركة بتشكيلاتها المختلفة، فالبعض ينتقدها ويشدد على أنها أدت إلى غياب المنافسة الحزبية واضعاف الأحزاب وهيئاتها، وبالتالي ساعدت على تغييب دور السياسة من حياة الناس وساعدت على تنمية شخصية القائد النجم ؛ لكننا لا نستطيع، في المقابل، حتى وإن فعلًا ساهمت في تأزيم تلك الحالة الموجودة أصلًا، أن نغفل حقيقة كونها عاملًا هامًا في "ترويض" النفوس المتحزبة المتزمتة والمتمردة والحد من تأثيرها في تقويض حالات السلم الأهلي السياسي داخل مجتمعاتنا، وفي تهذيب لغة الخطابة بين الشركاء، سيان على مستوى القيادات والكوادر؛ مع اننا كنا نسمع صليل سيوف هؤلاء المردة من حين لآخر.  

 لم يدم هذا السلام والتفاهم بين الاخوان طويلًا؛ فما أن انتشر نبأ انشطار القائمة المشتركة حتى صحت الجحافل من سباتها، وعادت أفواج المستقيلين والمقالين والزعلانين والمتمزعلين إلى أحضان قبائلهم، وطفقوا يطلقون سهامهم القشيبة هذا إلى صدر ذاك، ورجعنا الى حالة التفوير السياسية، حيث لا عقل يسود ولا قلم يفتي، وأبناء "مارك" يملأون الفضاءات "فكرا" ويبرع منتجو الاخبار بتلفيق أخبارهم وشائعاتهم. كنت على مسافة قريبة من مجريات الأحداث ولم أصدق كيف حدث هذا الانهيار بهذه السرعة .

أتمنى أن ينسى الناس تفاصيل ما جرى وأن يكونوا مستعدين لسماع ما لدى قادة الأحزاب أن يقولوه وأن يقبلوا بعودتهم لممارسة دورهم الاجتماعي والسياسي في التأثير على مجريات الأمور في الدولة، مهما كان ذلك التأثير محدودًا؛ أقول أتمنى وأشعر أننا سوف نخسر "السياسة"بعد أن خسرنا "وحدتنا" وسوف نبقى، أو ربما لا، مع عالم النجوم، القدماء منهم والجدد، وأبرز الجدد هما الدكتور منصور عباس، نجم الحركة الاسلامية الموحدة، وعلى ضفة السماء الأخرى النجم سامي أبو شحادة قائد وزعيم حزب التجمع الديمقراطي.  

لقد أنهيت مقالي الأخير قبل أسبوعين، بالتمني أن ينجح قادة الأحزاب الثلاثة في استعادة بناء القائمة المشتركة؛ وأضفت أنني أشعر اذا مضى حزب التجمع في "طريقه الثالثة" فقد يشكل قراره خطوة مفصلية في تشكيل خارطة التيارات السياسية الفاعلة داخل مجتمعنا العربي؛ وقلت، كذلك، قد نكون بحاجة الى هذه الخضة السياسية كي تظهر الصورة على حقيقتها ونعرف بأي أدوات سياسية علينا مواجهة المشهد السياسي الذي سيتشكل في اسرائيل بعد الانتخابات القادمة .    

واليوم وقد اختاروا في التجمع أن يعودوا إلى طريقهم الأولى لم يبق لنا إلا أن ننتظر ونسمع ما سيقوله لنا كل حزب وكيف سيضمن لنا نجومه السلامة والأمن والكرامة والوطن بعد الانتخابات القادمة.

يتبع ..