الجغرافيا اولاً واخيراً: قراءة في كتاب سجناء الجغرافيا/ عباس علي مراد



بعض الكتب التي يستوقفنا محتواها أكثر من غيرها، وكتاب سجناء الجغرافيا لتيم مارشل الصادر عام 2015 واحدٌ من هذه الكتب، لما له من أهمية وأهميته كانت الحافز للكتابة عنه وبإجاز.

تتأتى أهمية الكتاب من التغطية الوافية لعدة جوانب تبدأ من الجغرافيا ولا تنتهي عند الديمغرافيا مروراً بالمصالح والاستراتيجيات التي تتبعها الدول من اجل الحفاظ على تلك المصالح.

البعد التاريخي في الكتاب يكتسب أهمية خاصة لانه يلقي الضوء على سياسات الدول الاستعمارية واسلوبها في قهر وحتى ابادة الشعوب التي سيطرت عليها عن طريق رسم خطوط الاستثمار المستقبلي في إثارة المشاكل على أسس أثنية او عرقية او جغرافية أو إقتصادية وسياسية ...

تلعب الممرات المائية عبر البحار والمحيطات والانهار والعوائق الطبيعة الاخرى كالجبال والصحاري دورا محوريا في التحكم بمصير دول العالم منذ فجر التاريخ، ولكن منذ أن بدأ الإنسان يطور التكنولوجيا اخذت عملية السيطرة ابعادا مختلفة عن العصور السابقة حيث كانت الدول المتجاورة تتأثر بشكل اكبر بهذه الممرات.

اما في العصر الحديث فقد اتخذت الامور منحى آخر بسبب بناء الاساطيل المتطورة ورغبة الامبراطوريات الحديثة في فرض سيطرتها في أعالي البحار والتحكم بطرق التجارة العالمية عبر بناء تحالفات او قهر واجتياح دول  للسيطرة على المواد الاولية  خصوصاً النفط والغاز والفحم وغيرها...لان هذه المواد تعتبر العنصر الرئيسي لإنتاج الطاقة التي تحتاجها المصانع والحياة العصرية، لكن التقدم التكنولوجي لم يلغ أهمية الجغرافيا كما جاء في الكتاب.

يقسم الكاتب كتابه الى عشر مناطق جغرافية هي: روسيا، الصين، الولايات المتحدة الاميركية، أوروبا، أفريقيا، الشرق الأوسط، اليابان وكوريا، الهند وباكستان، أميركا اللاتينية والمحيط المتجمد الشمالي.

يعرض الكتاب طبيعة الخلافات التي تتحكم بالعلاقات من جميع الجوانب في كل أقليم، مركزاً على البعد الجغرافي الذي يعتبره الكاتب البعد الفيصل والاساس في تطور العلاقات بين دول الأقاليم سلباً او إيجاباً ويؤثر في تطوير الدول اقتصادياً، اجتماعيأ، ثقافياً وسياسياً ...

رغم ان الكاتب حاول أن يكون حيادياً الا انه في بعض المواقع تغلبت نزعة المفاضلة في الموقف بين أنظمة سياسية وغيرها كالديمقراطية والدكتاتورية وهذا له بعد عقائدي عند الكاتب لم يستطع تجنبه حيث يفضل الديمقراطية ويغطي على عيوبها ويفعل العكس بالنسبة للأنظمة الأخرى، لكن ذلك لا يلغي أهمية الكتاب الذي يغطي اهم التحولات التاريخية من زوال إمبراطوريات وظهور غيرها، والطرق والاساليب التي اتبعت لبناء تلك الامبراطوريات وما رافقها من إبادة شعوب وقهر أخرى ، لانه يجمع بين دفتيه العديد من الحقائق غير متوفرة في كتاب واحد ويحفز القارئ وأهل الاهتمام والاختصاص على المزيد من البحث والاستزادة.

نظرة سريعة على معظم المشاكل والنزاعات التي تعصف بالعالم هذه الأيام تساعد في فهم أهمية الجغرافيا وما يحدث بين روسيا وإوكراتيا حالياً، او في زرع أسرائيل في فلسطين، أو بين الهند والباكستان او الصين وتايوان وغيرها الكثير من بؤر الصراع الكامنة او المشتعلة  حول العالم.

جاء في الصفحة 78:  "ان الخطر على الهيمنة الاميركية يأتي من 3 مصادر اولها أوروبا موحدة والثانية روسيا والثالثة الصين".

فهل هذه صدفة؟ الجواب في صراع الدول من اجل الهيمنة لا يترك شيئاً للصدف والدلائل لا تعد ولا تحصى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق