قبل التعريف بالخدمة المدنية وأهدافها ومخاطرها على ثقافتنا ووعي شعبنا،بالتحديد في الداخل الفلسطيني -48 – والجولان العربي المحتل وسكان مدينة القدس،لا بد من التطرق الى قضايا تسهم في التوضيح وتسليط الضوء على هذه القضية، فالخطة الخماسية الحكومية لدولة الكيان 2018 – 2023،والتي رصد لها 2 مليار شيكل، وأحد عناوينها الرئيسية دمج سكان القدس العرب في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي ،بحيث خصص من هذه الميزانية مبلغ 875 مليون شيكل "لأسرلة" العملية التعليمية في القدس،وملايين الشواقل ل" الغزو" الثقافي والفكري،أنشطة وفعاليات وندوات ومهرجانات ترويجية فنية وثقافية،تركز على التطبيع والدمج والإقرار بيهودية الدولة،وطبعاً هذه الخطة في مدينة القدس على وجه التحديد، لا يجري تنفيذها بعيداً عن أجهزة الكيان الأمنية،فالإحتلال ليس جمعية خيرية ولا مكتب شؤون اجتماعية، لديه نظرية وأن لم يجر صياغتها على شكل قانون " حقوق مقابل واجبات"،وهنا أشير فقط إلى ان 15 لجنة من أصل 17 لجنة جرى تعيينها للتعامل مع سكان القسم الشرقي من المدينة يقودها ضباط ورجال أمن سابقين.
مشروع الخدمة المدنية الذي يطبق على اهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني- 48- والجولان المحتل والقدس، والذي يعرف انه خدمة تطوعية للجمهور..كبديل للمعفيين من الخدمة في جيش دولة الكيان او من لا يستدعون اليها،والخدمة المدنية بالأساس ترجع لعام 1953،وهي أتت لحل مشكلة الفتيات اليهوديات المتدينات اللواتي لا يخدمن في الجيش ،وهذا المشروع بدأ العمل على تطبيقه في القدس والداخل الفلسطيني - 48- والجولان بعد عام 2000 ،والملتحقين بهذه الخدمة يخدمون في المشافي والمدارس والشرطة الجماهيرية ومراكز الإطفاء ومكافحة المخدرات وصناديق المرضى "كوبات حوليم" والمكتبات البلدية والجامعية وغيرها ...واغلب الملتحقين بهذا البرنامج من الفتيات 87% فتايات و 13% شبان وبأعمار تقل عن 25 عاماً،والنسبة ترتفع لصالح الفتيات،وحسب بحث نفذته جامعة حيفا في كانون اول/20210 حمل عنوان "الخدمة المدنية للعرب في إسرائيل"، أن 85% من العرب الذين التحقوا بالخدمة المدنية يقبلون بيهودية الدولة، وهذا يعكس مدى خطورة غزو الوعي والثقافة الفلسطينية الذي تسببه هذه الخدمة، من خلال غسل الأدمغة الذي يتعرض له الفلسطينيون المنتسبون لها.
والترويج للخدمة المدنية يتم من خلال التواصل المباشر ما بين الملتحقين بمشروع الخدمة المدنية ومحيطهم الإجتماعي او عبر وسائل التواصل الإجتماعي دون الإفصاح عن الإسم،وحسب المعطيات فإن هناك 400 فتاة مقدسية ملتحقة بالخدمة المدنية،يتوزعن على الأحياء المقدسية...وأنا لست بصدد التفصيل هنا ...بقدر القول بأن المسألة الملحة هنا، ان الإلتحاق بهذا البرنامج نتاج لغياب الوعي والتثقيف،وعدم قدرة المؤسسات القائمة او الجهات الرسمية على خلق بدائل ...ناهيك عن إستغلال الظروف الإقتصادية والإجتماعية للكثير من الفتيات..فهناك من لا يجتزن امتحان الثانوية العامة،او من يجتزنه ولا يستطعن الإلتحاق بالجامعة او بالعمل ،ولذلك يجدن بالخدمة المدنية المتنفس ،للخروج الى فضاء أرحب يحررهن من بعض القيود الاجتماعية الصعبة في المجتمع ودائرة الرقابة المستمرة.
والملتحقة او الملتحق بمشروع الخدمة المدنية يحصلن/ون،على نفس الإمتيازات التي يحصل عليها المسرحون من الجيش، منح وقروض تعليمية ودفع مخصصات التأمين الوطني اثناء فترة الإلتحاق بالبرنامج ،وتسهيلات للحصول على وظائف في دوائر ومؤسسات حكومية وأمنية.
الملتحقات /ين بهذا المشروع يعتقدون بان ذلك مجرد وظيفة عادية يحصلن/ ون عليها من أجل تحسين ظروف وشروط حياتهم الاقتصادية،وفرصة للإرتقاء في السلم الوظيفي،ولكن في خضم العمل يجدن انفسهن بأن هذه الوظيفة لها تبعات تتعدى الجانب الوظيفي، فمقابل الحقوق الممنوحة لهن يقابلها واجبات مطلوب منهن تأديتها...جزء منها متعلق بتحسين صورة دولة الكيان و"ديمقراطيته" و"تسامحه" و"إنسانيته" في أذهان من يتعاملن معهم من اهل وأصدقاء ومحيط اجتماعي ،وجعل العلاقات غير الطبيعية في ظروف غير طبيعية،بين الملتحقة بالخدمة وبين مشغلييها والعاملين معها من يهود علاقة طبيعية،بحيث تصبح هذه الوظيفة مقدمة ل" غزو" ثقافي" و"اسرلة " وعي فتياتنا وشباننا،وهذا ما خلص اليه البحث الذي قامت به جامعة حيفا كانون أول /2010،وفي بعض الأحيان يتعدى الهدف من هذا البرنامج بُعد الغزو الثقافي وغسيل الدماغ و"اسرلة" الوعي و"كيه"،و"تطويع" المفاهيم والمصطلحات، الى أن يصبح الطريق او المقدمة الى التجنيد في جيش الكيان، والخدمة المدنية في القدس،هي توازي الخدمة في جيش الكيان في الداخل الفلسطيني – 48 -.
عمليات الإختراق للمجتمع المقدسي واختراق جدران حصونه وقلاعه المجتمعية والوطنية، تجري في أكثر من اتجاه، "اسرلة" المنهاج والعملية التعليمية، بإزاحة المنهاج الفلسطيني وإستبداله بالمنهاج الإسرائيلي،بما ينسف ويقصي الرواية الفلسطينية،و"يأسرل" الوعي ويسيطر على الذاكرة الجمعية،وكذلك تجري عملية الإختراق و" التطويع" عبر ما يعرف بالشرطة الجماهيرية في المدارس وخارجها،والمراكز الجماهيرية والمؤسسات المدنية التي تحمل بعداً امنياً،بحيث تجري عمليات تسهيل اختراق الأسر والعائلات المقدسية، في اضيق إطاراتها، النفاذ والدخول الى خلافاتها الأسرية والعائلية ،بما فيها الخلافات الزوجية،واللجان العشائرية والإصلاح المعينة والمرتبطة بشرطة الكيان .
تزايد اعداد الفتيات والشبان الملتحقين ببرامج الخدمة الوطنية في مدينة القدس او الداخل الفلسطيني،- 48- ،حيث تشير المعطيات الى تسارع وزيادة كبيرة في أعداد الملتحقين في هذه البرامج، فالحديث اليوم يجري عن أكثر من فتاة 400 مقدسية ملتحقات بهذا البرنامج،ودولة الكيان،من بعد معركة " سيف القدس" أيار 2021،زادت من الميزانيات المخصصة لهذا البرنامج،من أجل استقطاب الفتيات والشبان،وابعادهم عن دائرة الفعل والعمل الوطني،ولذلك هناك مهام كبيرة تنتصب أمام صناع القرار والمؤسسات المقدسية والمرجعيات الرسمية،في مقدمتها رفع مستوى الوعي الوطني والتحصين المجتمعي عند هؤلاء الشبان،والعمل على إيجاد بدائل ومشاريع تستوعب طاقاتهم وقدراتهم وتجد لهم فرص عمل بديلة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق