النحّات نايف علوان، مُطوِّعُ الصخر ومُنطِقُهُ..من “أيطو”عبورًا إلى العالميّة!/ د.مصطفى الحلوة







تحت عنوان”النحت يفرحُ بأسياده”، كتَبَ الصديق كبير شعراء المُغتَرَب الاسترالي، ونزيل سيدني، شربل بعيني، على صفحته (الفايسبوك: 9/1/ 2023):”من لبنان جاء، حاملًا معه إزميل الصخر ليُهديَه لنحّات مغترب، أفنى عمره بين الأخشاب، لينحت منها تماثيل، لا ينقصها سوى النطق! اليوم إلتقى النحّاتان اللبنانيان العالميان، نايف علوان وتوفيق مراد، في متحف الأخير (في سيدني)، بحضور الإعلامي جوزاف بو ملحم والشاعرين شربل بعيني وأحمد أبو علي رضا”. ويتابع الشاعر بعيني:” الفرحة عمّت الجميع، كيف لا، والنحت يفرح بأسياده، والصُوَر تُلتقط تحت منحوتة جائزة شربل بعيني، تكريمًا للنحّاتين علوان ومراد، الفائزين بها”.

…تعقيبًا، فقد تسنّى لنا التعرّف على النحّات علوان، يوم توقيع كتابي “شربل بعيني بين الفصحى والمحكيّة”، في مجدليا، مسقط الشاعر بعيني، بدعوة من اللجنة الثقافية-رعيّة سيدة مجدليا/26 شباط 2022,، وكان عائدًا لتوّه من سيدني. وقد تواعدنا على أن نزوره في محترفه. وفي أواخر حزيران الماضي، بعث إليَّ الشاعر بعيني، بهدية للنحّات علوان، كي أسلمه إياها، وهي عبارة عن مجموعة مؤلفاته الشعرية والنقدية والمسرحية(حوالى 70كتابًا). وقد قصدتُ أيطو، بصحبة الصديق الشيخ منصور الخوري، لتسليم”الأمانة”.وما إن وطئت أقدامنا أرض المحترف، حتى أخذَنا العجب! فهو قائمٌ على مساحة واسعة في الهواء الطَلْق، تحفُّ به الجبال من جميع جوانبه، ويُطلّ على واد سحيق تملأه الأشجار، وتطغى فيه الخضرة على ما عداها من ألوان الطبيعة الغنّاء! وقد انتشرت في المكان نُصُبٌ وتماثيل مُنجزة، وأخرى قيد الانجاز، مما أحالَه مُتحفًا حيًّا، تآزرت فيه يدُ الخالق، مبدع الطبيعة، مع مبدع خلّاق  أحال الصخر الصلد بشرًا أسوياء! وهنا يحضُرُني قول الشاعر غطّاس خوري في النحّات علوان:”شو عامل بها الصخر/قدّامك صاير بيلين/واقف عاصي عا الدهر/طايع متل العجين”.

وحتى يتكامل المشهد جمالًا، أُقيم في ركن من المتحف، ما يُشبه العرزال، يفيء إليه العلوان بين حين وآخر، بعد طول عناء، لارتشاف ما يبلّ عطشه أو نشدانًا للراحة. وقد تمّت استضافتنا في هذا العرزال، وكان حديث حول جمال المكان ورهبته! كما تطرّقنا إلى مسيرة النحّات علوان المضنية، إذْ التعامل مع الحجر، ليس بالأمر اليسير! كانت مسيرة واعدة، عبرت بنحاتنا إلى أرجاء العالم، إلى أميركا، حيث تمثال القدّيس مار شربل في لوس أنجلس (كنيسة سيدة لبنان)، وإلى سيدني، حيث تمثاله أيضًا، في باحة الكنيسة، التي تحمل إسمه! وإلى بلاد عالمية، لا يتسع المقام لذكرها!

اغتنمتها سانحة، كي أسأل النحات علوان عن سرّ عبقريته، وهو الإنسان المتواضع، فأحالني إلى الطبيعة أستنطقها الخبر اليقين!..قال: عاينْ هذه الجنّة، بمشهدياتها الرائعة الخلّابة، تُسرّح فيها البصر، فيصفو الذهن ويُحلّق بك الخيال إلى عالم أثيري، بهدوئها القاتل/المُحيي، ببيئتها التي لا يعرف التلوّث إليها سبيلًا، بهوائها النقي، تتنفّسُه ملء رئتيك!..وهل تعجب، يا صديقي-قال علوان- كيف لا تكون هذه الأرض ولّادة  لعباقرة؟!.. قالها بتواضع جمّ، ولم أنبس ببنت شفة! والسكوت علامة الموافقة، كما علامة الرضا!

تواعدنا على معاودة هذا اللقاء، بعد أن حُمّلنا، الشيخ منصور الخوري وأنا، سلّةً من الكرز(باب أول) من بستانه، وكانت صُوَرٌ للذكرى، ضمّتنا إليه وإلى شقيقه المختار، الذي يعمل معه في محترفه.

وإذْ عزمنا على زيارته، منذ أسبوع، فقد تناهى إلى علمنا وجوده في سيدني، لتفقّد بعض أسرته هناك. ولدى عودته، سيكون لنا معه لقاء. فمن النحّات علوان، ومن أمثاله من مبدعينا، في الوطن وبلاد الانتشار، نُفيد دروسًا وعِبرًا، ويترسّخ لدينا اقتناع بأن بلادنا عاصية على الموت، مهما عصفت بها رياح السموم!


***

*الصُوَر تضمّ الشاعر بعيني، والفنانين النحّاتين علوان ومراد، والشيخ منصور الخوري، و مصطفى الحلوة.

(من بيادر الفسابكة/قراءة نقديّة في قضيّة)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق