قراءة أولى في الغربة الطويلة لشربل بعيني/ محمود شباط

 



أحدُ ألقابه "مَلاحٌ يبحثُ عَن الله"، شِعرُهُ هالات ضوئية أشبه بتلك المُحيقة بِصُوَرِ الأنبياءِ والقدَيسين، نُوَطُ موسيقاهُ تطوفُ بالقاريءِ كطيرٍ أيلوليٍّ يعومُ على كتف الريح، مُنفرداً مُتقدِّماً سربه. يَعلو ويهبطُ بانسيابٍ مُناوراً كطيّارٍ مُحترفٍ بَين الحسِّي والمجازيّ، وما بينهما.


في ديوانِهِ المُعَنون بـ "الغربة الطويلة"، تنطلق أغاريد عامِّيته اللبنانية لذيذةً سائغةً كسواقي المُروج، سيّما حين يكرجُ هَديلُ الوصفِ في قصيدة "مملكة الحكي":

"وفكّـرْت حالي حْكيت!!

تَاري الحَكي غْـباشِـه

بْـشُوفُو أنا ومَاشِي

لَـمْعِـة قَدْحْ كـبْريتْ"

ويَمضي "بروجيكتير" الإبداعِ بِعرضِ صُورِ التَّوقِ لللأهل في الغربة:

"وْصِرْتْ بِـلْـيالي البِكي

إجْـبُـلْ مِـنْ تْـرابْ الحَكي

إنْـسَانْ ... "

حَسْبِيَ هذه ، "إنسان" !!!


تَوقُ شاعرنا للكتابةِ يتَّصفُ بنهمٍ واضحٍ لإنجاز ما يمكن إنجازه، ذاكَ لخشيتهِ من أن تبغتَه عقاربُ الوقتِ (بَعْدْ زَمَنْ طَويل نشالله حبيبنا)، دُونَ أنْ يَـتَمَكَّنَ منَ التعامُلِ مع ما يعتملُ في مِرجَلِ أفكارِهِ، تَمْهيداً لِسَكْبِـهِ عَلى الورقِ، فَصَاغَهُ بِهذهِ الأبْـيَات:

"كِيفْ بَدّي أكْـتُبْ بْسِرعَه 

والعُمْر وَلْـعَه؟!

كِـيـفْ بَـدّي رافِـقْ الكِـلْـمِه

ومشْ آمْـنِـه الـرَّجْعَـه؟!"

بإيمان المُستسلم لدفّةِ الأقدار بدا شربل هنا كما لو كان يستعيرُ من شاعرِ آخر:

"دائريُّ دَربُنا مثل السُّكون

وَمْضَةُ الفَجرِ 

فَـشَمسٌ... فَسُكون

مَن ذا الذي يَسْتشرفُ

في شهقةٍ .. في رمشةٍ

أيْـنَ يَكُون؟؟!!"


في قصيدة "الغربة الطويلة" تُرندحُ أهازيج شربل بنسائم فيروزية:

"يا غُـربِة الأيَام الطّويلِه

يا غُرْبِة الشَـقا والضَّنى

قَـبل ما تِحكِـيلُـن حْكِيلِي

شُو اللي مْتْخَبّالي أنا؟ّ!"


في قصيدة "مجنون عَم يسأل"

بِعُذوبَةِ سَقسقةِ مياه مَيازيبِ سُطوح المنازل في القٌرى المُعلّقةِ فوقَ الرّبى، ينسابُ عتب شربل بعيني على الغربة ، وربّما على من تسبَّبَ له بها:

"غُربِه عْيُـونا سُود

ما عُمرها ( عشرين)...

قالت " بِـ شو مَوعُود

يا شاعْري المِسكين

عَـمْ ترسُم الرَّجْعَه

عَ مْواج مُرتفعَه

وبَينَـك وبَـينا سْنين؟!"

رَنينُ رَجْعِ الصَّدى في هذه الـ "بَـينَـكْ وبَـيْـنَـا سْنين" يَـكادُ يكونُ الوجهَ الآخر لِما قاله المتنبي في قصيدته "عيد بأية حالٍ ٍ .." :

"أمّا الأحبّة فالبيداءُ دُونَهمُ/ فليتَ دُونَكَ بيداً دُونها بيدُ".


قراءة في الغربة الطويلة ـ الحلقة الأولى.

محمود شباط

عيحا في 16/02/2023



هناك تعليق واحد:

  1. ما أجمل الفيقة إيه إيه الصبح بكير.
    إيه إيه مش عَـ سماع صوات زقزقة العصافير.
    إيه إيه، بل عا رنة كلام وشعر الشاعر الكبير.
    شربل بعيني لبتخلي القارئ من دون جوانح يطير،
    أحسنت اخي ابو إياد، في إظاءتك على ما يكتبه صديقنا شربل ، لما في ذلك فائدة لمن يرغب في الإطلاع على سقسقات شعرية عامية عذبة.
    وللمناسبة اوجه اجمل التحايا للاخ شربل متمنياَ له المديد من العمر الطيب مع امنية ان نراه ههنا في ربوع لبنان والسلام ...
    فاضل شباط.
    لبنان الجمعة ١٧. ٠٢. ٢٠٢٣م

    ردحذف