تكاثرت المصائب على البشرية في معظم الأرجاء، وتعدت خطورة الكوارث الطبيعية كل الخطوط الحمراء، والصراعات تنحر الشعوب ومع ذلك فما زالت التهديدات بتدمير الحضارات متواصلة ،ويتعاظم شرورها أكثر بفناء العالم .
حروب الإنسان الدامية مع نفسه والآخرين تتوسع نحو تعميق جراح وآلام المآسي، وجرأته على تدمير الطبيعة تتواصل نحو إحداث المزيد من الكوارث في حياة معظم شعوب الأرض.
آلة القتل والهدم الصهيونية تواصل منذ أكثر من أربع أشهر تدمير كل مظاهر الحياة في فلسطين ولا تعبأ بأي معايير إنسانية أو مواثيق دولية ،وبرغم حملات الإدانة والاستنكار العالميةالباقية تحيط الكيان الصهيوني من الجهات الأربعة ، وبرغم تجريم محكمة العدل الدولية والمنظمات العالميةوالإقليمية للسلوك الإجرامي الصهيوني ،إلا أن مسلسل القتل والاعتقال والتعذيب وتشريد مئات الآلاف من سكان غزة وتهجيرهم من أوطانهم وقتل الأطفال واختطافهم يتواصل بشكل أشد ويترافق مع الحديث عن ظاهرة الاتجار بالأعضاء ، إنه وضع يحمل كل دلائل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وينذر بتوسع دائرة الصراع المسلح في منطقة الشرق الأوسط إلى عدة دول عربية أخرى إذ لا شيء يؤشر على وجود آفاق لحل الأزمة قريبا أو احتوائها سلميا نحيب الأرامل والثكالى وصراخ الأيتام يتعالى عبر المعمورة ولا شيء جديد يحمله رجع الصدى.
الصراع المسلح الدامي بين روسيا وأوكرانيا الجاري منذ فبراير 2022لم يبق ولم يذر، بقدر ما أكد فعلا أن ألم الشرق سرعان ما يبكي الغرب إذ تعاني دول العالم من نقص الطعام بعد تراجع معدلات الأمن الغذائي بسبب توقف إمدادات القمح خاصة من البلدين المتحاربين، المعارك المتواصلة ترافقها تهديدات وتحرشات ببعض دول الجوار الأخرى والتحالفات السياسية والعسكرية تتعدد وتتمدد . نذر المأساة الإنسانية تتشكل في ملايين اللاجئين الأوكرانيين في بعض دول الجوار الهاربين من الدمار الشامل ، والجنود القتلى من الجانبين وكذا المدنيين الأوكرانيين ضحايا القصف داخل منازلهم كلها مشاهد مؤلمة تضع الإنسانية أمام أزمة ضمير مزمنة، ولا أمل قريب في عودة السلام في المنطقة ولا جدوى من صراخ المنكوبين وعويل عائلات الضحايا بعدما اتضح أن وجود أحدهما مرهون بزوال الآخر.
لا تعطي مظاهر اختبار قبضة القوة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في الصراع حول جزيرة تايوان أي مؤشرات على إمكانية تجنب اندلاع مواجهة مسلحة بين العملاقين ، فالاستفزازات مستمرة والاختراقات الجوية متواصلة، والعالم يترقب ببالغ القلق والانشغال ما ستسفر عنه تطورات الأحداث ، وقد تبعث صور بعض اللقاءات البروتوكولية الباسمة بين الرئيسين الأمريكي والصيني قليلا من الاطمئنان والأمل في وجود احتمال قوي بتفادي حدوث حرب بين البلدين، ولكن الواقع شيء آخر تماما فليست لباقة المظاهر الدبلوماسية انعكاسا دائما لحقيقة العلاقات ، ولا للأمل في نفوس مئات الملايين من البلدين أن يرتق قادتهم إلى مستوى تطلعاتهم للعيش في سلم وأمان .
وكأن الأوضاع في السودان لا تريد أن تهدأ منذ عشرات السنين ، والصراع المسلح الجاري بين قوات الجيش الوطني وقوات الدعم السريع منذ شهر أبريل 2023 حلقة أخرى في صراع محموم بين أبناء الوطن الواحد على السلطة أدى إلى نزوح 10.7 مليون سوداني إلى بعض دول الجوار خاصة إلى مصر التي يقيم فيها أصلا حوالي 4.5 مليون سوداني في حالة لجوء منذ فترة طويلة إضافة إلى نزوح مئات الآلاف الآخرين إليها ، تركوا وراءهم منازلهم وأملاكهم ومتاعهم فارين بحياتهم من جنون القتل والتنكيل والهدم ، ومع فشل جهود الوساطة من أجل التهدئة ولمحاولة رأب الصدع فقد اشتدت المعارك على نحو أكثر شراسة ولم يعد أمام معاناة النازحين سوى المزيد من الدعاء والكثير من الصبر.
يتحمل اليمن عبء نتائج مواقفه لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة ، فالقصف الصاروخي للسفن التي تعمل لصالح الكيان الصهيوني العابرة لمضيق باب المندب نحو البحر الأحمر والذي يقابله قصفا بالصواريخ والغارات الجوية الأمريكية يكلف اليمن خسائر جسيمة في الأرواح والمنشآت العسكرية والمدنية ، ويؤدي إلى فرض حصار مضاد عليه من عدة دول كبرى ،لقد تعدى أثر التهديد اليمني على مرور السفن إلى البحر الأحمر سلبيا على حجم التجار الخارجية للكيان الصهيوني، وإلى الإضرار بصادرات دولة قطر من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، وأدى إلى تراجع كبير بنسبة 40% في إيرادات مصر من قناة السويس، الوضع لم يعد سهلا تحمل المزيد من عواقبه خاصة وأن تداعيات الموقف اليمني قد اتسعت وامتدت إلى مصالح حيويةلأطراف دولية أخرى .
ما تزال أثيوبيا ماضية في مخططها المائي وشروعها في الملء الرابع لسد " النهضة" بعيدا عن أي اعتبار لمصالح كلا من السودان ومصر في ضمان حقهما التاريخي في مياه النيل الموثقة في الاتفاقيات المبرمة بين الدول الثلاثة ،لقد أصبحت القضية بسبب تعنت أثيوبيا قضية " وجود " لشعوب تواجه خطر الجفاف والموت عطشا ، وكلما لاحت في الأفق بوادر من أجل توافق الرؤى والشروع مجددا في التفاوض من أجل تقارب المواقف ،عادت الأمور سريعا إلى نقطة الصفر ومرحلة البداية .
التسابق الإيراني والتركي على أطراف بعض الدول العربية كشمال العراق وسوريا وجنوب لبنان ثم التمدد البحري التركي إلى سواحل ليبيا يأخذ شكل التكالب نحو التوسع في إقامة مناطق نفوذ أجنبي في الأراضي العربية ، ثم تكمل الغارات الأمريكية المأساة بدعوى قصف مواقع وأهداف تعتبرها أمريكا خاصة بفصائل معادية موالية لإيران ، حيث تنظر أمريكا بعين القلق إلى وجود ما تصفهم " بالأذرع " الإيرانية المسلحة في هذه الدول ، وهو ما كان قد استدعى إبحار حاملات الطائرات الأمريكية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط تحسبا من احتمال تدخل إيراني لنصرة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية في غزة ، وبذلك صار الوطن العربي فضاء للتدخل الأجنبي العسكري المباشر تحت غطاء الصراعات السياسية الإقليمية والدولية.
تكشف تطورات الأحداث العالمية عن هشاشة كبيرة في تماسك كيان الوطن العربي ، فالخلاف الجزائري ـ المغربي حول مصير الصحراء الغربية يثير مجددا المخاوف من عدم استبعاد اندلاع مواجهات عسكرية محدودة بين البلدين بعد حرب الرمال عام 1963 وأمغالا 1975 فالعلاقات الدبلوماسية المقطوعة والحدود البرية المشتركة المغلقة ، والقطيعة بين الشعبين ثم منع عبور وتحليق الطائرات المدنية والعسكرية لأيّ من البلدين في أجواء الأخرى كلها أوضاع غير طبيعية بين بلدين عربيين وإسلاميين ينتميان للمغرب العربي الكبير ولا يمكن مع بقائها واستمرارها تصور فرصة للتقارب بينهما خاصة بعد سماح السلطات المغربية بوجود صهيوني على أراضيها قرب الحدود مع الجزائر ، يرى فيه الجيش الجزائري وجودا مشكوكا في هدفه وينظر بعين الريبة إلى مقصده .
ـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق