(ترجم) جامعة هلسنكي
في ما يلي ترجمة لمقال السيّد أساف طلچم الصادر في صحيفة زُو هَديرِ/هذه الطريقة، التابعة للحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ في الثامن من شُباط 2024. ما أُضيف بين القوسين [] منّي.
’’اِتّهمت المجلّة البريطانيّة ”تايمز للتعليم العالي“ إسرائيلَ بمحاولة متعمّدة للقضاء على الأكاديمية الفلسطينيّة في غزّة.
تعمّدت إسرائيل تدميرَ مؤسَّسات التعليم العالي في غزّة - حسبما ورد في مجلّة ”تايمز للتعليم العالي“ (29 كانون الثاني). اِتّهمتِ الصحيفة البريطانيّة، التي تُعدّ الرائدة عالميًّا في مجالها، إسرائيل بـالـكلمة educide المشتقّة من بداية الكلمة الإنچليزيّة edu-cation التي تعني التعليم/التربية ومن نهاية كلمة الإبادة الجماعيّة (geno-cide). أي في خُطّة استراتيجيّة للقضاء التامّ على التعليم العالي.
منذ الاجتياح البرّيّ لقطاع غزّة، وتفجير جامعة الإسْراء من قِبل جنود إسرائيليّين، والذي وُثِّق في شريط ڤيديو نشره الجيش الإسرائيليّ، تمّ تدمير جميع مؤسَّسات التعليم العالي هناك. وفي مقالٍ اقتبست سامية البطمة، محاضرة في علم الاقتصاد في جامعة بير زيت في الضفّة الغربيّة تقول: إنّ الجهد المطلوب لتدمير مبانٍ عامّة كجامعة الإسراء يُثبت أنّ أمامَنا جزء من خُطّة لتحويل غزّة إلى منطقة غير مأهولة/ غير صالحة للسكن. وأضافت إنّ تدميرَ قِطاع التعليم/التربية هو جزء من استراتيجيّة شاملة لتدمير جميع الخدمات التي تجعل الحياة ممكنة في غزّة .
بحسب البيانات التي نشرتها مؤخَّرًا منظّمة حقوق الإنسان”الأورومتوسطيّة“، فقد قُتل ما لا يقِلّ عن 94 أستاذًا جامعيًّا/بروفيسورا ومئات المحاضرين وآلاف الطلّاب في الهجوم الإسرائيليّ على غزّة ردًّا على هجوم حماس في السابع من تشرين أوّل. أكّدت المنظّمة أنّ إسرائيل ”استهدفت الأكاديميّين رجالًا ونساءً، العلماء والمثقّفين في قطاع غزّة وقصفت منازلهم عمدًا ودون سابق إنذار“. وفي هذا السياق، نشرت وكالة الأنباء رويترز بتاريخ الرابع من كانون أوّل العام 2023، أنّ رئيس الجامعة الإسلاميّة في غزّة، الدكتور سفيان تايه، اغتيل في قصف إسرائيليّ مع عائلته، وكان اختصاص الدكتور الفيزياء النظريّة [سفيان عبد الرحمن عثمان تايه، أبو أُسامة، 20 آب 1971 - الثاني من كانون أوّل 2023؛ بروفيسور في الفيزياء النظريّة والرياضيّات التطبيقيّة، ابن مخيّم جباليا، دكتوراة من جامعة عين شمس؛ من أفضل 2% من الباحثين في العالم، عضو الجمعيّة الفيزيائيّة الأمريكيّة؛ شدّد على البحث العلميّ وخدمة المجتمع؛ عيّن في العام 2023 حامل كرسي اليونسكو للفيزياء والفيزياء الفلكيّة وعلوم الفضاء في فلسطين].
مؤسَّسات التعليم العالي كآليّة للبقاء
برَّرت إسرائيل قصفَ بعض الجامعات بحُجّة أنّها استُخدمت كمعسكرات تدريب لحماس. لكن بحسب الدكتورة البطمة، فإنّ الجامعات أصبحت هدفًا لأنّها ”آلية بقاء“ للفلسطينيّين، ”نحن نرى التعليم وسيلةً للمقاومة، وإسرائيل تفهم ذلك بالطبع“. وقالت ”لهذا السبب هي تحاول تقويض قدرتنا على البقاء، والمقاومة، وقدرتنا على الاستمرار في الوجود كشعب“. وأشارت البطمة إلى أنّ الهجماتِ على الأكاديمية الفلسطينيّة لا تقتصر على غزّة. منذ نشوب الحرب، تمّ اعتقال محاضرين وطلّاب فلسطينيّين بشكل جماعيّ في الضفّة الغربيّة أيضًا، وأصبح الطلّاب الفلسطينيّون في الجامعات الإسرائيليّة هدفًا للاضطهاد السياسيّ وحتّى إيقافهم عن دراستهم.
إنّ ممارسة العلم في غزّة كانت دائمًا صعبة - والآن أصبحت مستحيلة. حتّى قبل الحرب الحاليّة، كانت إمكانيّة توفّر الكهرباء ومعدّات المختبرات والمجلّات العلميّة محدودة، في المؤسَّسات الأكاديميّة في قِطاع غزّة. وبعد الجولة السابقة من القتال بين إسرائيل وغزّة، في أيّار 2021، أصبحت حتّى أجهزة الحاسوب/الكمبيوتر المحمولة سلعة نادرة.
أجبرت ظروفُ القلّة/النقص هذه الكثيرَ من الباحثين في غزّة على تمويل أبحاثهم بشكل مستقلّ - على الرغم من أنّ معظمهم تقاضَوْا رواتبَ منخفضة من جرّاء الوضع الاقتصاديّ في القطاع. إنّ ظروف القلّة/الشُّحّ ليست فريدة من نوعها في غزّة، بل إنّها سِمة باحثين في بلدان فقيرة أخرى. لكنّ العُزلة الشديدة التي تعيشها غزّة نتيجة للحصار الإسرائيليّ هي حالة فريدة من نوعها. يُحرَم الباحثون الغزّيّون من فرصة المشاركة في مؤتمرات علميّة خارج قطاع غزّة، بما في ذلك المؤتمرات المنعقدة في الجامعات الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة المحتلّة.
إحدى الاستراتيجيّات التي استخدمها الباحثون في غزّة للتغلّب على العزلة، هي دعوة الأكاديميّين الأجانب إلى جامعات غزّة. ومع ذلك، فمن الصعب جدًّا على الباحثين الأجانب الحصول على تأشيرة إسرائيليّة تسمح لهم بالمكوث في الأراضي المحتلّة. ”تمكّن بعض الأكاديميّين الغزيّين، من الحفاظ على الصلات التي أقاموها في غُضون دراستهم في الخارج، وهذه العلاقات/الروابط هي بمثابة أنابيب الأكسجين للأوساط الأكاديميّة في غزّة“. هذا ما أدلى به لصحيفة التايمز، الدكتور جمال (اسم مستعار)، محاضر في الكيمياء، الذي أنهى دراسته للدكتوراه في إنچلترا. وأضاف أنّ المشرف على أُطروحته للدكتوراه، والآن شريكه في البحث، يوفّر له إمكانيّة الوصول إلى قواعد البيانات والمجلّات الإلكترونيّة عبر الإنترنت. وعلى الرغم من القيود، فإنّ الدكتور جمال حازم بصدد سبب عودته إلى غزّة: ”أنا أُحِبُّ غزّة، أُحبّ فلسطين... آمنتُ أنّني يجب أن أنقل المعرفة التي اكتسبتها في بريطانيا إلى الشعب الفلسطينيّ“، كما قال لصحيفة التايمز.
البحث الأكاديميّ تحت القصف
حتّى قبل السابع من تشرين الأوّل، كان خطر القصف الإسرائيليّ حاضرًا دائمًا في الخلفيّة. يقول الدكتور ياسر المحاضر في التربية: ”إنّ البحث الأكاديميّ بحاجة إلى التركيز، وهذا غير مُتاح عندما تخاف على حياتك وحياة الآخرين. لقد عايشنا فعلًا أربع حروب، وهي لا تؤثّر على أبحاثنا فحسب، بل على حياة المحاضرين والطلّاب أيضا“.
وقال وسام عامر، عميد كلّيّة الاتّصال واللغات بجامعة غزّة، لصحيفة التايمز إنّ الأكاديميّين الفلسطينيّين الذين ينجون من الحرب، سيواجهون صدمة/تراوْما شديدة. واعترف الدكتور عامر، الذي نُقِل إلى ألمانيا مع عائلته، أنّه من الصعب التفكير في البحث، في الوقت الذي يستصعبُ فيه الأكاديميّون الفلسطينيّون في العثور على الطعام والمأوى والأمن لأُسرهم. لا علاقةَ لذلك بالحياة الأكاديميّة - التي هي بالطبع مهمّة للغاية - لكنّنا سنحتاج إلى الكثير من الدعم للتعافي. الهدف الأوّل هو إنهاء الحرب، اليوم وليس غدًا، أكّد!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق