لغة العيون تفضحها النظرات، وكثير ما كانت النظرات أبلغ حديثا من الكلمات، العيون هي المنفذ الصادق لنقل الترجمة الحرفية والدقيقة للمشاعر بنظرات تكشف على الملأ حقيقتها و لا تبالي مهما كانت طبيعتها.
توصف العين بأنها نافذة العقل والكاشفة الصادقة عن حقيقة ما يدور بداخله، وإذا استطاع الإنسان فك رموز النظرات يستطيع معرفة ما يدور بداخل الرأس، وتعتبر منطقة العين هي مصدر التعرف على الآخر من خلال الصور، حيث لا يمكن معرفة الشخص من خلال أي منطقة أخرى في الجسد، لكن يمكن التعرف عليه، حتى ولو كان ملثما من خلال عينه.في كثير من المواقف ذات الحساسية الخاصة يشق على البعض التعبيرعن ما يجيش بصدره من مشاعر وما يثقل على قلبه من أحاسيس، إذ منها ما لا تفي بمعانيها العبارة ولا تغني عن مفاهيمها الإشارة.
لسنا بصدد الحديث عن مغامرات عاطفية في مسلسل تلفزيوني أوعن مواقف درامية لفيلم رومانسي، أو لتقديم نصائح ليتعرف كل عاشق ومعشوق على مشاعر الآخر، فتلك أمور قد تجاوزتها الأقلام ، ولكن الغرابة هي فيما يلي :
قامت كاميرات القنوات التلفزيونية وهواتف الفضوليين بتغطية مراحل عمليات تبادل أسرى الحرب في قطاع غزة من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أظهرت المشاهد المصورة عدة مواقف تحمل معاني كثيرة ومختلفة من خلال نظرات عيون الأسرى المسرحين ،عيون فلسطينية بريئة ولكن منكسرة ، حانقة ، محاطة بهالة سوداء من التعب وقلة النوم رغم التظاهر بالسعادة خلال لقاء الأهل بعد غياب سنوات طويلة ، تقابلها عيون إسرائيليات تشع منها الحيوية والفرح ، يزيدها إشراقا نضارة بشرة الوجه ، ولا تبدو عليهن علامات التعنيف أو التعب، بل كن في غاية السرور والحبور، ابتساماتهم العريضة والتلويحات اللطيفة بالوداع رصدتها الكاميرات كما رصدت نظرات من جانب واحد لا يفقهها سوى من يفهم لغة العيون في الحب ،لقد رصدت نظرات بعض الفتيات الإسرائيليات الأسيرات لحظة الاستعداد لإطلاق سراحهن يتمعن بشيء من الإعجاب وبكثير من الود والحب في عدد من أفراد كتائب القسّام ولم يلتفتن لأي شيء آخر ، هي إشارة قوية في لغة الجسد تكشف عن اهتمام خاص من هذا الشخص بالطرف الآخر، لقد أثبتت إحداهن محبتها بابتسامة عذبة أثناء النظر إلى أحدهم ثم أكدت بالتجاوب الفوري إعجابها بما يقوله المحبوب، لا يوجد شيءبعد ذلك يمكن التحجج به لنفي حقيقة هذه الإشارة ونكرانها بعدما بلغت قوتها حد حدوث بعض الارتخاء النسبي في الجفن وهو علامة تدل على احساس السجينة براحة نفسية مبعثها الشعور العميق بالأمن والثقة في السجّان .
ـ ماذا فعل الأسر بقلوب الأسيرات في الجانبين ؟ قلوب فلسطينية مثقلة بالحزن الشديد وبالغضب من الذل وسوء معاملة الصهاينة لهن،وقلوب أخرى للأعداء منتشية بالحب، إنها المفارقة التي قلما نجد لها مثيل في تاريخ الصراعات الدموية بين الأمم والشعوب المتحاربة،لقد وجدت تلك المفارقة طريقها بغير تلميح في ثبوت العين والتحديق في عنصر المقاومة الشاب بشكل مبالغ فيه كدلالة على الإعجاب به ، ولاشك أن سبب الإعجاب هو حسن المعاملة والرحمة والرأفة بهن وتقديم كل أشكال الرعاية والاهتمام بشؤونهن من طرف تنظيم كتائب القسّام، والانتباه إلى شدة احتياجهن للمتطلبات الخاصة لكل أنثى بعد مرور أكثر من50 يوما في الأسر، هذا الاحتياج الإنساني الحساس لم يفت على قيادة كتائب القسّام ولم تغفل عنه ، وهذا بالضبط ما خلق التقديروبعث الاحترام في النفوس..ثم يبدو أنه أشعل كذلك الحب في القلوب حتى بين الأعداء وفي وقت الشدة والظروف القاسية خلال الحرب، هي مشاعر لا سبيل لنكرنها وستكون حاضرة دوما في ذاكرة الأسيرات الإسرائيليات وماثلة أمامهن في يقظتهن ونومهن ، كما ستكون ذكريات جميلة ومحل إشادة وشهادة منهن أمام الآخرين عساها تكون مفتاحا لبداية جديدة ولمرحلة أخرى بديلة عن السلاح لتصحيح المفاهيم وتغيير السياسات وتبديل المواقف من أجل تحقيق الأمن ونشر السلام والاستقرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق