كانت العزوبية في شبابي خياراً ، وهي الآن عبء أحملُهُ اضطرارا، كم سريعا مر الوقت، لكني لا أقول ‘هرِمْتُ’ بل ‘نَضَجْتُ’ وأبحثُ عن امرأة تقطفني ، امرأة تشبهني ، لكن أي امرأة تشبهني أنا الذي لا أشبه أحدا ؟ انا كمثقف وحيد وفريد أعتبرُ الزواجَ مؤسسةً رجعية ، أريد بالأحرى ان أتعايش تحت سقف واحد مع أنثى حرة ، نتعايش معا نحيا نكتب نرسُمُ نغَني وننجب طفلا يتابع الطريق، بكلمتين ، أريد امرأة أخت رجال ، مُدَجّجة بخلفية ثقافية ووعي طبقي ، تتظاهرْ تُنَدِّدْ تَستنكَرْ تقرأ تكتب ،تدخِّن غليون ، تلبس سروال جينز ولا تضفر شعرها في ضفيرتَيْنْ ، باختصار امرأة تكون بالنسبة لي ما كانته سيمون دي بوفوار لِ سارترُ ، وما كانته أنايس نين لِهمنغواي .
يوم عطلتي تَهَنْدمتُ وتَشَيَّكتُ وقصدتُ معهد العالم العربي لحضورة ندوة عن سوريا ، لعلي أجد(ها) بين أرامل الحرب السوريات اللواتي لجئنْ لباريز ، جلستُ في آخر صف في مكان مشرف على الجمهور ، عيون الحضور مُنْصبَّة على المحاضِر وعيوني منصبة على الحاضرات ، وحصل كلام وتعارف بيني وبين مثقفة حلبية ، وبعد الديباجة المعهودة ، وقبل ان أسئلها "هل تقرئين نزار قباني وأدونيس ؟ " سألتني هي : " كم صار لك بباريس ؟ " . " 37 عاما ". "عندَك جنسية؟ " . " مَعِنديش ". " ليه معندَك ؟" . " لأني وحيد وفريد " . وضعتْ يدها على شفتيها لتحبس كلمة ساخطة وقالت: "كيف هذا ! وغيرك وصل من سنتين وفتح مطعم فلافل !" . التصق لساني بحنكي ولم أقل لها ما يمور برأسي ... أنا مختلف عن غيري، أنا شاعر تجارتي خيال مُشْ فلافل...
لم أفقد الأمل بل خفضتُ سقف المطالب ، لا مانع ان تكون شريكة حياتي الموعودة تحت مستواي بشرط ان تكون فوق مستوى الآخرين ، مع زميلات العمل بمتجر لوكلير حاولتُ ولم تثمر محاولاتي ، الخبّازة عضلاتها قوية ولا تشبهني بالمرّة ، الجزّارة مُوَشِّمَة خنجرا على ذراعها ولا تهتم بالشِّعْرْ بل بالنقانق.
نهار الأحد تهندمتُُ بالهندام الأزرق وتعطرتُ ، شَكَلْتُ فلة حمراء بجيب السترة وقصدتُ المرقص ، رقص صخب ضجيج أضواء منخلية ومعشر نسوان من كل الأعمار والأجناس ، تحتار أيها تختار ، حصل مغناطيس مع ‘ماريا ’ امرأة برتغالية ملامح الثقافة واضحة في شخصيتها ، وأنا أراقصها همست بأذنها :"هل تعرفين فرناندو بيسووا ؟. فقالت :"لا ابدا لم أسمع به رغم اني أعرف كل لاعبي المنتخب البرتغالي ، هل يلعب مع بورتو ام مع بنفيكا؟ ". حسبتها مثقفة فطلعت ناطورة بناية ، عند المشرب نصبتُ كمينا لبقية الراقصات ولم تظبط ، ولا أرملة مولدافية ولا كركوبة أوكرانية تشبهني .
صارحتُ بهواجسي أحد زملاء العمل العرب فقللي:" أنا أعَرِّفَكْ على سيدة عربية تقية ومحجبة." نفرتُ منه ، تُقى ومُحجبات يعني خطوط حُمُر ومُحرّمات ، أنا أوزع الحرية بالتساوي على الجنسين، يعني أقيس حرية المرأة بِقَِصْرْ تنورتها ، كما أقيس عبودية الرجل بِطُول لحيته الشرعية، ولا تسوية مع ابن تيمية .
أثناء عملي رحتُ أبصبصُ في وجوه زبونات المتجر ، ركزتُ عينيَّ عليهن كلهن وتركزتْ أعينهن كلهن على الهاتف الجوال ،كأني مفيش ْ، محصلش مغناطيس ، ما أكثر النسوان وأقلهن!
آخر خرطوشة بجعبتي ، تسجلتُ في وكالة تزويج وتعارف بعد ان بهْرَجتُ سيرة حياتي باختلاقات ووضعتُ في الملف صورة من أيام الشباب وقعدتُ أنتظر ان يرن الهاتف الزهري فلم يرن ، ولا عجب ، كانت أمي بصلواتها تدعو لي بقولها: " يبعد عنك بنات الزنى والحرام " وقد استجابْ لدعائها وانسدتْ بوجهي أبوابُ الحرملك ، يا دين الرب ! ولا امرأة واحدة تشبهني في هذه المدينة التي نصف سكانها نساء !
تسرب إليَّ اليأسُ مع سن اليأس (الرجال ايضا يطبون بهذا المطب النسوي )، أهملتُ شكلي وهندامي وحلاقة ذقني ، ركبتُ دراجتي الهوائية أفشُّ خُلقي بالتدرج في غابة بولونيا ، وأنا أبسكل صادفتُ صبابا لاتينيات منتشرات على طول الرصيف ، رهط مومسات شراميط يعرضن أجسادهن للسابلة والمتنزهين ، وجمح القسم التحتاني من بدني وانكبح الفوقاني ، عادي عادي ، طيش شُيّابْ ، مومس او قديسة ، مافي فرق ، نكاية بصلوات أمي توقفتُ أمام واحدة منهن سألتُها عن بلدها ؟ قالت: "كولومبية " . قلتُ :" تشرفنا والنعم " . قبل ان أسئلها عن التعريفة فاجئتني بقولها :" أنت تشبه رجلا مُهِمّا من بلدي ".
وخلتها ستشبهني ببابلو اسكوبار عرّاب مافيا المخدرات ولكنها قالت :" أنت تشبه غارثيا مركيز ".
فعلاً حين أهملُ منظري وأرخي شاربي وأسدل غرتي على جبيني أشبهُ غارسيا مركيز ولكني أنكرُ وجه الشبه هذا لأني وحيد وفريد، قعدنا نراقب بعضنا بانسجام تام ، راق لها اني أتكلم اسبانية ، وراق لي انها تلبس بنطال جينز ولا تضفر شعرها بضفيرتين ، إشتبهْ عليَّ الأمرُ بين الواقع الملموس والواقع السحري، لم أتحرك بل حركتني، تبعتها كأني مجذوب بمغناطيس جبار ، جرجرتني ورائها (وأنا ألاحقها على دعساتها ، أدرس خلفيتها الثقافية بعيونٍ جائعة) ، قادتني إلى سيارة ‘فان’ مركونة بين الأشجار ، بداخلها سرير عريض وتحرسه أيقونة القديسة ‘ريتا’ شفيعة المومسات، تناولتْ عن رف رواية ‘مئة عام عزلة’ وقالتْ انها إنجيلها الخامس ، أشعلتْ سيجارة شفطتْ نفساً منها بتلذذ، ثم ابتسمتْ لي بتلذذ ، ثم أسدلتْ الستائر، بتلذذٍ أيضا، ثم طرحتْني فوق السرير.
أخيراً امرأة تشبهني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق