من خلال متابعتي لبعض قضايا أمة النكبات قرأت أن حكومة من حكومات الأنظمة العربية قررت ذات يوم الاستعانة بخبراء من أوروبا للمساعدة في وقف الهدر في استهلاك الطاقة الكهربائية في المؤسسات الرسمية.
وقد جاءت خبيرة من هولندا آنذاك وبعد جولة في شوارع المدينة توقفت ظهيرة ذلك اليوم أمام إحدى الوزارات حيث وجدت أن كل النوافذ في تلك الوزارة قد أسدلت الستائر الداخلية فسألت بتعجب لماذا تسدل الستائر في النهار وكان الجواب اتقاء لحرارة الشمس!
فقالت الخبيرة المستوردة: الأمر بسيط افتحوا الستائر ثم اطفأوا اللمبات في غرف الموظفين وارفعوا الستائر لأن إغلاق الستائر في النهار يعني حصول عتمة تستوجب إضاءة اللمبات وهذا يخفف الهدر في الطاقة الكهربائية!
المضحك المبكي والمؤلم معا في هذه الواقعة ان الحكومات العربية وجيوشها من الموظفين البيروقراطيين في الدوائر الرسمية لا تستدعي جلب خبراء من الخارج للمساعدة في وقف الهدر العام في كل مؤسسات الدولة التي تدفع ثمن قيمة الطاقة الكهربائية بالعملة الصعبة كما يسمونها أي بالدولار الأمريكي في الوقت الذي ترفع تلك الحكومات أسعار كل شيء ومنها الكهرباء التي يتحمل المواطن المغلوب على أمره تسديد قيمة المال المهدور على الطاقة الكهربائية في كل البلدان العربية وهذا يحصل ليس في فصل الصيف حيث تكون حرارة الشمس مرتفعة بل في كل فصول السنة!
وبالمقابل تتوسل أو بالأحرى تتسول هذه الحكومات الاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين لتسديد نفقات الحكومات التي يذهب معظمها هدرا بينما الشعب جائع لا يجد ثمن الطعام والدواء له ولعائلته إلا بشق النفس في الوقت الذي يسدد فيه قيمة الكهرباء مرتين مرة لأصحاب المولدات ومرة لشركة الكهرباء الحكومية وبالمقابل تنقطع عنه الكهرباء الحكومية التي لا يعرفها إلا لساعات معدودات في اليوم الواحد!
والطريف في الأمر ان بعض الأصدقاء من بلدان عربية يرسلون لي مقاطع فيديوهات فيها مشاهد لبعض الوزراء أو النواب وهم يفتتحون بعض المشاريع التي يقال أنها إنمائية حيث يضم موكب كل منهم عشرات السيارات الفارهة الحديثة وحشد من قوى الأمن باللباس المدني ومجموعة من الأزلام الهتيفة دون أن يعتبر ذلك الوزير أو النائب أن هذه المواكب من السيارات المرافقة له هي جزء هام من الهدر العام على حساب المواطن والوطن!
وبالطبع ان الأمر هنا لا يتعلق بهدر الطاقة الكهربائية فقط فهناك ما هو أمر من ذلك وهو أن الوزير أو النائب يرسل سيارة حكومية مع مرافق ليشتري بذنجان أو بندورة وخبز ليوصلها إلى منزل الوزير أو النائب ليريح المدام من التعتير والذهاب إلى الأسواق عدا ان إرسال سيارة حكومية إلى المدام كي تذهب لزيارة مدام وزير أو نائب آخر أو إلى الحلاق!
وبالمقابل هناك آلاف الموظفين الذين يقبضون رواتبهم من الحكومات حيث بعضهم لا يداوم في وظيفته والبعض منهم يذهب إلى مكان وظيفته لساعات معدودة دون أن يقوم بأي عمل! والمشكلة هنا ان هؤلاء الموظفين يقبضون قيمة ثمن البنزين لسياراتهم من الدائرة الحكومية التي هو موظف فيها!
والأنكى أن الحكومات المختلفة في كل البلدان العربية يعلنون بين فترة وأخرى عن خطط للتقشف الاقتصادي دون أن ينفذوا ذلك على أنفسهم!
الشكوى لغير الله مذلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق