ترعرعَتِ الباحثةُ والكاتبة السُّوريّة ريم شطيح في كَنفِ أسرةٍ عريقةٍ، تهتمُّ بالقراءَةِ والمطالعةِ والثَّقافةِ والتَّحصيلِ العلمي، فقدْ كانَ والدُها يحملُ آفاقاً فكريّةً وفنّيّةً، حيثُ كانَ مُطرباً ومُلحِّناً وعازفَ عودٍ، ومِنْ عُشّاقِ الفَنِّ والطَّربِ الأصيلِ، تأثَّرَتْ ريم بهذِهِ الأجواءِ الثَّقافيّةِ والفنّيّةِ، وعَشقَتِ القراءَةَ والكتابةَ وقرأتِ الكثيرَ مِنَ الكتبِ الأدبيّةِ والفكريّةِ والثّقافيّةِ بمختلفِ أنواعِها، مِمّا عمَّقَتْ هذهِ القراءَاتُ مِنْ آفاقِ طُموحاتِها. عاشَتْ طُفولةً سعيدةً وآمنةً بينَ أحضانِ أُسرةٍ تحتضنُ العلمَ والفنَّ والفكرَ الرَّاقي. قضَتِ الفترةَ الأولى مِنْ طفولتِها في بيروتَ، وتابعَتْ دراستَها في الصَّفِّ الرَّابعِ الابتدائي في سوريا، مدينة حمص، ثمَّ تابعَتْ دراساتِها للمرحلةِ الإعداديّةِ والثَّانويّةِ والتحقَتْ بجامعةِ البعثِ في حمصَ، قسمِ اللُّغةِ الانكليزيّة، وتعمَّقَتْ انكليزيَّتُها باللَّهجةِ الأميريكيّة لتواصلِها مَعَ الجالياتِ السُّوريّةِ المهاجرةِ إلى أميريكا والوافدةِ عبرَ زياراتِها للوطنِ.
بدأتْ تكتبُ الخواطرَ الأدبيّةَ والقصائدَ الشِّعريّةَ، وهي في مقتبلِ العُمرِ، تُعبِّرُ عَنْ هواجسِها، وجنحَتْ نحوَ فضاءِ التَّمرُّدِ مُنذُ أنْ حَملَتِ القلمَ، فلا تقتنعُ بأيَّةِ عادةٍ أو تقليدٍ لا يتقبَّلُهُ عقلُها وفكرُها، لهذا سرعانَ ما وقفَتَ ضدَّ بعضِ العاداتِ والتَّقاليدِ الموروثةِ الَّتي لا تلائمُ عوالمَها، وظلَّتْ هذهِ الرًّؤيةُ النَّقديّةُ مُستمرّةً معَها إلى أنْ شبَّتْ عَنِ الطَّوقِ، وحملَتْ في آفاقِها روحَ التَّمرُّدِ ضدَّ كلِّ ما هو رجعيٌّ وغيرُ حضاريٍّ، مُركِّزةً على آفاقِ الرُّؤيةِ التَّنويريّةِ والحضاريّةِ، وقَدْ استهوتها تطلُّعاتُ ما كانَتْ تطرحُهُ الدُّكتورة نوال السَّعداوي، واطلعَتْ على أغلبِ كتاباتِها وتأثَّرَتْ بها وبرؤاها التَّنويريّةِ، وانعكسَتْ هذهِ الرُّؤى بشكلٍ ملحوظٍ في مقالاتِها وكتاباتِها فقَدْ سلَّطَتْ قلمَها على كلِّ ما تراهُ غيرَ موائمٍ لتطوُّراتِ العَصرِ، وغيرَ مُناسبٍ لِمَا نحنُ عليهِ، لهذا انبثقَ في فضاءِ مقالاتِها رؤيةٌ عميقةٌ في مسارِ التَّغييرِ والتَّطويرِ، وراحَتْ تنتقدُ الاعوجاجاتِ والفسادَ وكلَّ ما يدفعُ المجتمعَ نحوَ التَّخلُّفِ والتَّراجعِ، مُركِّزةً على إبرازِ الآراءِ التَّنويريَّةِ الخلَّاقةِ الَّتي تُساهِمُ في تقدُّمِ البلادِ والمجتمعِ الَّذي تعيشُ فيهِ أو في أيِّ مُجتمعٍ مِنْ مجتمعاتِ العالمِ، إلى أنْ غدَا ديدنُها تبنِّي الفكرِ التَّنويري الخلّاقِ!
تجنحُ البروفيسورة ريم شطيح نحوَ فضَاءِ البحثِ والغوصِ عميقاً في الفكرِ الجادِّ والأصيلِ، فهي تقومُ بدراساتٍ وبحوثٍ عميقةٍ في أيِّ مَوضوعٍ تطرحُهُ كي تقدِّمَ رؤاها ووجهاتِ نظرِها بدقَّةٍ فيما تعبِّرُ عَنهُ، فهي باحثةٌ عميقةٌ في هذا المضمارِ، لِما لها مِنْ شغفٍ كبيرٍ للتعبيرِ عَنْ تفاصيلِ الموضوعاتِ الَّتي تكتبُ عنها، وتركِّزُ في بحوثِها عَنْ كلِّ ما هو تنويريٌّ وحداثويٌّ، فكلُّ مواضيعِها ومقالاتِها وكتاباتِها تصبُّ في فضاءِ الحداثةِ والتَّطويرِ، وتقديمِ الحلولِ النّاجعةِ والآراءِ المُفيدةِ لاستنهاضِ الأوضاعِ الَّتي تتطلَّبُ المزيدَ مِنَ الرُّقيِّ والتَّحضُّرِ والتَّقدُّمِ في المجالاتِ الَّتي تُناقِشُها وتطرحُها على بساطِ البحثِ. تكتبُ مواضيعَها عَنِ الإنسانِ، والمرأةِ، وعَنْ قضايا اجتماعيّة وفكريّة متعدِّدةٍ، وعَنِ الدِّيكتاتوريّةِ السِّياسيّةِ والدِّينيّةِ، وعَنِ القضايا المتعلِّقةِ ببناءِ وتطويرِ المجتمعِ. تركِّزُ في دراساتِها وبحوثِها عَلى تحليلِ الظَّاهرةِ الَّتي تُقدِّمُ بحثاً عنها تحليلاً دقيقاً، وتقدِّمُ الحلولَ المناسبةَ للظواهرِ الَّتي تقومُ بدراستِها، وترى أنَّ المصالحَ الضَّيّقةَ تقودُ للكثيرِ مِنَ المواقفِ السِّياسيَّةِ إلى خلافاتٍ وحروبٍ وتؤدِّي إلى كوارثَ ودمارٍ وخرابِ البلادِ في الكثيرِ مِنَ الأحيانِ، وهذا كلُّهُ ناجمٌ عَنْ عدمِ انفتاحِ الأطرافِ المتصارعةِ والمتناحرةِ مَعَ بعضِها بعضاً، مِمَّا جعلها تصطدمُ مَصالِحُهم وتتفاقمُ الخلافاتُ على هذهِ المصالحِ، إلى أنْ تصلَ إلى مرحلةِ التَّصادُمِ والحربِ فيما بينهم، فهي ترى أنَّ هذهِ المصالحَ يشوبُها الاستغلالُ والانانيّةُ في أغلبِ الأحيانِ، وتؤدِّي إلى حالاتٍ مُدمِّرةٍ على مُعظمِ الأطرافِ المُتصارعةِ، وهذا ما رأيناهُ ونراهُ مُتفاقماً في مُعظمِ البلدانِ الّتي نشبَتْ فيها الحروبُ، كما نشبَتْ في أغلبِ أنحاءِ العالمِ مُنذُ القديمِ حتَّى وقتِنا الرَّاهنِ، بما فيها الصِّراعات السّائدة حاليَّاً في دُنيا الشَّرقِ والعالمِ العربي وفي الكثيرِ مِنْ جغرافيَّاتِ العالمِ الّتي تتأجَّجُ فيها الحروبُ أجيجاً حارقاً كأنَّها على صفيحٍ ملظَّى مِنْ لهيبِ النَّارِ!
تنظرُ الباحثةُ ريم شطيح إلى مَا تراهُ متفشِّياً في سِياساتِ العالمِ مِنْ صِراعاتٍ مُميتَةٍ ومَريرةٍ، وترى أنَّهُ مِنَ الضَّروريِّ أنْ تثورَ هذهِ الشُّعوبُ المضطّهدةُ والمنكوبةُ على الواقعِ المرِّ الَّذي تعيشُ فيهِ، وتطالِبَ بإيقافِ الحروبِ والصِّراعاتِ الدَّائرةِ في بلدانِهم، لعلَّها تستطيعُ تغييرَ واقعَ بلدانِهم نحوَ الأفضلِ، عندئذٍ سيضطّرُ السِّياسيُّونَ إلى تلبيةِ طلباتِ الشُّعوبِ، والرُّضوخِ لها، وإلَّا فإنّها ستثورُ على حكوماتِ بلدانِها، وتطالِبُ بتحقيقِ طلباتِها إلى أنْ يتمَّ تحقيقُها. وترى شطيح، هذهِ الباحثةُ عَنْ حقوقِ الإنسانِ، أنَّ المرأةَ في الشَّرقِ ما تزالُ مقموعةً ومضطّهدةً في الكثيرِ مِنَ المواقعِ، وتحتاجُ إلى المزيدِ مِنَ التَّكافُؤِ والحُرِّياتِ، وإلى تحقيقِ فُرَصٍ جديدةٍ تُتَاحُ لها كي تحقِّقَ المساواةَ مَعَ الرَّجلِ، ولا يُمكِنُ أنْ تُحقِّقَ المرأةُ هذهِ الميِّزاتِ في رحابِ الشَّرقِ والعالمِ العربي، إلَّا بتضافرِ وتضامُنِ جهودِ النِّساءِ في هذهِ البلدانِ، وتدافعُ عَنْ حقوقِها عبرَ الكثيرِ مِنْ مؤسَّساتِ الدَّولةِ المتعلِّقة بحقوقِ المرأةِ، وتنظِّمُ جهودَها ومطالِبَها إلى أنْ تضعَ الحكومةَ في موقفٍ تستجيبُ فيهِ إلى تحقيقِ طلباتِ المرأةِ، وإلّا ستصبحُ الدَّولةُ في حالةِ صِراعٍ مَعَ نصفِ أفرادِ المجتمعِ. ولا تغفلُ الباحثةُ ريم شطيح الوقوفَ عندَ الكثيرِ مِنَ القضايا الاجتماعيّة والفكريّة والحياتيّة، الّتي لا تنصفُ الإنسانَ في المجتمعِ، فتطالبُ بتغييرِ هذهِ الظَّواهرِ غيرِ الدِّيمقراطيّة وغيرِ العادلةِ، فهي دائماً ترصدُ قلمَها للدفاعِ عَنْ حقوقِ المُهمَّشينَ والمَهضومةِ حقوقَهم، وتطالبُ بتحقيقِ حقوقِهم مِثلَما يأخذُ الرَّجلُ حقَّهُ في كافّةِ المواقع.
الباحثةُ والكاتبةُ السُّوريّة ريم شطيح، بروفيسورة مُتخصِّصة في علمِ النَّفسِ مِنْ جامعاتِ أميريكا، وتُدرِّسُ علمَ النَّفسِ في ثلاثِ جامعاتٍ في أميريكا، وحقَّقَتْ نجاحاً كبيراً في تدريسِ مادّتِها، لِما تحملُ مِنْ رؤيةٍ عَميقةٍ في مَجالِ تخصُّصِها ولِمَا لها مِنْ باعٍ شاهقٍ في التَّعليمِ، ورؤيةٍ عَميقةٍ في التَّحليلِ والتَّطويرِ، تغوصُ عميقاً في فضاءَاتِ عِلمِ النَّفسِ مِنْ خلالِ سَبرِها وغوصِها في هذهِ العَوالمِ، لأنَّها تحملُ آفاقاً خلّاقةً في هذا الفضاءِ الرَّحبِ، فقَدْ تخصَّصَتْ في هذا المَجالِ مِنَ العُلومِ النَّفسيّةِ الَّتي تتجذَّرُ في أعماقِ كينونةِ الإنسانِ، وهذا التَّخصُّصُ هو مفتاحُ الماسترِ للعبورِ عميقاً في عوالمِ الإنسانِ مِنْ أغلبِ جوانبِ الحياة، ولهُ أهمِّيّةٌ كبرى في تشكيلِ شخصيّةِ الإنسانِ، وهو حاملُ بُنيةِ الشَّخصيّة بكلِّ ما فيها مِنْ تطلُّعاتٍ وآفاقٍ شاهقةٍ، لتحقيقِ طموحاتِها المتعدِّدةِ. تدرِّسُ موادَّها بمُتعةٍ غامرةٍ، وتتفاعلُ طالباتُها وطلَّابُها في محاضراتِها، لِمَا لها مِنْ طُرقٍ ناجحةٍ وشيّقةٍ في تقديمِها، فهي تعتمدُ على خلقِ حالةِ تفاعلٍ في التَّحليلِ والتَّفكيرِ لدى الطَّلَّابِ والطَّالباتِ، فينجذبُونَ إلى المحاضراتِ بذهنٍ مفتوحٍ وتركيزٍ عالٍ، وتحقِّقُ تفاعلاً بديعاً بينها وبينَ طلّابِها وطالباتِها، خاصّةً أنَّ طريقةَ التَّدريسِ في الغربِ، وفي أميريكا تختلفُ عمّا هو سائدٌ في الشَّرقِ، حيثُ تعتمدُ الطُّرقُ الشَّرقيّة في التَّدريسِ في الجامعاتِ العربيّةِ على تلقينِ المعلوماتِ، بينما في الجامعاتِ الغربيّة ومنها أميريكا، فالأسلوب المتبَّعُ هو تحفيزُ الطَّالبِ والطَّالبةِ على التَّفكير والتَّحليلِ وخلقِ حالةِ تفاعُلٍ بينَ الطُّلَّابِ والمدرِّسينَ، وبالتَّالي يكونُ الطَّالبُ في حالةِ تفاعُلٍ ويقدِّمُ رؤيةً فعَّالة لِمَا يفكِّرُ بِهِ ويحلِّلُهُ، بينما في الجامعاتِ الشَّرقيّةِ يكونُ الطَّالبُ في حالةِ تلقِّي المَعلوماتِ وحفظِها وعرضِها، ونادراً ما يُسْمَحُ لَهُ بالاجتهادِ أو التَّحليلِ والتَّفنيدِ والَّذي أحياناً يكونُ مُخالفاً لِما يدرسُهُ أو يتلقَّاهُ في المحاضراتِ في الجامعاتِ الغربيّةِ، ولهذا هناكَ فرقٌ كبيرٌ في طريقةِ التَّدريسِ ما بينَ الشَّرقِ والغربِ، فيتخرّجُ الطَّالبُ الشَّرقيُّ حافظاً المَنهاجَ وبعدَ فترةٍ ربَّما ينسى القسمَ الأكبرَ مِنَ المعلوماتِ الَّتي حفظَها، بينما الطَّالبُ الغربي يقومُ بعمليَّةٍ تحليليَّةٍ وتفكيرٍ وتفنيدٍ لِما يقرَؤُهُ وبالتَّالي يصبحُ المَنهاجُ لديهِ حالةً تحليليّةً أكثرَ مِنْ أنْ يكونَ حالةً تلقينيّةً وحفظيَّةً!
ترى الباحثةُ ريم شطيح أنَّ القمعَ وعدمَ توفُّرِ الحرّياتِ هو الذَّي يُعيقُ تحقيقَ آفاقِ التًّنويرِ، والشَّرقُ ضمنَ توجُّهاتِهِ لا يهتمُّ بتطويرِ البُنيةِ التَّحتيّةِ ولا بالبُنيةِ الفوقيّةِ إلَّا على نطاقٍ ضيِّقٍ ومحدودٍ جدَّاً، كما لا يهتمُّ بالتَّطوُّرِ التِّكنولوجي بالمفهومِ العميقِ لهذا التطوُّرِ، والقمعُ السِّياسي هو السَّائدُ، وكذلكَ القمعُ القومي والدِّيني في بعضِ الأحيانِ، وكلُّ هذا القمعِ يؤثِّرُ على عدمِ سطوعِ آفاقِ التَّنويرِ، وإنَّ كلَّ مَنْ يكتبُ في فضاءِ التَّنويرِ، ولَهُ رؤيةٌ تنويريَّةٌ في توجُّهاتِهِ، غالباً ما يُعتبَرُ ضدَّ الأنظمةِ الاستبداديّةِ، لهذا نرى الأنظمةَ الاستبداديّةَ، هي الّتي تقمعُ نشرَ وترويجَ الفكرِ التَّنويري، ولو سمحَتِ الأنظمةُ السِّياسيّةُ بنشرِ الفكرِ التَّنويري في البلادِ، سيؤثِّرُ هذا الفكرُ عليها ويقودُها إلى التَّغييرِ والتَّنويرِ، وهذا ما لا يُناسبُها لأنَّ وجودَها قائمٌ على أنْ لا يسودَ الفكرُ التَّنويريُّ، كي تحافظَ على استمراريّتِها في البقاءِ على عرشِ السُّلطةِ، ولهذا نرى واقعَ العالمِ العربي والبلدانَ القامعةَ لشعوبِها في حالةٍ مُخلخلةٍ مَعَ مواطنيها، وغالباً ما ينجمُ عَنْ هذهِ الحالةِ صراعاتٌ دمويَّةٌ تصلُ إلى حدِّ التَّصفيةِ والقتلِ والحروبِ المجنونةِ، إلى أنْ تصلَ البلادُ إلى بوَّاباتِ الجحيمِ!
تكتبُ ريم شطيح مقالاتِها مِنْ خلالِ مشاهداتِها ورصدِها للمُتغيِّراتِ الّتي تُصادفُها في رحلةِ الحياةِ، كما تستوحي أفكارَ كتاباتِها مِمَّا لا يُعجبُها، وهي على أُهبةِ الاستعدادِ لتسليطِ الضَّوءِ على ما تراهُ يحملُ طابعاً سَلبيَّاً، فتقومُ بتصدٍّ للظّواهرِ السَّلبيّةِ الَّتي لا تراها مُناسبةً لواقعِ المجتمعِ الَّذي تعيشُ فيهِ، وتنتقدُها بعدَ أنْ تحلِّلَ الظَّاهرةَ منْ جَميعِ جوانبِها وتضعَ الحلولَ المناسبةَ لها. تكتبُ ريم مقالاتِها بشغفٍ عميقٍ في أوقاتِ فراغِها، فلا يوجدُ لديها طقوسٌ معيّنةٌ في الكتابةِ، فهي تكتبُ في المقهى، في المكتبِ، في منزلِها، وتكتبُ الكثيرَ مِنَ الأفكارِ عبرَ هاتفِها، وأكثرُ ما يدفعُها للكتابةِ هو بحثُها الدَّائمُ عَنِ الظَّواهرِ الَّتي لا توائمُ واقعَ المجتمعِ الَّذي تعيشُ فيهِ، فتنتقدُ الظّواهرَ الّتي لا تراها تسيرُ كما يجبُ أنْ تسيرَ، وتضعُ لمساتِها ورؤاها كما يجبُ أنْ تكونَ، لا كما رأتْهُ مِن اعوجاجٍ. تقتنصُ الكاتبةُ مِنَ الزَّمنِ وقتاً لها للكتابةِ، رغمَ أنَّها مشغولةٌ طوالَ الوقتِ في تدريسِ موادِّها المقرَّرةِ في ثلاثِ جامعاتٍ أمريكيّةٍ وهي بعيدةٌ نسبيَّاً عَنْ بعضِها بعضَاًـ
وفيما يخصُّ الرُّؤية الشَّرقيّة والغربيّة، ترى شطيح أنَّ هناكَ أساسيَّاتٍ مشتركةً بينَ الموروثِ الشَّرقي والغربِي، كالجوانب الإنسانيّة: الرّحمة، العدالة، المساواة، التَّعاون، الصّدق وتشجيعِ الآخرينَ على الرُّؤية الصَّائبة، وتقفُ ضدَّ الموروثِ الّذي يعيقُ التَّطويرَ، فهي تبحثُ عَنْ كلِّ ما هو حداثويٌّ وتنويريٌّ وحضاريٌّ، لكنَّها في الوقتِ نفسِهِ تجدُ أنَّ هناكَ الكثيرَ مِنَ الرُّؤى الجيّدةِ في الشَّرقِ أيضاً، يمكنُ أنْ نعمِّقَها ونسيرَ على خطاها، لهذا توائمُ الباحثة ُبينَ ما هو جيّد في الشَّرقِ والغربِ معاً، وتصطفي ما هو مناسبٌ مِنْ كلا الطَّرفين، وتركِّزُ على تماسُكِ الأسرةِ وانسجامِها، كما تركّزُ على دعمِ الأولادِ، بنينَ وبناتٍ على حدٍّ سواءٍ، وعلى خلقِ حالةِ توازنٍ بينَ تطلُّعاتِ المجتمعِ الشَّرقي وآفاقِ الرُّؤيةِ الغربيّةِ، فهي تعيشُ بكلِّ سلاسةٍ في دُنيا الاغتراب.
تسلِّطُ مَجسَّاتِ قلمِها على واقعِ الإعلامِ الشَّرقيِّ والعربيِّ، فتراهُ يتراجعُ عاماً بعدَ آخر، ولا يركِّزُ على الأفكارِ التَّنويريّة في برامجِهِ، ونادراً ما يدعو الإعلامُ المفكرِّينَ الَّذينَ يحملونَ فكراً تنويريَّاً، ولا يضعُ في برامجِهِ خططاً لترويجِ ثقافةِ التَّنويرِ، بقدرِ ما يقدِّمُ برامجَ تخدمُ السِّياسةَ السَّائدةَ في كلِّ بلدٍ، وكأنًّ الإعلامَ هو مرآةٌ عاكسةٌ لسياسةِ هذا البلدِ أو ذاكَ، فكيفَ سيحدثُ التَّطويرُ والتَّحديثُ أمامَ واقعٍ إعلاميٍّ وتعليمي يحملُ في أعماقِ توجُّهاتِهِ آفاقاً سطحيّةً وبعيدةً كلَّ البُعدِ عمّا هو تنويري وحضاري وإنساني، وهو إعلامٌ رسميٌّ غيرُ حرّ، يروِّجُ للسلطةِ وبرامجِها وتوجّهاتِها، وترى أنَّ المستقبلَ هو للفكرِ التَّنويري مهما طمسَهُ الإعلامُ في أيِّ بلدٍ مِنْ العالمِ العربي، ولابدَّ مِنْ تغييرِ مناهِجِهِ ودساتيرِهِ وتقنيات أدواتِهِ في قيادةِ البلادِ على مستوى كافّةِ المراحل التّعليميّةِ والإعلاميّة، للنهوضِ بالبلادِ واللِّحاقِ بالدُّولِ المتقدِّمة لتحقيقِ تطلُّعاتِ الرُّؤية التَّنويريّة والحضاريّة في دنيا الشَّرقِ والعالم العربي أسوةً بما وصلَتْ إليه الدُّولُ المتقدِّمةُ في سائرِ مَجالاتِ الحياة!
ستوكهولم: أيار (مايو) 2024
صبري يوسف
أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق