جمالية الاحتمال والمؤولات الدينامية : تهامس سيميائي مع ديوان " دق بابي أيها الصغير " للشاعر المغربي عبد العزيز حاجوي/ محمد مهيم

 


جمالية الاحتمال ... والمؤولات الدينامية .. 

 تهامس سيميائي مع ديوان " دق بابي أيها الصغير "  (1) للشاعر المغربي عبد العزيز حاجوي 

" فالشاعر إذا يوقظ الوعي الذاتي كمرحلة أولى للفهم ، وذلك بالتحرر من السبات الذي كبل الجسد عن الانطلاق والتجدد ، وإذ تعثر الذات على نفسها ، وتعي كينونتها ، فإنها لا ترضى بديلا بأي وطن ينفي ظهورها ويلغي فاعليتها سوى بالشعر ، بوصفه ممارسة لغوية ، ومأوى جوهريا للكينونة " ( 2 ) .

ما قبل ...

إن النص الأدبي ليس نصا يحتوي موضوعا خارجيا ، خالصا وبسيطا ، عبارة عن كون من العلامات ، نحاول البحث عن توصيف لهوياتها داخل الكون الفني التصويري  ، بل إن النص الأدبي بوصفه ، بناء لغويا يعتبر كونا سيميائيا بالضرورة ( 3.) .. والديوان الذي سنتناوله ،  بل وكل إنتاج أدبي ، في الحقيقة ، يعد حالة سيميائية.. ومن ثمة فإننا لا نعتبر النص الأدبي ، فقط عبارة عن هيكل دلالي ثابت لموضوع ما ، أو لمحتويات ما ... لأن هذا التصور سوف يتناقض مع مفهوم العلامة الحبلى ، أو نمو الصور الشعرية .. والسياقات الآنية الحدوث ، التي تعد نواة لبزوغ الانفتاح الدلالي ، ضمن حركة السيميوز 4)) ، التي تشرع في نسج صيرورتها عبر فكر وإحساسات كل من المبدع والمتلقي ،.. فتميز النصوص الأدبية الإبداعية بفرادتها ، هي ، دائما ، جزء لا يتجزأ من هذه السيرورة السيميوزيسية  .. التي تجري في مشاعرنا وأذهاننا على السواء .. وبشكل مطلق ، قبل عملية الإنتاج وبعدها ، فلا يمكن للخطاب الأدبي أو النصوص الأدبية أن تكون فقط عبارة عن موضوعات بسيطة ، منفعلة ، تحت رحمة تحليلات انطباعية ... لكون الخطاب الإبداعي يمتلك حسا خطابيا ، هوية سيميائية ، ذلك أن " التعامل مع النص الأدبي وكأنه نسخ للواقع ، يدخلنا في تناقض ، لأن النص كنظام (كخطاب ) مستقل من الدلائل ( العلامات ) يختلف عن العالم ، حيث الوحدات الدالة فيه تدخل في علاقات متبادلة فيما بينها " (5) والتي من أهم مسلماتها ، اهتمامها بالدلالة ، كحدث لحظي يتجسد عبر دينامية النصوص ، والصور ، الممارسات الاجتماعية .. أو أي أداة توصيل وتواصل أخرى ، .. بوصف الدلالة آثارا نبحث عنها .. ونسعى إلى توصيف شروط تشكيلها وإنتاجها .. ، فالقراءة سيميائيا تعني أن ننطلق من افتراض وجود بناء ، وتنظيم ما ، منسقا بشكل ملائم ، ذلك أن الرؤية السيميائية ومنهجيتها يقتضي  وجود مسارات وعلاقات لبناء المعنى أو الدلالة ، تكون في خدمة القراءة والتأويل .." لأن الأمر يتطلب  من القاريء (...) أن يقرأ باطن النص مثلما يقرأ ظاهره . وذلك كي يتمكن من تخيله . ومن ثم تفسيره تفسيرا سيميولوجيا إبداعيا " (.6.) وهذا البناء يخضع ، طبعا ، لمسلمات أو بدهيات تعمل على تحديد حقل الوجاهة والمصداقية السيميائية (.7. ) ومن ثمة فإننا لا نباشر البحث ، توا ،عن دلالة الخطاب ، سواء ، أتعلق الأمر بفكر المبدع ، أو بقصديته / يعني رغبته فيما يطمح الإفصاح عنه / ، ولا حتى في حقيقة العالم الذي ينوي الحديث عنه ، ولكننا نهتم بالخصوص بشروط التنظيم اللغوي أو أي وسيلة تواصل أخرى والتي تعمل على تسييق هذا الرؤية الإبداعية أو تلك ثم التأشير على الكون الدلالي المؤثث لفضاء هذا الخطاب أو ذاك .... إن الخطاب بالنسبة للسيمياء ، ليس فقط سندا للتواصل أو توصيل رسالة ما أو معلومة ، شأن النص ، .. إنه ، ومع ذلك ، تمظهر لدلالات محايدة ومتمفصلة ، خطاب في حالة تلفظ .أي " مسار دلالة ينجزها تلفظ ما " (8).ومن ثمة  فإن قصائد هذا الديوان ، كما سنرى ، تحظى دلالاتها بتمفصل مزدوج سواء أتعلق الأمر بما تحتويه من قصائد الومضة أو قصائد التفعيلة : نقصد بالأول ، تمفصلا محليا ، باعتبار أن لكل قصيدة دلالة محلية بناء على وحدة بنائها ، وذلك على مستوى رؤيتها الخاصة  ، ونقصد بالتمفصل الثاني ، مساهمة الكل في بناء الدلالة الكلية أي مساهمتها في نسيجها للرؤية الشمولية للديوان ...يعني " النسيج الجمالي الذي تنتظم فيه مفاصل النص ... " (.9.) ، كما سنرى ، وعلى الخصوص في القصيدة الديوان ( دق بابي أيها الصغير ) . التي ستكون محط تهامس . ، باعتبار أن الشاعر منح عنوانها للديوان .. ، طبعا ، إلى جانب النصوص الموازية ، بما في ذلك صورتا غلافي الديوان ، وقد انصهر الكل في مسارات علائقية دينامية يتفاعل فيها الذاتي والموضوعي ، الجزئي والكلي ، في أنساق اختلافية تجسد حميمية الرؤية الشاعرية للمبدع ، وهي رؤية ساهمت في تلوين ضفيرتها قضايا إنسانية ، هيمن عليها الحس الوطني .. ومن ثمة فإن اهتمام السيمياء ، في الواقع ، ببناء الدلالة ‘على هذا النوع من التنظيم يعود إلى تمسكها ببناء مستويات مختلفة لأنساق العلامات " لأن الموضوع الدينامي نفسه يمكن تناوله بناء على وجهات نظر متنوعة " ).10.) تبعا لصيرورة التخطيب ، ... لأنها تسعى إلى البحث عن تخوم التوترات الجمالية لإنتاج الدلالة . فعوض أن تكون هذه الأخيرة نتيجة لإنتاج قيم ، قد ينعتها البعض فلسفية أو ميتافيزيقة ، أو وجودية .... مخزنة في الملفوظات أو العلامات ، فإنها تسعى ، بالأحرى إلى البحث عن دينامية المسارات الآنية الحدوث ، (11 ) في حركات الخطاب العنيدة ، والتي لا يمكنها أن تنتهي أو تتوقف .. ومرد ذلك إلى كينونة العلامات ، الحبلى بفائض الدلالة .. حيث نعثر على المكانة المركزية التي تحتلها السيميوز المنفتحة على توترات الحركة الإبداعية للخطاب ... للقصيدة.. 12) ) وهنا ستجد العلامات امتداداتها السيمائية .. ومن هذا المنطلق أيضا ... فإن العلامة الحبلى أو الصورة الشعرية الواعدة / ستكتسب انفتاحها ، حيث يتم تشكيلها ، مما سيمنحنا القدرة على تجسيد الدلالة ، في هذا الديوان ، بناء على تحريك معطيات الخطاب ، .. فالعلامة الحبلى أو الصور ، وهي ، تحاول الكشف عن موضوعاتها الدينامية ، توحي لنا بتنوع رؤاها ، عبر حركة مؤولاتها الدينامية أيضا ، التي تقتضي وجود موضوعات دينامية (13). وهذه الخاصية في الإعلان أو الكشف عن همس بل عن تهامس غير منتظر، ، هي ، التي تشكل هوية المسارات الدلالية ، النابضة بخاصية الاحتمالات الجمالية  التي تنسجها تنوعات الرؤى .... 

فكيف تم تسريب مسارات الدلالة هاته ؟؟ ثم كيف عملت حركة السيميوز على نسج تخوم الرؤيا الإبداعية (14) محليا وكليا ...؟!

أما بعد ...

فقد ارتأى الشاعر أن يقسم دوانه هذا ، (15) إلى جزأين يتشكل أولهما من إحدى وثلاثين تجربة مع هيمنة لقصائد الومضة . أما ثانيهما فقد ضم ثلاث عشرة تجربة،  حيث شغلت فيه قصائد التفعيلة الحيز الأوفر , وقد تصدرت افتتاحية كلا الجزءين قصيدة الومضة بوصفها نواة إشعاعية اختزالية تعمل على تكثيف توجهات الرؤيا الشعرية ، والتي ستختلف كما وكيفيا ، على مستوى الانتشار الدلالي ... بحيث يفتتح اسم الشاعر صفحة الغلاف الأمامي عبر عنوان مركب ، بوصفه عنوانا لخلفية فضاء البياض والاحتمال : 

( دق بابي أيها الصغير ) 

متجها بالنداء نحو وسطها ، الذي تؤثث عمقه أيقونة طفل مستلق على مستوى أفقي ، (16) داخل كون طبيعي ، فضاء تؤثثه شفافية النقاء والصفاء ينسج أبعادها تفاعل الزرقة والبياض وكأنه سابح في كون من احتمالات الدلالة ، إعلانا عن رغبة الذات في الانفتاح على ذاكرتها ، على هويتها ، بل على كينونتها .. مجسدا لمسارين : زمني ومكاني ، ولحركة الرؤية الشعرية ، التي ستنتشر رؤاها عبر مستوى صفحات الديوان ، ممتدة بين الماضي والحاضر والمستقبل .... كما سنرى ذلك في القصيدة الديوان ...وختمه بحركة تمهيرية ، تجنيسية ، توحي بهوية هذا التفاعل بين الأيقوني واللساني المؤثثة لهذه الصفحة : 

ديوان شعر .. :

تنكير يؤشر بدوره على حركة دلالية منفتحة على المطلق ...على فضاء الاحتمال ، لأن " ما نعتقده عند  الوهلة الأولى ، بأن النص يحيل إليه ليس سوى من عمل الدلائل ( العلامات ) وقدرتها على خلق التأثير L’effet " ، (17) في فضاء النوعيات ، الذي سيسم ولادة رؤاه الشعرية ، ويحفز بذلك حركة التلقي للانفتاح على التعدد الدلالي ... على دينامية البعد الجمالي ... كاحتمال سينتج تفاعل العلاقات بين الكونين الأيقوني واللساني بوصف ذلك وعدا بالدلالة ...وعلى صفحة الغلاف الخلفية تطل علينا أيقونة ابتسامة الشاعر بوصفها عنوانا ، عمِل الملفوظ اللساني الموازي ، أسفلها ، على تؤول بعض أبعادها ... كاشفا عن إحدى الرؤى التي كان لها مساهمة في تخليق هذه التجربة .. توجيها لحركة التلقي للإفصاح عن هوية هذا الانصهار الحدثي بين اللغوي والأيقوني ... " فالشاعر يدرك الشيء كلغة منتجة لدوالها ( علاماتها)، ومن ثمة فهو لا يسمي بقدر ما يعيد إنتاج لغة الشيء نفسها" ( 18) ، لكن عبر رؤيا جمالية ، وقد مرت عبر مصفاة الحس .... 


إرهاصات دلالية :

وذلك ما جعل ذات الحالة ،  (19)تستهل عملية الانفتاح والتفاعل المنتظر بين العنوان والقصيدة  كالآتي ..:

دق بابي أيها الصغير

بالأحمر أو بكل الألوان 

فتحت القلب

وغمست أصابعك في دم القلب ..

إن ما يؤشر على بؤرة حركتي الاحتمال والانفتاح معا في هذه الرؤيا ، ليس على مستوى القصيدة ... وحسب ، بل وعلى مستوى الديوان أيضا ، ... هو هذا الفعل الحركي ( فتحت ).. المسند لتاء متحركة ، تتماهى حركتها في اتجاهين نحو الأنا و الأنت في انصهار مطلق ، ( فتحتَ / فتحتُ ) دالة ، بدلك ، على اشتراكهما في نزيف هذا الجرح القلبي ، ومما يعزز هذا الافتراض ، ظهور حركة انفتاح أخرى ، ستتذيل القصيدة ، مشرعة ، بدورها ، على شعرية الاحتمال ، على الآتي... ومؤولة لنوعيات  qualitésالامتداد الدلالي ، تقول ذات الحالة في نهاية هذه الحركة الحدثية للقصيدة  : 

فخذ نصيبك من القلب 

أيها القلب

وخذ نصيبك من هذا الذي بيننا 

إنها حركة انفتاح لها امتداد على مسارات زمنية تتنوع تبعا لاختلاف الرؤى ، كما ستؤشر على ذلك مقاطع هذه القصيدة .... إنها كذلك ، حركة الإحساس الخالص ، المشترك الذي ساهم في إنتاج هذه التجربة ..إنه نداء تحريك وتحفيز للرؤيا الشعرية ، القادمة من عالم الاحتمال ، والتي ستنسج الكون الشعري المؤثث لفضاءات الدلالة ... فكيف عمل انصهار قلبي ذات الحالة ، الصغير والكبير... ، على بناء مسارات الدلالة بين عالم الاحتمال وعالم الواقع المعيش (20)؟؟ 

في الواقع إن مسارات التمفصل هاته التي تتمادى ، بين غنج الاحتمال ونبض الحس ، قد يؤدي بنا إلى الوقوف على فعل الكتابة الشعرية في هذه القصيدة كما في الديوان...  من خلال تجاوز المؤولات المباشرة المرتبطة بالمستوى الفني نحو المؤولات الدينامية التي تتعالق مع صور الاشتغال الجمالي لمسارات السيميوز بناء على الفرضية السميائية التي تذهب إلى أن ما يلون هوية العلامة السيميائية يتولد أو يتخلق عبر فعل الاحتمال بوصفه شرطَ الخلق والإبداع نفسه ..سواء أتعلق الأمر بالخطاب الفني أو الخطاب الجمالي . وهذا ما سنلمس آثار تجلياته في القصيدة الديوان : 

' دق بابي أيها الصغير " 

العنوان ... الأيقونة : 


فأول ما يثير حركة التلقي ، في هذا العنوان هو تركيبته التي يشكلها مقطعان : الأول زمني حركي( دق بابي ) حركة إثارة وتحفيز مادي ... والثاني لا زمني ثابت  / ( أيها الصغير ) مركب اسمي ، مع تغييب حركة فعل النداء المخصص .. للتركيز على هوية ذات نكرة ، احتماليا لكنها مقصودة دلاليا ... لأنها في كون الاحتمال تنتظر تحيينا فنيا ، من المتلقي ، على مستوى القصيدة والديوان معا ، ثم تحققا حسيا على مستوى الرؤيا الجمالية ، لكونها ، كذلك ، موصوفة بوسم الصغير الذي لا يدل ، هنا ، على الحجم والكمية بقدر ما يدل على الكيفية أو النوعية ...  Qualitéعن البراءة ونقاء الرؤيا  .. وعن صفاء الحس ورهافته ، لكونها تتصادى مع أيقونة الغلاف الأمامي ، .. مما يجعل المنادى في حالة احتمال و تجريد قصوى ، بعيدا عن كل شوائب التدنيس أو بمعنى آخر ، في حالة الأولانية  priméitié تعبير ش س بيرس ....   (21) حركة دق احتمالية ، لتعدد ألوانها إذن ، ستليها حركة فتح ( قلبي ) وسيكون انفتاحا لا على عالم القصيدة ، وحسب بل على عالم الديوان أيضا .. لأن اختيار عنوان القصيدة للديوان ، ، وبهذه الكيفية ، في رأي ، ليس من قبيل الصدفة ...أو بدافع نزوة اعتباطية ...

القصيدة الديوان : 

فكيف تم تصريف مسار الدلالة بوصفه كشفا وإيحاء، عن رؤى إنسانية ذاتية وموضوعية في هذه التجربة ... ؟؟

حركتان من خلالهما سيتم تسريب الدلالة المحلية على مستوى القصيدة كما على مستوى ، الديوان ، أو بتعبير آخر سنرى ، كيف تتناسل رؤى هذا الديوان من خلال عمق وشمولية الرؤيا التي تضمرها هذه القصيدة .. : حركتا دق وفتح ستنجز آثارهما كل من الذات الشاعرة وذاتها الاحتمالية مصدر رؤيتها( ذات الدق )... مع مساهمة  البعد الأيقوني  في تلوين مسارات هذه الرؤى .. ذلك أن حركة القصيدة الديوان ( دق ) بوصفها حركة التماس وتضرع تقتضي حركة فتح وكلاهما في حاجة إلى وسيلة . فكانت هاته ، عبارة عن فسيفساء من الألوان يهيمن عليها اللون الأحمر بوصفها  مفتاحا لكلا الحركتين .ــ / دق باب قلبي .. دق باب مشاعري وأحاسيسي بالألوان ...لأفتح القلب بالألوان ، ألوان سيقود حركتها اللون الأحمر لون العلم الوطني...!؟ لون دم الحرية والتحرير ، خاصة وأن فعل " الدق " بوصفه تبئيرا استهلاليا في القصيدة بعد حرف الباء ، يعد أداة أو وسيلة توحي باشتراك فاعل الدق وفاعل الفتح ، في حركة التلوين ... سوف تنتشر رؤى وأحاسيس ومواقف عبر قصائد الديوان .. لأن في الإنتاج الأدبي ما يبدو أنه يمثل العلامة النوعية ، سيميائيا ، هو لحظة الخلق أو الإبداع الأدبي .. التي ينجزها كل من المبدع والناقد أو القارئ .. حين يتحول الخطاب إلى فضاء للاحتمال ... 

تقول ذات الحالة في قصيدة ككل الناس : 

ككل الناس 

يحضن الفقر

يراه قريبا منه 

في قميصه الرث 

وفي حداء ابنه المراهق .ص 18 

وتقول في قصيدة ، هذا مداركم وهذه جاذبية السيف :

تعلمت أن أمتزج بلون عينيك 

أنت الوطن المذبوح 

وأنا الدم المسفوح 

وكلانا يأخذ إجازته خارج الجسد . ص 42 . 

وتقول في قصيدة بلا عنوان :

ويدرك شهرزاد المخاض 

تلد

وماذا تلد؟

الشنق في المهد

والأسماك في البحر

تفرز الدم... ص 41 .

ثم في قصيدة عطر :

من رائحته 

صنعت عطرا 

سقط في حب الزجاجة ...ص 5

أما في القصيدة الديوان ، فإنها تمتد من خلال ثلاث تجارب ، تتمفصل عبر حركتها الدلالية ، زمنيا كما يلي :

1) حركة الزمن الماضي : وستمتد من / كنت الأول في قصيدة .. وتتوقف مؤقتا عند: يغادر نافذته أو سورة الألم 

2) حركة الزمن الحاضر: فستنمو من / أجيء من وطني إليك .. إلى: فالذي سيكون لا يمكن أن أسميه ، منتظرة حركة التحول التي ستنبثق من ...

3) حركة الزمن الآتي :  التي ستمتد من / أجيء من وطني إليك .. إلى ما لا نهاية التجربة .. 


احتماليات دلالية  :

التجربة الأولى ... 

حين نلغي المساحة الفضائية بين العنوان وبداية التجربة في هذه القصيدة يكون مسار الحركة الدلالية كالتالي : 

دق بابي أيها الصغير بالأحمر أو بكل الألوان : مؤشرا على احتمالية الحركة التي قد تحتمل ( فقد ) فتحتَ الجرح / أو قد تحتمل ( فقد ) فتحتُ الجرح ... مؤول ذلك البيت الموالي (22) ..

وغمستَ ( غمستُ ) أصابيعك في دم القلب ...

 الألوان / الأصابيع / الدم / القلب ... علامات حبلى ، ستؤسس كينونة الإنتاج الجمالي ، منفتحة على جروح تتنوع رؤى ليس على مستوى القصيدة ، بل وعلى مستوى الديوان .. لأنها تجمع في تعالقها بين المادة المشكلة للرؤى والوسيلة والأداة ، ثم صيرورات التجسيد ... ؟؟ لللتأشير على ... جرح بل جراح ستنزف دما /شعرا سواء على مستوى رؤية القصيدة كما على مستوى رؤى الديوان إيضا ، خاصة وأن هذا النزيف سيتكرر في مطلع المقطع الثاني ، كما سنرى.. لكن برؤية مغايرة ، .. وقد تحول دم هذه الجرح إلى كتلة ..تقول ذات الحالة : 

سورة ألم أو قطعة دم 

فالعلامة الأيقونة الصغير ، تعد مفتاح الأحاسيس ، فهو الرؤيا التي  تشعر الذات بكينونتها يفتح أمامها مسارات الحياة ... المشاعر الفوارة  بالحماس والنشاط والحيوية ... فالعلاقة بين ذات الحالة والصغير علاقة حميمية ، تضرب في عمق الزمن إنه الرفيق الذي يحتمى به ، سلاحا حين تواجه الذات إكراهات الدهر ومؤنسا حين تهمس الحياة للذات بلحظات الجمال والمتعة .... تقول ذات الحالة :

كنت الأول في قصيدتي

أقرأ مطالعك في دفتر الأشياء

كنت الأول في بندقيتي 

أصب رصاصك على حزني البعيد .

أحست ذات الحالة هذا في وطن الاحتمال ( لاحظ تنكير العلامة " وطن " في المقطع الأول، وتعريفها في المقطعين الثاني والثالث ) حين كانت رؤيا الطفولة تبصر الوطن أو الكون بعين الجمال حين كانت تنعم فيه بالعفوية والبراءة ، وطن المطلق ، والنوعيات  حينها كانت الذات تعيش حريتها المطلقة . ومؤشرات هذا الفضاء توصيفات وحركة التنكير التي طالت العلامات الحبلى أو المحفزة محليا نحو موضوعات دينامية ، منفتحة على كل الاحتمالات ، يجب البحث عنها ضمن العلاقات الدينامية القائمة بين حركة المجيء الأولى للصغير ، المنتظر دقه ، الآتية من فضاء الاحتمال ، طبعا .... عبر انتظارات الذات وبين حركات المجيء الثلاثة للذات ، داخل مسار التجربة ،  تقول ذات الحالة ، وهي تباشر حركة مجيئها الأولى : 

أجيئ من وطن إليك 

طائرا أخضر 

آتية من وطن ؟؟ .. فيه امتلكت الذات هوية تؤشر على الطهارة والنقاء والصفاء شبيها بأيقونة فضاء الغلاف الأمامي .. طائرا.. أخضرا  يغادر نافذته .. المنفتحة على رحابة الحياة ... فكل المؤشرات في المقطع الأول تحيل على هذا الفضاء الاحتمالي ، حيث تتعايش المتناقضات : كنت الأول / كنت الأول ... ثم مؤشرات التنكير / وطن .. طائرا ... أخضر .. بخلاف حركتي المجيء في المقطعين الثاني والثالث التي ستنقلنا إلى رؤيا مخالفة لكونين دلاليين متناقضين ، ولئن تناسلتا سيميوزيسيا عن حركة مجيء الطائر الأخضر الذي سيستحيل طائرا (أحمر) ... 

التجربة الثانية : 

تقول ذات الحالة :

أجيء من وطني إليك

سورة ألم أو قطعة دم 

إن تختر الدم ، في هذا التجربة الثانية ، مؤشر على تجمد الإحساس على تلاشي وفقدان الذات لروابط الحياة ، ومن ثمة فإن الرؤيا في هذا التجربة ... ، خلافا لما سبق ، تنطلق من وعي الذات الشاعرة ، بحقيقة كينونتها الحزينة ، استفاقت من حلمها الأخضر ، وانكشاف وهم الوطنية واستقلالية الفرد ، .... بعدما اعتقدت أنها أصبحت تمتلك وطنا جديدا ، ، ( لاحظ التعريف الذي اكتسبته العلامة " وطني" عبر ياء الملكية ) متحسرة على فقدانها وطن المطلق ، صحبة الصغير .. تتمنى العودة إليه ، وأنى لها ذلك ، مؤول ذلك حركة المجيء الثانية ، بوصفها حركة شكوى واحتجاج وتنديد ، فشتان بين حركة المجيء الأولى ، التي تقول فيها :

أجيئ من وطن إليك 

طائرا أخضر 

وحركة المجيئ الثانية التي تقول فيها :

أجيئ من وطني إليك 

سورة ألم أو قطعة دم ..

من نافذة القلب 

إلى هذا الذي بيننا 

إنها تؤشر على حركة  مجيء ل "طائر أحمر " ، حيث ضاقت الذات بعالمها الجديد ، ، عالم الواقع المعيش ... عالم الوعي الشقي ، تختنق الذات فيه بإكراهات الحياة ، يغتالها الحزن والضيق بعالم تستعبد فيه إنسانية الإنسان . وتسلب فيه الحريات مؤول ذلك انتشار  مظاهر الحرمان والاقصاء ...إنها حالة حس متمرد على أوضاع استفحلت فيها صنوف الفقر  كما تؤشر على ذلك قصائد الديوان ، خاصة الجزء الثاني ... وجع وأسى غذته مظاهر الاستغلال الإنساني ، وحالات الخنوع والخضوع المذل.... نتيجة الفروق الاجتماعية ، التي تستعبد كرامة الإنسان .. إنه البوح الإنساني ، عن المسكوت عنه في أرقى مظاهره ... تقول الذات :

تكون الدفلة أو لا تكون 

يكون الحزن أو لا يكون 

فالذي سيكون 

لا يمكن أن إسميه

 فبين الذات والشعر تهامس في أرقى المشاعر الإنسانية ، تعجز العلامات عن توصيفه ...فإما أن يكون الإنسان جديرا  بإنسانيته ، حرا في كينونته أو لا يكون .... 

التجربة الثالثة ...

غير أن صدى هذه التجربة ... سيخفف من وطأة هذه الأزمة الإنسانية التي اجتاحت الذات ، هذا الجرح النازف ألوانا إنسانية ، نحو الانفتاح على نافذة الأمل ، نافذة المستقبل المأمول .. تقول ذات الحالة :

أجيء من وطني إليك

ممتدا في الضوء 

وفي أحلامي الكبرى....

إنها حركة استنجاد واحتماء بفضاء الإلهام الشعري ، فضاء الصغير ، حيث تجد الذات سكينتها هدوءها ، إنها كذلك ، حركة اللون الأبيض  لون الأمن والسلام   انتظارا للنور الذي سيضيء للإنسانية دروب الحياة  النور الذي سيزيل ظلمات  القهر والطغيان والاستغلال "المفبرك " .. بل إنها الأحلام بوطن ، بعالم تمحي فيه مظاهر الظلم والطغيان ، تسوده المشاعر الإنسانية النابعة من القلب  تقول ذات الحالة مخاطبة الصغير بل الشعر :

فخذ نصيبك من القلب 

أيها القلب 

وخذ نصيبك من هذا الذي بيننا ...

 فأنت ، كما تحس ، لا تسطيع إن تميز بين قلب الشاعر وقلب الشعر إنه الإحساس الصافي ، إنها الرؤيا الشعرية في أرقى مظاهرها ، تتغنى بالحس الوطني والإنساني المشترك بين الإثنين لأن نبض الشعر ونبض القلب سيان فحين ينبض الشعر ينبض الشاعر ... إنها حركة  انفتاح متبادل بين الشعر الشاعر ، وكلاهما يسعى إلى المطلق ، إلى فضاء الاحتمال الحر .... حينها كانت الذات قد عاشت رؤياها عبر رحلة زمنية من ثلاث تجارب ... انطلقت من عالم الاحتمال حيث عاشت زمنها الأخضر ، زمنا شبيها بزمن الرحم ، ثم انتقلت بعده إلى زمن أحمر حيث المعاناة الإنسانية ، عالم تصارع المصالح وطغيان وهيمنة الماديات .على المعنويات ... لتنفتح أخير على الزمن الأبيض المأمول ... إنه مسار يؤكد عمق الرؤيا الشعرية ، التي تمتح من وطنية الشاعر، ونزعته الإنسانية  من خلال تشخيصه لأنماط المفارقة التي عملت على تسييق عوالم اهذه التجربة الثلاثة ...  لأن الشاعر لم يعد يكتفي بإبداع ارتساماته حول الكون  ، بقدر ما يوظف أدبيته في إنتاج معرفة إبداعية تفكك الأشياء ثم تعيد تشكيلها ......( 23 ) .

محمد مهيم محمد / المغرب ...

إحالات :

1) الديوان..عبد العزيز حاجوي . دق بابي أيها الصغير 

2) بومسهولي ص59 // عبد العزيز بومسهولي : والشعر والتأويل .مكتبة الأدب المغربي.افريقيا الشرق .ص59 .

3) جوزيف كورتيس : سيميائية اللغة . ترجمة د . جمال حضري .ص : 16

4) GILLES THERIEN :MR PEIRCE ET LES DEDALES DE LA SEMIOSIS … cruzeiro semiotico8/pdf page :22 . 

5) . أنور المرتجي : سيميائية النص الأدبي . افريقيا الشرق ..: ص 35 .

6) القراءة في خدمة التاويل د . عصام خلف كامل : الاتجاه السيميولوجي و نقد الشعر . دار فرحة للنصر والتوزيع . ص : 48

7) د . الطاهر روينية :عالم الفكر السيميائيات / سيميائيات التواصل الفني . العدد 3 . المجلد 35 يناير / مارس .. ص : 251 

8) Jacques fontanille : semiotique du discoours . essay de méthode. P : 3 ... 

9) د. صبحي الطعان : عالم الفكر النظرية النقدية الحديثة / بنية النص الكبرى .م 23..ع 1و2 ..1994 .ص . 432 

10) Nicole EVERAERT-DESMEDT: Le processus semiotque selon Ch.S. Peirce: page:9.

11) أرشيبالد مكليش : الشعر والتجربة . ترجمة سلمى الخضراء الجيوسي . دار  اليقظة العربية .ص : 22 . 

12) I. C. CORJAN: Le triangle semiotique de peirce :Page.32.

13) Jean-Marie Chevalier: La théorie Péircienne de la référence .. page: 3.

14) حسين فيلالي : السمة والنص الشعري منشورات أهل القلم . ط أولى ... ص : 43 . 

15) محمد بنيس :الشعر العربي الحديث . دار توبقال للنشر . ط. ثانية .. 2001 .. ص : 85 .

16) مبرطو إيكو : العلامة . ترجمة د . سعيد بنكراد . المركز الثقافي العربي . ط . أولى .2002 ..ص : 214

17) أنور المرتجي : مرجع سابق ..ص 34/35

18) عبد العزيز بومسهولي : مرجع سابق .. ص 47

19) A . J .Greimas : du sens II Essai sémiotque .. page 10

20)    ( le processus semiotique p1

21) Eliseo Veron : la semiosis et son monde . langage / annee 1980 / 58/  page 64     

22) ذ . المصطفى الشادلي : عالم المعرفة : السيميائيات.م.35 .ع : 3 يناير/ مارس . 2007. ص : 203.

23) عبد العزيز بومسهولي : مرجع سابق ...ص:  17 

******

القصيدة

دق بابي أيها الصغير 

بالأحمر أو بكل الألوان

فتحت الجرح

وغمست أصابعك في دم القلب

كنت الأول في قصيدتي  

أقرأ مطالعك في دفتر الأشياء 

كنتالأول في بندقيتي 

أصب رصاصك على حزني البعيد

أجيء من وطن إليك

طائرا أخضر

يغادر نافذته أو سورة الألم 


أجيء من وطني إليك

سورة ألم أو قطعة دم

من نافذة  القلب 

إلى هذا الذي بيننا 

تكون الدفلى أو لا تكون 

يكون الحزن أو لا يكون 

فالذي سيكون لا يمكن أن أسميه 


أجيئ من وطني أليك

ممتدا في الضوء

في أحلامي الكبرى 

فخذ نصيبك من القلب 

أيها القلب

وخذ نصيبك من هذا الذي بيننا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق