لم يكن تشعاه بآب هذا العام، أو ما يسمى بذكرى خراب الهيكل المزعوم، كالماضي؛ فرياح الطوفان غيرت المعادلة تمامًا، بل وجعلت أحد أهم الأيام بالنسبة للكيان فرصة للتذكير بأن جبهة الكيان الداخلية تسير بخطة ثابتة نحو الفاشية والاقتتال الداخلي، مما جعل بعض وسائل الإعلام تشبه الانقسام الحاصل بذاك الذي أسفر عن تدمير الهيكل الثاني بسبب سخط الرب على الأخوة المتناحرين. فما القصة؟
أثار استطلاع رأي للقناة 12 مخاوف الكثير من مواطني الكيان، حيث أكد 46 بالمئة من المشاركين أنهم يرون أن الانقسام الحالي قد يؤول لإقتتال داخلي، بينما رأى 48 بالمئة، أي أكثر بقليل من الفئة الأولى، أن الحرب بعيدة جدًا. وهذه النسبة تظهر مستوى الإحباط والخيبة الداخلية للكيان.
أما التاسع من آب، فهو يوم يتذكر فيه اليهود خراب هيكلهم المزعوم في مناسبتين: الأولى في عهد البابليين، وهو هيكل سليمان الذي يعود سبب تدميره حسب النقولات التوراتية لسخط الرب عليهم لأنهم تضرعوا للأصنام؛ أما المناسبة الثانية فهي في عهد الرومان، لهيكل هيرودس الذي تدمر أيضًا لسخط الرب، ولكن هذه المرة بسبب الاقتتال الداخلي بين اليهود وسفكهم دماء بعضهم البعض. وهذا السبب هو الذي دفع وسائل الإعلام لإسقاط هذه الواقعة التاريخية على وضع الكيان الراهن من انقسامات بلغت حد التراشق العلني بالتصريحات بين العمود الفقري لحكومة الكيان، الممثلة برئيس الوزراء المسؤول السياسي الأول وصانع القرار، وبين وزير الحرب الرجل الثاني في الكيان ومهندس العمليات العسكرية.
في هذا اليوم، شهدنا جملة من الاستفزازات قام بها المستوطنون وقادها وباركها رجل اليمين المتطرف، وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، حيث وجه تهديدات عن نيته الضغط لاستمرار الحرب، وشارك في السجود الملحمي، وهو من طقوس هذا اليوم التي تهدف لهدم المسجد الأقصى، والذي يسمونه "جبل الهيكل"، وبناء الهيكل الثالث المزعوم وبذلك تهويد القدس كاملة، متجاهلين الحقيقة التاريخية بأحقية المسلمين بالمسجد الأقصى، الذي بُني أصلاً قبل عهد النبي سليمان. فكيف تكون أنقاض هيكل سليمان تحته؟
رغم كل ما قام به الكيان الصهيوني منذ العام 67 من حفريات تحت المسجد الأقصى، إلا أنه لم يجد أي آثار لهيكل سليمان المزعوم، والذي ذكرت سابقًا أنه بُني بعد المسجد الأقصى أصلاً. فهذه الاستفزازات في الحرم القدسي سينتج عنها مزيد من الغضب والسخط، وأدانتها عدة أطراف دولية، بل ومحللين سياسيين من الكيان، الذين اعتقدوا أن بن غفير يرتكب أخطاء استراتيجية ويساعد في احتدام الأمور في الضفة عن طريق أفعاله، وقد يؤزم الموقف المشتعل في شمال الضفة أصلاً ويتدخل فيما هو خارج صلاحيات الشرطة المسؤول عنها، وأكد على ذلك لابيد في المقابلة الأخيرة.
أما قصة أبناء الليكود، نتنياهو وغالانت، فهي مسألة أخرى أقلقت الحاضنة أكثر وأفرزت مثل هذه النتائج في الاستطلاع الأخير. وتشير التقارير إلى أن الخلاف بلغ أوجه بين أهم رجلين في الكيان، حيث إنهما لم يجتمعا منذ مدة، ويحمل غالانت نتنياهو مسؤولية تعطل المفاوضات، حيث يرى أن الجيش يترنح مكانه في غزة، وأن الأهداف العسكرية قد انتهت وقد تتآكل إذا تأخرت الجهود الدبلوماسية للاستفادة منها. بينما يرى نتنياهو أن غالانت لا يقدم كل المجهودات لتحقيق أهداف الحرب، ويقدم التبريرات والحجج لإنهاء الحرب قبل أوانها.
رغم أن الاثنين من نفس المدرسة، ولم يسبق لأبناء الليكود أن اقتتلوا وتناحروا على مستوى الصف الأول، يرى المحللون والمؤرخون أن هذا يدعو لدق ناقوس الخطر. فإذا كان من يقود الدفة تنخره الخلافات، فما هو حال المجتمع العادي الذي ينقسم اليوم بين من يؤيد الانتقال إلى الفاشية والتطرف الديني، ومن يرى أن الصورة الهيكلية الديمقراطية التي حاول الكيان تصديرها قد تأكلت في ظل بقاء نتنياهو وتحالفه مع الصهيونية الدينية، التي تعتبر أبهى صور التطرف الديني لدى المكون العلماني في الكيان، وهم نسبة ليست بالقليلة.
بعد كل هذه المتابعة، يجدر بالذكر أن الكيان يسير نحو الفاشية، بل ويملك كل مقومات الانهيار الرئيسة التي أثمرت عن انهيار الكثير من الكيانات سابقًا، وما ستفرزه الفترة القادمة سيبين مدى دقة هذه التحليلات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق