وجعُ الرَّحيل/ جورج عازار



 إلى روح فارس النقد المبدع الَّذي ترجل قبل الآوان، إلى فقيد الأدب والفكر والنقد، الصديق الراحل الدكتور: عاطف الدرابسة أقدم هذا النص.    


تَدُقُّ السَّاعةُ السَّابعةَ

والصَّمتُ مُطبَقٌ

تَدُقُّ السَّاعةُ الثَّامِنةَ

والسُّكونُ مُخيمٌ

على الأرجاء

وفي التَّاسعةِ أبداً لا تَكُفُّ

عن النِّداء

بلهاءٌ تِلك السَّاعةُ

ما أدركتْ

أنَّك أبداً بعد اليومِ

لن تَحضرَ

كيف نبدأُ من غيرِكَ

بلا دُعابةٍ أو طَرافةِ

ومن دونِ مناوشاتٍ

قُلْ إنَّكَ تُمازِحُنا

وقُلْ إنَّ تلكَ الأنباءَ

تَضليلٌ واِفتراء

أو هو اختبارٌ

كي تعلمَ

مقاييسَ الوَفاءِ

ما كُنتَ يوماً عابرَ سبيلٍ

ولا ورقةً مَطويةً

في دفترٍ قديمٍ

ربَّما تلكَ السَّاعةُ ما كانتْ بلهاءَ

فهي تُدركُ

أنَّ بعضَ الغيابِ حُضورٌ

حتَّى في الغيابِ

وأن بعضَ الحُضورِ

حين الحضورِ غيابٌ

أيُّها الحاضرُ الغائبُ

وإنْ ترحلْ فلا تغيبُ

أوراقٌ مُتعبةٌ أرهقَها

عَبثُ الانتظارِ

لفافةُ تَبغٍ تفتقدُ أصابعَ

ولهبٌ يوقدُ طقوسَ الحنينِ

حين يحينُ زمنُ الِّلقاءِ

سُحبُ الدُّخانِ بالأمسِ

تَصَاعدَتْ وحَلَّقَت بَعيداً

فصارتْ رَفرفةَ أجنحةٍ

وترانيمَ لا تكفُّ عن النَّواحِ

في السَّماءِ

سيجارةٌ مُطفأةٌ

وبقايا رَمادٍ

وأوراقٌ مَطويَّةٌ

على منضدةٍ يتيمةٍ

وخيالاتٌ مَنسيَّةٌ

كيف نبدأُ مِن غيرِ أنْ تظهرَ

كيف نبدأُ

ودخانُ التَّبغِ صامتٌ

لا يطالُ السَّماء

لماذا بقيتْ تلكَ المنفضةُ

خاويةً تفتقدُ الأعقابَ والرَّماد؟

قد أخطأ الحُكماءُ

ومعاجمُ الُّلغةِ، يا سيِّدي

فالرَّحيلُ أبداً لا يعني الغياب


ستوكهولم-السويد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق