غدا ستتوقف الحرب/ فؤاد الحاج

 


غدا ستتوقف الحرب ونصلي ونترحم على ضحاياها.. 

غدا ستتوقف الحرب ونشاهد صور الدمار الشامل. 

غدا ستتوقف الحرب وسيروي الأحياء مشاهداتهم. 

غدا ستتوقف الحرب وتعلن أرقام الشهداء والجرحى والمصابين والمعاقين ولكن تلك الأرقام ستكون تقريبية وغير دقيقة لأن المفقودين تحت ركام الدمار أكبر من أن تحصى ولن يتم إحصاءهم. 

غدا ستتوقف الحرب ويعاد إعمار ما تم تدميره وستحل البنايات الشاهقة الارتفاع والقصور والبيوت على أرض رويت بالدماء وينسى القاطنون في تلك العمارات والبيوت والقصور أنهم يمشون ويقطنون على اراضي سالت فيها الدماء أنهارا. 

غدا ستتوقف الحرب وتصدح أفكار الشعراء والأدباء بقصائد وروايات عن أرض البطولات. 

غدا ستتوقف الحرب وتصنع أفلام من بطولات من لم يعيشوا فترة الحرب ومآسيها وويلاتها. 

غدا ستتوقف الحرب يستثمر نتائجها ساسة ونواب ووزراء ورؤساء وملوك وقيادات أحزاب يشيدون بالشهداء الذي ضحوا من أجل الوطن! 

غدا ستتوقف الحرب التي صنعها الإنسان ويصبح قادتها زعماء وأبطال ورؤساء يتاجرون فيما صنعوه ويصبحون من كبار الأغنياء. 

غدا ستتوقف الحرب ويزداد أعداد الفقراء والمشردين والمحتاجين كما سيزداد أعداد اللقطاء. 

غدا ستتوقف الحرب وتكبر مساحات المقابر وتتوسع. 

وعندما تنتهي الحرب سينقسم الناس إلى فرق عديدة، فرقة توشح بالأوسمة والتكريم ويقال عنهم أنهم أبطالاً، وفرقة تصبح أرقاماً لا يعرف أحد أعدادها. 

أما الذين لم يكونوا أبطالاً ولا ضحايا وآثروا العيش في الوسط ولم ينغمسوا في الحرب، وتحملوا تبعاتها فأنهم سيصبحون خارج التاريخ سيتم ذكرهم في الروايات على أنهم ضحايا جشع الإنسان، وعندما يسألهم سائل لماذا لم تنخرطوا في الحرب فستكون إجاباتهم تبريرات مقنعة. 

وعندما تتوقف الحرب ستزدهر الحكايات والروايات والأحاديث والأفلام عن بطولات معظمها من مخيلات الرواة. 

وعندما تتوقف الحرب سيحاكم الزعماء والرؤساء والوزراء بأثر رجعي إنما على الورق فقط في وسائل الإعلام ليس إلا. 

وعندما تتوقف الحرب سيكون هناك أعياد ومناسبات لا تحصى. 

وعندما تتوقف الحرب سيجد الناس أن هناك الكثير من الأحداث والمآسي لم يتم ذكرها. 

 وكل ما سيقال بعد توقف الحرب بشاعرية وأدب أن الصدأ سيأكل آلة الحرب وتعود الأرض لتزهو بألوان خضرتها وزهورها والخاسر الوحيد فيها هو الإنسان.


عن الحروب 

قيل أن الحروب يقررها قادة يعرفون بعضهم، ويخوضها مقاتلون لا يعرفون بعضهم! 

فالقادة يعرفون كيف يضبطون اللعبة، ولكن المقاتلين يستخدمون الرصاص الحي ويموتون ويبقى القادة يراقبونهم! 

وعندما يقرر القادة إنهاء الحروب يجلسون على طاولة المفاوضات مستديرة أو مستطيلة لا فرق، فيما المقاتلون اما يقبعون في القبور واما في المصحات لتلقي العلاج! 

وبعد انتهاء المفاوضات بين القادة يتسلم كل منهم نسخة من المعاهدة أو اتفاقية وقف الحرب ويتم تسريبات منها إلى وسائل الإعلام، ويعلن كل منهم النصر! 

أما المقاتلون لن يحصلوا على نسخ من تلك الاتفاقيات بل سيحصل ذويهم على نسخ من شهادات الوفيات!


رواية المسرات والأوجاع للروائي العراقي فؤاد التكرلي/ د. عدنان الظاهر


( الناشر : دار المدى للثقافة والنشر . الطبعة الأولى  1988 . دمشق / سوريا) .


من هو توفيق لام ؟؟

أبدأ دراستي بهذا السؤال لأن توفيق لام هو محور الرواية ومحرك أحداثها وشخصها الأول . لعب فيها الدور الأكبر ففصل من وظيفته وتحمل ما تحمل طوال فترة الفصل . وخلافا لكل ما قيل عن المؤلف أو عن بطل روايته ... أرى أن هذا الحدث بالذات هو جوهر الرواية وعمودها الفقري وأن توفيق لام يمثل فيه أرفع مستوى خلقي وسياسي وأنساني . لقد راح هذا الأنسان ضحية ما حدث في العراق في تموز 1968 اذ رفض ظاهرة صعود وتحكم الجهلة وفراشي الأمن والمخابرات في الدوائر الحكومية مستهترين بألمألوف والمعروف من القيم والتقاليد وقوانين الدولة . تصدى لها بشتى الأساليب فبدأت متاعبه ومحنته موظفا في احدى الوزارات ملاحظا ومن ثم مديرا لقسم التحرير . نقرأ على الصفحة 93  ما يلي :


(( مضت الشهور اذن والسنوات, والحياة تتراوح بين تدن وارتفاع, ورغد في العيش وشظف, وملل كثير وسعادات قصار, فأنقضت سنة 1968 وما حدث فيها، تبعتها سنة 1969 ومثيلتها 1970، وكان أبو فتحية يزداد ثرثرة ونقمة, فهو لا يرتاح , باطنيا, لأي تغيير لا يجده منطقيا ولا مناسبا, ولكنه, في الظاهر, يمتدح كل ما يجري ترتيبه. بداية سنة 1971 دخل عليه ببعض الهياج فأخبره بأن سليمان فتح الله الملقب بالأعرج قد عين, وهوفراش, مسؤول الأستعلامات وأنه يجلس مثل الموظفين, في مكتب مدخل الوزارة, يسأل كل من يروم الدخول عمن يريد مقابلته وماذا يريد منه .

- قل لي بصراحة يا سيدي, أليست الدنيا في طريقها لتنقلب أم ماذا ؟ هون عليه, ضاحكا, واستغرب في قرارة نفسه هذا التعيين, فسليمان لا يستطيع القراءة والكتابة الا بصعوبة, اذ لم يكمل دراسته الأبتدائية, فكيف يمكن اعتبار تعيينه قانونيا ؟ )).

هنا نجد مفارقات كثيرة منها ازدواجية البعض من بسطاء العراقيين ( وغير البسطاء ) , فهم يخفون شيئا ويظهرون أشياء أخرى مناقضة للأولى . هذا هو سلوك الفراش أبو فتحية . ثم اختيار المؤلف لأسم الفراش الأمي الذي قفز موظفا ليعيث بأصول المعاملات وسلم التدرج الوظيفي المتبع في دوائر الدولة العراقية منذ تأسيسها . فسليمان هو مليك الجن والريح في التوراة والقرآن . ثم هو ( فتح الله ) ... فأية فاتحة يسلطها الله على عباده ؟ ثم هو أعرج مشوه الخلقة لكأن الله ابتلاه بما هو أهل له . ولكن لماذا يبتلي الله عباده بالمجانين والمشوهين ومحترفي القتل والأجرام والسموم ؟

لقد جاءت نهاية توفيق لام المأساوية على يد هذا المسخ الأعرج الأمي . فقد تسبب في فصله من وظيفته يوم الخميس الموافق 17/11/1977 ليغدو بعد حين مديرا عاما في الوزارة نفسها ( الصفحة 301 من الكتاب).

توفيق لام هو العراق وشعب العراق معا , وسليمان فتح الله الأمي الأعرج هو رمز لمافيا دموية . وانها لمفارقة أخرى أن يحمل هذا الموظف التعيس المفصول والمحروم من مصدر رزقه اسم توفيق . أهذه هي قسمة البعض منا في الحياة ؟ 

إذا قال المرحوم طه حسين في معرض كلامه عن الشاعر أبي الطيب المتنبي : (( ثم تريد الظروف التي تحب المزاح أحيانا ... )) في كتابه ( من تأريخ الأدب العربي , المجلد الثالث , دار العلم للملايين . بيروت, الطبعة الثالثة 1980 , الصفحة 335 ) فلقد قال توفيق لام شيئا قريبا من ذلك :

(( كانت الأيام تتحايل, لتجلب لنا أمورا مضحكة حقا ... , الصفحة 129)) .

أعود لأسأل ثانية : من هو توفيق لام ؟

لقد نجح الأستاذ فؤاد التكرلي في رسم الصور الدقيقة المتألقة صعوداً ونزولاً لبطله توفيق لام ( ولعله هو بالذات مع بعض الإضافات وربما الحذف ) طفلا وصبيّا وشاباً جامعياً يدرس القانون والمحاماة في كلية الحقوق في بغداد وبعد تخرجه في الكلية تم تعيينه شهر تموز 1954 موظفا بدرجة ملاحظ في احدى الوزارات العراقية. توفيق لام رجل مفعم بالحس الإنساني ودائم التذكير بقيمة الأنسان في الوجود. نقرأ على الصفحة 122 :

(( هل في الإنسان مادة غير مادية يمكن أن تسحق أو تداس, والى أية درجة من الضعف وتقبل المهانة باستطاعة هذا الأنسان أن يصل ؟ )) . ثم قد قال على الصفحة 160 :

(( لست ضعيفاً ولا قابلا للكسر, وهذا الإنكماش الذي يعتريني بين الحين والحين, هو علامة من علامات دفاع النفس عن وجودها, فأنا الأنسان, أعز من أضيع تحت أقدام مهووس بالسلطة ونتن كسليمان فتح الله, أو مخبولة مثل كميلة )). كما أنه كان رائعا في متابعته لخط نمو وتطور غسان ابن صديقه الرسام عبد الأله كمال. لقد كان بارعا في رسم صعود الخط البياني لحياة هذا الأنسان الذي تركته أمه طفلا لتتزوج رجلا آخر غير أبيه .

هل في العراق الكثير ممن هم على شاكلة توفيق لام؟ لقد كان شاباً لاهياً قبل الزواج ومقامراً يخون أحد زملائه في لعب القمار ( سليم مروان ) . يدخل بيته ليلعب ويأكل ويشرب ثم يخونه مع زوجته الفرنسية ( آديل ) . وظل يراود ( أ نوار ) زوجة أحد أبناء عمومته ويتشهاها بقية عمره رغم فارق السن الكبير بينهما . وأخيرا اغتصابه لفتحية الأرملة الشابة ابنة فراشه في الوزارة , والتي آوته في بيتها بعد فصله من وظيفته وبعد أن طلقته زوجته كميلة ولفظته من بيتها فلم يجد له مكانا ينام فيه حتى في بيت شقيقه عبد الباري . لربما يثير هذا الأمر الكثير من التساؤلات !! زد على ذلك الألحاح الشديد في ذكر الطعام . فلقد جاء الكتاب مليئا بذكر الأكل والجوع والموائد والطعام . فهل كان قصد الروائي الكريم أن يعطي الأنطباع أن ليس في الوجود ما هو أكثر أهمية من الجنس والطعام ؟؟

ما الفرق بين الحيوان والأنسان اذن؟ 

لا أحدَ يُنكر القدرة الفائقة للمؤلف على وصف العمليلت الجنسية سواء مع زوجته كميلة ( وتلك ظاهرة غير مألوفة في الأدب والأداب العراقية ) أو مع آديل زوجة صديقه الفرنسية ثم مع فتحية إبنة فراش دائرته . التركيز المفرط والمبتذل أحيانا على الجنس والطعام لدى توفيق لام أمر يتناقض مع كونه مثقفا لم يعرف الفاقة والعوز في حياته قبل فصله من الوظيفة . فهو مثقف من الطبقة الأولى . قرأ تولستوي ونجيب محفوظ وكامو وكافكا وديستويفسكي وهمنغواي وأندريه جيد وستندال ومورياك وتورجنيف ثم استوعب ( أيام ) طه حسين ولم يعجبه أنه يتكلم بضمير الغائب , علما أن كتاب ( المسرات والأوجاع ) جاء هو الآخر خليطا من الكلام بصيغة الأنا حينا وبصيغة ضمير الغائب أحيانا أخرى .


                           توفيق والأم و ( آديل )

لم يقدم المؤلف تعليلا مُقنعاً واحداً يُفسِّرُ به أسباب جفاء والدته التي حرمته حتى من حقه في بيت أبيه الا ما ورد على الصفحة 114 حيث أفاد (( سألتها بهدوء مبالغ فيه ... هل تعتقد بأني لست ابنها ؟ بهتت ونظرت الي لأول مرة, فأعدت عليها السؤال مضيفا بأن تصرفاتها اللامعقولة توحي بأنها تعتقد هذا الأعتقاد الشاذ ... - ولا أدري هل أن سبب ذلك هو أن الله سبحانه وتعالى أراد لي أن أكون بخلقة تختلف عن خلقة أبي وأخي وأولاد أعمامي, أم أن ضميرك لا يزال يعذبك لأنك تصرفت بأموال لي وضعت أمانة بيدك وأنك تنزعجين من رؤيتي لأني أذكرك بذلك ؟ )) . علاقة توفيق بأمه يعتورها بعض الغموض, وما كان يسميها الا ( أم عبد الباري ) !! لهذا - من المحتمل - كان يرتمي في أحضان ( آديل ) الدافئة طلبا للحنان المفقود واستجابة غريزية لسكب الدموع على صدور الأمهات، عقدة أوديب؟ أجل، كانت آديل له أمّاً وعشيقة في عين الوقت . فعلى الصفحة 66 قالت له (( أنت خسران مع الجميع, الا معي ... يا حبيبي )) ثم قال هو على الصفحة 67 (( فأحتضنته وشدته الى جسمها كأنها تحميه من شر يلاحقه. كم شعر بأمان غريب )). الغريب أن كافة لقاءاته الهامة مع هذه السيدة الفرنسية تمت في شهر أعياد ميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية . فلقد تم اللقاء الأول بينهما في بيت صديق  مسيحي لأحد أصدقائه مساء 31-12-1952 وكان اللقاء الثاني في يوم 4-12-1959 على مائدة قمار زوجها, في حين جرى اللقاء الأخير في شهر كانون الأول عام 1979 . فما دلالة ذلك؟ أهو ولع توفيق لام بالأجواء الأوربية الغربية وتوقه الشديد لأن يتمتع بمثل هذه الأجواء في بغداد ان لم يستطعها هناك؟ السيدة آديل امرأة غريبة : عملت موظفة في مصرف الرافدين في بغداد أولا وكانت معها أمها فقط . ماذا عن أبيها ومن هو؟ وكيف وقعت هذه الفرنسية الجميلة في بغداد؟ ثم ما الذي يدفعها الى خيانة زوجها التاجر الموسر مع أحد زملاء القمار؟ أليس وجودها في بغداد سرّاً لا يعرفه الا الراسخون في العلم؟ قُتِلَ زوجها سليم مروان بعد الثامن من شباط 1963 فباعت الدار وهرّبت أموال زوجها وتركت العراق خِلسة! فأي نوع من النساء أحب السيد توفيق لام, وأي نوع من النساء هي آديل؟ الأكثر غرابة هو أن توفيق قد وقع فعلا في حب هذه المرأة في حين لم يستطع أن يحب زوجته كميلة ولا المسكينة الأرملة الشابة فتحية التي مارس معها الجنس ضد رغبتها مستغلا بعض نقاط ضعف النساء الطبيعية. نعم لقد اغتصبها بلغة القانون الذي درسه توفيق والذي يفهمه جيدا .

ما يلفت النظر أكثر من سواه هو التزامن المدهش بين محنة الفصل من الوظيفة يوم 17-11-1977 وطلاقه من زوجته في أوائل عام 1978، أي في غضون بضعة أشهر وقعت على رأسه بليتان، الواحدة أدهى وأسوأ من الأخرى .

                 توفيق وعقدة العقم الجنسي. اتفاق تجنّي الطبيعة وظلم أنظمة الجور والطغيان :

كان الأستاذ فؤاد التكرلي بارعا أيّما براعة اذ جعل مشكلة العقم الجنسي في الرجل الجزء المتمم لمحنة الأنحراف واللاعدالة في بعض أنظمة الحكم . فالعقم الجنسي فيه حرمه من زوجة وسكن مجاني لائق وطعام جاهز دوما. أما انحراف الدولة والنظام السائد بالقوة فلقد حرمه من وظيفته ومن مصدر رزقه وسعادته ومن شخصيته الأجتماعية المكتسبة بالإعتبار الوظيفي وهيبة الدولة التي يقدم لها  الخدمات المطلوبة منه . لقد جرد توفيق لام منها جميعا في غضون شهرين من الزمان ففقد السعادة والهيبة ومظاهرالأبهة المضافة بالأنتماء الى دولة . 

ثم - وهذا في نظري - قمة ابداع الروائي اذ جعل من فحولة الرجل الطبيعية السوية نقطة ضعفه القتاله. كان توفيق شديد النشاط الجنسي سواء مع زوجته أو مع سواها من النساء . وكان دائم التهيج ودائم الركض وراء بنات حوّاء. لكنه للأسف كان عاجزا عن تخصيب أنثاه التي بذلت ما تستطيع من جهود كي تنجب طفلا وكان ذاك على رأس حقوقها الطبيعية كأمرأة : حاملة وناقلة لدورة الحياة الأبدية. لقد توقف فيه قانون وناموس حركة ديمومة بقاء الكائنات الحية في الكون.  خالف السُنّة فحق عليه العذاب واستحق عقوبة مغادرة فردوس الحياة المزدوج : الوظيفة والزوجة . لماذا تقص الطبيعة شعر شمشون الجبّار!! لماذا تأمر الشمس تفاعلاتها النووية التحاما وانفصاما بالتوقف كيما تنطفيء جذوة الأبد في رأس (بروميثيوس )؟ هل لطغيان جبروت الجنس لدى توفيق لام من جهة وعجزه عن التخصيب من الجهة الأخرى علاقة بتمرّده على الإنحراف عن سوية الأشياء الطبيعية وعدم قدرته على (( التكيّف )) وتطويع الذات على تقبّل ما لا تألف وتنسجم؟ لم  يستطع أن يمارس الإنتهازية السياسية - كأغلبية الناس - كي يدرأ عن نفسه استفزازات سليمان فتح الله ومن لف لفه، وأن يتبوأ عالي المناصب وبالسرعة القصوى ليجد نفسه بين عشية وضحاها مديراً عاماً أو رئيسَ مؤسسة أو عميد كلية أو وزيرا؟ كلاّ، أمثال توفيق لام لا يستطيعون. شرف الحياة في رؤوسهم أعلى من الوظائف المشتراة بذُلِّ النفوس .

                         


                                                              

                             توفيق لام وغسان 

هل لوجود غسان، إبن الرسّام عبد الاله كمال من أهمية حيوية بالنسبة للسياق العام لأحداث رواية ( المسرات والأوجاع )؟ أحسبُ أنَّ الجواب لا ونعم . لا لأن مصير توفيق لام كان يمكن أن ينتهي نهاية جد سعيدة بالزواج من الشابة الأرملة  ( فتحية ) المكتفية بما لديها من عقار مؤجر وشقة سكنية خاصة بها. ولديه راتب تقاعدي قد يخفف من وطأة الأحساس بنوع من العبء الحياتي على زوجته . ثم أن علاقته بأبي ( فتحية ) علاقة متينة وجيدة قبل وبعد فصله من وظيفته على حد سواء . ثم ما كان لديه حلٌ آخرٌ فجميع الأبواب موصدة أمامه. لم يتعاطف معه في محنته الكبرى حتى شقيقه ( عبد الباري ) فضلا عن أصدقاء السهر السابق والقمار أمثال عبد القادر .. بل وأسوأ من ذلك : فقد ادعى صديقه  خالد - الصفحة 266  (( أنه فصل من الوظيفة وأعتقل بعد ذلك ومن المحتمل أن يكون قد قتل ))  ردّاً على سؤال ( آديل ) عنه بالتلفون . فزواج توفيق من ( فتحية ) نهاية طبيعية ونهاية سعيدة بالنسبة لجميع الأطراف سيّما لتوفيق لام نفسه المشرد التعيس والمطرود من وظيفته ومن كافة ( جنات عدن ). لا داعيَ إذاً لوجود غسان على خشبة مسرح الأحداث حيث انتهت الرواية به وبسببه نهاية مأساوية مزدوجة. وكان توفيق لام هو المستفيد الوحيد من هذه المأساة. ونعم، لأنَّ مؤلف الرواية أراد أن يستعرض نظريته في الحياة، فقد قال على الصفحة 90 :

(( كان توفيق , كبقية البشر, يحمل بذرة شقائه في صميم وجوده )) لكأنه يردد  صدى بيت الشاعر أبي الطيب المتنبي :

           أبوكمْ آدمٌ سنَّ المعاصي         وعلّمكمْ مفارقةَ الجنانِ 

 وقال على الصفحة 434 : (( ثم خطر لي أن الحياة لا تستحق أن تعاش حقا وأن الإنتحارَ ليس أسوأ منها بكثير )) الأمر الذي يذكّرني ببيت أبي العلاء المعري الشهير :

          تَعبٌ كلّها الحياةُ فما أع          جبُ إلّا من راغبٍ في ازديادِ

فغسان يمثّلُ رمزاً حيّاً لعبثية الحياة ولا جدوى أن نحياها. نُكِبَ طفلاً بأمّه لكن هذه الأم التي خانت أباه أوصت له فأورثته المال والعقار الكثير. ولقد أفاد توفيق لام نفسه من هذا المال إذ ترك له غسان قُبيل استشهاده في الحرب العراقية - الأيرانية مبلغا كبيرا ( خمسين ألف دينارا ) . 

لقد وقف توفيق لام ضد الحروب أيام ما كان شغوفا بقراءة روايات ( الحرب والسلام ) و ( وداعا للسلاح ) ... كما أحسب. ولقد قال في محاورة مع غسان حول رواية ( الحرب والسلام ) ما يلي :

(( قال إنَّ المتعة التي حصل عليها من قراءة " الحرب والسلام " لا مثيل لها اطلاقا، ويكفي أن الرواية عزلته تماما عن جو المعسكر الكئيب )). ثم تساءل غسان (( هل يمكن أن يكونوا قبل أكثر من مائة وخمسين عاما على هذه الدرجة من العلاقات الرفيعة السامية ؟ لقد أحسست أنه مجتمع سعيد، لا يجب أن يفكر أفراده بالحروب وبتقتيل الآخرين، ومع ذلك فإنَّ الحروب تقع باستمرار ولا يمنعها رُقيُّ المجتمعات، أليس هذا تناقضاً ؟ )) . الصفحات 347 و 348 . 

 ثم إنَّ هذا الرجل الطيب المسالم الذي لم يؤذِ أحداً في حياته وقع مراراً ضحية للعنف وموت العدالة والإنحرافات من إقصاء عن الوظيفة ثم الإعتداء الأثيم الذي تعرض له يوماً في مدينة أهله وذويه  خانقين . فلنقرأ ما كتب على الصفحة 250: 

(( كانوا أربعة رجال مسلحين..., سألوه عن اسمه الكامل وأطلعوا على بطاقة هويته ثم طلبوا منه مرافقتهم الى مقر المنظمة للسؤال منه عن بعض الأمور...، كان ذلك اليوم يوم الأوجاع حقا. تكالبوا أربعتهم عليه في غرفة عارية الجدران فضربوه بشدة وحقد حتى تهالك فاقد الوعي، حينذاك تركوه مُدمّى موجَعاً حائرالروح يومين بلا عناية ولا طعام أو ماء. جاؤوه في اليوم الثالث أوالرابع, وكان محموما منتفخ الوجه مشوه الملامح, لا يكاد يدرك تماما ما يدور حوله. لم يستطع الوقوف على قدميه فسحبوه سحباً الى غرفة أخرى يجلس فيها شخص وراء طاولة ويدخن بهدوء ...)). أرى أن ما كتبه الروائي المبدع الأستاذ فؤاد التكرلي على هذه الصفحة وما جرى لبطله توفيق لام على أيدي كلاب الزمهرير... أرى فيه أبلغ إدانة لحكم المُنظَّمات. أرجو أنْ يلاحظ القاريء الكريم عبارة (( ثم طلبوا منه مرافقتهم الى مقر المنظمة )).العراقيون كافة يعرفون طبيعة هذه المنظمة التي فاقت بكثير سادية ووحشية غزاة بغداد ومدمري حضارة وتأريخ العراق من مغول وتتار وسواهم. 

بعد هذا العرض الطويل أعود لمسألة ضرورة وجود ( غسان ) في هذه الرواية وإمكانية تبريرها بما يلي من الأسباب :

1- لقد أدان توفيق لام , في استشهاد هذا الشاب , الحرب العراقية - الإيرانية . كما أدان ضمنا أولئك الذي أشعلوها . 

2- ترك غسان الحياة ولمّا يكمل مسيرتها التي عانى توفيق من ويلاتها وقال رأيه صريحا فيها.

3- لكن غسان هذا قد شرع فعلا في النهوض بالدور الذي تتطلبه الحياة منه : مواصلة خطها الأبدي بالتناسل والأنجاب . فلقد ترك في أحشاء ( فتحية ) جنينا. فالحياة إذاً تفرض نفسها علينا بالقوة الخارقة ( الجنس )، شئنا أمْ لمْ نشأ .

4- وفرَّالجنين الذي تركه غسان في أحشاء ( فتحية ) حجة وغطاء مناسبين لتوفيق للتهرب من مسؤولياته الخلقية والأجتماعية تجاه ( فتحية ). لو لمْ يمُتْ غسان لكان تزوج من ( فتحية ) وكان هذا قراره الأكيد ( الصفحة 397 ). لكنَّ غسان القتيل قد فارق الحياة تاركا لتوفيق لام إمرأة وطفلاً في رحمها غير شرعي .

5- وأن توفيق لام قد أدرك قصد غسان اذ أوصى له بهذا بالمال الوفير  فقال على الصفحة 463 :

(( كنت مُتعباً، مُتعباً. نحيّتُ الحقيبة الخضراء جانبا وحشرت نفسي معها على السرير، ملفوفا بلحافي ومعطفي، ثم أغمضت عيني. أن يقول لي بصراحة...هذه الفتاة، أنت تحبّها مثلي، فلا تتركها من بعدي تعاني مما فعلته بها، وخذها زوجة لك . حينذاك سيمكنني أن أجيبه أنا الآخر بمثل صراحته وأرفض رفضا قاطعا هذا العرض المشبوه )) .

توفيق لام يرفض بإباء وشمم فكرة الزواج من فتحية، عِلماً أنه سبق وأن عرض عليها الزواج ذات مرة قبل تورطها بالعلاقة مع غسان( الصفحة 333 ). موقف توفيق هذا بحاجة الى وقفة طويلة ويسمح لنا أن نتقبله بواحد من تفسيرين الأول - أن رجلا مثله عانى ما عانى كيما يبقى رأسه عاليا في الحياة، نظيفاً شريفاً يأنف ويترفع عن الدنايا، لم يسرق ولم يكذب أبداً. وعليه فان هذا الأنسان العراقي (المولود عام 1932 في محلة الحيدرخانة في بغداد ) المثالي في واقعيته والواقعي في مثاليته والمتناقض كما هي الحياة لا ولن تسمح له نفسه الأبية هذه أن يتستر على جنين غير شرعي بالزواج من شابة حملته سِفاحاً. التفسير الثاني ـ وهو الأضعف - يخبرنا علانية أن توفيق المُشرَّدَ والجائعَ في بعض الأحيان قد أصبح ثريّاً وليس بحاجة الى مَنْ يحميه ويؤيه ... ليس بحاجة الى طعام وشقة ( فتحية )، فلماذا يتورط في صفقات مشبوهة قد لا تجلب له إلّا العار وملحقاته ؟ 

لا يبدو قرار توفيق هذا إنسانيّاً، ويتناقض مع طيبته وبراءته وانحيازه لبسطاء الناس وفقرائهم، لكنه قرار رجل عراقي صميم .  


ملاحظات ختامية :

++ أشعر بالسعادة والغبطة أن أرى بيننا كاتبا عراقيا على هذا المستوى الرفيع من فن القص الروائي . لقد سحرتني لغة الأستاذ فؤاد التكرلي , ففيها قوة وفيها حلاوة وسحر . ثم القدرة الفائقة على رصد سلوك الأنسان في حياته المعاشية اليومية بحيث لم تفته صغيرة ولا كبيرة . فكيف تسنى له أن يتابع أفعال وردود أفعال هذا الخليط العجيب من البشر في سرائهم وفي ضرائهم ؟؟ وكيف استطاع أن يراقب نفسه بهذا القدر من الدقة والبراعة بحيث لم يهمل حتى أدق دقائق تفاصيل حياته ؟

++ لقد وجدت رواية ( المسرات والأوجاع  ) نسيجا رائعا وفتانا حتى أني لم أكتشف أية ثغرة في السياق الروائي الفني المحكم لدرجة أذهلتني وجعلتني أردد مع نفسي : بك نفتخر نحن العراقيين يا فؤاد , وبأمثالك يتشرف العراق أدبا وشعبا . 

++ كما لا بد لي من الأعتراف أن ناقداً واحداً لا ولن يستطيع أن يخرج بدراسة وافية شافية لرواية ( المسرات والأوجاع )، مهما حاول. ذلكم بسبب تشعب الموضوعات والمشاكل والعقد التي عالجتها هذه الرواية التي استغرقت 464 صفحة . 

++ الرواية تُفصحُ عمّا فيها ... لذا لا أراني بحاجة لأن أدافع عنها وعن كاتبها ضد بعض أشباه الكتبة وأنصاف الأميين الذين لم يحاولوا أو لم يستطيعوا فهمها كما أراد الروائي الفذ. لقد أساءوا اليه كما أساءوا اليها عن عمى وجهل . لقد أدان المؤلف الحروب أبلغ إدانة وأكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة ..., يستطيع أن  يدرك مغزاها كل من له عينان سويتان في مقدمة رأس سوي . كان المؤلف بارعا  في سوق هذه الإدانة وبأرفع مستوى فني متاح. لا شعارات فارغة ولا دجل ولا تهريج رخيص مَلّت سماعه آذان العراقيين .

++ لم يستطع المؤلف إقناعنا كيف وُلِدَ توفيق (( طفلا نادرا في جماله ...الصفحة 17 ))  وقد تحدّرَ من عائلة نشأت أصلا في ( دربونة شوادي ) وقد درج على وصف وجوه أفرادها بالتفاوت بين وجوه الضفادع والقرود! أهي الطفرة البايولوجية غير المتوقعة والقرود تتقافز وتنط بطبعها أم أنها إحدى مفارقات الدنيا التي (( تتحايل لتجلب لنا أمورا مضحكة حقا ... الصفحة 129 )) أم أن توفيق لام قد ولد من غير أبيه ... وقد صارح مرة والدته بهذا الأمر (( سألتها بهدوء مبالغ فيه ... هل تعتقد بأني لست ابنها ؟ الصفحة 114 )) . 

++هل كانت علاقة توفيق بغسان علاقة والد بولد؟ أجلْ. كان غسان محروماً من الأم، وكان توفيق بعقمه الجنسي محروما من الأطفال . كلاهما إذاً بحاجة ماسة الى الآخر. يبقى أخيراً السؤال غامضا : لِمَ اشترك الإثنان في ممارسة الجنس مع امرأة واحدة؟ نزعة وطبع وسلوك عالم القرود !

++ لقد ذكَّرَنا الأستاذ فؤاد مشكورا بشارع الرشيد ومقهى ( حسن عجمي ) والمنصور وحي دراغ وبعض المقاهي المُطِلّة على نهر دجلة لكنه تركنا نتساءل عن سبب اختياره ( حي العامل ) بعد فصله وطلاقه سكناً مؤقتا مع ( فتحية ). ما كان الأمرُ محضَ مصادفة عرضية فالصدفة هي شكل تجلّي الضرورة كما يقول الفلاسفة. لقد عمل توفيق قبل فصله من الوظيفة في دائرة حكومية خدم فيها أبو فتحية فرّاشاً للسيد توفيق. ثم شاءت الصدف أن يرتبط توفيق بالأرملة الشابة فتحية بعلاقات غاية في التعقيد ليس أقلها ممارسته الجنس معها حتى بوجود أبويها في الشقة. ثم وقوعها في علاقة غرام مع ( غسان ) الذي ما تعرفت عليه الا من خلال هذا التوفيق. تُرى هل  كان قصد مؤلف الرواية الإيحاء أنْ ليس بعد الفصل من الوظيفة الا الإنتقال الى وضع ( طبقي ) أوطأ؟ أو أنه أراد تأكيد انتمائه الى الفئات البسيطة والفقيرة من المجتمع العراقي؟ أجدني أميل الى الإحتمال الثاني إذ قدْ أشارالمؤلف في روايته الى إعجابه الشديد بالشخصية الروائية الروسية  (الأمير موشكين ) بطل مسرحية ( الأبله ) للكاتب ( دستويفسكي ). وكان هذا الأمير بسيطا  ونبيلا وبريئا براءة الأطفال. لم يُخفِ ولم يستطع أن يُخفي أيَّ أمرٍ خاص به مهما كانت طبيعته. أليس هذا هو توفيق لام بقضّه وقضيضه؟  

++ بالتمعن الدقيق ( والخبيث قليلا ... ) يمكن قراءة الرواية بتفسيرات أُخَرَ لم يشأ أنْ يُفصحَ المؤلف عنها مثلا :

أولا - كميلة هي المصابة بالعقم الجنسي وليس توفيق ولا زوجها الثاني جاسم الرمضاني .

ثانيا - إنَّ الطبيب البريطاني المحتال كان قد زرع في رحم كميلة بويضة مخصبة انتفخ بها رحمها فالحبل ليس من حيامن جاسم الرمضاني .

ثالثا - وأن جنين فتحية حصل من توفيق لام وليس من غسان. فالحيامن الضعيفة تستطيع اخصاب البويضات الأنثوية خاصة بعد تقويتها بالحبوب. لا غرابة في هذه التفسيرات اذ قد قال لنا توفيق لام (( إنَّ الحياة تتحايل لتجلب لنا أمورا مضحكة حقا )) .

لقد أزاح الموتُ كميلة من الوجود. دفعت حياتها ثمناً لتعلقها الجنوني بالحياة. أرادت المسكينة أن تخلد نفسها بالحياة وأن تخلد الحياة بأنجاب أولاد يكملون الدورة فنفقت قبل أن تحقق مأربها. هل هي ارادة الحياة  تحصِّنُ نفسها وتقويها وتنقّيها بالتخلص من العناصر الضعيفة فيها بازاحتها عن المسرح بالموت على قاعدة البقاء للأفضل والأقوى؟ هل نضحك كما نريد أم نبكي علينا وعليها كما تريد الحياة؟

تنتهي الرواية شهر شباط 1981 باستشهاد غسان في إحدى جبهات الحرب مع ايران. يسدل الستار دون أن نعرف شيئا عن مصير فتحية والجنين الذي تركه غسان ( أو توفيق لام ) في رحمها .

أخيرا ... إنَّ كلمة ( لام ) التي تتكون من ثلاثة حروف فقط، يمكن أن تعني بإعادة ترتيب حروفها : ( مال ) أو ( ألم ) أو ( لما ) أو ( ملا ) أو ( أمل ) . وإنَّ لام تعني باللغة الإنجليزية الخروف الصغير - الحمل LAMB  ( الإنجليز لا يلفظون الحرف B  في هذه الكلمة ) وباللغة الألمانية هي LAMM وتلفظ كما تلفظ بالعربية تماما .. لام. 

متى سيتجلّى اللهُ يا جبريل؟/ فراس حج محمد



[1]

على الحدود ما بين فاصلةٍ وفراغ

ينبت المعنى المغيّب في السرداب

يقوم على قائمتين

يتذكّر الناس رمل الطريق

لا يعدّون عُمْراً، ولا خطواتْ

فقد المنطق قدرته الجليلة كي يعلّل ما يكونْ

الأطرافُ والأفواهُ ذابت في الحريقْ

والعقلُ ماتْ!

غاضبون...

لا ينظرون إلى المحيطِ، الحائطِ، المحنّط، الممتدّ

لا موج فيه، ولا طعام، ولا شربة ماء!

خسر الأموات دفء الصلواتْ

نقاءَ القطعة البيضاء

طقس التيمّم في الصعيد المرنّخ بالدمْ

خسروا السماء الصافيةَ، السحب والأقمارْ

ولذة الليل الطويلْ

خسروا اجتماع النائحاتْ

"الناس" يختلفون عن كلّ أناسٍ غيرهم؛

يموتون كثيراً بلا وداع وصلاة وجنازةْ

ولا بيت عزاء!

ولا حتى رثاء يليق بميّتٍ عزّ الشباب بعمره

[2]

بين فاصلة على الحدود 

وفراغ في التفاصيل 

يسوح الرملُ، تغرق آلاف "القدمين"

لا تمحو الريح شيئاً من ألمْ

لا شيء يحمل لحظة الموتِ سوى الجسد المفخّخ بالغبار

هذي اللحظة سحر الحضارة في بلد الجنوبِ، خاصرة البحرِ

رخوة مثل عيون الخائفين من "الجنون"

لا تأتي فجأة، وليست على ميعاد

إنها- فقط- مرتقبة

آتية ليست مع ملاك مكلّف بأداء مهمّة طبيعيّةٍ ككلّ الناسْ

غيّر الملائكُ طقسهم 

لا ينزعون الروح

ثمّة آلة هوجاء تفعس السرّ الإلهيّ

تُنْضِجُ اللحم

يستوي الأموات قبل اكتمال الثانية دورتها الثانية

لا شيء يوقف هذا "الذي لا يسمى" إلا الله

معجزةٌ ساطعة

[3]

لا شيء معنيّ بنا حتّى الفراغ

أين الآلهةُ الحضاريّون؟

أينَ الأنبياءُ؟

أين الثّائرونْ؟

أين الوجوديّونَ، الملحدونَ، المتديّنون؟

أين الشّعراءُ، الروائيّون؟

أين السّياسيّونَ، أهلُ المالِ؟

أين الكادحون؟

أين الكأسُ؟

أين الفأسُ؟

أين الرّجسُ؟

أين الطّهرْ؟

لا حاسدٌ إلّا اثنتان؛ رقّاصة وزجاجة خمرْ

وانتظارك ملكَ الموت...

[4]

وهنا خسائرُ أخرى، جالسٌ أحصي خسائرَ ما؛ أقلّب دفتري، وأبحث عن مساحةٍ بيضاءَ أكتب فيها جدول الأعمال هذا اليومْ.

ما زال هنا يومانِ من قبلِ الدّخول إلى نهاية أخرى، أرى ما قد أرى، حلماً خؤوناً قاسياً، الخوفُ فيهِ، وصوتي غارقٌ في صوتهِ، يبتلّ بالعرق المسيل على فؤادي، ماذا دهى اللّيل الطّويل؟ 

ألواننا صفراء صارتْ، والوقت يغرق في نَفَقْ

مَحِّصِ اللّهمَّ هذا القلبْ

ليستطيع الانتظارْ!


قوة المنطق السياسي تعزز العمل العسكري/ صبحة بغورة

 


تقتضي تطورات الأحداث التي تطٍرأ في العلاقات بين الدول وقت اشتداد الأزمات فيما بينها أن يلجأ أحد أطراف النزاع إلى تصعيد موقفه منها حسب طبيعة ما يستجد فيها من ملابسات ، يكون هذا التصعيد في أغلب الأحوال من أجل فرض الحلول التي يراها هي الأفضل ، وبديهي أن يسعى هذا الطرف أو ذاك ممن يبصر في نفسه موقف القوة والتفوق أن تكون هذه الحلول بمثابة المرآة الصادقة للحفاظ على مصالحه ، والضامن الأكيد للبقاء في موقف القوة ، بل وأن تكون صمام الأمن المستقبلي لتجنب عودة نشأة مسببات الأزمة وتفادي تكرارها ، وعلى رأس مظاهر هذا التصعيد ،إعلان الحرب.

يحدثنا التاريخ أن قرار إعلان الحرب بين الأمم لم يكن يستغرق زمنا ، فلا يتجاوز مثلا مدته حدود بحث كيفية تنفيذه في الميدان ، كما لم يكن اتخاذ مثل هذا القرار الخطير بحاجة كبيرة لتوفير أسبابه المقنعة سواء كانت حقيقية أو واهية ،وسواء كانت مؤكدة أو محل شك فيها ، كما لم يكن اتخاذ القرار يتوخى تلمس حساسية الأوضاع السياسية المحيطة بقدر ما كان الأهم أن يكون العمل العسكري في حد ذاته موفيا لدواعيه كاملة ملحقا أشد الأضرار التي تحقق أهدافه سواء العقابية أو الانتقامية أو الردعية .. أو الاستعمارية ، إنه منطق القوة الذي سادت همجيته زمنا وقضى على ملايين البشر.

أبت كل المواثيق الدولية التي صدرت على أنقاض ما قاسته البشرية من ويلات الحرب العالمية الثانية إلا أن تواكب تطور الفكر الإنساني وأن تكون عاكسة لتطلع شعوب العالم  نحو بناء حضارة تعترف بحق الأمم في التحرر وتؤكد حق الشعوب في العيش الكريم ، وأن توثق هذه الحقوق فتفرض على كافة الأنظمة السياسية احترامها وتجبر كل الحكومات على التمسك بها سلوكا وفكرا وعقيدة .

اتجهت جهود كل الدول في عصرنا الحديث إلى تطوير قدراتها العسكرية وتجديده وتحديث أسلحتها حتى أصبحت الصناعة العسكرية نشاطا رئيسيا حيويا في منظومة النشاط الاقتصادي للكثيرمن الدول الصناعية الكبرى ، وأصبحت العودة للسباق نحو التسلح ظاهرة مقلقة تهدد السلام العالمي وتناقض مبدأ نبذ العنف المسلح ، والسؤال الحائر هنا ، لماذا تجددت النزعة لامتلاك الدول المزيد من عناصر القوة المسلحة ؟ ولماذا ازدهرت تجارة السلاح عبر العالم ؟ ولماذا تسعى كل الدول إلى امتلاك أسلحة التفوق الاستراتيجية المدمرة ؟ الواقع لا يحمل دلائل النية الحسنة ، ولا يشير الى المساعي الحميدة ، حيث بات الميل إلى التهديد باستعمال القوة أعلى صوتا بل ويسبق الدعوات لترجيح الجهود السلمية واستغلال فضائل الحوار السياسي في تسوية الأزمات .

لا تولد الأزمات الدولية من فراغ ،وهي قد تنشب نتيجة مشاكل مستجدة أو بسبب خلافات تاريخية بقيت عالقة زمنا كقنابل موقوتة ، والسائد في العلاقات الدولية أن تجنح الدولة التي تستشعر أن حيفا قد أحاط بها أو ظلما قد أصابها إلى إفادة المجتمع الدولي كما هو مفترض بملابسات ما تعرضت له لحشد الرأي العام الدولي إلى جانبها ودعمه لها ضد خصومها وإنصافها لاسترجاع حقها ورفع الظلم عنها ، وكثيرا ما تعلن هذه الدولة أنها تحتفظ بحقها " المشروع " للحفاظ على حرمة ترابها وسيادتها وكرامة شعبها بالوسائل الممكنة وفي الوقت الذي تراه مناسبا ، إنه تلويح صريح باحتمال استعمال القوة المسلحة وفق مقولة " وقد أعذر من أنذر.."  والحاصل أنه على قدر ما يمكن أن تسوقه أي دولة من أسباب أو تقدم ما أمكنها أن تسوغه من مبررات لاستعمال القوة المسلحة فهو لا يكفي لحصولها على تأييد دولي بإعطائها كل الحق في إعلان الحرب لأن الأمر مهما كان يتعلق في النهاية بإراقة الدماء ، وعليه فإذا كان المجتمع الدولي من جهة ينبذ العنف ويندد بسفك الدماء ، فإنه من جهة أخرى لم يملك إزاء الكثير من القضايا الدولية أدوات الضغط الكافية من خلال الهيئات والمنظمات الدولية التي تمثل إرادته للامتثال لقراراته ، بل أن صمت المجتمع الدولي كان دافعا لمضي بعض الأطراف في غيها مستفيدة من صعوبة تحقيق إجماع على إدانتها ، وأصبح على عاتق الدولة المطالبة بحق لها أن تزود خطابها السياسي بالمنطق الذي يبررلجوءها للعمل العسكري ويعززه وذلك حتى لا تقع تحت طائلة الاستنكار والتجريم أو أن تكون عرضة لعقوبات دولية قد لا تطيق تحمل تبعاتها وهي في أدني مستوى لها ، فالمنطق يقتضي أن تفيد الدولة المجتمع الدولي بكل الخطوات التي اتخذتها لحصر الخلاف في أضيق الحدود ، وأن تستعرض على المستوى الدولي كل الجهودها التي بذلتها من أجل احتوائه وأن تنشر بيانات بتحركاتها الايجابية في اتجاه الحل السلمي له ، وأن تؤكد صحة مواقفها على مستوى علاقاتها الدولية في شكلها الثنائي والمتعدد الأطراف وجعلها رسائل غير مباشرة للخصوم فيكون من المنطقي والمفهوم أنه الأمر نفسه بالنسبة للشركاء السياسيين يضخم بكل منطقية حجم الحلفاء من الدول .

يستمد المنطق السياسي أهميته في الجدل السياسي ، كما يستمد قوته من مقدار الواقعية والموضوعية في التناول ومن مدى الحيادية في الموقف والنزاهة في التقدير ،وكلها اعتبارات تفترض أن يكون من يحرص على اتباعها أن يكون على علم مسبق ومعرفة واسعة وإلمام كبير بكل جوانب المسألة ، وهي إذا اجتمعت فإنها تكسب صاحبها مهارة استغلال المناسبة بجعلها فرصة لاستحضار القيم التي تنفض الغبار عن الحقائق التاريخية التي ربما لا يصمد أمامها كل استنتاج متعجل ، فتكون بذلك محل إعجاب بالمسعى وتشجيع للمبادرة ودعوة للاقتداء ، إنها ميزة السداد في الرأي وفي إدارة الأزمات بالمنطق الذي يعزز الخيارات بما فيها الخيار العسكري الصعب الذي يناظر في صعوبته مفهوم الرباط الشرطي الخاص باعتماد ثقافة الخوف مثلا بزعم وجود خطر على البلد ومصلحة الوطن تعطي للأمن حق التدخل في السياسة الحكومية ، فثمة مواقف هي التاريخ ، وثمة مواقف في وجه التاريخ حاضرة ، وسياسات تنتج المزيد من المنطق الحضاري وتراعي خصوصيات الأمم وتتحاشى منطق التسوية الحضارية للأزمات ، وهناك سياسات تأخذ صفة الشاهد في المأساة ، ومن المنطق السياسي الاعتراف بأنه حيث لا توجد إيديولوجيا مسبقة على الواقع ، فإنه لا واقع بلا إيديولوجيا ، وعليه يمكن أن يخفي الصراع العسكري الظاهر خلافا إيديولوجيا عميقا يحتاج فيه كل طرف إلى ما يعزز مرئيته بمنطق يجعل موقفه أوضح في الحجة وأبين في المنع ، إذ يعتبر الموقف بصفة عامة علامة فارقة في الزمن من المفروض بداهة أنها لا تحتكم إلا للمبادئ ، ويبدو أن بين شكل الموقف وطبيعة المبدأ علاقة جدلية واضحة ، فعلى قدر سمو ورفعة المبدأ يكون نبل الموقف والعكس صحيح فحقارة الموقف من دناءة المبدأ.. وبين الاعتماد على المبدأ الذي يعبر في حقيقته عن نوع العقيدة من جهة ، وبين تجسيد الموقف عمليا بشكل كلي أو جزئي من جهة أخرى تكمن أهمية تحديد لغة الخطاب الذي من المفروض أن يتضمن ما يؤكد أو ينفي أمرا محددا بشأن موقف سابق أو لاحق حول قضية معينة ، ويحتاج العمل العسكري إلى تأييد سياسي يكسبه الشرعية ويحشد الدعم الشعبي الضروري حوله ، ويأتي مثل هذا الدور في صلب منطق يبرره ويتم التسويق له في الخطاب السياسي على النحو الذي يعززه ، وهنا يثور التساؤل مجددا عن ما مقدار الصحة التي يمكن أن تصيب كبد الحقيقة عندما يتعلق الأمر بالحديث الحائر بين العسكريين عن العلاقة الموجودة بين صرامة لغة المواقف ومناورات لغة السياسة ؟

قد تدفع الظروف المحلية أو الدولية إلى انحراف الخطاب السياسي غصبا أو طوعا عن مقصده النبيل بأن يبتعد عن غايته السامية وذلك إما بالتمويه على الصحيح من الرأي ، أو بالتعتيم على عمليات تصفية الحسابات ، أو أن يزيغ مضمونه البصر بالأوهام وتضيع معانيه البصيرة بالآمال الزائفة والوعود الكاذبة من أجل تحقيق أغراض خاصة أو لمراعاة مصالح ضيقة ، وحينها نكون في مواجهة معالم نموذج التيه السياسي الذي لا يسمح باختصار لأي كان اقتحام مناطقه المظلمة ، وهو نموذج يؤدي حتما إلى وقوع الخطأ في العمل السياسي ويؤدي تبعا لذلك إلى تناسل الأخطاء وإلى الوقوع في دائرة الشك حيث الممكن يصبح فنا يبرر النفاق في الخطاب تماما كما يبرر الإيمان بالموقف فتضيع بذلك بوصلة المنطق السياسي فيحرم العمل العسكري من فضائل تعزيزه .

حَدَّثَتْني العَرَّافَةُ/ جورج عازار

 


أغسلُ وجهي بأسمالِ الذِّكرى

عميقاً أغوصُ

في كُهوفِ العَتمةِ

وأغفو هُناك

على صدرِ آمالٍ كاذبةٍ


أخبرتني العَرَّافَةُ

ذاتَ عُمرٍ

أنَّ كُلَّ الخيباتِ

ستُزهرُ بَراعمَ جُلنارٍ

وبيلسان

وأنَّ كُلَّ الأوجاعِ ستثمرُ

تيناً وزيتوناً وصباراً

وأن وَجهاً عَشِقَتهُ

شَمسُ حُزيرانَ

واختبر مَعارِكَ الجيرانِ

سيَحكُمُ ذاتَ يومٍ

جميعَ المَمالِكِ


وسوف ينبُتُ لِكُلِّ أطفالِ الكَونِ

أجنحةً من زُهورِ الأُقحوانِ

وعلى جَبهاتِ الحَربِ

سيُفتَتَحُ مَقهىً

ترقصُ فيهِ

حتَّى أوَّلِ سَاعاتِ الفَجرِ

سالومي ابنةُ هيروديا


رَمت تلكَ العَرَّافةُ

من جديدٍ أحجارَها

وتابعتْ قَصَّ الحِكاية:

سيختِم السَّيافُ، يا سيِّدي

بالشَّمعِ الأحمرِ

سيفَه البَتَّار

وستُصبِحُ كُلُّ السَّنابِلِ

أشجارَ سَرْوٍ

تُغازِلُ بِسِرِّيَّةٍ جَسدَ المُزنَةِ

عندما يَغيبُ عَنها المَطرُ


وحينما تَهرَمُ الشَّمسُ

ستُنيرُ اليَراعاتُ

وَجهَ البَريَة

وفي الزَّنَازينِ

ومن غيرِ شَفقةٍ

سوف يُحبَسُ أهريمان

وجندُ الشَّياطينِ

وستُغلِقُ جمعياتُ النَّخَاسين

أبوابَها

وسَيعتزِلُ الغُزاةُ

ويُطلَقُ سَراحُ السَّبايا

وستُزيَّنُ السَّاحاتُ بالورودِ

وبِصُورِ الزَّعيمِ المُفَدَّى

وفي الأرجاءِ ستَتَعالى

زغاريدُ الفاتناتِ الغِيدِ


مَن أخبرَ العَرَّافةَ

ما يَحمِلُ للإسكندَرِ الغَدُ؟

ولِمَ فاتَها

عن المآلِ والخواتِمِ

أنْ تُخبِرَهُ؟

كُلُّ العَرَّافاتِ سِيَّانِ

إنْ كَذَبوا أو صَدَقوا

وسيرِسُ في يدَيها

الحَلُّ والرَّبطُ


دَعوا كُلَّ السَّتائِرِ مُسدَلَةً

لا تُوقِظوا النُّورَ

فَحِدادُ الشَّمسِ

سوفَ يَطولُ


مفردات:

 أهريمان: إله الشر في الديانة الزردشتية.

سيرس: هي شخصية من الأساطير اليونانية وهي ساحرة وابنة إله الشمس هيليوس.

الإسكندر: من أهم القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ مات وعمره 32 عاماً.

سالومي ابنة هيروديا: زوجة هيرودس فيلبس، هي التي رقصت في حفلة عيد ميلاد هيرودس أنتيباس، عمها غير الشقيق، فسرَّته، ووعد بقسم أنه مهما طلبت يعطيها؛ وبناء على مشورة أمها طلبت رأس يوحنا المعمدان على طبق؛ لأنه كان يوبخ هيرودس أنتيباس، قائلًا له إنّه لا يحلّ أن تكون له زوجة أخيه.


حين تتمرد اسرائيل على النظام الدولي!/ فتحي كليب



عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

لم يسبق ان كيانا دوليا تعاطى بعدائية وغطرسة مع الامم المتحدة وعدد واسع من مؤسساتها كما تعاطت اسرائيل، كما لم يسبق ان دولة تمردت على النظام الدولي وتمادت في تحديها للقانون الدولي ولعشرات القرارات التي اصدرتها الامم المتحدة كما فعلت اسرائيل، والسبب في ذلك لا يحتاج لكثير عناء كي يتم اكتشافه، وهو ليس مرده لقوة اسرائيل ونفوها الواسع على دول العالم، بعد ان اكدت تجربة عام على الاقل انها كيان لا يمكن ان يعيش ويتقدم الى الامام الا من خلال الدعم الخارجي، بل ان سبب هذه الغطرسة تعود اولا واخير الى الدعم الذي توفره لها الولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول الغربية، والتي تتحمل مسؤولية كافة افعالها.. 

في بداية شهر تشرين الاول (اكتوبر) 2024، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي "منع الأمين العام للامم المتحدة، من دخول البلاد"، بسبب عدم إدانته الصريحة للهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على إسرائيل، والذي جاء كرد مباشر على اغتيال الشهيد القائد اسماعيل هنية في طهران ونائب قائد الحرس الثوري الإيراني في بيروت.

لم يكن امين عام الامم المتحدة اول من يتم منعه، بل ان عددا كبيرا  من المسؤولين الدوليين سبق ان منعتهم اسرائيل من زيارتها، على خلفية مواقف لا تنسجم مع السياسة الاسرائيلية. فقد شهد العام 2024 منع المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في "الأراضي الفلسطينية المحتلة" فرانشيسكا ألبانيز من الحصول على تأشيرة دخول (شباط) بسبب تصريحات قالت فيها انها لا توافق على "ان هجوم حماس على جنوب (إسرائيل) هو أكبر مجزرة معادية للسامية في قرننا". كما تم منع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من دخول اسرائيل (ايلول)، بسبب تصريحات قال فيها "أنه باشر بإجراءات لفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين(بن غفير وسموتريتش)، لإطلاقهم خطاب كراهية ضد الفلسطينيين واقتراحات تخالف القانون الدولي، والتي تمثل تحريضا على ارتكاب جرائم حرب".

وبغض النظر عن قانونية وجود اسرائيل في الامم المتحدة وما اذا كانت قد التزمت فعلا بالشروط المنصوص عنها في الميثاق، ورغم انها تدين بوجودها للامم المتحدة التي قبلتها عضوا كامل العضوية وفقا للقرار الصادر عن جمعيتها العامة رقم 237 لعام 1949، الا ان العداء كان سمة ملازمة لعلاقة اسرائيل بالمنظمة الدولية، والتي تعود الى عدد من الاسباب منها: 

- ان اسرائيل هي "الدولة" الوحيدة في العالم التي قبلت عضويتها في الامم المتحدة بشكل مشروط، مقابل تنفيذها القرارين رقم 181 لعام 1947 الخاص بتقسيم فلسطين، والقرار رقم 194 لعام 1948 والمتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى قراهم وممتلكاتهم التي هجروا منها بقوة الارهاب الاسرائيلي.

- اصدار الامم المتحدة بكافة منظماتها لعشرات القرارات التي تؤكد على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وهو ما تعتبره اسرائيل انحيازا متعمدا من الامم المتحدة لصالح الحق الفلسطيني.

- اصدار الجمعية العامة عام 1975 للقرار رقم 3379 الذي اعتبر "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري".. ورغم الغاء القرار عام 1991 نتيجة الانقلاب الذي حصل في موازين القوى الدولية، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فما زال هذا القرار، يشكل عقدة تاريخية يؤرق اسرائيل والحركة الصهيونية..نتيجة استحضاره الدائم في النقاشات السياسية والفكرية والقانونية التي تشهدها المنتديات الدولية.. 

- تفعيل الامين العام للامم المتحدة في كانون الاول 2023 للمادة 99 من الميثاق والتي تنص على أن "للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين". وذلك في رسالة بعث بها الى المجلس لحثه على استخدام صلاحياته في وقف العدوان على قطاع غزه باعتباره يشكل تهديدا للسلم والامن على المستوى الدولي. وقد اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي ان "ولاية غوتيريش تشكل خطرا على السلم العالمي". فيما اتهم المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة الأمين العام بـ "الانحراف الأخلاقي".

العلاقة العدائية من قبل اسرائيل بشكل خاص تجاه الامم المتحدة تعود الى المراحل الاولى لنشوء الكيان الاسرائيلي، الذي ترافق مع جرائم ومجازر ارتكبتها العصابات اليهودية ليس ضد الشعب الفلسطيني فقط، بل وضد الامم المتحدة ومبعوثيها، عندما حولت افكارها السياسية وأيديولوجيتها القائمة على الاساطير والخرافات التاريخية الى ادواة قتل وارهاب، فلجأت الى اغتيال وسيط الامم المتحدة الدبوماسي السويدي فولك برنادوت (ايلول 1948)، بعد يوم واحد فقط من وضع تقريره الذي قدم فيه الاسباب الموجبة لضرورة عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم.. بهدف قطع الطريق على اي امكانية قد تتعرض فيها اسرائيل لضغوط تجبرها على السماح باعادة اللاجئين الفلسطينيين.

وحتى مع الانقلاب الذي حصل في موازين القوى الدولية، التي اخذت تميل لصالح اسرائيل، نتيجة الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية على العديد من الدول، بقيت الامم المتحدة محافظة على الحدى الادنى من صدقيتها في التعاطي مع انظمتها الداخلية، وبقي القسم الاكبر من الدول داعما ومؤيدا للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، رغم التهديدات العلنية من مسؤوليين امريكيين واسرائيليين بمعاقبة الدول التي تؤيد الحقوق الفلسطينية. وقد برز هذا الامر بشكل واضح عام 2017، عندما قالت مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة نيكي هايلي "سنبلغ الرئيس ترامب باسماء الدول التي ستدعم مشروع القرار المطروح والذي يرفض اعلان واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل".

 وتعتبر فلسطين، كحركة تحرر وطني وكدولة غير عضو، اكثر من حظي بقرارات من الامم المتحدة ومنظماتها داعمة لها وللحقوق الوطنية لشعبها، مقابل اسرائيل التي باتت اكثر دول العالم صدرت بحقها قرارات ادانة من مؤسسات الامم المتحدة. وهذا ما يفسر افتعال اسرائيل للازمات الدائمة مع الامم المتحدة والمؤسسات الدولية، لوضع العالم اولا تحت سيف الابتزاز التاريخي على خلفية المزاعم ذات العلاقة باليهود في اوروبا، وثانيا بهدف حرف الانظار عن حقيقة ان فلسطين ما زالت القضية المركزية ليس فقط بالنسبة للشعوب العربية والشعوب الحرة، بل وايضا بالنسبة لمختلف مؤسسات وهيئات الامم المتحدة. 

 ان موازين القوى الدولية داخل الجمعية العامة للامم المتحدة، ما زالت تميل لصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، ويعبر عن ذلك بالقرارات السنوية والدورية التي تصدر عن عدد من مؤسسات الامم المتحدة التي تؤكد على مجموعة من القضايا والتي قدرتها بعض المؤسسات الصهيونية في الفترة بين اعوام (2015 - 2022) فقط بـ 140 قرارا تناولت قضايا: القدس، عمليات وكالة الغوث (الاونروا) وتجديد التفويض، ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين والإيرادات الآتية منها، تقديم المساعدة إلى اللاجئين الفلسطينيين، ادانة بناء المستوطنات الإسرائيلية فى الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السورى المحتل، السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وغير ذلك من عناوين ما زالت تحظى بدعم اغلبية دول العالم  الممثلة في الجمعية العامة..

ان كافة منظمات الامم المتحدة ومؤسساتها والقرارات الصادرة عنها كانت وما زالت موضع عداء من قبل اسرائيل ومع الولايات المتحدة. ولولا الدعم الذي تحظى به اسرائيل من بعض اعضاء مجلس الامن (فيتو الولايات المتحدة)، لكانت اسرائيل منذ زمن خارج الامم المتحدة، نظرا لخرق تعهدها الوارد في طلب الانضمام الى الامم المتحدة وعدم احترام تعهداتها بما يتعلق باحترام نص المادة الاولى من الميثاق لجهة احترام الشعوب وحقها في تقرير مصيرها ونص المادة الرابعة بما يتعلق باحترام الالتزامات التي يتضمنها، وايضا مخالفة المادة الثانية التي تفرض على الدول بأن تمتنع عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها.. اضافة الى اعلانها وبشكل صريح رفضها تطبيق القرارات الصادرة عن الامم المتحدة..

وخلال فترة زمنية قصيرة، اتخذت اسرائيل مواقف حادة وصلت الى درجة العداء التام مع عدد كبير من مؤسسات الامم المتحدة ومسؤوليها، واثيرت الكثير من المخاوف على المستوى الدولي بشأن مصير المؤسسات الدولية العاملة في الاراضي الفلسطينية المحتلة، بعد ان تعرض اعضاءها ليس لاستهداف سياسي بل ولتهديدات وصل بعضها حد القتل، ومن هذه المنظمات والممارسات على سبيل المثال: 

1) محكمة العدل الدولية على خلفية تبنيها لثلاثة قرارات: الاول في تموز 2004 باعتبار جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية غير قانوني ومطالبة إسرائيل بإزالته. والثاني في ايار 2024 عندما طالبت إسرائيل بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وانسحاب قواتها. وهذا ما دفع ببعض المسؤوليين الاسرائيلية الى اعتبار المحكمة "منظمة سياسية ومعادية للسامية". والثالث في تموز الماضي حين اعتبرت المحكمة "ان استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني. وان الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشىء عن هذا الوجود غير القانوني. 

2) المحكة الجنائية: اصبحت المحكمة محل عداء مع اسرائيل، بعد ان اصدر مدعيها العام في ايار 2024 أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير حربه غالانت، وفي العام 2021 ايضا، فتحت المحكمة تحقيقا في جرائم حرب محتملة في غزة. وقد اعتبر الرئيس الاسرائيلي وقتها "ان محاولة استخدام المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل التي تحارب الإرهاب، تشكل خطرا واضحا ومباشرا على الديمقراطيات والدول الحرة"، فيما اعتبر نتنياهو "ان قرار المدعي العام بحقه أمر سخيف وإن هذه الخطوة تستهدف إسرائيل بأكملها".

3) مجلس حقوق الانسان: اسرائيل واحدة من الاعضاء الـ 193 الذين يشكلون الجمعية العامة للامم المتحدة ويخضعون من قبل اعضاء المجلس البالغ عددهم 47 دولة لاستعراض دوري حول حقوق الانسان في دولهم، وعادة ما تستعرض كل الدول الاعضاء ملفاتها امام المجلس، الا ان اسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، تستحضر كافة اشكال الضغوط على الدول الاعضاء الذين كلما ناقشوا ملف اسرائيل، كلما كان هذا الملف محط ادانة من قبلهم، وكلما كان هناك افتعال في اثارة لقضايا جانبية لحرف النقاش عن مساره..

لقد تبنى المجلس العديد من القرارات التي ادانت اسرائيل على انتهاكها لحقوق الانسان الفلسطيني، واستخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وفي دعوة جميع الدول إلى وقف بيع ونقل وتحويل الأسلحة والذخائر وغيرها من المعدات العسكرية إلى إسرائيل، والى تشكيل لجنة تحقيق في جرائم الحرب الاسرئيلية.. 

 واسرائيل هي العضو الاكثر تعرضا للادانة من قبل الدول الاعضاء في المجلس. ومؤخرا أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن إسرائيل قطعت علاقاتها مع المكتب ولم تعد تتم الاستجابة لطلبات الحصول على تأشيرات. ولم تسمح للمفوضية بإعادة فتح مكتبها في الضفة الغربية والوصول إلى غزة، كما لم تعد طلبات الحصول على التأشيرة تحظى بالإجابة، وهو السلاح الذي تستخدمه اسرائيل ضد مؤسسات ومسؤولي الامم المتحدة في اطار عمليات ابتزاز لتغيير مواقفهم من ملفات حقوق الانسان. وقد سبق لاسرائيل وان قاطعت احدى جلسات المجلس، بحجة أن الانتقادات الموجهة إلى اسرائيل غير عادلة، وتضامنت معها الولايات المتحدة واعلنت عن انسحابها من المجلس بسبب زعمها إنه منحاز ضد إسرائيل، لكنها عادت الى المجلس في تشرين الاول 2021، بعد ثلاث سنوات من الانسحاب.

4) وكالة الغوث (الاونروا): في العام 2018، قال رئيس وزراء العدو نتنياهو: "ان وكالة الغوث (الاونروا)، التابعة للامم المتحدة تديم قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتخلد كذلك رواية ما يسمى حق العودة، لذلك يجب ان تزول". ومنذ ذلك العام والحرب الشاملة على الاونروا لم تتوقف؛ حيث لجأت اسرائيل الى كل اشكال الضغط والتحريض على الوكالة، ومارست كل انواع الكذب والخداع لدفع الدول المانحة على وقف مساهماتها المالية كمقدمة لنزع الشرعية عن الوكالة التي ما زالت تحظى بدعم غالبية اعضاء الجميعة العامة للامم المتحدة التي تعتبر مرجعيتها الوحيدة.

وبعد معركة "طوفان الأقصى"، زعمت اسرائيل ان عددا من موظفي الاونروا شاركوا فيها، ما دفع الامم المتحدة الى تشكيل عدد من لجان التحقيق التي اجمعت في تحقيقاتها على ان ما قدمته اسرائيل من وثائق كان عبارة عن مجرد اتهامات، بعد عجزها عن اثبات صحة مزاعمها ضد الوكالة، لكن هذا لم يمنع 18 دولة غربية واطلسية من قطع تمويلها عن الوكالة، سرعان ما استأنفته، بعد ان تأكدت من عدم صحة الاتهامات الاسرائيلية، باستثناء الولايات المتحدة التي ما زالت على قرارها برفض تمويل الاونروا..

وفي حربها على وكالة الغوث، لجأت اسرائيل الى عدد من الاجراءات الهادفة الى تصفية اعمالها منها: قصف مراكزها في قطاع غزه ومنعها من ممارسة مهامها بتقديم الخدمات الى اللاجئين، سن قوانين من قبل الكنيست الاسرائيلي اعتبرت الاونروا منظمة ارهابية، مصادرة اراضي المقر الرئيسي للوكالة في القدس، اضافة الى سحب التأشيرات من بعض موظفيها، واسرائيل تتهيأ لالغاء اتفاقية المقر التي ستعني الغاء الحصانات والامتيازات التي تتمتع بها الوكالة وموظفيها الدوليين، ما يعني اعلان حرب شاملة على الاونروا وعلى الامم المتحدة بشكل عام.

5) قوات اليونيفيل في لبنان: خلال عدوان نيسان عام 1996، ارتكبت اسرائيل مجزرة داخل مقر الأمم المتحدة في بلدة قانا في جنوب لبنان بحق العشرات من النساء والاطفال (110)، الذين لجأوا الى المقر ظنا منهم ان مقر القوات الدولية يشكل لهم مجأ آمنا، كما استشهد وجرح ايضا عددا من اعضاء القوات الدولية المتواجدين في المقر.

وخلال العدوان الحالي على لبنان، تعرضت قوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) لإطلاق نار من قبل العدو الإسرائيلي، ليتبين ان الامر لم يكن خطأ في التقدير، بل امرا متعمدا تأكدت صحته بعد مطالبة نتنياهو الأمم المتحدة بشكل رسمي بإخلاء قوات "اليونيفيل" لمواقعها في جنوب لبنان، الامر الذي استجر مواقف دولية لم تخرج عن اطار التنديد العام الذي من المؤكد انه لم يصل الى مسامع المسؤولين الاسرائيليين..

ان وصف اسرائيل لاحدى منظمات الامم المتحدة "منظمة ارهابية"، كان يجب ان لا يمر دون عقاب ومحاسبة، وهو لم يكن ليحصل بالغطرسة التي حصل فيها، لولا الدعم العلني والصريح الذي تلقاه من الولايات المتحدة ومن دول غربية اخرى تدعي دفاعها عن القانون الدولي وعن حقوق الانسان وعن محاكم دولية يبدو انها صممت على مقاس الدول الكبرى. لكن العبرة الاهم هنا ان ما يحصل يؤكد في الاستنتاج العام ان النظام الدولي الحالي استنفذ وظائفه، كونه نظام تم تشكيله من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ولم يعد قادرا على الصمود امام غطرسة القوة الامريكية والاسرائيلية بشكل خاص، بل لم يعد قادرا على حماية نفسه، ولم يعد باستطاته اقناع احد بأنه الخيمة التي تحمي الشعوب المقهورة، ما يعني ان الصراع المستقبلي من اجل نظام دولي اكثر عدالة يجب ان يكون مطلب جميع احرار العالم. وحتى ذلك الحين، فمن حق جميع شعوب الارض وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني حماية نفسه عبر اللجوء الى كافة اشكال المقاومة.. وواجب كل دول العالم وشعوبه دعم هذا الخيار..

 ليس مبالغة القول: ان ما تقوم به اسرائيل من جرائم عابرة للحدود لا يؤهلها لأن تكون عضوا قادرا على تحمل الالتزامات التي يقرها ميثاق الامم المتحدة وبشهادة غالبية دول العالم التي اعطت صوتها لفلسطين وادانت اسرائيل على جرائمها وعلى خرقها الدائم للميثاق، فاسرائيل بخلفيتها الايديولوجية والدينية المستندة الى خرافات ومزاعم واساطير، هي كيان يتصرف كأنه فوق القانون لا بل فوق النظام الدولي بكافة مؤسساته، وهي غير قادرة على الوفاء بأهم تعهد وهو احترام رغبة الشعوب بتقرير مصيرها بحرية.

ان الافلات من العقاب وعدم محاسبة من ينتهك القانون الدولي، ومن يستسهل ارتكاب الجرائم ضد الاطفال والنساء، ومن يتفاخر بعداءه للاسرة الدولية ممثلة بالامم المتحدة وبالمنظمات الدولية، كلها اسباب تجعل من اسرائيل كيانا فوق الشرعية الدولية. وبالتالي فاذا كانت المؤسسات الدولية عاجزة عن اتخاذ اجراءات رادعة ضد اسرائيل، رغم الادانات الدولية المتكررة، فمن حق شعوب العالم ان تأخذ زمام المبادرة في الدفاع عن نفسها، وفقا لما اقرته الشرعية الدولية التي اعطت للدول، فرادى أو جماعات، الحق في الدفاع عن أنفسهم وعن مصالحهم وحقوقهم الوطنية..

لقد بات ملحا نظرة جديدة من قبل المجتمع الدولي في التعاطي مع اسرائيل، التي تشكل عنوانا للافلات من العقاب، ورمزا للتمرد على الاجماع الدولي. وطالما ان صيغ الشكاوى والادانات اللفظية لم ولن تحقق اهدافها بثني المجرم عن مواصلة اجرامه، فان المجتمع الدولي مطالب بعزل اسرائيل لاجبارها على احترام حق الشعب الفلسطيني في التعبير عن ذاته على المستوى الوطني، وهذا لن يتحقق الا من خلال انسحاب اسرائيلي كامل من كافة الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية في دولة مستقلة بعاصمتها القدس على ارضها المحتلة بعدوان عام 1967 وضمان عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم..

آن الاوان للدول الغربية ان تقتنع، بعد اكثر من قرن من الصراع، ان خلق كيان اسمه اسرائيل فوق ارض فلسطين وتهجير شعبها، كان خطأ تاريخيا، بعدما تأكد ان الاصرار على توفير الدعم والحماية لهذه الاسرائيل يعني ادامة الصراعات في المنطقة، ما يشير الى ان استمرار دعم الكيان ومده بكل اشكال الديمومة والحياة يعني كذبا ونفاقا سياسيا من قبل دول تزعم حمايتها للقانون والديمقراطية وحقوق الانسان، وهذا ما يتناقض بشكل كامل مع فلسفة حماية اسرائيل القائمة على الاحتلال والقتل والعدوان والتطهير العرقي لشعب فلسطين.. واسرائيل التي اعلنت عداءها مع الامم المتحدة وتمردها على النظام الدولي بكافة اطره، يجب عزلها وطردها ليس فقط من الامم المتحدة، بل ومن كافة الاطر الدولية. وغير ذلك، فان دول وشعوب العالم لها كامل الحق بالتمرد على القانون الدولي وعلى الشرعية الدولية حين ترى انها اصبحت عائقا وحاجزا امام مصالحها وعقبة امام النهوض بمستقبلها..


طه حسين ومراثي الأمهات/ د. عدنان الظاهر

  


مقدمة 

    لا ينكر أحد ما لحرف الميم من جرس رخيم ووقع في النفوس جد مؤثر خاصة اذا كان جزءا من روي مكسور. ويزداد الأمر جلالا حين يكون موضوع القصيدة حزينا يمس نياط القلب ودواعي الأسى فيه كالرثاء مثلا. ثم الصدفة العجيبة التي جعلت من هذا الحرف ركنا اساسا يمثل نصف تركيب كلمة " أم " التي خاطب فيها هرون اخاه موسى (( قال يأبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي اني خشيت أن تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي ))  (1) .  وفي سورة الأعراف (( قال أبن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولاتجعلني مع القوم الظالمين )) (2) . 

إذاً فهنالك أكثر من سبب حدا بالشعراء الثلاثة المتنبي والمعري ومن ثم محمد مهدي الجواهري في أن يختاروا في مراثيهم لأمهاتهم هذا الحرف قافية جميلة - حزينة وحزينة - جميلة في عين الوقت .

 فحرف الميم إذاً هو القاسم المشترك الأعظم الذي وحد مشاعر وسيل عواطف هؤلاء الرجال الثلاثة  - ولا اقول دموعهم - لحظة أن تناهى الى مسامعهم نبأ نعي عزيز وأي عزيز !! فلقد رثى الأول منهم جدته , وهي لا ريب في مقام والدته , بل هي والدته حقا وفعلا اذ لا يذكر تأريخ الرجل شيئا عن والدته : من هي وما أسمها وما هو نسبها وتأريخ عائلتها ؟ لقد قال الشاعر في جدته لأمه هذه :

              والدٍ ولو لم تكوني بنت أكرم

                        لكان أباك الضخم كونك لي أمّا

هكذا يرتكز الرجل على صلب جدته لأمه . فإنْ  لم تكن هذه الجدة أما له فإنَّ  أباها كان يمكن أن يكون. وهو أمر مستحيل عقلا وفعلا, فضلا عن الصناعة المتكلفة في هذا البيت حتى لأراني استطيع القول إنه واحد من أثقل أبيات أبي الطيب المتنبي, بل ومن أشدها نبوّاً عن المألوف.

                 ) أبو الطيب المتنبي ( 303 - 354 للهجرة 

                      ولا قابلا إلا لخالقه حكما    

هذا هوعنوان مرثية المتنبي لجدته التي فارقت الحياة في مدينة الكوفة مسقط رأس الشاعر حين كان هو في بغداد اذ ( لم يمكنه دخول الكوفة ) كما قال في مقدمة القصيدة دون أن يذكر السبب (3). القصيدة في أربعة وثلاثين بيتا ومطلعها : 

            ألا لا أري الأحداث مدحاً ولا ذمّا         

 فما بطشها جهلا ولا كفها حلما                   

وفي هذا البيت كما هو واضح استرسال مع طبيعة الشاعر الفنية الميالة نحو تقرير الحكمة وتثبيت مسلمات الحياة التي لا راد لقضائها. فحين تبطش الحياة فانها لا تبطش عن جهل بل هو الإصطفاف مع السياق العام لقانونية الحياة ونواميسها الأزلية. وإلا فهل من راد ٍ للموت ؟ والموت قائم ما قامت الحياة ، هو متمم الحياة ونهايتها المنطقية. ولقد قال الشاعر الصوفي ابن شبل البغدادي فأبدع :

             صحة المرء للفناء طريقُ         

   وطريقُ الفناءِ هذا البقاءُ                      

اما المتنبي فلقد قال في رثائه لجدته :

        أحنُّ الى الكأس التي شربت بها            

 وأهوى لمثواها التراب وما ضمّا                       

وهنا يتمنى الشاعر أن يتقاسم الموت مع جدته , فانه لا يطيق فراقها ولا معنى للحياة بدونها . فأية انتكاسة يعيشها هذا الشاعر الرجل العملاق وأية هزيمة نفسية يستشعرها نتيجة فقده هذه المخلوقة العجوز التي تقوم مقام والدته. أجل, أية هزيمة أمام القدر الذي لا يرحم ولا يجامل بحيث قدانتقل جزعه تحت وطأة المصاب على موت جدته الى جزع مأساوي من حياته نفسها. هل نصدق أن هذا الجازع الكبير قد قال يوما :

          الخيل والليل والبيداء تعرفني        

  والسيف والرمح والقرطاس والقلم                   

انها طبيعة الإنسان المجبولة على التناقض. وهذا البدوي الأصيل - الذي ملأ الدنيا وشغل الناس - الذي لم تعرف عيناه الدموع نراه يتهاوى أمام مصرع من يقوم مقام والدته " أحن الى الكأس التي شربت بها " . ومن ذا الذي يحن الى كأس المنون سوى عاشق هيمان أو يائس قانط أو مهزوم مأزوم ؟  كان المتنبيء هؤلاء الثلاثة وهويتمثل مأساة رحيل جدته وأعز الناس طرا. اذا غالب الرجل دمعه فان النزعة الى البكاء لسوف تظهر من خلال المعاني ومن بين السطور, كما قال زهير بن أبي سلمى :

        ومهما تكنْ عند أمريء من خليقة        

  وإنْ خالها تخفى على الناس تعلم ِ                 

فمجرد ذكر الدموع ووصفها انما ينم عن الرغبة في البكاء. ومن يدري ؟ فإنَّ الرجال تفعل ما تشاء اذ تخلو لنفسها وراء الأبواب المغلقة 

       رقا دمعها الجاري وجفت جفونها         

  وفارق حبي قلبها بعد ما أدمى               

فأذا ما انقطعت دموع الراحلين عنا, واذا ما توقفت عن الأسترسال فان عيون الأحياء لا  ريب قادرة على اتيانها إنْ سراً أو جهراً . يا لليتيم البائس !! يشفق على نفسه في نهاية الأمر اذ أن حبه قد مات بموت القلب الذي كان يخفق بهذا الحب. قلب أدمته مشاكل الحفيد ومغامراته وخصوماته وترحاله الدائم :

      يقولون  لي ما أنت في كل بلدةٍ         

  وما تبتغي ؟  ما أبتغي جلَّ أن يُسمى               

    فأصبحت أستسقي الغمام  لقبرها          

  وقد كنت أستسقي الوغى والقنا الصمّا               

مرة اخرى يتلمس الشاعر الحاجة الى ما يبلل الجفن والعيون , الحاجة لترطيب شيء ما, فاذا لم تكن الدموع فلا بأس من المطر. أيتها الكبرياء العنيدة ويا أيتها النفس الأبية الشامخة , من أية طينة جبلت ومن أيما ماء رويت ؟

       وإني  لمن قوم  كأن  نفوسهم           

  بها أنفٌ أن تسكن اللحم والعظما                  

       تغرّبَ لا مستعظما غيرَ نفسه           

  ولا  قابلا  الا  لخالقه   حكما                  

      هبيني أخذت الثأر فيك من العدى        

  فكيف بأخذ الثأر فيك من الحمّى             

لقد سبق وأن عانى هذا الشاعر نفسه من الحمّى أيام محنته مع كافور الأخشيدي في مصر, فصور حالاتها بأتم وصف (3)  :

      وزائرتي  كأنَّ  بها   حياءً              

  فليس تزورُ إلا في الظلامِ                        

                        بذلت لها المطارف والحشايا 

                       فعافتها وباتت في  عظامي

        يقول لي الطبيب أكلت شيئا               

  وداؤك في شرابك  والطعامِ                     

يعترف الشاعر هنا بعجزه عن مقارعة المرض واستسلامه له وهو لا يستطيع اصطناع المعجزات. وأخذ الثأر من الأعداء أمر ما أيسره على رجل مثل المتنبي ولكن " فكيف بأخذ الثأر فيك من الحمى ؟ " .

لقد وقع تحت تأثير هذه القصيدة  بالذات كل من المعري ( 363 - 449 هجرية ) والجواهري ( 1900 – 1998  ميلادية ) فاخذا الوزن والقافية والروي لقصيدتيهما  اللتين نظماهما في رثاء والدتيهما كما سنرى عما قريب .

 

                         طه حسين ومرثية المتنبي     

    يعد المرحوم الدكتور طه حسين هذه القصيدة قصيدة خالدة ( 4) ونراه يجري وراء ابياتها   بصبر وجلد غريبين. لكن دهشتنا والغرابة سرعان ما تزولان اذ نكتشف أن هذا الرجل غير معني الا بتقصي هفوات الشاعر السلوكية, وإلا بجمع المثالب وتركيز العيوب التي رصدها خصوم الشاعر وسجلها عليه. ولقد أولى طه حسين مسألة نسب المتنبي ووضع أسرته في الكوفة أولاها الدرجة الأولى والدرجة الأخيرة من الأهمية. ولم يكن بهذا منصفا البتة اذ جعله الغلو في الأمر والسرف أن يجانب الدقة والصواب في تفسير حتى الواضح من شعر الشاعر تفسيرات جد بعيدة عن الواقع وعن الحقيقة وعن مرامي الشاعر نفسها. تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان.

وتلك نتيجة حتمية للمنطق غير العادل والموقف غير الموضوعي من ظاهرات المجتمع والحياة. لقد أخطأ طه حسين اذ أعتقد أن المتنبي لم يتغرب الا لكي يعظم قدر نفسه. وبالتالي أسس أحكاما جائرة بل ومسرفة في الجور, الأمر الذي يجرد الباحث من الروح الموضوعية ويبعده عن المواقف العلمية التي تحصن المرء ضد الأراء الذاتية والأنانية وتطهره من مثالب الضغينة والتحامل والشماتة. فهل تغرب أبو الطيب خصيصا من أجل أن يكبر في نظر نفسه ؟ إذاً فلنسمع ما قال ولنحاول وضع الأمر كله في قالبه الصحيح وفي سياقه الأصوب. قال المتنبي في القصيدة التي رثى فيها جدته : 

           تغرّبَ لا مستعظماً غيرَ نفسه           

                                   ولا قابلا إلا لخالقهِ حكما                       

أراد المتنبي - وأصاب - أن يقول أنه بقي رافع الرأس موفور الكرامة رغم كونه غريبا, والغريب ضعيف أعزل ناء عن أهله ووطنه وذويه . وما أشد وطأة الغربة والتغرب على رجل يجوب الآفاق مضطرا . إنَّ المعنى من الوضوح بحيث لا يحتاج الى كل هذا الكلام لولا أن عميد الأدب العربي كان قد عكس المعنى الذي أراده الشاعر. فالشاعر لم يخترْ التغرب من أجل أن يعظم في نظر نفسه ، إنما بقيَ عظيما رغم أنف الغربة والتغرب وما تجرُّ الغربة عليه من مشاكل ومعضلات. أليس هو نفسه من قال :

                  أيَّ محلٍ أرتقي        

  أي عظيمٍ أتقي                         

دون الإشارة الى جغرافية مكانية محددة. ولكي يزيد المتنبي في غروره المعهود رفض قبول أي حكم عدا حكم الخالق. وهل يتبدل حكم

الخالق بتبدل المكان ؟ فاذا قبلنا منطق طه حسين المعكوس لتوجب علينا أن نفهم أن الشاعر لم يغادر الكوفة والعراق الا لكي يتقبل أحكام خالقه خارج حدود موطنه الأصل. وتشاء الصدف أن يموت غيلةً قرب مدينة واسط داخل حدود العراق. إنَّ نظرية طه حسين حول وضاعة أسرة المتنبي وأثر ذلك على سيرته وسلوكه ينبغي أن تؤخذ بالكثير من التحفظ والحذر. فإنْ لم يذكر الشاعر أباه أو أمه في الديوان فليس معنى ذلك أنْ لم يكن له أب  أو أم , أو أن هذين الوالدين ينتميان الى أصل وضيع. الحجة هذه  واهية جدا للأسباب الأتية :

1-

 لم يذكر المتنبي زوجه أو حتى اسم ولده ( مُحسَّد) في شعره قط. فهل يعني هذا أن المتنبي عاش ومات عازبا ؟ 

2-

 وهل ذكر أصحاب المعلقات وسواهم من فحول شعراء العربية أسماء ذويهم في قصائدهم؟ ولأضرب مثلا من زهير بن أبي سلمى وطرفة بن العبد.

3-

 وهل يعيب الرجل أنه لا يتذكر أباه أو أنه لا يتخيل أمه في حال وفاتهما وهو لما يزل صغيرا؟ ولنا في هذا المقام من الرسول الكريم محمد أسوة ومثل.

4-

 وكم من الأمهات من ماتت في ساعة الولادة ونجا مولودها من الموت؟

5-

 وهل نستبعد فقدان أب في حادث غامض أو موت في مكان بعيد مفاجيء وعزَّ الشاهد والعارف , كما قد يحصل خلال السفر لأداء مناسك الحج في الزمن القديم حيث يطول السفر وتكثر مخاطر الطريق. ولا أستثني الإختطاف السياسي ومن ثم التصفية الجسدية غير المعلن عنها كما يحصل في أيامنا هذه. 

إنَّ طه حسين يذكر بل ويروي قصص الرواة عن والد المتنبي , فلماذا يجزم أو يكاد أن هذا الأب وضيع؟ وهل حقا كان هذا الوالد سقاء؟ وهل يعقل أن يضع سقاء ولده في مدرسة خاصة ( أرستقراطية ) كما يخمِّن طه حسين, ومن ثم يصطحبه الى البادية كي يفصح لسانه ويقوى عوده ؟ ثم ألم تكن أسرة النبي محمد تمارس أعمال سقاية حجيج الكعبة قبل الأسلام؟ ثم أكان في وسع موسى أن يتزوج في ( مدين ) لولا ممارسته سقاية أغنام إبنتي ((الشيخ الكبير )) (5) ؟.

  أفلم يكن محتملا أن والد المتنبي كان قد طلق زوجه والدة الشاعريوم أن كان المتنبي صغيرا  ومن ثم تزوجت المطلقة رجلا آخر سواه ؟ وهوأمر كثير الوقوع خاصة اذا كانت المطلقة ثرية أو جميلة أو أنها سليلة أسرة عريقة الأنساب, أو كأن تجتمع فيها كل هذه المواصفات. وفي حالة كهذه لا يستبعد أن تترك المطلقة وليدها لدى أمها ترعاه وتتكفله لقاء توفير دار مناسبة لها وقدر ضروري من المال. فالوالد إذاً موجود , صحب ولده المتنبي أحمدَ الى البادية كي يشب قويا معافى وذا شكيمة, وذلك أمر لم يختلف فيه الرواة. إنْ لم يذكر المتنبي أباه في قصائده لاحقا ليست بمشكلة, فكثرة من الشعراء قد نهجوا هذا النهج. ثم من يستطيع الجزم أنه لم يذكر أباه أو أمه في شعره قط ؟ الشعراء  تكتب وتمزق أو تحرق وتعدل بحسب الظروف. والشعراء تحتفظ عادة لنفسها بأشعار خاصة لا تنشرها على الناس . وان نشرت بعضها فلأخص الخاصة.

وكيف يتسنى لرجل كأبي الطيب دائم السفر والرحيل أن يحتفظ بكل شعره مخطوطا؟ وما يضيع منه قد لا يتذكره الشاعر.  زد على ذلك حادثة مقتله  بالقرب من واسط في أرض العراق ونهب كل ما كان معه وما قد حمل من مال ونفائس بلاد فارس, ولا أستبعد أن يكون بعض الشعر العائلي الخاص هو الآخر قد أنتهب ومن ثم ضاع أو أصابه التلف. الوالد موجود إذاً, أما الوالدة فإنها :

1-

 تكون  قد ماتت أثناء أو بُعيد الولادة.

2-

 قتلت في حادث ما أو ماتت غرقا, والكوفة تقع على نهر الفرات حيث أنه يشكل- وما زال حتى اليوم- واسطة حيوية للنقل المائي واسعة الأنتشار.

3-

 أو أنها طلقت في المراحل الأولى لحياة الشاعر ايام ما كان طفلا صغيرا حتى أنه لا يتذكر شيئا منها البتة. بل ترك مع جدته لهذه الأم.

فإغفال ذكر الوالدين في شعر الشاعر لا ينهض ولا يمكن أن ينهض دليلا على ضعة أصل هذه الأسرة ولا على شذوذ الشاعر, كما يميل الدكتور طه حسين بقوة متبنيا نظرية علم النفس حول مركب النقص وعلاقته بالغرور والنزعة الى الأستعلاء والمبالغة. لقد تبنى هذا الخط بدون تحفظ وأندفع فيه بحماس عز نظيره, الأمر الذي أفقده موضوعية الباحث وأتزان العلماء ومن ثم أفقد بحثه حول المتنبي أصالته وأساسياته وأهميته التي يتوقعها القاريء من كاتب باحث مرموق كالمرحوم طه حسين.

أعود ثانية لحكاية مهنة والد الشاعر.

 لقد تبنى البحاثة القدماء فكرة

 اصل مهنة الحسين الجعفي

الكوفي الكندي والد الشاعر احمد المتنبي من مصدر يتيم واحد يحمل صاحبه من الحقد والإغراض قدرا كبيرا. ذاك الدليل جاء عن طريق بيتين من الشعر قالهما شويعر حاسد حاقد نكرة بالنسبة للمتنبي(6) . فأذا صح هذان البيتان فإنَّ  صاحبهما كان قد قالهما على الأرجح لا في صِبى المتنبي, حيث أنه لم يكن معروفا كشاعر مفلق يستحق شعره حسد الحساد وكيد الكائدين, بل قالهما بعد سطوع نجم الشاعر في حلب الشهباء واسرافه في تعظيم نفسه في تلك الفترة وما تلاها في أشعار من مثل :

             أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي          

  وأسمعت كلماتي من به صممُ                    

          سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا            

 بأنني  خيرُ من تسعى به قدمُ                      

أو في مرثية جدته موضوعة هذا البحث حيث قال :

          يقولون لي ما أنت في كل بلدة         

  وما تبتغي؟ ما أبتغي جلَّ أنْ يُسمى                 

       وإني  لمن  قومٍ  كأنَّ نفوسَهم         

  بها أنف  أنْ  تسكنَ  اللحم والعظما               

ومثل هذا الشعر كثير في ديوان الشاعر.

ان السقاية- لو صحت - ليست عيبا للأسباب التالية :

1-

 قد تكون لدوافع دينية من باب النذر أو سقاية عطشى زائري أئمة النجف وكربلاء. وما زال بعض الناس حتى اليوم يترك أواني وجرار الماء على قارعة الطريق ليشرب منها المارة وعابروا السبيل. وعلى هذا فأن مثل هذا الماء يسمى " ماء السبيل " وهو تعبير شائع ومعروف في وسط العراق عامة وفي مدينتي ومنطقتي كربلاء والنجف بشكل خاص. 

 ووالد الشاعر علوي شيعي

من الكوفة , والكوفة 

. قريبة من مرقد الأمام علي في مدينة النجف.

2-

 أما اذا كانت مهنة هذا الوالد السقاية فعلا كوسيلة للإرتزاق , فالأمر مشكوك فيه إذْ لا يمكن لسقاء فقير أن يضمن لولده ارتياد المكاتب أو المدارس  الخاصة " الأرستقراطية " كما يسميها طه حسين, وأن يعهد بتربيته الشيعية لمرب أو معلم خاص وأن يصطحبه الى البادية ليزيد من الأصول العربية لثقافته وشعره ولسانه. فهذا شأن ذوي اليسار من البشر وليس من شأن فقرائهم.

يتبقى احتمال آخر : هو أن والد الشاعر مارس مهنة السقاية لقاء أجور. وهنا يغلبني الظن أن هذا الرجل, ولظروف خاصة نجهلها الآن,

 كان قد انتحل هذه المهنة ستارا للتخفي ومن أجل دفع مكروه. وأعرف أناسا أضطروا لممارسة دور العميان أو أن يصطنعوا دور الشحاذين والكسيحين طلبا للنجاة من موت محقق أو هربا من سجن رهيب .

والتخفي فن قائم بذاته تجيده الحيوانات ببراعة يحسدها عليها بنوالأنسان . فالحرباء تغير لونها والأفاعي تحاكي بيئتها لونا وهكذا. أما الأنسان فقد يغير بعضا من علاماته الفارقة كأن يصطنع له شنبا أو يطلق لحية أو أن يضع شعرا مستعارا كما في عالم اليوم. كما أن بعض الهاربين من الموت أضطر للتخفي بزي النساء, كما فعل عم الخليفة المأمون ابراهيم بن المهدي كما يذكر المسعودي(7). ولعل هذا الأسلوب في التخفي كان الأول من نوعه في تأريخ التنكر والتمويه. ولقد أفاد منه أناس آخرون في حقب زمنية لاحقة.

لقد فات الدكتور الأستاذ طه حسين أمر آخر, اذ أنه يتصور أن هنالك مدارس أرستقراطية للشيعة من نمط المدارس الخاصة  المعروفة اليوم في أغلب البلدان.

 يعلم الجميع أن الدراسة في المؤسسات الدينية حتى يومنا هذا هي دراسة مجانية أولا. وأنها عامة لجميع طبقات الناس ثانيا, أي أنها لا يمكن أن تكون رفيعة المستوى قياسا الى سواها, ثم لا تمايز في أمور الدين. بل وإنها تدفع المدارس الدينية  مخصصات لطالب العلم, الأمر الذي درجت عليه مدارس وجامعات في النجف الأشرف على سبيل المثال. ولا أظن أن الأزهر في القاهرة يشذ عن هذه القاعدة . فكيف وقع العلامة الدكتور في هذا التصور الخاطيء ؟

أجل ْ , لقد ذكر المتنبي أمه ثلاث مرات في شعره المدون والمعروف. ذكرها في موضع الفخرأومخاطبا نفسه  في البيت الأتي :

          إنْ لم أذركِ على الأرماح سائلةً      

   فلا دُعيتُ ابن أم المجدِ والكرمِ                

كما ذكرها في البيت الأخر :

       أو لأم لها اذا ذكرتني       

  دمُ قلبٍ بدمع عينٍ يذوبُ                           

التزم طه حسين جانب الصمت حيال البيت الأول, في حين إعتقد أن جدة الشاعر هي المقصودة بكلمة " الأم " التي وردت في البيت الثاني. فما الذي دعا طه حسين الى هذا الإعتقاد ولِمَ لمْ يعلق على البيت الأول؟ ثم ما الذي يمنع المتنبي من أن يذكر أمه - وقد فعل - ومن أن يقصدها هي بالذات  ؟ وهوالأمر الأقرب لطبيعة الأشياء ونواميس الخلق والطبيعة وتسلسل الموجودات.

لقد فعل ذلك ( هرون ) اذ استعطف أخاه موسى بالأم " يابن أم " . فأذا كانت حجة طه حسين أن المتنبي لم يعرف أمه فما أيسر رد مثل هذه الحجة بالسؤال التالي : ومن قال إنَّ الشاعر لم يعرف له أمّاً ؟ فاذا كان الجواب لأنه لم يذكرها في ديوانه , نقول ها هو قد ذكرها في ديوانه مراتٍ ثلاث . فضلا  عن أن اغفال ذكر الشيء لا يعني عدم وجوده , وتلك بديهة. كما أن عدم رؤيتي الشيء, لبعده أو لصغره المتناهي, لا تعني عدم وجوده. فأنا لا أرى بلاد اليابان أو الصين بملايينها البشرية لبعد المسافة أولا, وأنا لم أرها لأنني لم أزرها قط. وفي كلا الحالين كلا البلدين موجود على سطح الكرة الأرضية. 

فالمتنبي إذاً قد ذكر أمه وكان في تقديري يقصد أمه فعلا وقولا وليس جدته.  ذكر أمه في الموضع الثالث في قصيدته التي مدح فيها عليا بن ابراهيم التنوخي " فكيف علوت حتى لا رفيعا " في البيت التالي :

            أمنسيَّ السكونَ وحضرموتا       

    ووالدتي وكِندةَ والسبيعا                   

وهل في الأمر بعد هذا من شك أو إلتباس أو غموض ؟ لا أرى ذلك.

  هل المتنبي وضيع الأصل ؟     


المتنبي والكندي                                      

     من المعروف جيدا أن المتنبي كان ينتسب الى حي " كندة " في مدينة الكوفة. اذ كان لكل قبيلة حيها وموقعها الجغرافي الخاص في كل مدينة. وعلى هذا الأساس كان يتم استنفار الجيوش والمقاتلين تاهبا للحروب. وكل قبيل يعد من المجندين ما يناسب تعداد أو حجم القبيلة. وعلى هذا الأساس أيضا كانت توزع الأرزاق على الجنود أي مرتباتهم . ولكل قبيلة , فضلا عن جنودها القادرين على حمل السلاح, فرسانها وقادتها وحاملوا راياتها. وما زالت منطقة في مدينة البصرة في جنوب العراق تسمى اليوم " التميمية " وهي من بقايا حي تميم الشهير في البصرة.

فأذا ما كان الأمر كذلك, فإنه لمن المحتمل كثيرا أن المتنبي قد يرجع في اصوله الى ذات أصول فيلسوف العرب يعقوب بن اسحق الكندي الذي ولد في الكوفة اصلا عام 185 الهجري في زمن خلافة الخليفة العباسي هرون الرشيد , وعاصر المامون والمعتصم والمتوكل. ومعروف أن هذا الفيلسوف الكندي هو سليل ملوك قحطان في اليمن زمن الجاهلية. ويذكر التأريخ ان أول ملوك العرب هو سبأ بن يعرب بن قحطان وهو أحد أجداد الكندي الفيلسوف. ولعلنا في هذا واجدين تفسيرا لغلو الشاعر في تمجيد نفسه أولا وقومه ثانيا :-

    لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي        

      وبنفسي   فخرتُ  لا  بجدودي                 

        وبهم فخرُ كل من نطق  الضا          

 دَ وعوذُ الجاني وغوثُ الطريدِ                 

ففي البيت الأول تعالٍ على قومه وعلى جدوده ما بعده من تعال. ولقد كنا تعلمنا في مدارسنا الأولى :

          إنَّ الفتى من يقولُ هأنذا           

  ليس الفتى من يقول كان أبي                   

وكان هذا ديدن المتنبي طوال مسيرة حياته. أما في البيت الثاني فلقد رفع الشاعر قومه الى أعلى الذرى. فهم فخر العرب وهم من يغيث المطرود والمطارد. لقد تربع الشاعر على قمة هرم ما أوسع قاعدته. والهرم بناء معماري متكامل الأجزاء بحيث لا يمكن عزل الرأس عن القاعدة.

وليس للقاعدة أي معنى بدون الرأس . صحيح إنه تعالى بنفسه أولا ولكن ليعلو ولكي يُعلي أهله وقبيله وقومه من بعد. فإذا لم يحدد المتنبي في شعره كله هوية قبيلته, وإذا ما افتخر بالقوم ففي هذا بادرة جديدة جديرة بالنظر والإهتمام. ذاك أن شاعرا طفق يتكلم بلسان قومي بدل اللسان القبلي.

فهل أن المتنبي - كفيلسوف العرب الكندي - هوسليل ملوك العرب القحطانيين ؟ اذا ملنا لهذا الإحتمال فلسوف نقع في مفارقة لا تحل الا بافتراض قد يبدو غريبا وبعيدا عن بعض ما عرف عن المتنبي. لكن ليس في تفسير التأريخ البعيد من غرائب. اني أفترض ما يلي :-

1- 

إنَّ الشاعر ابو الطيب احمد المتنبي هو أحد أحفاد الأشعث بن قيس من جهة أبيه , وهذالأشعث بالذات كان قد لعب دورا بارزا في سياق الصراع الدامي إبّان معركة صفين (8) حيث

فرض على الإمام علي أبا موسى الأشعري رئيسا لفريق التحكيم مقابل داهية العرب عمرو بن العاص رئيس فريق معاوية. ثم كان ما كان من أمر الخديعة التي وقع فيها الأشعري وخذلانه للأمام علي. يروي المبرد (9) أن عبد الرحمن بن ملجم ، الرجل الذي إغتال الأمام علياً كان قد بات الليلة التي سبقت عملية الإغتيال في بيت الأشعث بن قيس.

فإذا كان الأمر كذلك فمن أين جاء التشيع لهذا الشاعر شديد الطموحات كثير الخيبة والأمر يفترض فيه أن لا يكون ميالا الى العلويين بشكل عام, بل الى الخوارج شأن جده المفترض الأشعث بن قيس ؟

العارف لتأريخ الكوفة بالذات قد لا يجد صعوبة في الإهتداء الى جواب هذا السؤال. إنَّ أغلب خصوم الخليفة الرابع علي بن أبي طالب وخاذليه ومن أسهم في الحرب ضد إبنه الحسين من

بعده ... إنَّ  أغلب هؤلاء أضحى من أشد الناس تشيعا وموالاة لآل البيت بعد مقتل الحسين المأساوي ومعظم ذويه ومن كان معه في واقعة كربلاء . فلقد تنكر له وخانه 

رؤساء وشيوخ قبائل الكوفة بعد أن استدرجوه للمجيء من المدينة الى الكوفة لإشهار البيعة له لا ليزيد بن معاوية  خليفة على المسلمين . إذاً فلا غرابة أن يكون الجد معارضا أو حتى عدوا, في حين يكون الحفيد

مواليا ومحبا .

ان في مجرى حياة المتنبي العام ملامح واضحة تدل على شدة تأثره بالخوارج الذين سبقوا القرامطة بزمن. بل والدارس لشعر شاعر الخوارج الشهير( قطري بن الفجاءة ) يجد أثر نهج وعقيدة الخوارج في شعر المتنبي ولا سيما في قصيدته الميمية والتي يفترض طه حسين 

(4) أن الشاعر كان قد دخل السجن بعد أن قالها مباشرة آواخر عام  324  الهجري . يقول مطلع القصيدة : 

          ضيفٌ ألمَّ برأسي غير محتشمِ         

  السيف أحسن فعلا منه باللممِ                   

الى أن يقول :

         لقد تصبّرتُ حتى لات مصطبرِ        

  فالآن أقحمُ حتى لاتَ مقتحمِ                  

وأترك الأمر هذا للمختصين في تأريخ وأدب الخوارج حيث أن الوشائج متينة  ما بينهم وبين المتنبي إنْ  نسبا كما افترضنا أو عقيدة ومنهجا. أعود لسؤالي السابق : من أين جاء التشيعُ الشاعرَ ؟ الإحتمال الثاني ... 

2- 

كما لا أستبعد أن يكون هذا التشيع قد أتاه من جهة أمه. فقد تكون علوية النسب ترجع في اصولها لسلالة الحسين أو أخيه الأكبر الحسن

 وما أكثر المراقد التي يطلق عليها الناس في وسط وجنوب العراق إسم " بنات الحسن " . ويقال إنَّ الحسن كان مزواجا يهبه الآباء بناتهم

تبركا وتقربا من إبن بنت الرسول الكريم ومن آل بيته ( أنظر المسعودي- الجزء الثالث الصفحة 300 – المساجلة التي وقعت بين الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ).

وإذا لم تكن أمه علوية النسب فإنَّ إنتماءها الى (همدان ) عن طريق أمها, كما يذكر تأريخ الشاعر, يرشحها لأن تكون كثيرة الولاء لعلي وآله ( أنظر المسعودي - المصدر السابع , الصفحة 85 – الجزء الثالث )

ونساء (همدان ) كن قد أحبطن محاولة ترشيح عمرو بن سعد بن أبي وقاص أميرا على الكوفة عام 65 للهجرة بعد موت يزيد بن معاوية , بسبب كونه أسهم في مقتل الحسين بن علي في واقعة الطف في كربلاء ( المصدر السابق , الصفحة 85 ) .

وحادث مقتل حجر الكندي بأمر من معاوية هو  الآخر حدث معروف. فهذه الشخصية الكوفية المرموقة كانت معروفة بولائها للخليفة الرابع علي بن أبي طالب ( أنظر المسعودي- الجزء الثالث , الصفحة الثالثة ) . أيكون المتنبي إذاً  منتميا لهذا الفرع الكندي من جهة أبيه, ومن هنا أتى تشيعه وولاؤه لآل البيت ؟ فإذا كان الأمر كذلك لا غرو إذاً أنْ نجد شاعرا فحلا مفوَّها شديد المُكنة من لغته العربية يسرف في تعظيم قدره حد إغاظة الحسّاد من شعراء زمانه وعلماء اللغة فضلا عن الأمراء ممن كان يمدح كسيف الدولة الحمداني أمير حلب الشهباء مثلا. 

.  بقيت مسألة تلفت النظر : لم يذكر المتنبي الحسين  أو أبيه عليا في أشعاره المعروفة والمنشورة في ديوانه المتداول المعروف - وقد فعل ذلك المعري مرارا - . ورثاء الفرزدق وكثير والسيد الحميري وآخرون معروف سواء في الحسين وآله أو ذويه. فكيف نفسر صمت المتنبي عن هذا الموضوع؟ خاصة وكان آل حمدان من العلويين . لقد مدح سيف الدولة مرة فذكر آل هاشم على وجه التعميم في البيت التالي :

        جزى الله عني سيف دولة هاشمٍ        

   فإنَّ  نداه الغمر سيفي ودولتي              

كما إنه ذكر الفاطميين في مدحه لطاهر بن الحسين بن طاهر العلوي :

      كذا الفاطميون الندى في بنانهم           

  أعزُّ أمّحاءً من خطوط الرواجبِ               

ثم في مدحه في صباه لمحمد بن عبيد الله العلوي المشطب :

     قد أجمعت هذه الخليقة لي            

   أنك يا أبن النبيِّ أوحدها                 

وكل هذه الإشارات لا تعني بالضرورة أنَّ  في الشاعر ميلا لعلي وأبنائه كما تزعم بعض الروايات. أما البطن الآخر لكندة فأنه مغاير لفرع الأشعث . انه الفرع الذي ينتمي اليه أخوال بني العباس عم الرسول الكريم. فعندما أحاق الموت بعلي بن عبد الله بن العباس ( وهوجد خلفاء بني العباس السفاح والمنصور ) لم ينقذه من هذا الموت الا أخواله من كندة. فلقد أراد المسرف ( مسلم بن عقبة المرّي ) قتله عام 64 للهجرة بعد أن نهب المدينة وأعمل السيف في أهلها بامر من يزيد بن معاوية ( المسعودي - الجزء الثالث, الصفحة 71 ) في الوقعة المعروفة بوقعة ( الحرة ).

 أيكون أبو الطيب المتنبي إذاً  منتميا لهذا الفرع الحجازي من كندة ؟ وما هي العلاقة بين كندة المدينة وكندة الكوفة وكندة اليمن ؟ .