هل يمكن لأي شخص أن يكره وطنه؟!
سؤال من الصعب الإجابة عليه بتحليل مختصر مهما كان الكاتب بليغاً في التعبير، وقارئاً للتاريخ، أو شاعراً، أو أديباً، وما أكثر الشعراء الذين تغنوا بالوطن ومنهم أمير الشعراء أحمد شوقي الذي قال (وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي).
والشاعر المهجري إيليا أبو ماضي الذي غنى الوطن وناجاه في قصيدة (وطن النجوم أنا هنا حدّق أتذكر من أنا) الذي اضطر أن يحمل قلمه ويهاجر بحثاً عن كسب العيش.
لذا ليس من السهل أن يتخذ شخصاً في حياته قراره بترك موطنه الذي ولد وترعرع فيه، وشرب من مائه وأمضى طفولته مع أصدقائه، وسار في أزقته وفي ربوعه متسلقاً الروابي والأشجار، لأنه ببساطة لا أحد يمكنه أن يكره وطنه ويبتعد عنه، ولكن عندما يقرر هذا الشخص هجرة وطنه علينا أن نسأل أولاً وأخيراً ما السبب؟ ومن أجبره على الرحيل؟
الجواب بكل بساطة أن المتسلطين على رقاب البلاد والعباد هم الذين أجبروا ذلك المواطن على هجرة وطنه ومسقط رأسه، حاملاً على ظهره ذكرياته بحلوها ومرها، رامياً بنفسه في بحور الظلمات إلى المجهول، لأنه لم يعد له مكاناً في وطن الأهل والآباء والأجداد وهو يرى بعينيه كيف تتم عملية اقتلاع أبناء الوطن من جذورهم واستبدالهم بغرباء إن في لبنان أو في سورية أو في العراق، حتى الذين لم يجبروا على الهجرة من وطنهم فعلياً، فهم تعرضوا للتهجير من أرضهم وباتوا يعيشون غرباء في وطنهم.
ان مأساة المواطن والوطن يتحمل نتائجها تجار الكلام الذين نهبوا خيرات البلد وأموال المواطنين، خاصة المتسلطين على رقاب البلاد والعباد الذين هم في سدة المسؤولية ومعهم النواب والجماعات المختلفة في آرائهم حول كيفية تحصين البلد ويتبارون عبر وسائل الإعلام والفضائيات على تعريف الأسباب التي أدت إلى تدهور الأوضاع وانهيار البلد، وفي النهاية يتفق البعض منهم على تحميل مسؤولية ذلك على التدخلات الخارجية، دون أن يجروء أي منهم على تحميل نفسه ودوره في التبعية وتخريب البلد وتدميره، والبعض منهم أيضاً يدعو إلى طاولة حوار لإنقاذ البلد، ويضع شروطه للحوار التي لا تتفق مع الطرف الآخر! فكيف يمكن أن يتفقوا على طاولة الحوار!
لذلك أقول أن المتسلطين على رقاب البلاد والعباد شاطرين بالفبركات وكثرة الكلام لأنهم فعلياً هم صهاينة الداخل، وبأفعالهم وأقوالهم وتصرفاتهم يرددون أسطوانتهم المشروخة عن أسباب تردي الأوضاع وهي الوسيلة الأسهل كي يتهربوا من تحمّل مسؤولية ما آل إليه حال الوطن والمواطن من فقر وجوع وتدمير للاقتصاد والانهيارات الاجتماعية بسبب نهبهم لخيرات البلد وسياسة المحاصصة التي يتبعونها.
يكفي أن يمر رئيس الوزراء أو رئيس المجلس النيابي أو رئيس الجمهورية، أو أي نائب أو وزير بالقرب من أي سفارة غير عربية ليرى الصفوف الطويلة من الموطنين، الذين قتل فيهم أولئك المتبوئين سدة المسؤولية طموحات المواطن وأحلامه، وجعلوا من هذا الجيل، جيلاً كافراً بوطنه.
وكفى ترداد أن الوطن في حاجة إليهم! إن هؤلاء المواطنون يريدون وطناً لا يجوع فيه إنسان ولا تهان كرامته على أبواب السرايات والدوائر الحكومية، إنهم يريدون وطناً لا يموت فيه المريض الفقير أمام أبواب المستشفيات، إنهم يريدون وطناً تتوفر فيه فرص العمل من دون الاضطرار إلى دقّ باب هذا الزعيم أو ذاك المسؤول للحصول على عمل.
وليتذكر هؤلاء أنه لا حكم ولا سلطة ستدوم، وليتذكروا كيف كانت نهاية نيرون روما، فغداً وهو قريب سينتهي عهد الظلم والطغيان مهما طال الزمن، وأن غداً سيكون يوم آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق