يَسُوعُ فادِي البَشَر/ الدكتور حاتم جوعيه

                                                   


                                                                   

     ( " قصيدة نظمتها بمناسبة عبد الميلاد المجيد " )                   


إلهَ   السَّلامِ   فَدَيْتَ   البَشَرْ         بعيدِكَ  يفرَحُ   حتى  الحَجَرْ       

فأنتَ  المَلاذُ  وفيكِ  المَآلُ          وأنتَ المَحَبَّةُ  ، أنتَ  الوَطرْ    

وَلولاكَ ما كانَ في الأرضِ عَدْلٌ          ولم  نُبْصِرِ الشَّمسَ ..لا  والقمَرْ    

بدَونِكَ  كنا  ضِيَاعًا عِطاشًا        يَسوُدُ  الأسَى ، والضِّياءُ  انتحَرْ   

فجئتَ  تبثّ   نشيدَ  السَّماءِ        وَمعنى الخلودِ وأسْمَى الدُّرَرْ   

تَوَاضعتَ.. ذُلَّ الصَّليبِ احتضَنتَ        وأنتَ   الإلهُ   العظيمُ   الأبَرْ   

توَاضَعتَ ... دربَ  الفداءِ  مَشَيتَ       نزلتَ إلى العُمقِ .. تحتَ الحَفَرْ  

وَقمتَ وكانَ  انتصارُ الحَياةِ       وإبليسُ ...والشَّرُّ  منكَ  اندَحَرْ      

سَنكرزُ باسمكَ  في كلِّ أرض ٍ       بإنجيلِ   حقٍّ   سَمَا   وانتشَرْ   

ففيكَ   تُحَقَّقُ   كلُّ  الأماني        مَحَوْتَ الذنوبَ  وَعَهدًا  عَبَرْ   

وَجئتَ  بعَهدٍ  جديدٍ   وَديع ٍ        يكونُ  الخلاصُ  لكلِّ  البشَرْ   


حَمَلتَ العذابَ وأنتَ  الإلهُ         وَمُبدِعُ  هذا الوجودِ  العَجيبْ    

وَسِرتَ إلى الموتِ في كلِّ حزنٍ          وذقتَ الإهانةَ ... ذُلَّ الصَّليبْ     

وقمتَ لأجلِ  الخطاةِ   جميعًا         لأجلِ  خلاصِ  جميع ِ  الشُّعوبْ  

"بجُلجُثةٍ  "  كانَ  خطبٌ عَصِيبٌ         بذلتَ  دِماءَكَ  فوقَ  الصَّليبْ    

وَحَلَّ الظلامُ  وَشُقتْ  قبُورٌ        وموتى صَحَوْا.. كانَ يومٌ رهيبْ  

وَقُمْتَ منَ الموتِ رَبًّا عظيمًا         قهَرتَ   المنايا   وزالَ   النحيبْ   

تَحَققَ   ما   قالهُ    الأنبياءُ         وكانَ الرَّجاءُ  بكلِّ  الدُّروبْ  

فأنتَ خلاصِي وفيكَ انتعاشِي         وأنتَ  يَسُوعِي إلهي  الحَبيبْ   

ففي كلَّ  داءٍ  تكونُ الدَّوَاءَ         فأنتَ المُدَاوي وأنتَ  الطبيبْ   

جراحُكَ بلسَمُ  كلِّ الجراح ِ        تزيلُ المَصَابَ وَهَمًّا عَصِيبْ     

 

بميلادِكَ اليُمْنُ...عَهدٌ جديدٌ         وَتقويمُ   كلُّ   الدُّنى   والأمَمْ    

عَليهِ استنارَتْ جميعُ العبادِ         وفيكَ الشُّعُوبَ  عَلتْ   للقِمَمْ     

وَيومَ  وُلِدْتَ  ملائكةُ   اللّ          هِ  بالحَمدِ  كم رَنّمَتْ من َنغَمْ   

وَجاءَ الرُّعاةُ  رَأوْا مَوْلدَ  الرَّ          بِّ  في مِذوَدٍ ...حَمَلا   للنّعَمْ    

مَرَرْتَ  بكلِّ  التجاربِ  لما        ترَعْرَعْتَ  من  دونِ  إثمٍ   وَذمْ   

وَقدَّمتَ  نفسَكَ  نبعَ الخَلاص          ذبيحَةَ    فِدْي ٍ  لِتحيي   العَدَمْ    

صَنَعتَ العَجائبَ ما من  نبيٍّ          يُجَاريكَ  في  الفعلِ   ثمَّ   الكرَمْ   

لأنكَ  أنتَ   الإلهُ   العَظيمُ         مَسيحُ الخَلاصِ   تُزيلُ  الألمْ   

وَقدُّوسُ .. قُدُّوسُ .. رَبُّ الجُنودِ      تسَرْبَلتَ  بالنورِ ... تمْحُو  الظلمْ       

وأنتَ  البدايةُ ،  أنتَ  النهايةُ         .. فيكَ  الوجودُ  ابتدَا  وارتسَمْ   


اقترابُ سقوط ِ نظام ِالدكتاتور ِالطاغية بَشَّار الأسَد/ الدكتور حاتم جوعيه

      


( لقد كتبتُ هذه المقالة  قبل أكثرمن 12 سنة عندما اندلعت الثورات في سوريا آنذاك للإطاحة بنظام الدكتاتور بشار الأسد، ولكن نظامه القمعي والفاشي بقي طيلة هذه المدة حتى تمكن الشعبُ الثائر ضدَّه مؤخرا من الإطاحةِ به والقضاء نهائيا على حكمه القمعي ) .

(( ملاحظة :هذه المقالة الجريئة والصادقة  لم تُعجب بعضَ المأجورين المتخاذلين والعملاء والإمعات من عرب الداخل آنذاك المؤيّدين لنظام البعث الفاشي، وهم معروفون للجميع بمواقفهم السياسيّة المشينة )) .

  

        إنَّ حادثَ الإنفجار الذي وقعَ ظهرَ يوم ِ الأربعاء ( 18 / 7 / 2012  )  في مبنى الأمن القومي  في العاصمة  دمشق  ( أهم معاقل قيادة جهاز الأمن السوري )  والذي  ُقتلَ  فيهِ وزير الدفاع  السوري " داود  راجحه "  ونائبهُ  " آصف شوكت " ووزير الدفاع  السَّابق " حسن التركماني "... في المدينة العاصمة التي  يتمركزُ  ويتحصَّنُ  فيها  الطاغية ُ بشَّار الأسد  يُؤكِّدُ  ويُثبتُ للجميع ِ أنَّ نهاية َ حكم ِ  نظام ِ  البعثِ السُّوري  قريبة ٌ  جدًّا  وأنَّ  المُقاومة َ  السُّوريَّة َ والجيشَ السُّوري الحُرّ الثَّائر ضدَّ نظام ِ الطاغية ِ ( الأسد ) أصبحَ بإمكانِهما  إصابة جميع ِالأهدافِ والمواقع  والثكنات العسكريَّة وأهمّ  معاقل بشَّار الأسد .. وحتى في عقر ِ دارهِ . لقد انتهجَت المُقاومة ُالسُّوريَّة والجيشُ السُّوري الحُرّ أسلوبًا وَمنحًى جديدًا في الكفاح ِ وانتقلوا من دورِ الدفاع ِ عن المدنيِّين العُزَّل وحمايةِ المضاهرات والمسيرات  السلميَّة  في المدن والقرى السُّوريَّة إلى دورِالهجوم والإشتباك ِالمُسلَّح بشكل ٍمُباشرمع الجيش ِالنظامي السُّوري – جيش بشَّار -  وضربهِ  في أهمِّ  مواقعِهِ ومعاقِلهِ ، وباتَ واضحًا  للجميع  هشاشةَ ُ هذا  النظام  وضعف أجهزة ِ  دفاعهِ  ومخابراتِهِ  وشَبِّيحتِهِ  مع  كلِّ  جبروتهِ   وطغيانِهِ  وظلمِهِ  وبطشِهِ  الرَّهيب  بالمواطنين   والناس  العُزَّل والأبرياء من نساءٍ وأطفال ٍ وشيوخ ٍ  . 

      وممَّا يُثيرُ الإستهجانَ  والإستغرابَ والضحكَ  تعليقاتُ بعض ِ المُحَلِّلين السِّاسيِّين السُّوريِّين  المُوَالين لنظام ِ الأسد وتعليقات وزير الإعلام السوري  - بعد حادث الإنفجار -  وغيرهم ...  حيثُ  يدَّعونَ  أنَّ  كلَّ  ما  يحدثُ  في سوريا  من  هَبَّةٍ  جماهيريَّةٍ  جبَّارةٍ  وثورةٍ  شعبيَّةٍ عارمةٍ  ضدَّ  هذا النظام ِ  وفسادِهِ  وظلمهِ  وبطشِهِ   بالمُواطنين  هوَ  مؤامرة ٌ أمبرياليَّة ٌ  صهيونيَّة  -مؤامرة ٌ : تركيَّة ٌ وعربيَّة ٌعميلة ٌ وإسرائيليَّة  تستهدفُ نظامَ البعث السُّوري القومي التقدُّمي  والوطني  قلب العروبة النابض  الذي  يُكافحُ  ويُناضلُ  من أجل ِالعروبة ِوالقضايا والحقوق ِ العربيَّة  وتحرير الأراضي المحتلَّة  ( كما يدَّعونَ )   .  ويصفونَ حادثَ الإنفجار ِ على أنَّهُ عمليَّة ٌ إرهابيَّة  مُدبَّرة من أعداء ِ الامَّةِ  العربيَّة ومنَ الجهاتِ العربيَّة العميلة ... وأنَّ  الذينَ  قتلوا  في هذا الإنفجار ِ هم شهداء  وأبطال مناضلون  .  

 وكأنَّ الذينَ قتلوا أو بالأحرى استشهدُوا ظلمًا وعدوانا ً  ( أكثر من عشرين ألف مواطن سوري منذ ُ بدايةِ الثورةِ إلى الآن ) على أيدي الجيش السوري النظامي والشَّبِّيحةِ  الفاشيِّين عصابات  بشَّار ..  أولئكَ الذين يَتلقُّونَ الاوامرَ مُباشرة  ً من  بشَّار الأسد  والقيادة  العليا  في  حزب  البعث ، مثل :  وزير الأمن  ورئيس  قسم  التحقيقات  في  جهاز  المخابرات السوري  اللذين قتلا  في  هذا  الحادث  ، وهذان  الأخيران  تقعُ  عليهما  المسؤوليَّة ُ الكبرى  في كلِّ ما حدثَ من  مجازر مُرَوِّعةٍ  بحقِّ  الشَّعبِ الأعزل  والناس الأبرياءِ ... فكأنَّ كلَّ  هؤلاءِ  الناس ِ المدنيِّين الذينَ  ُقتلوا في  سوريا  ظلمًا  ليسوا بشرًا ... كأنَّهم دجاجٌ  أو قطط ٌ  وفئران - كما  كانَ ينظرُ القذافي لشعبهِ ... بل  لا قيمة َ لهم  إطلاقا ً ... هكذا  يبدونَ  في نظر ِالقيادةِ  والمسؤولين  في  النظام  البعثي السُّوري القمعي الفاشي  وفي  نظر ِ المُوالينَ  لهم  وكلِّ   من يُؤيِّدُهُم  سواءً : عربيًّا  أو أجنبيًّا  أو محليًّا  (عندنا  في  الدَّاخل ِ)  . 

            ويُحاولُ الإعلامُ السُّوري المُوالي للأسدِ  والمسؤولون العسكريُّون  والمُحلَّلون السياسيُّون  وغيرهم   بجميع ِ  إمكانيَّاتِهم  وأجهزتهم  وبلطجيَّتهم  أن  يُزيِّفوا الحقائقَ  والواقعَ   فلا  يعترفونَ  أنَّ   شعبًا  مظلومًا  ومُضطهدًا  ومقموعًا  على مدار ِ أكثر من  أربعينَ  سنة  يقومُ  بثورةٍ  إنسانيَّةٍ  قبلَ  كلِّ شيىءٍ  من  أجل ِ لقمة ِ العيش ِ الشَّريفة  والكرامةِ  حيثُ  هبَّ  الجميعُ   في سوريا   بعدَ  أن   تفاقمَ  الظلمُ  وطفحَ  الكيلُ   هبَّة َ رجل ٍ  واحدٍ   ليتحرَّروا من   العبوديَّةِ   والإضطهادِ  والإذلال  وليزيحوا  عن  كاهلِهم   نيرَ  الظلم ِ والإستبداد ... ليتحرَّروا من ظلم ِ الطاغية ِ بشَّار ِ الأسد  ومن نظامهِ الأسود العفن ولينالوا حرِّيَّتهم  المنشُودة َوليُحقِّقوا  العدالة َ والمُساواة َ ولينعمَ الجميعُ بالأمنِ والطمأنينةِ  بعدَ عقودٍ طويلةٍ من  القهر ِوالحرمان  والألم  والمُعاناة .

   إنَّ  لكلِّ  شيىءٍ  في هذهِ الحياةِ  بداية ٌ ونهاية ٌ،  والظلمُ  والإستبدادُ  مهما طالَ   فلهُ  نهاية ٌ أيضًا   وقد  اقتربتْ   نهاية ُ هذا  الطاغية  الفاشي المأفون " بشَّار الأسد "  وستشرقُ شمسُ الحريَّة ِ على ربوع وروابي  سوريا الأبيَّة  وسيُثبتُ الشَّعبُ السُّوري الأبيُّ  الذي قاوَمَ  على مَرِّ التاريخ  جحافلَ  الغزاةِ   والمستعمرين  وصَدَّها  وحاربَ  دُوَلا ً  كبرى  وانتصرَ عليها  في  معارك مشرِّفةٍ وحاسمةٍ   مثل  فرنسا  وغيرها  أنَّ  الحُرِّيَّة َ والعدالة َ  دينهُ  وديدنهُ   وباللهِ إيمانهُ ومتَّكلهُ  ولن يخضعَ ولن يركعَ  سوى  لخالقهِ   وأنَّهُ  يأبى الظلمَ والإضطهادَ .. وقادرٌ أن يدحَرَ المارقَ المأفونَ والزنديق المعتوه بشَّار الأسد عدوَّ  اللهِ  والدين  والإنسانيَّة  وطغمتهُ وعصابتهُ  المُجرمة  ويُسقِط َ  نظامَهُ  ويُنظِّفَ الوطنَ والترابَ السُّوري منهم ومن  كفرهِم ورجسِهم  ... وسيتنفَّسُ الشَّعبُ السُّوري أريجَ الحريَّة والكرامةِ والإباءِ بعدَ زوال هذا النظام  الفاشي القمعي والعميل  . 

         وأمَّا لأولئكَ القومجيِّين  المُزيَّفين المُستكتبين المُتشَدِّقين  والمُتبَجِّحِينَ  بالتقدُّميَّةِ  والمبادىءِ   وبالنضال ِ المزعوم   من  عرب  الداخل  ( أل 48 ) الذينَ  يُدافعونَ  دفاعَ   المُستميتِ  عن  نظام ِ   بشَّار ِ الأسدِ  الفاشي  ( أسوأ وأقذر نظام  عرفتهُ  الأمَّة ُ العربيَّة  والتاريخ ُ العربي  منذ  الجاهليَّةِ  الأولى إلى  الآن  )   فأقولُ  لهم  :   بشَّارٌ   وطغمتهُ  الفاسدة  المُجرمة ُ وأنتم   إلى  مزبلةِ التاريخ   .  وكلُّ من يُدافعُ عن  المجرمين والإرهابيَّين والدكتاتوريِّين الطغاة الذين يقتلونَ الناسَ المَدنيِّين العُزَّل والأبرياء والنساء والشيوخ العُجَّز والأطفال وَيُؤيِّدُهم في المجازر الوحشيَّةِ التي يرتكبونها هو شريكٌ لهم  فيما يرتكبون  من  أعمال ٍ فضيعة  وآثام ٍ وجرائم  رهيبة  ضدَّ  الانسانيَّة  والقيم  والمثل ِ والأعرافِ  والنواميس السماويَّة  وضدَّ  مشيئةِ  اللهِ  الخالق  الباري  جلَّ جلالهُ ربِّ السماوات والأرض وضدَّ  أنبيائهِ ورسلهِ الذينَ نادوا بالمحبَّةِ والسَّلام ، فاللهُ  نورٌ  وَمَحبَّة ٌ وسلام  .  وقد قالَ  رسولُ السَّلام السَّيِّدُ المسيح عليهِ السَّلام : (( طوبى لصانعي السَّلام ، لأَنهم أبناءُ اللهِ  يدعون  .   طوبى للودعاءِ لأَّنَّهم  يرثونَ الأرض .   طوبى  للحَزانى ، لأنَّهم  يتعزّون ))  .

  وأمَّا هذا الكافرُ المَكَّارُ بشَّار فقد عَاثَ في البلادِ  فسادًا وخرابًا وَظلمَ العبادَ واستباحَ الحُرمَات  ونشَرَ الموتَ والدَّمار بينَ أبناءِ  شعبهِ ... وها هُمُ جنودُهُ وشبِّيحتهُ الآن  فبَدلا ً من أن  يكونوا حُماة ً للديار فهُم  حُماة ٌ للخزي ِ والعار  وللنذل ِ المأفون ِ بشَّار ويقترفونَ كلَّ  المآبق ِ والجرائِم  البشعة  التي تقشعرُّ لها  الأبدان  وتشيبُ  لهَوْلِهَا  الولدان  من  قتل ِ الرجال  والاطفال  والشيوخ  واغتصاب النساء وارتكاب مجازر جماعيَّة وتصفيات لعائلاتٍ بأكملها دون ذنبٍ.. وهدم  منازل  وحرق  ممتلكات  وبيوت ، فعليهم  وعلى  بشَّار ٍ لعنة ُ اللهِ إلى يوم ِ الدين . وكلُّ  مَنْ  يُدافِعُ عن بشَّار ونظامِهِ الدكتاتوري فهو مثل الذي يُدافعُ عن هتلر وموسيليني أو القذافي فجميعهُم طغاة ٌ سَفَّاحُون وسفَّاكوُ  دماء ... وأقولُ  وأكرِّرُ:  إنَّ  أولئكَ  الذين  مع المعتوهِ  المأفون بشار الأسد ويدافعون عنهُ  فهم  أعداءُ الضمير ِ والإنسانيَّةِ  والسلام وأعداء الله  والدين والحقِّ .   ولو  كانَ  هنالكَ  على الأرض  عدالة ٌ  إنسانيَّة ٌ  مُطلقة ٌ وكاملة ٌ  َلحُوكِمُوا كقتلةٍ  ومجرمي حرب... ولكن هنالك عدالة ٌ سماوية ٌ إلهيَّة ٌ كاملة ٌ لا  تنسَى  أحًدا  وتجازي   كلَّ  إنسان ٍ  حسب  ما   يعملُ  وما  تقترفُ  يداهُ  وما  تخفيهِ  َطويَّتُهُ من رجس ٍ ومُكر ٍ وشرٍّ   .

                        

همسات مع المشاعر والأحاسيس في صدى الصرخات/ زياد جيوسي




   صدى الصرخات.. ديوان شعر للشاعرة سعاد بيكة الشاعرة المغربية الرقيقة وذات المشاعر الحساسة والرهيفة، صدر في المغرب في عام 2024 من 94 صفحة من القطع المتوسط، ولوحة غلاف من تصميم اوبحامو الحسين، تصور امرأة رسمت باللون الأسود وكأنها ظل لامرأة بدون أن يظهر أي من ملامحها وتحني رأسها للخلف وتصرخ، وهي تقف في منطقة لونها أشبه بلون الصحراء والأفق مع السماء باللون الأزرق الداكن ولا تظهر في الأفق إلا بعض الألوان الحمراء وكأنها نيران مشتعلة، والغلاف الأخير تعريف بصاحبة الكتاب وصورتها، والاهداء كان لوالدتها ووالدها وابنها، وعرفت الكاتبة على كتابها بمقدمة جميلة قالت في عبارة منها: "إذا لم أستطع أن أدهش القارئ بما أبدع بشكل عام فليس هناك شعر ولا زجل"، والكاتبة عرفتها من خلال ما كنت اقرأ لها على صفحتها في صفحات التواصل الاجتماعي، وكان يلفت نظري مدى حساسيتها واعتزازها بنفسها ورقتها في كلماتها، فجمعنا القلم عبر الفضاء الافتراضي وتبادل الملاحظات ووجهات النظر، وأسعدتني بطلب تقديم كتابها "صدى الصرخات"، ورغم الظروف التي نمر بها في فلسطين المحتلة وتعرضي لحالات صحية متعبة مع تغير الجو وسفري المتكرر، إلا أني وافقت على ذلك وشعرت بفرح وأنا أقرأ ما باحت به روحها من نصوص نثيرة ممتعة وجميلة، وهذا ما يمكن أن نلاحظة في كافة نصوصها بدءًا من "برهة خاطفة" وصولا الى "خلخلة التمني"، فالكاتبة في شعرها النثري وما أسميه "نصوص نثيرة" حفلت بالفكرة والجمال.

    وفي هذا المقال سأمر على بعض نصوص الكتاب ومحاوره التي كتبت بها الكاتبة، فهناك فارق بين توطئة كتاب وبين قراءة نقدية من حيث الأسلوب ومساحة الكتابة لكل صفحات الكتاب من الغلاف للغلاف، وقبل ذلك أشير للعنوان فالصدى لغويا له معاني متعددة ولكن هنا يعيدنا العنوان للمعنى اللغوي الأقرب للعنوان وهو الصوت الذي يرتد اليك بمثل صوتك في الجبال، فهنا سنجد صرخات الشاعرة ترتد اليها وتسمعها هي وحدها، وهذا ما هو واضح في صورة الكتاب فالمرأة تقف في الفلاة وحدها وتصرخ ويرتد لها صدى الصرخات، فهل هناك من يسمع صرخاتها أو حتى صدى صرخاتها غيرها؟ هذا ما سنراه مع الشاعرة في ديوانها الشعري النثري الأول فلعلنا نسمع معها صدى الصرخات، حيث سنجد الشاعرة باحت بنصوصها في عدة محاور أساسية ومنها:

  الألم والحزن: وفي النص الأول في الكتاب "برهة خاطفة" سنجد كماً كبيراً من المشاعر الانسانية حيث أن هذه البرهة الخاطفة أتت ورحلت بسرعة لكنها تركت أثارها النفسية بقوة حيث تقول الكاتبة:"برهة خاطفة رحلت، وتركتني بكماء، صماء، أعاود تفاصيل الحكاية"، حيث نلاحظ مدى حساسية الشاعرة للألم ومشاعر الحزن بحيث أن اللحظة والبرهة الخاطفة التي قالت عنها في بداية النص: "برهة خاطفة، ذكرتني، أفاقت أوجاعي، بذكريات مؤلمة"، وهذا الألم والحزن يثير لدى القارئ تساؤلات عدة وأهمها: أليس في حياتها ذكريات سوى الحزن والألم ولا يوجد لحظات فرح تتذكرها فلا تتذكر سوى الألم؟ ويبقى هذا التذكر قائما حتى لو أن البرهة كانت خاطفة وسريعة ورحلت؟ وهذا الحزن ما تؤكده بقولها: "إنه الصبح، صبح بلا فجر، ويوم من يوميات، حزن معتاد"، ونرى الحزن يتجدد في نص "درب المستحيل" حين تبث ألمها وتقول: "فأحتار، حين يسكن الشوق، في درب المستحيل، ويكاد النبض يتوقف، وأنهار..".

   التمرد والاصرار: بينما في نصها "ضجة العبث" نجد مشاعر الاصرار تتجلى في النص بقوة ويليها المشاعر الانسانية حيث تقول: "وأحلام تنجز في وطن، المرارة، بعزم وإصرار"، ورغم المعاناة "وأحلام وردية ضائعة" نجدها في نهاية النص تتألق بمشاعر انسانية راقية تدلل على روحها وفكرها فتقول: "واتركيني في وطني المختار، وطن، كل الجنسيات فيه تذكر"،   بينما في نص "يا بحر" تؤنسن البحر وتتحدث اليه وتقول: "أنا شبيهتك يا بحر، ومثلك حين تثور"، وفي نص "سيدتي" وهو على الأغلب على لسان ذكر تقول: "ناضلي سيدتي، كسري القيود، تجاوزي القمع، والخوف، والتجاهل، لا تترددي"، ورغبتها في التغيير في نصها "عالمي المختلف".

   المجتمع ومشكلاته: حيث نجدها تعالج بعض القضايا الاجتماعية وهذا ما نجده في نص "ما بعد الصمت" والذي أوردته على لسان ذكر يخاطب امرأة: "ما بعد الصمت، قلت لها أحبكِ، تجاهلتني، واكتفت بالصمت"، فهو هنا يمارس ذكوريته ولا يحترم صمتها وموقفها حين تجاهلت تصريحه بالحب، ولم يقدر ولم يحترم أنها ربما مرتبطة  بمشاعرها بغيره، فلم ترد عليه ولم تناقشه فاعتبر موقفها عجرفة فقرر أن يثأر لذكورته وليس لرجولته فهذا ليس بسلوك رجل فيقول: "فأقسمت، أن أقتحم دربها"، وفي نصها "سراب مبعثر" سنرى فيه حالة من رؤيتها الأشياء كسراب مبعثر يختلف عن السراب الذي يراه السائر في الصحراء فيظنه ماء من البعيد وحين يقترب منه يجده وهما سببه انعكاس الشمس، فهنا ترسم لنا الشاعرة صورة عدة ولكنها تراها سراباً مبعثراً وقد تكون جوانب منها حقيقية وليست وهما، فهذه الصور التي تراها وتشعر بها تجعلها تتساءل بنصها: "الفضاء الحزين" بمشاعر صادقة أمام ما تراه  فتقول: "لكن، الى أين المسير، إلى البحر الهائج، أم إلى الغدير".

   وحين نتجول في النصوص نجد مشاعر مختلفة مثل رفض الواقع السلبي في نص "زمن العجز" حيث تقول بعد استعراض كل الصورة السلبية والمظلمة في المجتمع الذي يحيط بها: "أما أنا، فليس لي في دنيا الطغيان، كلمة ألقيها"، وفي نصها الجميل "رعشة قلب" تقول: "لكن الأرض تدور، وتدور، لذلك جعلت الدموع، مدادا، وريشتي رعشة قلبي، تكتب السطور"، وفي نص "غضب" تعري المجتمع بوصفها إياه: "زمن الصرخات، والعبودية، وقهر النفوس"، وتكمل تشريح المجتمع بنصها "ماذا عساني أكتب" بالقول: "أحلام في دروب القمع، تحتضر، ومن يوميات حزن، لا ينتهي، ماذا عساني أكتب"، بينما في نص "عبء مدمر" نجدها تتحدث عن الصراصير التي تملأ المجتمع في إشارة للفساد بينما تشير للورود التي تظهر فوق الكثبان الرملية في اشارة لقوى التغيير فتتساءل: "أتقتل الصراصير؟ أم تقطع أجنحتها؟"، وتواصل الحديث عن قضايا مجتمعية في نصوصها ومنها "الزمن الحزين" و"تخريب النفوس" و"أسدلوا الستائر" و"الخديعة"، لتختم عشقها في نص "خلخلة التمني" بقولها: "معا مجانين، على إيقاع العشق المعذب".

   الحب والعشق والفراق: والقارئ سيلاحظ هذه المشاعر الانسانية الراقية في العديد من النصوص، فنجدها في نص "حلاوة المجد" تعود من جديد للحديث على لسان ذكر يعشق المرأة فتقول: "تدللي يا سيدة النساء، واشربي من نخب الهوى، ما يكفيك" ، وتتألق بمشاعر الحب والعشق بنص ممتع الصور وهو نص "موطن العشق" فتقول فيه بعد أن وصفت مشاعر حبها الكبير بصور مرسومة بالكلمات: "عشقت فيكَ، ما لم تعرفه النساء، أتلذذ بسحر جنونك، وأمتطي بساط العشق، وفي أعماقك أنام، ولا أستفيق"، فتخيلوا معي كم هو حب وعشق رائع وصفته بهذه الكلمات والصور وعلى مساحة النص وليس هذه الشطرات فقطـ، وهذا العشق يتكرر أيضا في نص "بلاد الجنة"، ويشتد الحب في نص "تتوقف كلماتي"، ونجد عمق مشاعرها تجاه أمها في نص "أمي" وهي تخاطبها من خلال نص حافل بمشاعر المحبة للأم بالقول في مقطع منه: "يا قطرة الندى، ونور، به أبصر أمي".

   وتجدد سعاد بيكه الحديث عن العشق في نص "سلطان الهوى" فتقول: "فيا عاذلي، في العشق لا تسأل، وسجل حبي له، فيك للأزل"، بنما نراها في نص "حب عذري" تقول: "أعود من جديد، ليحملني الشوق والحب إليك، عبر الأنفاس كلها"، وفي نص "خليلي" يتجلى العشق بقولها: "ذاك الشرود، في حب فاتن مغري، مجنون، فأسكر أنا، بلذة العشق"، وفي نص "رعشة قلب" تقول: "ألا أنني عاشقة الدنيا، أهيم في بحر العشق، واللقاء"، ويستمر الحديث عن الحب والعشق في نصوص مختلفة منها: "ذكرني بإسمي" و"دمعتي" وبساط العشق" و"بَعدك"، بينما نص "الوطن المفقود" نجدها تنتقل للفراق فتقول: "كان حلما وألما لا ينسى، لقد كنت أحفر في أرض بور، لعلها تنبت شيئا"، وكذلك نرى الفراق في نصها "قدر محتم" بالقول: "سنفترق، من أجل غيرنا، ونحترق".

   الوطن: والوطن لم يفارق روح الشاعرة سواء وطنها الذي تعيش فيه أو الوطن المحتل البعيد أو معاناة الشعوب، فتقول في نص "عبء ثقيل": "هات لا تنسى أو أتناسى المشهد المثير، والمسيرات الحاشدة والتقصير، طوبى لشعب مناضل يخلق الأحداث، ويكمل المسير"، ونراها في نص "وطن العشق" تقول: "ما عهدت، أن للعشاق وطن، تجتمع فيه باقي، الأوطان"، وأيضا تعبر عن حب الوطن في نص "أرض الشهداء" حين تهمس: "وأداعب جبيني، بتربة الأرض الصامدة، فأغطيها، بأوراق الزعتر والزيتون، والبرتقال"، وفي نص "وطن الأحرار" كانت تحلم وتسعى إلى وطن: "لا تغرب فيه الشمس"، وتعلو بصوتها بمشاعر انسانية برفض التمييز العنصري ومعاداة أصحاب البشرة السوداء في نص "أفيون الشعوب" بالقول: "إنسان أنا، ولي حلم وقضية، أن تسقط معاداة السود".

   في النهاية سنرى أن كل نص نمر عليه في صدى الصرخات نجد مشاعر مختلفة وأفكار متنوعة تدلل على مدى رحابة أفق الكاتبة وحجم مشاعرها، ومثال لذلك نصها "رعشة قلب" ونصها "وطن العشق" ونصوص متعددة أخرى ومنها "أحلام مقيدة"، وهذه المشاعر والأحاسيس تتكرر في المحاور التي أشرت اليها وفي كافة النصوص ومما لفت نظري لجوء الشاعرة سعاد بيكه لتقمص شخصية الذكر في العديد من النصوص في كتابها، ورغم أن الديوان كان بحاجة لمراجعة بعض الأخطاء الطباعية التي سقطت سهوا، إلا أني وجدت أنها تبحث في قضايا مختلفة تشير لانصهارها بمحيطها وتجارب حياتية، فنلاحظ جمالية الصور الشعرية والتعابير العاطفية وجمالية التعبير، ومعاناة الانسان والألم والحزن ومشكلات المجتمع وعشق الوطن والحب والتمرد بأسلوب سهل يلامس الروح، وهنا سنلاحظ قدرة الشاعرة على البوح بمشاعرها والتمرد والإصرار في روحها، إضافة للوطن ومشكلات المجتمع والحب والعشق والفراق والألم والحزن، فقلمها وروحها تفاعلت مع ما حولها من بيئة ومجتمع، فعكست هذه الهموم وتمردت عليها، بأسلوب شعري حافل بالأحاسيس والمشاعر والعمق، بحيث لم تخل نصوصها من الاستعارات والتشبيهات بعيدا عن التعقيد مع المحافظة على سلاسة اللغة، ونلاحظ الثنائية في نصوصها، فهناك الحب وهناك الفقد، وهناك الألم وهناك الأمل، وهناك الفرح مقابل الحزن، والتمرد ورفض الخنوع وهذا ما نراه كمثال في نص "الوطن المفقود" حيث ترتفع نغمة الأنا والاعتزاز بالذات، والدعوة للتمرد والثورة في نص "سيدتي"، ويرتفع مستوى الحلم والرغبة في التغيير في نص "مساحة العشق"، والشاعرة من خلال انصهارها بمجتمعها أضفت على الديوان روح الانتماء، حيث ظهر بوضوح ارتباطها بجذورها ووطنها والقضية الفلسطينية إضافة للروح الإنسانية والتمرد على الظلم ورغبتها في التجديد، فكان ديوانها "صدى الصرخات" عبارة عن رواية لتجربة الشاعرة الحياتية والإنسانية من خلال شعر النثيرة، ومن خلال ما طرحته من أفكار وتساؤلات وما اسبغته على الديوان من أحاسيس ومشاعر.


سَهوةُ العُمرِ/ جورج مسعود عازار


 

إلى ذَلك السَّجين الَّذي خَرجَ من سَجْنه عارياً من الذَّاكرة.

وإلى تلك الأمُّ الَّتي بكت وحيدَها إلى أنْ جَفَّف الدَّمعُ نورَ عينَيها.


كُلُّ الوجوهِ الَّتي أحبَبْتُها

تناثَرتْ من جَيبِ ذاكرتي

على مَفارقِ النِّسيانِ

وكُلُّ أسرارِ المَطرِ

تاهت في بَيداءِ الظَّمأِ


كم دَمعةً ذَرفتْ أُمي؟

وكم من الخَيباتِ

صار عُمرُ ولدي؟

وهل ما تزالُ رائحةُ الياسمينِ

تفوحُ من أخاديدِ

وجهِ أبي المُغضَّنِ

ومن كَفَّيهِ السمراوينِ؟


ذاكِرتي هَشيمٌ

وجَسدي بَقيةٌ من َبقايا

أوقَدوا النَّار في داخلي

عَلَّها تُنيرُ دُهمةَ الَّليلِ

في حَنايا ذاتي


يفترِشُ الهَلعُ مُهجَتي

فأستكينُ لِترانيمِ السِّياطِ

حَطَمُوا كُلَّ الأقفاصِ

ونَبشُوا كُلَّ الأعشاشِ

وأنا ما زلتُ هناك واقفاً 

أنتظرُ عودةَ أسرابِ اليَمامِ


فاغِرَ الفَمِ

في لُجَجِ الدَّهشةِ

أبكي من غيرِ بُكاءٍ

وأرتَشِفُ الدَّمعَ بأَكُفٍ جَرداءَ

تَخونُني الكلماتُ والدُّنيا

وعبثاً أُلَملِمُ مُزَقَ التَّاريخِ

وأنا أسيرُ الحِكايةِ


بَلى أنا هو

ذاكَ الَّذي كُنتُم تَعرِفُونَهُ

وما عادَ يَعرِفُكُم

أنا هو ذاك الَّذي بالأمسِ

كُنتُ بينَكُم

واليومَ رُوحي فحسبُ

هي الَّتي تُدرِكُكُم


ظمأُ الذِّكرياتِ وجعٌ

يُبدِّدُ مَراسِم العُمرِ

قاحِلةً صارت أنفاسي

ويائسةً تبحَثُ أشجاري

عن جذرٍ عَتيقٍ

عن نبعِ الضَّيعةِ

عن دَغلِ الغابةِ

عن سماءٍ غَيرِ حالكةٍ

وعن صَليبٍ بهِ أرتقي

سَلالِمَ الحُزنِ


صَرختي بَكماءُ

وكَلماتي ضَبابٌ

وعينايَ من غيرِ بَريقٍ


أنا هُنا، لا تَرحلوا

أنا هُنا

في الأعلى، في الأسفلِ

لا فَرقَ في الجِهاتِ

أنا هُنا

عِندَ خاصِرةِ الرِّيحِ

عِندَ رأسِ الجَّبلِ

حيثُ تَبكي هُناكَ في كُلِّ يومٍ

أشجارُ البيلسانِ

وتنتحِبُ فوقَ قبرِ هابيلَ

شَقائِقُ النُّعمانِ


عالم المحاكاة بدل محاكاة العالم حسب جان بودريار/ د زهير الخويلدي

 


تمهيد

هل نعيش جميعاً في محاكاة؟ إذا سألت الفيلسوف الفرنسي جان بودريار هذا السؤال، فستكون إجابته نعم مدوية. على الرغم من أن ما يعنيه بالمحاكاة وما تعنيه أنت قد يكونان شيئين مختلفين للغاية (وهو أمر مضحك بالنظر إلى أن المثال الأكثر تأثيراً للمحاكاة – هو افلام ماتريكس - مستوحى بشكل مباشر من عمل بودريار لعام 1981 المحاكاة والسيمولاكر) هذا هو الكتاب الذي اقتبس منه مورفيوس، والذي نرى نيو يخفي أقراص الكمبيوتر التي يبيعها بداخله في فيلم ماتريكس الأول وهو الكتاب الوحيد الذي جعله الأخوان واتشوسكي قراءة إلزامية للجميع في طاقم أفلام ماتريكس. ولكن على الرغم من هذا المثال الشهير لفكرة المحاكاة السائدة المستوحاة بشكل مباشر من عمل بودريار، فإن ما يعنيه الفيلسوف الفرنسي ما بعد الحداثي بمصطلح المحاكاة هو شيء أكثر غدراً وأكثر رعباً مما نجده في أفلام ماتريكس. في هذا المقام ، سنستكشف ما يعنيه بودريار بهذا المصطلح "محاكاة" ولماذا يعتقد بودريار أننا بالفعل محاصرون داخل محاكاة - معزولون بشكل دائم عن الواقع. إن فكرة بودريار عن المحاكاة هي واحدة من أكثر الأفكار الفلسفية التي ستصادفها على الإطلاق - أكثر صلة وإثارة للخوف من فيلم 1984 أو فيلم عالم جديد شجاع. إن المحاكاة والسيمولاكر هي ديستوبيا حاضرنا، ديستوبيا شاملة للغاية ومع ذلك يصعب فهمها لدرجة أننا دخلنا إليها دون وعي. إنها التشخيص الأكثر دقة للمنحدر الذي نجد أنفسنا نسقط فيه بحرية مع رحيل ثقافتنا عن الحداثة إلى المحاكاة غير الواقعية التي تشكل حالة ما بعد الحداثة. فماذا يقصد جان بودريار بالمحاكاة؟ وما الفرق بين المحاكاة والسيمولاكر؟ ولماذا نعيش جميعنا في عالم من المحاكاة؟


المحاكاة والسيمولاكر

بعد إعادة مشاهدة أفلام ماتريكس قبل بضعة أشهر، فكرت أنه قد يكون من الجيد أن ألقي نظرة على العمل الأيقوني لجان بودريار "المحاكاة والسيمولاكرا ". إنه كتاب صغير ولكن يا إلهي إنه بعيد كل البعد عن أن يكون سهلاً. إنه يذكرني بأولى تجاربي في الفلسفة عندما قرأت كتاب أسطورة سيزيف لألبير كامو ثم كتاب ما وراء الخير والشر لنيتشه. عندما قرأت الكتاب الأخير لأول مرة، شعرت أن 90% من الكتاب كان يمر فوق طاقتي ولكن الـ 10% التي كانت تتسرب كانت تعيد ترتيب ذهني. كان عمل بودريار في الواقع استكمالاً أنيقاً لهواجسي الأخرى على مدار العام الماضي: جيمي ويل، وتريستان هاريس، وقبل كل شيء دانييل شماختنبرجر. أعتقد تمامًا أنه إذا تمت كتابة المحاكاة والسيمولاكر كرواية، فسيتم التحدث عنها مع 1984 و عالم جديد شجاع - أعتقد أنه في شكل مشوه كما هو الحال مع أفلام ماتريكس. من ناحية أخرى، ربما لم يكن الأمر كذلك. لأن الشيء المميز في هذا الكتاب هو أنه من الصعب حقًا تحديده. عندما جلست لكتابة هذا المقال، فكرت في معالجة ثلاث أفكار رئيسية في الكتاب: المحاكاة، وسيمولاكرا والاستنساخ، والواقع المفرط. لذلك بدأت بمصطلح المحاكاة وحاولت تحديد معنى الكلمة ووجدت نفسي على الفور في الأعشاب الضارة. هذا هو أول فرق كبير بين كتاب بودريار وأفلام ماتريكس. من السهل للغاية تعريف فكرة المحاكاة في ماتريكس. المحاكاة هي عالم الواقع الافتراضي التكنولوجي الذي نتصل به جميعًا. إنها في الأساس نسخة محدثة من شيطان ديكارت المعرفي. هذه واحدة من نقاط ضعف بودريار (العديدة) في سلسلة الأفلام. بالنسبة لبودريار، فإن فيلم الماتريكس يتعامل مع مشكلة الوهم وليس مشكلة المحاكاة. لأن فيلم الماتريكس هو في الحقيقة مسألة وهم، أليس كذلك؟ لديك الواقع الافتراضي الذي هو الماتريكس والذي يبدو حقيقيًا ثم لديك الواقع الفعلي لمدينة صهيون. الماتريكس وهم. الحبة الحمراء تخرجك من الوهم إلى الواقع. إنها قصة بطل أنيق. لكن هذا ليس ما يتحدث عنه بودريار على الإطلاق.  ان محاكاة بودريار أكثر خبثاً ورعباً. لأن محاكاة بودريار لا وجود فيها لصهيون. هذه هي النقطة الأساسية. لا يوجد مخرج من المحاكاة. إنها سترة مقيدة؛ إنها سجن نحتجز فيه. ولهذا السبب فهي مرعبة للغاية. يخبرنا بودريار أن التناقض الثنائي بين الوهم والواقع ينهار مع دخول عصر ما بعد الحداثة. لم يعد هناك أي تمييز بين الوهم والواقع. لم يعد الواقع قابلاً للوصول وبالتالي لم يعد للواقع ولا للوهم أي معنى. نحن، باستخدام المصطلحات السيميائية لبودريار، تقطعت بنا السبل في عالم بلا مرجعيات؛ نعيش في بحر من العلامات المنفصلة عن أي شيء حقيقي. الواقع يتحلل، وينهار في عالم المحاكاة الخاص بنا؛ لقد أصبح ما يسميه بودريار "صحراء الواقع". لكن، للوهلة الأولى، قد يبدو هذا أشبه بكل ما يحذر منه المعلقون فيما يتصل بفلسفة ما بعد الحداثة. إنه يشمل كل ما يخيفها ـ النسبية والتشكك في المعرفة والحقيقة وكل ما نعتبره مقدساً في الغرب. ولكن من الخطأ التام أن ننظر إلى الأمر بهذه الطريقة. إن ما يغفله هذا الكاريكاتير عن فلسفة ما بعد الحداثة ـ وبودريار هو أحد أتباع فلسفة ما بعد الحداثة الكلاسيكيين (حتى أنه يُطلَق عليه لقب "الكاهن الأعظم لفلسفة ما بعد الحداثة") ـ هو أن فلاسفة ما بعد الحداثة ليسوا مجرد دمى تتحكم في هذا الواقع الجديد الذي يفرضه عصر ما بعد الحداثة. إنهم أشبه بـ "كاساندرا"، وكانوا في كثير من الأحيان الوحيدين الذين كانوا على استعداد للتحديق في وجه ما كان قادماً. كان الفلاسفة التحليليون منشغلين بمحاولة اللحاق بالعلم وبالسعي المتواضع إلى جعل تخصصهم صارماً. ولكن العديد من هؤلاء الفلاسفة الفرنسيين كانوا أكثر اهتماماً بالحاضر ـ بنشاط الفلسفة ومسار التاريخ. لقد كانوا فلاسفة ذلك العصر. وهذا جزء من السبب الذي جعل الكثير منهم يصبحون من المشاهير ــ لأن ما كان لديهم ليقولوه كان ذا صلة بالعالم الذي يعيشون فيه. ولذا، آمل أن نتمكن مع بودريار من الحصول على نظرة ثاقبة إلى هذه العدسة الأخرى للنظر إلى ما بعد الحداثيين ــ ليس باعتبارهم أشباحاً وظلالاً لكل ما هو خطأ في العالم كما يراهم كثيرون، بل باعتبارهم خبراء تشخيص كانوا يشخصون التحول العظيم الذي كان يحدث في الثقافة. من الواضح الآن أنهم لم يكونوا جميعًا أفرادًا موضوعيين غير متحيزين يجلسون على الهامش. كان ميشيل فوكو بالتأكيد شخصًا ألقى بثقله إلى جانب واحد من الحركة وعمل كمحفز لإحداث التغيير الذي اعتقد أنه يجب أن يأتي. لكن القول بأن فوكو أو دريدا أو غيرهما من ما بعد الحداثيين خلقوا هذا العالم هو الوقوع في مغالطة الخلط بين انعكاس النجوم في البركة والسماء الليلية. أو بلغة بودريار، إنه ينسب إلى الأفراد ما هو في الواقع وظيفة للمحاكاة.


صعوبات تعريف المحاكاة

السؤال الكبير إذن هو ماذا يعني بودريار بالضبط بالمحاكاة؟ اتضح أن هذا ليس سؤالاً سهلاً للإجابة عليه. في البداية، اعتقدت أن قلة خبرتي ببودريار هي التي منعت فهمي للأمر، ولكن بعد البحث في أربعة أو خمسة كتب مختلفة عن بودريار وقراءة الكثير من المقالات على الإنترنت، يبدو أن هذا الصراع لفهم فكرة المحاكاة ليس مجرد نزوة شخصية بل صراع شامل. لم يتوصل أي من الكتب التي قرأتها إلى تعريف مرضٍ للمصطلح. لقد تركوا المصطلح يتجول دون تحديده. أقرب ما توصلت إليه من تعريف هو صفحة بودريار في موسوعة ستانفورد للفلسفة حيث يعرف دوجلاس كيلنر محاكاة بودريار على النحو التالي:"أنماط التمثيل الثقافية التي "تحاكي" الواقع كما هو الحال في التلفزيون، والفضاء الإلكتروني للكمبيوتر، والواقع الافتراضي". يبدو هذا التعريف مناسبًا تمامًا باستثناء أنه لا يعمل. عندما تفكر في الأمر، فهذا مجرد تعريف موسع قليلاً لمحاكاة فيلم ماتريكس. إن الواقع الافتراضي للمصفوفة وأسلافها ــ التلفاز والكمبيوتر ــ هو الذي يمتص قوة حياتنا. وهذا جانب مهم حقاً من المحاكاة، وسوف نتعمق فيه في مقالات مستقبلية، ولكنه لا يفسر كيف يستطيع بودريار أن يبرر القول بأن العالم بأسره عبارة عن محاكاة ــ وأننا جميعاً نعيش في محاكاة. إنه ببساطة لا ينسجم مع الواقع. ولكن على الرغم من أن محاولة كيلنر كانت بعيدة عن الهدف، فإنني أقدر محاولة تحديد المصطلح، وفكرت في محاولة إضافة بعض الإضافة إلى هذا المسعى، على الرغم من أنني ربما أنتهي إلى تعكير المياه قليلاً. كان أحد الكتب التي درستها من تأليف عالم يُدعى ريكس بتلر، الذي تحدث عن الصعوبات المتأصلة في الحديث عن مصطلح المحاكاة: "في كل هذا تبرز صعوبة الحديث عن المحاكاة، وهي الصعوبة التي يدركها بودريار ببطء مع تقدم عمله. من الصعب التحدث عن المحاكاة ليس فقط لأنها ليست حقيقية، ولكن بشكل أعمق لأنها عملية إجمالية، ولا يوجد شيء خارجها. إن المحلل الذي يحلل المحاكاة، إذن، يخضع للقاعدة ذاتها التي يحللها. فإذا كان القانون الأساسي للمحاكاة هو أننا لا نستطيع أن نقترب كثيراً من الشيء الذي نمثله، فإن هذا ينطبق أيضاً على محاولات المحلل لتمثيل المحاكاة ذاتها. وبالتالي فإن السؤال المطروح هو: إذا لم يكن هناك شيء خارج المحاكاة ولا شيء قبلها، فكيف لنا أن نفكر فيها على الإطلاق؟" لذا، إذا بدا لك كل شيء في هذه المقالة غامضاً وغير واضح، فإن هذا يرجع جزئياً فقط إلى عدم الكفاءة. كما يفسر لماذا لن يكون من السهل أبداً تلخيص المحاكاة والمحاكاة الساخرة بحيث يمكن أن يقفا إلى جانب 1984 أو عالم جديد شجاع. إن النسخة المخففة منها في فيلم ماتريكس هي أفضل ما يمكن أن نحصل عليه على مستوى التيار السائد. وبعد أن قلنا كل هذا، فإن بقية هذه المقالة ستكون محاولة لإزالة الغموض عن فكرة المحاكاة على الأقل إلى حد ما. فما هي المحاكاة؟

بعد قراءة كتاب باتلر يبدو أن القاعدة الأولى للمحاكاة، مثل القاعدة الأولى لنادي القتال، هي ألا تتحدث عن المحاكاة. يقول بودريار:"في اللحظة التي تعتقد فيها أنك في حالة محاكاة، فإنك لم تعد هناك. وسوء الفهم هنا هو تحويل نظرية مثل نظريتي إلى مرجع بينما لا ينبغي أن تكون هناك أي مراجع على الإطلاق."  إنه يستخدم المرجع هنا بالمعنى السيميائي باعتباره المرجع أي الشيء في الواقع الذي تشير إليه العلامة. هذا هو الجانب الرئيسي الأول لمحاكاة بودريار: إنها في المقام الأول فرضية. وكما يشير باتلر إلى المحاكاة:"ليست ظاهرة تجريبية، شيئًا يحدث بالفعل. إن بودريار يدرك تمام الإدراك المفارقة التي مفادها أن المحاكاة التي يصفها، بقدر ما هي موجودة، تجعل أي وسيلة للتحقق منها مستحيلة. وهذا يعني أن الواقع الحقيقي الذي نقول إنه ضاع في المحاكاة ونقارنه به لا يمكن تصوره الآن إلا في شكل محاكاة. بل إننا قد نقول حتى إنه بقدر ما نستطيع أن نتحدث عن المحاكاة، فإنها لم تحدث بعد، وأن المحاكاة ثبتت في غيابها. إذن، المحاكاة ليست حقيقية، بل هي نوع من الفرضيات. لذا آمل أن تبدأ في رؤية السبب الذي جعل هذا الموضوع يحطم رأسي وكذلك السبب الذي يجعلني أجده جذابًا للغاية. إنه كثيف للغاية ويصعب فهمه ولكنه في نفس الوقت أحد أكثر الأفكار إثارة للاهتمام التي صادفتها منذ سنوات. حسنًا، بعد أن ثبت أن أي شيء نقوله عن هذا الموضوع لن يكون كافيًا وسيتجاوز وصية فيتجنشتاين القائلة بأن "ما لا يمكن التحدث عنه، يجب أن نتجاوزه في صمت"، فلنحاول أن نقول المزيد عن المحاكاة. هناك دليل مهم آخر في محاولة فهم المحاكاة وهو الفكرة القائلة بأن:"تحاول المحاكاة أن تشبه الواقع، وأن "تدركه"، وأن تبرز ما هو ضمني فيه وتجعله واضحًا. ولكن في نقطة معينة من تقدمها تقترب كثيرًا من الأصل، وتزداد كمالًا، بدلًا من تقريب النظام من هذا الأصل، فإنها تدفعه بعيدًا عنه. يبدأ النظام في عكس اتجاهه، مما يؤدي إلى ظهور تأثيرات معاكسة لتلك المهمة المقصودة". مرة أخرى، يبدو كل هذا مثيرًا للاهتمام للغاية، ولكن ماذا يعني ذلك في الواقع. أحد الأمثلة التي يستخدمها بودريار في الكتاب هو فكرة الهايبر ماركت. وهذا المثال العادي إلى حد ما هو وسيلة جيدة لفهم هذه النقطة.


"الهايبر ماركت

"الهايبر ماركت" مصطلح شائع في فرنسا يشير إلى السوبر ماركت، لذا فإنك قد تجد متجر تيسكو أو متجر وول مارت أو متجر دونز في أيرلندا. وما هو السوبر ماركت؟ إنه محاولة لإتقان فكرة السوق. في الأصل كان السوق مكانًا تذهب إليه وتشتري لحومك من هذا الشخص وخبزك من ذلك الشخص وشموعك من الانسان الذي هناك. وكما يقول بودريار فإن السوق التقليدي كان ""المكان الذي تلتقي فيه المدينة والريف معًا"" ولكن يأتي السوبر ماركت ويحاول تجسيد فكرة السوق بشكل مثالي. فهو يجمع كل هذه الأشياء تحت سقف واحد. فالخضروات هنا واللحوم هناك والشموع هناك. ولكن في مرحلة معينة من تقدمه يقترب كثيرًا من الأصل وبدلاً من تقريب النظام من الأصل فإنه يدفعه بعيدًا عنه فحسب." وهذا منطقي تماما في مثال السوبر ماركت لأن السوبر ماركت ــ رغم أنها أقرب نظريا إلى الكمال الذي تتمتع به السوق ــ لا يمكن أن تكون أبعد عنه. وهناك شيء مدمر للروح في السوبر ماركت. فأنت تدخل وتختار البقالة التي تريدها تحت أضواء الفلورسنت، والآن لا يتعين عليك حتى أن تتحدث إلى أي شخص، بل تقترب فقط من الماكينة وتلمس هاتفك وتخرجه. ولكن الأمر لا يتعلق حتى بالتنظيم المنهجي لكل شيء؛ بل يتعلق بشبه كل شيء بالآلة. فأنت تدخل ــ نقطة أخرى في حشد من الناس ــ وتختار بعض العناصر من صفوفها المنظمة تماما. وفي أعقابك تتجدد الصفوف بحيث تكون الآلة في حالة مستمرة من التجانس. وأنت، العميل، تتحرك بطريقة خطية منظمة حول السوبر ماركت، وتأتي إلى الصندوق وتخرج إلى سيارتك ومنزلك. والأمر لا يتعلق بالسوبر ماركت فقط. يكتب بودريار:"لا يمكن فصل الهايبر ماركت عن الطرق السريعة التي تحيط به وتغذيه، وعن مواقف السيارات المغطاة بالسيارات، وعن محطة الكمبيوتر ــ أو بالأحرى، في دوائر متحدة المركز ــ عن المدينة بأكملها باعتبارها شاشة وظيفية كاملة للأنشطة." قارن كل هذا بالذهاب إلى السوق حيث توجد ضجة صحية. فهناك أشخاص يتفاعلون، وهناك أشخاص في الأكشاك، وهناك شخص يعزف في الشارع في الزاوية. وهناك مخزون محدود وبشر عليك التغلب عليهم للوصول إلى هذا المخزون. أجد أن هناك شيئًا مغذيًا في الذهاب إلى السوق. أشعر بالرضا بعد ذلك. لن أذهب أبدًا إلى سوبر ماركت للتنزه ولكن إلى السوق؟ بالتأكيد. هناك شيء صحي في السوق مفقود تمامًا في الهايبر ماركت. لقد فقد روحه في محاولته لإتقان فكرة السوق. إن هذا السعي إلى الكمال في السوق ــ إلى هذا السوق النهائي ــ يخلق تجربة سوق متجانسة في مختلف أنحاء البلاد والعالم. ويصبح السوق شيئاً مبالغاً فيه في هذا النهج نحو الكمال، وفي مكان ما على طول الخط يفقد روحه.وهناك أكثر من ما يكفي من الدروس التي ينبغي لنا أن نأخذها في الاعتبار فيما يتصل بالكمال البشري أيضاً؛ ولعلنا نكون في وضع أفضل إذا أحبطتنا الفوضى العشوائية التي تسود غرائزنا. فقد يصبح العالم الرواقي بلا روح مثل المتاجر الكبرى.


قبيلة تاساداي

من الواضح أن هذا مثال عادي، ولكن لمحاولة إقامة جسر بين هذا المثال للهايبر ماركت وفكرة المحاكاة الشاملة العالمية التي تدمر الحقيقة، فمن الجدير أن نلقي نظرة على مثال بودريار من علم الأعراق. في عام 1971، قررت الحكومة الفلبينية إعادة بضع عشرات من أفراد قبيلة تاساداي إلى أعماق الغابة التي تم اكتشافهم فيها مؤخرًا. عاش أفراد قبيلة تاساداي هناك لمدة ثمانية قرون دون أي اتصال بالعالم الخارجي، ولكن عند الاتصال بهذا العالم الخارجي، كما يقول بودريار، "تفككوا فور الاتصال، مثل المومياوات في الهواء الطلق".وبالتالي، بناءً على توصية علماء الأنثروبولوجيا، قررت الحكومة إعادة أفراد القبيلة إلى الغابة البكر بعيدًا عن متناول المستعمرين والسياح وعلماء الأعراق. إن تحليل بودريار لهذا الحدث رائع. إن هذا الأمر صعب الفهم تماماً، ولكن هناك شيء قوي بشكل لا يصدق في هذا الأمر. يقول بودريار: "لكي تعيش الإثنولوجيا، لابد أن يموت موضوعها" ففي عملية دراسة القبائل كان علماء الإثنولوجيا يتسببون في تدهورها.ولكن عودة أفراد القبائل إلى الغابة البكر هي على وجه التحديد ما يجعل الأمر غريباً للغاية. فالعلم يضحي بأفراد هذه القبائل من أجل الحفاظ على مبدأ واقعيته. لقد تجمد أفراد قبيلة تاساداي في عنصرهم الطبيعي. لقد أصبحوا "متجمدين، ومبردين، ومعقمين، ومحميين حتى الموت، وأصبحوا محاكاة مرجعية، وأصبح العلم نفسه محاكاة خالصة". أصبح أفراد هذه القبائل نموذجاً للمحاكاة ــ لكل أفراد القبائل المحتملين من العصور التي سبقت الإثنولوجيا.إن ما توصل إليه بودريار هنا يجسد جوهر المحاكاة الذي يصعب فهمه. ففي وقت سابق كتب عن كيف أن الواقع لم يعد كما كان في ظل المحاكاة. "إننا نرى انهيار الواقع ــ انهيار الفارق بين الوهم والواقع. والآن لم يعد هناك وهم أو واقع، بل محاكاة فحسب."هناك وفرة من أساطير الأصل وعلامات الواقع ــ وفرة من الحقيقة، والموضوعية الثانوية والأصالة. تصعيد للحقيقة، للتجربة المعاشة، إحياء للمجازات حيث اختفى الموضوع والجوهر. إنتاج مذعور للواقع والمرجعية. هكذا تظهر المحاكاة في المرحلة التي تهمنا ــ استراتيجية للواقع، والواقع الجديد والواقع المفرط" إذا نظرنا إلى حالة قبيلة تاساداي في هذا الضوء، فإننا نرى محاولة العودة إلى الواقع، واستعادة تاساداي إلى شكلهم الحقيقي في الغابة العذراء؛ إنها فكرة ما هو طبيعي ــ مبدأ الواقع هذا. ولكن في محاولة الإمساك بهذا الواقع فإننا نحاكيه فحسب. عندما تسمع الناس يتجادلون حول ما كان يأكله أسلافنا، وكيف عاشوا، ولماذا يجب أن تعيش بهذه الطريقة الآن، فإن الأمر لا يتعلق بالعودة إلى الطريقة التي عاش بها البشر في العصر الحجري القديم؛ بل إنه محاكاة أخرى تمامًا مثل سكان قبيلة تاساداي.


محميات البرية

مثال آخر جاء إلى ذهني هو فكرة محمية البرية. إذا فكرت في الأمر، فإن محمية البرية هي نوع من المفارقة. كانت البرية في الماضي مساحة غير آمنة كانت موجودة خارج أسوار المدينة؛ كانت الأراضي البرية الخطرة حيث يمكن أن يحدث أي شيء. كانت المسار المظلم، والغابة الكثيفة، والبرية غير المروضة التي تتسكع فيها الذئاب وأسود الجبال. كانت مكانًا للخطر وعدم اليقين. ولكن ليس هذا فقط. كانت البرية هي العالم. لم تكن الحضارة سوى سلسلة من الجزر في هذا العالم غير المروض من البرية. هذا ما جعلها برية - كانت الآخر غير المروض والشامل. ولكن الآن لديك محميات برية. فبدلاً من أن تكون البرية هي الشيء الذي يحيط بالحضارة، لديك الآن هذه المنطقة التي قمنا بعزلها وسميناها برية. لقد حاولنا الحفاظ على فكرة البرية هذه، ولكن في القيام بذلك قمنا بإنشاء برية محاكاة. إنها محاكاة للبرية فقدت كل اتصال بها في محاولتها لإتقان فكرة البرية.


خاتمة

هذه أمثلة عادية نسبيًا لمحاكاة بودريار، ولكن يمكنك أن تبدأ في رؤية ما يعنيه بقوله إن كل شيء أصبح محاكاة - أن المحاكاة أصبحت شاملة. هذه ليست مجرد مسألة تتعلق بالإنترنت أو وسائل الإعلام؛ إنها كل شيء. عندما نتحدث عن الإنترنت والتكنولوجيا وكيف شوهت حياتنا، فمن السهل فهم المحاكاة. إن المصفوفة شيء سهل الفهم لأننا ننظر إلى حياتنا غير الافتراضية ونرى شيئًا أقل تشوهًا. ولكن النقطة التي أراد بودريار أن يوصلها ـ والتي لا شك أنني أخطأت فيها خطأً فادحاً ـ هي أن المحاكاة أكثر خبثاً وتغلغلت إلى أعماق حياتنا. فنحن نعيش الآن في عالم محاكي بالكامل. ما زلت أصارع في فهم ما يعنيه هذا بالضبط، وأنا على ثقة تامة من أن أي شخص درس بودريار بعمق ربما ينزعج من محاولتي غير الدقيقة لالتقاط ما يتحدث عنه، ولكن في الأجزاء المستقبلية أريد أن أحيط بهذا العمل لبودريار أكثر لأنني أشعر حقًا أن هناك شيئًا مهمًا للغاية فيه وشيئًا قد يكون ضروريًا لفهم الفوضى التي نجد أنفسنا فيها في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. لم يعد التجريد اليوم هو تجريد الخريطة أو المزدوج أو المرآة أو المفهوم. لم تعد المحاكاة محاكاة إقليم، أو كائن مرجعي، أو مادة. إنه التوليد بنماذج لواقع بلا أصل أو واقع: واقعي مفرط. لم تعد المنطقة تسبق الخريطة، ولا تنجو منها. إنها الآن الخريطة التي تسبق المنطقة - مبادرة المحاكاة - وهي التي تولد المنطقة وإذا كان علينا العودة إلى الحكاية، فهي اليوم المنطقة التي تتعفن أشلاءها ببطء على امتداد الخريطة. إنها الحقيقة، وليست الخريطة، التي تبقى آثارها هنا وهناك، في الصحارى التي لم تعد صحارى الإمبراطورية، بل صحارينا. صحراء الواقع نفسه. فالي حد تخطى بودريار موقف افلاطون الساخر من المحاكاة وتغيرت نظرة الفلاسفة المابعد الحداثيين للسيمولاكر؟ وكيف يمكن استثمار هذا المعطى في فهم الواقع؟


المصدر:

Jean Baudrillard, simulacres et simulation, 1981,

تأثير التثاقف على تعاطي المخدرات والكحول بين المراهقين/ الدكتور حسن العاصي



يتناول هذا المقال نتائج دراسة حديثة درست الارتباطات بين التثاقف وتعاطي المواد المخدرة بين 198 مراهقاً في الصف التاسع في جنوب كاليفورنيا (متوسط العمر = 13.8 عاماً). وتضمنت مقاييس تعاطي المواد المخدرة والكحول لمدة ثلاثين يوماً (حالياً) ومدى الحياة. وتم قياس التثاقف باستخدام المقياس المتعدد الثقافات للتثاقف والعادات والاهتمامات للمراهقين (AHIMSA) وهو مقياس تثاقف متعدد الأبعاد يعطي أربع درجات لاستراتيجية التثاقف. وقامت تحليلات الانحدار الخطي بتقييم الارتباط بين التثاقف وتعاطي الكحول والمخدرات، مع تعديل العديد من المتغيرات المشتركة. كشفت النتائج أن استراتيجية التثاقف الاستيعابي كانت مرتبطة بشكل كبير، ولكن سلبي بالاستخدام الحالي للكحول، وخاصة بين الذكور. كانت استراتيجية التثاقف الانفصالي مرتبطة بشكل كبير وإيجابي بالاستخدام الحالي للكحول، وخاصة بين الإناث. ارتبط التهميش بخطر أكبر لاستخدام الكحول والمخدرات مدى الحياة، وخاصة بين الذكور، وخطر أكبر لاستخدام المخدرات حالياً بين الإناث. كانت متغيرات التأثير الاجتماعي تنبؤية بالاستخدام الحالي والاستخدام مدى الحياة للكحول والمخدرات. من المهم أن تتضمن الدراسات المستقبلية مقاييس التثاقف متعددة الأبعاد في استخدام المراهقين للمواد لفهم كيف تؤثر استراتيجيات التثاقف المختلفة على السكان المختلفين.

لقد أسفرت الجهود المبذولة للحد من تبني تعاطي الكحول والمخدرات بين المراهقين في الولايات المتحدة عن بعض النتائج الواعدة. ومع ذلك، عند فحص مواد معينة، تكون الاختلافات العرقية واضحة بشكل لافت للنظر. إن معدلات الاستخدام الحالي للمواد المستنشقة، والاستخدام الحالي للكوكايين، والاستخدام مدى الحياة للهيروين، واستخدام MDMA مدى الحياة هي الأعلى بين اللاتينيين بنسب (4.3%، 5.7%، 3.9%، 13%؛ على التوالي)، مقارنة بالمراهقين البيض (3.6%، 3.8%، 2.6%، 11%؛ على التوالي)، والسود (3%، 2.2%، 2.6%، 6%؛ على التوالي).

وتشير دراسة أخرى إلى أن طلاب الصف الثاني عشر من أصل لاتيني لديهم أعلى معدلات تعاطي الكحول ومخدر الكراك والهيروين، ومادة الروهيبنول بين طلاب الصف الثامن، وتكشف بيانات الاتجاهات عن نتائج مماثلة. في دراسة قاست الانتشار المرتفع لاستخدام الكحول والماريجوانا وMDMA والهيروين على مدى العقد الماضي، أبلغ اللاتينيون عن أعلى استخدام لجميع فئات المخدرات تقريباً باستثناء الأمفيتامينات. أظهرت دراسة مراقبة المستقبل نمطًا مشابهاً، حيث أبلغ طلاب المدارس الثانوية اللاتينيون عن أعلى معدلات استخدام الكوكايين (جميع الأشكال) وميثامفيتامين الكريستالي مدى الحياة مقارنة بكبار السن البيض والسود.

وقد تم تفسير أسباب هذه الاختلافات جزئياً من خلال الاختلافات الثقافية، وتحديداً التثاقف، والذي يتم تعريفه على أنه "العملية المزدوجة للتغيير الثقافي والنفسي التي تحدث في المجتمع". يحدث ذلك نتيجة للاتصال بين مجموعتين ثقافيتين أو أكثر وأعضائها الأفراد. ومع تزايد تأقلم المهاجرين، يمكن أن ينشأ تغيير في السلوك حيث يتبنون مواقف وممارسات البلد المضيف. ومع ذلك، لا يخضع جميع الأفراد للتثاقف بنفس الطريقة، لأن التثاقف عملية طويلة الأمد ومعقدة ومتعددة الأبعاد. يذكر عالم الاجتماع الأمريكي "جون بيري" بُعدين أساسيين للتثاقف: 1) الحفاظ على الهوية الثقافية الأصلية. و2) الاتصال بالمجتمع المضيف والمشاركة فيه.

ويشمل هذا البعد الثاني أيضاً الحفاظ على العلاقات مع الأفراد من مجموعات ثقافية أخرى. ينتج عن هذين البعدين أربع استراتيجيات عامة للتثاقف: (التكامل، والاستيعاب، والانفصال، والتهميش). يحدث التكامل عندما يحافظ الأفراد على ثقافتهم الأصلية، ولكنهم يسعون إلى إقامة علاقات بين المجموعات. ويحدث الاستيعاب عندما لا يهتم الأفراد نسبيًا بالحفاظ على ثقافتهم الأصلية، ولكنهم يسعون إلى إقامة علاقات بين المجموعات. وعلى العكس من ذلك، يتضمن الانفصال الحفاظ على الثقافة الأصلية مع تجنب العلاقات بين المجموعات. وأخيراً، يحدث التهميش عندما لا يحافظ الأفراد على الهوية الثقافية الأصلية ولا يرغبون في إقامة علاقات بين المجموعات، ويرفضون كلتا الثقافتين.

ارتبط التثاقف مع الثقافة الأمريكية بعدد من النتائج الصحية السلبية للمراهقين اللاتينيين، وتحديداً ارتفاع تعاطي الكحول والمخدرات الأخرى. تشير الأبحاث إلى أنه على الرغم من أن تعاطي الكحول والمخدرات كان منخفضاً تقليدياً بين السكان المهاجرين المقيمين في الولايات المتحدة، فإن التثاقف قد يكون مؤشراً مهماً لتعاطي المخدرات بين الشباب اللاتينيين. في الوقت الحالي، يبلغ المهاجرون اللاتينيون الذين يعيشون في الولايات المتحدة، بغض النظر عن بلدهم الأصلي، عن معدلات أعلى من تعاطي المواد والكحول مقارنة باللاتينيين الذين ما زالوا يعيشون في بلدهم الأصلي. وعلاوة على ذلك، يزداد خطر تعاطي المواد كلما طالت فترة بقائهم في الولايات المتحدة.

هناك فرضيتان مهيمنتان في الأدبيات تفسران الارتباط بين التثاقف وتعاطي المواد. هناك فرضية مفادها أن التعرض للثقافة الأميركية يزيد من فرص تعاطي المخدرات في المواقف التي يتواجد فيها الأشخاص مع أقرانهم، فضلاً عن الإلمام بمعايير تعاطي المخدرات. ونظراً لأن اكتساب الكفاءة في التحدث باللغة الإنجليزية يعد أحد المكونات المهمة للتثاقف، فمع تثاقف الشباب اللاتينيين، قد يكونون أكثر ميلاً إلى قضاء الوقت مع أقرانهم من ذوي الثقافة العالية أو المولودين في الولايات المتحدة والذين تبنوا المعايير السائدة لثقافة الشباب الأميركية. ونتيجة لذلك، فإن الارتباط الأكبر بالأقران المولودين في الولايات المتحدة أو البالغين المهمين قد يعرض الشباب المتأقلم لتأثيرات أقران أكثر تأييدًا للمخدرات وربما ينقل اعتقادًا بأن تعاطي المخدرات أمر طبيعي. وقد يجد الشباب المتأقلمون أنفسهم في كثير من الأحيان في الظروف التي يعرض فيها الأقران المواد أو يستخدمونها أيضاً لأنهم يستطيعون الآن التواصل باللغة الإنجليزية مع الآخرين الذين لديهم إمكانية الوصول إلى المخدرات في البيئة.

تعزى فرضية ثانية إلى الإجهاد والصراع المتضمنين في عملية التثاقف. ويتجذر هذا الإجهاد التثاقفي في نموذج الإجهاد/ التأقلم، حيث إذا تجاوزت مسببات الإجهاد التي واجهها الفرد أثناء عملية التثاقف مهاراته في التأقلم، وإذا اعتبر الفرد أن مسببات الإجهاد لا يمكن السيطرة عليها، فقد ينخرط الفرد في التمرد أو الانحراف أو تعاطي المخدرات. تشير الدراسات التي تناولت الضغوط الناجمة عن التثاقف إلى أن استراتيجية التثاقف المتكاملة هي الأقل إجهاداً، حيث توفر الوصول إلى المزيد من الموارد الاجتماعية ومجموعة أوسع من مهارات التأقلم. ومن ناحية أخرى، يؤدي التهميش إلى أكبر قدر من الإجهاد. وتميل استراتيجيات الاستيعاب والانفصال إلى التواجد في مكان ما بينهما، حيث تكون إحداهما أقل إجهاداً من الأخرى في بعض الأحيان.

حتى الآن، ركزت معظم الدراسات التي تناولت التثاقف على النماذج أحادية البعد التي تقيس تفضيل اللغة. وعلى الرغم من أن استخدام اللغة يشكل جزءاً كبيراً من التباين في العديد من مقاييس التثاقف، فإن التثاقف عملية معقدة تنطوي على أبعاد متعددة. لذلك، قد تكون النماذج متعددة الأبعاد التي تقيس ثنائية الثقافة أكثر دقة في تقييم الأفراد الذين يتماهون مع أكثر من ثقافة واحدة. بالإضافة إلى ذلك، لا تفترض النماذج متعددة الأبعاد فقدان الثقافة الأصلية بمجرد دمج الثقافة الجديدة. وتستند الدراسة الحالية إلى الأدبيات السابقة من خلال تنفيذ مقياس متعدد الثقافات للتثاقف والعادات والاهتمامات للمراهقين، وهو مقياس متعدد الأبعاد جديد للتثاقف يوفر درجات من أربع استراتيجيات للتثاقف لفحص العلاقة بين التثاقف وتعاطي الكحول والمخدرات بين المراهقين اللاتينيين. نفترض أنه من بين استراتيجيات التثاقف الأربع، سترتبط استراتيجية التثاقف المهمشة بزيادة تعاطي الكحول والمخدرات.


الطرق والإجراءات

أُجريت هذه الدراسة كواحدة من اختبارين تجريبيين صُمما لتطوير مقاييس لدراسة أكبر لأنماط التثاقف وتعاطي المواد بين المراهقين اللاتينيين في جنوب كاليفورنيا. وأُجريت البيانات التي جُمعت لهذه الدراسة التجريبية في مدرسة ثانوية واحدة تضم عدداً كبيراً من الطلاب اللاتينيين خلال شهر أغسطس 2024. وعلى الرغم من أن غالبية المشاركين وُلدوا في الولايات المتحدة (86.8%)، إلا أن معظم والديهم لم يكونوا كذلك (88.4%)، مما يشير إلى غلبة الجيل الثاني من اللاتينيين المولودين في الولايات المتحدة في العينة. وكان معظمهم من المكسيك (85.3%)، وهو ما يتفق مع بيانات تعداد الولايات المتحدة عن اللاتينيين الذين يعيشون في كاليفورنيا.

 وأفاد ما يقرب من 94% من العينة أنهم يتحدثون لغة أخرى غير الإنجليزية في المنزل. ومن بين هؤلاء، كانت الأغلبية ثنائية اللغة (65.8%؛ تحدثوا الإنجليزية ولغة أخرى بالتساوي)، وأفاد 20.2% أنهم يتحدثون لغة أخرى فقط أو في الغالب، و14% يتحدثون الإنجليزية في الغالب في المنزل. وعلى الرغم من عدم سؤال المشاركين الذين أفادوا أنهم يتحدثون لغة أخرى عن اللغة الأخرى، فمن المرجح أن تكون اللغة الأخرى هي الإسبانية بالنظر إلى بلد المنشأ. وتشير بيانات التعداد إلى أن 65.4% من سكان كاليفورنيا الذين تزيد أعمارهم عن 4 سنوات والذين يتحدثون لغة أخرى في المنزل يتحدثون الإسبانية.

وعلاوة على ذلك، تشير بيانات التعداد المكسيكي إلى أن أقل من 7% من السكان يتحدثون لغة أصلية، مما يشير إلى أن المهاجرين المكسيكيين أكثر عرضة للتحدث باللغة الإسبانية من اللهجة الأصلية. وكان الوضع الاجتماعي والاقتصادي لهيئة الطلاب منخفضاً، حيث شارك 95% من الطلاب في برنامج الغداء المجاني/المخفض السعر. قام مساعدو البحث المدربون بزيارة الفصول الدراسية لشرح الدراسة للطلاب، وتوزيع نماذج موافقة الوالدين ونماذج موافقة الطلاب. ولزيادة معدل إعادة نماذج الموافقة، عُرض على كل فصل حفلة بيتزا إذا أعاد كل طالب في الفصل النماذج، بغض النظر عما إذا كان الوالدان قد وافقا أم لا.

سُمح للطلاب بالمشاركة إذا قدموا موافقة الوالدين المكتوبة وموافقة الطالب. تمت دعوة جميع فصول الصف التاسع في المدرسة للمشاركة. من بين 317 طالباً تمت دعوتهم للمشاركة، قدم 291 (92٪) موافقة كتابية من الطلاب وقدم 213 (67٪) موافقة كتابية من الوالدين. أكمل 198 (62%) من الطلاب الاستبيان، لكن 8 طلاب كانوا تم استبعادها من التحليلات لأن الجنس لم يتم ذكره. وافقت لجنة المراجعة المؤسسية لجامعة جنوب كاليفورنيا على إجراءات الدراسة وأدوات المسح.


الإجراءات

أكمل المشاركون استبياناً ذاتياً على الورق والقلم. واستغرق استكمال الاستبيان خمسون دقيقة تقريبًا وشمل كلًا من النسخة الإنجليزية والإسبانية ضمن نفس الكتيب، حتى يتمكن الطلاب من استكمال الاستبيان بلغتهم المفضلة دون أن يشعروا بأي وصمة عار (اختار طالبان فقط استكمال الاستبيان باللغة الإسبانية). وتألف الاستبيان من أسئلة ديموغرافية (مثل العمر والجنس والعرق والأداء الأكاديمي)؛ وعدد من مقاييس التثاقف والثقافة وحالة الجيل؛ ومقاييس خصائص الأسرة والأقران (على سبيل المثال، من يعيش معه المشارك معظم الوقت، وما إلى ذلك)؛ وتعاطي التبغ والكحول والمخدرات (الاستخدام لمدة 30 يوماً وطوال العمر)؛ وتأثير الأقران؛ والعديد من الأسئلة الأخرى المتعلقة بالسلوك الصحي.


المتغير المستقل

تم تضمين العديد من مقاييس التثاقف في المسح، ومقياس تثاقف "مارين"  Marine Corps ، ومقياس الهوية العرقية، ومقياس الهوية العرقية متعددة المجموعات، ومقياس تقييم التثاقف للأمريكيين المكسيكيين، ومع ذلك، تم استخدام AHIMSA فقط في التحليلات بسبب إيجازه ومناسبته للعمر وأهميته المتعددة الثقافات والقدرة على تقييم أبعاد متعددة للتثاقف. بالإضافة إلى ذلك، فقد ثبت أن AHIMSA يرتبط بمقاييس فرعية أخرى، مما يوفر دليلاً على صحته. علاوة على ذلك، تم التحقق من صحة مقياس AHIMSA لدى المراهقين، وهو مقياس ثنائي الأبعاد، ويستند إلى عوامل أخرى غير اللغة، مما يوفر مقياساً أكثر شمولاً للتثاقف.

يتكون مقياس AHIMSA من ثمانية بنود (تم الإبلاغ عن معلومات إضافية حول مقياس AHIMSA في مكان آخرمع أربع خيارات للإجابة لكل سؤال: "الولايات المتحدة (تشير إلى الاستيعاب)، "البلد الذي تنتمي إليه عائلتي" (تشير إلى الانفصال)، "كلاهما" (تشير إلى التكامل)، و"لا هذا ولا ذاك" (تشير إلى التهميش). تتراوح الدرجات لكل من هذه التوجهات الأربعة من صفر إلى ثمانية. ونظراً لصيغة الاختيار القسري، فإن مجموع التوجهات الأربعة سيكون دائماً مساوياً لثمانية (العدد الإجمالي للأسئلة في المقياس)، وبالتالي فإنه من غير الممكن تضمين جميع درجات التوجهات الأربعة كمتغيرات مستقلة في تحليل الانحدار لأنه بخلاف ذلك سيتم إنشاء اعتماد خطي. بعبارة أخرى، بمجرد معرفة الدرجات في ثلاثة من المقاييس الفرعية، سيكون المقياس الفرعي الرابع ثمانية ناقص مجموع المقاييس الثلاثة السابقة.

من خلال فحص أكثر من بُعد واحد، قد يوفر AHIMSA صورة أكثر دقة لاستراتيجيات التثاقف التي يتبناها المراهقون.


 المتغيرات التابعة

تم قياس استخدام الكحول الحالي من خلال "الثلاثين يوماً الماضية، في كم يوم تناولت مشروباً واحداً على الأقل من الكحول؟"

فئات الاستجابة تشمل: 0 يوم؛ يوم أو يومان؛ 3 إلى 5 أيام؛ 6 إلى 9 أيام؛ 10 إلى 19 يومًا؛ 20 إلى 29 يومًا؛ وجميع 30 يومًا. تم قياس تعاطي الكحول مدى الحياة من خلال "حياتك، كم عدد الأيام التي تناولت فيها مشروباً واحداً على الأقل من الكحول؟" كانت هناك سبع فئات استجابة متاحة: 0 يوم؛ 1 أو 2 يوم؛ 3 إلى 9 أيام؛ 10 إلى 19 يوماً؛ 20 إلى 39 يوماً، 40 إلى 99 يوماً؛ و100 يوم أو أكثر.

من أجل تقييم تعاطي المخدرات الحالي ومدى الحياة، طُلب من الطلاب، "كم مرة استخدمت أياً من هذه المخدرات؟" لكل من تعاطي المخدرات الحالي (آخر 30 يوماً) ومدى الحياة. تشمل فئات المخدرات الست: الماريجوانا (الحشيش)؛ أي شكل من أشكال الكوكايين (البودرة، الكراك، القاعدة الحرة)؛ الميثامفيتامين (السرعة، الكريستال، الكرانك، الجليد)؛ الإكستاسي (MDMA)؛ أي نوع من المهلوسات (LSD، والفطر)؛ وأي نوع من المواد المستنشقة (الغراء، والطلاء، أو أي شيء يمكن استنشاقه).

تم إعطاء الاستجابات على مؤشر تصنيف من 6 نقاط يتراوح من 0 إلى 40+ في فترات متزايدة (على سبيل المثال 0 مرة؛ 1 أو 2 مرة؛ 3 إلى 9 مرات؛ 10 إلى 19 مرة؛ 20 إلى 39 مرة؛ و40 مرة أو أكثر). تم تحديد موثوقية وصلاحية التنبؤ بهذا الشكل مسبقاً. من خلال حساب المتوسط عبر الاستجابات، تم إنشاء مؤشر لاستخدام المخدرات (α = 0.67 للاستخدام الحالي؛ α = 0.67 للاستخدام مدى الحياة). يشير المتوسط الأعلى لاستخدام المخدرات إلى استخدام أكبر لتلك المواد.


المتغيرات المشتركة

 تم إنشاء مؤشر للوضع الاجتماعي والاقتصادي (SES) من سؤالين: "كم عدد الأشخاص الذين يعيشون في المنزل الذي تقضي فيه معظم وقتك (بما في ذلك أنت)؟" و"كم عدد الغرف في منزلك أو شقتك (باستثناء المطبخ والحمام)؟" تم حساب الوضع الاجتماعي والاقتصادي عن طريق قسمة عدد الغرف في المنزل على عدد الأشخاص الذين يعيشون في المنزل. تم الإبلاغ عن العرق ذاتياً، باستخدام السؤال: "ماذا تعتبر نفسك ..." مع إدراج خمسة عشر مجموعة عرقية (هندي أمريكي أو ألاسكا الأصلي؛ آسيوي؛ أسود أو أمريكي من أصل أفريقي؛ إسباني؛ لاتيني أو لاتيني؛ أصلي هاواي أو جزر المحيط الهادئ؛ أبيض؛ مكسيكي؛ من أمريكا الوسطى؛ من أمريكا الجنوبية؛ مكسيكي أمريكي؛ شيكانو أو تشيكانا؛ مستيزو؛ لا رازا؛ وإسباني).

تضمنت الإجابات لكل من هذه المجموعات العرقية: نعم، ولا، ولا أعرف. ولأن العلاقات بين الأقران تعتبر عاملاً مهماً يؤثر فيما إذا كان الشباب يقررون الانخراط في تعاطي الكحول والمخدرات أو الاستمرار فيه أم لا، فقد تم تعديل تأثير الأقران على تعاطي الكحول أو المخدرات والنمذجة لاستخدام الكحول أو المخدرات من قبل البالغين. وفقاً لنظرية التعلم الاجتماعي، يحدث التعلم من خلال النمذجة، والتي تستند إلى الملاحظة المباشرة وتقليد سلوك النماذج، أو من خلال التعلم بالنيابة والتعزيز.

تم قياس تأثير الأقران من خلال سؤالين: فكر في أفضل خمسة أصدقاء لك في هذه المدرسة، 1) "هل سبق لك أن شربت الكحول معه/معها؟"؛ 2) "هل سبق لك أن تعاطت أي مخدرات معه/معها؟" كانت خيارات الاستجابة نعم أو لا. ومع ذلك، نظراً للطبيعة الأنانية لهذا السؤال، تم طرح السؤالين على كل من أفضل أصدقائهم الخمسة، بإجمالي عشر إجابات. تم تلخيص النتائج لكل سؤال، مع نطاق من 0 إلى 5 حيث 0 = لم يستخدم أي من أصدقائهم الخمسة و5 = استخدم جميع أصدقائهم الخمسة مادة معينة مع المشارك. تم قياس النمذجة للبالغين من خلال سؤالين: "فكر في البالغين اللذين تقضي معهما معظم وقتك. كم منهم يشرب الكحول مرة واحدة على الأقل في الأسبوع؟  و"فكر في البالغين اللذين تقضي معهما معظم وقتك. كم منهم يستخدم المارجوانا؟" تضمنت خيارات الاستجابة: لا شيء أو 0، و1 منهم، و 2 منهم.


النهج التحليلي

تتضمن التحولات في البيانات إعادة ترميز العرق على أنه إسباني (أجاب المشارك بنعم على أي من الخيارات التالية: إسباني؛ لاتيني أو لاتيني؛ مكسيكي؛ من أمريكا الوسطى؛ من أمريكا الجنوبية؛ مكسيكي أمريكي؛ شيكانو أو تشيكانا؛ مستيزو؛ لا رازا؛ أو إسباني) مقابل أخرى. والوضع الاجتماعي والاقتصادي (أقل من غرفة واحدة للشخص الواحد مقابل غرفة واحدة أو أكثر للشخص الواحد). ونمذجة تعاطي الكحول أو المخدرات من قبل البالغين (لا يوجد مقابل أحد البالغين أو كليهما نمذجة السلوك المعني) بشكل منفصل لتعاطي الكحول والمخدرات.

ولأن الأبحاث تشير إلى وجود فروق بين الجنسين في تعاطي المواد، فقد تم جدولة النتائج حسب الجنس مع الترددات والنسب المئوية المقابلة. وأجريت اختبارات مربع كاي واختبارات لتحديد

الاختلافات المهمة بين الجنسين. من أجل فحص العلاقة بين متغيرات تعاطي الكحول والمخدرات (سواء الحالية أو مدى الحياة) ومقاييس التثاقف AHIMSA الفرعية، تم إجراء انحدارات خطية، مع تعديل المتغيرات المشتركة. بعد التحقق من افتراضات الانحدار، تم تحويل متغيرات تعاطي الكحول والمخدرات (المتغيرات التابعة) بواسطة اللوغاريتم الطبيعي. تم استخدام ألفا أحادي الذيل 0.05 لتحديد مستوى الأهمية وتم إجراء التحليلات باستخدام برنامج نظام التحليل الإحصائي.


نتائج الدراسة

الخصائص الديموغرافية للعينة

تظهر الخصائص الديموغرافية لعينة الدراسة أنه كان متوسط عمر العينة 13.8 عاماً وكان عدد الإناث المشاركات أكبر قليلاً من عدد الذكور (53.7% إناث). عاش معظم المشاركين مع كلا الوالدين (66%)، وكانوا من أصل إسباني (95.3%)، وولدوا في الولايات المتحدة (86.8%). تشير نتائج المقاييس الفرعية لـ AHIMSA إلى أن نسبة أكبر من الطلاب مندمجون (التوجه نحو كلا البلدين)، يليهم مندمجون (التوجه نحو الولايات المتحدة). وفيما يتعلق باستخدام الكحول، تشير النتائج إلى أن الاستخدام مدى الحياة كان 41.4% بينما كان الاستخدام الحالي 14.9%. كان تعاطي المخدرات مدى الحياة 15.5% للماريجوانا، و9.8% للكوكايين، و7.1% للميثامفيتامين، بينما كان تعاطي المخدرات الحالي 9.5%، و6.4%، و4.3% على التوالي. كانت هناك فروق قليلة بين الجنسين.


 العوامل المرتبطة بتعاطي الكحول والمخدرات الحالي ومدى الحياة

نوضح المعاملات الموحدة التي تختبر الارتباط بين مقاييس فرعية للتثاقف AHIMSA وتعاطي الكحول مدى الحياة، مع تعديل العرق، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، وتأثير الأقران، والنمذجة لدى البالغين. وفيما يتعلق بتعاطي الكحول مدى الحياة، ارتبط التهميش بتعاطي الكحول مدى الحياة (β=0.14؛ p<.05). وعلاوة على ذلك، ارتبطت كل من عناصر التأثير الاجتماعي (تأثير الأقران والنمذجة لدى البالغين) بشكل كبير بتعاطي الكحول مدى الحياة (β=0.29؛ β=0.16؛ على التوالي؛ p<.05).

بين الإناث، لم تكن هناك ارتباطات مهمة بين المقاييس الفرعية لـ AHIMSA وتعاطي الكحول مدى الحياة عند مستوى p<.05. ومع ذلك، كان تأثير الأقران والنمذجة لدى البالغين من المتنبئين بتعاطي الكحول مدى الحياة. بين الذكور، ارتبط التهميش بشكل كبير بزيادة تعاطي الكحول مدى الحياة (β=0.21؛ p<.05). كان الاستيعاب واقياً من تعاطي الكحول الحالي (β=-0.17؛ p<.001)، بينما ارتبط الانفصال بزيادة الاستخدام (β=0.11؛ p<.05). كانت النمذجة لدى البالغين وتأثير الأقران من المتنبئين المهمين بتعاطي الكحول الحالي (β=0.30؛ β=0.34؛ p<.05؛ على التوالي). بعد التصنيف حسب الجنس، ظل الانفصال مرتبطًا بشكل إيجابي بتعاطي الكحول الحالي فقط بين الإناث (β=0.21؛ p<.05) بينما كان الاستيعاب وقائيًا بين الذكور (β=−0.22؛ p<.05). ظل تأثير الأقران والنمذجة للبالغين من المتنبئين المهمين بتعاطي الكحول الحالي بين كل من الذكور والإناث.

نوضح الدراسة العوامل المرتبطة بتعاطي المخدرات مدى الحياة والحالية، المعدلة حسب العرق والوضع الاجتماعي والاقتصادي وتأثير الأقران والنمذجة للبالغين. ارتبط التهميش بشكل إيجابي وهام بتعاطي المخدرات مدى الحياة (β=0.16؛ p<.01). بالإضافة إلى ذلك، ارتبط تأثير الأقران والنمذجة للبالغين بشكل كبير بتعاطي المخدرات مدى الحياة. بعد التصنيف حسب الجنس، كان الذكور المهمشون أكثر عرضة بشكل كبير لخطر تعاطي المخدرات مدى الحياة (β=0.21؛ p<.05)، ولكن ليس الإناث (β=0.08؛ p>.05). ظل تأثير الأقران والنمذجة مهمين بين الإناث بينما كانت النمذجة فقط مهمة بين الذكور.

لم يكن أي من المقاييس الفرعية لـ AHIMSA مرتبطًا بشكل كبير بالاستخدام الحالي للمخدرات. ومع ذلك، كشف التقسيم الطبقي بين الجنسين أن الإناث المهمشات كن أكثر عرضة للإبلاغ عن الاستخدام الحالي للمخدرات (β=0.16؛ p<.05). بالإضافة إلى ذلك، كان لتأثير الأقران التأثير الأكبر على الاستخدام الحالي للمخدرات (β=0.70؛ p<.01)، يليه النمذجة (β=0.24؛ p<.01).

كانت الإناث من أصل إسباني أيضاً أكثر عرضة للإبلاغ عن الاستخدام الحالي للمخدرات (β=0.12؛ p<.05). بين الذكور، على الرغم من عدم ملاحظة أي ارتباطات مهمة مع أي من المقاييس الفرعية لـ AHIMSA، فإن النمذجة للبالغين وكونهم غير إسبانيين كانا من العوامل التنبؤية المهمة لاستخدام المخدرات الحالي.

صُممت هذه الدراسة لتقييم ما إذا كان استخدام الكحول والمخدرات طوال الحياة وفي الوقت الحالي يختلف باختلاف استراتيجية التثاقف، كما تم قياسه بواسطة المقاييس الفرعية لـ AHISMA، بين عينة من المراهقين اللاتينيين المراهقين في جنوب كاليفورنيا. أثبتت الدراسات السابقة وجود ارتباط إيجابي بين التثاقف وتعاطي الكحول والمخدرات، مما يشير إلى أنه مع زيادة التثاقف، يتبع ذلك زيادة لاحقة في تعاطي الكحول والمخدرات. ومع ذلك، فإن العديد من هذه الدراسات قامت بقياس التثاقف أحادي البعد، إما لغوياً، أو حسب بلد المنشأ، أو حسب طول مدة الإقامة في الولايات المتحدة. وقد تصورت معظم هذه الدراسات السابقة التثاقف على أنه زيادة في التوجه نحو ثقافة الولايات المتحدة مقترنة بانخفاض في التوجه نحو ثقافة المنشأ.

لقد استخدمت هذه الدراسة مقياساً متعدد الأبعاد، مثل مقياس التثاقف AHISMA، لفحص كيفية ارتباط استراتيجيات التثاقف المختلفة بتعاطي المخدرات بين المراهقين. في الواقع، العديد من الدراسات التي تتضمن مقاييس التثاقف قد ركزت استراتيجيات التثاقف الأربع على كيفية ارتباط هذه المتغيرات بالتكيف النفسي الفردي، بما في ذلك الصحة العقلية، ولكن ليس تعاطي المخدرات.

في هذه الدراسة، هناك اتجاه عام للأفراد المهمشين ليكونوا الأكثر عرضة لخطر تعاطي الكحول والمخدرات طوال حياتهم مقارنة بمقاييس AHIMSA الفرعية الأخرى. ووفقاً لبعض أدبيات الإجهاد الثقافي، فإن الأفراد المهمشين يُظهرون مستويات أعلى من الإجهاد واستراتيجيات أقل للتكيف. وعندما يقترن ذلك بأساليب التكيف غير التكيفية، فقد تزيد ضغوط الحياة من التعرض لتعاطي المواد. من ناحية أخرى، يُقال إن الأفراد المندمجين والمنفصلين متوسطون من حيث مستوى الإجهاد الثقافي الذي يعانون منه، ولكن من غير الواضح أي من هذين المستويين أقل إجهادًا من الآخر. تشير النتائج إلى أن المراهقين اللاتينيين المندمجين، وخاصة الذكور، كانوا أقل احتمالية بشكل كبير للإبلاغ عن تعاطي الكحول الحالي، مقارنة بالمراهقين المندمجين. ومع ذلك، تشير إحدى المقالات إلى العكس، حيث كان لدى الشباب المندمجين سلوكيات مشكلة أكبر، بما في ذلك تعاطي المخدرات، مقارنة بالشباب المندمجين/ثنائيي الثقافة. وعلاوة على ذلك، تشير النتائج إلى أن الانفصال، وخاصة بين الإناث، كان مرتبطاً بتعاطي الكحول الحالي الكبير.

أفادت الدراسات أنه كلما ابتعد الفرد عن ثقافة المنشأ، زاد خطر تعاطي الكحول أو المخدرات. قد يتساءل المرء عما إذا كان من الممكن أن يكون التثاقف قد اختلط بالوضع الاجتماعي والاقتصادي. إذا كان المراهقون ذوو الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأعلى أكثر عرضة للاندماج وكان المراهقون ذوو الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأدنى أكثر عرضة للاندماج/ثنائيي الثقافة، فقد يكون ارتفاع خطر تعاطي المخدرات بين المراهقين المندمجين نتيجة للوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض وليس التثاقف. حاولت هذه الدراسة التحكم في التداخل بين الوضع الاجتماعي والاقتصادي من خلال تضمين نسبة الغرف لكل شخص كمتغير مشترك. ومع ذلك، نظراً لأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي عبارة عن بنية معقدة لا يمكن قياسها بسهولة من خلال التقارير الذاتية للمراهقين، فمن الممكن أن جوانب أخرى من الوضع الاجتماعي والاقتصادي لم يتم التحكم فيها وأثرت على النتائج. وعلى العكس من ذلك، تشير نتائجنا إلى أن الانفصال، حيث يحافظ الفرد على ثقافة الأصل، ولكنه يختار عدم الحفاظ على العلاقات مع الأفراد من ثقافة المضيف، كان مرتبطاً بشكل إيجابي وهام بالاستخدام الحالي للكحول. أفادت إحدى الدراسات أن المراهقين اللاتينيين ذوي المستويات المنخفضة من التثاقف (أي المستويات العالية من الانفصال) لديهم بدء تعاطي المواد المخدرة واستمرار التجربة أكثر من نظرائهم ثنائيي الثقافة أو المتثاقفين بدرجة عالية. وقد وجدت دراسات أخرى أن المهاجرين الأقل تأقلماً معرضون لخطر متزايد لاستخدام المواد والكحول. وهناك حاجة إلى إجراء بحوث إضافية لفهم طبيعة الانفصال بين المراهقين الذين يعيشون في جيوب عرقية داخل مجتمع متعدد الثقافات. وعلى عكس البالغين الذين يتخذون قراراً بتجنب الثقافة المضيفة والبقاء منفصلين في جيوب عرقية، فإن الأطفال والمراهقين الذين يكبرون في تلك الجيوب العرقية لا يتعرضون لخيارات أخرى. لذلك، قد يكون الانفصال بين المراهقين انعكاسًا للفرص والتجارب المتاحة لهم، وليس قرارهم الواعي بالتمسك بثقافتهم الأصلية ورفض الثقافة المضيفة. يفتقر إلى سلوك المدمنين.

في ظل الفرص المحدودة للنجاح في الثقافة المضيفة، قد يلجأ المراهقون المنفصلون إلى تعاطي المواد أو سلوكيات مشكلة أخرى. في حين أن آلية تأثير التثاقف على تبني الكحول والمخدرات غير واضحة، فإن هذه النتائج غير المتسقة إلى حد ما تشير إلى تعقيدات التثاقف. قد تكمن التفسيرات البديلة لنتائجنا غير البديهية في حقيقة أن دراستنا استخدمت مقياس AHIMSA، وهو مقياس تثاقف جديد إلى حد ما، في حين اعتمدت الأبحاث السابقة عادةً على اللغة أو مكان الميلاد كمؤشرات بديلة للتثاقف. بالإضافة إلى ذلك، كانت عيّنة هذه الدراسة ثنائية الثقافة في الغالب، وُلِدوا في الولايات المتحدة لوالدين مولودين في الخارج، ويرتادون مدرسة ثانوية يغلب عليها الطابع اللاتيني وتقع داخل جيب عرقي لاتيني. على الرغم من أن تدفق المهاجرين الجدد إلى المجتمع قد يكون أمراً شائعاً، إلا أن زملاء المدرسة المندمجين قد يكونون أقل ميلاً إلى دمج الوافدين الجدد في شبكات أقرانهم. ونظراً لحقيقة أن المراهقين في أي مجموعة أقران واحدة يميلون إلى التشابه في العديد من الجوانب، بما في ذلك تعاطي المخدرات، فربما يعزز الطلاب المندمجون، في مجموعاتهم الخاصة، السلوك الاجتماعي ويتعرضون بشكل أكبر للفرص التعليمية والمهنية التي يمكن أن تحولهم عن تعاطي المخدرات. وعلى النقيض من ذلك، قد لا يتمكن الطلاب المنفصلون والمهمشون من الوصول إلى الأنشطة والمؤسسات الاجتماعية البديلة وقد يكونون أكثر تأثرًا بالمجتمع.

وقد يكون الطلاب المهمشون متورطين أيضاً في علاقات مع أقران يشجعون على السلوكيات المنحرفة. أو قد يكون هؤلاء الطلاب منعزلين اجتماعياً، أي أفراداً لا يشاركون في أي مجموعات أقران ويتفاعلون مع أقرانهم بدرجة أقل نتيجة لتوجههم غير الثقافي. وهناك أدلة تشير إلى أن نسبة أعلى بكثير من المدخنين الحاليين منعزلون اجتماعياً. وقد يكون هذا بسبب ارتباط المعزولين بمجموعة أخرى من الأصدقاء خارج المدرسة، وقد تؤثر هذه الصداقات على الطالب تجاه السلوكيات المنحرفة مثل تعاطي المخدرات.

لا يزال هناك احتمال بأن تكون النتائج التي إليها الدراسة مجرد حدث معزول أو خطأ. إن مقياس التثاقف AHIMSA هو مقياس جديد، على الرغم من أن بعض المقاييس الفرعية ثبت أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمعايير الذهبية مثل مقياس التثاقف Cuellar. في الواقع، كان المقياس الفرعي للاستيعاب AHIMSA مرتبطاً بشكل إيجابي بكل من المقياس الفرعي Cuellar ARSMA-II U.S. Orientation واستخدام اللغة الإنجليزية. وعلاوة على ذلك، عند فحص الحالة الجيلية، كما هو متوقع، كان لدى طلاب الجيل الثالث درجات استيعاب أعلى بينما كان الانفصال (التوجه نحو بلد آخر) هو الأعلى بين المراهقين من الجيل الأول. من ناحية أخرى، وجد أن مقياس التهميش الفرعي AHIMSA يتمتع باتساق داخلي وتباين منخفضين، على غرار ما وجد في مقياس التهميش. وقد يكون التهميش خاصاً بمجال معين، ويختلف من يوم لآخر اعتماداً على الخبرات.

وعندما تحدث مثل هذه الخبرات، قد يستكشف الفرد نتيجة لذلك الصراع الثقافي الذي ينشأ، وبالتالي يفشل في التعرف على إحدى الثقافتين أو كلتيهما. وعلى الرغم من ذلك، ومع الأخذ في الاعتبار الأدلة على صحة البناء، يحاول AHIMSA إنشاء أفضل طريقة ممكنة لقياس التثاقف.

تسلط نتائج هذه الدراسة الضوء على الاختلافات المهمة بين الجنسين. على سبيل المثال، كانت الإناث المنفصلات (من بلد آخر) أكثر عرضة لخطر تعاطي الكحول الحالي مقارنة بالذكور. بالإضافة إلى ذلك، كانت الإناث المهمشات (من خارج أي بلد) أكثر عرضة لخطر تعاطي المخدرات حاليًا من الذكور. من ناحية أخرى، كان الذكور المهمشون أكثر عرضة للإبلاغ عن تعاطي الكحول والمخدرات مدى الحياة من الإناث. كان الذكور المندمجون أقل عرضة لاستخدام الكحول حالياً من الإناث. على الرغم من أن الأدبيات تشير إلى أن الذكور قد يكونون أكثر عرضة لاستخدام المواد من نظرائهم من الإناث، فإن أدبيات التثاقف تشير إلى أن الارتباط بين التثاقف وتعاطي المواد يظل مهماً بالنسبة للإناث، ولكن ليس بالنسبة للذكور. تظل الأسباب وراء هذا التناقض غير معروفة إلى حد كبير، ولكن من المفترض أن التعرضات المختلفة للضغوط التثاقفية، وخاصة فقدان الهوية الثقافية، حسب الجنس قد تساعد في تفسير سبب العلاقة بين التثاقف وتعاطي المواد مهمة للإناث، ولكن ليس للذكور.

تؤكد النتائج أيضاً على أهمية التأثيرات الاجتماعية في تعاطي المراهقين للمواد. كل من تأثيرات الأقران ونمذجة البالغين لتعاطي المواد تنبئ بشدة بالتعاطي. هذه النتائج مدعومة بالأدبيات.

قد تحدث سلوكيات تعاطي المواد نتيجة لقيام الأقران و/أو البالغين بتقليد تعاطي المواد، مما يجعل المواد متاحة بسهولة أكبر، ويمارسون تأثيراً متبادلاً على تعاطي المواد، و/أو التعرض للمعايير التي تشجع على تعاطي المواد.

توجد العديد من القيود الجديرة بالملاحظة في تفسير أو تطبيق هذه البيانات، بما في ذلك حجم العينة الصغير والسلوكيات الخطرة المبلغ عنها ذاتياً. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تعميم النتائج إلا على المراهقين اللاتينيين الذين يلتحقون بمدرسة ثانوية عامة بها هيئة طلابية لاتينية اجتماعية واقتصادية منخفضة في الغالب. وعلاوة على ذلك، فضل معظم أفراد عينة الدراسة اللغة الإنجليزية على الإسبانية عند الإجابة على الاستبيان، نظراً لأن طالبين فقط اختارا إكمال الاستبيان باللغة الإسبانية. لذلك، قد لا تنطبق النتائج على المراهقين اللاتينيين الأقل تأقلماً.

وبسبب الطبيعة المعقدة لعملية التثاقف، فقد تستفيد البحوث الإضافية من إدراج مقياس AHIMSA ، وهو مقياس مصمم لتقييم العديد من جوانب التثاقف. وينبغي للبحوث المستقبلية أيضًا التحقيق في دور معايير المدرسة والشبكات الاجتماعية بين الأقران من أجل استكشاف كيفية تأثيرها على التثاقف وتعاطي المواد، نظراً لأن مثل هذه المعلومات غالباً ما يتم نقلها بين الأقران. وعلاوة على ذلك، نظراً لأن الثقافة تتطور باستمرار ويتم إنشاؤها وتفسيرها وتوصيلها بين الأعضاء، فمن المهم إعادة النظر فيما يعنيه التثاقف و"أن تكون مثل الولايات المتحدة" لجيل ما. على سبيل المثال، تحسنت قدرة جيل اليوم على الوصول إلى الاتصالات والمعلومات والتعرض على نطاق واسع بفضل الإنترنت الذي يمنحهم إمكانية الوصول إلى أفراد من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة من خلال وسائل مثل مجموعات شبكات الأقران القائمة على الويب. هذه النتائج، على الرغم من محدوديتها، تشير ببساطة إلى التعقيدات في عملية التثاقف وتشير إلى الحاجة إلى مزيد من البحث، بما في ذلك دمج عملية تثاقف أكثر شمولاً. 

سوريا مقدمة لتنفيذ وصايا/ مصطفى منيغ



برزَ العزم مُترجِماً حقائق منقوشة  على جبين ما كان بالأمس القريب عَصِيَ المَنال ، بحروفٍ في سرعة البَرقِ لتتجلَّى قوة ثورةٍ اعتمَدَت على نفسها تنظيماً وتخطيطاً وسبيلاً وليست مَدَّة يدَها شرقاً أو غرباً للسؤال ، بهدف الوصول لتطهير سوريا من جرائم عهد "آل الأسد"ّ أو إحراق ما تبَقَّى من إرادة حقِّ بَشرٍ في الحياة الكريمة الحرة النقية ما بقي في الكون مِن طيبٍ أطْيبِ على ترسيخ الطيّبِ مُنَفِّذاً لبَّ ما في الأمل كمآل ، من بواعثِ التريُّث دون إهدار المجهود ردحاً كان من فترة أربعة عشرة حَوْلاً إلى أن الاتفاق حَصَلَ بشبه كمال ، لانطلاق زحفٍ مُبارَكٍ أزاحَت هيبته كل عوائق التقدم كأنَّ الأرضَ منبسطةٌ مُسخَّرةٌ أصبحت ليتم ما تمَّ في هدوءٍ واختصار لسبل بدت قبل الثامن من ديسمبر بالطِّوال ، بل كأن القدرَ يقودُ والجَمْع المكبِّر يقطع المسافات مُحصَّناً بعناية لا يشعر بوجودها إلا المشبَّعة قلوبهم  بأنَّ للمظلومين ما هم فيه الآن من نشوة النصر المبين على الظالمين المنهارين من تلقاء أنفسهم مكدِّرين الحال ، مهما كانت الثورة نابعة من صدور انتسب أصحابها لأسماء تخصُّ حركات أو منظمات ما كانت مقبولة لدى العديد من الأطراف الدولية بالمفهوم السلبي الشامل ، المهم أنها وصلت دمشق لتُستَقبَل بالزغاريد وإقامة الأفراح كأن اليوم استقلال سوريا من احتلال مستبد لم يجد حياله إلا الفرار خوفاً من تقديم الحساب وهو بالخزي والعار بحقيقة وجهه للحشود مفزوعاً يُقابل ، عما اقترفه تنكيلاً وتعذيباً وتقتيلاً للشعب السوري خدمة لرغباته الدنيئة وطاعة لتمسكه بكرسي الحكم وتلبية لخيانة الوطن والأمة إرضاء لجهات حسبها دائمة على حمايته والدفاع عنه ليظل المسيطر يبيح ويشرِّع على هواه بلا حسيب أو رقيب صائِل ، لم يلتفت الشعب السوري لمن وصل لتحرير ألاف المسجونين ويعيد له حريته و حقه في العيش مُصان الجانب مسموع الكلمة بالاحترام والتقدير موصوف وبحسن الشمائل ،  اكتفى بكونهم من أبناء سوريا البررة لا شك في ذلك فبارك صنيعهم وامتزج بما يحاولون تكريسه من امن وأمان واستقرار لأجل سوريا الحاضر والمستقبل بالتطوُّرِ المُتجَدِّدِ رَامِل ، الكل فيها أمام الحق سواء و نصيب في المشاركة من اجل النهوض بسوريا حتى تسترجع مكانتها الطبيعية القائمة كانت على قيم التحضُّر والمعرفة الإنسانية النافعة والطموح المشروع لدنا الشام العزة والمجد والتقدم ما للخير العميم حامل ،            


.. البعض لم يستوعب المفاجأة وبدل أن يطهروا الارتياح سيطر عليهم الانزعاج والشديد ، كأنَّ الأمر تمَّ بعيداً عن معرفتهم مُبعدين أن بتصرف بشار الأسد بمثل ما فعل دون الرجوع إليهم وهم المساعدين له كانوا العاقدين معه كل أنواع الاتصالات أكانت على المستوى الرسمي أو الشخصي ، من هؤلاء حاكم مصر المطلق عبد الفتاح السيسي ، الذي اعتبر الفاعل مجرد ناقوس أفاقه من الاتكال الملحوظ على جهات حسبها قادرة على حمايته ساعة قادمة لا ريب ، ومن هذه الجهات إسرائيل ولحدٍ ما روسيا التي انحاز في المدة الأخيرة لتهيئ نواة إقامته متى اضطر للمغادرة ، إذ الآمر أصبح وارداً ما دام الشعب المصري صبر عليه بما فيه الكفاية ، فرأي ما جري في سوريا مناسبة للتفكير الجدي في أخذ زمام المبادرة والتخلص من نظام لم يحقق منذ انقلابه على الراحل مرسي سوى إغراق مصر دولةً وشعباً في بحر من الديون لا آخر لحدِّها ، من أجل تشييد مظاهر ما كانت مصر في حاجة إليها إذ لها ما يكفي ، وحتى يجسِّم السيسي مدى انزعاجه اصدر تعليماته للتشديد على السوريين المقيمين في مصر ويصل تعدادهم لمليون ونصف المليون ، باتخاذ إجراءات تعجيزية يفكرون معها في المغادرة وهم مجردون من حقوقهم ، مما سيشكل الأثر البليغ السلبية على العلاقة المصرية السورية مستقبلاً . لقد حضر الملك الأردني إلى القاهرة في زيارة خاطفة ليخفف على السيسي وطأة الصدمة وينصحه بالتبات وعدم الإقدام على التعجيل بما يمهد إسرائيل التوسع أكثر بإتباع سياسة ملء الفراغ بعد تكرار تجربة المعارضة السورية أن طالت أقطار أخري عربية مصر في مقدمتها، ذكاء الملك الأردني لازم الزيارة لتُغطَّى بالصمت ما دامت الولايات المتحدة الأمريكية خططت لتبيع إيران وروسيا بشار الأسد لتشتري إسرائيل المزيد من الأراضي السورية بالمجان و دون مقاومة من أحد ولا هم يحزنون . حتى مؤتمر الثمانية سيخرج منه السيسي كما دخل إذ مصيره أصبح بين يدي الشعب المصري وحده ، وكل المؤشرات تؤكد أن هذا الشعب العظيم غاضب عليه وبشدة ، ومن غضب عليه الشعب المصري لن يلحق بشار الأسد في موسكو بل يبقى حيث شاء هذا الشعب ليحاسبه .


... قد يكون السيسي على دراية من بعض الوصايا عن طريق أصدقاء له في إسرائيل ، وإلا ما كان انزعاجه مما حصل في سوريا يغيِّب الكرى من جفنيه ، على العموم هناك سلسلة من التوضيحات تلي هذا المقال قد تسلط الضوء عما يجري في الخفاء وبخاصة في ذاك الموقع المضطرب من الشرق العربي وبامتياز . 

المســؤولية السياسـية/ صبحة بغورة



 إن استمرار حالة الاستقرار والأمن والأمان هي نتيجة مباشرة لسعي جاد وعمل دؤوب وجهد متواصل ونشاط حي يحسب في ميزان محاسن السلطة ويرفع رصيد مصداقيتها ومستوى الثقة فيها ، فالأمن والسلام لا يتحققان عفويا بل برعاية رحيمة وعدالة حاسمة وبحق يستند إلى قوة رادعة.

                      

عندما يحدث أن تتشنج الجبهة الداخلية على وقع أزمات اجتماعية حادة وعميقة  قد تم استشعار تجاهلها أو تسويفها والتماطل في التعامل معها لحلها ، أوعندما يعمد النظام إلى الاستغلال السياسي لقوات  للأمن لمواجهة الحركات الاحتجاجية الاجتماعية السلمية، ويلجأ إلى توظيف العدالة لتجريم الاضرابات عن العمل ولقمع الاعتصامات والمسيرات ثم الحكم بعدم شرعيتها خدمة لأغراض السلطة، حينها يتحمل النظام وحده المسؤولية الكاملة عن ما تصل الأوضاع في البلاد من حالات الانسداد السياسي والجمود الحكومي الذي كثير ما يؤدي إطالة أمده مع استمرار التشنج الاجتماعي إلى التصعيد المتدرج للأحداث إلى حد وقوع المواجهات العنيفة والأليمة بين المواطنين الغاضبين وعناصر قوات الأمن ، وعندما يدفع النظام الحركات الاحتجاجية الاجتماعية أو السياسية السلمية للإيقاع بها في فخ العنف فإنه في الحقيقة قد ساق الأمور ووجهها بنفسه من أجل إيجاد المبرر الكافي له للتعامل معها عن طريق الحل الأمني، وبالتالي حسمها بالقوة بدل التكفل بمسؤولية احتواء الأزمات الداخلية سلميا بفتح النقاش الحر الصريح حول مسبباتها . 

إن حيوية أي شعب تُستمد من واقعه وتقاس بمدى ما يبديه حكامه من حرص ورعاية لإقامة نظام حكم سليم ومتطور ولترقية النظام التربوي والتعليمي وتطوير نظم التدريب والتكوين المستمر، وتقاس قوة الأمم بقدرتها على الابتكار العلمي  والتطور التكنولوجي ، هذا إلى جانب الجهود المتواصلة من أجل إشاعة التوعية السياسية بالحقوق والواجبات التي هي الحل السحري لكل المشاكل، فحل معضلة الحكم والفساد مثلا هو بعث روح العدالة في كل المجالات، وتشجيع ممارسة المعارضة الجدية الناضجة وطنيا مع الالتزام بفتح ممارسة الإعلام الحر والمسؤول والشجاع داخل الوطن لضمان أن تبقى معارك السياسيين الحقيقية والجدية في داخل الوطن ولا تجري خارجه، وهذه المسؤولية تتعلق مباشرة بمدى التزام قيادة البلاد بالتعايش مع الخصوم السياسيين، ومدى مستوى النضج السياسي لتقبّل مبدأ الشراكة مع المعارضة واستعدادها لإقامة الحوار والتشاور السياسي مع الخصوم حول مختلف القضايا الوطنية وشؤون الحكم . ربما لا يكون الأمر بهذه السهولة في ظل التطور المتسارع لتكنولوجيات وسائل الاتصالات ، ولكن إذا جاز القول أن لا شيء أصبح من الممكن إخفاؤه عن شعوب العالم من أخبار في أدق تفاصيل النشاط الإنساني فإنه يجوز أيضا الاعتقاد أنه بإمكاننا على الأقل التحكم في مستوى وحجم استغلاله، فالمعلومة تأخذ طابعا شاملا عبر الإنترنت فيما تبقى المعرفة والعلم محلية لأنها مرتبطة بسرعة النقل وتنمية الفرد، ومنه يمكن حصار ما لا ينبغي معرفته بل والتحكم في منافذ تسريب ما يعد من أسرار الدولة وما يمكن أن يشكل خطرا أو تهديدا خارجيا لأمن البلاد وسلامتها واستقرارها، وهذه مسؤولية ترتبط  بقدرة البلاد على حماية أسرارها إعلاميا

هناك قضايا يؤدي التغافل عنهاإلى تفاقم تأثيراتها السلبية حتى يصعب التعامل معها حتى يتطلب مجهودا مضنيا ويستغرق وقتا أطول ويتحول الأمر إلى مهمة " إنقاذ وطني " تتعلق بمحاولة إعادة لتقوية اللحمة الوطنية وتحصين الأمة من التفتت وضمان أمنها وسلامتها  من خطر ظواهر التشرذم والنزاعات الطائفية،ومن هذه الجهود عملية توحيد النسيج الاجتماعي لغويا وثقافيا وتعليميا وعقائديا ودينيا ، وهي حتما ستصطدم كلها أو بعضها بالخصوصية المحلية التي تتميز بها منطقة معينة عن المناطق الأخرى داخل الوطن الواحد ، هي خصوصية ذات أبعاد تاريخية أصيلة ضاربة في التاريخ وشكّلت رصيدا هائلا في الموروث الثقافي الذي ساهم عبر الأزمنة في رسم الشخصية وتحديد الهوية وبلورة جملة العقائد السائدة من خلال تراكم معرفي محلي لا سبيل لنكرانه ولا مناص من الاعتراف به ، فاحترامه والحفاظ عليه لا يعد نقيصة بانتصار شأن ذات خصوصية محلية على حساب الاعتبار الوطني ، فلا مجال للحديث بمنطق الربح والخسارة في مسألة تتعلق بالتنوع الحضاري حتى داخل الوطن الواحد كمصدر إثراء للفكر والثقافة إلا في ذهن من يريد تصويره بعيدا عن كونه اختلافا من باب التنوع ليضعه في إطار الخلاف من زاوية عنصرية ، والتقليل من شأن مثل هذه الدعوات، هو تغافل ساذج عما يمكن أن تخبئه مع مرور الوقت من آثار مدمرة على تماسك الوحدة الوطنية، فلا شيءيمكن أن يقف أو يصمد في وجه من يبصرون في أنفسهم تميّزا عرقيا أو اختلافا مذهبيا ودينيا لإثبات وجودهم المهدد بالضياع والزوال ، وأن أي دعوة مهما كان مبررها يمكن أن تواجه غضبةمن يستشعرون جحودا اجتماعيا أو تجاهلا تنمويا أو ظلما سياسيا لحقهم في العيش الكريم ، إنها حقوق ترتبط بالمواطنة ولا يمكن لأي سلطة أن تتعامل معها بمنطق الإقصاء أو التهميش دون أن تكون هناك ردود فعل حادة وعنيفة . إن الالتزام الأدبي والأخلاقي للدولة يُلقي عليها مسؤولية احترام كل مكونات النسيج الوطني لأنها تدخل في أصل التركيبة السكانية التي تنطوي تحت سلطة هذه الدولة والتي منها تستمد السلطة مبرر وجودها من تمتعها بشرعية منحها لها كل الشعب وليس فئة منه . 

أمام الحديث عن طبيعة المسؤوليات التي يجب أن تضطلع بها السلطات، وأمام الحجم الكبير للصلاحيات الممنوحة لها خصيصا من أجل تأمين ممارسة مهامها وتيسير تأدية وظائفها والقيام بواجباتها ، والنهوض بمسؤولياتها ، لا تفيد أي خطابات رسمية ذات حمولة عاطفية خلال تناول القضايا واستعراض ظروف حدوث الأزمات أو أسباب تفاقم انعكاس تأثيرات إحدى القضايا الوطنية على حياة المواطنين، فمثل هذا لا يتجاوز حدود تلمّس المبررات للتنصل من مسؤولية التقصير في العمل الوقائي المتبصر للعواقب، ومحاولة الخروج من دائرة المحاسبة بشكل " مشرف" وإذا كان مجال المحاسبة يقع تحت قبة البرلمان وامام النواب ممثلي الشعب، تحت قبة هيئة من المفروض أنها تتكفل دستوريا بمهمتي المراقبة والتشريع فإنه يصبح مفهوما أن عملية المحاسبة ستربط بطبيعة العلاقة القائمة بين البرلمان وبين السلطة العليا في البلاد هذا من جهة، ومن جهة أخرى بين البرلمان والهيئة التنفيذية ممثلة في الحكومة، فالحكومة تطبق برنامج عمل تنموي تم رسم ملامحه الرئيسية مسبقا ، وجرى تحيد أهدافه وتعيين وسائل تحقيقها وحشد موارد التمويل سلفا على مستوى القيادة السياسية ، وتقوم الحكومة بناء على ذلك بوضع السياسات العامة وتحويلها إلى برامج عمل تترجم الأهداف المرسومة في الميدان ، والواقع يؤكد أن العمل الحكومي هو المحك الحقيقي للوقوف على مصداقية القيادة السياسية وقدرتها على الوفاء بوعودها من أجل تحقيق التنمية ، وفي ظل ظروف محلية مضطربة وأخرى عالمية معقدة ومتقلبة صار من العسير الاطمئنان لإمكانية التطبيق الحرفي والتام لخطط التنمية ، ووفق هذا الاعتبار يصبح من الضروري ومن باب الأخذ بدواعي الحيطة والحذر إعداد الخطط البديلة الممكنة لمواجهة الحالات الطارئة لتجنب التعثر والتأخر والفشل ، وإذا كانت القيادة السياسية هي من عيّنت أعضاء الحكومة فالمسؤولية عن الإخفاق تقع أولا على من أسّس ورسم وأعدّ وخطّط.. واختار الرجال، كما تقع مسؤوليةالفشل على من كان من المفروض أن يُنفّذ ويتابع ويراقب ، ويحاسب قبل أن يحاسبه غيره . 

ليس من المسؤولية تراشق الفاعلين بتهم التقصير وتجميل آخرين أسباب الفشل وعواقبه، لأن ذلك من مظاهر الفساد وسلو ك المفسدين وكبار رؤوس افتعال الأزمات لالتهام أقصى المكاسب والغنائم.

ليس من المسؤولية التعلل بالظروف المفاجئة لتبرير الإخفاقات المتتالية تحت كل الظروف.

ليس من المسؤولية افتعال الاضطرابات الاجتماعية لصرف النظر عن مشاريع سياسية يُخشى أن تجد مقاومة ومعارضة إذا ما جرى الإعلان عنها ، أو رفضها لو تم مجرد الجهربالنوايا بشأنها ، فذلك إلهاء متعمد يتجاوز بكثير حدود مفهوم المناورة إلى الاتهام الصريح بالمؤامرة .

ليس من المسؤولية المالغة في تقديم الوعود البراقة لنيل تأييد الشرائح الواسعة من البسطاء ، والإسهاب في عرض العهود المغرية لكسب الدعم والمساندة ، في حين قد يدرك العامة من المواطنين قبل الخاصة والمفكرين منهم أنه لو تم حشد كل القدرات الوطنية وتعبئة جميع الإمكانيات المادية والمالية وتجنيد كافة الطاقات البشرية فلن يتحقق منها إلا نسبة قليلة متواضعة ، هذا ما نراه شاهدا ونسمعه مباشرة ونلمسه حيا خاصة في خطب المترشحين خلال حملاتهم الانتخابية من أجل كسب أصوات الناخبين فقط .

ليس من المسؤولية تنميق ظاهر الأمور وتضخيم الانجازات البسيطة ثم عرض نتائج غير حقيقية لكسب رضا القيادة العليا في البلاد بأوهام وتضليل عمدي ، كاذب بأن كل شيء يسير على ما يرام .

ليس من المسؤولية تعمُد إحداث " هوشة سياسية" حول موضوع وهمي أو قضية وطنية مزيفة تحمل طابع مصيري مضلل يمكن أن تضعف الجبهة الداخلية بالشكوك، وأن تصيب البلاد بهشاشة أمنية عميقة وخطيرة تصل إلى حد تعرية ظهر المؤسسات الدستورية والعسكرية .

ليس من المسؤولية ذلك الاحتيال الكبير في الدول حديثة العهد بالنظام الديمقراطي في الحكم بتسويق اعتقاد مضلل أن التداول على السلطة هو تنافس مشروع فيما هو في الأصل تنافس على اقتسام المال العام بأدوات السلطة القانونية. 

المسؤولية تنبع من احساس عميق بخطورة الأمانة ومن ضمير حي لا يرتاح إلا بإقرار الحق ، وهي تستند إلى اعتبار أخلاقي يقدس متعة التشريف بالثقة ، وبنبل حلاوة النزاهة  والمصداقية وبفخر المكانة الرفيعة السامية، إنها صفات رجال الدولة الجديرين بتولي المسؤوليات والمهام الكبرى.

في عالم السياسة سنكون أمام مطلب "أخلقة العمل السياسي "بحزمة من القيم السامية والمبادئ الأخلاقية التي تجعل منه عملا ممتعا، مدعما بالصدق في القول والشفافية في الفعل والوفاء بالوعود، والالتزام بالعهود  إنه عمل ينبذ الكراهية والأحقاد، وينشر المحبة وينشد الوئام والتسامح.  إن العمل السياسي يحتاج إلى توفير قدر كبيرمن الحكمة والرشادة وصواب لحكم بعد تقدير الأمور ، والتبصر الواعي عند تحمل المسؤولية ، والعمل السياسي مثل كل الأعمال الأخرى لابد له من توفر الضمانات والحقوق لتطويره ، ومن الواجبات لأخلقته، ومن هذه الواجبات مراعاة حرمة المسؤولية .