"أوراق العزالة" وأجنحة النصوص/ جوزف أبي ضاهر

 


فلشَ شوقي مسلماني "أوراق العزلة"، عيون كثيرة حاصرته، مدّ يده الى المشهد وأخذه على مهل، في المشهد مفردات أحلام يتّقن صياغتها فوق جسد أبيض، حتى إذا أكمل ما يريد أخذ نفسًا عميقًا: صار للنصّ أجنحة تحمله الى حيث يليق به. نصّه نبْض المشاعر والأحاسيس وهويّة، وملامح حضوره الشعري المعبّر عنه في إشارات هي لمع برق من يلتقطها ينوعد بمطر لؤلؤي. التكثيف في الصور سمة أساس في هذه المجموعة الشعريّة والعبور الى المتلقّي مع شيء من الأحلام والظلال المتناثرة كما حبيبات الندى في حديقة الصباح: "أُكملُ دورةَ عمري/ لأفتح نافذة على البحر/ وأسابق الريح". وفي ما يلي من المجموعة: 


(دخان)    

لم تقلْ كلمة بعد 

ليستْ لكَ خطوة 

لا غيمة تظلّلُك 

لا يتبعُك غزال، لاحظْ 

كلّ الأسماء التي تعرفها 

تلمع وتختفي 

تظلّ وحدكَ في الليل 

تراقب أسماء تهوي 

إلى غبارِها الكوني 


لاحظْ: 

كلّ عمرك سيجارة 

أدقّ مِنْ إبرة، يحرقها عابر. 


(مدنٌ)     

سأعبّئ في عينَيّ مدناً 

تنهضُ مِنْ حرائقِها وتصهل 


سأصافح الذين هزمتُهم 

والذين هزموني والذين سيضحكون 


مِنْ كلّ حانة سأقطف صخباً 

ضحكةً، وردةً، كأساً صغيرة 


وغيركِ 

سأعانق في الليل 

مرتعِشاً لاكتشافات المرتحل 

في المدنِ الحقيقيّة. 


(غبار)    

كلّما فتحتُ عينيّ 

اصطفّوا أكثر مِنْ عشرة حولي 

يشبهونني جميعاً لكنّهم أكثر نحولاً 

إسمك؟ "شوقي"، إسمك؟ "شوقي"  


في هذه الغرفة الدوّارة أجلسُ في الوسط 

تحاصرُني عيونٌ كثيرة ووجوه صارمة 


لستُ لصّاً، لستم قطّاع طرق 

أملكُ وحدتي وحصاركم 

هذا الفراغ في يدي 


مشيتُ كلّ الطريق 

أحملُ ذكريات على عجل 

لم ألتفت إلى الوراء، لم أبكِ 

فقط تباطأَ قلبي 


وجوهُكم ميّتة 

صفائحُ رصاص 

سنواتُ غبار. 


(موتى)    

هكذا  

على كرسيّ الإنتظار 

لا أفارق كرسيّ 

وفي الجهةِ المقابلةِ رأسي 

وجهي، أنفي، ساقاي الطويلتان 


ساعة ومشيت 


أيضاً 

على كرسيّ الإنتظار 

في الجهةِ المقابلةِ رؤوسٌ  

عيونٌ، دوائر 


موتى 


عينان مغمضتان 

كرسيّ، وريح تصفق الأبواب. 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق