الأب د. بُطرس حدّاد والخلود ( بمناسبة مرور 15 عاماً على وفاته)/ الأب يوسف جزراوي

 


              كنتُ أقرأ لهُ وعنهُ، شأنّي شأنَّ سائر القُرّاء، إلى أن أقتربتُ منهُ، يومَ أتاحت ليّ الظروف أنْ أكونَ تلميذًا وصديقًا مُباشرًا لهُ، رغمَ فارق السنّ الكبيرة؛ حيث طلبني مِن كاهن رعيتي الأب الفاضل جميل نيسان كاهن كنيسة الصعود/ عميد الكهنة  حينها( أمدَّ الله بعمره)، أيام دراستي الكهنوتيّة، لغرض المساعدة في التعليم المسيحي عام 1997 في رعية مار بثيون الّتي كانَ  يخدمها  يومذاكَ.

تقربتُ منهُ وتعاملتُ معهُ، فربطتنا صحبة جميلة، تلمستُ خلالها وعَبرَ رحلة الخدمة بِصحبتهِ، إِنّني أمامَ شخصيّةٍ ثقافيّة وكهنوتيّة استثنائيّة، تملكُ مِنَ المواهب، ولها مِنَ الخبرات الكثير وَمِن المعرفةِ والحنكة والطِّيبة، مَا يجعلها مُتميّزة بِكُلِّ المقايّيس.

وأذكرُ أَنَّنا قد التقينا في حوارٍ شخصيٍّ شيّق على مقعدين مُتقابلين في مكتبهِ بكنيسة مار بثيون في حي البلديات ببغداد، ( عجبتني خاطرتكَ في مجلة الكليّة – حلو تكتب عيني)، ولما تبادلنا أطرف الحديث، حقيقّةً  لمْ أشعر  بالوقتِ حينها كيفَ مضى، بسبب حديثه الطّلي وثقافته الواسعة وذكرياته العبقة بالتراث الموصليّ والبغداديّ وتشجيعه؛ فالرّجلُ رحمه الله كانَ صندوق ذكريات ثريًّا بالأحداث.

كما كنتُ أحظى برفقتهِ وأستمتعُ بكلامهِ المُمتِع، سيّما عندما كانَ يصطحبني معهُ إلى شارع المتنبي صباح كُلّ يوم جمعةٍ وجلوسه في مكتبتيّ المثنى والرباط وغيرهما.  ولا أعلم أيّ صمتٍ وأنتباهٍ كانَ ينتابني، يصلُ إلى حدِّ الإندهاش والإنبهار وأنا أصغي إلى حواراتهِ مع الباحثين رفعت عبد الرزاق الطائي وعبد الحميد الرشودي وغيرهما.

          ربطتني بالبحّاثة الأب د. بطرس حدّاد - رحمه الله-  علاقة أبويّة وتقاربُ أدبي، وفي أحاديثه معي وهي كثيرةٌ، كانَ يشير إلى أنّهُ راجع ليّ لغويًا وقيّم  أكثر مِن مؤلفٍ ونتاجٍ أدبي، كما وضع اسمه الرصين على بعض مؤلفاتي التاريخيّة والأدبيّة المتواضعة:( ومضاتٌ مِنَ الحياةِ، دار البطريركيّة في بغداد/على خطى يسوع /نبذة عن المعهد الكهنوتي البطريركي/ البطريرك مار يوسف أودو، كلماتٌ مِن حياة إنسان وغيرها). كما كان يُشيد بلغتي وأسلوب كتابتي منذ كنتُ تلميذًا، كما منحني ثقة الاشراف ومتابعة مراحل طباعة بعض مؤلفاته( رحلة ديللافاليه، عبرة مِن كُتب التراث، يوميات البطريركَ مار عمّانوئيل الثّاني...وغيرها[1]) . إذ إنتشاري ككاتبٍ حصلتُ عليه في سنّ صغيرة  أمام مرأى عينيه في بغداد ومكتبات شارع المُتنبي.

            خدمتُ مع الأب الراحل بضع سنوات، يومَ كنتُ أستعد للكهنوت في المعهد البطريركي، وطالبًا في قسم الفلسفة بكلّيّة بابل الحبريّة ببغداد؛ حيث اناطني مهمة التعليم المسيحي في بيعة مار بثيون الكلدانيّة- البلديات وسلطانة الورديّة / قديسة ريتا. كما عشتُ وخدمت معه في بيعة سلطانة الورديّة ككاهن مساعد لمدة  سنة، وتلكَ أوّل رعية خدمتُ فيها بعد اقتبالي نعمة الكهنوت، فكان الأب والمرشد والمعلم والصديق رغم الاختلاف في التوجهات والسّن[2].

بُطرس حدّاد، الكاهن، الباحث، المؤرخ، الكاتب، المُترجم، قدِّمَ الكثير للكنيسة وللبلد ولمحبي التّاريخ والعلم. انطفأت شمعة حياته عقب شيخوخة مُباركة. هو نجمٌ مُضيء،  يعرفهُ القاصي والداني. كانَ بسيطًا كالخبز للفقراء، مُستقيمًا كسكةِ القطار. هو أشهر مِن نارٍ على علمٍ، له اسمٌ نظيفٌ في الكهنوتِ وتاريخ عريق في مجال الكتابة والتأليف، وإنجاز مُشرّف في الأبحاث التّأريخيّة، علاوة على خدمتهِ الكهنوتيّة. أحبّه الصغير والكبير، سواء في الموصل أو  في بغداد.

         اسمه الحقيقي ناظم ميخائيل مقدسي رفو الحدّاد، ولد في الموصل الحدباء يوم 25/11/ 1937 وليس 1938[3]، والراحل الكبير من عائلة موصليّة عريقة ومعروفة. دخل معهد شمعون الصفا في الموصل بتاريخ 24/9/ 1951، تتلمذ في المعهد المذكور لمدة 3 سنوات. أُرسل سنة 1954 إلى روما للدراسة ونيل الاختصاص، زاملهُ  الأب المرحوم يوسف حَبّي.

رسم كاهنًا في روما بتاريخ  20/12/ 1961. عاد إلى مسقط رأسه الموصل سنة 1964 بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في اللاهوت العقائدي،وتعيّن للخدمة في كنيسة أمّ المعونة.

سنة 1966 انتقل إلى بغداد للخدمة في المعهد الكهنوتي البطريركي في منطقة الدورة[4]، معاونًا للأب ( مطران) إبراهيم إبراهيم[5]، واستمر في الخدمة هُناكَ إلى عام 1968، ثمَّ تعيّن للخدمة في كنيسة مار يوسف -خربندة ككاهنٍ معاونٍ للخوري  قرياقوس حكيم، عليه رحمة الله.

.   صيف 1968 أوعز إليه الطّيب الذّكْر البطريرك مار بولس شيخو  بالعمل في أرشيف البطريركيّة الكلدانيّة، وكانت يومذاك في دير القديسة تريزيا في بغداد- السِّنك. بقيَ في العمل هُناكَ حتّى عام  1974.

عندما تسنّم  السّعيد الذكر البطريرك مار روفائيل الأوّل بيداويد الكرسي البطريركي سنة 1989 عينهُ مديرًا للديوان البطريركي ومسؤولاً عن الأرشيف فيها، وفي بعض الزيارات خارج العراق كانَ يصطحبه معه سكرتيرًٍا لهُ  أو أمينًا لِسرهِ. ولما اعتلى السُّدّة البطريركيّة البطريرك الراحل  عمّانوئيل الثالث دلّي سنة 2003، أستمرَ عمل الأب حدّاد فيها، وعملتُ تحتَ أنْظارهِ  هناكَ صيف 2004 [6]  رفقة الأب نادر إسماعيل الراهب، بدعوة من الأسقف الراحل مار اندراوس أبونا رحمه الله والأب ( المطران) باسل يلدو المعاون البطريركي الحالي لغبطة البطريركَ الكلداني  مار لويس ساكو.

سنة 1978 عُيّن للخدمة في كنيسة مار بثيون في حي البلديات، خدمها طيلة 23 سنة وأحبّها بكلِّ  مَا تحمله الكلمة مِن معنى. صيف عام 2001 انتقل لخدمة  كنيسة سلطانة الورديّة ( قديسة ريتا- أمُّ الدرج)، كرادة خارج، واحتفل بقداسه الأوّل على مذبحها  في عيد التجلي بتاريخ 6/8/2001. عُرف الأب بُطرس بمحبته وطيبة قلبه، رغم انفعالاته الكثيرة وطبعه الحاد أحيانًا، ربُّما بسبب  وحدته. ( وقد آلف النّاس كلماته،  هلو عيني – الباشا كما كان يحلو لهُ أن يناديني).

كانَ متقلب المِزَاج، رّجل موقف، تمتَّعَ  بشخصيّةٍ صريحة وشجاعة، جريء القرارات، خفيف الظلّ، صاحب طلّة لطيفة، دمث الأخلاق، ورع وتقي. خدم مذبح الربّ بِكُلّ محبةٍ وتفانٍ رغم معاناته المزمنة مِن مرض السُكر وعدم قدرته على الوقوف طويلاً، وفي سنينه الأخيرة  لطالما احتفل بالقدّاس جالسًا، وقد عاصرت ذلكَ بنفسي.

ادركتهُ كريمًا، سخي اليد، يحسن استقبال ضيوفه وزواره، يُساعد الآخرين في الخفاء، لا يحب المظاهر والتطبيّل، يُحبّذ العمل بهدوءٍ وخفاء.  وأتذكر عندما انتقل للخدمة في كنيسة سلطانة الورديّة، قصدت كنيسة مار بثيون  عدة عوائل فقيرة وابلغونا أنهم كانوا يتقاضون راتبًا من الأب حدّاد للمعيشة، ناهيك عن المواد الغذائيّة التي كان يغدقها عليهم في زمن الحصار الاقتصادي،  بعضهم مِن غير المسيحيّين.

كانَ -رحمه الله- قليل الكلام، كثير الإشتغالات والمؤلفات، قارئٌ لبيب؛ بحيث كلّما دخل عليه أحد الزوار في مكتبه، وجدهُ مُنكبًا على القراءة أو الكتابة. الكتابُ خير صديقٍ لهُ. مُواكبًا مُتجددًا، يُشجع كُلّ ما هو جديد ومفيد.  حيويّة فكره كانت متوقدة ومتجدّدة. ورغم مرضه وتقدمه بالسّن بقي صوتهُ شجيًّا الشجي،   عذبًا!.

أتقنَ ألحان التراتيل الطقسيّة ومقامات القدّاس الكلداني، خاصّة مقاميّ ( النهاوند والبيات).  أمتاز  بحسَن الخط وموهبة الرّسم.  وعلى الرغم مِن أنَّ تخصصه كانَ في اللأهوت العقائدي؛ لكنّه لم يكتب في  اختصاصه إلاّ ما ندر، بل تركزت مُعظم مؤلفاته وكتاباته حول التراث العراقي والتّاريخ الكنسيّ، فضلاً عن تحقيق المخطوطات النفيّسة وأدب الأستشراق... والحقُّ يقالُ لقد برعَ في هذا المجال وأجاد.

    كما أظنهُ كانً مُتأثرًا جدًّا بشخصيّة الخوري داؤد رمّو الموصلي (ت 1948)، سكرتير البطريرك يوسف عمّانوئيل الثّاني ( ت1947)، الذي أرَّخ حقبة زمنيّة مهمة مِن تاريخ كنيسة العراق الحديث في مخطوطه "الخواطر"[7] و"تاريخ المدرسة الكهنوتيّة البطريركيّة". وبِحسب تفحصي ومتابعتي لحياة الأب حدّاد ،أجدهُ قد سارَ على نفس النهج، لا فقط في تَأريخ حقبة زمنية مِن تاريخ كنيسة العراق المُعاصر، بل كانَ صندوق معلومات مغلق، يجود بالأجوبة النّادرة عّن كُلِّ من يسأل منهُ كبيرة أو صغيرة مِن قبل المقربين، دونَ جعلَ الوثائق تحت تصرفهم إلّا ما ندر!.

لم يكن الأب حدّاد  يبخل بشيءٍ مِن علمه على أحدٍ، فإذا سألهُ أحدهم في بحثٍ ما، أجابه عليه بِما يعرف ويرشده إلى المصادر،لكنّه كانَ ممسكَ اليدين في تقديم المخطوطات والوثائق. ومِن مزاياه الحسنة،أنّهُ يأخذ بيد طُلاّبه مِنَ الكُتّاب والباحثينَ، يشجعهم ويوليهم قدرًا مِن اهتمامه وعلمه، ولهُ في ذلكَ أيادٍ بيضاء عليَّ.            

         رغم سنوات عمله الطويلة في أرشيف بطريركيّة الكلدان واستفادته الكبيرة والكثيرة منه ، علاوة على المعلومات والوثائق التّاريخيّة والكنسيّة التي أمدها به البطريرك الراحل عمّانوئيل الثّالث دلّي -رحمه الله-، الذي شغل منصب سكرتير  البطريركيين مار  بولس شيخو ومار  روفائيل بيداويد- رحمهما الله- ألاّ أنّه فضّل عام 2006 الاستقالة مِن عمله في البطريركيّة، بسبب تردي الحالة الأمنيّة وزحمة الطرقات، وصعوبة التنقل مِنَ الكرادة خارج إلى منطقة المنصور على إيقاع الإنفجارات .

كما استفاد الأب حدّاد أيضًا من المعلومات التاريخيّة التي استقاها مِن الباحثين بطرس نعامة وكوركيس عواد، اللذين أمداه بمعلومات غنية ومخطوطات نادرة عن شخصيات وأحداث وأماكن عاصراها.

كان الأب بطرس حدّاد عضوًا في: المجمع العلمي العراقي ( هيئة اللغة السريانيّة)، إتحاد كُتّاب وأُدباء العراق، دائرة التاريخ والتراث العراقي،  إتحاد المؤرخين العرب[8].

لهُ أكثر مِن مُقابلة تلفزيونيّة محلية وخارجية. لهُ مُشاركات في العديد مِنَ  المؤتمرات الكنسيّة (محلية وعربية ودولية)،ولعلَّ مشاركاته عام 1984 في مؤتمر للدراسات السريانيّة في هولندا، جامعة خرونيكن، تعدّ مِن أهم المؤتمرات التي شارك بها وحاضّر فيها؛ حيث استعرض دراسته لكتاب حققه عام 2000  (مختصر الأخبار البيعية[9]) وكذلكَ في بيروت وعمّان...حبّر مقالاته وأبحاثة في المجلات العراقيّة والعربيّة الكنسيّة  والعلميّة وكذلك بعض المجلات العالميّة، فهو مؤرخ لغوي، ولغوي دقيق، ملكَ عين النسور في بحوثه، أنتج أكثر مِن (40) نتاجًا، بين ترجمة وتحقيق وتأليف، ولهُ مئات المقالات والأبحاث بلغاتٍ عدة[10].

أوّل مؤلّفاته (المرشد إلى القدّاس الكلداني)، وأخرها كتاب رأى النور لهُ، وهو يصارع الموت بعنوان  (رحلة مِن إسطنبول إلى البصرة 1781)، بيروت 2010.  نَشَرَ آخر ابحاثه في مجلة مسارات العدد 14، 5، 2010، في عددها الخاصّ عن المسيحيّة في العراق، وكانَ بحثهُ تحت تسمية "مسيحيو بغداد بين الماضي والحاضر". وأظنه استعان كثيرًا بكتابه الموسوم: كنائس بغداد ودياراتها، وكذلك نَشَرَ بحث ( شمّامسة كنيسة مسكنتة) في مجلة نجم المشرق، عدد (63) خريف عام 2010 [11].   وقد صدرت له بعد وفاته بعد الرحالات التي كان قد ترجمها عن الإيطالية والفرنسيّة.

أتقن الأب حدّاد السريانيّة والعربية والإنكليزيّة والإيطاليّة واللاتينيّة والفرنسيّة، ويعرف القليل عن الالمانيّة.

إنّ الرسالة التي أُريد لها أن تصلَ إلى القارئ اللبيب مفادُها: إنّ المؤرخ الكبير والبحّاثة العريق الأب بطرس حدّاد، قد اهتزت له الأوساط الكنسيّة والثقافيّة والعلميّة والوطنية وترمل شارع المتنبي إثر رحيل ذلك الصرح العريق إلى دار البقاء، ولم يزل مرجعًا، فابحاثه وكتب الاستشراق التي ترجمها وخدماته  الكنسيّة وكتاباته جعلتهُ ذو آثرٍ خالدٍ في الذاكرة شارع المتنبي وكنيسة العراق ونفوس المؤمنين؛ فهو  جهبذُ مِن جهابذة العراق وكنيسته الضاربة في القُدمِ.

توفي بنتريخ 26/11/ 2010 فدُفنَ بالعراق كما أراد، بغداد  في مقبرة بعقوبة للكلدان بجوار ضريح الأب حبّي رحمه الله؛ فصار جزءًا مِن تراب بلدنا. هو القنديلُ الذي أنطفأ نورهُ وظلّ وضاءًا!! وهذا هو الخلود بعينهِ.

أبتِ حدّاد....نمْ قرير العين، ليدم ذكركَ للأبد، على روحِكَ الطّيبة الرحمة والسّلام.آمين.


[1] بعضها تم طباعتها في شارع المُتنبي ببغداد، أما كتاب اليوميات، فطبع بمعية الأب ( المطران حاليًّا حبيب النوفلي) ضمن منشورات كنيسة مار كوركيس الكلدانيّة وصدر بعد سقوط بغداد 2003. وأذكرُ للتاريخ الرجلُ كانَ عجولاً كُلما سلم كتابًا للمطبعة، وكان يقول ( عيني إذا نمتوا وما قعدتوا أكملوا طباعة كتبي). أما سعادته كانت لا توصف مع كلّ كتابٍ له يرى النور.

[2] أن نسيت فلن أنسى يوم كنت أستعد للكهنوت كان يقول لي ولسواي: (عيني، إذا  قصدتكَ سيّدة أو فتاة إلى المكتب للإرشاد أو الإعتراف اتركَ الباب مفتوحًا، لأنَّ كلام النّاس لا يرحم).

[3]  كان رحمه الله قد طلب منّي في كلمتي التي جاءت في خاتمة كتابه "يوميات الحرب العالمية الأوّلى ط2" بأن أُسجل مواليده 1938، لانه تولد في اواخر عام 1937.

[4] عام 2005 انتقل المعهد الكهنوتي إلى بلدة عينكاوة في أربيل

[5] مطران ابرشية مار توما الكلدانية في ديترويت الأمريكيّة المتقاعد

[6]  محبة الرّجل دفعته لتزويدي بوثيقة بخط البطريرك المستقيل ( مار نيقولاس زيّا) وهي وثيقة موجهة إلى أحد الكهنة باللغة السريانيّة- الكلدانيّة، كُتبت بيد البطريرك وخطه، تحمل ختمه البطريركي وموقعًة بـ ( نيقولاس زيّا وليس زيعا)، أقول ذلك لأنني كنتُ قد صححت الأسم في إحدى مقالاتي وفي كتاب مستقل عن البطريرك المذكور أيضًا، فانتقدني على اثرهما أحد الأساتذة، اتحفظ على ذكر اسمه،احترامًا لتاريخه وتقديرًا لمكانته الكهنوتيّة والأدبيّة. وحين عملت مع الأب حدّاد في الأرشيف، وضع تحت تصرفي تلك الوثيقة المذيلة بالختم متفوهًا: "انشرها في كتابك عن دار البطريركيّة، ليعلم من انتقدك أنه كان على خطأ وأنت كنت على صواب"، وهكذا فعلت. كما أطلعني على وصية البطريرك مار يوسف السادس أودو، وأجاز لي نشرها في كتابي :البطريرك أودو، الصادر في بغداد بمناسبة رسامتي الإنجيليّة 2004، بعد الإستعانة بالهوامش التوضيحيّة التي اعدها ونشرها في مجلة المشرق البيروتيّة عام 1999. كان رحمه ممسك اليدين في تزويد الباحثين بالوثائق والمخطوطات، لكنه لم يبخل عليّ بهذا المجال  إلّا ما ندر!.

[7]  حكى الأب حدّاد صيف 2005 في جلسةٍ ليلية في مكتبه، وكلانا  اِكتوَى بحرارة شهر آب اللهاب، مع ساعات انقطاع الكهرباء المبرمجة،  كيف أنه استنسخ المخطوط الأصلي للخواطر بخط يده، بعد أن وضعه تحت تصرفه إبن شقيق الخوري رمّو، السيّد فضيل اوخر الستينيات، إذ اوصى الخوري مكتبته  إلى معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل، أمّا المخطوطات التي بخط يده سلمت لابناء اخيه. وقد قام الأب الراحل بتقديم نسخته المستنسخة بخط يده هدية إلى البطريرك الراحل مار عمّانوئيل الثالث دلّي في زيارته الأوّلى لكنيسة سلطانة الورديّة كبطريرك، يوم أحتفل بقداس عيد الميلاد سنة 2003. لأنّهُ لم يكن للبطريركيّة الكلدانيّة ( الارشيف والمكتبة) ولا لغبطته أيّ نسخة من المخطوط!، وبدوره قام البطريرك الراحل دلّي باعادتها إلى الأب حدّاد بعد الاطلاع عليها ليوضعها في الخزانة البطريركيّة.

[8]   أُعطِيتْ له صِفَة العُضو  في تلك المؤسّسات منذ مطلع السبعينيات .

[9]  الكنسيّة.

[10]  للتعرف على مؤلفاته ومقالاته أنظر كتابنا( المبدعون غرباء عن هذا العالم) سيدني 2011.

[11]  نُشرَ الجزء الثاني من هذا البحث في مجلة نجم المشرق، عدد (64).

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق