وقفات على المفارق مع التواصل أمام بوابات الجَلْبُوع/ سعيد نفاع

الوقفة الأولى... شظايا أفكار
ربّما ترى هذه الوقفات النور 48 ساعة قبل دخولي سجن الجلبوع، وجبل الجلبوع منه براء، ولا شكّ سيتيح لي السجن وقفات كثيرة ترافقني، لكني رأيت أن أعفي هذه من الرّفقة علّها بانطلاقها خارجه تكون أفضل. 
منذ أن أصدرت المحكمة العليا الإسرائيليّة قرارها قبل شهرين بتثبيت الحكم عليّ بالسجن الفعلي، استوقفتني خلالهما الكثير من المحطات وحلقتْ فيها الكثير من شظايا الأفكار في الكثير من الأمور صغيرها وكبيرها، شخصيّة وعامة، المُؤلم منها وللألم أمكنة، والمُفرح منها وللفرح بعض أمكنة، المُحبط  وهو كثير، والمُثير وهو أكثر. 
الجزء الكبير من هذه الشظايا حامت حول "مشروع التواصل"، مرافقا لها السؤال ال"ريطوري- الاستنكاري": هل كانت المؤسسة الإسرائيليّة بكل أذرعها وأزلامها ليستكلبوا هكذا زارعين في أجسادنا أنيابهم الصدئة، لو لم يكن المشروع يقضّ مضاجعهم ومواجعهم ؟!
الوقفة الثانية... مع المضاجع والمواجع.
التواصل، في نظر المؤسسة الصهيونيّة، هو فعل إنسانيّ فقط إذا كان بين اليهود، وهو فعل مذهبيّ مشروع فقط إذا كان مع قبور أوليائهم في إيران والعراق، وإذا سُمح به لل"جُوييم" حين يكون "الحل والربط" في أياديهم فلغرض في نفس يعقوب يعود عليهم، وهو فعل أخلاقي حين يكون مع الأثيوبيّين الفلاشة، وهو فعل وطنيّ وقوميّ حين يكون مع شتاتهم من ميكرونيزيا شرقا إلى الهنولولو غربا.         
وبالمناسبة ال"جُوي" هو ليس "الغير" أو "الغريب" مثلما يترجم، هو من نفس جذر الكلمة العبريّة "جْفِياه" ومعناه العربيّ "الفطيسة"، على ذمّة بعض الضليعين في اللغة العبريّة. 
عندما يكون التواصل لغيرهم فهذا اعتداء على ما خصّهم به الله دون غيرهم حين اختارهم من بين خلقه أجمعين، وكم بالحري، وكما في سياقنا، حين يكون التواصل بين من يعتبرونهم كالقطيع في حظائرهم سمّنوا له بعضا من كراريزه على هيئة فحول، وتواصل مع أعدائهم وإن كانوا حتى من أهل من يعتبرونهم قطيعا، فهذا مسّ في حقهم الإلهي الخاص وأمن حقّهم الأرضيّ النابع منه، دولتهم.
ربّما يعتبر البعض أن هذا كلاما عنصريّ، وها أنا أقولها: لم ترضعني أمّي حليب كره الآخرين، والعنصريّة ليست في الإشارة إلى عنصريّة الآخرين وإنما في ممارستها ضدّهم.    
الوقفة الثالثة... ضرب المشروع.
حين انطلق المشروع ولكل شرائح أبناء شعبنا في الداخل، وعينيّا للعرب الدروز من خلاله ومن خلال "مؤتمر التواصل القوميّ" عمان الأردن آب 2001، وبدأ يؤتي أُكُلَه هدما لجدران الحظائر، كان لا بدّ من ضربه، بداية داخليّا بضرب وحدة لجنة التواصل. وهنا تشابكت عام 2009 الأيدي من قطر عبورا بتل أبيب والناصرة إلى لبنان وعودة إلى أدوات في الجليل، إلا أنه ورغم أن حَمَلة الأسافين اخترقوا اللجنة وضربوا هيبتها، غير أن شقّ اللجنة لم يوفر التواصل وعاد المنشقّون في هذا العام من الأردن يحملون خفّي حُنِين والخيبة، ورغم انتحالهم اسم اللجنة.
لملمت لجنة التواصل الوطنيّة الأصيلة الأصلانيّة الجراح، وخرقت الجدار بوفد تواصليّ إلى لبنان وسوريّة في تموز 2010 بعد انقطاع المشروع ثلاث سنوات، ممّا جعل المؤسسة تستشرس في الملاحقة وتسارع في تقديم لوائح الاتهام وبعد التنسيق التام مع "أزلامها" الدروز، اعتقادا منها ومنهم أن لا بدّ من ضرب المشروع... والتتمّة معروفة.     
الوقفة الرابعة... القيمة والوفاء.
التواصل قيمة جليلة، وكما اعتدنا أن نقول أهليّا ووطنيّا وقوميّا، وكلّ ذلك حقّ إنسانيّ من أقدس الحقوق في السجلّ الإنسانيّ. وكما كلّ القيم، الفرديّة منها كالحريّة والجمعيّة كحريّة الأوطان، المستفيد منها الناس، وحين يعمل الإنسان فردا أو مجموعا على تحقيق تلك القيم أو الحق ويتصدّى للظالم سالبها يدفع الأثمان الغالية أحيانا من حريّته وربّما حياته، وقد يحمل السكاكين حين يقع كُثر وقد لا يسير في جنازته كثُر ممن استفادوا، قلّة وفاء، غير أن قلّة الوفاء لا تسقط القيمة ولا تسقط قلتُه استئهال القيمة دفع الأثمان، أقول هذا للأوفياء وأضيف: لا يحبطنّكم مُحبط ٌفالقيم لها أهلها ولا يضيرها الناكرون!
 ولعلّ في أبيات زيد الأطرش التي أنشدها في طريقه إلى المنفى برفقة عوائل الثوار، بعد قمع الفرنسيّين الثورة السوريّة عام 1925 ما يفسّر الكلام، إذ أنشد: "يا ديرتي ما لك علينا لوم... لومك على من خان" إلى آخر المقطوعة. "الديرة" وحريتها هي القيمة ولا يُسقط من قيمة القيمة خيانة البعض من المستفيدين من حريّة الديرة ويبقى مَهر القيمة غاليا، وفي سياقنا التواصل قيمة فلا تسقط قلّة الوفاء من قيمتها ولا ترخّص من مهرها.  
الوقفة الخامسة... الهزيمة والانتصار.
تستطيع المؤسسة أن تفرك أكفها هناء اعتقادا منها أنها انتصرت على التواصل، انتصرت على هذه القيمة هذا الحق، وأعادت ترميم جدران حظائرها. ويستطيع "زبانيتها" أن يرفعوا الكؤوس نخب ما يعتقدون أنه انتصارهم إذ أعاد لهم أسيادهم ما فقدوه من حليب مَن يعتبرونهم قطيعهم، ويستطيع كذلك "الضاربين على الدف" من حلفائهم ضمنا وإن لم يكن شكلا، أن يحتفلوا اعتقادا بخلو "الميدان لحميدان".
هذه الاعتقادات تصير حقائق فقط إذا انهزمت "الحركة الوطنيّة للتواصل".
أنا على قناعة تامّة أن عشرات أعضاء الحركة الوطنيّة للتواصل ومئات مؤيديها قادرين أن يجعلوا أكف المؤسسة تهتريء وكؤوس الأزلام تندلق ودفوف الحَمَادين تحترق، ولكن الاهتراء والاندلاق والاحتراق سيكونون أكثر عويلا، إذا أخذ بيد اللجنة كلّ الحلفاء الأحرار من كلّ أبناء شعبنا تواصلا قيميّا وميدانيّا.

افتراق أردني – فلسطيني مرشح للاتساع/ نقولا ناصر

(ما وصفته "القدس العربي" الاثنين الماضي ب"خلاف صامت" و"تباعد في المواقف" بين الجانبين يشير إلى بوادر افتراق تكتيكي مرشح للتحول إلى افتراق استراتيجي)

لقد أبدى الجانبان الأردني والفلسطيني حرصا كبيرا على سرعة احتواء ما بدا أنه اختلافات بين عمّان وبين رام الله حول اتفاق "كاميرات الأقصى" الأخير بين الأردن وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والسبب على الأرجح هو أن كليهما يدرك بأن تناقضه الرئيسي كان وسوف يظل مع الاحتلال ودولته مهما احتدت التناقضات الثانوية بينهما.

في معرض تسويقها ل"اتفاق الكاميرات" مع الأردن وضعت حكومة دولة الاحتلال "نزع فتيل أزمة مع الأردن" في رأس ايجابيات الاتفاق، أو كما قال رئيس هذه الحكومة بنيامين نتنياهو فإن "التفاهمات الأخيرة التي تم التوصل إليها في عمّان حول المسجد الأقصى حالت دون نشوب أزمة في العلاقات الإسرائيلية الأردنية"، لإدراك حكومة الاحتلال بأن أزمة مماثلة كان سببها الانتهاكات الإسرائيلية للوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس المحتلة قبل حوالي عامين قادت إلى استدعاء السفير الأردني من تل أبيب.

يوم أمس الجمعة كتب اموس هارل في "هآرتس" العبرية بأن تهدئة الوضع في الحرم القدسي "يستهدف تهدئة العاهل الأردني" أيضا لأن "الملك عبد الله (الثاني) كان ساخطا على التصعيد المتجدد" هناك "واتهم إسرائيل بالمسؤولية الجزئية عنه"، مضيفا أن الجانبين ما زالا بانتظار" طواقم فنية وأمنية "لتوضيح كيف سوف يتم جمع المواد المصورة، وبصفة رئيسية من سوف يكون المسؤول عن نشرها"، أو كما قال الملك تعليقا على تصريحات نتنياهو حول التزامه باحترام الوضع القائم في الأقصى فإن "هذا الالتزام مرحب به على أن يتم تنفيذه".

لكن "ليس سرا أن العلاقات الأردنية الفلسطينية ليست في أحسن حالاتها" كما كتب المحلل الأردني عريب الرنتاوي الأربعاء الماضي مضيفا أن "قنوات التنسيق والتشاور بين الجانبين لم تكن سالكة تماما خلال العام الأخير"، ما قاد إلى خروج "تفاهمات كيري" حول كاميرات الأقصى "إلى فضاء الإعلام".

وما وصفته "القدس العربي" الاثنين الماضي ب"خلاف صامت" و"تباعد في المواقف" بين الجانبين يشير إلى بوادر افتراق تكتيكي مرشح للتحول إلى افتراق استراتيجي حول "عملية السلام" ومفاوضاتها التي ما زال الجانبان يعلنان التزامهما "الاستراتيجي" الصارم بها.

ولأن استئناف مفاوضات منظمة التحرير الفلسطينية مع دولة الاحتلال برعاية أميركية أحادية أم برعاية أممية متعددة الأطراف ليس متوقعا في المدى المنظور فإن الافتراق بين الجانبين مرشح للاتساع .

لقد أبدى الجانبان حرصا متبادلا على احتواء ردود الفعل الفلسطينية السلبية على "اتفاق كاميرات الأقصى"، فوزير الخارجية الأردني ناصر جودة استنكف عن الرد على تصريحات نظيره الفلسطيني رياض المالكي بأن الاتفاق كان "فخا إضافيا سيستخدم لاعتقال الفلسطينيين بحجج التحريض"، بالرغم من استفزازات صحفية لجودة تحثه على سرعة الرد.

ثم أدلى المالكي بتصريحات لاحقة قال فيها إن "الأردن تعمل باسمنا جميعا" وإن "الحكومة الفلسطينية تعول كثيرا على الدعم الذي تحصل عليه من الدول الشقيقة وتحديدا المملكة الأردنية الهاشمية" وأشاد ب"الدور الأردني المميز في حماية المقدسات وتحديدا المسجد الأقصى.

وأصدرت الخارجية الفلسطينية بعدها بيانا عن "الفهم المغلوط" لتصريحات المالكي عن "الفخ" و"حرفها عن مقاصدها الحقيقية" ليؤكد البيان على أن المالكي "يثق كل الثقة بالأشقاء في الأردن" وعلى أن "تكون الجهة المسؤولة" عن "إدارة الكاميرات والإشراف على مخرجاتها محصورة بالجانب الأردني".

غير أن التحفظات الفلسطينية المستمرة على الاتفاق تشير إلى اختلافات تتسع شقتها ولا تضيق، وسط شبه إجماع فلسطيني رسمي وشعبي يتجاوز الانقسام الداخلي على رفض الاتفاق أو التحفظ عليه.

فاتفاق الكاميرات أولا، من وجهة نظر فلسطينية، يبدو كاتفاق يحول دون الفلسطينيين واستثمار انتهاكات دولة الاحتلال في الأقصى رافعة لتصعيد مقاومة الاحتلال، بالفصل بين قضية الأقصى وبين قضية الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويبدو اتفاقا يستهدف نزع فتيل صاعق الأقصى الذي فجر موجة المقاومة الشعبية الحالية ووحدها في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ولم تخف دولة الاحتلال ولا الوسيط الأميركي أن الاتفاق يستهدف احتواء هذه الموجة حتى "تهدئتها".

والاتفاق ثانيا، ك"ترتيب خاص من أجل ضمان وحماية الوضع التاريخي للمسجد الأقصى"، كما قالت الخارجية الفلسطينية في بيان لها الأحد الماضي، "يجب ان يكون الشعب الفلسطيني وقيادته جزءا أساسيا منه"، محذرة من "أن أي تجاهل للدور الفلسطيني الفاعل والرئيسي والمباشر يضعف إمكانية نجاح أي اتفاق مهما كانت ايجابياته".

ومن الواضح أنه لم يكن هناك أي دور فلسطيني في التوصل إلى اتفاق "الكاميرات". وإذا كانت الأسباب الأميركية لاستبعاد هذا الدور غنية عن البيان فإن الموافقة الأردنية على ذلك تبدو مصدر تحفظ فلسطيني في ضوء "اتفاقية الدفاع عن القدس" الموقعة بين الجانبين عام 2013 التي أكدت "الوصاية الهاشمية" على الأماكن المقدسة في القدس من دون الانتقاص من "ممارسة السيادة الفلسطينية على جميع أجزاء إقليمها بما في ذلك القدس".

لقد حاول جون كيري عقد قمة ثلاثية تجمع نتنياهو مع الملك عبد الله الثاني والرئيس عباس في العاصمة الأردنية من أجل التوصل إلى اتفاق على "التهدئة"، ولم تنجح محاولته بسبب رفض العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني لها، لكنه اجتمع مع الملك وعباس كلا على حدة. ويلاحظ المراقبون أن الخلاف أو الاختلاف الأردني – الفلسطيني في الرؤية كان هو السبب في عدم اجتماع كيري بهما معا، كما يلاحظون عدم لقاء الملك وعباس لا قبل الاتفاق ولا بعده، وكان وزير الخارجية الأردني وليس الملك هو من أطلع عباس على الاتفاق بعد التوصل إليه.

والاتفاق ثالثا يتعارض بل يصطدم مباشرة بالمسعى الفلسطيني المعلن الذي يكرر المطالبة ب"حماية دولية" للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال انطلاقا من القدس بخاصة ومن الأقصى على الأخص، لانتزاع القدس والأقصى من براثن الاحتلال بوضعهما تحت حماية أو مراقبة دولية كمرحلة انتقالية تمهد للسيادة الفلسطينية عليهما.

وفي هذا السياق تاتي "المبادرة الفرنسية" التي تتبناها الرئاسة الفلسطينية ويعارضها الأردن ودولة الاحتلال والولايات المتحدة.

في مقال له نشرته صحيفة "اسرائيل اليوم" المحسوبة على نتنياهو قال الباحث عومري دوستري إن الاتفاق يعد "انجازا أمنيا وسياسيا من الطراز الأول" لأنه "أفشل االمبادرة الفرنسية" التي قال إنها تمثل "مسّا خطيرا بالسيادة الإسرائيلية على البلدة القديمة في القدس" لأنها تدعو إلى وضع "مراقبين دوليين" في الحرم القدسي، ما يسوغ لمنتقدين فلسطينيين انتقادهم للاتفاق بحجة أنه "يشرك" الاحتلال ودولته في "أمن" الأقصى و"يجهض" المسعى الفلسطيني، وعلى سبيل المثال قال عضو الكنيست "العربي" في دولة الاحتلال باسل غطاس إن وضع كاميرات في الأقصى يستهدف "تثبيت السيادة الإسرائيلية" عليه.

والاتفاق رابعا يؤكد استمرار التزام المملكة بمعاهدة "السلام" الموقعة مع دولة الاحتلال عام 1994، بينما يعلن الرئيس الفلسطيني، كما جاء في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وخطابه الأحدث أمام مجلس حقوق الإنسان التابع لها بجنيف يوم الأربعاء الماضي، أنه "لا يمكننا الاستمرار بالالتزامات الموقعة مع إسرائيل وحدنا في ظل عدم التزام إسرائيل بها".

لقد حذرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني مؤخرا من أنه "من دون أفق سياسي" سوف تتكرر "دورة العنف". ولم يعد أحد يشك في أن نتنياهو قد أغلق كل الآفاق السياسية عندما أعلن في الكنيست عزمه على "السيطرة على كل المنطقة في المستقبل المنظور ... بحد السيف" متهما من يضغطون عليه للتفاوض على حل الدولتين بأنهم أصحاب "وهم غير واقعي"، ومحققا بذلك وعده خلال حملته الانتخابية الأخيرة بعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية طالما ظل رئيسا للوزراء.

ويتوقع الفلسطينيون أن يعيد الأردن النظر في التزامه ب"معاهدة السلام" على أساس تبادلي مثلهم، فالجغرافيا السياسية الأردنية – الفلسطينية في هذه الحالة تجعل خروج المملكة على سياسة "الأردن أولا" حالة استثنائية لا مهرب منها، أو يتحول الافتراق التكتيكي إلى افتراق استراتيجي في الرؤية الأردنية والفلسطينية للعلاقات مع دولة الاحتلال يحول الاختلاف مع الأشقاء الفلسطينيين إلى خلاف إن عاجلا أو آجلا بكل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر على الطرفين لا يستفيد منها سوى دولة الاحتلال.

وعدم نشر نص الاتفاق أو ما يفضل البعض تسميته ب"التفاهم" وانعدام الشفافية الأردنية بشأنه فسح المجال، خامسا، لذوي النوايا الحسنة والصيادين في المياه العكرة على حد سواء لإثارة الشبهات حوله، ما يزيد في المخاوف الفلسطينية منه والتحفظات عليه، فبينما قال وزير الأوقاف الأردني هايل عبد الحفيظ إن "على سلطات الاحتلال عدم التدخل في تركيب الكاميرات أو مراقبتها" لأن ذلك شأن أردني خالص قال مكتب نتنياهو الاثنين الماضي إن تركيبها يجب أن يتم "بالتنسيق" مع دولة الاحتلال.

لا بل إن بعض منتقدي الاتفاق يذكرون، سادسا، بأن فتح أبواب الحرم امام الزوار غير المسلمين واستئثار دولة الاحتلال بالاشراف على دخولهم عبر باب المغاربة واستمرار حفريات الاحتلال تحت الحرم وحوله ومنع الأردن من تنفيذ (19) مشروعا لإعمار الأقصى وترميمه وغير ذلك من الانتهاكات للدور الأردني لم تقابل بما تستحقه من رد أردني.

ولأن الفلسطينيين يدركون، سابعا، ما أدركه الكاتب الأردني ماهر أبو طير في جريدة "الدستور" الأربعاء الماضي بأن "نتنياهو يريد توظيف العلاقة مع الأردن" من أجل "إطفاء شرارة الانتفاضة" الفلسطينية الحالية وبأن "تل أبيب تريد ... تحميل الأردن مسؤولية إطفاء الانتفاضة أولا"، فإنه لا يسعهم إلا العتب على المملكة لانسياقها مع التفاف إسرائيلي مقصود على الدور الفلسطيني، بتوافق مع الرؤية الأميركية ل"الدور البناء والهام للغاية الذي يلعبه الأردن"، حسب وصف كيري، في سياق المساعي الأميركية – الإسرائيلية الحثيثة لاحتواء الانتفاضة الجارية ووأدها في المهد.

في سياق الردود الأردنية على هذه وغيرها من التحفظات الفلسطينية قال رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق عدنان أبو عودة ل"رأي اليوم" اللندنية يوم الأربعاء الماضي إن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي أوقعت الأردن في "الفخ" وليس العكس بقبولها منفردة تأجيل حسم قضية القدس الشرقية في اتفاق أوسلو ما حولها إلى "منطقة متنازع عليها" يتقرر مصيرها بالتفاوض.

لقد كان أبو عودة على صواب، لكن ذلك لا يعفي الأردن من المسؤولية عن قبوله توقيع معاهدة صلح منفرد مع دولة الاحتلال تمنحه دورا خاصا في القدس وهي تحت الاحتلال قبل زوال الاحتلال عن الضفة الغربية ومنها شرقي القدس التي كانت جزءا لا يتجزأ من المملكة.

والدرس التاريخي واضح، فإن العرب إن لم يسالموا معا ويحاربون معا فإنهم سوف يكونوا خاسرين جميعا من الذهاب إلى السلم أو للحرب منفردين.

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

هلاوين كندا التنكري وعبدة كرسي بعبدا وتراب الأرض في لبنان/ الياس بجاني

يا للصدف، اليوم يستمتع أطفال كندا بعيد الهلاوين التنكري والخرافي ببراءة وطيبة قلب ونوايا صافية، فيرتدون ملابس الشياطين والعفاريت ومصاصو الدماء التنكرية ويضعون على وجوههم الأقنعة ويحملون أكياسهم ويجولون على الأحياء القريبة من سكنهم وهم يرددون لازمة “ترك تريت” فيستقبلهم أصحاب البيوت على أبوابها المزينة بشواهد القبور ورسوم الشياطين والهياكل العظمية والجن والعفاريت والشموع المضاءة داخل يقطينات رسموا عليها وجوه بشرية، فيعطونهم الحلوى بفرح ما بعده فرح وصدق خالص ومحبة.

في مثل هذا اليوم كان في ما مضي من الأزمة في كندا ومحيطها يُعتقد أن الأموات يعودون من عالمهم الآخر ليدخلوا عالم الأحياء، وعلى هذه الخرافة الأسطورية التنكرية بنيت فكرة يوم الهلاوين.

أما في لبنان فالأحياء في الأجساد فقط والأموات في ضمائرهم والعقول من قادتنا والسياسيين وأصحاب شركات الأحزاب التجارية والعائلية ورجال الدين الكبار أصحاب القلانس والعباءات والطرابيش ومنتفخو الصدور وقليلو العقول فهم أموات يرتدون الأقنعة وكل ما يقومون به ويقولونه نفاق وتنكر وخداع 24/24 وقد نقلوا عالم الأموات إلى عالم الأحياء اللبناني وحولوه إلى موت مستمر ودائم مع هلاوين خاص بهم لا نهاية لزمنه وزمنهم. هم يعيشون يوم البربارة التنكري على مدار الساعة.

القادمون من عالم الأموات هؤلاء هم زملاء ملك الأبالسة لاسيفورس وخدمه وقد أوكل لهم مهمة تدمير لبنان وإفقار شعبه وإذلاله ودفعه بالقوة ليعيش وسط أكوام القمامة في الشوارع والأزقة، وأيضاً تحمل قرف القمامة السياسية في مواقع السلطة ومراكز الحكم على مختلف أشكالها وأنواعها.

هؤلاء قادة لبنان “الهلاوينيين” الهوى والنوى الذين يحلمون بحياتهم وبموتهم بكرسي بعبدا، والعاشقين عن قلة إيمان وخور رجاء لفن اللوك LOOK أي المظاهر الكذابة قد سبقوا قدماء كندا وغيرهم من سكان البلدان الأخرى في كل فنون شر وخبث التنكر الهلاويني وأمسوا من المتفوقين في هذا الفن الشيطاني.

الأبالسة القادة هؤلاء هم 99% من حكام وكبار رجال الدين ومعظم أفراد الطاقم السياسي اللبناني العفن الذين عن طريق وزناتهم وكما المسيح الدجال قد سيطروا بالكامل على عالم الأحياء من أهلنا وحولوهم إلى أموات في وجدانهم وحاسة نقدهم والضمائر وجعلوا من كثر منهم زلم وأتباع وهوبرجية وأغنام تساق إلى المسالخ دون اعتراض وحتى “معمعة”.

في الخلاصة، إن وجوه يومي بربارة والهلاوين التنكرية والإبليسية هي وجوه غالبية أهل السياسية وتجار الأديان والهياكل في وطننا الحبيب لبنان، المحتل والمقهور والمغلوب على أمر أهله.

ولكن ورغم واقع الشر والأشرار، ورغم بشاعة وحقارة كل الوجوه الكالحة والإبليسية التنكرية لقادة هم عملياً وواقعاً من عالم الأموات، قادة بجحود وكفر يتحكمون برقاب أهلنا ومصرهم وسلمهم ولقمة عيشهم، نعم وألف نعم إنه رغم كل هذا الكم من البشاعة والبشعين هؤلاء جميعاً إلى جهنم ونارها ودودها وبؤس المصير.

رغم كل هذا السواد، يبقى في لبنان خمائر كثيرة طيبة وطوباوبية وفي كل المواقع وداخل كل الشرائح المجتمعية.. خمائر بإذن الله سوف تخمر في وقت قريب وقريب جداً عجين الوطن كله وترمي الوجوه البربارية والهلاوينية في القمامة وتحرقها لتعيد لوطن الأرز والرسالة والقداسة الحرية والسيادة والسلام.

إن تعتذر عن موعدي/ فاطمة الزهراء فلا‏

يعتذر الطير عن التغريد
ويطمس الظن معالم الفرحة 
في يومي وغدي 
إن تعتذر عن موعدي 
أسيرة يقيدني الهوي
ومن يفتح خزائن العشق ؟
ويدق أجراس الشوق ؟
ويسدل ستائر العشاق ؟
ويطفئ الأنور ؟
فترقص بنات الحور
فيهتز الأثير
ويحملهن علي جناح الجمال
فتستيقظالفراشات كي تغني
وانا وانت نسقط في معابد النور
وشموع الحب نشعلها
فتذوب دموع الفراق
فتجلجل همساتنا ويرددها الصدي
وتصبح قهوتك الصباحية حليبا
يداعب المساء
فتحملنا عرائس النشوي لأبعد سماء
وأبوح للدفاتر بأجمل المشاعر
فتزهو الورود
جميلة ندية
ومن ألقي ألقي لليل
بسهم الضياء
فدعني ألقي بثوب الخريف البائس
وأرتدي ثوب الربيع الزاهي الشقي
ولا أقترب من ثوب الشتاء الغبي
فكيف لي أرتديه
وأنا الغادة الحسناء
آه يا حبيبي قبلة أخيرة ودعني
ولا تقل لي أبدا ماذا تعني ؟
لم يبق لطائر الحلم إلا لحظة ويطير
فاسخر من أحلامي كيف تشاء
وضع اعتذارك كالعادة علي حائط الرجاء
وتذكر أني كنت لعبة
شكلتها بين يديك غبية حمقاء
أو تتهادي في رقة 
عندما يأتي المساء
وتذكر أني كنت أغنية 
كتبتها أنت ووضعت اللحن فيها
وغنيتها أنا أجمل مايكون الغناء

ماذا بعد فشل بدائل التيّار القومي؟/ صبحي غندور

خبِرَت الأمَّة العربية، وجرّب العرب، في العقود الأربعة الماضية، كلَّ البدائل الممكنة عن نهج وتيّار العروبة الذي ساد في عقديْ الخمسينات والستينات من القرن الماضي. ولم يكن نهج التقوقع الإقليمي والانعزال هو وحده البديل، الذي ساد في بلاد العرب عقب عزلة مصر التي فرضتها اتفاقيات «كامب ديفيد» والمعاهدة مع إسرائيل، بل ظهرت أيضاً بدائل أخرى بألوان دينية وطائفية، بعضها كان متجذّراً في المنطقة لكن دون تأثيرٍ سياسيٍّ فعّال، وبعضها الآخر كان مفتعلاً من قوى إقليمية ودولية أو نتاجاً طبيعياً لإشعال تيّار المقاومة ضدّ حروب إسرائيلية على لبنان وفلسطين.
وقد ترسّخت في هذه العقود الماضية جملة شعارات ومفاهيم ومعتقدات، تقوم على مصطلحات «الوطن أولاً» و«الإسلام هو الحل» و«حقوق الطائفة أو المذهب»، لتشكّل في ما بينها صورة حال المنطقة العربية، بعد ضمور «الهويّة العربية» واستبدالها بمصطلحات إقليمية ودينية وطائفية.
لقد كان أيضاً بديل مرحلة «العروبة» عصر التطرّف في الأفكار، والعنف في الأساليب، والجهل في الدين، والتجاهل للوقائع ولحقيقة ما يحدث على أرض هذه الأمَّة وبين شعوبها. عصرٌ رفض الهويّة العربية المشتركة، بل ورفض أحياناً كثيرةً الهويّة الوطنية، عصرٌ أراد وصم شعوب هذه الأمَّة بتصنيفاتٍ تقسيمية للدين وللعروبة وللأوطان، وإقناع أبناء وبنات البلاد العربية بأنّ مستقبلهم هو في ضمان «حقوقهم» الطائفية والمذهبية والإثنية، وفي الولاء لهذا المرجع الديني أو ذاك، بينما نرى خاتمة هذه المسيرة الانقسامية هي تفتيت الأوطان والشعوب، وجعلها ساحة حروب لقوى دولية وإقليمية تتصارع الآن وتتنافس على كيفيّة التحكّم في هذه الأرض العربية وبثرواتها.
فالعرب يحصدون نتائج زرعٍ متعدّد المصادر، جرى منذ العام 1975، وقد استغلّت أطراف خارجية ومحلية سلبياتٍ كثيرة كانت ترافق فكر وممارسات الحركة القومية العربية، لكنْ بعد هذه العقود الزمنية الطويلة، ثبت أنّ «البديل الحامل للتسميات الدينية» لم يفتح آفاقاً جديدة أفضل في الهويّة أو الانتماء، وإنّما قزَّم الواقع العربي إلى مناطق ومدن وأحياء، فتحوّلت الهويّة الدينية، الشمولية أصلاً، إلى هويّة في مواجهة الشريك الآخر في الوطن، إنْ كان من طائفةٍ أخرى أو مذهبٍ آخر، أو حتّى من اتجاهٍ سياسيٍّ آخر!
وكما فشل هذا «البديل» الموصوف بتسمياتٍ دينية، في توحيد شعوب هذه الأمّة، فقد عجز «البديل الوطني» أيضاً عن ممارسة مفهوم المواطنة وبناء مجتمعٍ تكون الأولويّة فيه للولاء الوطني. وثبت أيضاً أنّه لا يمكن بناء أوطان عربية سليمة في ظلِّ غياب التعاون العربي المشترك القائم على وحدة الهويّة العربية، وحيث الفهم الخاطئ للدين وللتعدّد الفقهي فيه، ولكيفية العلاقة مع الآخر، أيّاً كان هذا الآخر.
فتعزيز الهويّة الوطنية يتطلّب إعادة الاعتبار من جديد لمفهوم العروبة، على المستوى العربي الشامل، كما يستوجب تحقيق أوضاع دستورية سليمة في كلّ بلدٍ عربي، فذلك أمر مهمّ لبناء علاقات عربية أفضل، ولضمان استمرارية أيّ صيغ تعاونٍ عربي مشترك. وبذا تصبح العروبة لا مجرّد حلٍّ لأزمة العلاقات بين البلدان العربية فقط، بل أيضاً سياجاً ثقافياً واجتماعياً لحماية الوحدات الوطنية ولمواجهة مخاطر الانفجار الداخلي في كلِّ بلدٍ عربي.
إنّ المدخل السليم لنهضة هذه الأمَّة من جديد، وللتعامل مع التحدّيات الخطيرة التي تستهدف أوطانها وشعوبها وثرواتها، هو السعي لبناء هُويّة عربية جامعة، تلمّ شمل هذه الأمَّة وما فيها من خصوصيات وطنية وإثنية وطائفية، وتقوم على حياة سياسية ديمقراطية سليمة، تعزّز مفهوم المواطنة وتحقّق الولاء الوطني الصحيح.
إنّ ذلك يحتاج حتماً إلى طليعة عربية واعية وفاعلة، تبني النموذج الجيّد لهذه الدعوة العربية المنشودة. ولن يتحقّق ذلك البناء في زمنٍ قصير، لكنّه الأمل الوحيد في مستقبلٍ أفضل يحرّر الأوطان من الاستبداد والفساد والهيمنة الأجنبية، ولا يفتّتها بعد تحريرها، ويصون الشراكة مع المواطن الآخر في الوطن الواحد، فلا يكون مُسهِّلاً عن قصدٍ أو عن غير قصد، لسياساتٍ أجنبية تفرّق بين العرب لتسود عليهم.
لقد سقطت بدائل العروبة في امتحاناتٍ كثيرة، لكن المشكلة أنّ هناك ندرةً حالياً في الأيدي الرافعة للعروبة! هناك بلا شك خميرة عربية جيّدة صالحة في أكثر من مكان، وهي الآن تعاني من صعوبة الظرف وقلّة الإمكانات وسوء المناخ الانقسامي المسيطر، لكن تلك الصعوبات يجب أن لا تدفع لليأس والإحباط، بل إلى مزيدٍ من المسؤولية والجهد والعمل. فالبديل عن ذلك هو ترك الساحة تماماً لصالح من يعبثون بوحدة هذه الأمّة ويشعلون نار الفتنة في رحابها.
لقد كان من الخطأ طرح القومية العربية خلال القرن العشرين وكأنها أيديولوجية عقائدية، بينما يُفترض أن تكون القومية العربية إطاراً للهويّة الثقافية، بغضّ النظر عن العقائد والأفكار السياسية. إذ يمكن أن تكون قومياً عربياً علمانياً؛ ويمكن أن تكون قومياً عربياً إسلامياً؛ ويمكن أن تكون قومياً عربياً ليبرالياً.. أي نستطيع وضع أي محتوى "أيديولوجي" داخل هذا الإطار القومي. فالقومية هي هويّة، هي إطار تضع فيه محتوًى معيناً وليست هي المحتوى. فالمشكلة التي حدثت، خاصّةً في النصف الأول من القرن العشرين، تكمن في أنّ معظم من نادوا بفكرة القومية العربية قد طرحوها بمضمونٍ متناقضٍ مع الإسلام بشكلٍ أصبحت معه دعوة القومية العربية تعني للبعض الإلحاد أو الابتعاد عن الدين، عوضاً عن طرحها كهويّة أو كإطار ثقافي يشترك فيه العرب ككلّ، مهما كانت اختلافاتهم الأيديولوجية أو انتماءاتهم الفكرية أو عقائدهم الدينية. 
وإذا كان من المفهوم أن يحارب غير العرب (على المستويين الإقليمي والدولي) فكرة القومية العربية، فما هو تفسير رفض هذه الفكرة من بعض العرب أنفسهم، أو من بعض من ينتمون لأقليات إثنية وفدت للمنطقة العربية بفعل جرائم حصلت ضدّها من أممٍ أخرى (كما حصل تاريخياً مع الأكراد والأرمن)، فاحتضنت المنطقة العربية هذه الأقليات اللاجئة اليها، وكان ذلك شهادة للعروبة كما كان شهادة للعرب المسلمين وجود ملايين من أتباع الطوائف الدينية المسيحية واليهودية لقرونٍ عديدة، قبل عصر "التتريك" والاستعمار الغربي والوجود الصهيوني وجماعات التطرّف الديني التي نشهدها الآن!؟.
لقد أصبح الحديث عن مشكلة "الأقليات" مرتبطاً بالفهم الخاطئ للهويّتين الوطنية والعربية، وبأنّ الحلّ لهذه المشكلة يقتضي "حلولاً" انفصالية كالتي حدثت في جنوب السودان وفي شمال العراق، وكالتي يتمّ الآن الحديث عنها لمستقبل عدّة بلدان عربية، بينما أساس مشكلة غياب "حقوق بعض الأقليات" هو الوضع الدستوري وليس قضية "الهويّة". 
ربّما تكون المشكلة في كيفيّة فهم "الهويّة العربية"، حيث يراها البعض وكأنّها "هويّة" عنصرية تقوم على العرق والدم، كما هي معظم "الهويّات" القومية في العالم، بينما المثال الصحيح على طبيعة "الهويّة العربية" هو "الهويّة الأميركية" التي تحتضن في ظلّها أصولاً قومية وثقافية ودينية متعدّدة، ورغم ذلك يفتخر الأميركيون ب"هويّتهم" المشتركة التي صنعها مزيج وحدة التاريخ والأرض واللغة والمصالح، وفي إطار كيانٍ اتحادي دستوري يُعبّر عن "الأمّة الأميركية". فأين العرب والعروبة من كلّ ذلك؟ ولماذا يتمّ التخلّي عن "الهويّة العربية" ل"أمّة عربية" تملك كل عناصر التكامل ومقوّمات التوحّد فيما بينها لتكون هي أيضاً قوة دولية كبرى اسمها "الولايات العربية المتحدة"، بدلاً من حال الانقسام وتجزئة المجزّأ الذي يعيشه العرب لقرنٍ من الزمن؟!. 
لذلك هناك حاجةٌ وضرورةٌ عربية الآن لإطلاق "تيّار عروبي توحيدي" فاعل يقوم على مفاهيم فكرية واضحة، لا تجد تناقضاً بين الدين والعروبة، ولا بين الدولة الدستورية المدنية وبين دور الدين عموماً في الحياة العربية، ولا تجد تناقضاً بين العروبة وبين تعدّدية الأوطان بل تعمل لتكاملها، وبأن تقوم هذه المفاهيم الفكرية على الديمقراطية وعلى نبذ أسلوب العنف في أساليب الحكم والمعارضة معاً. "تيّار عروبي" تكون أولويّته الآن هي حماية الوحدة الوطنية في كلّ بلدٍ عربي، وليس الانغماس في وحل الصراعات الأهلية.
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

ضرورة إستثمار مهرجان لبنان/ علي هويدي

استطاعت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" جمع كافة القوى السياسية الفلسطينية في المهرجان السياسي والإنشادي الذي دعت له في لبنان بتاريخ الأحد 25/10/2015، تحت عنوان "بالوحدة والإنتفاضة.. نحمي القدس"، فعلى الرغم من الطقس العاصف والماطر حضر ما يقارب من خمسة آلاف شخص من السياسيين والأكاديميين والمثقفين والنخب من الفلسطينيين واللبنانيين واللجان الشعبية والأهلية وحضور شعبي لافت جاء من مختلف مخيمات وتجمعات ومناطق لبنان..!

شكَّل الحضور النوعي للمهرجان بشخوصه المتنوعة ولافتاته الوطنية التي تميزت بالعلم الفلسطيني الجامع رافعة معنوية للشعب الفلسطيني والمتضامنين في أرجاء المعمورة الذين تابعوا فعاليات المهرجان من خلال البث المباشر الذي تناقلته فضائيات عربية وإسلامية، لا سيما المنتفضين في القدس والضفة الغربية وغزة. جاء المهرجان لتكريس مبدأ أن فلسطين والقدس والإنتفاضة والمقاومة هي بوصلة الجميع على الرغم من الخلافات السياسية..!

على المستوى المحلي يتطلع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بأن يمثل المهرجان قاعدة يبنى عليها للمزيد من التقارب والإنفتاح السياسي بين الفصائل وتوافق فعلي على برنامج وطني جامع يحمي الوجود الفلسطيني في لبنان ويحافظ على حق العودة، ويساهم في الحصول ولو على بعض من الحقوق الإقتصادية والإجتماعية من الدولة اللبنانية لا سيما حقيّْ العمل والتملك..!

لا شك بأن الصورة الجامعة لكافة المشارب السياسية الفلسطينية الرسمية والفصائلية تعكس حالة من الأمان والإطمئنان لدى اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات، خاصة بعد الأحداث الأخيرة والأليمة التي عصفت بمخيم عين الحلوة وكادت أن تطيح بالمخيم وبالوجود الفلسطيني في لبنان، وهذه الصورة من المفترض الا تتغير وان تبقى حاضرة وان يتم العمل على المزيد من بناء الثقة واستكمال تنفيذ الوعود التي اطلقتها الفصائل بالتعويض على الأهالي التي تضررت بفعل الإشتباكات الأخيرة، على أن تتسع دائرة المتابعة في بقية المخيمات والتجمعات التي تشهد من حين إلى آخر أحداث أمنية ومشاكل إجتماعية..!  

استحقاقات هامة تنتظر هذا التقارب وتشكل تحدياً جدياً لدى الفصائل لا سيما مع اللقاءات الإيجابية التي تُعقد في بيروت بين المكونات السياسية للشعب الفلسطيني وبشكل رئيسي بين عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" الدكتور موسى أبو مرزوق وعضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمشرف على ساحة لبنان الأستاذ عزام الأحمد مع وفود سياسية رفيعة المستوى، فهناك ملفات هامة تنتظر استثمار المهرجان أبرزها إعادة إعمار مخيم نهر البارد ومواجهة الصعوبات التي تقف حائل أمام إستكمال إعادة البناء سواء مع الدولة اللبنانية أو "الأونروا" أو الدول المانحة، عدا عن ملف تقليصات "الأونروا" الذي تأخذ منحاً تصاعدياً. فالمُناخ الايجابي الذي رسمه المهرجان يعطي انطباعاً بانه سيكون هناك خطوات جادة باتجاه متابعة تلك الملفات وغيرها..!

أثبت المهرجان بأن لا عوائق أو صعوبات أمام التقاء أبناء الشعب الواحد إذا توفرت الإرادة السياسية، فانتفاضة القدس وحَّدت وجمعت الفصائل، والإحتلال بالمقابل لا يميز بين ابن هذا الفصيل أو ذاك أو بين من لا ينتمي إلى أي فصيل فالإحتلال عدو الشعب الفلسطيني، فهو الذي يحرق العائلات والأطفال وهم أحياء وينفذ أحكام الإعدام بحق شبان وشابات الإنتفاضة وبدم بارد دون أي رادع أو مساءلة من أي إطار دولي مؤثر..!    

الصورة الجامعة للمهرجان كما هي إيجابية لكل متضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة فهي كذلك سلبية ومؤذية لأعداء الشعب الفلسطيني، ولن يتوانى هؤلاء الأعداء عن القيام بأي خطوات لمحاولة زعزعة هذا التقارب، وزرع بذور الخلاف والتباعد، فلا مبرر لوجود هؤلاء الأعداء مع الوحدة والتوافق، وأفضل وأقوى سلاح يمكن استخدامه لمحاصرة وتذويب هؤلاء الأعداء هو الإستمرار في الفعاليات والأنشطة المشتركة، والحراك الجدي والفاعل لتحقيق المزيد من الحقوق للشعب الفلسطيني وفي هذا يكون الإسثمار الحقيقي للمهرجان..!  

الشاعر مروان كسّاب في ديوانه الجديد: شجرٌ يتعرّى في تشرين/ فؤاد نعمان الخوري

قديماً قيل: أحلى الشِّعر أكذبُه. لكن هذا القول لا ينطبق على صديقنا الشاعر الدكتور مروان كسّاب، الذي تعرّى كشجرة تشرينية في ديوانه الصادر حديثاً بعنوان "دموع الخريف". دموعه أوراق تتساقط من شجر العمر قصائدَ ومواويل مجروحة، جمعها في كتابه السابع، وكأنه يقاوم السنين بنغمات الحساسين، ويعوّض عن حياة زائلة بانتاج ادبي يسعى للخلود.

لماذا تنزل دموع الخريف؟ هل هو أسفٌ على صيفٍ مضى، أو خوفٌ من شتاء يدقّ الباب؟ يقول مروان: "صار الشِعر يبكي على نعش الشبابْ!" في هذا الشطر استلهام لمراسم الموت في جبال لبنان العالية، حيث شعر الرثاء ضرورة في المآتم. مروان كسّاب شاعر زجلي بامتياز، له قدرة فائقة على الارتجال، يعينُه صوتٌ عذب وصرخة آخ تذكرك بالشاعر الراحل خليل روكز. لكن التقدم في العمر والغربة أثر على حنجرته الذهبية فكتب: "حسّون أنغامي تِكي"؛ وفي مكان آخر:" شمس عمري لبسِت تياب الغروبْ".

من سِمات الشعر اللبناني الحديث تناول مأساة العمر الهارب، وقد ابدع الرحبانيان عاصي ومنصور في التقاط ذلك الاحساس، كما في قولهما بصوت فيروز: "تعا تا نتخبّى/ من درب الأعمار". وشاعرنا كساب يعاني اللوعتين في آن: لوعة العمر ولوعة الغياب عن الوطن. وتراه في الحالتين يقاوم باللحن والقصيدة، حتى انه يتحدّى الموت غير هيّاب، فيقول: "حيث ل بياكل من طعم خبز الخلود/ بيصير قبل الوقت يستحلي الوداعْ". ورغم الحسرة والأسى في هذا البيت، لا يستسلم مروان، بل يعيد اعلان تشبثه بالحياة من خلال القصائد الغزلية والوطنية.

هل أحلى من الغزل يسكب كأس الندى على يباس الايام؟ ومن غير الحبيبة، في الواقع او في الخيال، تمسح الجراح ويطلع من عينيها الصباح؟ شاعرنا يتقن فن التغزل، فيخاطب حُلوته قائلاً: "وحالِك بدل ما ترتّبِي عا مرايتِك/ هيّي عليكي عم ترتّب حالها"...ما ابدع هذا التنافس الأبيض بين المرأة والمرآة! وكما المرآة تعكس صورتك الخارجية، المرأة بالمقابل تعكس عالمك الداخلي بكل ما فيه من قيم وأحاسيس. ولا يتورع شاعرنا عن رفع حبيبته الى مرتبة أعلى من القمر:" لما القمر بتجّربي تمشي معو/ خلفك بيمشي الليل وبينسى القمر". ولعلّ ما يجمع بين صورتي المرآة والقمر، هو البحث الحثيث عن النور الساطع وسط الظلام، والنور قبلة الشعراء والانبياء.

وغنّى مروان لبنان ومسقط رأسه تنورين في كل الدواوين. ها هو يعبر عن شوقه لدير "حُوب" فيكتب:"مشتاق للدير، لجناين حُوب/ للكنيسه، وخشبة المصلوب"...ولا يكتفي بالحنين الرومانسي الى الأرض والأهل، بل يعلن ايمانه الراسخ بقيامة لبنان من عثراته:" خلقت يا لبنان تاج وصولجان/ وعا باب مملكتك حني راسو القدَر"...وقد يكون في قرارة نفسه احساس بالذنب، فينادي الوطن بما يشبه الاعتذار:" سافرت، لا تفكّر انا عنك بعيد/ ما زالك بقلبي رغم بعد السفر"...أتراه يتكلم بلسان كل المنتشرين في اصقاع الدنيا؟

في كتابه الجديد، اضاف مروان كساب الى قصائده نصوصاً نثرية ومواويل شروقي وعتابا، بلغات متعددة،  كأنه يحزم حقائبه استعداداً للرحيل. لا يا صديقي، ما زال النور يشعّ من القناديل، والليالي موعودةٌ بالارتجالي وصوتك العالي. وغداً من دموع الخريف ترتوي الأرض، وينبت زهر جديد في الربيع.

من قتل سليمان؟‏/ أشرف دوس

أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه.. إنه قضاء الله وقدره، لكنني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم كلمات سجلها التاريخ للبطل الشهيد سليمان خاطر إثناء محاكمته انه سليمان محمد عبد الحميد خاطر من مواليد عام 1961 قرية أكياد في محافظة الشرقية من أسرة مصرية بسيطة مجند بقوات الأمن المركزي تبد القصة يوم 5 أكتوبر عام 1985م وأثناء قيام سليمان خاطر بنوبة حراسته المعتادة بمنطقة رأس برقة بجنوب سيناء فوجئ بمجموعة من السياح الإسرائيليين يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته وكان عددهم حوالي 12 فرد حاول إيقافهم بطرق عدة وفشل فأطلق النار عليهم فقتل سبعة منهم واصاب الآخرين.
تمت محاكمته عسكريا، صدر الحكم عليه في 28 ديسمبر عام 1985 بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عامًا، وتم ترحيله إلى السجن الحربي بمدينة نصر بالقاهرة. ومنه إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا، وهناك وفي اليوم التاسع لحبسه، وتحديداً في 7 يناير 1986 أعلنت الإذاعة ونشرت الصحف خبر انتحار الجندي في ظروف غامضة و قيل انه مريض نفسي.
قال تقرير الطب الشرعي انه انتحر، وقال أخوه لقد ربيت أخي جيدا واعرف مدي إيمانه وتدينه، انه لا يمكن أن يكون قد شنق نفسه لقد قتلوه في سجنه. وقالت الصحف القومية المصرية انه شنق نفسه على نافذة ترتفع عن الأرض بثلاثة أمتار. ويقول من شاهدوا الجثة أن الانتحار ليس هو الاحتمال الوحيد، وأن الجثة كان بها أثار خنق بآلة تشبه السلك الرفيع علي الرقبة، وكدمات علي الساق تشبه أثار جرجرة أو ضرب.
أمام كل ما قيل، تقدمت أسرته بطلب إعادة تشريح الجثة عن طريق لجنة مستقلة لمعرفة سبب الوفاة، وتم رفض الطلب مما زاد الشكوك وأصبح القتل سيناريو اقرب من الانتحار.
رغم مرور 28 عام على تلك الواقعة تظل الحقيقة غير واضحة آخى الشهيد آنت وغيرك من الشرفاء الإبطال ضحية للنظام القمعي الفاشل في كل عصر وزمان ويسير معك في الركب الحسينى أبوضيف وجيكا وكريستى ومينا دانيال ومحمد الجندى وغيرهم، دفاعًا عن شعارات الثورة "عيش حرية كرامة وعدالة اجتماعية وغيرهم من الأحرار وقد سجل التاريخ أسمائكم بأحرف من نور.
أولئك الأبطال الذين لم يقترفوا إثما ولا جُرما سوى تمسّكهم بدينهم ومناداتهم بالحرية واحترام رأي الشعب فواجَهَهُم الطغاة بالسجن والتعذيب والقتل،هكذا قُتل هؤلاء الأبطال ظلما وعدوانا.
لكنه الاستبداد والظلم والطغيان... "قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون". صدق الله العظيم".

ابتعد .. كي نتّقد اقترابــــا 2/ رجاء محمد زروقي

"2"
كي تتقلّد مكحلة رموش أبجديتي 
كُنه اليقظة الأبدية
وتتقاطر سماء اللّغة 
عراجين ديمومة
 ضوء حبر العشق اللّيلكية
وأُشهر لك ياسمينا 
لا ولا أشهى من إبليم 
دمع "عذراوات الشمس"
 الأسطورية 
كن بعيــــــــــــدا 
لا تقترب 
دع عنك ملامة 
اختلاجات زبد محابر الجأش 
وارتعاشات أمواج
 التثريب والعتاب 
 فإنه بقربــــــــك
تأخذنا الإغماءة  الأزلية
 فنقترف الأطفال 
نرتكب العادات اليومية 
وننزل عند فلكلور الرّغبة 
وضنين فوانيس مآدب الميلاد 
كن بعيـــــــــدا
لا تقترب
 كي تظل أسطورتي معك 
لا ولا أدهى من 
رُضاب الحرف 
المحرم / المستباح / المستطاب
وأبقى أتحيّن 
قطوف محظور
 تفاح شهد الكلام
 وممنوع   لغام هذيان الخطاب  
وأُقيم محار كلف التشوق بالقسط
ولا أُخسر توباز تلهف الحب والأحباب
**--**--**
شاعرة تونسية

المنصب شرف وأمانة ومسؤولية/ كميل العيد

يروى أن الصحابي الجليل أبا ذر الغفارى طلب من الرسول الكريم أن يعينه والياً على إحدى الولايات، فوجده الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير مستوف للشروط الخاصة ليصبح والياً فأبى عليه ذلك وقال له (يا أبا ذر إنك ضعيف، وإني أحب إليك ما أحبه لنفسي، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها).
فالمنصب أمانة وشرف وأخلاق ومسؤولية وقوة، وهو وديعة في يد شاغله، يسأل عنها أمام الله والناس، وإذا فرط الإنسان بهذه الوديعة يكون خائناً للأمانة وللعهد وغداراً لوطنه وأهله وناسه. فلا يجوز أن يتولى المناصب إلا القوي الأمين النزيه صاحب الخبرة والشكيمة والقادر على اتخاذ القرارات الصعبة في الأوقات الحرجة والقادر على تنفيذ الأحكام ومحاسبة القوي قبل الضعيف. فعملية اختيار العاملين وخاصة القادة، لا بدَّ من أدائها بالشكل السليم وأن تتم عبر دراسة وتقييم لقدرات المرشح للمنصب وطاقاته الذهنية والعقلية والبدنية ومدى توافقها مع المنصب الذي قد يشغله، فلا بد من وضع الرجل المناسب في المكان الذي يناسب خبراته وقدراته وإلا فشل وأفشل المنصب وألحق الضرر بالمصلحة العامة. 
وهنا لا بد من التأكيد على الذين يتولون المناصب العامة، أن يتمتعوا بقدر كبير من القدرة على العدل والمساواة بعيداً عن المحاباة والمسايرة، وأن يحكموا بالعدل، ولو كان ذلك على أقرب الناس إليهم، كما أن على أصحاب المناصب والنفوذ، أن يتمتعوا بالرفق والرحمة تجاه الناس، فالمواطن في هذه الظروف الصعبة بحاجة إلى رعاية وبشاشة سمحة وقلب كبير، يحمل همومه، ويبذل قصارى جهده في رعايته، وإلا انفضت الناس من حولهم ، كما جاء في الآية القرآنية: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر". وهذا درس يجب أن يكون حاضراً عند كل أصحاب المناصب، إن كانوا حقيقة يحبون وطنهم ، ويخشون على بلدهم وناسهم، فعليهم أن يكونوا متفانين في خدمة الرعية مستخدمين الكلمة الطيبة معها، لما لها من أثر في نفوس البشر. لذلك وبعد أن وصل بعض مسؤولي الغفلة غير الكفؤ لبعض المناصب الحساسة في الحزب والدولة لا بد من إعادة الدراسة والتقييم واستبعاد من لم تثبت قدراتهم الإدارية وملكاتهم الذهنية وخبراتهم وصفاتهم الأخلاقية مناسبتهم للموقع الذي يشغلونه واختيار الأصلح بدلاً منهم وبحسب ما يتطلبه المنصب من مؤهلات لنتمكن من النهوض وتجاوز المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد. 
إن الشيء المثير للقلق في هذه الأيام تفريط البعض في أمانة المسؤولية الملقاة على عاتقهم واستنزافهم للوطن من خلال مناصبهم فيما الكثير من السوريين ينزفون الدم من أجل بقاء الوطن، نعم هناك مجموعة من اللا بشر، استغلوا حالة الحرب التي نعيشها فتسللوا إلى بعض المناصب والمواقع وبدؤوا يهدمون من الداخل عن دراية، أو من دون دراية، فالتقوا شاؤوا أم أبوا مع الأدوات الاستعمارية، وتحولوا إلى منفذين لمخططاتها. 
المنصب ليس جاهاً ومصالح، إنه أمانة ومسؤولية وعلى أصحاب المناصب أن يشكروا الله، لأن حاجة الناس إليهم من نعم الله وبأدائهم ودرجة أمانتهم، ترتفع مراتبهم أمام الله والبشر، وإن خانوا الأمانة أصبحوا بالحضيض تلاحقهم اللعنات أينما اتجهوا.
kamilaleidna@gmail.com

محمد بركة رئيس للمتابعة أم قائد للجماهير؟/ جواد بولس


هنالك شيء ما مفرح في انتخاب محمد بركة رئيسًا للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، وذلك بعد منافسة سياسية شارك فيها أربعة مرشحين يمثلون معظم القوى السياسية الناشطة بيننا، ولا أقصد، فقط، ذلك الفرح الشخصي بفوز صديق عريق جمعتني به، منذ أواسط السبعينيات، أحلام الفقراء التي كانت أشهى من فكاك أسير، وطريق سياسي كان يوصلنا دومًا إلى المرفأ الصحيح. فنحن من جيل عاش على أرصفة وطن، حين علمتنا كيف تكون اللذة في الخبز الحافي، وزوّدتنا بسعادة كانت تتنطنط حتى في جراحنا وعلى حافة شهقاتنا وهي ترتجف قبلنا، في الهواء العاري.
بعض النهايات، وانتخاب بركة منها، تُسكِن في القلوب راحة ولا تستوجب شروحًا مفصّلة أو اسهابات فائضة، مع أن العاقل يقر ويعي، رغم اغواء ذلك الفرح الطبيعي، أن مصائر البشر لا تُبنى على حدس، ولا تُضمن بالحس والأماني؛ فالأمل، منذ جرّب الرب إبراهيم، ينمو وفي جوفه يتقلب نقيضه، والخيبة لم تك، منذ انتصار الخنجر على اللحم ، إلّا "حبل سرّة" للتجربة الانسانية و"رفيقتها"، والعبرة، لذلك، تبقى في حكمة "الداية" ومهارتها، وفي براعة الطبيب وفريقه وفي اجتهاد العاقل على دروب الحظ.
فبركه انتخب في عملية سياسية تحمل ملامح النضج والوعي بالمسؤولية، وهو لذلك لا يعتبر رئيسًا توافقيًا، بالمعنى السطحي والشائع، وبالاستيعاب الشعبي التقليدي للكلمة. فالتوافقي، كما رسّخته التقاليد في عقليات العامة، على مدار سنوات طويلة خلت، لا يحمل من مقوّمات الرئاسة أكثر مما تتيحه مؤسسة المخترة العصرية، أو ما يجيده وجيه من وجهاء الملل والنحل والعائلية، والتوافقي، كما كرّسته ممارسة الزعامات التي أطبقت سلاسلها على رقبة المتابعة، يبقى أسيرًا لفرقاء اصطلحوا، وهم يواجهون طريقًا بلا مخرج، على ترئيسه، ومعظمهم يضمر بخبث ويسعى في الواقع لإبقائه رهينة لذلك التوافق، أمّا في حالتنا وبعد انتخاب البركة، فنحن نتوقع بأن يتميز عصره، بدايةً، باستعادة ما خسرته لجنة المتابعة من احترام وثقة بين الجماهير العريضة، وهذا ممكن، برأيي، فقط إذا استعادت اللجنة دورها السياسي الريادي المسؤول، وعادت للعمل  كمؤسسة جامعة قائمة على حماية مصالح الجماهير وفق استراتيجيات عمل وطنية واضحة وتعريفات لا تعتمد الضبابية فضاءً ولا الطبطبات وسائل للبقاء الباهت.
لن يختلف اثنان على أن من واجبات رئيس المتابعة التوفيق بين مركباتها المختلفة  والمتناقضة أحيانًا، ولكن، شتّان ما بين التوفيق والتجميع والتوحيد والتجسير، وكلها مهام واجبة، وبين التفريط بجعبتها السياسية التي منها يجب أن تستل القيادات سهامها الصائبة والمجدية، لا سيّما في أيامنا هذه، التي غدا فيها صيد البشر رياضةً أثيرةً، ليس فقط هناك عند سوائب المستعمرين، بل في الحدائق القريبة من منازلنا ومحيط ساحاتنا؛ فأنا، وكثيرون مثلي، نرى أن من أهم  واجبات الرئيس المنتخب تحصين هذا الإطار القيادي الأعلى بثوابت وطنية حقيقية، وتزويده بمساطر سياسية جامعة، لكنها ذات قيمة نضالية ومؤثرة بشكل حياتي فعلي، وكذلك يجب أن يسعى كأكبر من رئيس مكلّف، وكصاحب موقف ودربة، إلى تبني ضرورة الحسم في مسائل استراتيجية وحياتية بعيدًا عن ديبلوماسية ارضاء الكل على حساب ما يضمن وجودنا على أرضنا وعيشنا بكرامة وأمن وأمان.
وباختصار مفيد، على بركة أن يختار بين الاكتفاء بكونه رئيسًا منتخبًا يقف على سلم ملقى على عرضه وسط الطريق، ويمارس رئاسته بتوافقية ستؤدي حتمًا إلى اجهاض مهمته وإلى خيبة في صفوف من توسّموا بانتخابه خيرًا واستشرفوا أمطار البركة تسقي روابي اشتاقت إلى من يرعى النسائم في جنباتها، أو أن يتحوّل إلى قائد سياسي زيّاد، يضيف للمنصب معنى، وهو صاحب الخبرة الميدانية الطويلة، ويضخ في الموقع روحًا وعنده رصيد نضالي غني وعتيق، ويوسع فضاءات العمل وهو العامر بثقافة وطنية لافتة وعامة لامعة.
كل البدايات صعبة وقد يبدو التغير المنشود بعيدًا، لكنني أرى أن لدى بركة اليوم ما يكفي من الإرادة والمقوّمات والمعطيات التي تمكّنه وتؤهله كقائد أن يزيل ما راكمته السنين من غبار غطّى وأخفى مازرعه البنّاؤون الأوّلون، آباء بركة ورفاقه، في أراضينا من تحد لا يشيخ ووعد صدّاح بأن: "لن تسقط هذه الأعلام/ ما دمنا نغني ونقاتل".
من المؤكد أننا سنسمع، في مقبل الأيام، من بركة الكثير،  فما سمعناه بعد انتخابه مباشرةً لا يتعدى عن كونه كلمتي شكر مستحق، ونفحة عهد مطمئن، وقطرة من غيث سينهمل، والأهم كان في الإعلان عن نيته تقديم استقالته من رئاسة الجبهة التقدمية للسلام والمساواة، وهي لفتة قائد، ووقفة واضحة تدلل على الأهمية القصوى التي يوليها لمهمته الجديدة، وابتعاده عن خدوش وذبذبات الماضي، وهي إشارة هامة جدًا تؤكد على تحرره من مخاضات جبهته الداخلية وأعبائها التنظيمية، والتي أثرت عليه، في السنوات الأخيرة، وعلى أدائه السياسي في بعض المواقع وبعض المسائل، والأهم، برأيي، أنها رسالة لمؤسسات الجبهة  تحرِّرها من أي تجاذبات معروفة للملأ أو مخفية وشعرت بها قلة بين الضلوع وفي عوالم الظل.
إطلالته الجدّية المهمة كانت في لقائه مع الإعلامي يوسف شداد على تلفزيون كل العرب النصراوي، وفيها أجاب بركة على جميع أسئلة المحاور، وبعضها كانت مفاجئة وضاغطة، بصدق مباشر، وبجرأة ليست غريبة عليه، وبصراحة واثقة، وأعلن عن رؤاه المركزية التي ستلهمه في أداء مهامه الجسام؛ فنبّه أنه ليس ساحرًا ولا خارقًا، ولذلك سيعتمد في نجاحه على قدرته للعمل والتعاون مع زملائه من رؤساء وقادة سياسيين، وعلى كيفية تعاون هؤلاء معه، ثم أكد أنه رجل الميادين ولذا سيسعى لإدماج قطاعات الشباب والنساء والعمال ومؤسسات المجتمع المدني في نشاطات المتابعة بعد أن استثنيت جميعها إلى حد بعيد من المشاركة في مواقع التأثير والقرار، ثم وعد أن يبادر إلى تعزيز البرامج والنشاطات المستقبلية بتخطيط استراتيجي مهني مدروس، وأنهى بإعلان إيمانه وإصراره على اعتماد الثوابت.
لقد كان لقاؤه الأول في تلفزيون كل العرب هامًا، لكن  أقواله، اتسمت في بعض محطاتها بشمولية إيجابية، وبنضوج أبوي يليق بمن يعرف وعورة طريق مشواره، وبحذر قائد خبر ما معنى أن يكون الأول في مواقع شتى، لكنه يعي اليوم بمسؤولية، أن هذه المرة هو في الحقيقة، أكثر من رئيس، وأكثر من مجرد أول، فهو، غدا الأول بين أوائل. ومَن هذا، وفقًا لقواميس السياسة، إلّا القائد الذي عليه أن يتقدم في الطليعة،لا يزايد، ولا يخضع لمزايدات الآخرين، لا يراوح بل يمضي، مع الجماهير، نحو شواطئ الأمان، قائد: يحاور، يناور، يجادل، يناكف، يصد، يتلقى، يتقدم، يتراجع، يحزم، يحكم، يحسم، يصبر، يجرؤ، يُقدم، يجازف بحساب، يهادن بأنفة، يعفو عن مقدرة، يسع عن حلم، يغفر عن ثقة، يتواضع عن رفعة، ينصف عن قوة. يتعب، يمرح، يبكي، يضحك، يحب، يحزن، يعشق، يغني، يرقص، يطرب.. يتقدم يحرز وينتصر!  
بالمقابل، يجب أن يكون واضحًا أن بركة ولجنة المتابعة لن ينجحوا، إذا لم نكن، نحن الشعب ونخبه المختلفة، على استعداد لمساندتهم والوقوف معهم وإلى جانبهم في أداء المهمة، فنجاحهم يشكّل ضمانة لعيشنا ولمستقبلنا في وطننا؛ أما هو، وأنا أعرفه منذ أحببنا معًا ذلك الفجر الجوري المعطر، يعلم، أن ابتناء المناقب يكون، عادة، باحتمال المتاعب، وأن إحراز الذكر الجميل، يكون، دائمًا، بالسعي في الخطب الجليل.

فادعوا لهم معي بالتوفيق ولنا بالبركة.

انطون سعادة آمن ان الشعب السوري حقيقة انسانية خالدة/ فؤاد شريدي

ايها السوريون .. لم آتكم بالخوارق والمعجزات.. انما بالحقيقة الراهنة التي هي انتم..                                                             انطون سعادة 

  اطل الخريف على بلاد الشام  .. ناثرا اوراقه الصفراء ... التي تراقصها الريح لتطاير في الفضاء.. ثم تهوي على الارض لتشكل لوحة حزينة  ... 

   بلاد الشام تسمية غامضة في رمزيتها ... وضبابية في توصيفها .. 
بلاد الشام هي بلد واحد .. قسموه الى بلدان  ... بلاد الشام هي في العمق وفي الجوهر سوريا الطبيعية ..سوريا الطبيعية لم تكن مجرد حلم راود مخيلة انطون سعادة .. انطون سعادة آمن ان الشعب السوري .. حقيقة انسانية خالدة .. وان سوريا تشكل متحدا جغرافيا متكاملا للشعب السوري العظيم الذي قدم للبشرية الحرف والشراع ... ووضع البذرة الاولى للحضارة الانسانية ... 

    انطون سعادة .. جاء ليزيح التراب عن وجهها.. جاء لينفض غبار الغزاة عن كاهلها .. سوريا الطبيعية اوجدها الله وحدة جغرافية تتعانق فيها الجبال والسهول  .. والتلال والاودية.. والبحر والشطآن.. لتشكل متحدا انسانيا .. ولوحة جمالية رائعة ..تتحقق فيها انسانية الانسان 

      هذه السوريا الطبيعيةانهال عليها فأس الغزاة البريطانيين والفرنسيين ليحولوها الى كيانات بموجب معاهدة آثمة سموها سايكس -ـ بيكو .. 

  لقد جلس سايكس الانكليزي ـ وبيكو الفرنسي في احدى غرف البرلمان البريطاني لكتابة بنود هذه المعاهدة .. وتحولت سوريا الطبيعية الى كيانات .. كيان اسمه فلسطين وكيان اسمه لبنان  وكيان اسمه الاردن وكيان اسمه العراق..وكيان اسمه الشام .. والكيان الشامي صار الجزءالذي يحمل اسم كامل الوطن  سوريا

     انطون سعادة يكاد يكون المفكر الوحيد  في سوريا والعالم العربي الذي دق ناقوس الخطر الصهيوني ..وادرك ان معاهدة  سايكس ـبيكو تهدف الى تمزيق الامة  ولكي تكون الجسر الذي يمكن الصهيانية للعبور عليه لاغتصاب فلسطين ..
  
  انطون سعادة استشرف حقيقة الخطر الصهيوني قبل سقوط فلسطين .. وادرك ان هذا الخطر لا يتهدد فلسطين وحدها بل كامل تراب سوريا الطبيعية من اقاصي الفرات الى اقاصي النيل .. والصهاينةيجاهرون بهذه الحقيقة ويرفعون هذا الشعار على جدران الكينست .. (حدودك يا اسرائيل من الفرات الى النيل  ) ولو كان لدى الصهاينة جيشا يستطيع السيطرة على اكبر من مساحة فلسطين لما وجدنا اليوم كيانا اسمه لبنان او العراق او الاردن او الشام.. بل ستصبح كامل الجغرافية السورية (اسرائيل الكبرى )


     الكيانات التي اوجدتها معاهدة سايكس- بيكو هي كيانات مأزومة .. منقسمة على نفسها .. وهي عبارة عن مربعات طائفية  والافراد داخل هذه المربعات ولاءهم للطائفة يتقدم على ولاءهم للوطن الكيان الذي يعيشون فيه 
 من البديهي عندما يصبح الافراد في دولة ولاءهم للطائفة او القبيلة او العائلة  يتلاشى هذا الوطن وتتناهشه الذئاب المتعطشة للدم .. ويذوب كما يذوب مكعب من السكر في فنجان شاي .

    انطون سعادة قدم مشروعا انقاذيا لامته وشعبه .. حاول اخراجنا من المربعات الطائفية لنصبح الى الله اقرب .. ومن الكيانات التي تحولت الى سجون .. وحولتنا الى سجناء .. نتقاتل ونتصارع على السماء .. وصراعنا الطائفي على السماء قد يفقدنا الارض والسماء معا .. وهذا ما قاله انطون سعادة لشعبه .

هذا الكلام ليس بكاء على الاطلال ... وليس قصيدة نثر نتلوها في في جنازات الضحايا الذين يسقطون في مدن وقرى الشام والعراق ولبنان  وفلسطين .

   لقد انتزع العدو الصهيوني منا فلسطين .. وما زال يتهدد وجودنا برمته،، لاننا لم نواجهه كامة موحدة بل امة مشلعة  ممزقة ومقسمة الى طوائف وكيانات .. وليس لدينا رؤية موحدة .. 

الاعلام المشبوه يصور لنا ان ما يجري في سوريا الشام  وفي العراق بان هناك ثورة غايتها الاصلاح.. لا تصدقوهم .. اي ثورة هذه التي تتلقى تمويلها وتسليحها من اميركا والعدو الاسرائيلي  والرجعية العربية التي تتفرج على المجزة التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق شعبنا في فلسطين  ويحاول تهويد المجسد الاقصى  ؟؟؟

   لقد توهم قتلة انطون سعادة انهم قتلوا  حلمه ومشروعه الانقاذي  النهضوي..
وقبل ان يخترق الرصاص صدره.. قال لهم  ( انا اموت اما حزبي فباق .اما ابناء عقيدتي سينتصرون وسيجيء انتصارهم انتقاما لموتي  ) 

     ومن وهج دمه ولدت اجيال تعشق الموت والشهادة ومن لا يصدق فليقرأ دم شهداء نسور الزوبعة على ارض الشام وفي جنوب لبنان 
     
   عندما انتصرت المقاومة في جنوب لبنان  وفي غزة شعرت اميركا والرجعية العربية  بالخطر على الكيان الصهيوني .. فسارعوا الى ايجاد داعش وجبهة النصرة ...
..  
ولكن  سوريا صمدت والعراق صمد وغزة صمدت  .. علي صخرة هذا الصمود الاسطوري ستتحطم كل المشاريع التدميرية التي تعدها اميركا والعدو الصهيوني  والقوى الرجعية العربية 

   هذا الدم الذي يسيل في باحة المجسد الاقصى وشوارع دمشق وشوارع بغداد سيرسم ملامح الانتصار لمشروع انطون سعادة.. 

   وسيرحل خريف الموت.. وسيولد ربيع الحياة لأمة حية عظيمة اسمها سوريا

سيدني استراليا                                

قبل ان تفقدوا آخر ما تبقى لكم/ نبيل عودة

*الدفاع عن مصالح الجماهير العربية يحتاج إلى المنطق السياسي والأخلاقي السليم* صحفيا يمدح كتاباتي ويعشقها لكنه لا يحتمل ان اكتب دفاعا عن علي سلام* يتناسون ان علي سلام ليس نبتة غريبة في الناصرة، لم يسقط بمظلة من السماء، بل تثقف ومارس العمل وبرز في إطار الجبهة*

كلهم يريدون خدمة الجماهير العربية. هذه المقولة أصبح تكرارها يسبب لي الحساسية المفرطة، فاقمع قلمي حتى لا اصفعهم واتهم بأني لا أخدم الجماهير العربية. محرر صحيفة حزبية يعلن إعجابه بما اكتب ولكني لا اخدم "الجماهير العربية" لأني اصطففت إلى جانب رئيس بلدية الناصرة الذي لا يستحق الدفاع والنشر الإعلامي من قلم مثل قلمي. هناك آخرون بلا عد أخرهم كاتب مبتدئ يتهمني بأني صحفي بلاط لأني لا أخدم "جماهيره العربية"، متناسيا ان جماهيره العربية ملت الجعجعة والمجاحشة بين المتزعمين، الذين همهم أن يضمنوا لأقفيتهم جلوسا في كراسي التزعم.  
هنا لا بد من توضيح ورد على النباح الذي يصلني لأني لا اخدم "الجماهير العربية" بل رئيس بلدية الناصرة.
أولا لم اصطف إعلاميا إلى جانب رئيس بلدية الناصرة لأني حصلت على وظيفة، بل اعمل حتى اليوم متبرعا ومن رؤيتي ان السابقين في خدمة الجماهير العربية لم يخدموا إلا أنفسهم ومصالحهم وتركوا الجماهير العربية لهراوات الشرطة، وجعجعوا بالميكروفونات من على المنابر، وهي حالة لا تشكل خطرا على بدلاتهم الطليانية الثمينة ولا على ربطات عنقهم الفاخرة.
 فهل حصولي على وظيفة يهدد أمن الجماهير العربية؟!
ألا استطيع أن اخدم الجماهير العربية بالدفاع عن المنطق السياسي والأخلاقي السليم؟ أليست وظيفتي كمثقف موضوع مرتبط بقضايا مجتمعه وشعبه ان أكون صاحب عقل فعال وليس عقل منفعل؟ ان أفكر ولا اردد كالببغاء ما تلقنون من أعضاء حزبكم ؟
هل خدمة الجماهير العربية تعني ان أكون جزء من القطيع الحزبي بغض النظر عن لون الحزب؟!
كنت أود نشر الرسائل التي تصلني من الذين وضعوا أنفسهم بخانة الجماهير العربية، والجماهير منهم براء. احدهم يمدح كتاباتي ويعشقها لكنه لا يحتمل ان اكتب دفاعا عن رئيس بلدية الناصرة .. لأنه لا يجده أهلا لرئاسة بلدية الناصرة. سألتهم هل كانت أهليته كاملة كقائم بأعمال رئيس بلدية الناصرة؟!
لم يصلني جواب القلقين على نبيل عودة من عمله مع علي سلام.  بعض الحياء لا يضر حاملي لواء الجماهير العربية، وهي لمن لا يعلم جماهير غفورة وليست غفيرة، غفورة لأنها تتحمل قيادات وشخصيات لا شيء يحركها إلا مكاسبها الشخصية.
شيء من التاريخ
استقلت من الحزب الشيوعي والجبهة عام (1993)لأسباب لا أرى أهمية الآن للعودة لها. وهي قضية شخصية في وقته.
نقاشي الذي كان عنيفا أحيانا مع بيتي القديم وبعض شخصياته لم يكن وما كان له ان يكون عدائيا ، بل من منطلق المسؤولية التي شكلت قيمة خاصة في نهج حياتي.  نقاشي الفكري معهم لم يتوقف اليوم أيضا، لا أناقشهم من منطلق نفيهم، بل من منطلق رؤيتي ان هذا الجسم قادر ان يجدد نفسه إذا أحسن التصرف بعقلانية، أو  انه يتسارع للتحول إلى جسم سياسي ثانوي، وهذا ما أراه اليوم. 
ليس سرا أني عندما شعرت ان قوى سياسية بلدية لا أراها مصدر ثقة تهدد مصير مدينتي (الناصرة) لم انتظر دعوة أي كان للتجند النضالي والإعلامي دفاعا عن مدينتي، برؤيتي ان قائمة الجبهة (الحزب الشيوعي) يجب ان تنتصر وإلا ضاعت هذه المدينة التي نحبها ونريد ان نراها تواصل التطور وتحمي مجتمعنا المدني الحضاري. قناعتي كانت انه على الناصرة ان تواصل تحمل مسؤولية قيادة الجماهير العربية بمكانتها السياسية كعاصمة الجماهير العربية وتقديم نموذج يحتذى به في إدارة شؤون السلطات المحلية.
نعود إلى سنوات العقد الأخير من القرن الماضي...
في العام 1998 إذا لم تخني الذاكرة بدأت أنشر سلسلة مقالات عن انتخابات البلدية القريبة في ذلك الوقت، وفتح لي رئيس تحرير الاتحاد وقتها ( الأستاذ نظير مجلي) الباب لنشر مقالاتي، نشرت عددا كبيرا من المقالات تميز أكثريتها بالكتابة الساخرة عن القوائم البلدية المنافسة للجبهة، أثارت تلك المقالات اهتماما واسعا جدا من القراء ووصلتني عشرات الاتصالات المؤيدة والشاكرة لهذا النشر!!
في كل معركة انتخابات للبلدية في الناصرة منذ 1998 كنت أقف إلى جانب الجبهة بكل قوتي الإعلامية والتسويقية وليس سرا أني كنت الكاتب الوحيد على الإطلاق. تعرضت مرات عديدة للتهديد المباشر، أحدها وصل للشرطة ولم يتصل بي الذين دافعت عنهم ليطمأنوا على حالي. بل امتنعوا حتى عن نشر خبر عن التهديد رغم ان الصحافة العبرية وحتى صحافة عربية في الخارج نشرت خبر التهديد ومصدره. قاطعوا نشر  مقالاتي الانتخابية في صحيفتهم "الإتحاد"  رغم أنها لصالح قائمة الجبهة  وهم اعجز من أن  يكتبوا أفضل منها في إعلامهم الالكتروني أو المطبوع. لاحظ ذلك عدد من رفاق الحزب وأعضاء الجبهة ولم ينفع تدخلهم الذي لم أطلبه أصلا كي ينشروا لي. إنما كنت وما زلت أكتب من منطلق مسؤوليتي كمواطن ومثقف في مدينة الناصرة ويقلقني مستقبلها.  
هذه المقاطعة استمرت أيضا في معركة الانتخابات الأخيرة (أي منذ 1998وحتى 2013). ورغم تدخل جبهة الناصرة بممثليها الرسميين في الانتخابات الأخيرة، لم تنشر الاتحاد إلا مقالا واحدا م ما يقارب 25 مقال،  بعد الانتخابات شعرت بذوبان الجليد، لكن فجأة توقف النشر، وجاء رد محرر بارز في الاتحاد على استفسار صديق شيوعي لي، عن سبب توقف الاتحاد عن نشر كتاباتي المختلفة الأدبية والسياسية، بأن السبب ان فرع الناصرة هو "زب نمر" (حسب تعبيره) والاتحاد لا تستطيع ان ترفض طلب فرع الناصرة الذي اتهمني، كما قال ذلك المحرر.. بأني أعمل مع مكتب نتنياهو بتجنيد الشباب المسيحيين في الجيش وعليه يجب مقاطعتي. كان ردي على تهمتهم الغبية مقالا عنيفا، اتصل على أثره معي المهندس رامز جرايسي رئيس بلدية الناصرة السابق مستفسرا عن صحة ما نشرته، ووعد بفحص الموضوع، وحتى اليوم ما زال الموضوع ب "الفحص"(!!) رغم مرور أكثر من سنة ونصف. كذلك كان وعد بالفحص من شخصية بارزة في كتلة قائمة الجبهة في البلدية.
لست قلقا من قضية النشر حيث تنشر مقالاتي في أهم المواقع العربية المحلية والعالمية. لكني بدأت استوعب العقلية المريضة لتنظيم سياسي يحرق نفسه ويعلن إفلاسه السياسي وسقوطه الاجتماعي، ويعرف كيف يكسب الأعداء. مع مثل هذا التنظيم الذي خدمته بصمت نصف قرن من عمري وهو يناصبني العداء، المخفي فترة والعلني فترة أخرى... لا يستحق مني اليوم كلمة ايجابية واحدة. أرى انه يفقد عقلانيته، يفقد فكرة السياسي ويتركز بالعداء لكل من انتقده، حتى لو كان نقدا بهدف الإصلاح.. وليس من منطلق عدائي. اليوم أقول بوضوح انه حزب يعيش على ما تبقى له من تاريخ عظيم في قيمته، أنجزه جيل الطليعة من المؤسسين، هذا التاريخ لو استطاع النطق اليوم لعبر عن خجله من انتمائه لمن تبقى في هذا التنظيم وتصرفاتهم التي تخجل تاريخ حزبهم.
علي سلام ليس نبتة غريبة في الناصرة، لم يسقط بمظلة من السماء، بل تثقف ومارس العمل في إطار جبهوي كان حقا معبرا عن مدينة الناصرة وأهاليها.. لكن الذي حدث ان العجز بدا يبرز ويزداد دون ان تنجح الجبهة وحزبها الشيوعي بإحداث نهضة جديدة، بل على العكس دفعوا نشطاء بارزين إلى الاستقالة الجماعية وتشكيل تنظيم سياسي شبابي خاض الانتخابات البلدية الأخيرة بقائمة مستقلة كان لها دورا كبيرا في إسقاط الجبهة، ولا ننسى ان تصرفهم مع نائب الرئيس (في وقته) علي سلام  كان يفتقد للمنطق والاحترام المفترض بين تنظيم بلدي وسياسي وشخصية مركزية لها دورها البلدي والمجتمعي. لماذا يجب ان نصفق للمتشنجين والمتبجحين والدجالين ونقف ضد رئيس بلدية يعمل بتواضع لحل مشاكل تراكمت منذ أيام إدارتكم وانعزالكم الكامل عن جماهير الناصرة؟! 
ما الذي يميزكم في العمل البلدي أكثر من الآخرين الذي خرجوا من صفوفكم؟  كفاكم جعجعة بلا طحن. غيروا خطابكم السياسي وهذبوه. انتم تروجون التشرذم السياسي والاجتماعي.عليكم البدء بصياغة خطاب سياسي شجاع مع حلفائكم ورفاقكم السابقين، والنزول عن جحش الاستعلاء، قبل ان تفقدوا القليل الذي  تبقى لكم !!
nabiloudeh@gmail.com

جـبـران خـلـيـل جـبران هـيـبة وعـنـوان ، يقـول عـن كارهه منافـق جـبان/ مايكـل سـيـﭘـي

قال ونـستـون ﭼـرﭼـل رئيس وزراء بريـطانيا السابق :
لا تـفاوِض القـرد إذا كان في الغـرفة المجاورة طبّال
وحـكى قـصة قـصيرة ، تـفـضلـوا إسمعـوها : 
ركـبتُ سيارة الأجـرة يوما متـوجها إلى مكـتب ( بي بي سي ) لإجـراء مقابلة ، وعـنـدما وصلتُ طلبتُ من السائـق أن ينـتـظرني 40 دقـيقة حـتى أعـود ....... إعـتـذر السائـق وقال : لا أستـطيع لأنّ عـليّ الـذهاب إلى الـبـيت كي أسمع خـطاب ونستـون ﭼـرﭼـل ........ ( يـبـدو أن السائق لم يعـرفه  )
وأضاف ﭼـرﭼـل قائلاً : لـقـد ذهـلتُ وفـرحـتُ من شوق هـذا الرجـل لـلإستماع إلى أقـوالي ، فأخـرجـتُ مبلغَ عـشرة جـنيهات وأعـطيتها له بكـل سرور ....... أما السائق عـنـدما رأى المبلغ قال : لـيـذهـب ونـستـون ﭼـرﭼـل وأقـواله إلى الجحـيم ، سأنـتـظرك ساعات حـتى تعـود !!! 
إذن : بالـفـلـوس ممكـن تـشـتـري ( بعـض ) الـشخـوص .... لا كـل الـنـفـوس .
******************
يولـد الإنـسان حـراً بريئاً لا يشعـر بالكـره ولا بالحـب ولا بالحـسـد ... سوى غـريـزة تـدفعه إلى البحـث عـن ثـدي أمه لـيشبع جَـوعه ، وبتـوالي الأيام تـرتـسم صوَر في ذهـنه وأفكار في مخـيلته ثم عادات وتـقالـيـد يكـتسبها من بـيئـته المحـيطة به مبتـدئاً بـين أفـراد عائـلته ثم إلى العالم خارج بـيته ، وبناءاً عـلى كـل ذلك تـتـبـلـور عـنـده مشاعـره ومبادئه فـتـكـوِّن شخـصيته ...... .    
الكـرة الـثـلجـية المتـدحـرجة تـنمو إلى حـد ما ، ثم تـبـدأ أجـزاء منها بالإنـفـصال عـنها لـتأتي غـيرها وتلـتـصق بها فـتـكـبـر وتـصغـر وقـد تـنـكـسر ، وتـتـكـرر العـملية ... هـكـذا كان لـنا أصدقاء منـذ أيام طـفـولـتـنا يتـزايـدون ويتـناقـصون وبمرور الزمن يتـناثـرون ، مثـلما يصعـد الـبعـض إلى الـقـطار وغـيرهم ينـزلـون ، وعـنـد المحـطة الأخـيرة يغادرون .
في حـياتـنا تعـرّفـنا عـلى كـثيرين متـنـوّعـين فـمنهم مَن صار درساً لـنا وآخـر إرشاداً لمسارنا وثالث شفاءاً لآلامنا ورابع أضاف خـبرة إلى معـلوماتـنا ، وهـكـذا رأينا مَن كان عـضيـداً لـنا في الـتـصدّي لمِحَـنِـنا ولهم نـقـدّم شـكـرنا ..... ولا أخـفي فهـناكَ مَن راوغ معـنا وغـيره زاغ عـنا وآخـر شاخ عـلـينا ، مصيرهم أشبه بأوراق يابسة متـساقـطة من أغـصان الشجـر عـلى الأرض فـصارت جـزءاً من تـرابها ، لـن نهـدر كـلمة في عـتابها .
هـناك نماذج أخـرى ، فهـذا يغار منا ونحـن بُـسطاء بـين أقـرانـنا ولا يمكـنه الإتيان بنـتاجـنا ، وآخـر يحـسـدنا دون أنْ يخـسر شيئاً بسبـبنا ، وثالث نمّام يغـتابنا زوراً لسبـبَـين (1) وشاية لأنه عاجـز عـن مقارعـتـنا (2) تملـقاً لـيقـتـرب أكـثر وأكـثر عـنـد إمامِنا الـذي ﮔـلـبه ﮔـلـب الـسـمـﭼـة ! ....... وهـذه تـقع ضمن مساوىء أبناء شعـبنا .   
غانـدي يقـول : ( لن أنـدم عـلى أي شخـص دخـل حـياتي ورحـل ... فالمخـلص أسعـدني ، والمسيء منحـني التجـربة ، والأسـوأ كان درساً لي .. أما الأفـضل فـلـن يتـركـني أبـداً ) فالأصدق هـو مَن ظلَّ معـك في كـل آنٍ وليس حـيناً وحـين كالمُـرائي ! فـليس الصديق ذلك الـذي يجالسك في الحـفلات يتجاذب أطراف الحـديث معـك بإبتـسامات ، وإنما هـو مَن يسنـد ظهـرك وقـت الأزمات ، وهـنا أتـذكـر المثـل الشائع الـذي بـدأ به المطران مار باوَي سـورو خـطابه بأمسية تـوديعه 8 آيار 2006 ( الصديق وقـت الضيق ) ! ونحـن بـدَورنا يشـرّفـنا أن نـكـون من أصدقائه مدى العـمر مؤيـدينه ، لا كـما إنـقـلـب عـليه الآخـرون بـين ليلة وضحاها ــ تخـتة ﭼُـرُّك ــ بل وصاروا يعادونه ..... إنهم أشبه بـ ( ﭼالي ) الـذي تغـنى به الشاعـر الشعـبي حـين قال : أمشي عْـلى ﭼالي الكـوت وإنـْهـدَم بيَّ !! .
قال جـبران خـليل جـبران : (( قـمة المتعة أن تجالس شخـصاً يكـرهـك ويغـتابـك كـثيراً ومع ذلك تجـده يـبـيّـن لك العـكـس ! وهـذا كافي لـيخـبـرك بأن حـضورك أمامه ، هـيـبة قادرة عـلى تحـويله إلى منافـق وجـبان )) .
إنّ آيات وردت في الكـتاب المقـدس : ( أعـداء الإنـسان أهـل بـيته ... والنبي لا يُـقـبَـل في وطـنه ) ..... صاغها المفـكـرون بتعابـير متـنـوعة ، فـقالـوا :
ربي أستـرني من أصدقائي أما أعـدائي فأنا أتكـفـل بهم .......... إذا أردت تحـريـر وطن ، ضع في مسـدسـك عـشر رصاصات ، تسعة منها لخـونة الـداخـل وواحـدة لـلـعـدو ، فـلولا الخـونة ما تجـرّأ عـلـيك عـدو الخارج ............ 
وقال كـونـفـوشيـوس : ( أنا لستُ حـزيناً لأن الناس لا تعـرفـني ولكـنـني حـزين لأني لا أعـرفهم ) .
وأخـيـراً إذا تـطـلـبتْ منـك الرياضيات يـوماً ــ بعـد مسح السـبّـورة ــ أنْ تـرسم عـليها إحـداثـيات متعامـدة لـتـبـدأ حـركـتـك من نـقـطة الصفـر مـركـزها وتـعـد أرقام خـطـواتـك الموجـبة ... فلا بأس ، ولكـن إنـتبه ! إنّ هـناك أرقاماً سالـبة قـبلها .

ابن زيدون وولّادته،عروة بن أذينة والشريف الرضي والسيد جعفر الحلي استطراداً 2/ كريم مرزة الأسدي

الحلقة الثانية
نريد لأمتنا أن تتلمس معاني الجمال والحب والذوق والإنسانية من أرق الناس وأعذبهم ، لا الكراهية والبغضاء والعداء من أجلافهم وجهلائهم  !!  

غزل  فقيه المدينة عروة بن اذينة (ت 130 هـ ) الذي قل نظيره في شعرنا العربي :
 إن التي زعمت فؤادك ملـّـها  ***خُلقت هواك كما خُلقت هوى لها
فبك الذي زعمتْ بها وكلاكما ******أبدى لصاحبه الصبابة  كلّـها
ويبيتُ بين جوانحي حبٌ لها ********لو كان تحتُ فراشها لاقلـّـها
لمّـا عرضتُ -مسلماً- لي حاجةٌ ***اخشى صعوبتها .. وارجو ذُلـّها
منعت تحيتها فقلت لصاحبي : ******** ماكان اكثرها لنا.. وأقلّـها
فدنا، وقال: لعلها معذورةٌ  ***** في بعض رقبتها.. فقلت : لعلّـــها 

السيد جعفر الحلي نسيبه والصهباء ، وكوكبة من الشعراء .. ما لكم كيف تحكمون !!

قبل أن أنتقل بك إلى  السيدين الحلي (و قامة رشأه المهفهف التي تميل لموضع التقبيل )، ِ و الحبوبي ( وكأسه ، ووا وجدي عليه) ، والجواهري (وعريانته ، وجربينه بضنك مكانه ) ، ومن قبل قدّمت لك : (امرؤ القيس وفاطمته ، وكعب وبردته ، والمتنبي بين خولته وأعرابياته )  ، كمقدمات للعاشقين الأندلسيين الخالدين ( ابن زيدون وولّادته ) حتى أكشف النقاب عن وجه النفاق والارتزاق ، والتزلف على أبواب المعالي ، والتدين الكاذب المرائي ، والشهادات العلمية البربرية الجاهلة الحاقدة اللاهثة للوصول إلى كرسي مكسر ، ولقمة  رخيصة ككروشهم العفنة من قبل ومن بعد !! من قال التغزل بالجنس الآخر حرام ، وخفة ، واستهتار ، وعدم تعفف ؟ سامحكم الله ، وهذه سنته في خلقه ، وتحسس لجمال صنعته ، وإكمال رسالته ، أعوذ بالله من أجلاف الناس ، ومتصنعي التعفف الذين أوصلوا الأمة إلى استرخاص الذات الإنسانية  حتى قطع الرؤوس والاغتصاب  ، لأيم الله لأرميكم بحجارة من سجيل ، وأجعلكم كعصف مأكول !! 
    إذن عليك ان تتقبل بامتنان هذا المقلب الجعفري،  إذ يدور بك أنّى يشاء، ويجعلك منبهراّ لتحليلاته وصحونه الطائرة، كيف لا ؟! وقلبه يطير مخترقاً الأجواء، وجسمه ينفذ من شقوق الأبواب، وما أحسبه نظم الأبيات الثلاثة ،  إلا لكي يوصلك إلى البيت الثاني، وهو بيت القصيد:
إني شكرت نحول جسمي بالمها ** إذ صرت لم أمنع بكل حجاب
إن أغلقت باباً فقلبي طائرٌ *** والجسم ينفذ مــــن شقوق الباب
فأنا بعكس ذوي الهوى! اذ دأبهم ** ذم النحول،وشكره من دابي
وأنا أميل إلى أن نحوله كنحول المتنبي في صغره:
كفى بجسمي نحولاً أنني رجلُ ***** لولا مخاطبتي إياك لم ترنى
وليس كما ذهب الساخر المضحك بشار بن برد, إذ يزعم بأنه نحيل ويزعم الدكتور طه حسين بأنه كاذب في قوله:
إن في بردي جسماً ناحلاً **** لو توكأتَ عليه لانهدمْ
ثم لا اخالك لا تنتشي بصهباء السيد الذائب عسجدها بلجينها ، وحمرة الخدود التي انعكست على الراح ، أو تشربت به ، وبهذا العشق الممزوج بالخوف،والعيون الحائرة بين حبيبها ورقبائها. 
ثم ماذا ؟! 
الشبيبة تناديه ، وثوبها قد سلب،  فكيف السلوان؟! 
هل ثوب اللهو المسلوب، أتراه كناية عن العمر المهدور أم عذراً يتستر به لكرع كاسات السرور؟ّ! 
لا تبالي هلمّ معه لنشرب الصهباء ، ونستغفر الله ونحمده بالصلاة على محمد وآله الكرام .. مادام الكأس خيال ، والكلام من السحر الحلال .. وأخيراً ينتصر شاعرنا لإرادة الحياة ، فما الليث إلا بشبله،  وما الأسد إلا بضرغامه.. والدنيا تواصل مسيرتها.. اقرأ معي:
أهل ترى لؤلؤاً في الكأس أم حببا * وغلمة تجتليها أم قطيع ظبا
وذاك جام به الصهباء ذائبةٌ **** أم فضة قذ أذابوا وسطها ذهبا
ياما آحيلاه ملعاباً يطوف بها *** يجد فينا رسيس الشوق إن لعبا
سيان لون حمياهُ ووجنتهُ **** ** فصبّـهُ ليـــس يدري كلما شربا
أراحهُ حمرة من خده اكتسبت **** أم خــدهُ حمرةٌ من راحهِ اكتسبا
وافى إليّ وسرّ النجم منهتك **** والليـــل يضرب من ظلمائه حجبا
خوفٌ وعشقٌ على عينيه قد حكماً*** فمقلةٌ ليّ  والأخرى إلى الرقبا
ياهل يعود لنا دهر بكاظمــــــةٍ *****  سرعان ما مرّ حاليه وما ذهبا
حيث الشبيبةُ ثوبٌ قد لهوت به ****  كيف السلو وثوب اللهو قد سلبا
هلم يامترع الكاسات نشربها ***** صهباء لـــم تبق لي هماّ ولا وصبا
إضافة الماء تنمي عن أصالتها**** ** فبالحباب عرفنـــــا أصلها عنبا
وروّ فيها حشى لو بعض غلتها *****  بالدجلتين لمــــــا طابا ولا عذبا
لا جرم أن الشاعر برقته العذبة وغزله الرائع لم يتعد حدود مجتمعه المسلم المحافظ الورع إذ كان يتفهم الوازع الإنساني ، والوجدان العاطفي لشاعر حساس يحترم عرفه ويفهم تعاليم دينه.. والحقيقة أن الغزل باب من أبواب الشعر، وكانت العرب في الجاهلية لا تفتح مدائحها إلا به.. من قفا نبكِ.. واحبها وتحبني.. حتى أطلال خولة.. ودار عبلة ،  بحومانة الدراج فالمتلثم.
ثم قف! ألم نذكر كيف  وقف كعب بن زهير الذي هجا رسول الله (ص) ذات يوم, مما تسبب بهدر دمه امامه ليعتذر منه بطلب من قبيلته بعد ان ضاقت به السبل ليتغنى بسعاده في إطلالته على سيد المرسلين ، وذكرنا الأبيات !
ثم ألم يتغزل فقيه المدينة عروة بن اذينة ( ت 130 هـ / 748 م) ، وهو شيخ الإمام مالك بن أنس ، صاحب مدرسة الحديث في الفقه الإسلامي ، بهذا الغزل الغض الذي قل نظيره في شعرنا العربي ، اقرأ رجاء بعض ما قاله هذا العروة الجميل: 
إن التي زعمت فؤادك ملـّـها  ***خُلقت هواك كما خُلقت هوى لها
فبك الذي زعمتْ بها وكلاكما ******أبدى لصاحبه الصبابة  كلّـها
ويبيتُ بين جوانحي حبٌ لها ********لو كان تحتُ فراشها لاقلـّـها
لمّـا عرضتُ -مسلماً- لي حاجةٌ ***اخشى صعوبتها .. وارجو ذُلـّها
منعت تحيتها فقلت لصاحبي : ******** مـا كان اكثرها لنا.. وأقلّـها
فدنا ، وقال: لعلها معذورةٌ  ***** في بعض رقبتها.. فقلت : لعلّـــها 
ولعلك لا تنسى - يا صاحبي- قصيدة الشريف الرضي الغزلية التي تعد من عيون الشعر العربي : 
يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ.... لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ
الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ**وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي
هَبَّت لَنا مِن رِياحِ الغَورِ رائِحَةٌ****بَعدَ الرُقادِ عَرَفناها بِرَيّاكِ
ثُمَّ اِنثَنَينا إِذا ما هَزَّنا طَرَبٌ****** عَلى الرِحالِ تَعَلَّلنا بِذِكراكِ
سهم أصاب وراميه بذي سلم** مَن بالعِرَاقِ، لَقد أبعَدْتِ مَرْمَاكِ
وَعدٌ لعَينَيكِ عِندِي ما وَفَيتِ بِهِ** يا قُرْبَ مَا كَذَبَتْ عَينيَّ عَينَاكِ
حكَتْ لِحَاظُكِ ما في الرّيمِ من مُلَحٍ * يوم اللقاء فكان الفضل للحاكي
كَأنّ طَرْفَكِ يَوْمَ الجِزْعِ يُخبرُنا *بما طوى عنك من أسماء قتلاك
أنتِ النّعيمُ لقَلبي وَالعَذابُ لَهُ*****فَمَا أمَرّكِ في قَلْبي وَأحْلاكِ
عندي رسائل شوق لست أذكرها **لولا الرقيب لقد بلغتها فاك
سقى منى وليالي الخيف ما شربت** مِنَ الغَمَامِ وَحَيّاهَا وَحَيّاكِ
إذ يَلتَقي كُلُّ ذي دَينٍ وَماطِلَهُ *** منا ويجتمع المشكو والشاكي
لمّا غَدا السّرْبُ يَعطُو بَينَ أرْحُلِنَا***مَا كانَ فيهِ غَرِيمُ القَلبِ إلاّكِ
هامت بك العين لم تتبع سواك هوى *مَنْ عَلّمَ العَينَ أنّ القَلبَ يَهوَاكِ
حتّى دَنَا السّرْبُ، ما أحيَيتِ من كمَدٍ* قتلى هواك ولا فاديت أسراك
يا حبذا نفحة مرت بفيك لنا ******* ونطفة غمست فيها ثناياك
وَحَبّذا وَقفَة ٌ، وَالرّكْبُ مُغتَفِلٌ*****  عَلى ثَرًى وَخَدَتْ فيهِ مَطَاياكِ
لوْ كانَتِ اللِّمَة ُ السّوْداءُ من عُدَدي*** يوم الغميم لما أفلتِّ أشراكي
توفي الشريف الرضي ببغداد عام 406 ه - 1015م ، وهو محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن، الرضي العلوي الحسيني الموسوي.
فلا الشريف تعرفه كم هو شريف ورضي!..وتعرف مقصورته في رثاء الإمام الحسين (ع) ، وهي  اشهر من ان تنسى :
كربلا لا زلتِ كربا وبلا  ***ما لقى عندك آل المصطفى
كم على تربك لما صرعوا ** من دمٍ سال ودمع قد جرى
والسيد جعفر الحلي ، أبو يحيى السيد جعفر بن السيد حمد آل كمال الدين الشهير بالحلي (1277هـ -1861م / 1315 هـ - 1897 م)، صاحب ( الله أيّ دمٍ في كربلا سفكا ...) : 
الله ايّ دم ٍ في كربــلا ســفكا ******* لم يجرِ في الارض حتى أوقف الفلكا
ما تنقم الناس منهم غيــــر انهمُ ** ينهون أن تعبد الاوثــــــــان   والشركا          
وغيرها من القصائد الرائعة في حق آل البيت  ، هو نفسه الذي سار على خطى سالفيه ،  مما سيجعلك - فيما يغلب ظني - على ان تتقبل بتلهف واشتياق مقاطع من قصيدته التي صدح بها سادة المقام العراقي المعاصرون كناظم الغزالي و محمد القبنجي.. ومن بعدهما المطرب المعروف سعدون جابر، وشاعرنا في هذه القصيدة ظمآن يروم ان يرتوي من المنهل العذب ،  ويتمتع بما يزهو به رشأه من الأعين الدعج ، وما أضفى إليه من استعاراته المتتالية حتى الخد الأسيل ، واما بعد ،  فلا أراك إلا أن تسير بين توسل الدم المطلول والولهان المقتول للرضاب المعسول والطرف المكحول ،  ولم ينسَ السيد شكوى عليل لعليل ، والتعلق بالأنجيل على عادة العرب معدنه الاصيل ،  في وصفهم والعاشقين في تلهفهم ولهفهم يقدمها لك الشاعر بعقد لئالئ وجمان وبأعذب الألحان، اقرأ وترنم ياقارئي الجميل
يا قامة الرشأ المهفهف ميلي***بظماي منك لموضع التقبيل ِ
فلقد زهوت بأدعجٍ ومـــــزججٍ *** ومفلجٍ ومضــرجٍ وأسيلِ 
رشأ أطل دمي وفي وجناتـــه  ****وبشأنه أثر الدم المطلول
يا قاتلي باللحظ أول مـــــرة *** أجهز بثانيـــــةٍ على المقتول
مثل فديتك بي ولو بك مثّـلوا**شمس الضحى لم أرشِ بالتمثيلِ
فالظلم منك عليّ غـــــير مذممٍ ** والصبر مني وردها المطلول
ولماك رّي العاشقين فهل جرى***ضرب بريقك أم ضريب شمولِ
يهنيك ياغنج اللحــــاظ تلفتي****** ياخير آمــــالي وأكرم سولي
لام العذار بعارضيــــك أعلني ******* ما خلت تلك اللام للتعليل
وبنون حاجبك الخفيفة مبتل  ******قلبي بهم فـــــي الغرام ثقيلِ
أتلو صحايف وجنتيك وأنت في ****  سكر الصبا لم تدر بالأنجيلِ
أفهل نظمت لئالئاً من أدمعـــي *** سمطين حول رضابك المعسولِ
ورأيت سحر تغزلي بـــــك فاتناً ***** فجعلته فــي طرفك المكحول
أشكو إلى عينيك من سقمي بها *** شكوى عليلٍ فـــي الهوى لعليلِ
فعليك من ليل الصدود شبــــاهة ******لكنها فـــــي فرعك المسدولِ
وعلى قوامك من نحولي مسحة***** لكنها فــــــي خصرك المهزولِ
ويلاه من بلوى الموشح أنـّـــه ******* لخفيف طبــع مبتــــــلٍ بثقيلِ
لا ينكر الخالون فرط صبابتي***** فالداء لـــــم يؤلم سوى المعلولِ
لي حاجة عند البخيل بنيلهِ *** ***  ما أصعب الحـــــاجات عند بخيلِ
وأحبه وهو الملول ومن رأى**** * غيري يهيم جــــوى بحب ملولِ
أكذا الحبيب أبثه الشكوى التي*** *** يـــرثي العدو لها ولا يرثي لي 
هل تريد المزيد ،أم اكتفيت إلى الرثاء الغزلي..؟! هنيئاً لك هذا الاكتفاء !..  
و عادةً يبدأ شاعرنا قصائده في التهنئة والمديح بنسيب رهيف وغزل رقيق ، تذوب عنده النفوس، وتتراقص أمامه الأرواح، فتهفو إليه القلوب، وتطرب له الأذان، إنها غاية الروعة لسعة الخيال الفني ، اذ تمتزج عطور القرون السالفة لأيام ألف ليلة وليلة بمسك الأعوام الخالفة لبلدان الجن والملائكة.. يقدمها إلى أنظارنا الشاعر الكبير، ونقدم إليك قامة لرشأ مهفهف آخر، إذ تسحب أبرادها في روضات الجنان وتحت أنغام موجات اللحن الفتان، ونترك إليك الريح الشمالية والمعانقة العذرية والنجوم التي انكدرت ، والنمال التي حُسدت ، والصدور الموصولة إلى الكعوب ، والمشي على القلوب :  
بالغلس انسلّت إلى حبيبها *** تخطو وعيناها إلـــى رقيبها
ساحبة الأبراد في مرابعٍ  ***** أرجاؤها تضوعت بطيبـــها
مرت بها ريح الشمال فاغتدتْ*تحمل طيب المسك في جيوبها
فرشت أحشاي لها لكنّني  *****خشيت ان تضجر مــن لهيبها
عانقتها كأن كفيَّ التقتْ **** **من قضبِ الجرعا على رطيبها
حشاشتان ألتقتا كلٌّ ترى **** * أنْ ليس في الآخر كالــذي بها
إذ النجوم انكدرت في نحرها  **** والبدر قــد كوّر في جيوبها
وفوق طرسِ الصدر منها أسطرٌ *** ما نظرالقاري إلى مكتوبها
مثل النمال سرّبت في دميةٍ *** تسري لها والحسن في تسريبها
أحسد هاتيك النمال أنّهــــا    **** * إلــى الرضاب منتهى دبيبها
تسبل فوق ردفها ذوائبــــاً **** يذوب قلــــــب الصبِّ من تقليبها
سودٌ على أكفالهـــا كأنّهــــــا  **** أساودٌ تســـــعى إلـــى كثيبهـا
تحبها الناس ولكن إن مشــــتْ  **** كأنها تمشي علـــــــى قلوبها
فكم شكتْ عشّاقها لها جــــوىً ***** شكايــــة المرضى إلى طبيبها
كم كسّرت أجفانها في غنجٍ  ****** فانكسرت لــــي عبرةٌ أبكي بـها
تنظر في دعج وأرنو بالتـــــي  **** أخضلّت الأردان فـــــي غروبها
وهبتها قلبي لا في عــــــوضٍٍ **** إن رضيــــــت فيه فمن نصيبها 
لك أن تهبَ قلبك .. ولها أن ترضى أو تأبى .. الإنسان هو الإنسان .. رحم الله السالفين وأنعم على الخالفين ، ونحن لسنا خير خلف ، هذا الشاعر السيد الجليل الفقيه الحسيني الحسني !! مات بما نسميها بالفترة المظلمة ، أواخر القرن التاسع عشر ، وهو من أكبر شعراء العراق إبان تلك الأيام ، ونحن في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ، تأمل بعمق إلى رقة الشعور ، وطيب الوجدان ، وإنسانية الإنسان ، والغزل المباح ، حتى الصباح ، فما بالنا الآن نعيش الحرمان بين ذئاب وجرذان ، وتحت مرمى القنابل  والمفخخات والنيران ؟!!  ، سؤال  نظنّ أنّه  سيبقى دون جواب حتى أن يفيق الزمان !!