في ذكرى مرور 85 سنة على وعد بلفور وبتاريخ 16/11/2002، نقلت الصحف نص تصريح لوزير الخارجية الأسبق في الحكومة البريطانية العمالية جاك سترو، أدلى به إلى مجلة نيوستيتسمان بأن "وعد بلفور والضمانات المتناقضة التي مُنحت للفلسطينيين سراً، في الوقت نفسه الذي أعطيت فيه للإسرائيليين تشكل مرة أخرى حدثاً مهماً بالنسبة إلينا.. لكنه ليس مشرفاً كثيرا"، مضيفاً، "لم ننصف الفلسطينيين في وعد بلفور".
شكَّل التصريح محطة تاريخية بارزة في السياسية الخارجية البريطانية، وكتبت صحيفة السفير اللبنانية بتاريخ 16/11/2002: "أقرت بريطانيا بذنب، لم تعترف، لم تعتذر، خطوة متقدمة لكنها متأخرة أكثر من نصف قرن، فقد أقر وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أخيراً في حديث أثار لغطاً كبيراً في بريطانيا بأن معظم المشكلات التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط وآسيا ناجمة، عن ماضينا الإستعماري غير المشرِّف".
وبعد مرور 98 سنة على صدور الوعد و13 سنة على تصريحات سترو، وما يجري خلال السنوات القليلة الماضية في العالم العربي والإسلامي وحتى الدولي من متغيرات إستراتيجية سيكون لها بعد انقشاع الغبار تأثيرات مباشر على إعادة رسم وتشكيل خريطة المنطقة على مستوى الجغرافيا السياسية والديموغرافية، لا سيما على مستوى تقرير الشعوب لمصيرها وفقاً للمادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها.. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي.. وحرة في السعي لتحقيق نمائها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي"، هذا يحتِّم الإقرار البريطاني بعدم شرعية وعد بلفور بأنه أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وبأن بريطانيا بانتدابها على فلسطين خالفت أسس ومبادئ القانون الدولي بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وبالتالي المطلوب الإعتذار عن مائة عام من الظلم سببته للشعب الفلسطيني.
نتيجة الفضاء الإعلامي المفتوح، لم يعد ممكناً ومتاحاً – كما كان في السابق – التفرد بالرواية المزيفة التي ينسجها الكيان الصهيوني بالتنسيق والتحالف المباشر عموماً مع قادة دول الغرب حول فلسطين التاريخ والجغرافيا والحضارة والثقافة والأدب..، ومحاولة غسل دماغ الشارع الغربي بأن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب استحقها شعب بلا أرض، في المقابل تتزايد وبشكل يومي المؤشرات بأن دولة الإحتلال في المدى الإستراتيجي إلى المزيد من حالة العزلة الدولية على طريق نزع الشرعية، وبهذا المعنى تستشعر دول العالم بأن دولة الكيان الإسرائيلي لا مستقبل لها في منطقتنا العربية وهي الشاذة عن السياق الطبيعي للدول فهي على الأقل الدولة المغتصِبة لأرض الغير وتمارس التطهير العرقي بحق سكانها الأصلييين منذ 67 سنة، وهذا مما يمكن أن يعطي دفعاً سياسياً ومعنوياً للحكومة البريطانية للسير في خطى الإعتذار.
ما قام به السيد سترو من الإقرار بالذنب سبقه خطوة متقدمة قامت بها الحكومة البريطانية كمحاولة للتخلص من الفكر الإستعماري للدول، ففي العام 1963 اعتذرت من قبائل الماو ماو في كينيا في إفريقيا على ما ارتكبته من مجازر، وكان لتلك القبائل حكماً ذاتياً، وفي شباط من العام 2013، زار رئيس الحكومة البريطانية الحالي ديفيد كاميرون الهند واعتبر أن المجزرة التي ارتكبها الجنود البريطانيون بالهنود إبان إستعمار بريطانيا للهند في العام 1919 "وصمة عار في جبين بريطانيا"، صحيح أن الرجل لم يعتذر لكنه أقر بالذنب وهذا مؤشر مهم في السياسة البريطانية.
مع فوز "صديق فسطين" النائب جيريمي كوربن بزعامة حزب العمال البريطاني الشهر الماضي وبنسبة 59.5% ومن الجولة الأولى، واتهام رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون للسيد كوربن في المؤتمر السنوي لحزب المحافظين الحاكم في مدينة مانشستر في بريطانيا البارحة 7/10/2015 بأنه "يتعاطف مع الإرهاب" يعطي مؤشراً غاية في الأهمية، للإنتقال من مرحلة الإقرار بالذنب إلى مرحلة الإعتذار.
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق