ثرثرةٌ في بغداد/ د. عدنان الظاهر

                                                       
ثرثارُ ثرُّ
ثرثرةٌ لا طائلَ منها أو فيها
في مشفى صالةِ تجميلِ الموتى قبلَ الدفنِ
أو في قاعاتٍ أخرى لا حصرَ لها لا عدُّ
نرجيلةُ ثرثرةٍ لا تحسمُ أمرا
لا فوقَ النيلِ ولا في غيرِ النيلِ
تسألُ هل من حلِّ ؟
هل مَنْ يوقفُ نزفَ النهرينِ
أو يكشفُ سرّا ؟
ثرثرةٌ تتجاوزُ مألوفَ المعيارِ
يزفرُها صدرٌ معطوبٌ مخدوشٌ مِهذارُ
شَجَناً تعزفهُ آلاتُ نِحاسٍ وأنابيبُ هواءٍ مدفوعِ
 صَخَباً في بحّةِ جرحِ الأبواقِ
إغلقْ هذا التختَ الشرقيَّ وهذا المقهى أيّاً ما كانا
العزفُ عروقٌ ناتئةٌ تدمى
يختلطٌ العازفُ بالنازفِ والجوقُ نشازُ 
حتّى طلعةِ نجمِ الفجرِ.
يا هذا
أضحى قلبُكَ طبلاً أجوفَ مخروقا
يمضغُ سُمَّ الأفعى تِبْغاً تخديرا
يلعبُ حَبْلا
سقطتْ فيهِ أسنانُ المشطِ جميعا
سقطَ المشطُ وكسّرها سِنّاً سِنّا
لا ترفعْ صوتا
إحملْ جازاً أو عُكّازاً واهجرْ سقفاً في دارٍ
الكونُ الدائرُ لا يعرفُ أرضا
يمخرُ أمواهَ بحارِ سمواتٍ عليا
ينفخُ أبواقَ الصدرِ المفتوحِ زعيقا
يقتلني صَبْراً ـ شَنْقا
كي لا أعبرَ جسرا
للشامِ وبغدادَ وميدانِ التحريرِ وأبوابِ القدسِ
 والزابُ الأعلى قتلى قتلى قتلى
في مخمورَ وفي " طوزِ الخُرْماتو " .
وجّهتُ رسالةَ شكوى
أدعو فيها مَنْ أدعو
أكشفُ مّا أُخفي في صدري
أعبرُ قاراتِ الدنيا مخفيّاً زحْفا
أركبُ موجاتِ البحرِ المنذورِ لصبري
ماءُ البحرِ شرابي
ملحاً منقوعاً مصهورا
الموجُ الكالحُ يجرفني ظهراً بطنا
يتركني مخلوبَ اللُبِّ كسيرَ الخاطرِ والظهرِ
هيّا قوموا
قوموا صلّوا صلواتِ الغائبِ عن جثمانِ الأمِّ
نَذرتْ جوهرها قُربانَ خلاصي من موتٍ غَرَقاً في بحرِ
ـ ها قد قُتلتْ في بابلَ قبلي ـ
كانت تبكي وَطناً يسفحُ دمعاً
يترقرقُ كالزئبقِ في أحداقِ مرايا العينِ
وتُقيمُ صلاةَ الفجرِ على صخرةِ شاهدِ قبْرِ
تتعلّقُ بالأستارِ الخُضرِ نذورا ..
ليتَكَ ما كُنتَ وما كانوا
لم تسمعْ صوتاً أو لَغْطاً يضربُ مقفولَ الأبوابِ
حيثُ الصمتُ جُسورُ
والرايةُ لا تعبرُ جِسراً إلاّ غَصْبا
حاولْ أنْ تعبرَ جسراً حُرّاً أو قَهْرا
قفلُ الجسرِ من البابِ الخلفي
لا يُفتُحُ إلاّ سِرَا
أُعبْرْ أُعبْرْ أو خففْ
من سرعةِ مُنزَلقِ الدمعةِ في أحداقِ النهرِ
لا تأمنْ تُجّارَ وحكّامَ الأسواقِ السوداءِ
السوقُ الأسودُ مبغى !
اللقيا مَحضُ رجاءٍ
يتأرّجحُ بين الكرخِ وتمثالِ " رُصافيٍّ " يتهاوى ضَعفا
إخلعْ ثوبيكَ وقاومْ حتّى آذانِ سقوطِ الفجرِ
إيّاكَ وما قالَ الساقي في الباقي من كأسِ الخمرِ
والحارسُ في أبوابِ قصورٍ خُضْرِ
زمنٌ هذا ؟
قَدَرٌ هذا ؟
دُنيانا ليلٌ في شهرِ !
شاءَ الوطنُ المثقوبُ المنهوبُ
أمْ كفكفَ تحت الأجفانِ دموعا
البحرُ سريرُ الموتى غَرْقى
فلماذا تركوا أرضاً كانت وَطَناً وحِزاماً أمنيّا
 ما أنتَ ومّنْ مثلي في الأرضِ الأخرى ؟
أُمٌّ تبكي تندبُ حظّا
تسألُ تابوتا
جسدٌ لا يتحركُ فيه
لا يسمعُ للأمِّ الثكلى صوتا
قوموا يا غرقى
قوموا يا موتى !
في الكفّةِ ميزانُ غموضِ الأشياءِ
لا حاكمَ إلاّ محكومٌ مطلوبُ
لا يسمعُ صفّاراتِ الإنذارِ
تسحبهُ نارُ الجنِّ وتُرديهِ قتيلا
لا عِظةٌ تنفعُ لا مفتاحٌ في بابٍ لا قنديلُ
القصّةُ أقوى
لا آخرَ يُنهيها .
قوموا لاحَ الفجرُ
شرقيّاً فضيّاً وضّاحا
قوموا صلّوا تأميما
الرملُ كثيرُ.

اليوم هرب البرلمان العراقي/ حسين محمد العراقي

السياسة أمتحان يُكرم المرء به أو يهان فساستنا أستهتروا بمقدرات الشعب علماً أن الشعب معادلة صعبة واليوم دخلت الجماهير الغاضبة السبت  30 نيسان 2016  إلى المنطقة المحصنة وهتفوا شلع  قلع  كلهم حرامية بالروح بالدم نفديك يا عراق وأخوان  سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعة لقد  قلت وذكرت وكتبت أن الجماهير   أقوى من الطغاة وأقوى من الأمريكان وهذا ما تحقق اليوم ولكن نتخوف من أن قيادة هذه الجماهير تقبل بالحلول الترقيعية فيذهب أنتصار اليوم  إلى خبر كانة وعلى الجماهير أن لا تقبل بأقل من التغيير الشامل فأنها فرصة قد لا تكرر فلا كتل سياسية بعد اليوم والدور الآن للجماهير التي عانت الأمرين منذ أكثر من عقد ونيف  جعلوا السني يقتل الشيعي والشيعي يقتل السني والعالم للأسف يتفرج علينا لقد أهانوا الشعب وأذلوه بدليل  حتى قطعوا عنا شريان الحياة ( التيارالكهربائي) ونحنُ على أبواب صيف لاهب  الله يكون بعون المريض   وبالخصوص المصاب بالذبحة الصدرية والجلطة الدماغية ومنهم أنا .
أن مطالب المتظاهرين حق شرعي كفله الدستور وهم يدافعون اليوم عن شبح العذاب والموت البطالة الفقر  الذي مروا به من قبل ساسة وبرلمان وحكومة  بغداد لقد  أنكسرت العصى وسار الرُكب ونحنُ كصحافيين وأعلاميين  نطالب المتظاهرين الأبتعاد عن مؤسسات الدولة والوزارات والمحافظة على ممتلكات العامة والخاصة والألتزام بسلمية التظاهر.
كم نتمنى أن تستمر فرحة النصر هذه إلى النهاية خالصة للعراق فقط لا تلوثها المصالح والمنازعات فبعد الفرحة يجب أن يكون الضمير الوطني هو الذي يقرر ما سيكون عليه شكل العراق  الجديد  المبني  بمأسساته الحقيقية بالضمير الوطني  الحي لكي نرسم مستقبل الأجيال القادمة يجب أن تثبت هذه الصرخة الخالصة وسوفة يدونها التاريخ أن بلدنا يمر بظروف أستثنائية خطيرة والمنطقة هي الأخرى تمر بظروف معقدة وتوترات شديدة تلقي بظلالها على العراق وسط تدخلا وأنقسامات دولية محمومة وبالتالي حين مشاهدتي  إلى السياسي أنتفاض قنبر  على البغدادية  مع أنور الحمداني  21نيسان  2016 وهو يقول  يوجد  أكثر من 29 لوبي عراقي  علماً إسرائيل  وهيمنتها يوجد  بها لوبي واحد  فقط كذلك يقول لكل بلد قانون وتنفيذ واليوم كل ساسة العراق يعتبرون أنفسهم هم منفذين وأصحاب نفوذ على هذا الشعب المبتلى  

الأب يوسف جزراوي قارئاً ملحمة كلكامش: أين الطريق؟/ فؤاد نعمان الخوري

الأب الأديب يوسف جزراوي مثقف موسوعي نشيط، يتدفق كالنهر، ولا تستهويه ظلال الاستراحة. في كتاب جديد تناول فيه ملحمة كلكامش  من منظار انساني، يعيد وصل ذاته بتاريخ العراق واساطيره وملاحمه، بعد ان ذاق مرارة الترحال مثل كلكامش، وقطف ازهار الحكمة من عيون السندباد.  فهل تكون غربة الجغرافيا موعد لقاءٍ في ساحة التاريخ، وما الذي يجمع بين المسافرَين في المسافات؟

السفر في العمق تمرّد على رتابة الاقامة،او كما يسميه الكاتب، "خروج من الذات الى رحاب الحب والخدمة". هو اذن الحركة  والسعي الى الخلود بكل اشكاله. من أوروك أو من بغداد، يبتدئ المشوار بحثاً عن عشبة سحرية توقف عقارب الزمان. ولكل مسافر رفيق: أنكيدو لكلكامش، ويسوع للأب جزراوي.  وحين يعلن الكاتب ان البطل الحقيقي في الملحمة هو الرفيق انكيدو، كأني به يشير بيديه الى صورة المصلوب على خشبة ويقول: هوذا البطَل والألف والياء.

نقش كلكامش في الحجر تفاصيل اسفاره، وسجّل الأب جزراوي تجربته الفريدة في الكتب المكدّسة وعلى المذابح المقدّسة. وكلاهما في التدوين يسعى الى اشراك الآخرين في تذوّق كأس المغامرة الكبرى.  وهدفهما مزدوج: تحقيق الذات وبنيان الآخر، وبين الذات والآخر تفاعلٌ مبارك. هكذا تصير الكتابة رحلة نحو عالم أفضل، وفعل محبّة ورجاء.

وتبقى الجدلية الوجودية قائمة: لا بد من الخروج من المورورث او الذات او الوطن، للولوج في عمق الدهشة والاكتشاف والتألق. الغربة هي الطريق اذن الى الآفاق الجديدة، ومن معاناة الانسلاخ تتفتح براعم العطاء المبدع. لكن الخروج الأخير من سجن الجسد موجع ومخيف؛ هكذا يصرخ كلكامش  في اللوح الثامن:"...من أجل انكيدو، خِلّي وصاحبي، أبكي وأنوح نواح الثكلى!" وفيما يسعى كلكامش الى مقارعة الموت (الشر)، يردّد الكاهن الكاتب: أين شوكتك يا موت، وأين غلبتك يا جحيم؟

يتماهى الأب جزراوي بملحمة كلكامش وكأنه يقرأ فيها سيرته الذاتية.  يربح معه "ثورة القلق ورهبة المغامرة.."، ويحنّ مثله الى موطنه الأول، حيث يكون له الخلود. وبغيرة الراعي الصالح الذي "يعرف خرافه وخرافه تعرفه" يُسقط  امثولات الماضي على الواقع المُعاش، فيدعو القراء الى رفض العنف واعتماد المحبة والحوار. وكما سأل كلكامش صاحبةَ الحانة: أين الطريق؟  يدعو الكاتب الإنسان المعاصر الى طرح السؤال ذاته على نفسه...وفي الكتاب الجواب.

الآن منتصف الأنت إلاّ .. الأنا/ رجاء محمد زروقي


بكلّ ما أُوتيت من الحب
أقول أنّني .. أحببتــــك ..
وبكلّ ما أُوتيت من الصدق
أُصدقك القصـــــد
وأقول أنّني أحبـــــك
فقط خنتُني وخنتك
ذات أخفيتُ
أنّني بعد المعبود عبدتّك
.....،.....
تذكرتــــــك
وتذكرت أنّني بخمس قميرات
من الله بعتـــــك
وفي زحمة حروف قصائدي
أضعتــــــك ..
ولكنّني بمحاريب تبتّلي
وخلوة إرتيادي لقميرات الله
كنت أنا بالإطراق أرنو إلى الوَرَع
وكنت أنت من بالإشراق
 نبس .. اللّهم نوِّلها
فسمعتـــــك ..
.....،.....
تيتّمت الكلمات
ترمّلت القصيد
فلا أنااااا...ك يُضفي .. إليك ..
ولا أنت في أنااااا...ك .. لديك ..
فسلام عليّ وسلام .. عليك ..
سلام على القرض والنثر
سلام على الصبح والشفع والوتر
وسلام على ما صليـــت ..
.....،.....
إفترض على سبيل القلب
أنّني وعدتــــــــك
وبعد خمس قميرات
من سِجلّ صلوات الإيلام
سحبتــــــك ..
ومن شهد تفاح ياقوت الكلام
ما وهبتــــــك ..
فجرّب وخذك إلى قميرات الله
وأنظر كم أنت جميل
وكم لديه أنااااااا جمّلتـــــك ..
،..... …..
والآن عقارب الألم تشير
إلى الأناااااا
فخذ أناااا...ك
وخذك بما ألّمتـــــــك
ومن أكاليل قميرات الله علّمتــــك
**--**--**
27 / 04 / 2016
الشاعرة التونسية
رجــــــــــــــــــ محمد زروقي ـــــــــــــــــاء
**--**--**

فيض النور العجائبي في القدس هو الحقيقة ورمز النور الأبدى/ مارسيل منصور


في يوم الأحد القادم من هذا العام في الأول من مايو( أيار) 2016 ، ستحتقل  الكنائس الأورثوذوكسية ذات التقويم الشرقي بعيد القيامة المجيد (عيد الفصح) في جميع أنحاء العالم . وأبرز ما يميز هذا الاحتفال هو فيض النور العجائبي المقدس في كنيسة القيامة في القدس القديمة ، حيث تزخرالكنيسة هناك بعدد هائل من عشرات الآلاف من المقدسين (الحجاج) في جميع أنحاء العالم على اختلاف جنسياتهم بما فيهم الفلسطينيين والعرب المسيحيين المحليين . 
وقد يسأل البعض ... ماذا يحدث في القدس في يوم سبت النور؟ في هذا اليوم تحدث أعجوبة انبثاق النور المقدس سنويا ، حين يفيض هذا النور العظيم من قبر المسيح -  له المجد -  في نفس الوقت ظهرا من كل عام ... ولا بد وأن يكون هذا الحدث في كنيسة القيامة بإعبتارها الأقدس مكان فى العالم ، حيث صُلب المسيح ، ومات الجسد ، وقام من القبر فى اليوم الثالث ساحقا قوة الموت ومنتصرا على الشر وظافرا بالحياة الأبدية . فمنذ الساعة الحادية عشر صباحا يبدأ المسيحيون العرب فى الترانيم الدينية وتدق طبول الكشافة وسط هذا الاحتفال العظيم ، كما وتقوم السلطات الحاكمة بمهمة تفتيش القبر المقدس والحفاظ على النظام .
و يقوم بطريريك القدس " ثيوفيلوس الثالث فى القدس وجميع فلسطين " بإشعال النار المقدسة لجميع الحاضرين ، ووفقا للتقاليد يحمل معه حزمتين من الشموع فى يديه والمكونه من 33 شمعة هى رمز عدد حياة المسيح على الأرض ، كما وأن البطريريك لا يحمل معه أى مصدر من الضوء ، حيث أن الشموع تكون بلا لهب ، فى جو يتمَ فيه قطع كافة الأضواء الاصطناعية ، وكالمعتاد بعد الساعة الثانية ظهرا ، تشعل النار المقدسة فى أقل من خمسة عشر دقيقة ، حيث يخرج البطريريك حاملا شعلة النور العجائبى ليعطى منه للمقدسين الحجاج ... هذا الضوء يستمر لمدة 33 دقيقة دون أن ينطفئ ، ودون أن يحرق أحد يلمسه كما يقول شهود العيان ... كذلك يتم ترحيل هذا النور المقدس الى العديد من الكنائس حول العالم .
قد يسأل البعض ... وربما يشكك فى حقيقة هذا النور العجائبى؟  أهو حقيقة أم هو أى شئ آخر ؟ .. والجواب هو كما سجَله التاريخ أن هذا النور هو رمز النور الأبدى وهو الحقيقة التى لا تحتاج الى برهان ... فلو تتبعنا أثره منذ قرون لوجدنا أنه قد أشير الى أن القديس بطرس قد رأى النور الإلهى بعد قيامة المسيح فى عام 34 ، كما وأن الناسك الروسى دانيال قد روى لنا تفاصيل هامة حدثت فى القرن الثانى عشر عند زيارته للقدس فى فلسطين 1156-1107 ، فشرح تفصيليا عن وقائع انبثاق النور ... كما ويذكرنا التاريخ بفشل المتشككين فى محاولة إثبات عدم صحة هذه الظاهرة ، وأذكر منها حادثة انبثاق النور الإلهى عموديا وشق عمود الرخام اليسارى متجها نحو البطريريك الأرثوذكسى ، أثناء الحكم التركى للأراضى الفلسطينية المقدسة ... ولا زال هذا الشق فى العمود يشهد هذه الحقيقة حتى يومنا هذا ويسمى " مكان الشق "، ويجدر الذكر أنه كان هناك فى العام الماضى بعض الفيزيائيين من ذوى الخبرات العلمية والذين قاموا بإجراء بعض البحوث من أجل الكشف عن الظواهر التى يتم فيها الحدث  ، فلم يصلوا الى أى نتائج مجدية . ويقول البطريريك أنه ليس هناك شكاَ بأن هذه النار هى نور عجائبى بحت . فلو كان ما يحدث غير حقيقيا لما كان هناك معنى للخلاص ، هذا وأن هناك عدد من الظواهر العجائبية التى تظهر فى القدس وفى الأراضى الفلسطينية المقدسة كل عام ، مثل تغيير مجرى نهرالأردن وظهور سحابة تحيط بالدير فى عيد التجلَى ... مثل هذه المعجزات تحدث بإنتظام ، ويمكن أن يشاهدها العامة بشكل مباشر، وقد أكد على ذلك فريق من خبراء الأرصاد الجوية الإسرائيلية والروسية والذين عجزوا عن تفسير هذه الظواهر . إذن هذه المعجزات ليس لها تفسير علمي  رغم البحوث والتحاليل . وما هى إلا ظواهر خارقة للطبيعة وترتكز أساسا على الإيمان المطلق ولا تحتاج الى برهان .  وطبقا لعلماء الدين والمؤرخين وعلماء الآثار والفيزيايين والخبراء المتخصصين ، فان معجزة " النار المقدسة " تظل أعظم من جميع المعجزات المسيحية ، وكما قال رئيس أساقفة طبرية " أنه لا يمكن أن يكون هناك معجزة من غير إيمان وأن هذه المعجزة تخدم غرضا واحدا هو تمديد نعمة الله فى الخلق " .
وإذا سألت عزيزى القارئ عن مدى حقيقة هذه المعجزة ... فأستطيع القول أن طبيعة هذا النور المقدس ينبثق بقوة عجائبية سرمدية وهى نابعة من خلال  التدخل الإلهى والذى لا يمكن تفسيره إلا بالإيمان ، وكما قال الفيلسوف الألمانى كانت " إن علم الغيب لا يمكن الوصول اليه إلا بالإيمان ، لأن تفسيره هو أعلى من مستوى القدرات العقلية للذكاء البشرى " ، وعلى القارئ إذن أن يختار ما بين" أن تصدق أو لا تصدق " لأن عملية الإيمان هى شخصية بحته ... وهذا ما يذكرنى فى "رهان باسكال " الفليسوف الفرنسى عندما قال " اذا كنت مؤمنا أو غير مؤمن ففى النهاية إما أن تكسب أو تخسر ، فمن الأفضل إذن أن تكون مؤمنا وتكسب خيرا من أن لا تكون وتخسر " . وما أجمل أن يكسب الانسان النور الإلهى الكامن فى الحياة الأبدية . 

مزراب/ طوني حنَّا


بْـــــــمــــــدرستي بْـــــــــــــــــــرمْت عليها
بــــــيــــــــن الأصـــــــحــــــــــــــــــــــــــــاب
شِفتـــا وكـــــــــانـــــــــــــــــــــــو عينيهــــا
مــــــــــتـــــــــــــل الـــــــــمـــــــــــــــــزراب,

قلتلاّ: شو اللي صــــــــــــــــايـــــــــــــــــــر
تـــــــــــــــــــا زعلْتي هــــَـــــيـــــــــــــــــــك؟
قالتلي: فكـــــــــــري حــــــــــــــــايـــــــــــر
والـــــــــحــــــــــــــــــــــــقّ علـــــيــــــــــــــك
فــــــي واحـــــــــــــــــد منَّك غــــــــايــــــــر
روِّج يـــــــــــــــــا بَـــــــــــيـــــــْــــــــــــك...
وبَيِّي مـــــــــن عقلو طــــــــــايــــــــــــــــــر
والــــعِـــيشـــــــه عْـــــــــــــــــــــــــــــــذاب.

طوني حنَّا (النسر)

اسرائيل... وضم الجولان/ راسم عبيدات

في السابع عشر من الشهر الحالي ولأول مرة منذ (49) عاماً عقدت الحكومة الإسرائيلية جلستها الأسبوعية على أرض الجولان السوري المحتل،ورئيس وزراء حكومة الإحتلال نتنياهو في تحد واضح وبكل صلف وعنجهية قال "إن هضبة الجولان ستبقى بيد اسرائيل الى الأبد" ولن تنسحب منها تحت أي ظرف،وهذه الجلسة الإستفزازية لا بد انها ترجع لعدة أسباب وتنطوي على مجموعة رسائل أرادت ان توصلها حكومة الإحتلال الى أكثر من جهة وطرف.وقبل التطرق لذلك لا بد لنا من القول بان الكنيست الصهيوني سن قانون ضم الجولان في 14/12/1981،بناء على اقتراح قدم من مناحيم بيغن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت،وفي تشرين ثاني من عام 2010 سنة حكومة نتنياهو قانون "الإستفتاء العام،بغرض وضع العراقيل امام إي إنسحاب من أراض تخضع للسيادة الإسرائيلية،والمقصود هنا على وجه التحديد الجولان والقدس الشرقية،واكد هذا القانون على ان أي انسحاب اسرائيلي من أي منطقة خاضعة للسيادة  الإسرائيلية يحتاج الى اغلبية في استفتاء عام،وقد أيد هذا القانون (61) عضو كنيست من  مجموع  اعضاء الكنيست ال(120) عضواً.

قبل البحث في الأسباب والرسائل المتوخى ايصالها من  هذه الخطوة التصعيدية والإستفزازية،لا بد لنا من القول في ظل الإنزياحات التي يشهدها المجتمع وكل مكونات ومركبات المجتمع الإسرائيلي منذ عام 1996 نحو اليمنية والتطرف (اليمين الديني والقومي)،ولتبلغ ذروتها بتشكل هذه الحكومة اليمينية المغرقة في التطرف،فإن المحرك الأساسي للسياسة الإسرائيلية لم يعد الأمن،بل أصبح الأمن واحد من المركبات،والمركب والمحرك الأساسي أصبح الإستيطان،فنتنياهو وحكومته يرون بان الظروف الفلسطينية والعربية والدولية مؤاتية وملائمة لهم من اجل تحقيق اهدافهم في إستمرار الإستيطان والإحتفاظ بالأرض والأمن والسلام معاً.

فالحالة الفلسطينية ضعيفة ومنقسمة على ذاتها،ومستقبها نحو المزيد من الفوضى والتشرذم،بينما الحالة العربية دخلت حروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية،ولترتسم لها خرائط جغرافية جديدة على تخوم وحدود المذهبية والطائفية،والإرادة الدولية المشتبكة أقطابها الرئيسية روسيا وأمريكا من اوكرانيا حتى اليمن معطلة وغير قادرة على فرض حلول سياسية على "اسرئيل". وكذلك وجدت "اسرائيل" بأن الأزمة السورية والحرب الكونية الظالمة التي تشن عليها لتغير موقعها وموقفها في الجغرافيا السياسية،تلك الحرب التي اخذت منحاً تفكيكياً وتدميرياً في آن واحد تفكيك للجيش والسلطة والمؤسسة  وتدمير للبنى التحتية ونهب للثروات والخيرات مع عمليات قتل لمئات ألآلاف البشر،وتهجير قسري للملايين وخسائر اقتصادية كبيرة جداً تقدر بالمليارات. هذه الحالة اوجدت وهماً عند نتنياهو بأن سوريا ربما تكون لقمة صائغة لتقاسم النفوذ او وراثة النظام الوطني من قبل نتنياهو وحلفاءه من السلاجقة الأتراك ومشيخات النفط العربية (السعودية وقطر).

الأزمة السورية العميقة والعدوان الذي تتعرض له سوريا،هي الظرف المناسب بإعتقاد نتنياهو،ولكن الإيديولوجية الصهيونية القائمة على الإستيطان والتطرف  هي السبب الرئيسي لمثل هذه الخطوة التصعيدية والإستفزازية، فنتنياهو لم يغلف هذه الخطوة كما درجت عليه العادة بما يسمى بأمن "اسرائيل"،بل قال بشكل واضح بأن الجولان المحتلة جزء من أرض اسرائيل الكاملة.

ويبدو بأن تلك الخطوة الإستفزازية،هي محط إجماع كل مكونات ومركبات حكومة الإحتلال الحزبية والسياسية يميناً ويساراً،واللافت هنا ان هذه الخطوة اتت متزامنة مع مناورات عسكرية إسرائيلية ضخمة على " الجبهة الشمالية" وتصريحات لنتنياهو قبلها بأسبوعين بأن اسرئيل نفذت عشرات الضربات الجوية ضد اهداف في سوريا خلال الخمس سنوات المادية،وبما يؤشر إلى التدخل الإسرائيلي السافر في الأزمة السورية بعدة طرق،منها التدخل المباشر لصالح القوى التكفيرية والإرهابية "جبهة النصرة" و"داعش"،وهنا يظهر الصلف والعنجهية الإسرائيلية في تحد الشرعية الدولية "المعهرة" التي تداعت لعقد مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع،عند الدخول العراقي للكويت،تحت يافطة وذريعة عدم جواز الإستيلاء على أرض الغير بالقوة و الخروج على الشرعية الدولية،حيث تشكلت الجيش وسيرت البوارج وحاملات الطائرات ل"ردع" صدام حسين،في حين لم  تحرك ساكناً ضد الخطوة الإستفزازية الإسرائيلية.

اما الرسالة الأخرى التي حملتها هذه الخطوة الإستفزازية،فهي رسالة منسقة مع عدة اطراف عربية وإقليمية ودولية منها تركيا والسعودية وامريكا وفرنسا،بأن اسرائيل لن تسمح بإستمرار تقدم الجيش السوري نحو إستعادة كامل الجغرافيا السورية،وان وتصبح الجولان جبهة عسكرية مفتوحة ضد الإحتلال لقوى المقاومة سورية ولبنانية وايرانية،وهي كانت ترى في "جبهة النصرة" قوة لجدار عازل او منطقة آمنة على غرار قوات لحد المقبورة في الجنوب اللبناني،وكما هي ورقة لتركيا من اجل الضغط على الأوروبين  في قضية اللاجئين السوريين إما دفع الجزية أو دفعهم للهجرة نحو اوروبا،والموافقة على اقامة منطقة آمنة لتوطينهم في الشمال السوري،والسعودية كانت تبحث عن  دور لها بتضخيم قوة "جبهة النصرة" عنوان المعارضة السورية،بما يمكنها من الإمساك بناصية المعارضة السورية،ومن هنا جاء انسحاب وفد المعارضة "السوري" المنبثق عن اللجنة العليا لمؤتمر الرياض،والتهديدات التي أطلقها كبير مفاوضي معارضة جماعة الرياض محمد علوش بإشعال النار تحت أقدام الجيش السوري،لكي يبقى الاصبع السعودي يعبث بأمن واستقرار سوريا.

الموقف الإستراتيجي الإسرائيلي من الجولان،هو إستمرار لذات المواقف الإسرائيلية من كل القضايا العربية وبالذات القضية الفلسطينية،حيث ترفض بشكل مطلق حق العودة للشعب الفلسطيني المشرد وفق القرار الأممي(194)،وتستمر بتهويد القدس على قدم وساق وتحولها الى "عاصمتها الموحدة والأبدية" في ظل صمت دولي مطبق.؟؟

قمة مسيحية من أجل فلسطين وبعد/ جواد بولس

نقلت بعض مواقع الأخبار المحلية وبصورة محدودة جدًا نبأ افتتاح أعمال مؤتمر الكنائس الفلسطينية المحلية والأميركية وذلك في الواحد والعشرين من نيسان الجاري في مركز الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في مدينة أطلانطا، ولقد عرفنا مما جاء في  الخبر اليتيم  أن الرئيس كارتر قد شارك في اليوم الثالث للمؤتمر وفي الجلسة الختامية وألقى فيها كلمة كانت بمعظمها في صالح القضية الفلسطينية، إذ حث الإدارة الأمريكية ومجلس الشيوخ على وجوب الترحيب بمساعي الفلسطينيين للتوجه إلى مجلس الأمن حيث لا يجب أن تقابل هذه المساعي بالڤيتو الأمريكي بل بالدعم والتأييد، كما وتوجه إلى الرئيس أوباما وطالبه بأن يعلن صراحةً معارضته للسياسة الإسرائيلية واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية.
يتضح من قلة ما نشر من تفاصيل حول أعمال هذا المؤتمر وما سبقها من إعداد وتحضيرات، أنه التأم بحضور رؤساء تسع وعشرين كنيسة أمريكية وثمانية عشر من رؤساء منظمات تابعة لمجلس كنائس أمريكا ومجلس الكنائس العالمي ومجلس الكنائس اللاتينية الأفريقية، ومعهم شارك رؤساء الكنائس المحلية الأساسية : بطريرك الكنيسة اللاتينية العربي فؤاد طوال، رئيس أساقفة الكنيسة الأنجليكانية، العربي سهيل دواني، رئيس الاتحاد اللوثري العالمي ورئيس الكنيسة اللوثرية  العربي د. منيب يونان، والأب العربي إبراهيم فلتس نائبًا عن حارس الأراضي المقدسة، والبطريرك اليوناني ثيوفولوس، الكنيسة الاورتوذكسية، وكذلك شاركت شخصيات ناشطة في الحقلين السياسي والاجتماعي، ورئيس وأعضاء اللجنة الرئاسية للشؤون المسيحية.          
لقد أفاد الخبر المنشور أن المؤتمر جرى بأجواء داعمة للقضية الفلسطينية، توّجت بإعلان بعض الخلاصات العامة الإيجابية، مثل حث الإدارة الأمريكية على ضرورة تبنيها موقفًا متوازنًا وعادلًا يمهد إلى السعي بخطوات عملية باتجاه عملية ناجحة تفضي إلى حل النزاع وإلى سلام عادل ودائم، كما وأوصى المؤتمرون على ضرورة زيادة الزيارات المتبادلة وزيارة أفواج الحجاج، لا سيما إلى مدن فلسطين، أما  أبرز التوصيات، كما جاء على لسان الخبر، فكان تشكيل لجنة مشتركة للمتابعة وللإعداد لعقد قمة أخرى قد تلتئم  في فلسطين.
من المؤسف أن ينعقد مثل هذا المؤتمر، الذي يبدو كمؤتمر هام ولافت، ونحن لم نسمع عنه من قبل ولا نعرف عن دواعي انعقاده وتفاصيل من حضر من رؤساء الكنائس الأمريكية وغيرهم من المشاركين، فرؤساء الكنائس المحلية العرب يشكلون حضورًا وازنًا من شأنه أن يبعث برسائل هامة إلى رعايا تلك الكنائس في الولايات المتحدة وحتى إلى الفضاءات الأوسع، مع أنني، في هذه الجزئية، كنت أوثر أن أرى بين المشاركين كهنة عربًا أو شخصيات وطنية تمثيلية عربية تمثل الوجود المسيحي العربي في أراضي ال ٤٨، خاصة الأورتوذكسي.
نحن في الشرق نعرف أن تشكيل لجان متابعة قد يكون أضمن الطرق لخنق قضية ما وأقصرها، وأقول ذلك خاشيًا، فانعقاد مثل هذا المؤتمر، في هذه الظروف العالمية القاسية، يشكل رافعةً إن صينت، بوعي ودراية، قد تصبح محطةً لما هو أكبر وأهم في حياة القضية الفلسطينية؛ وعلى جميع الأحوال من شأن هذه اللقاءات، إن أعد لها بشكل مهني ومدروس، أن تزيل طبقةً من ذلك الالتباس العربي العام والسائد ، حول تعريف من هو المسيحي/ النصراني،  فأكثرية العرب والمسلمين تنظر إلى المسيحيين في العالم وكأنهم عجنوا من الطينة ذاتها وصُبوا في نفس القالب، فأمريكا كلها ريجان وبوش، وأوروبا كلها ثاتشر، وكل هؤلاء ومعهم جميع النصارى في العالم هم أحفاد ريكاردوس، إفرنجة كافرين وأعداء.
قادة فلسطين لم يقعوا في مطب هذا التعميم، وانتبهوا دومًا إلى ضرورة وأهمية مخاطبة العالم والمسيحيين باسم فلسطين العربية، بمسلميها ومسيحييها، ولربما نجد أن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان مؤسس هذه المدرسة والأبرع في رسم رؤاها الإنسانية الوطنية وتوطيدها كنهج كفاحي شامل، لكننا نشهد بعد رحيله  أن الرئيس محمود عباس ومعه القيادة الفلسطينية الحالية، يتمسكون في هذه الإستراتيجية ويولونها أهمية لافتة.   
قد نفهم أن مرد ذلك الموقف يعود إلى فهم وطني صحيح عند قيادة فلسطين التاريخية، ومفاده بالمختصر: أن ما يُدعى ب"العالم المسيحي" ما هو إلا كيان متخيل وهمي غير موجود بشكل محدد ومادي وموحد، واكتشفوا كذلك أن واضعي هذه التسمية تعمدوا، في الحقيقة، إلى ترسيخها في ذهنية العالم، هكذا بشكله المطلق، لأن ذلك يخدم سياساتهم ومآربهم، فحكام إسرائيل، على سبيل المثال، يعملون بجهد وبمنهجية وبخفاء وبذكاء، من أجل إقناع العرب والمسلمين بأن كل المسيحيين إخوة  وكلهم يعادون العرب ويقفون مع إسرائيل وسياساتها، وفي نفس الوقت وبنفس الخطورة يمارسون نفس السياسة مع المسيحيين، كل المسيحيين، ويحاولون إقناعهم أن العرب هم مسلمون وأن المسلمين هم أشرار وأن المسيحيين كاليهود ضحايا لهؤلاء الأشرار. 
من هنا كانت المحافظة على الوجود المسيحي العربي في فلسطين والدول العربية الأخرى يحمل بعدًا إستراتيجيا وجوديًا تنبهت له القيادات الفلسطينية وأبرزته بشكل لا يقبل المساومة أو التحريف، وإلا كيف نفسر إصرار تلك القيادة على ضرورة تحصين مقاعد برلمانية للمسيحيين ورئاسات مجالس بلدية وقروية حتى وإن كان سكان تلك المناطق المسيحية أقلية واضحة، إنها مصلحة وطنية قومية عليا وسياسة بعيدة النظر وعميقة الإنسانية وكفاحية صادقة.
من شأن قمة أطلانطا ومثيلاتها أن تضرب وتفكك مركبي المعادلة القاتلة الرائجة وتثبت أن :  المسيحيين ليسوا عالمًا واحدًا بل عوالم وأتواب، وأن في فلسطين شعبًا عربيا تعود جذور بعضه إلى ناصرة البشارة ومذود بيت لحم وطريق الآلام .
لقد سبقت قمة أطلانطا أحداث هامة جرت في بعض المحافل والكنائس المسيحية في العالم حين بدأت قياداتها الروحية تخطو بإيجابية نحو الحق الفلسطيني وفي مشهد يعكس تغييرًا واضحًا في سياسات تلك الكنائس القديمة حين كانت معظمها في صالح إسرائيل. وربما كان الاحتفال في الفاتيكان الأكثر جذبًا لأنظار العالم، حين أعلن البابا فرنسيس الثاني في السابع عشر من أيار المنصرم عن قداسة راهبتين فلسطينيتين : ماري بواردي المولودة في الجليل وماري غطاس المولودة في القدس، وفي رسالة من الفاتيكان تعلن عن حرصه على أبناء فلسطين العرب وعن أهمية فلسطين وقدسية دور أبنائها وبناتها في إشعال نور الحق والعدل الإنساني.   
 لهذه التطورات أهمية بالغة على مستقبل الحق الفلسطيني، خاصة ونحن نشاهد كيف ينهار العالمان العربي والإسلامي، ولذلك على القيادة الفلسطينية وقيادات الجماهير العربية في البلاد، كل من موقعه، أن تولي هذه المسألة جل اهتماماتها وأن تقدمها إلى رأس أولويات العمل الوطني المنظم، ومن أجل إنجاح ذلك أكرر ما قلته في الماضي:  بأن الإعتماد فقط على لجنة رئاسية تعمل وفق رؤى وإمكانيات متواضعة لن يفيَ هذه المهمة حقها ووزنها، وشاهدي على ذلك ما لم نعرفه عن هذه القمة، قبل انعقادها وبعده . 

ذات ليلى/ ماهر طلبه


ذاتَ ليلة، انتابت ليلى حالة غريبة .. تشكل فيها الليل رجلا والنجوم نساء تطارده، ثم انشق الليل عن قمر ، فانبثقت من وسط النجوم شمسا.. وكان زفافا ، وكانت دخلة .. وكان أن بكت الشمس دماءً لأنها لم تشعر بالمتعة، بينما قام القمر سعيدا منتشيا ..
ليلة سوف يتناولها الكاتب فيما بعد ليشرح للقراء أنه هكذا شعرت ليلى حين غادرها ابن ورد -بعد ليلتها الأولى فى خيمته- يغتسل من ماء البئر ، بينما ظلت عيناها معلقتان بسماء الخيمة حيث شِعرابن الملوح – السابح فى فضاء الخيمة- يطاردها ويمنع عنها المتعة.  

mahertolba@yahoo.com

عَـرَّبْـتُ هذا المقطع للشاعر روبرت لويس ستيفنسون من قصيدته: أيتها الريح/ محمود شباط

أنْـتَ يَـا ذَا الـمَـاردُ الـصَّاهلْ
قَـرُّكَ يَـغْـزُو الـقِـفَـارَ
وَالـمَـجَـاهِـلْ
تَـمْـتَـطِـي مْـتْـنَ الأثِـيـرِ مُـطْـمَـئِـنَّـا
هَـلْ تَـكُـنْ غُـرَّاً فَـتِـيّاً
أمْ مُـسِـنَّـا
أمْ غُـوَيْــلاً ،
أمْ صَـبِـيَّـاً أقْـوَى مِـنِّـي؟
يَـقْـلِـبُ لِـي ظَـهْـرَ الـمِـجَـنِّ
لا مُـبـالٍ بِـارتِـعَـابِـي .. ويُـغَـنِّـي
أيُّـهَـا الـعَـاصِـفُ
عَـبْـرَ آمَـادِ الـزَّمَـانْ
صَاخِـبٌ تَـرْنِــيـمُكَ
صَـاخِـبٌ فِـي كُلِّ آنْ
مُـنذُ أنْ عَـاشَ في الأرضِ الأوائِـل.

O you that are so strong and cold,
O blower, are you young or old?
Are you a beast of field and tree,
Or just a stronger child than me?
O wind, a-blowing all day long,
O wind, that sings so loud a song!
**
Robert Louis Stevenson, The Wind


من سيحصد نتائج الحروب الأهلية العربية؟/ صبحي غندور

لو سألنا كلَّ إنسانٍ عربي عن أولويّة اهتماماته العامّة الآن، لكانت الإجابة حتماً محصورةً في أوضاع وطنه الصغير، لا "وطنه العربي الكبير"، ولا قضيّته الكبرى فلسطين، فالأمَّة الواحدة أصبحت الآن "أمماً"، وفي كلٍّ منها "أممٌ متعدّدة" بتعدّد الطوائف والأعراق والعشائر، ولدى كلٍّ منها أزمته الحادّة وصراعاته المفتوحة دون أن يلوح أفقُ أملٍ أو حلٌّ قريب.       
إنّ تعبير "الربيع العربي" الذي جرى تداوله منذ العام 2011 فيه الكثير من التضليل لأنّه يشير إلى ما يحدث في المنطقة العربية وكأنّه ثورةٌ واحدة موحّدة في الأساليب والقيادات والأهداف والظروف، وعلى أرضٍ واحدة وفي كيانٍ واحد، وهذا كلّه غير صحيح. فالمنطقة العربية هي أمَّةٌ واحدة، لكنّها تقوم على 22 دولة وكيان وأنظمة حكم مختلفة. فوحدة "الشارع العربي"، من الناحيتين السياسية والعملية، هي غير متوفّرة بسبب هذا الواقع الانقسامي السائد لقرنٍ من الزمن تقريباً، وبالتالي فإنّ المشترك الذي حدث هو قيام انتفاضاتٍ شعبية عربية، لكن بقوى مختلفة وبظروف متباينة وبأساليب متناقضة أحياناً. فما حدث من أسلوب تغيير ونتائج في تونس ومصر لم يتكرّر في ليبيا أو اليمن أو سوريا أو البحرين، ولا كانت أيضاً مواقف المؤسسات العسكرية في هذه البلدان متشابهة مع مثيلاتها في تونس ومصر مثلاً.
وكان واضحاً، وما يزال، غياب المعيار العربي الواحد لتقييم هذه الانتفاضات الشعبية. فقد يكون معيار البعض هو العامل السياسي المحلّي فقط، من خلال تغيير أشخاص في الحكم أو إسقاط نظام، بينما قد يكون المعيار، لدى البعض الآخر، هو مدى قدرة هذه الانتفاضات الشعبية على البقاء متحرّرة من التدخّل الأجنبي وشروطه المستقبلية على النظام البديل.
أيضاً، تختلف المعايير العربية، ممّا حدث حتّى الآن في المنطقة، تبعاً للمواقع العقَدية الفكرية والسياسية، كما هي أيضاً في المعايير الدينية والمذهبية والإثنية عند من يعتبرونها مرجعيتهم لتحديد مواقفهم من أيّ شأن، حيث دعم أو رفض التغيير في أيّ مكان ينطلق عندهم من هذه المعايير والمصالح الفئوية.
صحيحٌ أنّ التطورات التي حدثت منذ خمس سنوات على أرض العرب، أسقطت جدار الخوف النفسي الذي كان يفصل بين المواطن وحقوقه في الوطن، وأعادت الاعتبار لدور الناس في عمليات التغيير المطلوبة بالمجتمعات، بعد أن حُصر التغيير في السابق إمّا بالمؤسّسات العسكرية أو بالمراهنة حصراً على التدخّل الخارجي، لكن هذه المتغيّرات حدثت في مناخ تزداد فيه الطروحات الانقسامية في المجتمعات العربية، وبأشكال طائفية ومذهبية وإثنية مختلفة، وهي تتناقض مع طبيعة صحّة الواقع؛ الذي هو بين حاكمٍ ظالم وحكوماتٍ فاسدة من جهة، وبين مواطنين ومحكومين مظلومين ينتمون لكلِّ الطوائف والمذاهب والأعراق، من جهةٍ أخرى.
إنّ ما يحدث الآن في عموم أرض العرب، هو تعبيرٌ لا عن خطايا حكومات وأنظمة فقط، بل هو مرآةٌ تعكس الفهم الشعبي العربي الخاطئ للدين وللهُويّتين العربية والوطنية، ولمدى خلط بعض المعارضات بين مواجهة الحكومات وبين هدم الكيانات الوطنية، ولسقوط بعض المعارضين والمفكّرين في وحل وهُوّة التفكير الطائفي والمذهبي، وفي التماشي مع رغبات "الخارج" وشروطه للدعم والمساندة.
لقد كان من واجب الحركات السياسية، الدينية والعلمانية، أن تعطي الأولويّة لإصلاح المجتمع في أيِّ بلد، لأنّ ذلك هو مبرّر وجودها الأساسي، ولأنّ ذلك أيضاً هو السبيل الأسلم إلى إصلاح الدولة ونظام الحكم فيها. فإصلاح المجتمع يعني بناءً سليماً للدعوة والدعاة، ويوجب حسن الأسلوب والتعامل مع "الآخر" في المجتمع، واستخدام التأثير الإيجابي في الناس من خلال العمل الثقافي والفكري البعيد عن الفئوية والانتماءات الضيقة والمصالح الخاصة.
وقد يرى البعض أنَّ عنوان تحدّيات المرحلة تتمحور حول مسألة الديمقراطية وحرّية المواطن من الاستبداد الداخلي. لكن رغم صحّة هذا الأمر من الناحية المبدئية، فإنَّ أساس المشكلة في الواقع العربي الراهن هو تراجع مفهوم "الوطن" وتعثّر تطبيق حقّ "المواطنة" وتهميش مسألة "السيادة الوطنية". ولعلّ في ما يحدث الآن، في تجارب عربية "ديمقراطية"، أمثلة حيّة على مكمن هذه المشكلة السائدة في المجتمع العربي لحوالي قرنٍ من الزمن.
إنَّ الضعف العربي، المتراكم منذ أربعة عقود، هو بناء تدريجي كانت أسسه في تعطيل دور مصر العربي بعد المعاهدة مع إسرائيل، ثمّ في حجم التدخّلات الأجنبية في أوطان لم يحصل التوافق بينها على مفهوم "الأمّة العربية"، بعد تجزئة المستعمر الأوروبي للمنطقة وقيام أوطانٍ غاب فيها الولاء الوطني الواحد، وسادت في معظمها أوضاع طائفيّة وقبليّة، فامتزجت التجزئة العربيّة بين الأوطان مع الانقسامات الداخليّة في كلّ وطن. وأصبح كلّ بلدٍ عربي يتساءل، حين يقع في أزمة: " أين العرب"؟. لكن لا سؤال، قبل الأزمة أو بعدها: "لِمَ لا يكون هناك اتحادٌ عربي أو في الحدّ الأدنى تكاملٌ عربي" يواجه التحدّيات المشتركة على الأوطان والأمّة؟!.
من الواضح الآن، أنّ هناك سعياً محموماً لتدويل الأزمات الداخلية في المنطقة العربية، ممّا يُعيد معظم أوطانها إلى حال الوصاية الأجنبية التي كانت سائدة في النصف الأول من القرن الماضي. ويترافق مع مشاريع التدويل الجارية حالياً، وجود سعي إسرائيلي يقوم على جهود متواصلة منذ عقودٍ من الزمن لدعم وجود "دويلات" طائفية وإثنية في المنطقة العربية. فشعار "يهودية" دولة إسرائيل سيكون مقبولاً ليس دولياً فقط بل أيضاً عربياً، حينما تكون هناك "دويلات" سنّية وشيعية ودرزية وعلوية ومارونية وقبطية وكردية ونوبية وأمازيغية، تسبح كلّها في الفلك الإسرائيلي!
في الأفق الآن، مشاريع دولية لعددٍ من بلدان المنطقة تقوم على إعادة تركيبها بأطرٍ سياسيّة ودستوريّة جديدة تحمل الشكل الفيدرالي "الديمقراطي"، لكنّها تتضمّن بذور التفكّك إلى كانتوناتٍ متصارعة في الداخل، ومستندة إلى قوى في الخارج. فهذه هي غايات الحروب الأهليّة العربيّة المدعومة بتدخّلٍ أجنبي متعدّد الأطراف في أزمات الأمّة العربية، تلك الأمّة التي بدأت كياناتها الوطنية الكبرى تتصدّع واحدةً تِلوَ الأخرى، وكلُّ من فيها من أوطان وجماعات، بما لديهم من هموم، منشغلون!.
هو الآن زمنٌ إسرائيلي، العربي فيه يقتل أخاه العربي.. وإسرائيل تتفرّج. ألم يقل ذلك أحد قادة إسرائيل بعد حرب العام 1967 بأنّ هذه الحرب لم تحقّق الأمن الإسرائيلي، وبأنّ أمن إسرائيل يتحقّق فقط حينما يكون كره العربي للعربي أكثر من كرهه للإسرائيلي!.
هو زمنٌ إسرائيليٌّ حينما يُدان الآن التنبيه للسوريين وكل العرب بعدم تكرار ما حدث في لبنان والعراق والجزائر والسودان وليبيا، حيث سقط مئات الألوف من المواطنين الأبرياء ضحيّة الأنظمة وسوء تصرّف معارضيها المتعاون بعضهم مع القوى الأجنبية. وهو زمنٌ إسرائيلي حينما لا يجوز الحديث عن مشاريع إسرائيل وأعمالها لعقود من أجل تقسيم الأوطان العربية، بحجّة أنّ هذا الحديث يخدم أنظمةً حاكمة!.
وسيذكر التاريخ العربي بمرارة تجارب حزبية قومية وأخرى دينية، حيث ساهم كلاهما في موقعيْ الحكم والمعارضة بتسهيل انتاج ظواهر مارست الموت والدمار في أوطانهما، وكلاهما ساعد على وأد أوّل تجربة وحدوية عربية في مطلع الستّينات، وكلاهما ارتبط بالأجنبي ثمّ انقلب الأجنبي عليه، وكلاهما خدع الناس بشعارات وأخلّ بتعهّدات ثمّ استباح كلّ الأمور للوصول الى السلطة.
فقط إسرائيل ستحصد صراع القوى الإقليمية والدولية على المنطقة العربية. فالعرب الآن إلى مصيرٍ مجهول، وقد تشهد المنطقة من جديد ما شهدته منذ مائة عام؛ من رسم خرائط جديدة، ومن مراهنات على الخارج، ومن حصد صهيوني لهذه المتغيّرات، بينما أوطانٌ في الأمّة العربية تشهد الحروب الأهلية، في ظلّ تشويهٍ لحقائق الصراعات تشارك فيه قوًى حاكمة ومعارضة!.

عار الامانة اطنان القمامة.. تكتسح بغداد/ زهير الفتلاوي

بفعل الصفقات وقبض المقسوم من قبل نعيم عبعوب ، وعبد الحسين المرشدي، وطمطمة حكيم عبد الزهرة هذا "الكومبارس" الذي لا ينقل الحقيقة للمسؤول ، والساكت عن الحق شيطان اخرس ، لقد شبعنا من وعود وكذب وفساد واهمال كريم البخاتي ، وعبد الكريم المحمداوي، وسلام الشديدي، وباهر عابس وجمال النعيمي  وغالب الربيعي  وغيرهم  هؤلاء رموز الفساد والإفساد في امانة بغداد ، يجب ان يتم تغيرهم بالسرعة الممكنة وفورا وليس نقلهم من مدير عام الى وكيل الامانة وهم فاشلون وهادرين للمال العام، لقد اكتسحت القمامة والتجاوزات بغداد وأصبحت خربه ومدينة اشباح  يقبضون الأموال من المتجاوزين وباعوا الأرصفة والجزرات الوسطية ،و الباركات ، وقسموا مناطق ومشاتل بغداد حسب عملية الدفع المسبق يتسارعون فيما بينهم لأجل منافعهم الشخصية وحملاتهم الوهمية  ، ذهبت المليارات مع الريح وفي كروشهم وجيوبهم.

نرى ان تنظيم داعش الارهابي يفجر المباني التراثية والاثرية والصروح العمرانية وأمانة  بغداد هي تسعى كذلك للهدم والتفليش واحياء البتاويين والباب المعظم والمستنصرية واهمال وترك مناطق الثعالبة والحرية والشيخ معروف منازل المواطنين ايلة للسقوط وتريف تلك المدن لا وجود للحلول .  اما مشكلة  اندثار الشوارع التراثية وشارعي الرشيد وابو نؤاس والكفاح وتدمير أبنية بغداد خير دليل على ذلك.  اليوم وبعد فشل الشركة المتعاقدة معها أمانة بغداد لغرض رفع النفايات  وفي عهد نعيم عبعوب بمبلغ 18) مليار دينار سنويا)  انتشرت القمامة في المناطق التي تعمل بها شركة (غلوبال كلينرز)  مثل الكراده ، والزعفرانية ، والكرخ المركز ، على الرغم من صغر مساحات وجمالية  هذه المناطق التي اختارها ، عبعوب بنفسه ودون استشارة المعنيين ووقع العقد بمبالغ مالية خرافية وانفجارية على مدى خمسة سنوات ، ضاربا عرض الحائط إجراءات البلاد الاقتصادية والتقشف الذي أصاب الموازنة  الحكومة المالية  لا نعلم أين الآليات والمعدات وعمال النظافة الذين وعد بهم عبعوب بجعل بغداد اجمل وأنظف عامل بنغالي  يعمل (بمكناس خربانه)!! .

 لقد تم ابلاغ  حكيم عبد الزهرة مدير أعلام الامانة  بضرورة تفعيل شكوى سكان مجمع الصالحية السكني بنقص الخدمات البلدية ، وقد انزعج من المقال السابق ولكنه لغرض ذر الرماد في العيون أرسل كشف من قبل ما يسمى مكتب امين بغداد قسم المتابعة وهذا الشخص الذي صور الانقاذ ، والقمامة ونضوح المياه وحدوث الحرائق ونقص الكاشي المقرنص ، قال هذه إجراءات وهمية وروتينية ولا نعمل اي شئ فقط لالتقاط الصور وتوثيق خروجنا وفعلا بعد مرور اكثر من شهرين لم يحصل شئ  ،ويقول السكان  لقد اتصلنا  بحكيم عبد الزهرة عشرات المرات ووعد تصليح أنبوب الماء الذي يهدر ملايين الدنانير يوميا ويهدم أسس العمارات السكنية ، ورفع الإنقاذ ، وعمل أرضية المقر نص للرصيف  لنحو خمسين متر وتقليم الأشجار ، الا انه (أذن من طين وأذن من عجين) ،  يبدوا مغرم بالمثل   القائل " يفوتك من الجذاب صـدك كثير " لقد قامت هيئة النزاهة ومعها كادر أمانة بغداد وبمعية سلام الشديدي مدير عام بلدية مركز الكرخ بزيارة المجمع والاطلاع على نقص الخدمات البلدية ووعدوا السكان  بحل هذه المشاكل و برفع القمامة والإنقاذ ولكنه اخلف الوعد واغلق الموبايل ولم يعد يستقبل شكاوي الناس وبابه مغلق بحجة الاجتماع او خارج الدائرة سكان المجمع يقولون حين ذهبنا  الى المدير العام وعدنا عدة مرات بتوفير الخدمات لكنه يتنصل عن وعوده ويكذب  ويقول المقدم سعد مسؤول في لواء بغداد المكلف بحماية مجمع الصالحية السكني    انه ينتظر مكالمة من سلام الشديدي المدير العام  لغرض السماح بدخول الآليات و رفع النفايات والانقاذ داخل المجمع .

  هذه دعوة الى  امانة مجلس الوزراء  مجلس محافظة بغداد ، أمينة بغداد مسؤول لواء بغداد 56 ، ذكرى علوش امينة بغداد  لجنة الخدمات البرلمانية بضرورة تقديم الخدمات وخاصة رفع الانقاذ والقمامة خشية تسببها بانتقال الامراض وانتشار الأوبئة بين السكان والتنسيق مع الجهات الامنية  من اجل صحة وسلامة المواطن البغدادي الكريم.

    

مراكز الموت الفرنسية بالجزائر - بئر ميشو/ بن سالم صالح

   لقد تعامل الإستدمار الفرنسي في الجزائر بوحشية وهمجية مع مختلف الثوار المقبوض عليهم، فبعدما يسجن المجاهد بالسجون والمعتقلات الفرنسية لمدة يتعرض خلالها للإستنطاق والتعذيب يتخلص منه بطريقة إجرامية، وذلك حتى يطمس العدو آثار أعماله البشعة، حيث كان يرمي الثوار الجزائريين في مختلف الآبار، والتي أصلها عبارة عن مناجم للفوسفات توقفت عن العمل بعد إستهدافها من طرف الثوار ويسجل لنا تاريخ الجزائر خلال الفترة الاستدمارية الفرنسية مراكز عديدة في مختلف الولايات الجزائرية ومن بين هذه المراكز الإجرامية الفرنسية بئر ميشو بولاية برج بوعريريج .

    تم إنشاء البئر مابين ( 1897 - 1911 ) بين قريتي أولاد أبراهم وأولاد سي أحمد ببرد بوعريريج وأصل البئر هو منجم للفوسفات، وهو عبارة عن مغارة طويلة تقدر بـحوالي 04 كلم تصل بين دوار أولاد بوكثير ودوار لجلالبة شمالا وجنوبا، وضعت فرنسا متنفس لهذه المغارة حتى يخرج دخان الفوسفات ولايختنق العمال فيه.

    وفي سنة 1956 وبعد توقف المنجم عن العمل تفطنت السلطات الفرنسية له فأستعملته في التخلص من مختلف الثوار المقبوض عليهم حتى تتخلص من آثاراهم تماما، وكان الجنود الفرنسيين في بداية الأمر يرمون الثوار وهم أحياء، وفي أحد الأيام ألقي بأحد الثوار من قرية أولاد سي أحمد إلا أنه تمسك بأحد الجنود الفرنسيين وسقط معه في البئر، فغيرت السلطات الفرنسية طريقتها في رمي الثوار حيث أصبحت تقوم باعدامهم ثم يرمون أمواتا.

    وحسب المجاهدين شهود العيان في جبال مزيطة العالية فان السيارات الفرنسية كانت تأتي بالثوار من مناطق متفرقة ( رأس الوادي، عين أزال، عين ولمان، قصر الأبطال، العلمة، بوقاعة، البرج، زمورة، برج الغدير، الحمادية ... )، وقد كانت فرنسا لا ترمي إلا الثوار الميئوس منهم، فبعد تعريضهم لشتى أنواع التعذيب ولا يقرون بأي كلمة كان ينتقم منهم بهذه الطريقة أي الرمي بهم في البئر، للتخلص منهم نهائيا من جهة وحتى لا يصل الثوار لجثتهم من جهة ثانية .

    ويظل عدد الثوار الذين رموا فيه مجهولا، وحتى عمقه يظل مجهولا أيضا مع بعض التخمينات التي تقول بأن عمقه يصل إلى 750 متر، وعدد الشهداء الذين رموا فيه حوالي 1800 شهيد، وبعد توقيف القتال بتاريخ 19 مارس 1962 رميت فيه سيارات عديدة للمعمرين والخونة مما أدى إلى تغطية البئر وبذلك إستحالة قياس عمقه واستخراج رفات الشهداء، خاصة بعدما قام السكان المجاورين له باستعماله بعد الاستقلال كمكان لرمي النفايات وبقايا البناء .   

رهاصات الكنيسة الكلدانية والهوية الكلدانية/ يوحنا بيداويد

استغرب الكثير من المتابعين من المنحى الذي اتخذته رئاسة الكنيسة الكلدانية حينما قررت تنظيم مؤتمر تأسيسي للنشطاء والمهتمين بشأن القومي او البيت الكلداني في بداية تموز العام الماضي. وعدها البعض الاخر خطوة متقدمة جدا بناءً على الوضع الحالي وما سيؤول اليه وضع الكلدان بعد ان هجر أكثر من نصفهم الى بلدان الانتشار للبحث عن الامن والمستقبل لاولادهم. بينما عدها البعض الاخر خطوة سلبية لأنها تشكل نوع من التدخل او ممارسة للعمل السياسي الذي لا يليق بالكنيسة الكلدانية.

لكن من ناحية المنطق والمسؤولية وبما ان للكنيسة دوما الدور المهم (الأم والمعلمة)، لهذا يجب دوما ان تكون صاحبة صوت الحق في الدفاع عن الفقراء، اذن ليست مهمتها فقط تعليم ابنائها على الصلاة والعبادة والتقوى كما كانت القرون الماضية وانما ان تدافع عن وجودهم حينما يحتاجونها أيضا، فقبول الموت بدون الدفاع عن الذات لم يعد مقبولا باي صورة او مفهوم او عقيدة، ان تدافع عنهم حينما يقعون في المحن وفي المصائب ممن ومهما كان مصدرها. لهذا هو امر منطقي وموضوعي واخلاقي ما قامت به الكنيسة الكلدانية، حينما نظمت لأبنائها مؤتمر لتساعدهم على التفاهم والالتقاء والاتفاق للدفاع عن مصالحهم وحقوقهم وترشدهم وتنصحهم الى الطرق الصحيحة وتقف معهم دوما لانها هي امهم روحيا(1).

 شخصيا اعتبرها من الخطوات الجريئة والصائبة التي اتخذتها قيادة الكنيسة الكلدانية، حينما دعت الى لم الشمل للكلدانيين في جميع انحاء العالم من المثقفين والكتاب والشعراء والسياسيين والمؤرخين والفنانين والاكاديميين للمشاركة في المؤتمر التأسيسي للرابطة الكلدانية(ܡܘܬܒܐ ܕܫܬܣܬܐ ܐܝܣܘ܏ܪܐ ܟܠܕܝܐ) التي تحمل خارطة الطريق للكلدانيين، هذا الطريق الطويل والوعر، المملوء من الاخطار بسبب التقلبات السريعة التي جرت وتجري يوميا في ارض الوطن العراق والشرق الاوسط وفي العالم، تشجع كل هؤلاء الذين يهمهم شأن ومستقبل الأجيال القادمة ان يعمل كل واحد من موقعه وبإمكانياته الفردية والجماعية من اجل حماية الهوية القومية للكلدانيين، وكذلك الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وممتلكات وارثهم ولغتهم. لان لم يعد هناك مجال للتريث او الانتظار، ولم يعد هناك مَن نتكل عليه يحمينا، او يرجع حق أبناء شعبنا، لهذا يجب الاستعجال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لهذا كان تأسيس الرابطة امرا مهما جدا للكلدانيين، لا سيما بعض من أبناء شعبنا يعيش الوضع الصعب بعدما هُجِر أكثر من 120 ألف مسيحي من سهل نينوى بصورة قسرية من قراهم فخسروا ممتلكاتهم ووظائفهم ومستقبل أطفالهم ويعيش اغلبهم في كرنفانات في إقليم كردستان.

 حسب قناعتي الشخصية بالإضافة الى هذه الأسباب، هناك أسباب اخرى مهمة تجعل من المثقفين والمهتمين بشأن الهوية الكلدانية جميعا ان يعطوا أهمية كبرى لنجاح مشروع الرابطة الكلدانية مهما كانت المصاعب ومهما كانت التكاليف ومهما كانت الاختلافات. لأنني في الحقيقة اجدها القارب الوحيد (الفكرة الوحيدة) ممكن ان يعطي بعض الامل لابناء شعبنا، ان يقي مجتمعنا من الذوبان بفعل الاحماض والقواعد الكيمائية التي انتجتها الحضارة الوثنية الجديدة المنتشرة في العالم الشرقي والغربي، البعيدة عن كل القيم الإنسانية (الروحية والأخلاقية والفكرية)، التي تقلع كل شيء باسم حماية حرية الفرد والقانون والتجدد والحضارة. من هذه الأسباب:-

1- من حق كل مجموعة بشرية التي لها وجود في التاريخ، ولها ارض، ولها مساهمات في انتاج الحضارة الإنسانية الجامعة، ان تحافظ على هويتها القومية وان يكون لها وجود على ارضها، ويكون لها حقوق وان يعترف بحق وجودها كل جيرانها بكل وضوح. لان على الأقل ان تاريخ هذه المجموعة البشرية ولغتها وارضها وانجازاتها وثقافتها وعاداتها والقوانين الاجتماعية والأخلاقية السائدة في مجتمعها هو ارث انساني بصورة عامة فكيف الحال ان يكون هذا المجتمع  ينتمي الى أقدم الحضارات في التاريخ وكانت عاصمتهم بابل (ܒܒܠ) المدينة الأولى في العالم القديم لمدة ثلاثة الالاف سنة او أكثر.

2- الكلدانيون وان كانوا دوما يعتبرون مسيحتيهم فوق كل شيء، وان كانوا وطنيين وخدموا العراق بكل امانة عبر كل التاريخ، لكنهم شعروا في العقدين الأخيرين، هناك خطر كبير على وجودهم وعلى حقهم وعلى تاريخهم وممتلكاتهم من حتى وجيرانهم، لاسيما ان الوطن الام (ܒܝܬܐ ܢܗܪܝܢ) يمر بحرب طائفية ومذهبية وقومية منذ أكثر من عقد، كما ان المجتمعات البشرية اليوم بدأت تميل الى القانون المدني. لهذا حماية الهوية الكلدانية هو حق مشروع للكلدانيين ولا غرابة فيه، لا بل التهرب من تحمل هذه المسؤولية هو خطأ كبير لن تغفره لنا الأجيال القادمة.

3- ان حقوق الفرد لم تعد مصانة في العراق، ولا في الشرق الأوسط حاليا، لان الوطن يمر في حرب طائفية فرضها الجيران والدول الكبرى عليه. لهذا كان يجب ان يكون هناك جهة او مؤسسة كلدانية مدنية قوية منظمة تطالب بحقوقهم وتحمي ممتلكاتهم وتطالب بتعويضهم وان يشارك في تأسيسها ودعمها وتمثيلها كلدان كل العالم.

4- افتقار الأحزاب الكلدانية في السابق الى امكانية تمثيل الكلدان في الانتخابات السابقة، نتيجة الصراعات الداخلية بينهم، حيث خسر المجتمع الكلداني ثلاثة مرات ان يكون له ممثلا خاصا به في المجلس النيابي نتيجة تلك الصراعات البراغماتية بينهم، التي لم تصل الى مرحلة الوعي لنكران الانا الضيقة والاستعداد للإخلاص والتضحية من اجل قضية مستقبل الكلدان عند جميعهم.

5- بجانب حماية الهوية الإنسانية (القومية الكلدانية) التي يجب ان تهم جميع الكلدانيين، شخصيا أرى وجوب حماية الهوية الروحية او الفكر الروحي أيضا، الذي يعد الجانب الاخر المهم جدا للتماسك والتواصل للمجتمع الكلداني عالميا، لان عملية بناء المجتمع المسيحي الشرقي ومن ضمنهم الكلدانيين، منذ الفي سنة يسير حسب تعاليم الديانة المسيحية وتعتمد على فكرها الروحي و لاهوتها، والذي يعد المصدر الاول للنظام الأخلاقي في حياتنا الاجتماعية،  بكلمة أخرى، نشعر ان مسيحيتنا الشرقية التي هي مصدر اخلاقنا وقيمنا، ستصبح في خطر في بلدان الانتشار بعد جيل او جيلين كما حصل لغيرنا من الأمم كنتيجة للحرية والانفتاح والقانون المدني والانحلال الخلقي الذي أصاب المجتمع الغربي في العقود الأخيرة سوف ينصهر الكلدان مع اخلاقهم وعاداتهم فيها ايضا. فوجود مؤسسة كلدانية عالمية تربط بينهم عالميا بأواصر ومبادئ وقيم يشاركون بعضهم البعض الاخر هو امر مهم ويساعد ويقوي من قوة الكنيسة، لان تغير الظروف او العادات او القيم الاجتماعية التي مصدرها الايمان المسيحي كما قلنا سوف يقلل من التصاق الشخص او العائلة او المجموعة البشرية بكنيسته.

في الختام أرى نجاح الرابطة الكلدانية، ستنظم نشاطات ومهرجانات ومؤتمرات وتنشا محطات تلفزيونية واذاعية وغيرها من طرق التواصل الاجتماعي، ويتم تأسيس مؤسسات جانبية تابعة لها وبتعاون واشراف الكنيسة التي ستساعدهم على الاستمرار في حياتهم الاجتماعية العادية، وبالتالي يكون قريبين من  كنيستهم ومن ممارسة الاسرار المقدسة، فتعمل هذه المؤسسة فعلا كعمل رابط (آسورا ܐܣܘܪܐ) بين افراد المجتمع الكلداني بصورة شاملة وتحافظ عليه بالفعل، كي يبقون كمجتمع شرقي متقدم ومتكيف، قبل كل ما هو إيجابي في الحضارة الغربية ويعيش بحسب كل القيم الايجابية بحسب الايمان والطقس الكلداني المسيحي الشرقي.

.......................
1- قلت عدة مرات سابقا، كان يجب ان يتم تأسيس مثل هذه الرابطة منذ عقود، على الاقل منذ المؤتمر الكلداني الاول الذي نظمته الكنيسة الكلدانية  في بغداد عام 1994 م

الخيال الإبداعي والمخيال الاجتماعي/ د زهير الخويلدي

استهلال:

" الخيال أهم من المعرفة، فهو رؤية مسبقة لجاذبية الحياة المستقبلية" - ألبرت أينشتاين-

لقد درجت الفلسفة منذ القديم على تهميش الخيال والنظر إليه بازدراء وتحقير على مستوى المعرفة وعلى مستوى الوجود. فقد وضع جنب إلى جنب مع الحس والظن واعتبرت المدركات الخيالية خالية من كل معنى ودلالة وقريبة من الوهم واللاّحقيقة والدرجة الصفر من المعرفة. كما وقع التعامل مع الوجود الخيالي بوصفه اللاّوجود وبصورة أخرى الوجود الشبهي وذلك لتضاده مع الوجود الحقيقي والواقعي.

هذه النظرة الميتافيزيقية للخيال ساهم في تشكلها تنزيل العقل منزلة السيد المطلق وتفضيل لغة المفهوم ومنزع التجريد على  الإنصات إلى دروس التجارب والرجوع إلى الوقائع الخام والاحتكام إلى لغة الحياة. كما نظر الحس المشترك إلى الإنسان المتخيل نظرة سلبية واعتبره غارقا في أوهامه تقوده تمثلاته وتهيئاته وخواطره ولا يقودها ويوجد دائما خارج ذاته وبعيدا عن الواقع ومبحرا في عوالم وبحار غريبة.

لئن أنهت الفلسفة النقدية عند عمونيال كانط رحلة العذاب الذي عاشتها ملكة الخيال طوال تاريخ الأنساق الأنطولوجية التقليدية وميزيت بين الخيال التكراري والخيال المبدع وأسندت إلى الخيال المتعالي مهمة التأليف بين مقولات الذهن ومعطيات التجربة الحسية تحت توجيه أفكار العقل فإن المقاربة الفنومينولوجية قد أعادت الاعتبار لهذه التجربة الإدراكية وسلكت هذا السبيل  للإطلالة على الزمان والوجود في العالم.

لقد انطلقت الفنومينولوجيا أثناء تتبعها طرق اشتغال ملكة الخيال من سجلات المعرفة واللغة والدين والفن والأحلام والوعي والذاكرة والانفعالات والأهواء وميزت بين فعل التخيل وملكة الخيال وتجربة المخيال.

من هذا المنطلق فإن الإشكاليات التي تطرح ههنا يمكن إثارتها من خلال التساؤلات التالية: ماهو الحقل الايتيمولوجي الذي تتحرك ضمنه مفردات خيال وتخيل ومخيال ومخيلة؟  ما علاقة الخيال بالواقع؟ ماهو دور العاطفة في اشتغال ملكة التخيل؟ هل الخيال ملكة الخطأ دوما؟ ألا يمكن أن نتحدث عن الحقيقة بالنسبة إلى الخيال؟ وهل ثمة اتفاق بين الفلاسفة حول الخيال؟  ولماذا تعودت الميتافيزيقا الغربية على كبت طاقة الخيال؟ وبأي معنى ارتبط قدر الخيال بالحواس والوهم؟ وكيف أمكن للخيال التحرر من قبضة العقل؟ وما المقصود بالخيال المبدع؟ وأي معنى يمكن إسناده إلى مفهوم المخيال؟ وماهي التجربة الفنومينولوجية التي ينطبق عليها فعل التخيل؟ كيف تم الانتقال مع فنومينولوجيا المخيال من الاعتناء بالمفاهيم إلى معالجة الصور والرموز والحقول والأشكال والعلامات؟ وهل يمثل المخيال جهاز تحكم أم تجربة تحرر وانعتاق؟  ثم ما الفرق بين الإدراك الحسي والتمثل الخيالي وبين الوعي الانعكاسي التأملي والصورة المتخيلة ؟ ألا يوجد تناقض بين الخيال الشعري والخيال العلمي؟ ماهي العناصر المكونة للخيال المبدع؟ ألم يؤسس الخيال طبيعة ثانية في الإنسان بعدما أسس العقل طبيعة أولى؟ هل يعني الخيال الغياب أم الحضور؟ ألا يعد الخيال ذاكرة لا يمكن التحكم فيها ؟ والى أي حد يكون من الضروري ممارسة التخيل لبلوغ المعرفة؟

إذا كان الغرض هو التحليل الفلسفي للمسلمات الضمنية لهذه الاستشكالات واستخراج التبعات الإيتيقية فإنه من الحري بنا أن نقوم بتقسيم هذا المبحث الذي نعتزم الخوض فيه إلى جملة من اللحظات المنطقية التالية:

-         الخيال بين التصور والوعي

-         تجربة التخيل والإبداع الفني

-         المخيال بين التفكير والافتراض

من المفيد المراهنة على التأسيس الفنومينولوجي للخيال وتخليصه من النظرة التقليدية المزدرية وإعادة الاعتبار إلى هذه الملكة من زاوية دورها العرفاني والعلمي وتأثيرها السياسي والاجتماعي.

1-    ملكة الخيال ونظرية المعرفة:

" الخيال هو إمكانية إبرام كل الأنواع غير الشرعية من الزواج والطلاق بين الأشياء"

                                                                        - فرانسيس بيكون-

لقد دأب التناول الفلسفي التقليدي على إدراج مفهوم الخيال ضمن دائرة المعرفة المشتركة ووضعه في إطار الفانتازيا والوهم وتم الحط من قيمته وتحميله مسؤولية وقوع الإنسان في الغلط وعلامة إصابته بالجنون ولكن في الأثناء تم الرفع قليلا لهذا الاستخفاف وتعامل مع الخيال باعتباره ملكة الصور ويلعب دورا تكوينيا للفهم في إنتاج المعرفة ويساعد المرء على اكتساب درجة من الذكاء والانتباه إلى الواقع.   لقد طرحت الفلسفة منذ بداياتها الأولى مشكل الخيال أو الفانتازيا ضمن إطار الموقف الأول الذي يعمل على بلورة ظرفية متعينة ترتبط بالنشاط العرفاني للإنسان ومن ناحية ثانية في سياق الموقف الذي يعتبر الخيال من الأمور غير مجدية وغير نافعة أي من الأشياء الضارة والمعرقلة في مستوى معرفة الحقيقة.

والحق أن التخيل في المعنى العام هو القوة التي تستعيد بها النفس نماذج أو صور الإحساسات الماضية والأشياء الغائبة. كما يفيد التخيل في المفهوم الضيق تركيب صور في الذهن أو صور ذهنية. ولقد درج الخيال على تحويل الصورة إلى شيء. في الواقع عندما نحتفظ في ذهننا بصورة لشيء. فإننا نرى صورة ذلك الشيء كما أننا نرى الشيء نفسه. وبالتالي فإن الصورة هي عبارة عن فضاء يمكن أن نهتم به معرفيا.

من المعلوم أن أفلاطون نصص على ضرورة التمييز بين الخيال والإحساس بالرغم من تصنيفه لهما ضمن الدرجات الدنيا من سلم المعرفة واعتبر اعتقاد معرفة الصورeikasia مجرد خطأ يقع فيه الإنسان لا يوجد إلا في ذاته وفسر ذلك في نهاية الكتاب السادس من الجمهورية وفي محاورة الثياتات بأن صورة التمثال المنحوت تخدع العيون وتبتعد عن الحقيقة الواقعية مرتين تحت تأثير الممارسة المشوهة للمحاكاة. لقد وضع أفلاطون مركز الخيال في الكبد من حيث هو عضو لامع يقدر على قبول الصور وإظهارها وإنتاج مظاهر تمنحها الحواس ولكنها تبقى محددة بشكل تام من فوق على غرار تحديد الآلهة للألوهية1[1].

هكذا استقرت منذ أفلاطون نظرية في الخيال تعتبره مستقلا كليا عن التجربة الحسية، لكن أرسطو سيعيد الارتباط بين الخيال والإحساس وسيعثر على الصلة الضامنة لهذا الترابط بينهما في وظيفتها العرفانية بتأكيده على حقيقة أن :" إن الخيال هو حركة معينة تنتج بواسطة الإحساس حينما يكون متحركا"2[2].

 والحق أن الخيال حسب أرسطو يتدخل بشكل بارز في مسار المعرفة حينما يساهم في صناعة الصور الموحدة للموضوع المدروس وذلك بالانطلاق من محسوسات خاصة مثل الطعوم بالنسبة إلى حاسة الذوق والروائح بالنسبة إلى حاسة الشم والأصوات بالنسبة إلى حاسة السمع والألوان والأشكال بالنسبة إلى حاسة النظر ومن محسوسات مشتركة على غرار الكتلة والشكل والحركة ومن محسوسات عرضية3[3]. لقد أعاد أن أرسطو في كتاب النفس دمج الإحساس بالخيال وحدد فعل التخيل بأنه تمثيل شيء وهو غائب. بعد ذلك تعامل الرواقيون مع الخيال باعتباره ملكة رأي وحددوه بأنه مجرد إحساس عفوي ومباشر يدخل الاضطراب على استعمال التمثلات ويسبب للنفس الأمراض والتوتر ويلقي بها في بيداء الوهم والفانتازيا. بناء على ذلك لقد أرجع أرسطو أصل كلمة فانتازيا  phantasiaإلى لفظ phaos النور في كتابه النفس4[4].

إذا كان الإحساس يظل متحركا وفي حالة نشاط دائم فإن الخيال يمكن أن يتعرض للسحق والكبت ولكنه ينبعث مجددا إلى النشاط حينما يخمل الإحساس تماما مثل اليقظة التي تفسر الرؤى التي تظهر في الحلم. على كل حال ترسخ رأي أرسطو القائل بأن "الخيال امتداد لنشاط الأحاسيس حتى عند غياب الموضوع".

كما منح الرواقيون إلى الخيال وظيفة إيتيقية وذلك حينما ربطوا سبب ترك الفضائل والإقبال على الرذائل بانشداد النفس إلى المتخيلات وغفلتها عن الجليّات وعجزها عن الفعل وفق قواعد الإرادة وتحت هداية العقل. ولهذا السبب دعا الرواقيون إلى مواجهة الخيال بغية إنقاذ العقل وتحرير الإرادة من غلبة الأهواء.

لقد اهتمت المدرسة التجريبية كثيرا بالصورة الذهنية وربطت بين الإدراك الحسي والخيال وفسرت كلية الحياة النفسية بالاعتماد على هذه الصورة المتخيلة. كما تسعى الوظيفة التخيلية إلى المحافظة على الشيء في الصورة الذهنية وتتعامل مع الصورة بوصفها ما يتبقى من الإدراك الحسي بعد انعكاس الانطباع في الفكر واستمراره داخل الوعي. وبالتالي تستوعب الصورة عملية إعادة إنتاج للموضوع المدرك وتودعه في الفكر مثل تودع نسخة مطابقة للأصل في دفتر متكون من قوائم عن الانطباعات الحسية والتمثلات الخيالية. بناء على ذلك تمثل الصورة الذهنية سندا ماديا للإدراكات الحسية والانطباعات المرتسمة في الخلايا العصبية. لقد تعاملت السيكولوجيا التجريبية مع الفكر بوصفه وعاء مليء بالصور وتحدثت عن الخيال التجريبي الذي يُعبّر عن موضوع غائب بواسطة صور ذهنية ولقد فرق ديفيد هيوم بين الانطباعات (إدراكات العالم الخارجي) والأفكار (إدراكات العالم الباطني) ويعرف الأفكار بوصفها الصور الضعيفة عن الإنطباعات في التفكير والإستدلال وأشكال محرفة من إعادة إنتاج الإحساسات بعد غياب الأشياء.

" بعد أن يكون الموضوع قد أزيل، أو تكون العين قد أغمضت، ونظل محتفظين بصورة الشيء الذي رأيناه، ولو بوضوح أقل مما كانت عليه حينما نراه. هذا ما يسميه اللاّتينيين الخيال نسبة إلى الصورة التي تتكون في الرؤية ويطبقون الشيء نفسه ولو على نحو غير ملائم على كل الحواس الأخرى."5[5]

لقد حمل هوبز الفانتازيا القدرة على التمييز الذهني بين الأفكار التي يوفرها الحس السليم الاجتماعي6[6].كما أن الربط بين الخيال والإحساس لم يوفر للفلسفة التجريبية فضاء إشكاليا حتى تتمكن من تغيير النظرة السلبية وإنما  اقتصر الأمر عندها على النظر إلى الإحساس بوصفه مصدر الفكر وجعل كل ذهن مقيدا بملكة الصور وتم إسناد مهمة الوصل إلى ملكة الخيال بين التمثلات المستقلة عن نظام الأشياء.

غير أن الثورة الكوبرنيكية التي أحدثها ديكارت وكانط في الفلسفة الحديثة تجسدت في إعطاء الخيال مكانة بارزة في المنهج الفلسفي وتعاملت معه بوصفه أهم المواضيع لكل فلسفة عقلانية نقدية تُثمّن حرية الذات وتنطلق من تلقائية الذهن وتعطي قيمة للتجربة الحسية وتلتزم بالوقائع المادية وتمتحن مسلماتها الضمنية.

لقد منح ديكارت في التأمل الثاني للخيال منزلة ايجابية وقام بالتمييز بين العقل بوصفه حس سليم يضطلع بوظيفة تصور الطبائع اللاّجسمانية والخيال باعتباره من يتأمل شكل أو صورة الشيء المادي وتعامل مع الخيال بوصفه ملكة جسمية للروح تؤشر على خصوصية الفرد في وجوده الحسي ووحدة النفس والجسم.

غير أن ديكارت ينفي في التأمل السادس أن يكون الخيال ملكة جسمانية بكامله وقادر في جميع الأحول على بناء معارف صحيحة ويبين أنه يمكن أن يقع في الخلط ويعجز عن تصور العلاقات المعقدة للواقع، ويضيف إليه القدرة على بناء الأشكال وبلوغ الحقيقة الحسية حينما يستند على قوة الفكر ويقف عند الحد الأوسط ويبلور أحجاما مشابهة للأشياء وبالتالي لا يجب اعتبار الخيال مغاير للفكر بل الوسيلة التي من خلالها يحل الفكر في الجسم ويقدر الجسم بدوره على أن يحتل مكانا في الفكر, لقد عزز ديكارت هذا التطور بتأكيده في كتاب الانفعالات على الدور البيداغوجي والأخلاقي الذي يقوم به الخيال للحد من القوى المنفلتة للعواطف الجياشة والأحاسيس الجارفة وجعل الخيال ملكة عاقلة موجهة ضد بعدها اللاّمعقول.

لقد واصلت الفلسفة الحديثة نفس التصور حول أهمية الربط بين الإحساس والخيال وحددت هذا الأخير بكونه القدرة التي تمتلكه النفس لكي تتمكن من تشكيل صور عن الأشياء  وحرصت على التمييز بين الخيال الانفعالي الذي يتأتي من الجسم والخيال الفاعل الذي يتأتى من النفس ويقدر على التحكم في الخطأ والغلط. في هذا السياق ربط سبينوزا الخيال بالتخمينات الخرافية التي يقع فيها المرء وتصوره في وجود الخرافة نتيجة التأثر بالخوف والابتلاء بالاعتقاد الضعيف بقوله:" كل ما نتخيل أنه يقود إلى الفرح فإنا نجد في الحصول عليه، وكل ما نتخيل أنه مناقض له أو يقود إلى الحزن فإنا نجد في إقصائه أو تحطيمه"7[7].

الغريب في هذا الوضع الحديث للفلسفة هو موقف مالبرانش في كتابه البحث عن الحقيقة الذي اعتبر فيه الخيال مجرد تجربة جنون تنتج مجانين ويمثل خطرا أخلاقيا ومعرفيا وذلك لتعارضه التام مع العقل وعدم قدرته على الخضوع للقواعد وبالتالي يجرف الإنسان بعيدا عن سبيل الحق ويقربه من الأهواء الهائجة.

جملة القول أن الخيال في الفلسفة الحديثة هو ملكة تمثل الأشياء التي لم يقع تسلمها في اللحظة من المحسوسات. من المعلوم أن الفكر التجريبي أكد على الفكرة المركزية التي ترى بأن الخيال هو الخاصية الأساسية التي تمنح القدرة على بلورة علاقات بين الأشياء ذاتها الأكثر تباعدا عن بعضها البعض. فماهو الدور الذي يؤديه الخيال الإبداعي في نظرية الفن في الزمن الذي تشكلت فيه الحداثة الجمالية؟

-         2- فعل التخيل والخلق الفني :

"الأعمال الفنية هي إشباع خيالي لرغبات لاشعورية وشأنها شأن الأحلام ، وهي مثلها محاولات توفيق، حيث إنها بدورها تجهد كي تتفادى أي صراع مكشوف مع قوى الكبت"8[8]

لا يستعيد الخيال صور عن الإحساسات الماضية ولا يقتصر على التكرار السالب والتفريق والاستحضار وإنما يجمع عناصر متباينة من إحساسات مختلفة ويؤلف مجموعات جديدة ويبتكر عن طريق استكشاف الفروض والأفكار من وراء الظواهر وتجاوز حدود الواقع والقفز في ميدان الحرية وممارسة الابتكار.

لقد تفطن أفلوطين في "التاسوعيات" بأن الخيال يمكنه أن يجري تشكيلا لصور عامة تساعد العقل على الصعود من مرتبة الإحساسات الكثيرة إلى المفاهيم الموحدة وتتيح اشتقاق الأشياء الحسية من الواحد.

لم يعد الخيال ملكة إنسانية فحسب وإنما أصبح لحظة من الوجود تماما مثل العقلnous والنفسpsyché. يحتاج الواحد إلى وجود عدد معلوم من الوسائط لكي تساعد على ولادة عالم الكثرة الذي يتكون من الموجودات الحسية. اللافت للنظر أن الخيال تماما مثل النفس يمثل المرتبة الوجودية الأقل بالمقارنة مع الوسائط الأخرى وفي هذا السياق يصرح أفلوطين:" من خلال الخيال تشكل النفس المادة وتمنحها حياة"9[9]. بهذا المعنى إذا كانت عقلانية القرن 17 عملت على إقصاء الخيال من ميدان المعرفة فإن تحالف آخر قد انعقد بصفة نهائية وحصرية بين الفن من جهة والخيال من جهة أخرى وقد أعاد هذا التحالف ما كان قائما في العصر الهيلينستي من اعتراف نظري بما تشير إليه الفانتزايا من صور تمنح الخطيب أو الشاعر القدرة على الإقناع والتأثير في السامعين. لقد ترتب عن ذلك ارتبط الخيال بالملكة التي تقول الشعر ولكنها تعاني من نقص في التشريع الذوقي وتحتاج إلى خصائص معيارية للتمييز بين الجيد والرديء وبين الجميل والقبيح. لقد ألف كانط في مذهبه الجمالي بين الأطروحة الأرسطية التي تثبت الوظيفة العرفانية للخيال والأطروحة الأفلاطونية المحدثة التي تعول على الخيال في عملية الربط بين الأشياء والمواضيع بوصفه أداة عميقة. لقد ميز كانط بين الخيال التكراري الذي يمتلك قدرة على استحضار مواضيع في الفكر كان الحدس قد انتبه إليها في مرحلة سابقة والخيال الإبداعي10[10] الذي يحوز على ملكة من الحدوسات الخالصة على غرار المكان والزمان11[11]. بعد ذلك وضع كانط الخيال في "نقد ملكة الذوق" إلى جانب الذهن والعقل في قلب نظرية الحكم واعتبره واحد من الملكات التي تتيح تجربة استيطيقية للجميل والرائع بواسطة اللعب الحر12[12].

اللافت للنظر أن الفلسفة النقدية مع كانط في نقد العقل الخالص قد تمكنت بشكل مبهر من إعادة الاعتبار لملكة الخيال ونظرت إلى الخيال المتعالي على أنه شرط إمكان التأليف بين الحدوسات الحسية والمقولات الذهنية عن طريق التخطيطاتSchèmes  . على هذا النحو لا تمثل التخطيطات صور-نسخ للوقائع المادية ولا تعيد إنتاج المعطى الحسي بل تعد شرطا صوريا خالصا للحساسية وتقوم بتمثل منهجي وتقوم ببناء الموضوعات والتركيب بين الأشكال والمضامين وبين الحدوسات والأطر وبين التمثلات والبني.

لقد ربط كانط قوة الخيال الخلاق بمجموعة من الأفكار الجمالية على غرار العبقرية والإلهام واللعب والحرية ومنحه دورا بارزا في التجربة الاستيطيقية وأكد على أن الجميل هو رمز للأخلاقيةmoralité .

لقد ساهم تشكل المفاهيم الكانطية الجمالية في ميلاد النزعة الرومانطيقية وقيام الفلسفة المثالية الألمانية مع فيخته وشيلنغ وهيجل. في هذا الصدد يمكن ذكر المحاولة التي قام بها فيكو Vico حينما قام بثمين للوظيفة العرفانية للخيال وكشف عن وجود كليات خيالية universaux fantastiques  تصل بين الشعر وتطور أشكال المعرفة الاجتماعية. من جهة ثانية لقد أكد شيلينغ على الوظيفة العرفانية للتخيّل وتعامل مع الخيال بوصفه المكان الذي يتوحد فيه المثالي والواقعي ، والطبيعة والروح بصورة أصلية واعتبره المنبع الذي ينبثق منه الفن من حيث أداة الفلسفة. في نفس الاتجاه جاءت محاولة هيجل في جعل الفانتازيا تقوم الوظيفة الإبداعية بتمييزها عن ملكة الخيال الذي ظل السابقون يتعاملون معها بوصفه ملكة إبداعية خالصة13[13].

لقد طور فريدريك شليجل ضمن إطار الفكر الرومانطيقي مذهب الخيال الفني حينما أطلق عليه تسمية "تنفس الروح"، وجعل مفهوم الخيال يلخص كل النشاط الذي بواسطته يقدر الإنسان على إدراك العالم وإنتاج آثاره، ولذلك نصص على إمكانية التطابق بين تاريخ الوعي وتاريخ الخيال وإنتاجاته الشعرية14[14]. لقد فتحت هذه إشارة شليجل الطريق إلى الفكر للخروج من الأزمة التي تعرضت لها المثالية الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر نحو تأسيس نظرية في الخيال تدرس النشاطات المختلفة والعميقة التي ترتبط بالإنتاجات الثقافية التي تتشكل على مستوى الوعي والتمظهرات المادية التي تتجلى على مسرح التاريخ.

 بيد أنه يمكن التمييز بين خيال خلاق يقتصر على إنشاء أشكال جديدة بالجمع بين الصور والأشكال وخيال تجديدي تختص مهمته في الاستشراف والاستباق والافتراض وإعادة بناء واقع جديد مغاير للواقع السائد.

 كما تعامل فرويد مع الخيال بوصفه مصدر الإلهام وخزان الإبداع وكشف عن تأثير الميولات اللاشعورية في السلوكات المنحرفة التي يقترفها الناس وعن ضرورة باطنية تتعلق بالحياة النفسية للإبداعات الفنية. " لقد اتضح أن مملكة الخيال ملجأ يتأسس خلال الانتقال المرير من مبدأ اللذة إلى مبدأ الواقع، كي يقوم محل إشباع الغرائز التي ينبغي الإقلاع عليها في الحياة الواقعية. ينسحب الفنان كالعصابي من واقع غير يرضي إلى دنيا الخيال، لكن بخلاف العصابي، يعرف كيف يعود منه لكي يجد مقاما راسخا في الواقع"15[15]

ما يجب الانتباه اليه هو انتقال البحوث النفسية من دراسة اللاوعي عن الأفراد إلى الاهتمام به عند المجموعات ومن ربطه بالجانب الفزيولوجي العضوي الى تقصي دلالات أبعاده الرمزية والثقافية. لكن كيف ساهم ظهور اللاشعور الجمعي في نحت الفكر المعاصر لمفهوم جديد هو المخيال الاجتماعي؟ وماهي الوظائف الابستيمولوجية التي أصبح يقوم بها هذا التوقيع المستحدث في ميدان العلوم الانسانية؟

3- وظيفة المخيال في الفلسفة المعاصرة:

" لا نستطيع تملك السلطة الخلاقة للخيال إلا ضمن علاقة نقدية مع هذين الشكلين من أشكال الوعي الخاطئ ( الإيديولوجيا واليوتوبيا)"16[16]

 لقد قام جان بول سارتر بنقدcritique  وإعادة بناءreconstruction  جملة البحوث التي تتمحور حول الخيال17[17] وظلت تتحرك ضمن دائرة الفكر الوضعيpositivisme  وطرح نظرية نادرة عن المخيال18[18] قام باستلهامها من فنومينولوجيا هوسرل19[19] مثنيا على قوة مداهمة للواقع التي يمارسها الخيال على الأشياء والتي تمكن الوعي البشري من القدرة على التعالي على العالم كما هو معطى وتمنحه الحرية والتجاوز.

لا تفرق الفنومينولوجيا عند سارتر بين التخيل والإدراك الحسي إلا بالدرجة وليس بالنوع . في الواقع ليست الصورة شيئا يمكن أن يكون موضوعا للوعي بل تعني بالأساس علاقة تربط الوعي بشيء معين أو بعبارة أخرى هي الطريقة التي يظهر بها شيء معين للوعي. وبالتالي" لا يتميز كل من الخيال والذهن مطلقا بما أن المرور من الواحد الى الآخر ممكن بواسطة تطور الماهيات المحتوية في الصور."20[20]

في كلتا الحالتين التخيل أو الإدراك الحسي يبقى الشيء الذي أتخيله أو أدركه خارج الوعي فلا يمكن للإنسان القول بأن الشيء يوجد في إدراكه أو في مخيلته ويملك صورة مصغرة عنه. بناء على ذلك يساهم الخيال الخلاق في الإبداع الفني ويرتبط ميدان الجمال بوظيفة التخيل . علاوة على أن التأمل الفني يبتعد عن العالم الواقعي المادي ويعانق عالم الجمال الخيالي بل يخلق عالما جديدا.  كما أن صفة  الجمال لا تنطبق على  الرغبة في الواقع السائد ولا يتوقف على إعطاء صور وفية عنه بل تستوجب نفي العالم في بنيته الأساسية وتعدم وجوده المادي وترتمي في تجارب من الخيال حيث تعتبره النبع الذي يتدفق منه الإلهام والحدس ومصدر الهام قريحة الفنان وابتكار رموزه وأشكاله. من هذا المنطلق ،الذي يتحرك فيه سارتر على أرضية فنومينولوجية هوسرلية  تعود إلى الأشياء كما هي، يصرح " أن الواقع ليس جميلا البتة- فالجمال صفة لا يمكن أن تنطبق إلا على ماهو خيالي وتستوجب نفي العالم في بنيته الأساسية..."21[21]

والحق أن مفهوم المخيال يتعلق بالأفراد والجماعات ويتمثل في مجموع التمثلات والتصورات التي تترسب بالتنشئة ويتم تناقلها عبر الأجيال عبر المثاقفة التي يتم تعميمها عن طريق الدين والأدب والفنون والأساطير واللغة المتداولة والخطاب السياسي ووسائل الاتصال الحديثة وأنظمة الدعاية والإشهار.

من موقع مغاير في الفلسفة المعاصرة يحاول أرنست بلوخ أن يؤسس مفهوم المخيال ضمن استعادة تأويلية للفلسفة الهيجيلية والجدلية الماركسية بغية تطوير نظرية لليوتوبيا تتسلح بمفهوم معاضد لها هو مبدأ الأمل.

علاوة على ذلك عرف القرن العشرين ظهور نظريات جديدة حول المخيال خارج إطار اللقاء الذي تم بين بالديالكتيك والفنومينولوجيا تتقاطع فوق أرضية نفسية تحليلية مع كارل يونغ وأنثروبولوجية بنيوية مع غاستون باشلار والتي استعادها جاك لاكان بإعادة تأويل المدونة التحليلية النفسية التي تركها فرويد.

لقد تم وضع مفهوم المخيالimaginaire  مكان مفهوم الخيالimagination  ولقد ترتب عن هذا التغيير الدلالي فقدانهما لقسم كبير من الخصائص التي حملها عليهما الفكر الغربي طوال تاريخه الطويل ووقع إعادة تعريف المفهومين بحيث لم يعد الخيال يعني ملكة من بين ملكات أخرى وإنما الذخيرة الكبيرة للأساطير والرموز والإبداعات الشعرية وبالتالي هي ملكة قادرة على تحليل إنتاجاتها بالكف عن الصعود إلى مصادرها الأولى وأصولها الخفية وذلك بالعمل على إدراك دلالتها بواسطة بناها الداخلية الفارقية.

كما تعامل فرويد مع الخيال بوصفه مصدر الإلهام وخزان الإبداع وكشف عن تأثير الميولات اللاشعورية في السلوكات المنحرفة التي يقترفها الناس وعن ضرورة باطنية تتعلق بالحياة النفسية للإبداعات الفنية.

" لقد اتضح أن مملكة الخيال ملجأ يتأسس خلال الانتقال المرير من مبدأ اللذة إلى مبدأ الواقع، كي يقوم محل إشباع الغرائز التي ينبغي الإقلاع عليها في الحياة الواقعية. ينسحب الفنان كالعصابي من واقع غير يرضي إلى دنيا الخيال، لكن بخلاف العصابي، يعرف كيف يعود منه لكي يجد مقاما راسخا في الواقع"22[22]

إذا كان باشلار قد اعترف للخيال بوظيفة تكاملية مقارنة بالفكر العلمي لمساعدته على التجريد والافتراض وبناء الأحلام وبناء التجارب واستنتاج القوانين لكونه يمثل عاملا محركا للتقدم والتطور فإن لاكان يحمل موقفا جذريا تجاه المقولات التقليدية ويتعامل مع المخيال بوصفه المكان الذي توضع فيه الصور الخاطئة والمشوهة التي يشكلها الأنا عن ذاته منذ المرحلة التي يبدأ فيها بالنظر إلى ذاته عن طريق المرآة والتي يبدأ فيها الأنا تثبيت كل طاقاته الليبيدية حول رغبات محددة تخص علاقة العالم الفردي بالمحيط الخارجي.

لقد تم تأشير تجارب المخيال في ثبت الهوية بواسطة طبائع خاطئة لا يمكن العلاج منها والتي توقع المرء في جملة من الإخفاقات المتواصلة وتراكم الفشل والإحباط وتسقطها في تجارب متعاقبة من خيبات الأمل. على خلاف ذلك يبقى التاريخ الحقيقي للأنا يجري في مستوى الرمزي الذي يختص بالحركية والبنية الفارقية التي تسعى جاهدة إلى الربط بين النسق الداخلي الذي تتكون منه اللغة وطابع الاتفاق الاجتماعي.

هكذا يكون لكل مجتمع متخليه المشترك بين الأفراد الذين يتكون منهم ولكن شخص المخيال الاجتماعي الذي يخصه ويحدد نمط سلوكه وطبيعة فعله وحدود اجتهاداته وطريقة رد فعله عند الشعور بالمخاطر. لكن هل يساهم المخيال في تجييش الناس وتضخيم الأحداث أم يعمل على تلطيف الواقع وتجميل العالم؟

خاتمة:

" هكذا تتشابك روابط متعددة بين الاجتماعي والنفسي عبر وساطة المخيال"23[23]

بقيت الفلسفة لفترة طويلة تعتبر الخيال ملكة تشكيل الصور في مستوى ثان وتقرنه بالفانتازيا وتجعل منه ملكة للجمع بين الصور في لوحات وفق التتابع الذي يحاكي وقائع الطبيعة لكن دون أن يمثل أي شيء في الواقع ودون أن يعكس الموجود وبهذا المعنى توزع بين خيال تصويري وخيال تكراري وخيال إبداعي.

إذا كان الخيال التكراري يلعب بطريقة انفعالية وبإتباع المجرى الطبيعي للترابطات والاقترانات فإن الخيال التجديدي يستمد تمرده على الواقع من قدرة الفانتازيا على تشكيل تجميعات رهيبة ووحشية وينتج جملة من المواد العجائبية التي تدهش العقول وتحير القلوب وتشوش بداهة النظر في العيون وتعبر عن حرية الفكر وقدرته على خلق صور غير متوقعة وغير منتظرة ومتناقضة مع مقولات المنطق المعتاد.

أما المتخيل الاجتماعي فقد ربطه علماء الأنثربولوجيا في الحقبة المعاصرة بالزمن الآتي والقدرة الاستشرافية بالمستقبل وذلك من أجل الانعتاق من الحاضر البائس والتخلص من سيطرة الواقع وإنشاء مملكة الخلاص الجماعي وذلك بإعادة توليد العالم وذلك بانتظار ظهور المخلص والخروج عن المألوف والانفلات من التاريخ بالانجذاب الجماعي إلى  سلوكات انفعالية وإنشاء نظام اجتماعي أشبه باليوتوبيا.

لقد سبق لفرويد أن ربط بين الحالات الوجدانية للشعوب والتمثلات السياسية وبين الدوافع اللاشعورية الجماعية والمضامين المتخيلة أثناء الصراعات بين القوى الاجتماعية وأقر بوجود استثمارات وجدانية للمتخيلات أثناء حالات الشدة وعند التعرض للخطر من اجل تكثيف نقاط المقاومة والمحافظة على الذات.

كما يؤكد فرويد على أن عمليات إنتاج الحلم هي عمليات إنتاج خيالي تعبر عن عمليات لاشعورية دفينة وان رجوع الإنسان إلى التخيلي في السخرية والنكتة هو بمثابة بحث اقتصادي عن مصدر اللذة والتخلي المؤقت عن بذل الجهد في عملية الكبت والمقاومة وما يرافق ذلك من تخلص من الإرهاق وتفادي الألم.

لقد كانت وظيفة الخيال متمحورة حول الابتعاد والتجاوز والإثارة والانزياح والتكثيف والتدمير وتم استعماله في عمليات التدمير والهدم والإغارة على الواقع قد إعادة تشكيل العالم وإعادة البناء لواقع جديد. كما ظل المخيال يساهم في إقامة الروابط بين غرائز الأفراد والمؤسسات الاجتماعية تفاديا للضغوط الخارجية والكبت الباطني ويدعم الشكل السائد من الحياة أو يعمل على إضعافها واستبدالها بأغيارها.

في هذا السياق تحدث جيلبر دوران عن المخيال الرمزي24[24] وبحث عن البنى الأنثربولوجية للمخيال ضمن مشروعه الناقد للأنطولوجيا النفسية والتائق نحو بناء تأويلية رمزية تقوم بوصف فنومينولوجيا لمحتويات المخيال وتتجاوز التمييز الذي تجريه الخطابة الكلاسيكية بين معنى حقيقي ومعنى مجازي وتشتغل على الترسيمات الذهنية الأصلية والنماذج الأساسية لكل مخيال إنساني وتقر بقابلية البنيات الأنثربولوجية للتغير والتحول وضرورة تجميع الموارد اللغوية الأولية التي يستعملها المخيال الرمزي في الإبداع وقصد بناء المخيال الرمزي العام وتستنتج عدم إمكانية ترجمة النموذج الأصلي إلى لغات مغايرة عن رحمه الأول[25]. لكن إلى أي مدى يساعد نقد المخيال على استخراج النواة الأساسية التي سيكون عليها المجتمع البشري في المستقبل؟ وبأي معنى يحمل في رحمه الردود الممكنة على تحديات يمكن أن تواجهها الحضارة الراهنة؟وما الفرق بين الوظائف الاجتماعية للمتخيل الفردي والوظائف النفسية للمخيال الاجتماعي؟
الهوامش والإحالات:

[1] Platon, Timée, 71a, sq

[2] Aristote, de l’âme, III, 3, 429a 1

[3] Aristote, de l’âme, III, 3, 429b 18-30

[4] Aristote, de l’âme, II, 3, 429a 2
[5]  هوبز (توماس) ، اللوياثان،الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة، ترجمة ديانا حبيب حرب/ بشرى صعب، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى، 2011. القسم الأول، في الإنسان، 2 في الخيال، ص.27.

[6] Hobbes Thomas , Léviathan, 1651 , I,8
[7]  سبينوزا (باروخ)، علم الأخلاق، ترجمة جلال الدين سعيد، الجزء الثالث: في أصل الانفعالات وطبيعتها، القضية 28، دار الجنوب، تونس، طبعة أولى، 1991، ص193.

[8]  فرويد (سغموند)، حياتي والتحليل النفسي، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، طبعة 1981، ص75.
[9] Plotin, Ennéades, IV, 4, 13.

[10] Kant (Emmanuel), critique de la raison pure, §24

[11] Kant (Emmanuel), Anthropologie de point de vue pragmatique, I,

[12] Kant (Emmanuel), critique de la faculté de juger, taduit par A. Philonenko, Librairie Philosophique, J. Vrin, Paris, 1982.

[13] Hegel, Encyclopédie, §455-457

[14] Schlegel Friedrich, le développement de la philosophie, V
[15]  فرويد (سغموند)، حياتي والتحليل النفسي، مرجع مكور، ص75.

[16] Ricœur (Paul),  De Texte à l’action, essais herméneutiques, II, édition du Seuil, Paris,1986, p391.

[17] Sartre (Jean Paul), l’imagination,  édition PUF, Paris, 1936

[18] Sartre (Jean Paul), l’imaginaire: psychologie phénoménologique de l’imagination, édition Gallimard, Paris, 1940, IV,

[19] Sartre (Jean Paul), l’imaginaire, op.cit, IV,

[20] Sartre (Jean Paul), l’imagination, op.cit, p13.

[21] Sartre (Jean Paul), l’imaginaire, op.cit, IV,
 [22]  فرويد (سغموند)، حياتي والتحليل النفسي، مرجع مذكور، ص75.

[23] Ansart (Pierre), l’imaginaire social,  Encyclopédia Universalis, lien : http://www.universalis.fr/encyclopedie/imaginaire-social/

[24] Durand Gilbert, l’imaginaire symbolique, édition PUF, Paris, 1964, 1998.
[25]  دوران (جيلبير)، الخيال الرمزي، ترجمة علي المصري، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، مجد، بيروت، 1991.

 المصادر والمراجع:

باللسان الفرنسي:

Ansart (Pierre), l’imaginaire social,  Encyclopédia Universalis, lien : http://www.universalis.fr/encyclopedie/imaginaire-social/

Durand Gilbert, l’imaginaire symbolique, édition PUF, Paris, 1964, 1998.

Kant (Emmanuel), critique de la faculté de juger, taduit par A. Philonenko, Librairie Philosophique, J. Vrin, Paris, 1982.

Sartre (Jean Paul), l’imagination,  édition PUF, Paris, 1936

Sartre (Jean Paul), l’imaginaire : psychologie phénoménologique de l’imagination,  édition Gallimard, Paris, 1940

Ricœur (Paul),  De Texte à l’action, essais herméneutiques, II, édition du Seuil, Paris,1986,
باللسان العربي

دوران (جيلبير)، الخيال الرمزي، ترجمة علي المصري، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، مجد، بيروت، 1991.

فرويد (سغموند)، حياتي والتحليل النفسي، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، طبعة 1981،

هوبز (توماس)، اللوياثان-الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة، ترجمة ديانا حبيب حرب/ بشرى صعب ، تحقيق رضوان السيد، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى، 2011.

سبينوزا (باروخ)، علم الأخلاق، ترجمة جلال الدين سعيد، الجزء الثالث: في أصل الانفعالات وطبيعتها، القضية 28، دار الجنوب، تونس، طبعة أولى، 1991،

[1] Platon, Timée, 71a, sq

[2] Aristote, de l’âme, III, 3, 429a 1

[3] Aristote, de l’âme, III, 3, 429b 18-30

[4] Aristote, de l’âme, II, 3, 429a 2
[5]  هوبز (توماس) ، اللوياثان، الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة، ترجمة ديانا حبيب حرب/ بشرى صعب،  دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى، 2011. القسم الأول، في الإنسان، 2 في الخيال، ص.27.

[6] Hobbes Thomas , Léviathan, 1651 , I,8
[7]  سبينوزا (باروخ)، علم الأخلاق، ترجمة جلال الدين سعيد، الجزء الثالث: في أصل الانفعالات وطبيعتها، القضية 28، دار الجنوب، تونس، طبعة أولى، 1991، ص193.
[8]  فرويد (سغموند)، حياتي والتحليل النفسي، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، طبعة 1981، ص75.

[9] Plotin, Ennéades, IV, 4, 13.

[10] Kant (Emmanuel), critique de la raison pure, §24

[11] Kant (Emmanuel), Anthropologie de point de vue pragmatique, I,

[12] Kant (Emmanuel), critique de la faculté de juger, taduit par A. Philonenko, Librairie Philosophique, J. Vrin, Paris, 1982.

[13] Hegel, Encyclopédie, §455-457

[14] Schlegel Friedrich, le développement de la philosophie, V

[15]  فرويد (سغموند)، حياتي والتحليل النفسي، مرجع مكور، ص75.

[16] Ricœur (Paul),  De Texte à l’action, essais herméneutiques, II, édition du Seuil, Paris,1986, p391.

[17] Sartre (Jean Paul), l’imagination,  édition PUF, Paris, 1936

[18] Sartre (Jean Paul), l’imaginaire: psychologie phénoménologique de l’imagination, édition Gallimard, Paris, 1940, IV,

[19] Sartre (Jean Paul), l’imaginaire, op.cit, IV,

[20] Sartre (Jean Paul), l’imagination, op.cit, p13.

[21] Sartre (Jean Paul), l’imaginaire, op.cit, IV,
[22]  فرويد (سغموند)، حياتي والتحليل النفسي، مرجع مذكور، ص75.

[23] Ansart (Pierre), l’imaginaire social,  Encyclopédia Universalis, lien : http://www.universalis.fr/encyclopedie/imaginaire-social/

[24] Durand Gilbert, l’imaginaire symbolique, édition PUF, Paris, 1964, 1998.

[25]  دوران (جيلبير)، الخيال الرمزي، ترجمة علي المصري، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، مجد، بيروت، 1991.

أطعمت ظلها للطيور/ حسن العاصي

كاتب فلسطيني مقيم في الدانمرك

مثل ندف الفجيعة
تهطل كالرذاذ الساخط
خطايا المواسم
يعزف الفجور
على وتر الفسق
ماتيسر من المعاصي
قد شارف الجَوْر
على الهلاك
غفت عيون الضوء
وجثت الصغيرة
خلف ناصية الكفن
حيث كان النور
على وشك السقوط
أقامت نذرها
خلعت ملامحها
لتجرب الجنازة
وأطعمتْ ظلّها للطيور
في رحم السواد المحموم
أشهرتُ عيني
هذا الوجع صوفي
قلت وقد تكور قلبي
تريثي في احتدام النهر قليلاً
قالت
من استرعى الضوء
فقد فاز
قلت أمسكي ولا تتعجلي
واستعيني بحكمة الزاهد
قالت
يا سيد الورع
لي رب أساله الخلاص
ومدّت لي مابقي من الرمل
قالت
كان وحيداً في جبل الموت
فانقسم دمه على ظلّه
حين أكلته ذئاب القبيلة
ربط الله على قلبي
ابتعدت نحو وادي الحطب
تسير فوق الماء
على بعد غفوة من التعب
أغلقت المدى
أقفلت كل سادر
وطفى وجهها
فوق وردة الخُبّيزة
انتهى الحزن
صرت أبكي مرتين

تمهلي أيتُها الحبيبةُ تمهلي/ الأب يوسف جزراوي

 أديلايد 25/4/2016
     
يشتاقُ قلبي لحبيبةٍ قديمةٍ،  يفوحُ منها عَبقُ الحضارةِ العتيقةْ. الذكرياتُ تؤرُقني كُلّما عانقتُ وسادةَ  الليلِ المسلوبِ، تُعلقني على ألفِ جُلجُلةٍ وجُلجُلةٍ كالمصلوبِ.
اشتاقُ لحبيبةٍ....أسمُها موطني، عيناها خارطتي، تاريخُها تكويني وإنتمائي. كَم وكَم بكتها شموعُ صلاتي، مُذ دقت أسفينَ الوداعِ في نعشِ لقائي.
تتساقطُ دموعُ الإشتياقِ على مسوّدةِ كتاباتي المبعثرةِ، بين شفقٍ وغسقٍ،  تنسابُ من عينٍ ساهرةٍ، انهكتهَا محطاتُ  السفر.
يتراقصُ أمامي طيفُها، كلوحةٍ مُعلّقةٍ في الهواءِ الطلق، كاهتزازِ  اوراقِ الشجر، على  ايقاعِ العواصفِ ولحنِ المطر.
قلبي رمادٌ، لا يُدفئ ولا يُضيء. عيني مُتعبةٌ جدًا، ترمشُ كثيرًا، علّها تكنسُ ذلك الطيفَ عن  بؤبؤِ  النظر، وعبثًا أُعاينُ ملامحَ قديستيِ  بنّظّارةِ.... الغربةِ ، كملاحٍ.. يتطلعُ لغريقٍ في لُجّةِ البحر.
تمهلي أيتُها الحبيبةُ ....تمهلي وأمعِني النظر، بحالِ من طالَ بهِ الهجرُ والسهرْ، فذكراكِ غفتْ بِقُربي على ارصفةِ المهجر، وحكايةُ عشقِنا رنمتهَا  عصافيرُ ...النهر.
أيتُها الحبيبةُ
عقاربُ الساعةِ تسارعُ الخطى،
تودعُ اعوامًا وأنا بنيرانِ الفُراقِ اتلظى.
اغزلُ من جدائلِ الأيامِ ثوبَ المُلتقى.
أجوبُ الطُرقاتِ لافتشَ عن محلِ لقائِنا المُعتق.
 فمنذُ بحتُ لكِ بحبيَ المُطلق.
و فرحتي مُعتقلةٌ خلفَ قضبانِ صمتِكِ المُطبق.
في ليلٍ اهيم، ضجيجُ السياراتِ في الشوارعِ بدأ يخفتُ وزعيقُ الناسِ أخذ يتلاشى.
 خلفَ الأبوابِ غزلُ الأحبابِ؛ وأنا الولهانُ المُتيّمُ، اتشردُ مع ظلّي على غيرِ خُطى، مُترنحًا، مطعونًا  بحبِّ من تناسى ومشى.
غصَّةٌ في فميِ، وجمرةٌ في صدري، واللظىْ يكوي احشائي، على حبيبةٍ جعلتني مُشردًا اهيمُ على وجهي، وفي قلبي قارةٌ من الكلماتِ، عن غربةٍ طويلةٍ، جعلتني اتوهُ لوحدي في الازقةِ، واضعًا يديَّ المُتجلدتينِ في جيبِ بنطالي، اسمعُ وقعَ خطواتي الهادئةِ المُترنحةِ الثقيلة، مخنوقًا  بذكرياتِ ليالينا الجميلة.
فتمهلي... وتحنني .... وترأّفي ، بحالِ كاهنٍ بلغَ به الحنينُ الزُبى.
ومضى بهِ الشوقُ بطريقٍ على غير  هُدى.
       اتجولُ شاردَ الذُهنِ، أفكرُ بك، وليس في فكري مكانُ أمضي إليهِ أو استرخي فيهِ . أتطلعُ إلى الأرضِ. أركلُ بقدمي كلّ شيءٍ اراهُ أمامي، أُنقبُ عن حبيبةٍ علقتني كصورةٍ على جدرانِ الاشتياقِ. أبحثُ عنها هنا وهناك، كبحثِ أبٍ عن إبنهِ الضائعِ، ولوعةِ أمُّ.... تفتشُ عن إبنتهاِ المفقودةِ في ليلٍ شديدِ الدُجى.
وما أدراكِ أيُتها الحبيبةُ الصامتةْ، ما هو التسكعُ في لياليِ المهجرِ المُظلمةْ، سيّما وأنينُ الحبِّ يرمي الحبيبَ بحنينٍ، يذبحهُ من الوريدِ إلى الوريدْ.
فتحنني وكفاكِ تجاهُلاً.... انسيتِ أنني اودعتُ فيكِ حبلَ مشيمتي ومهدَ طفولتي، وشاهدَ قبرِِ أبي. 
قولي ، أُنطقي، اهمسي، كفاكِ صمتًا، فقد طالَ زمنُ تشرُديِ.

ولان الصمتَ  اشتكى من صمتِكِ. علقتُ صورتــــَكِ على جدرانِ الروحِ وفرشتُ لكِ في القلبِ سريرًا ، لاكحلَ عيني برويتكِ.
     بغدادُ.... يا بغداد، حكايةُ حُبٍّ لم تكتمل هي حكايتُنا، بيد أنّ عصافيرَ الحُبِّ الارجوانيّةَ ستشدو في  يومٍ ما قصّةَ عشقي لكِ، بعد أن عزفتُ ببراءةِ الطفلِ وجمالِ الزهرةِ ورقةِ النسيمِ على قيثارةِ الغربةِ، ألحانَ حنيني البغداديّة ، مُرتلاً في صوامعِ الأدبِ وهياكلِ الصلاةِ مزاميرَ  الكهنوتِ الأزليّةِ الأبديّةِ. 
فتشجعي .... وبوحي بكلمةٍ لا أكثر،
حروفُها:
أ،ح ، بـــــــ، ك.
تكلمي ....إنّها كلمةٌ لا أكثر
لاستعيدَ..... الفرحَ  والنظر.
كفرحِ الليلِ بضياءِ القمر
بغدادُ .... اجيبيني:
 اصائمةٌ  أنتِ  عن حُبّي أم مللتِ غزلَ قلمي بكِ، أم أنتِ سيّدةٌ تهوى وليس لها لسانٌ يُبادلني الحُبَّ السرمدي العذري؟
بغدادُ، يا عروسَ الشرقِ، وتاج قلبي
تكلمي .....تكلمي  واخرجي  من صمتِكِ،
كفاكِ جَفاءً، فالصبرُ ملَّ  من صبري.
ولأن الغربةَ تكادُ تسرقُ  مني صهيلَ الكلماتِ، أُناجيكِ قائلاً:
بغدادُ....أنتِ حبيبتي.... فها أنا ....أما زلتِ تذكرينَ مَن أنا؟.
بغدادُ ......ها أنا أما زلتي تذكرينَ مَن أنا؟
أُنطقي ....أُنطقي....فالعمرُ قد مضى
قولي ....نعم. وكفى.
أجل.... أنُطقي.... أُنطقي فالعمرُ  مضى
قولي: نعم..... وكفى.

الخطاب القومي العربي بين التسامح وعقد الماضي/ د. مصطفى يوسف اللداوي

إنه شيٌ يشبه المستحيل في عالمنا العربي، فهو حالةٌ نادرةٌ غير معهودة من الانتظام والدورية الغريبة، لم تعتد عليها المؤسسات العربية الشعبية والرسمية، التي لا تكاد تنعقد مؤسساتها وتلتئم اجتماعاتها بسهولة، إذ تتعطل وتتأجل، وتتأخر وتتجمد، وتتكلس على أشخاصها ويحتكرها المهيمنون عليها، ويرثها أبناؤهم ويقودها من بعدهم أتباعُهم، على نفس النهج ووفق ذات السياسة، إذ تُكيف أنظمتها الداخلية، وتسوى لوائحها التنظيمية ليبقى عليها ذات الأشخاص ونفس الرموز ردحاً طويلاً من الزمن، ينتهي بموتهم أو خرفهم، أو بانحرافهم عن المسار وتغييرهم للاتجاه وتبديلهم للولاء، طمعاً في مناصب أو حرصاً على جاهٍ ومكاسب.
لكن المؤتمر القومي العربي الذي عقد اجتماعه التأسيسي الأول في تونس عام 1990، يعود به الزمان ليعقد دورته السابعة والعشرين في مدينة الحمامات التونسية، منتظماً في مواعيده، ومحافظاً على زمان انعقاده، إذ تنعقد اجتماعاته دورياً في مثل هذا الوقت كل عامٍ، وتتسع له عواصم عربية عديدة، فإن تعذر انعقاده في عاصمة، فتحت له أخرى أبوابها، ورحبت به واتسع فضاؤها لأفكاره ومناقشاته، وأحسنت ضيافة أعضائه، فكان انعقادٌ وإن تكرر في بيروت والقاهرة، وتونس وبغداد، والمنامة والدار البيضاء، وصنعاء والجزائر، وما زالت كرته تدور، وعجلته تسير، وهو يتجاوز الصعاب ويقفز بنجاحٍ فوق التحديات، ويسير بحذرٍ بين ألغامٍ مزروعة وأخرى مقصودة، وما زال يبحث عن عواصم عربية تستقبله من جديد ولا تعترض عليه، وترحب بكل أعضائه ولا تمنع أحداً منهم من الدخول إليها، ليبقى المؤتمر حراً سيداً مستقلاً.
غالبية أعضاء المؤتمر القومي العربي يحرصون على المشاركة في دوراته، والاستجابة إلى دعواته، ويحزن من منع، ويعتذر من عجز، ويرسل مساهمته من غاب، علماً أنهم على حاسبهم يأتون، وعلى نفقتهم يحضرون ويقيمون، وببعض مالهم ولو كان نزيراً يسيراً يساهمون، رغم أن أغنياءهم أقلية، وأثرياءهم قلة، ولكنهم أغنياء وفقراء يساهمون فيه ليبقى، ويؤدون الاشتراك ليستمر.
لكن هذه المميزات الجميلة التي تمتع بها المؤتمر القومي العربي عبر تاريخه الذي تجاوز الربع قرنٍ بسنتين أخريين، لا تستطيع أن تخفي عيوبه ومثالبه، ومساوئه ومشاكله، التي يحسن الأعضاء إبرازها، ويتقن المنتسبون إليه إظهارها، ويتفننون جميعاً في تزينها وحسن إخراجها، فهو ينتظم شكلاً وينعقد ملتقىً، ولكنه يظهر على منصة النقاش وقاعة الحوار اختلافاتٍ كثيرةٍ وتناقضاتٍ عميقة، قد تتعارض مع المفاهيم القومية والمنطلقات الفكرية العربية التي نشأ عليها، ولا تعكس الروح الوحدوية القومية الجامعة، وتتنكب لمعاني الخوف والحرص على الأمة وأبنائها، ولكنها تبقى دوماً ضمن دائرة التباين الطبيعي في الآراء والتكامل في الأفكار وصولاً إلى الأفضل وتحقيقاً للأصلح، حيث يسود الحوارات في الغالب هدوءٌ وقبولٌ، فلا مناكفاتٍ حادةً ولا صراخاً وصخباً غير حضاري.
الجلسات الأخيرة للمؤتمر في دورته السابعة العشرين حملت أفكاراً منفرة وأخرى مخيفة، وأطلقت العنان لكلماتٍ متطرفة ومتزمتة، منفلتة من عقالها وخارجة عن سياقها، وأبرزت مفاهيم تمزق جمع الأمة وتهدد نسيجها العام، إذ ألقيت كلماتٌ متشنجةٌ تقود إلى شق الأمة بدلاً من جمعها، وتباعد بين شعوبها بدلاً من التقريب بينهم، وتعدم فرص اللقاء وترفض الحوار بدلاً من أن تخلق فرصاً للتلاقي، وتصنع قواسم مشتركة للتفاهم، وعلى الرغم من أنها لم تكن ترضي الجميع إلا أن أصحابها تمادوا فيها وكرروها، وتنادى غيرهم إلى المنصة وأكد أفكارهم وأيد دعواهم.
الإسلاميون جزءٌ أساسٌ من الأمة العربية، ومكونٌ رئيسٌ فيها، تاريخهم فيها طويل، ودورهم في مسيرتها كبير، ولهم إنجازاتٌ عديدة وإن كانت عليهم ملاحظاتٌ كثيرة، مما لا يغفل دورهم ولا ينكر وجودهم، إلا أن بعض المؤتمرين أنكروا وطنيتهم، وشككوا في قوميتهم، ودعو إلى وصفهم بالرجعيين ونعتهم بالمتآمرين، وتحميلهم المسؤولية عما آلت إليه الأمة من فوضى واضطراب، وتقاتلٍ واحتراب، واختلاطٍ في السلاح وتعدد في هوية حملته، وكأنهم هم وحدهم السبب فيما لحق بالأمة من مصائب ونكبات، وغيرهم مما حدث مبرأٌ، وعن الخطأ مقدس، وعن العيوب والنقائص منزهٌ.
لم يميز المؤتمرون بين حركةٍ إسلاميةٍ وأخرى، بل عمم أغلبهم وأجمل أكثرهم، وانطلق كثيرٌ منهم من ماضي في نفوسهم حبيسٍ، وتاريخٍ في ذاكرتهم لا ينسى، حفرته الأحداث، وعمقته الخلافات، وأبقته في العقل والقلب علامةً بارزةً الصراعاتُ والمواجهاتُ، فاعتبر أكثرهم أن الحركة الإسلامية الأم هي التي فرخت وأنجبت، وعنها انشقت الحركات وتشكلت، واتهموا فكرها بالضيق المحصور، إذ تكون وتشكل في السجون وخلف القضبان، فكان قاصراً في رؤيته، ومنتقماً في منهجه، الأمر الذي ساعد في التأسيس للعنف والترويج له، متجاهلين الظلم الذي تعرضت له الحركة الإسلامية المعتدلة، والجور الذي وقع عليها، والسجون التي فتحت لها، والمشانق التي نصبت ليعلق عليها رجالها، علماً أن هذا الظلم لا يبرر لهم أو لغيرهم العنف، وهذه السجون لا تجوز دعوات الانتقام ومساعي الثأر.
الحقيقة أنه لا اعتدال ولا نزاهة في المواقف والرؤى، ولا ميزان عدلٍ في النقد والجرح لدى الكثير ممن هاجم واعتدى، ودعا إلى التصريح والإعلان، ورفض التلميح والتعميم، إذ أرادوا تسمية دولٍ بعينها وتحديد حكوماتٍ باسمها، بينما رفضوا إدانة حكوماتهم، والتعقيب على سياسات بلادهم، رغم أن الجميع مدانٌ ومتهم، وعليه ملاحظات وله مشاركاتٌ ومساهمات، إذ لا طهر ولا عدل بينهم مطلق، كما لا تآمر ولا رجعية ولا ارتهان عند غيرهم مطلقٌ، والشعوب أسبق في الأوطان وأكثر أصالة، وهي صاحبة الحق ووريثة المجد، وإليها ينتسب الفضل وعلى يديها عبر التاريخ ينعقد الخير، وهي التي تصنع المواقف وتقدم القادة والزعماء، وتكتب بتضحياتها صفحات تاريخ العرب الناصعة.
يخطئ أعضاء المؤتمر القومي العربي الذي لا يتجاوز عدد المشاركين منهم مائتا عضوٍ في دورته الحالية، وإن كان عددهم عبر دوراته السبعة والعشرين التي مضت يفوق الألف عضو، عندما يعتقدون أنهم وحدهم يمثلون ضمير الأمة ويعبرون عنها، وينطقون باسمها ويتحدثون نيابةً عنها، وأن ما يقولونه داخل جدران القاعات وعبر مكبرات الصوت، إنما هو صدى الشعب ورجيع الأهل، وتوصياتهم تمثل أماني الأمة وتطلعاتها، وأحلامها وخيالاتها، ويخطئون عندما يصفون ما يرون أنه الحق والصواب، وأنه خيار الأمة وقرار شعوبها، وأن من يحيد عنها يخرج عن الأمة ويتناقض معها، فيحتكرون برؤاهم الحق وكأنهم يريدون من الأمة كلها أن تنظر بمنظارهم، وأن تحكم بعقولهم، وأن ترى ما يرون، إذ هو وحده سبيل الرشاد، وكوة الفرج وبصيص الأمل.