اوسمة الشرف/ علي الخُزاعي

وايما شرف يذكر ويوصف وايما مقياس ومكيال لشرف خدمة الحسين عليه السلام واي كلمات تتسطر لتجسد تلك المنزلة الكبيرة ..

تعجز كل الكلمات حينما نلج في الكتابة او الحديث عن عاشوراء الحسين وفاجعة الطف الاليمة وما تبعها من سبي العقيلة وما آل اليه الحال بعد استشهاد الحسين واهله وصحبه "عليهم السلام" فمهما اختلفت المذاهب والطوائف والانتماءات ومهما حصل من تباعد فكري واختلاف في مسائل معينة الا ان الشعور الموحد لا يُنكر سواء في حب الحسين او استذكار المصيبة او السعي لبذل الجهود والغالي والنفيس خدمة وحبا بالحسين "ع" فترى العالم بأسره يتسارع ويتنافس في تأدية الشعائر وتقديم الخدمات على مختلف انواعها فسواء كانت الخدمة من خلال موكب او من خلال دائرة خدمية او مشاركة في خطة امنية او قصيدة كتبت او رددت او اماطة الاذى عن الطريق ,, المشاركة في رفع النفايات ,,تقديم الطعام ,,المشاركة في موكب تمثيلي ,,ذرف دمعة احياء شعيرة ,,نطق كلمة حق ,,انصاف شخص معين ,,كلها وغيرها مهما كبر او صغر فشرفه انه في حب الحسين وعلى اختلاف النوايا فعند الله سبحانه وتعالى الجزاء .

عملنا جميعا نحن ابناء مدينة الناصرية وبكافة الشرائح والمفاصل وخلال الايام العشرة الاولى على اعطاء تلك المراسيم حقها "ونحن الى التقصير اقرب" وكل من موقعه بذل ما باستطاعته لاتمام تلك المراسيم ولم يظهر اي من خلل خدمي ام امني او طبي وهو بعد توفيق الله وفضله فبفضل ابناء المدينة الاصلاء شيبا وشباباً ولا نستثني اي احد ,,قلم يكتب عدسة تصور موظف يخدم , شيخ كبير يوزع الماء ,,شاب يعد الطعام ..الكل عمل وبتفاني ,,مشكورة هي مدينتي ومن نهل من عذب الحب الحسيني ليجسده خدمة يستحق بها وسام الشرف في الخدمة الحسينية

الى كل ابناء مدينتي اقدم الشكر والعرفان والامتنان على كل ما قدم وسيقدم لان الناصرية ام معطاء ,,حبا بالحسين لانه فينا وشكرا للحسين لانه فينا وطاعة لله ولرسوله واهل بيته لانهم منهجنا في هذه الدنيا

أرْضُ الفِدَاء/ حاتم جوعيه


الكلُّ      يشهَدُ     انَّنا     نَهوَاكِ      يا  أرضَنا  المِعطاءَ  نحنُ  فِدَاكِ 
تِهي افتِخَارًا  يا فلسطينَ  المُنَى       في القلبِ  أنتِ  وَغيرُنَا   ينسَاكِ 
آمالُنا       أرواحُنا        خَفَّاقَةٌ        وَقلوبُنا    تشدُو   على   ذكراكِ 
شعبي  الفدائيُّونَ   ذاكَ  هُتافُهٌمْ        هَزَّ  الوُجودَ  وَهَزَّ.. هَزَّ  سَمَاكِ   
شعبي على دربِ الفِدَا أسطورَةٌ       لم  يخشَ قصفَ المُعتَدِي الفتَّاكِ
شعبٌ  تعَمَّدَ  بالدِّماءِ  ولم يزَلْ        يمشي على الألغام  ِ  والأشوَاكِ 
علَّمتِ   حُبًّا    للسُّموِّ    وَإنَّهُ         لولاكِ  ما عرفَ السُّهَى  لولاكِ 
فعلى دروبِ الحقِّ طابَ لنا الرَّدَى    وَعلى خطوطِ النَّارِ رَجعُ  نِداكِ 
فالمَوتُ  أو  نَحْيَا  حياةً  حُرَّة ً        يَحلُو الجِهَادُ على خَضِيبِ ثرَاكِ

يوميات نصراوي: هكذا تعرفتُ على المناضل تيسير العاروري/ نبيل عودة

قرأت في مواقع الانترنت (27 – 07 – 2016) خبر وفاة المناضل الفلسطيني د. تيسير العاروري.
أعادني الخبر الى ذكريات مضى عليها نصف قرن تقريبا، وكنت قد نسيت اسم تيسير العاروري، لكن الخبر اعادني الى حادثة في مسيرة حياتي تعرفت بسببها على تيسير العاروري يوم كان طالبا في الاتحاد السوفييتي.
*****
خلفية الحادث الذي قادني للتعرف بتيسير العاروري
تعوق استلامي لجواز سفري من الداخلية الاسرائيلية، لأني سجلت في طلب جواز السفر ان الهدف السفر للدراسة في الاتحاد السوفييتي.. وسؤل قريب لي من حاكم لواء الشمال في وقته لماذا يريد ان يتعلم نبيل في الاتحاد السوفييتي وليس في اسرائيل؟ فرد عليه قريبي بأنه اذا وفروا لنبيل نفس شروط الدراسة المجانية والمصاريف الشخصية فهو يتعهد ان يقنعني بمواصلة دراستي في اسرائيل.  كان ذلك في اواخر عام 1968، حصلت على جواز سفري بعد تعويق استمر  سنة كاملة تقريبا. لذلك سافرت متأخرا لوحدي بدون المجموعة المخطط سفري معها. وصلت قبرص ولأسباب لا اعرفها قررت السفارة السوفيتية ان تسفرني بباخرة ركاب سوفييتية اسمها “ارمينيا”، وليس بالطائرة الى موسكو. رفاقي في موسكو انتظروا وصولي المتوقع لكني طبعا كنت على متن الباخرة اتجول في عواصم الشرق الأوسط وأوروبا برحلة استمرت سبعة أيام.
خرجت الباخرة من ميناء فاماغوستا القبرصي باتجاة ميناء اللاذقية السوري، القوميسار في الباخرة (هو بمثابة ضابط سياسي وأمني) طلب من ان لا أتحدث مع الركاب عن جنسيتي الإسرائيلية، وان التزم كابينة القبطان عند وصولها الى الموانئ العربية وهي  اللاذقية ،بيروت والاسكندرية. طبعا لم اتوقع هذا المسار للباخرة، لو توقعته قبل الابحار لما قبلت الصعود للباخرة وفضلت الانتظار لموعد الطائرة الى موسكو.
بذلك فُقد الاتصال معي من اسرائيل ومن موسكو.. وعانيت إشكالية كبيرة حتى وصلت الى المعهد الذي سافرت للدراسة به.
طبعا لم انزل للموانئ العربية انما شاهدتها من غرفة القبطان حيث البسوني بلوزة بحار.. وكنت اخرس لا أتحدث أي لغة.
مع اقترابنا لميناء بيريوس اليوناني الذي يبعد عن اثينا  عدة كيلو مترات. نشر اسمي بقائمة النازلين ترانزيت في ميناء بيريوس – نبيل عودة من اسرائيل – ضمن لوائح الركاب الذين سينزلون الى المدينة لمدة 8 ساعات. ثار جدل كبير بين المسافرين العرب ، خاصة بين وفد من المحامين العرب كان في طريقه لمؤتمر دولي سيعقد في طشقند. وقف رفيق عراقي يشرح لهم ان المسافر لا بد ان يكون رفيق شيوعي، ولكن الموضوع لم يعجب المحامين بان يزور إسرائيلي موانئ عربية، تسألوا من هو هذا الإسرائيلي  المسافر معنا؟ تلفتوا حولهم وكأن للإسرائيلي شكلا مختلفا عن بقية الركاب.  حافظت على صمتي،  رد عليهم الرفيق العراقي بان تعبير إسرائيلي غير لائق لأنه عربي فلسطيني.
نزلنا لنزور مدينة بيريوس وسافرت الى أثينا مع زملاء من الباخرة دون ان أفصح عن اسمي وهويتي، وكنت نبيل عوض من رام الله .. ثم اخترت مناسبة جمعتني لوحدي مع الرفيق العراقي وصارحته بهويتي وشكرته على موقفه، قال انه مسافر برحلة عمل، لكن تبين فيما بعد انه كان من طلاب نفس المعهد الحزبي (اسمه الرسمي “معهد العلوم الاجتماعية”). طبعا بقي الأمر سرا بيننا.
ثم نزلنا في ميناء اسطنبول ، وبعدها ميناء فارنا البلغاري وبعد سبعة ايام من الضياع والبحث عني في نيقوسيا وصلنا ميناء اوديسا السوفييتي.
توقعت ان يكون في استقبالي من يقودني الى المعهد. نقلونا لبيت للطلبة في اوديسا، ولم يفهموا ما الذي جاء بي الى اوديسا. اسمي ليس ضمن لوائح الطلاب. عبثا شرحت لهم اني قادم للدراسة الحزبية في معهد حزبي في موسكو. لم يفهموا شيئا. ولم اكن اعرف الاسم الرسمي للمعهد (معهد العلوم الاجتماعية، لكنه  لا يتبع وزارة التعليم العالي، ويدار مباشرة من أجهزة الحزب الشيوعي السوفييتي) أعطوني مبلغ 40 روبل لشراء وجبات طعام في القطار، وتذكرة سفر بالقطار الى موسكو مع عدد كبير من الطلاب العرب. السفر  بالقطار استغرق كما اذكر يوما ونصف اليوم او يومان. في موسكو استقبل الطلاب مسؤول من جامعة موسكو، نفس الأمر اسمي ليس ضمن الأسماء، لم يفهموا علي ما الذي اريده.. ولأي هدف وصلت؟ استفسروا عن اسمي في وزارة التعليم العالي.. عبثا!!
نقلوني مع الطلاب الى جامعة موسكو، أخذوا مني جواز سفري ليبحثوا عن الجامعة التي انا مسجل ضمن طلابها. لكن لا اسم لي، وعبثا أحاول ان اشرح الى اين يجب ان أصل.
الزعتر هو المفتاح لتيسير العاروري
بعد اسبوع وانا في حيرة كبيرة، تذكرت ان الناشطة النسائية من مدينتي الناصرة اوديت نمر (توفيت قبل اكثر من سنة) حدثتني عن صداقة قوية بينها وبين شيوعي اردني درس معها سنة في الجامعة الحزبية ، اسمه الحركي الرفيق أحمد، وهمست لي ان اسمه الحقيقي  تيسير العاروري، وهو رئيس اتحاد الطلاب الأردنيين في الاتحاد السوفييتي ( كان ذلك قبل حرب 1967 حين كانت الضفة الغربية جزءا من الدولة الأردنية) طبعا لم تقل لي انه فلسطيني. ونبهتني مرات عديدة ان لا اذكر انه كان طالبا في المعهد الشيوعي وان اسمه الحركي “الرفيق أحمد”. اعطتني هدية له هي عبارة عن كيلو زعتر بلدي أصلي من جبال الجليل لأنه يحب الزعتر.. وأن اسأل عنه في جامعة موسكو الطلاب الأردنيين بصفته رئيسا لرابطة الطلاب اسمه تيسير.
فورا فهمت بان تيسير العاروري هو الحل لمشكلتي، وهو الوحيد الذي سيفهم وجهتي الصحيحة.
بحثت عن طلاب اردنيين في مسكن طلبة  جامعة موسكو. تعرفت على ثلاثة طلاب، قلت لهم دون ان اقول اني من اسرائيل، اني احمل رسالة من عمان للطالب تيسير العاروري واود ان التقي به، اخبرني احدهم انه كان رئيسا لإتحاد الطلاب الأردنيين وسينقل طلبي له. بنفس اليوم مساء دخل طالب عرفوني عليه انه تيسير العاروري.
سلمت عليه وسألني عن الرسالة. قلت له بهمس اني اريد الوصول للمعهد الذي كان يدرس فيه الرفيق أحمد. أجابني بلهجة قاطعة أنه لا يعرف ما اريد منه ولا يعرف احمد ولا محمدين. دخلت لوهلة في حيرة شديدة. انا في جامعة موسكو منذ اسبوع ونصف، تائه ولا اعرف كيف اصل لمعهدي الذي تبين لي فيما بعد انه شبه سري، لأن بعض طلاب دول تسودها أنظمة معادية للشيوعيين وتحظر احزابها يتعلمون في المعهد.
وقفت حائرا أمامه، فجأة لمعت بذهني قصة الزعتر، قلت له اني أحمل له هدية من اوديت نمر، وهي عبارة عن كيس زعتر بلدي من جبال الجليل. ضمني الى صدرة وهو يضحك ووشوشني ان انتظره غدا مع حقيبتي في الساعة الخامسة مساء سيحضر بتكسي وينقلني للمعهد. سألته ماذا مع جواز سفري المحجوز في ادارة الجامعة؟ قال لي لا تقلق، هذه ليست مشكلة ، معهدك هو الدولة كلها  وسيعيد لك جواز السفر.
لم انم تلك الليلة وانا احلم بالخلاص من الضياع والوصول الى  معهدي.
جهزت حقيبتي. سألني الطلاب هل ستغادرنا؟ الى اين؟ لوهلة لم اعرف بما أجيب، بعد تردد قلت اني سأتوجه الى مطار موسكو لأعود الى بلادي..
في الخامسة تماما شاهدت سيارة تكسي تقترب، لمحت تيسير العاروري بجانب السائق،  نزلت بسرعة للشارع، وضعت حقيبتي بالمقعد الخلفي الى جانبي وانطلقت السيارة.
بعد سفر نصف ساعة تقريبا وصلنا الى بناية كبيرة من سبعة طبقات او ثمانية. قال لي تيسير انها مسكن طلبة المعهد. نزلنا، دخلنا لقاعة رحبه فيها حارس/ بواب، عرف تيسير وقام مرحبا به، فجأة وجدت أمامي سالم جبران ، تفاجأ من وجودي، بعد ان عانقني قال ان الجميع في اسرائيل وموسكو قلقون علي، يبحثون عني في نيقوسيا وكان خوفهم اني لم اصل للأراضي السوفييتية.
هذا ما اذكرة عن الرفيق أحمد – تيسر العاروري، فيما بعد التقينا مرتين، مرة في الناصرة ومرة في رام الله.
لكن تلك الحادثة لا يمكن ان تنسى.
وداعا د. تيسير العاروري!!
nabiloudeh@gmail.com

الحدث الصوفي في رواية عمرة الدار للكاتبة المصرية هويدا صالح/ عبد القادر كعبان

لقد أصبح الحدث الصوفي موضوع العديد من التجارب القصصية والروائية في السنوات الأخيرة، كونه يعكس رؤية فلسفية وروحانية لا تخلو من الرمزية في هذه الحياة التي يعيشها البشر على كوكب الأرض.
تحاول الكاتبة المصرية هويدا صالح في عملها الروائي الموسوم "عمرة الدار" (2007) أن تنسج خليطا بين ما هو خطاب سردي وما هو خطاب صوفي بالدرجة الأولى، لولوجها عالم الأولياء والجن والموروث الروحي الكامن في اللاوعي الذي ألبسته لجملة من الشخصيات تعيش في الصعيد المصري.
تحضر جملة من المؤشرات الكراماتية في نص هويدا صالح منذ الصفحات الأولى، أين يتحقق حلم الطفلة سلوى برؤية الشيخ علي صاحب المقعد البحري وهو يؤم أهل الخطوة في صلاة الفجر، كما نقرأ ذلك على لسان السارد: "وبعد أن نامت الجدة. تسللت من جانبها. ذهبت إلى القاعة البحرية، وبرهبة نظرت من ثقب الباب رأت أجسادا تتمايل، وأصواتا تهمس أحيانا، وتعلو أخرى والحجرة يملؤها ضوء أبيض." (ص 07).
ظلت الطفلة سلوى الفضولية تبحث لها عن أجوبة لأسئلتها التي لا تنتهي، كما هو شأن سؤالها للجدة عن لغز عمرة الدار الذي يعكس عنوان هذه الرواية، كما نقرأ ذلك في المقطع السردي الموالي: "جلست الصغيرة بجانبها، فأبعدتها بيد حانية عن مدخل الفرن، ذكرت اسم الله قبل أن تدب الرأس الحديدي في التراب المتراكم من المرة الفائتة، أبعدت التراب عن فتحة الفرن وأشعلت النيران ولم تنسى أن تقول لساكنيه: 'لموا عيالكم النار جيالكم'. سألتها الصغيرة دهشة:
- هو فيه حد بيسكن الفرن يا جدتي؟!
قالت:
- أيوه، عمرة الدار." (ص 16).
يظهر الاتجاه الصوفي جليا في شخصية الشيخ صالح الذي جمع بين علوم الشريعة وعلوم الحقيقة، فهما وجهان لعملة واحدة في نظره، وهو الذي وجد نفسه يعمل في أفندة قليلة تبقت من أملاك أسرته: "من ينظر إلى الشيخ صالح وهو يمسك بالفأس ويعلو بها في الهواء ثم ينزل بها، ليقطع بعض الأخشاب ليتدفأ بها أو يصنع منها أوتادا للبهائم، ويربط وسطه بطرف جلبابه ويعتدل من فترة لأخرى ليجفف عرقه أو يشرب بعض الماء من القلة التي يلفها بقطعة خيش يحرص على أن تظل مبللة، حتى تحافظ على برودة الماء لا يصدق أنه نفس الرجل الذي يتوسط حلقة الذكر ويعلو صوته بالإنشاد بقصائد ابن الفارض أو ابن عربي." (ص 18).
ابنه الثاني عمر تزوج ابنة شيخه أما ابنه الثالث النضر فقد تزوج هو الآخر ابنة عمه فايزة، ورغم ذلك عرفه الجميع بعلاقاته مع نساء أخريات فسلوك شخصيته يخالف المتصوف الزاهد، كما نقرأ ذلك في المثال السردي التالي: "كان النضر لا يصلي إلا الجمعة والأعياد. لا يشاركهم في الأذكار، ولا هم له إلا جلسات الأصدقاء، وشرب الحشيش والجري وراء النسوان، وأبوه يوبخه دائما حين يفيض الكيل ويتهمه بأن ذيله نجس." (ص 19).
تتخلل هذا العمل الروائي انفعالات العديد من الشخصيات الجاذبة للمتلقي، كما هو شأن شخصية الحاجة دولت التي رأت فيما يرى النائم الشيخ علي - ساكن المقعد البحري- يطفئ مصباح القاعة ويغادر المنزل، فنادته لكنه رحل وتركها فاستيقظت مرعوبة: "كان مازال يختم صلاته أخبرته بانطفاء المصباح والشيخ الغاضب الذي غادرهم. ثقل هذا على نفسها. شعر صالح بالحزن، لأنه لم يقم ختمة للقرآن منذ فترة طويلة. الظروف المالية للأسرة لم تعد تكفي، وإخوان الله يزيدون كل يوم." (ص 09).
توالت أحداث الرواية تباعا، واجتمع المريدون لإقامة حلقة الذكر احتفاء بساكن المقعد البحري، بينما دولت ونساء البيت يقومون بإعداد الطعام كما نقرأ ذلك في المقطع السردي الموالي: "كانت الحاجة واقفة هي وباقي النساء وراء الباب. رفعت يديها للسماء وعلا صوتها بالدعاء، حتى يمكن لملاك واقف يشاهد الجمع المنتشي أن يطير دعواتها إلى السماء البعيدة ويربت في نفس الوقت بيده الحانية على قلبها ويبرد ناره." (ص 10).
إن انشغال الإنسان بالحديث عن التصوف والروحانيات بلغ ذروته في هذا القرن الأخير، حيث اكتسب من الأهمية في أعين الناس مثلما اكتسبه في القرن الماضي أو أكثر، حيث تناوله الأدباء في القصة والرواية بشكل كبير، واستثمروه في كتاباتهم أيما استثمار كما هو شأن الكاتبة هويدا صالح في "عمرة الدار" التي اختزلت في هذا النص السردي العديد من الإشارات الصوفية التي تفاعل معها الشخصيات ببراعة، كما هو شأن حديثها عن منديل فاطمة التي عادت ذات يوم مفزوعة لما شاهدته حينما ذهبت لملئ جرتها: "بعد مضي أيام ثلاث استيقظوا على رؤية منديل فاطمة مفروشا على الفرن وفوقه مجموعة من الكعك المرشوش على وجهه السكر والسمسم. تحير الجميع إلا الحاجة دولت التي كانت تعد الفطار وترمقهم باسمة. قسمت عليهم الكعك فرفضوا جميعا أكله، ولم يتشجع واحد منهم إلا بعدما أمسكت بكعكة، وقرأت اسم الله عليها وقضمتها بأسنانها البيضاء التي لم تنقص ولو سنة واحدة رغم سنوات عمرها الكثيرة. وزعت عليهم قطع الكعك وجلست تحدثهم عن أهمية احترام هؤلاء السلفيين وعدم التعرض لهم فهم يعيشون بينهم ولهم خصوصياتهم." (ص 36).
إن المكان لا يعيش بدوره منعزلا عن عملية السرد، وإنما يتداخل في ذلك الفضاء الروائي الذي جاء في رحلة النضر من القرية إلى مصر أم الدنيا من خلال حادثة لقاءه بالرجل الغريب: "توسل إليه أن يخبره من هو؟ وماذا يريد منه؟ مسح الرجل بيده الوضاءة على رأسه وقلبه وأمره أن يترك اللهو والعبث. أن يرحل إلى جوار الحسين، ليكون بصحبته ويحيا في خدمته." (ص 55).
ونفس الأمر ينطبق على البشارة التي كانت من نصيب فايزة لزيارة المدينة المنورة، حيث ظهر ذلك في رؤية للشيخ صالح زاره فيها ساكن المقعد البحري وأمره بأخذ صرة لفايزة لتذهب في رحلة لزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما نقرأ ذلك على لسان السارد: "أفاق الشيخ صالح. وجد كيسا ملقى في حجره. تعجب وتذكر منامه. صلى على الحبيب المصطفى وفتحه وجده مملوءا بالنقود. في الصباح أخبر ابنه وقرر أن يسافر إلى النضر." (ص 76).
في الختام، حققت اللغة في رواية "عمرة الدار" خصوصية فنية وجمالية عملت على إيضاح الدلالة الصوفية، التي انعكست بامتياز على مكونات البناء الروائي، حيث نلاحظ أن العناوين الفرعية جاءت معبرة عن محتوى الرواية وأيضا انسجامها مع العنوان الرئيس -عمرة الدار- الذي لم يكن اختياره اعتباطيا من قبل المبدعة هويدا صالح، لأنه جاء بحق عنوانا بعيدا عن المباشرة والسطحية وقريبا من التشويق والإثارة والتحفيز، سيدفع المتلقي حتما لقراءة هذا العمل الأدبي أكثر من مرة واحدة.

المصدر
(1) هويدا صالح: عمرة الدار، الهيئة العامة لقصور الثقافة،2007.
*كاتب وناقد جزائري

حذارِ حذارِ يا نشطاء فلسطين في الشتات من غضبة عباس !! حذارِ حذارِ/ محمود كعوش

محمود عباس يطلب من وزير خارجيته ملاحقة نشطاء الفيسبوك في الشتات بزعم "التشهير به وبسلطته"، ويستعين "بالإسرائيليين" لتحقيق طلبه!!!!

(أعوذ بالله أن يكون لي أي ارتباط أو معرفة بمحمد دحلان، ولست على صداقة ولا عداوة مع الجبهة الشعبية، وباعتبار أنني علماني فلا أظن أن ثمة مجال لاتهامي بتأييد حماس أو أي من التيارات الدينية...أنا كاتب فلسطيني مستقل وضد نهج أوسلو والتسويات الانبطاحية)
******
كما كان مرتقباً فإن الارتدادات السلبية لمشاركة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في جنازة الرئيس "الإسرائيلي" الأسبق الإرهابي شيمون بيريز وبكائه عليه آخذة في التفاعل إلى درجة أنها باتت تنذر بقرب مواجهة حقيقية وحادة بينه وبين سلطته من جهة ومعارضيهما من فلسطينيي الشتات وبالأخص الكتاب والصحفيين والإعلاميين بصورة عامة من جهة أخرى.
وملامح هذه المواجهة أشر إليها طلب رئيس السلطة الفلسطينية من وزير خارجيته رياض المالكي العمل بشكل عاجل على ملاحقة نشطاء فلسطينيين في الشتات عبر الأطر الدبلوماسية بزعم "قيامهم بحملات تشهير تستهدف الرئيس والقيادة الفلسطينية".
ففي طلبه هذا عبر عباس عن غضبه مما أسماه "الحملات الإعلامية التي عملت ولم تزل تعمل على مدار الساعة على استهدافه شخصيا وعائلته والتي يديرها فلسطينيون مقيمون في الشتات ولهم ارتباطات مع القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان ومع حركة حماس والجبهة الشعبية"، حسب زعمه.
وادعى "ان الحملة التي تستهدفه وتستهدف عائلته مبرمجة، وهدفها النيل من سياسة السلام والوحدة للشعب الفلسطيني وانه يوجد في الضفة الغربية من يتعاون مع هؤلاء ويزودهم بالتقارير والصور والفيديوهات اليومية والتي تخضع للتزييف ويتم نشرها عبر صفحات التواصل الاجتماعي" معترفاً بأن أجهزة المخابرات الفلسطينية تتابعهم!! .
واعترف عباس في مضمون طلبه من وزير خارجيته انه طلب من المخابرات الفلسطينية القيام بتزويد الخارجية بملفات تحتوي على تفاصيل أسماء وعناوين هؤلاء النشطاء ، كما وانه طلب من الارتباط "الإسرائيلي –الفلسطيني" المساعدة في اغلاق "هذه الصفحات الالكترونية المشبوهة التي تستهدفه وتستهدف قيادة السلطة"، مضيفاً "أن مكتب الارتباط يستطيع التواصل مع إدارة الفيسبوك وأن المخابرات الفلسطينية زودتهم بالتفاصيل الكاملة عن هذه الصفحات المشبوهة التي تهدد السلام الوطني"، على حد زعمه.
وكانت وسائل إعلام فلسطينية وعربية من بينها على سبيل المثال لا الحصر "شبكة الأخبار الدولية" قد نقلت عن مصدر خاص في وزارة الخارجية الفلسطينية، أن مكتب اللواء ماجد فرج مدير المخابرات الفلسطينية، قد ارسل ملفاً لمكتب الوزير رياض المالكي يحوي تفاصيل عن النشطاء الفلسطينيين المقيمين في الشتات والذين ستتم ملاحقتهم بتقديم شكاوي مباشرة لوزارات خارجية الدول التي تستضيفهم، من "اجل وضع حد لأعمالهم التي تساهم في نشر الفوضى واستهداف القيادة الفلسطينية"!!
وعرف من بين النشطاء الذين وردت أسماؤهم في تقرير المخابرات الفلسطينية والذين سيتم توجيه شكاوى ضدهم باسم وزارة الخارجية الفلسطينية والذين يعتبرهم جهاز المخابرات الفلسطينية "مسؤولين عن العديد من الصفحات الالكترونية الوهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي هدفها استهداف قيادة السلطة والتحريض عليها بقصد الفتنة والتحريض السياسي الممنهج"، كل من:
فادي السلامين، عبد الرحمن هاني، غسان جاد الله، عبد الرحمن ظاهر، وليد النجار، عبد العزيز طارقجي، حنين وردة، حمزة عوض أبو زرد، نضال حمد، ماجد أبو شرار، ماجد الجرار، ياسر الجعبري، علي قراقع، محمود عطايا، نزار بنات، احسان الجمل، طه الحاج، ايمن عودة.
واستناداً لذات المصدر الخاص فإن وزارة الخارجية الفلسطينية قد تقدمت برسالة شكوى خاصة لوزير الخارجية الامريكية جون كيري حول الناشط السياسي فادي السلامين المقيم في الولايات المتحدة وحول ما ادعي عن "نشاطاته في دعم الإرهاب و التحريض ضد السلام الدولي والعلاقات الامريكية الفلسطينية"، حسبما أوردت "شبكة الأخبار الدولية" نقلاً عن المصدر الخاص.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد استبق مطالبته وزير خارجيته بملاحقة نشطاء فلسطين في الشتات بإقدامه على إصدار قرار أعفى بموجبه مدير العلاقات العامة في الارتباط العسكري الفلسطيني الضابط برتبة مقدم أسامة منصور من وضيفته وأحاله للتقاعد، بعد أن أصدرت محكمة عسكرية قرارا بحبسه سنة بسبب ما قيل عن "عدم انصياعه للأوامر"، وفق مصادر امنية وحقوقية فلسطينية.
وكانت قوة من الاستخبارات العسكرية الفلسطينية قد اعتقلت المقدم منصور البالغ من العمر 49 عاماً، إثر قيامه بنشر تعليق له على حسابه الخاص على الفيسبوك انتقد فيه عباس بسبب مشاركته في جنازة الرئيس "الإسرائيلي" الأسبق شيمون بيريز. وكتب الضابط في تعليقه موجها حديثه للرئيس محمود عباس "إذا قررت المشاركة بجنازة قاتل أبنائنا وحدك فقد أخطأت، وإذا قررت ذلك بناء على استشارات فقد ضللوك".
يذكر أن رئيس السلطة الفلسطينية الذي يلاحق الآن أبناء شعبه بسبب استنكارهم لمشاركته في جنازة الصهيوني قاتل أطفال ونساء فلسطين ولبنان شيمون بيريز وبكائه عليه، كان قد تعهد في مقابلة أجراها معه المحاور السياسي اللبناني البارز مرسيل غانم في وقت سابق وبثتها محطة تلفزيون "أم تي في" اللبنانية بالاستقالة فوراً ومغادرة منصبه "مجرد أن يشهد الشارع الفلسطيني تحركاً شعبياً ضده، حتى لو اقتصر على عشرة شبان فلسطينيين فقط" !!
حذارِ حذارِ يا نشطاء فلسطين في الشتات من غضبة عباس !!
حذارِ حذارِ !!
محمود كعوش
kawashmahmoud@yahoo.co.uk

مصرع أيديولوجيا اليسار على أرض العرب الطلياني واللاز وجهان لعملة واحدة/ ابو يونس الطيب

الفصل الثالث

 نعكاس الفشل السياسي في كتابات الأدباء اليساريين العرب.

فاليساري العربي الذي يؤكد أحدهم بالقول "قلَّما تُصادف يساريًّا إلا وتجده يعتقد في نفسه بأنه المفكِّر الإيطالي"، "أنطونيو غرامشي[1]"   اعتمد على ترجمة الفكر الشيوعي الغربي دون زيادة أو نقصان وشرع يطبقه على واقعه العربي محاولا صناعة الثورة دون أن ينتج فكريا ثوريا يتماشى وواقعه المعاش ولأن النضال السياسي لليساريين في العالم العربي لم يفلح البتة فقد تحول نزوع الطبقة المثقفة داخله إلى انتقاد الأنظمة القائمة  حتى صار مجرد مرض مهني مثلما عبر "ريمون أرون "[2] وهكذا  ظل اليساري العربي يراوح مكانه فوجد نفسه بين نفور شعب ذي انتماء إسلامي مخالف تماما لمنظومتها الفكرية وبين إغراءات أنظمة ديكتاتورية تحكم باسم  الاشتراكية والوطنية فاستهوت أكثرهم وهكذا تحولوا من ثوريين راديكاليين إلى مدافعين عن الأنظمة ومثيري شائعات ضد أصدقاء الأمس متخذين من التنظير الثوري القومي والإسلامي عدوا لدودا للإنسانية خاصة وأنهم تبوؤوا مناصب عليا في ميدان الإعلام والثقافة بمختلف أسلاكه مبررين تغيير مواقفهم  بما قاله إنجلز: "إذا لم يكن المناضل الشيوعي قادراً على أن يغير أخلاقه وسلوكه وفقاً للظروف مهما تطلب منه ذلك من كذب، وتضليل، وخداع - فإنه لن يكون مناضلاً ثورياً حقيقيا"[3]

ولاشك أن تصرف عبد الناصر بطل رواية الطلياني تُجسد هذا المنحى بوعي من المبخوت أو من دون وعيه ,إذ نجده كشخصية يسارية  تسلك الطريق ذاته في تغيير موقفها بهدف التقارب مع الفكر البورقيبي أو السلطة القائمة كإعلامي ينشر معهم في جريدة واحدة لأن الأنظمة السائدة آنذاك كانت هي الأخرى تحكم باسم الثورة ذاتها ووقف التنظير نفسه .ويتجلى التوافق في الرؤى والأهداف في الرواية بين اليساريين والحكم البورقيبي في تلك العلاقة الحميمية والحب والاحترام المتبادلين وتقارب الرؤى إلى حد التوافق بين "الطلياني" اليساري و"عبد الحميد" مدير الجريدة.[4].  من باب تغيير السلوك تماشيا مع الظروف تماما كما أوصى "انجلز" ولهذا فالشيوعيون لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم، وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم. يقول لينين في رسالة بعث بها إلى الأديب الروسي مكسيم جوركي: إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء، إنما الشيء المهم هو أن يصبح الربع الباقي شيوعياً[5]
وفي اللاز ورغم أن الاشتراكية كمنهج اقتصادي شيوعي هو الذي سارت عليه بالجزائر حقبة من الزمن 1965/1988 وفق تنظير اعتقد انه  يتماشى ومعتقدات الشعب الجزائري المسلم ولكن أصحاب الفكر الشيوعي كانوا يضمرون رفضهم  معتبرين أن تطبيق الشيوعية في الجانب الاقتصادي هو تبعيض لا يكفي ما لم يمس الجانب الأخلاقي  .. وهو ما انعكس قي رواية اللاز كانهزامية في شكل تمرد إعلانا لرفض وطار من منطلق إيديولوجيته الشيوعية وحتى يعبر من خلال رواية اللاز عن رفضه لترويض الشيوعية وفق مفاهيم إسلامية التي روج لها الكثير من المثقفين بمختلف مشاربهم مهم الدكتور يوسف عز الدين في كتابة الاشتراكية والقومية وأثارها في الأدب الحديث وهي عبارة عن محاضرات ألقاها أمام الطلاب دافع فيها عن المذهب الاشتراكي حيث نجده يقول : "ويجب أن يتخذ الكاتب الاشتراكي العربي الاشتراكية عقيدة عمل في سبيل تطوير أمته وليست سبيلا فنيا أي أن الأدب الاشتراكي يجب أن يكون فلسفة يؤمن بها الأديب وأسلوبا لمعالجة المشكلات العربية وتوسيع الأفاق أمام الفكر العربي بعيدا عن كل طريقة شخصية" [6]وحتى بعض علماء الإسلام ومنهم الشيخ محمد الغزالي الذي روج للاشتراكي من منظور إسلامي  في كتابه الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين حيث يقول :"لقد نشرت بحوثا مستفيضة عن حقيقة النظام المالي في الإسلام أو ما سميناه على سبيل التجوز (الاشتراكية الإسلامية )"[7]ورغم ذلك فإن الطاهر وطار كتعبير واع عن رفضه وفي انهزاميته الواضحة دأب إلى التضحية ببطل روايته الشيوعي زيدان كجسد تعبيرا منه عن واقع الحال وحتى يكسب تعاطف القارئ ويضمن استمرار التنظير الشيوعي.فانكفاء وطار هنا كان لظروف واقعية عن لغة الانتصار وصنع من  زيدان بطلا مات ثابتا على عقيدته الشيوعية ولكن أليس الذي ضحى هو بطل من ورق وإن الحقيقة هي بقاء الراوي (الطاهر وطار) وانضوائه تحت لواء جبهة التحرير الوطني  من باب تغيير السلوك تماشيا مع الظروف تماما كما أوصى "انجلز"

* * *

انتهاج السياسة الثقافية كحل لكساد المشروع السياسي الشيوعي

أو التحوُّل إلى "الحرب الثقافية"

إنّ الحرص الكبير الذي أولاه وطار و المبخوت في روايتيهما لتفسير أفكار وعقائد ورؤى الشيوعية ومحاولتيهما إسقاط هذا التنظير على الواقع إلى درجة الحشو ما هو إلا امتثالا لتوجيهات لينين للأدباء في مقال له بعنوان:"تنظيم الحزب وأدبه"حيث يقول : " لنتخلص من رجالات الأدب غير الحزبيين ، لنتخلص من هواة الأدب المثاليين . على قضية الأدب  أن تصبح جزءا من القضية العامة للبروليتاريا ، وجهازا صغيرا من الآلة الاشتراكية الديمقراطية الموحدة والكبيرة التي تحركها الطليعة الواعية للطبقة العاملة كلها .على النشاط الأدبي أن يصبح عنصرا مؤلفا لعمل حزبي اشتراكي ديمقراطي منظم [8]" .ومن  الأمثلة الصارخة التي تدل على مبدأ  " الإلزام القهري " الذي تفرضه الشيوعية على المفكرين والأدباء  والمبدعين  هو ذلك الانتقاد الشديد الذي تعرضت له رواية( دكتور زيفاجو ) للكاتب الروسي " بوريس  باسترناك " التي كانت حسب رأي كاتبها انعكاسا أمينا لضميره ومشاعره ، وتعبيرا صادقا عن رؤيته للواقع والإنسان والحياة استوحى مادتها من الحقائق التي لمسها بنفسه فأثارت ثائرة المفكرين والكتاب الشيوعيين الرسميين ، فراحوا يصفون مؤلفها بأنه " خائن " و " رجعي" ، و " مرتد " وهرطيق و عدو  لبلاده  . وطرد بسب ذلك من كل تجمعات الأدباء بالاتحاد السوفيتي و كتشجيع له من الغرب نال جائزة نوبل "[9]

وبعد هذا التراجع للكثير من الأدباء والمفكرين وتنصلهم من الشيوعية الذي يُعد بداية للانهيار وفشلا ذريعا يرجعه فقهاء السياسة  إلى" استمرار عملية التنظير الثوري طويلا من دون ثورات أو تغيير ملموس الأمر الذي جعلها تفقد مكانتها لدى الرأي العام وفي الشارع "العربي" حتى بات لفظ ثورة مثيرا للسخرية بسبب فشل الشيوعية في أوربا ولأن التنظير الثوري استعمل هو الآخر في الانقلابات العسكرية وبعض حركات التحرر التي تحول أغلبها إلى ديكتاتوريات فلم تفقد كلمة ثورة بريقها فحسب بل فقدت المضمون أيضا وتحولت إلى مفردة ميتة في خزانة اللغة الحزينة"([10])  وهو ما جعل اليساريين في الغرب وتحت ضغط الاندثار يعيدون النظر في  الكثير من مناهجهم بدءا من الشيوعي الايطالي "انطونيو غرامشي "الذي حاول إخراج المثقف من دائرة البروباغندا السياسية ذات التوجه الاقتصادي إلى الوجهة الثقافية إذ يرى الغربيون المحافظين خاصة المناهضون للشيوعية أنه " بعد أن فَشِلَت الماركسية الاقتصادية، رأَى "غرامشي" أنَّ الطَّريق الوحيد لضَرْب المجتمع الغربي هو التحوُّل إلى "الحرب الثقافية"، وذلك بالتَّسلُّل إلى مؤسَّساته القائمة، فصاغ مخطَّطًا يقود إلى تدمير الثقافة والعقيدة الغربية، وتقويض البناء الاجتماعي القائم من داخله([11]) وانتهاء بالأمريكي  "ميكائيل والزر" الذي انتقد الفكر الشيوعي ثم أعاد صياغته حيث أعطاه صبغة أكثر تحررية حتى من الفكر الرأسمالي نفسه بمعنى أنه ألغى ثقافيا الالتزام بالفكر الجماعي وصنع من التحرر شعارا فوقيا ([12])

 الطلياني/اللاز :من التناص كظاهرة ايديولوجية إلى كل أنماط التناص الأخرى

إن التوجه الجديد المعتمد على الهيمنة الثقافية (منهج غرامشي) داخل المجتمعات تبناه أيضا المثقفون الشيوعيون العرب وهو ما ظهر بشكل جلي وواضح في كل إصداراتهم الأدبية فتشابهت كتاباتهم حد التماثل و التناظر لتشابه الخلفية الأيديولوجية فالرواية التي بين أيدينا "الطلياني "تكاد تكون نسخة طبق الأصل لرواية "اللاز"للروائي  الطاهر وطار الصادرة في فترة السبعينيات من القرن الماضي( 1974)أي عند نشأة الرواية الجزائرية اصطدمت بالتقاطب بيْن المعسكريْن الرأسمالي والاشتراكي. ولما كانت البلاد قد خرجت من حرب وانحازت إلى القطب الاشتراكي كان طبيعيا أن يحتل الخطاب الجديد مركز الصدارة"[13].  التي طبع عليها النضال الثوري اليساري خاصة ليبرز صراعا طبقيا في أغلبه وهمي . ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين روايتي اللاز والطلياني لوجدنا أن هناك تناص حقيقي في تركيبة الشخوص وسيران الأحداث ناهيك على المفردات والألفاظ والمفاهيم والنظريات اليسارية الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية المتوغلة في فلسفات معقدة ترى القوانين والقيم الأخلاقية مجرد أوهام وهو تجسيد لمفاهيم الالتزام من خلال الطرح الماركسي، الذي يؤكد على أنها موجودة "بالقوة" في كل أدب ينشئه الأديب[14]

الملاحظ بقوة هو أن هذا التوجه الخطابي "أيديولوجيا ذات توجه سياسي " الذي لمسناه في رواية الطلياني لشكري المبخوت الذي يشبه إلى حد التناص ما في رواية اللاز هو مفهوم يقينا فرضه مبدأ التحزب لديهم كيساريين عرب الذي لا يقبل أن يكون أي إنتاج أدبي يساري إنجازا فرديا مستقلا عن القضية البروليتارية المشتركة"[15] وشعارهم في ذلك "ليسقط الكُتاب الغير متحزبين "[16]  من هذا المنطلق فإن رواية الطلياني أو رواية اللاز للطاهر وطار ليستا إنجازا فرديا بالمعنى المتعارف عليه بل هو إنجاز جماعي وفقا للمفهوم الاشتراكي لأنه يخدم الفكر الجماعي وما يؤكد ذلك هو تشابه كتابات اليساريين من حيث المتن الحكائي(الحكاية الخطاب) وبنية الرواية (الأحداث الفضاءين الزماني والمكاني الشخصيات واللغة)  البنية السردية (مراحل الفعل السردي ) والبنية التبليغية (المرجعيات النصية ) وسنكتفي بالتعرض لهذه الجوانب باستنباطها دون التعرض لها في قراءتنا لأيديولوجية النصين من حيث تفسيرهم المادي للتاريخ حيث اعتمدا الاثنان  في تفسيرهما للأحداث على المادة كأساس للصراع بين أفراد المجتمع منطلقان من نظريات اقتصادية  شيوعية معادية للبرجوازية وهذا ما جسده وطار حين  صنع من الثورة التحريرية (كحدث ) تاريخي هو مجرد ثورة جياع ضد نظام إقطاعي وهو نفس النهج الذي انتهجه المبخوت في تفسيره الأحداث السياسية التاريخية المتمثل في نضال الحركات الإسلامية التي  أرجع السبب في ذلك إلى إساءة التعامل مع الملف الاقتصادي من طرف السلطة في حين أن نضالها كان عقائديا وهو المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية . ليجسدا بذلك شعارات الشيوعية القائم على الصراع الطبقي بمفهومه الاقتصادي الذي يهدف إلى سحق البورجوازية هذه الكلمة التي تكررت في الروايتين بشكل لافت .

* * *

العنونة كترويج للشخصية النمطية  في اللاز والطلياني

يمكن استنطاق عديد الرؤى في عنونة الروايتين فالأول أراد لعنوانه أن يحمل اسم الطلياني فانسلخ بذلك عن قوميته العربية بل ونجده موضع شك في منبته فهل هو "لقيط"  ثمرة خيانة زوجية غير معلنة "المسكوت عنه " في الرواية وإلا فما تفسير تلك الأسئلة الكثيرة التي طرحت عن ملامحه الايطالية وعن علاقته والدته بالمجتمع الأوربي وحتى تلك العلاقة المتوترة التي تربطه بأمه نجدها تدعم هذا التوجه خاصة وأنها تلازمت مع عبارة" ولد الحرام" التي ترددت كثيرا  وكذلك اللاز فهو كنية كالطلياني تماما فإن كان اسم الطلياني يوحي بالمافيوية لما للمافيا من التصاق بالايطاليين وهو رغم ثقافته اليسارية الموغلة في الفلسفة فإنه شب حاقدا على المجتمع متمردا عليه ساخرا من تراثه فإن اللاز الذي هو نقل حرفي للفظ الفرنسي ( l’as) و دلالته " أنه في القديم كان يطلق على الجزء الأدنى من العملة و يطلق على العدد المفرد في أوراق لعب القمار " ([17]) و تعني في دلالتها العامية الجزائرية الشخص ذا النزعة الشيطانية المتفردة و الغريبة . فهو اسم لا يمت بصله لقاموس أسماء المجتمع الجزائري وهو أيضا لقيط ابن زنا شب حاقدا على كل ما حوله فكان شريرا  اعتمد السطو والاعتداء والسرقة طريقة للانتقام وكسب رزقه ولكن يفترقان في كون الطلياني مثقفا يساريا حد النخاع بمرجعية ماركسية لينينية فلسفة وإيديولوجيا تماما كشخصية زيدان الشيوعي الأحمر كما روج لها وطار في اللاز ولكن يلتقي ب"اللاز" من حيث كان يحلم بأن يكون أحمر على نسق أبيه [18] إذن فشخصية الطلياني تمثل شخصيتي اللاز وزيدان على حد سواء فهو يشبه اللاز في شذوذه وارتكابه المعاصي وتردده على المخمرات وبنات الهوى وفي العقدة النفسية التي تحرك الشخصيتين "اللاز/الطلياني" فاللاز" يتصرف بعقلية اللقيط .يكره المجتمع ويريد الانتقام هو الآخر مثل الطلياني الذي يتحرك من كونه ضحية اعتداء جنسي  La pédophilie ورغم هذه السلبية في التركيبة النفسية للبطلين فقد مارس المبخوت كما وطار ما يسمى بإيديولوجية التضليل لتقديمهما كشخصيتين نمطيتين فسعى وطار سعيا ليصنع من اللاز الصورة النمطية للجزائري حيث يقول وهو يصف اللاز إنه (بذور الحياة كالبحر لا إنه كالشعب برمته الشعب ، المطلق بكل المفاهيم )  ([19]) تماما كما شكري  المبخوت الذي صرح في برنامج  Récap  قائلا: " أن روايته إنما أحبها التونسيون والشباب التونسي بالأخص لأنه وجد في شخصية الطلياني نفسه وبمنظور أكاديمي فإن الراوي في اللاز والطلياني شبه المروي له بالمروي وهو بذلك يريد إضفاء الشخصية العربية على البطل الشاذ

* * *

المضمون  الشيوعي ومبعثه في روايتي الطلياني واللاز

يجمع فقهاء السياسة في العالم أجمع على أن اليسار العربي لم يستطع استقطاب الأجيال المتعاقبة رغم أن بدايات ظهوره تعد أقدم من غيرها من التيارات الوطنية والإسلامية التي ظهرت فيما بعد بل كان في أغلب الفترات لوحده بالميدان ورغم ذلك كان التباعد يزداد يوما بعد يوم بين الطبقة المثقفة داخله والأطياف الأخرى وأمام تزايد حالة الإرباك الفكري الداخلي ونتيجة التيه  الأيديولوجي ، انبرى الإعلاميون والسياسيون تحت لواء الأنظمة واكتفوا كما ذكرنا بمناصب داخل المنظومة الإعلامية ،الثقافية والسياسية وأما الأدباء من روائيين وشعراء ومسرحيين فإنهم وجدوا في السرد ضالتهم لأن الكثير من الأدباء إنما يبدعون بغرض التنفيس عن الهموم والرغبات والعواطف،وهم لا يكتفون بهذا، بل يعمدون إلى توصيل أعمالهم إلى الغير ليعيش معهم التجربة "فقد قيل"،مثلاً إن "غوته" حرّر نفسه من آلام العالم بتأليف "آلام فرتر"، وأنّ الشاعر ديموسيه كان يلجأ إلى الشعر لإنقاذ نفسه من الانتحار"([20]) وفي هذا يقول ابن قتيبة «وللشعر دواعٍ تحث البطيء وتبعث المتكلف، منها الطمع، ومنها الشوق، ومنها الشراب، ومنها الطرب، ومنها الغضب»[21] ومن هنا نجد أن الدافع وراء عمليات القفز على الواقع التي يقوم أدباء اليسار كحركة لنفي الواقع  ما هي إلا ردود أفعال نتيجة فشل المشروع الشيوعي في القيادة كانتقام من واقع رفض تبني أفكارهم فإذا كان الحزب الشيوعي الجزائري المبجل في رواية "اللاز" فقد ثقة الشعب الجزائري منذ النشأة رغم الشعارات البراقة التي كان يتبجح بها لأن سياسته العامة المستوحاة في أصلها من  المد الشيوعي العالمي لا تتوافق مع مصلحة الشعب الجزائري بما يحمله من تراث عربي إسلامي وهو ما بدا عند المحك الحقيقي أي اندلاع ثورة التحرير حيث ظهرت حقيقة امتداده للحزب الشيوعي الفرنسي ، حين أصدر بيانا يوم 02 نوفمبر 1954 أعلن معارضته للثورة التحريرية وصفها بالعمل المنفرد الذي سيؤدي بالشعب إلى الهلاك رافضا الالتحاق بصفوفها محرضا الشعب الجزائري على عصيان أوامرها ومقاطعتها وداعيا للتعايش بين المجتمعين الفرنسي الجزائري في إطار حل ديمقراطي"سياسة الإدماج"  ، ([22]) أما موقفهم قبل الثورة والتي بدا فيها شيء من الوطنية فقد كان قائما على خطة انتخابية فقط  .فقد أيدوا الإصلاحات لأنها تمنح مليونا ونصف من الجزائريين حق التصويب وقد انكشف زيفهم بعد أحداث 1945 حيث واصلوا تأييد سياسة الإدماج ولكن الانتخابات فيما بعد خيبت آمالهم لأن الشعب لم يمنح صوته لدعاة الإدماج " [23] , ونفس الشيء بالنسبة للمبخوت إذ وجدناه يمجد اليسار في تونس في حين أن هذا التيار  ظل يناضل ضمن طبقة العمال والطلبة ليؤسس أول حزب ماركسي في تونس تحت اسم « حزب العمّال الشيوعي التونسي« ، سنة 1986.  ورغم أن مواقفه اتسمت بالحدة إلا أن  شعبيته في الشارع التونسي كانت تكاد تكون منعدمة وقد أظهرت نتائج الانتخابات ما بعد الثورة  أيضا محدوديته داخل المجتمع التونسي .

إنّ التوجه الجديد المعتمد على الهيمنة الثقافية (منهج غرامشي) داخل المجتمعات تبناه أيضا المثقفون الشيوعيون العرب وهو ما ظهر بشكل جلي وواضح في كل إصداراتهم الأدبية فتشابهت كتاباتهم حد التقابل و التناظر لتشابه الخلفية الأيديولوجية  فالرواية التي بين أيدينا "الطلياني "تكاد تكون نسخة طبق الأصل لرواية "اللاز"للروائي  الطاهر وطار الصادرة في فترة السبعينيات من القرن الماضي( 1974) التي طبع عليها النضال الثوري اليساري خاصة ليبرز صراعا طبقيا في اغلبه وهمي . ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين روايتي اللاز والطلياني لوجدنا أن هناك تشابه حد التناص في تركيبة الشخوص وسيران الأحداث ناهيك على المفردات والألفاظ والمفاهيم والنظريات اليسارية الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية المتوغلة في فلسفات معقدة وكلها تجسد مفاهيم الالتزام من خلال الطرح الماركسي، الذي يؤكد على أنها موجودة "بالقوة" في كل أدب ينشئه الأديب[24]

قبل شكري المبخوت صبغ الروائي الجزائري الطاهر وطار ذي النزعة الشيوعية على"زيدان" أحد أبطال رواية  "اللاز" بصفة البطولة والمثالية المطلقة فصنع منه المحور الأساسي الذي ترتكز عليه الرواية فهو المجاهد والقائد الذي لم ينضم للثورة المسلحة بدافع ديني أو وطني مثل كل مجاهدي جيش التحرير الذي انطلقوا وشعارهم الله اكبر ولكن "زيدان" هذه الشخصية اليسارية التي ولدت في رواية وطار كاملة منذ البداية" [25] فقد انضم للثورة بدافع إيديولوجي أممي وبقناعات حزبية بعيدة كل البعد عن ثوابت أمته  فكان بطلا فذا يخطط للمعارك ويخوض حربا نفسية لزرع الرعب في نفوس جنود فرنسا " يقين أن الأحمر اللعين هو الذي يخطط لهم تدرب في صفوفنا وتثقف في مدارسنا وسبقتنا إليه موسكو "([26]) .وأيضا مربيا وزعيما روحيا يلهم محيطه بالوعي الثوري والفكر التقدمي ويعمل على تنمية عقول جنوده وتعلمهم بل وقد أوجده "وطار

" منظر أوحد"الرفيق الزعيم " لثورة التحرير الجزائرية من بعدما سرد تفاصيل حياته الشيوعية إذ تربى في  أحضان مدرسة إطارات الحزب الشيوعي الفرنسي ، و مدرسة القيادات الحزبية بروسيا وبعد أن نال ثقة قيادة الأحزاب الشيوعية في فرنسا والاتحاد السوفيتي [27] التحق بالثورة المسلحة ليؤثر في كل من حوله فحتى اللاز ابنه اللاشرعي الشخصية "عنوان الرواية" ما كان ليتغير من النقيض إلى النقيض لولا ماركسية أبيه زيدان وأخيرا يصنع وطار من  بطله الورقي شهيدا وضحية لجهل قيادات جبهة التحرير الوطني مجسدا من قصة موته ملحمة بطولية مثالية إذا مات وهو يهتف بسقوط الامبريالية الاستعمارية والرجعية ".وينشد نشيد الأممية وفي المقابل صنع من مجاهدي جيش التحرير جُهالا ينقصهم التفكير الواضح والوعي السياسي ينتصر عليهم ويربكهم في كل مناقشاته معهم بل ونجد الروائي يتهكم بسخرية على لسان زيدان من كل طبقات المجتمع حتى البروليتاريا حيث يسرد ما يلي " بذلت قصارى جهدي لأنفخ فيه روح الطبقية ، وقد تطور بنسبة أربعين بالمائة " ([28])." عملت على تطويره ، حتى أصبح يخجل من نفسه كلما تذكر ، ترهاته " ([29])وبنظرة فوقية متعالية يصف المجتمع الجزائري بالقول :"مجتمع أشد تخلفا من مجتمعات القرون الوسطى ، مجتمعا تطمسه البداوة ،رعوي ضارب في التأخر والانغلاق " ([30]) معتبرا المجتمع الجزائري كله بروليتاريا حسب مفهومهم متجاهلا أن  هذا المجتمع المنغلق المتخلف هو الذي فجر الثورة وهو الذي احتضنها وخاضها ببسالة ضاربا أروع البطولات
وكتناص على خطى وطار صنع  المبخوت من شخصيتي "عبد الناصر"المناضل الصلب المبدئي الذي يستقطب الطلاب الجدد و "زينة"المتحرية بطلين يساريين يكملان بعضهما البعض  فزينة لعبت دور الأمريكي "ميكائيل والزر" Mechael walzer الشيوعي المتحرر أو المتحرر الشيوعي (communautariste libéral) أو (Libéral communautariste)كما يصف نفسه وكما تصف زينة نفسها حيث تقول في إحدى حواراتها مع عبد الناصر "أنا حرة في نقد اليسار واليمين "[31] فكانت مثله تنتقد  الفكر الشيوعي وتعيد صياغته في حواراتها بتحررية الفكر الرأسمالي ورغم الانتقاد الذي وجهته لخط اليسار التونسي فإنها كانت تلتقي مع عبد الناصر "وافقته في جانب من تحليله "[32] فهي كشخصية ورقية داخل المتن الحكائي نجدها تجسد قولا وفعلا تلك الإنجازات التي يرى"والزر" أن اليسار حققها منذ الستِّينيات من القرن الماضي والتي عددها  في دورِيَّة "المعارضة الماركسية التي لخصها في التأثير الظاهر للحركة النسوِيَّة على المجتمع والظهور العلَنِيُّ لسياسات حقوق الشَّواذِّ (المثلية) ، وشرعية الإجهاض، تغير تركيبة الحياة الأُسَرية،و الأعراف الجنْسيَّة وتراجع دور القيم الدينية في حياة الناس  وتقَدُّم العلمانية ([33]).ولو راجعنا تاريخ النضال الشيوعي العربي لوجدناه يصبو إلى  الأهداف ذاتها حيث يرى اليسار التونسي أن "العلاقات الجنسية الأخلاقية الوحيدة هي العلاقات القائمة على الحبّ "([34]) بغض النظر عما إذا كان بين مثيلين أو غير ذلك .

* * *
[1]مجلة الالوكة مقالة بعنوان اليسار: عدو خطر (قراءة في وثيقة أمريكية)د. أحمد إبراهيم خضر تاريخ 27/6/2010

[2] Raymond Aron , The Opium of the Intellectuals ; Translated by T erence Klimartin Norton Library;N106 New Work w.w.Norton;1962.210

[3]  عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير - الاستشراف - الاستعمار، دار القلم – دمشق الطبعة: الثامنة، 1420 هـ - 2000 م ص441

[4]شكري المبخوت رواية الطلياني ص209
[5] مانع بن حماد الجهنى - الموسوعة الميسرة في الأديان و المذاهب و الأحزاب المعاشرة  دار الندوة العالمية للطباعة النشر والتوزيع  المجلد الثاني  الطبعة الرابعة 1420 ه ص921

[6]محاضرات الدكتور يوسف عز الدين ألقاها على طلبة فسم البحوث والدراسات الأدبية واللغوية بجامعة بغداد جمعها في كتاب بعنوان الاشتراكية والقومية وأثارهما في الأدب الحديث  1968  ص 17

[7]الشيخ محمد الغزالي كتاب الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين طبعة جديدة ومحققة 17 نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ص 17

[8] أ.د/ جابر قميحة الأدب الإسلامي في حضور الأدب الآخر  موقع رابطة أدباء الشام 14 تموز 2012

 [9] أ.د/ جابر قميحة   من المذاهب الهدامة "الشيوعية" منشورات رابطة أدباء الشام 07شباط2009

[10]دراسة  عن المثقف والثورة  عزمي بشارة " مجلة تبين العدد 4 " مايو 2014 صفحة  19

[11]مجلة الالوكة مقالة بعنوان اليسار: عدو خطر (قراءة في وثيقة أمريكية)د. أحمد إبراهيم خضر تاريخ 27/6/2010

[12]   Justine LACROIX © La pensée politique de Michaël Walzer (2001) SwissPolitical Science Review 7(1): 83-93  Introduction

 [13]حداثة  الكتابة الروائية  في رواية  ” أعوذ بالله ” للسعيد بوطاجين  / بقلم د . مخلوق عامر مجلة مسارب   بتاريخ 26 ديسمبر, 2013

[14]الدكتور حبيب مونسي القـراءة و الحداثـة مقاربة الكائن والممكن في القراءة العربية من منشورات اتحاد الكتاب العرب 2000

[15] انظر الواقعية الاشتراكي في الأدب والفن ص 23  فيفي كتاب دراسة نقدية  الطاهر وطار تجربة الكتابة الواقعية الرؤية نموذجا  المؤسسة الوطنية للكتاب ط 1989 ص13 لواسيني الأعرج

[16]نفس المرجع

[17]الطاهر وطار ,اللاز , الشركة الوطنية للنشر و التوزيع , الجزائر , 1981 , ص120

[18]الطاهر وطار ,اللاز , الشركة الوطنية للنشر و التوزيع , الجزائر , 1981 , ص97

[19]الطاهر وطار : رواية اللاز ، ص82

[20]شايف عكاشة، اتجاهات النقد الأدبي المعاصر في مصر، ص127

[21]الشعر والشعراء لابن قتيبة الطبعة الأولى، قسطنطينية  1282 هـ ص8 - 9

[22]محمد حربي: جبهة التحرير الوطني، الأسطورة والواقع، ترجمة كميل داغر-ط1مؤسسة الأبحاث العربية- دار الكلمة للنشر، بيروت، 1983،ﺹ 122

[23]الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945 الجزء الثالث  ابو القاسم سعد الله ص 252

[24]الدكتور حبيب مونسي القـراءة و الحداثـة مقاربة الكائن والممكن في القراءة العربية من منشورات اتحاد الكتاب العرب 2000

[25]انظر الواقعية الاشتراكي في الأدب والفن ص37  فيفي كتاب دراسة نقدية  الطاهر وطار تجربة الكتابة الواقعية الرؤية نموذجا  المؤسسة الوطنية للكتاب ط 1989 ص13 لواسيني الأعرج

[26]الطاهر وطار: رواية اللاز ص 42

[27]الطاهر وطار : ،رواية اللاز، ص206.

[28]الطاهر وطار: رواية اللاز ، ص 173

[29]الطاهر وطار: رواية اللاز ص  174

[30]الطاهر وطار : رواية اللاز ، ص109

 [31]شكري المبخوت رواية الطلياني ص60

[32]شكري المبخوت رواية الطلياني ص59

[33]مجلة الالوكة مقالة بعنوان اليسار: عدو خطر (قراءة في وثيقة أمريكية)د. أحمد إبراهيم خضر تاريخ 27/6/2010

[34]الموقع الرئيسي للحوار المتمدن مطارحات حول قضيّة المرأة العدد: 2245 - 2008 / 4 / 8
 حقوق المرأة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات  الحزب الشيوعي التونسي

أرض النفاق/ الدكتور ماهر حبيب

من سيكسب الإنتخابات الأمريكية الرئاسية ؟
هل هو ترامب أم كلينتون؟
إنه سؤال الساعة وإجابته ستحكم المستقبل القريب للعالم وسيكون نفطة مفصلية سواء بإيقاف مهزلة الإرهاب العالمى أو إنتصار هذا الإرهاب ليقود تدمير العالم . وبالطبع الناخب الأمريكى فى حيرة من أمره فمنذ أن إنتخب بوش الإبن مجاملة لوالده بوش الأب الذى لم ينجح فى الإعادة فتحنن المجتمع الأمريكى الذكى وإنتخب إبنه تعويضا (لذلك أقول) أنه منذ تلك الإنتخابات والأمور تكون محسومة بين مرشح مضمون نجاحه ومرشح كومبارس لتحسين الصورة تماما كما كانت الإنتخابات بين السيسي وصباحى فبوش الإبن كان محظوظا بأحداث 11 سبتمبر فنجح بالقصور الذاتى بالرغم من كوارثه وطيشه وحماقاته التى أودت بنا إلى ما نحن فيه الأن فجاء وقت التغيير وكانت المفاضلة بين أن تأتى لنا الإنتخابات بالجديد فكان الخيار بين رئيس أسود وبين إمرأة وليس رجلا أبيض مسيحى كاثوليكى كالمعتاد فرجحت كفة الرئيس الأسود القادم من كينيا عبر جنسية غير شرعية فرجحت كفة المزور لتعدد صفات التغيير فهو رئيس مسلم أسود من جنسية غير أمريكية ولأن الإرادة الأمريكية للإدارة الأمريكية كانت تريد ذلك فقد نجح أوباما وتأجل حلم الرئيس الإمرأة حتى إشعار أخر وحتى فى الإعادة لأوباما لم يضع الجمهوريون مرشحا جيدا وتركوا الساحة له لكى يفوز بالدورة الثانية بسلاسة فائقة.
أما الإنتخابات القادمة فهى تحفل بكل البهارات فهناك إمرأة تدين بالولاء لجماعات الإسلام السياسى وتضمن ولاء المثليين لها وهم لوبى الضغط الجديد فى الغرب فهم يعملون معا لضمان إستمرارهم والوصول لحكم العالم عن طريق التحالف بينهما فى حين يغط العالم المدنى الحقيقى فى النوم فى العسل خوفا من إتهامه بالتمييز العنصرى للمثليين أو الإصابة بمرض الإسلاموفوبيا الذى يصيب الخائفين والمرتعدين من الأشخاص الطبيعيين بالرهاب الفكرى فينفون عن أنفسهم ذلك الإتهام وذلك بالخضوع لهذا التيار الذى تحولت أحلامه لأوامر.
والخيار الثانى هو الحقيقة والجرأة والمكاشفة وهى أمور غير محمودة فى السياسة فالسياسة هى فن الخداع وأصل الكذب هذا ما يضعف فرص ترامب لأنه صريح إلى درجة الخطورة وواضح وضوح الشمس فهو يشخص المرض ولا يتورع لأن يقول للأعور أنت أعور فى عينه وأن يقول للإرهابى أنت كذلك مهما على شأنه أو كان نفوذه وماله .
والسؤال هل سينجح الخداع والإرهاب والشذوذ الجنسى والفكرى فى الفوز بالمعركة أم سيكون الصدق والصراحة عنوانا للحقيقة ؟؟؟؟ وبرغم ميلى إلى أن يكون الصدق ونجاح ترامب هو الحل إلا أنى متشائم فالشر بالعالم أقوى والنفاق هو السائد وحال العالم هو اليافطة التى إنتهى بها فيلم أرض النفاق بأن المحل مغلق لعدم وجود أخلاق

    

تائه وتائهة وبينهما غريب/ فاطمة الزهراء فلا

لن نستطيع أن
نَتَهجّى أبجدية حب
خر صريعا في لحظة خيانة
عند الشاطئ الذي هجرته القوارب
والقلوع صارت حطام ذكري
تئن بليل الحنين
والأشواق كما تري
كالخيوط مبعثرة
ينام الهوي مستكينا
فوق الجفون المثقلة
أرجوحة تحملني
وتصعد عند الهاوية
من يومها ارتديت عباءتي
لتواري هما قد جري
جسميَ روضٌ حافلٌ بالذي
تراه عينُكَ وما لا تراه
بنبش أبكاني ليلي
يعبقَ نَوّاري بأحلى شَذاه
وبعضُه التفَّ على بعضهِ
فكاد أن يطوي على ما طواه
فانشرْجناحي علي ظله
وأطلق من حدائقي الغناء
آه ..... تتبعها ألف آه
فكيف نجدد شوقا بلغ
من الحب مداه
فكان للفنان لوحة
خلدت للأبد ذكراه
ونارها قصيدة عشق
لشاعر احترقت من الحروف يداه
يُقلّب الطرفَ بين عيونها
وحسنها وروحها والفاه
يا من عَكفتَ على الدنيا وزينتَها
هل رأيت بديع صنعها
ومن يراها لا يملك
إلا أن يقول الله
هذا الذي جاء
وقالوا سفاحا أنجبناه
لا نجرؤ علي ضمه
كتابة اسمه
وكل مابه فعلناه
أننا أحببنا بعضنا
حتي الثمالة
وما أحببناه
تركنا الطير من رأسه يأكل
وجوعناه
وفي العراء عاريا تركناه
بل بالكره منا ضيعناه
فهل يعود الحب
بعدما في الدروب ألقيناه
بلا حليب ولا قبلة تهدهده
كقطة ضالة
فاقدا أرضه وسماه

أكتب يا قلم/ حسين محمد العراقي

اكتب يا قلم وخذ من دمي المداد أكتب على المراسلين  الحربيين الإعلاميين  بقناة العراقية الذين قدموا أرواحهم قربان للوطن  ومنهم الشجاع الجريء علي جواد مراسل الر د السريع  الذي أصيب جنوب الموصل جراء تغطيته لمعركة الموصل  بعد ما   سطر من المجد   بدمه  المرابط بسوح الوغى  أكتب يا قلم على  أنتصار  الجيش العراقي  البطل  الذي أدى مهامه بأتم وجه  ضد داعش والأرهاب .
أكتب يا قلم على خطف الخنازير الدواعش للنساء الأيزيديات ووصل بهن الأمر أن يصبحن سبايا أمام مرأى ومسمع الرأي العام العراقي  العربي العالمي أكتب يا قلم على قتلت سبايكر الواقعة بين بيجي وتكريت وراح ضحيتها  أكثر 1700 إنسان بريء   أكتب عن  جريمة الكرادة  داخل  بغداد الأحد 3  تموز 2016  رغم الفظاعة التي حملتها أيادي الجناة  الأرهابيين حول برنامج القتل عن طريق تفخيخ  السيارة التي أنفجرت بالكرادة  وأدت  إلى قتل  292     ومنهم  177 تعذر التعرف عليهم   حسب أحصائيات وزارة الصحة وبالتالي لا وجود لهم ولم يتم العثور على الأشخاص إلا عن  طريق الحمض النووي ( DNA)  هذه الجرائم  يجب على التأريخ أن يخلدها.
 اكتب يا قلم اكتب جريمة  الدواعش وهي حرب ضد شعب  مسالم اكتب جرائم بشاعتهم التي ارتكبوها بحقنا كشعب عراقي يحب الحياة ويريد يعيش بسلام ووئام.
  أكتب على ثورة الجياع بالعراق أكتب  عن مآسي الزمان   (الكهرباء)  العميلة وليس الوطنية  وخيانتها  تجاه شعبنا لأنها  تنقطع ونحنُ في  شهر تموز ودرجة حررارته  التي تجاوزت الأكثر من  50 مئوي علماً الكويت  وعلى رأسهم قنصل الكويت  في بغداد 2006  (سالم )  وحتى الحكومة التي  تنظر لشعب العراق الفرد بالجمع والجمع بالفرد وعندما أحتلها  صدام  وغزاها  عام    1990وأستفز حكومتها  وأميرها وجعله ينسى سباطه وعبائته يوم  هرب من عرشه لبلد الجوار وحين حرروها الأمريكان  عادة الكهرباء خلال فترة وجيزة لا يتصورها العقل   أسابيع أو أشهر  وبدأوا أعادتها عن طريق السُفن وهي جاثمة بالبحار ومن ثم أعادتها بالشكل الكامل ونحنُ  أكثر من 13  عام  نعاني من الكهرباء بعد ما خسرت الدولة المليارات والأموال التي لا تعد ولا تحصى  وأكثرها سُرقت  من ضعاف النفوس و بالتالي للأسف الشديد لم تُحل .
  أكتب عن المئات بل الآلاف من المتسولين ببلد  ثروته أكثر من ترليون دولار ويسبح على آبار من النفط  والغاز كذلك النهرين دجلة والفرات  أكتب عن حقوق الإنسان الضائعة اليوم بالعراق  وبالخصوص  إلى كاتب المقال  الذي فقد فلذة كبده  رنا حسين محمد من عام  1993 ولحد  الان لم يعرف مصيرها علما نشرت على أكثر من 26 صحيفة  وموقع وبثلاث  لغات  أكتب على  حقوقي التي سُرقت مني في ليبيا بني غازي عندما كن منفي  وجعلوني أحير بثمن تذكرة الطيران لغرض رجوعي للعراق  دليلي مقال   (ليبيا ودبلوماسيتها في الماضي والحاضر).
 سأتركك تكتب وتسجل يا تاريخ سجل كل ماكتبه القلم سجل لا تنسى شيء من التوثيق أجعله في صفاحاتك وعلمهُ للأجيال فقد تستفيد الأطفال منه .
 أكتب ألم أكتب صرخة أم ودمعة أب خسر  طفلته  البريئة  أعلاه أكتب دمعة أجدادنا على أطلال كومة مساجدهم المهدمة بالموصل من قبل لعنة الزمان  داعش .
التأريخ سيبقى بحروف من نور عند رب العرش العظيم يا شعبي المجروح لا تحزن فكل شيء مسجل ومكتوب  فستأخذ أجرك مرتين النصر على داعش  عن طريق  الشهادة في الدنيا  والفوز بالجنة والنعيم في الآخرة.........

عن تأخير الأونروا لسنة ونصف على تحديث المعلومات.. دون توضيح/ علي هويدي

من غير الطبيعي لا بل من الغرابة أن يمر أكثر من سنة ونصف على قيام وكالة "الأونروا" بتعميم آخر تحديث للمعلومات حول اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمسة (الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحتل والمحاصر وسوريا ولبنان والأردن). آخر تحديث حول اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في المناطق الخمسة داخل وخارج المخيمات وباللغتين العربية والإنكليزية وتم نشره كالمعتاد في الموقع الإلكتروني الرسمي للوكالة، كان في الأول من كانون الثاني/يناير 2015، والذي يشمل تحديث المعلومات للاجئين خلال سنة 2014.

وفي المقابل لم يصدر أي بيان توضيحي عن الوكاله يشرح ويفسر عملية التأخير غير الموضوعية، لا بل الملفت كذلك هو التدرج في زيادة الفترة الزمنية على التحديث خلال الخمسة سنوات الأخيرة، مما يثير التساؤل إن كان من خلفية ما للمنهجية المتبعة خلال الفترة السابقة، فقد كانت الوكالة تجري تحديثاَ للمعلومات دورياً لأربعة مرات في السنة أي مرة كل ثلاثة أشهر، ثم انخفض إلى مرتين في السنة أي مرة كل ستة أشهر، ثم لمرة واحدة في السنة، والآن مضى أكثر من سنة ونصف على آخر تحديث.

لا نعتقد بأن هناك مشكلة في ميزانيات الوكالة تعيق الإستمرار في التحديث، اذ تجري العملية من خلال برنامج إلكتروني مركزي خاص يتم من خلاله إستخراج النتائج والأرقام بشكل تلقائي دفعت الدول المانحة مبالغ طائلة ثمناً لبرنامج بهدف سهولة التعاطي مع الأعداد وتحديد الإحتياجات، أهمية تحديث المعلومات تشير ليس فقط لتزايد أعداد اللاجئين المسجلين وعدد الأشخاص "المسجلون الآخرون" في كل مرحلة وتحديد نسب الزيادة السنوية للسكان وعدد المخيمات..، وإنما أيضا كل ما يتعلق في برامج الوكالة الصحية وما تشمل من أعداد وحركة زيارات المرضى للعيادات الثابتة في المخيمات والعيادات المتنقلة (النساء الحوامل، مرضى السكري، الضغط، خدمات صحة الإسنان، وعدد المرافق الصحية وغيرها) وكذلك البرنامج التعليمي الذي يشمل عدد المدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية وعدد التلاميذ في كل مرحلة والتكلفة المالية ونسبة الإناث للذكور بين التلاميذ وعدد مراكز وطلاب التدريب المهنية وعدد كليات وطلاب العلوم التربوية، وبرنامج الإغاثة والخدمات الإجتماعية وما يشمل من عدد حالات برنامج شبكة الأمان الإجتماعي ونسبتهم إلى عدد المسجلين بين اللاجئين وعدد مراكز برامج المرأة والتأهيل والتطوير المجتمعي، وبرنامج الإقراض الصغير والمشروعات الصغيرة بالإضافة الى أعداد الموظفين المحليين والدوليين في المناطق الخمسة.

يشكل التأخير في عملية تحديث المعلومات قلقاً للمراقبين والمهتمين والباحثين في قضية اللاجئين واستهدافها من جوانب مختلفة ومنها وكالة "الأونروا" لارتباطها العضوي مع اللاجئين والعودة، فالمعلومات التي توفرها "الأونروا" حول ما يقارب من ستة ملايين لاجئ تساعد في الفهم والتحليل العام للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي يعيشها اللاجئين في الدول المضيفة وتحديد الإحتياجات، وبهذه الطريقة أي بقاء الأرقام على حالها منذ أكثر من سنة ونصف سيُفهم وكأن حال اللاجئين الفلسطينيين ليس فيه جديد ولم يطرأ عليه أي تغيير، وهذا بطبيعة الحال مناف للحقيقة الملموسة في الاقطار الخمسة خاصة مع بقاء الوضع الطارئ لمخيمات قطاع غزة وأوضاع فلسطينيي سوريا ومخيم نهر البارد بشكل خاص، وهذا سيسبب تراجع في معرفة وفهم الأوضاع العامة للاجئين من جهة، وإحجام لبعض الدول المانحة عن المساهمة الطوعية في صندوق الوكالة من جهة أخرى، لذلك "الأونروا" مطالبة بتوضيح سبب التأخير، مع ضرورة الإسراع في علاجه، ونأمل أن يكون السبب تقنياً فقط..!

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 27/7/2016

الأدب العالمي ... مفهومه وقضاياه/ جــودت هوشيار

توطئة :
ما هو الأدب العالمي ؟ وهل ثمة مضمون حقيقي لهذا المفهوم ؟ . قد يتصور البعض ان النتاج الأدبي الرائج في بلد ما ، والذي يترجم بعد فترة وجيزة الى عدد من اللغات الأجنبية يدخل على الفور الى الرصيد الذهبي للأدب العالمي ، وهذا وهم وقع فيه كثير من المبدعين والنقاد في بلادنا . المسألة ليست بهذه البساطة ، بل أعقد من ذلك بكثير ، وهي مثار جدل بين الباحثين الغربيين منذ عشرات السنين ولم تحسم حتى يومنا هذا .
ورد مصطلح " الأدب العالمي " لأول مرة على لسان غوتة ، الذي قال خلال حديث مع صديقه ايكرمان في العام 1827: " أنا مقتنع بأن أدباً عالمياً أخذ يتشكل ، وأن جميع الأمم تميل الى هذا . .. اننا ندخل الآن عصر الأدب العالمي . وعلينا جميعاً الأسهام في تسريع ظهور هذا العصر ".  وفيما بعد عاد غوتة أكثر من مرة الى تناول هذه المسألة . 
ولكن ولادة هذا المصطلح لم يأت من فراغ ، فقد كان دانتي قد أشار في دراسة له بعنوان «حول الملكية» الى وجود حركة ثقافية عالمية ، كما تحدث العديد من المفكرين والفلاسفة والأدباء  الألمان والفرنسيين عن التجربة الأنسانية المشتركة . تحدث شيللر عن مفهوم " التأريخ العالمي " وهيجل عن مفهوم " الروح العالمية "
 نظر شيلر  الى عصره ( القرن الثامن عشر ) كبداية لتمازج الأمم المختلفة في مجتمع انساني واحد واعتبر نفسه مواطناً عالمياً .وقد أثرى ممثلو الرومانسية ( بايرون ، شيلي ، وكيتس ، وورد  زورث )  مفهوم " الأدب العالمي " . وتعزز هذا المفهوم وتعمق في القرن العشرين ، عندما توسعت الأتصالات الأدبية بين الأمم، وبدا واضحاً وقائع التأثير المتبادل ، والتماثل الطوبولوجي في العملية الثقافية على مستوى العالم .
على مدى زمن طويل ، كان ثمة محيط خاص ولغة خاصة للأدب العالمي . أما الآداب المدونة باللغات القومية فقد كانت تحتل مواقع هامشية . وكانت اللغة اللاتينية وريثة شرعية لجدة أغنى هي اللغة اليونانية ، التي كانت بدورها وعبر عهود طويلة تقوم بدور  اللغة الأدبية العالمية . وكان مفهوم الأدب العالمي بالنسبة الى اللغتين اليونانية واللاتينية يعني المظاهر الروحية ذاتها التي ينطوي عليها مصطلح" الأدب العالمي " اليوم 
مفهوم الأدب العالمي :
مصطلح الأدب العالمي ، يتسم بالغموض ، وليس له تعريف محدد أو مفهوم واضح متفق عليه بين الباحثين.. ولو راجعنا الموسوعات العالمية بحثا عن مفهوم هذا المصطلح ، لوجدنا إختلافا كبيراً بين موسوعة وأخرى. ومع ذلك يمكن القول ان ثمة اربعة تفسيرات اساسية لهذا المفهوم وهي :
            الأول : المحصلة الكمية للآداب القومية لكافة الشعوب طوال التأريخ البشري ، بصرف النظر عن المستوى الفني والجمالي لنتاجاتها . بيد أن هذا التعريف يجعل من الأدب العالمي شيئاً غامضاً وفضفاضاً ، لا يمكن حصره ويصعب دراسته .
الثاني : جماع النماذج الأبداعية المختارة ، التي ابتدعتها البشرية بأسرها. وبهذا المعنى فأن مفهوم الأدب العالمي لا يشمل النتاجات متوسطة القيمة أو الظواهر السطحية الشائعة في الآداب القومية ، وإنما يقتصر على الآثار الإبداعية ذات القيمة الفنية والجمالية العالية . ولكن ها هنا تنهض مسألة أخرى : هل يمكن القول ان الأعمال الأدبية الرفيعة لكافة شعوب الأرض تنتمي الى الأدب العالمي . يرى بعض الباحثين الأوروبيين ، ان الأدب الأوروبي الكلاسيكي والمعاصر هو الذي يمثل الأدب العالمي . وأنصار هذا الرأي لا يتحدثون عن أوروبا كمفهوم جغرافي ، بل يتصورونها كمفهوم روحي . وهذا يعني بالضرورة ان الأدب العالمي هو الأدب المشبّع ب" الروح الأوروبية " وان هذا الأدب لا يمكن تمثله الا من خلال منظور الثقافة الأوروبية . وهذه وجهة نظر أوروبية ضيقة . ويرى هؤلاء ، ان آداب الشعوب الشرقية تقع خارج نطاق الأدب العالمي ، لأن نتاجاتها لم تصبح بعد في متناول أيدي البشرية بأسرها . ويرى البعض الآخر منهم إن الآداب ( الهمجية ) الغريبة لا تنتمي الى الأدب العالمي . ويدعو الى نبذ الفلكلور وطرحه خارج نطاق روائع الأدب العالمي . و لا شك أن مثل هذه المزاعم مرفوضة تماماً . صحيح ان الفلكلور لا يدخل  في الأدب العالمي على نحو مباشر ، ولكن مما لا ريب فيه ان شعراء مثل هايني وبيرنس ويسينين  قد ترعرعوا فوق تربة الفولكلور وان نتاجاتهم جزء من الأدب العالمي .
الثالث : عملية التأثير والإثراء المتبادل للآداب القومية ، والتي تظهر في مرحلة متقدمة من التطور الحضاري للبشرية . وهذا ما نلمسه بوضوح في اشارة غوتة الى الدور الذي يلعبه  الأدب العالمي في توطيد أواصر العلاقات المتبادلة بين الشعوب . يقول غوتة : " اننا نود أن نعيد الى الأذهان من جديد ان مسألة توحيد العقليات الشعرية امر مستحيل . فالحديث هنا يدور حول تعريف الشعوب بعضها ببعض ، وليس عن أي أمر سواه . وحتى اذا اخفقت الشعوب في اقامة علاقات محبة متبادلة فيما بينها ، فإنها ستتعلم في الأقل كيف تتحمل بعضها بعضاً
ان التقدم التكنولوجي ، وخاصة في مجال الأتصالات ووسائل الأعلام الحديثة قد ساعد في تقريب ثقافات الشعوب المختلفة وآدابها وفي النضج السياسي والتكامل الروحي على نحو متسارع بمضي الزمن ،.ولا نعني بذلك زوال الحدود الجغرافية أو ابتذال القيم  وضياعها ، بل التفاعل الهارموني لكافة القيم .إن الشخص الذي لا يرى في الأدب العالمي سوى سلسلة من المؤلفات الشامخة ، سيدهش للفكرة التي مؤداها إن أدب كل شعب ينبغي أن يجد مكانه ضمن الأدب العالمي
الرابع : الصفات العامة التي يتسم بها تطور آداب مختلف الشعوب والمناطق في جميع العصور : كان مكسيم غوركي أول من أشار الى وجود مثل هذه الصفات حين كتب يقول " انه لا يوجد ادب عالمي لأنه لا توجد لحد الآن لغة مشتركة بين جميع شعوب الأرض ، ولكن الأعمال الأدبية لجميع الكتاب "مشبعة بوحدة المشاعر والأفكار والآراء  الإنسانية العامة . وبوحدة الآمال لأمكانية تحقيق حياة أفضل . ولعل هذا التفسير هو الأقرب إلى الفهم الحديث للمصطلح. ونحن ندرك اليوم بجلاء ان القيم الشعبية والقومية الحقيقية هي في الوقت ذاته قيم انسانية شاملة.
الأدب بين القومية والعالمية :
إن النماذج الأبداعية تصب في شرليين منظومة الأدب العالمي بطرق ووسائل شتى . النتاجات التي تتميز بسماتها الفكرية والفنية العالية ،  تتجاوز الحدود الفاصلة بين الشعوب وتصل الى حمهور القراء في البلدان الأخرى ، الذين لم يسبق لهم قراءتها ، والأمثلة على ذلك كثيرة للغاية . الباحثون الألمان ادركوا عظمة شكسبير وشرعوا في الترويج لها على نحو أكثر توفيقاً من زملائهم الأنجليز .ولم يقرأ الناس شعر عمر الخيام - الذي أدهش العالم - الا بعد ظهور ترجمة فيتزجيرالد .
 إن معظم الأعمال الأدبية تصل الى القراء عن طريق الترجمة ، وثمة علاقة واضحة بين الأتصالات الأدبية الدولية النشيطة في أيامنا هذه وبين الأهتمام الساخن بالقضايا النظرية للترجمة الفنية . ولا شك ان النتاجات الأصيلة قد تفقد شيئاً من بريقها بعد ترجمتها ، بيد أن هذا الخطر يظل قائماً في الحالات التي تقرأ فيها من قبل قراء لا يتقنون اللغة التي كتبت بها . ولا شك ان مبدعي الأدب في كل بلد هم الكتاب والمترجمون على حد سواء .
ثمة نتاجات تصبح جزءأ من الأدب العالمي بعد مضي فترة وجيزة من نشرها ، ونتاجات أخرى لا تصبح كذلك ، الا فيما بعد ، وأحياناً في زمن متأخر للغاية ، والبعض منها ينتظر دوره في الوصول الى المجد العالمي ، ولكن دون جدوى ، لأن الوصول الى العالمية يتوقف على أمور كثيرة . ويكاد يكون من المستحيل التنبؤ باللحظة التي يصبح فيها هذا الأثر الأدبي أو ذاك جزءا من الأدب العالمي . ومن السذاجة ربط هذه اللحظة ببعض الحقائق ، كظهور ترجمة لعمل أدبي ما  في خارج البلاد أو الإشارة الى الكاتب في هذه المناسبة أو تلك خارج بلاده . وهذه تفصيلات قد تتفاعل وتشكل بداية لولوج الكاتب ساحة الأدب العالمي حين تكون نقطة  انطلاق لعملية عضوية حية ولا تظل مجرد حقائق عرضية. في هذه اللحظة فقط يمكن اعتبار العمل الأدبي جزءاً من الأدب العالمي .
ان الوصول الى العالمية لا يعني البقاء فيها الى الأبد .فعلى سبيل المثال نرى أن اناتول فرانس دخل الأدب العالمي منذ البدء ، بينما نراه في العقود الأخيرة يلفظ خارجاً ليحتل المرتبة الثانية . وكذلك  جورج ويلز ، الذي لم يلق في بداية الأمر صعوبة في دخول الأدب العالمي ، ولكن أين موقعه اليوم ؟ أنه في الواقع خارج إطار هذا الأدب . وعلى هذا النحو نرى ان مدى الإعتراف بكاتب ما قد يتعزز أو يتراخى ، بل وقد ينقطع لفترة قصيرة أو الى الأبد . الكاتب الذي يظل حياً في الأذهان هو الذي تصمد أعماله الأبداعية أمام الزمن وتعاقب الآراء والأجيال واجماعها على قوة هذه الأعمال وفرادتها .
ومما لا ريب فيه ان عزلة الأدب القومي عن الآداب الأخرى  يؤدي الى تأخره ، والنجاحات التي حققتها الآداب القومية عبر التأريخ كانت بفضل اعتمادها على الإقتباس من الخارج واستيعاب وهضم وتمثل هذا الإٌقتباس من اجل تحقيق أكبر قدر من التعبير الذاتي بمعونة الآداب الأخرى أو في الصراع ضدها .
ان مكانة الدولة في العالم ونفوذها السياسي والأقتصادي وعدد سكانها ومدى انتشار لغتها ، تلعب دوراً كبيراً في الأعتراف العالمي بكتابها الذين يعكسون حياتها الروحية في نتاجاتهم. أما آداب الشعوب الصغيرة واللغات قليلة الإنتشار ، فإنها تحتل مواقع أسوأ بكثير نسبياً من آداب الشعوب الكبيرة ، واللغات واسعة الإنتشار من حيث الأعتراف العالمي بها .
ليست ثمة آداب عالمية متعددة ، بل أدب عالمي واحد على الرغم من ذيوع رأي خاطيء يقول بوجود هوة بين ما يسمى " الروح الأوروبية " من جهة وبين " الروح الآسيوية " أو " الروح الأفريقية " من جهة أخرى . ان الذين يعتنقون هذا الرأي يعالجون وضعاً تأريخياً معيناً ويتناولونه كوضع ثابت لا يتغير بمضي الزمن .وبالطبع فان هذا لا يعني ان الأدب العالمي وحدة يسودها الأنسجام ، فثمة أمر واضح هو تشابه آداب مجموعة من البلدان من حيث التعبيرعن العالم الروحي اشعوبها . فعلى سبيل المثال نجد ان آداب بلدان أوروبا الشرقية أكثر تشابهاً فيما بينها من الآداب الأخرى . والآداب الأوروبية الغربية أو الأميركية الشمالية أو الأسترالية ، هي اليوم أكثر قربا بعضها من بعض من آداب المناطق الأخرى. وكذلك آداب بلدان أمريكا الجنوبية  المدونة باللغة الأسبانية ، فإنها تتأثر كثيراً ببعضها البعض, وهذا التأثير أعمق من القشرة اللغوية . بيد أن تباين ظروف الحياة يؤثر أيضاً وعلى نحو شديد في نحت ملامح كل أدب من هذه الآداب ، وتحديد السمات التي يتصف بها .
ان اهتمام الجماهير في شتى أرجاء العالم بنتاجات اتجاه أدبي معين -  كالواقعية السحرية مثلاً - أو بظاهرة سياسية ما - كالإسلاموفوبيا في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية –يمارس تأثيراً قوياً في عالمية الأدب ، ونعني بذلك ، الدور الملهم للنجاح في التعبير الفني القوي عن روح العصر .

الأديبّة نوميديا جرّوفي.... محراب في كلّ روح/ الاب يوسف جزراوي

يضم الكتاب  67 قصيدة نثريّة ،  عبّرت المؤلّفة خلاله عن أصالتها وحبّها الروحي العميق ونظرتها للذات والإنسان، لله وللحياة، برؤية خاصّة، وأسلوب مشوق، وبفلسفة شّعريّة تختلف عن الطرق التقليديّة المألوفة، تستهوي الكثير من هذا الجيل، ليقدموا ما تكنّه أفئدتهم من حبٍّ ومعانٍ.
مجموعة  فخمة وممتعة، سرقتُ الوقت لاطالعها بتروٍ، فهي بمثابة منجم يحتاج إلى أيدٍ أدبيّة تُخرج معادنه النفيسة على طبق شهي للقارئ.
تركت نوميديا الساسة يتناقشون ويتجادلون مع بعضهم، وتركت الحكماء والفهماء يتنافسون على الحكمة، وحاولت هي التسلل مع الحبيب إلى ملكوت الحبّ، وفتحت للقرّاء المجال ليتسللوا معها:
" وعيناي تهربان إلى أرض غريبة
حيث يبتلعهما الماء
وأغمضت عينيك على سرّ
على حلم أخضر
و رغبت عن الكلام ".
حرصت الشّاعرة على حسن اختيار المفردة المُعبّرة عن الارتباط الحميم بربها، وكأني بها متصوفة في زماننا هذا:
"أحببته حب الهوى
 وكل ما به يُهوى.....
أعشق كلّ ما به
-        كيف ذا؟
لا تسألوني
فأنا أراه بعين قلبي الذي
 لمْ يرَ مثله في الكون".

إنَّ مسيرة الإيمان لدى نوميديا هي علاقة شخصيّة بحتة مع الرب، إلهها ليس موجودًا فحسب، بل هو خبرة محبة ورحمة قبل كلّ شيء، لا تتجلى صورته البهية الجلية في الخطبة والموعظة والبحث والمطالعة فقط، بل عَبرَ ارتباط شخصي ولقاء فردي في صومعة القلب، اساسه صوت يدوّي في عمق الأعماق: لا تنسَ أيها الإنسان أنّ لك أبًا في السماء، وأنّ كلّ حياة، حتّى تلك التي تبدو سطحيّة وتافهة، قيمة ثمينة وخالدة، لأن الوجود دعوة إلى  الحبّ والفرح والكمال.

لا تتردد  شّاعرتنا قيد انملة في وصف شّعريّتها بأنها ضاجّة بارهصات الحياة، وتعقد الظروف، ومشروعيّة البحث عن الذات ولقاء الحبيب ومناجاة الله، وسط تراكمات: الخوف، القلق، التشاؤم، فهي " بانوراما" للواعجها وفضاءآتها المضيئة والسوداويّة، تعكسها من خلال نياسم لغتها الشفافة، ولذة التضاد بتعابير تخلق صورًا جميلة تهيمن على القارئ، من خلال تخطي البنية العامة، وجعلها سائبة تقبل التأويل:
" ذات مرة رسمتك على الرمل
قلبا يحاصرني
لك رسمة في حدود الروح
 أحصرها وتحصرني
أما ذاب الرمل؟
أما تبخر البحر؟
أما نطقت أنا؟
أما تنفست وشهقت و عطست؟
لا ترسم على الرمل شخصي
آتيك عدد الرمل
دعوة واحدة و أناديك
وأمشي على الماء و على الهواء
ترسم على الرمل إذن؟
لم الرمل فتنتي و أنا الواقفة في يديك؟
هناك على يمينك وعلى شمالك و بين هواجسك
لحظة اعتراف جارفة
تلك التي نطقت فيك
لغة الشعور
أعرف تلك اللغة التي
لا تعترف بالحروف
لغة تختص بالتشكل و بالحركة و الفعل
على الرمل وعلى الماء وعلى الهواء
ليتك ما رسمت وما شكلت الرمل
كان عليك أن تتشكل لي
أن ترسم طيفك و تنحت في حيزي وجعك
تصقل في ضبابي الفصول
 و تسكب أنهار دفئك
 وثمار مواسمك
لم الرمل ولم الرسم؟
و أنت المرسوم فيّ و المتشكل بلغتي
لم الرسم و أنت الهارب في الروح؟
لم الرسم و أنت الاسم و الفاعل؟
النحو والصرف و الرسم و الفن
كم أحاول رسمك بالصورة و الفكرة و النظرة
كم أحاول رسمك هناك
و عفريت ما يحملك
يرسمك هنــا شكـلا و حركـة !".

يظهر في القصائد أيضًا إستعمال أسلوب المفارقة في الحضور الواعي الشديد مع غياب عنصر الوعي في أحيانٍ أخرى، مشكلاً نزعة جدليّة متحركة مقرونة بخيالٍ شّعري مرهف متأثر بالوجود الإنساني الواضح في الأحداث المرتبطة زمانًا ومكانًا:
"إخترت أن أضع حبلا من الحرير الهندي حول عنق قلبي
قررت أن أمضي عمري بالوقوف تحت بناية قلبك
أنت الشيء و ضده
سعادته و حزنه وألمه و متعته
رحمته و عذابه وجنونه و تعقله
دمعته و ابتسامته
أنت قدرتي على الاستمرار
و عجزي عن البدء".
كما تثير الشّاعرة في قصائدها العديد من التساؤلات في نفوس القرّاء، مستعينة أحيانًا برموز كتابيّة " الملكوت، ليلة القدر، الأبديّة...."، فضلاً عن إبداعات الخالق من المخلوقات والطبيعة " الطيور، الورود، البحر، السماء، الشمس، الشاطئ، الكواكب، النجوم والقمر). ونتاج ثمار الأرض من جماد ونبات.

خاتمة قراءتي
حقيقةً كان هذا السفر القيم رفيقي المصاحب على مدار الأيام الماضية، أشبه شيء بنهرٍ يُطفيء حرائق عالمنا الملتهب. واعترف هنا على الصعيد الشخصي، بإنّ اسهامة الشّاعرة نوميديا بحاجة إلى تسليط أضواء كثيرة في الأوساط الأدبيّة، من أجل تعميق دور هذه الموهبة  الرفيعة في رفع مستوى التذوّق الأدبي لدى القرّاء أينما كانوا، لأنها عقلية إنسانيّة ونزعة ثقافيّة يستظل بها الجميع، تسعى في العطاء الدائم في محاولة للتفرّد وتحريك الساكن .

إلى الأخت والصديقة والأبنة الروحيّة الأديبّة الجزائرية نوميديا جرّوفي أقول: طوبى لمن يُرزَق لأن يكون الإبداع والإمتاع والإصلاح على يده لخير الإنسانيّة، فإنَّ له ملكوت السماء.

أنـَـا بَـريـئـَــــــة ٌ... إلاّ مِـنـْـــك/ رجاء محمد زروقي


لـكَ أن تـدري بأنـّـك
عـناقيـدُ مـبـسم قـلبِ ثـغـري
وبأنـّـكَ تـفاصـيلي الصّـغـيـرة
وبـراكـيـنُ ألـسـنةِ عـسالـيجِ
أمـواجِ الـنّـحـرِ
لـكَ أن تـدري أنـّـني
لا أحـيا بَعْـدكَ
ولـو لـقـطـرةِ دمِ حـبـري
لـكَ أن تـدري
كـم أدخـلُ في إغـماءةِ حُـبٍّ
لا مُـنـتـهـيّـةٍ
وأنـتَ تـُعَـدّلُ دنـدنـةَ شـهـقاتِ
هاتـفِ أجـراسِ العُـمْـرِ
وقـتـها كم بـقـلـبـِك الصّـغـيـرِ
تـُـدوِّخ رهـطَ تـقاسـيمِ أوتارِ الخـصْــرِ
وأبـيـتُ عـاريّـةَ الـذاكـرةِ والجـراحِ
.. والـفـكـرِ ..
وأقـسم أنـّـني ساعـتـها
أتـدثـّـركَ أنـتَ ثمّ أنـتَ
ثمّ أنـتَ
ثمّ لا لا لا ولـن أدري ..
سـوى أنـّـني ألـبـسـكَ
صحـوة إزار فـصـيح
الـشِّـعْــر ..
... / ...
( 15 / 11 / 2013 )
الشاعرة التونسية رجاء محمد زروقي

هذه هي أميركا/ صبحي غندور

"هذه هي أميركا"، كان عنوان الفيلم الوثائقي الذي شاهدته في نهاية عقد السبعينات، وقبل أن تطأ قدماي أي أرضٍ أميركية، وهو الفيلم الذي أحدث ضجّةً إعلامية آنذاك بسبب ما عرضه من مشاهد حقيقية عن الوجه المظلم للولايات المتحدة. ففي الفيلم، نشاهد مناطق حافلة بالفقر والجرائم والمخدرات ومظاهر التخلّف، وهي مناطق في مدن وولايات أميركية مشهورة بجمالها كنيويورك وواشنطن وكاليفورنيا وفلوريدا وغيرها. وقد اكتفى الفيلم بعرض الجوانب السلبية فقط ممّا هو موجود وما يحدث في أميركا. طبعاً، تكرّرت اتّهاماتٌ آنذاك بأنّ منتجي الفيلم يخدمون الدعاية الشيوعية التي كانت تقودها موسكو ضدّ الحياة الرأسمالية الأميركية.
واقع الحال، أنّ أميركا، كما معظم بلدان العالم، كانت، وهي الآن، رمزاً للشيء ولنقيضه معاً. فالوجه البشع لأميركا في تاريخ حروبها العديدة يقابله تفوّق أميركا أيضاً بتقديم المساعدات الإنسانية الخيرية لكثير من شعوب العالم التي تتعرّض لنكبات. وأميركا التي أوصلت إلى "البيت الأبيض" أوّل رئيس أميركي من أصول إفريقية مهاجرة هي نفسها التي تعاني الآن من عنصرية بعض رجال الشرطة ضدّ الأميركيين السود. وأميركا، التي تتحكّم بإقتصادياتها المؤسسات المالية الكبرى ومصانع الأسلحة، هي التي كشفت حجم الفساد الكبير في الإتحاد العالمي للعبة كرة القدم ولدى حكومات بعض الدول حتّى الصديقة منها لأميركا. وأميركا التي تدين الإرهاب وقتل الأبرياء المدنيين وتلاحق الجماعات الإرهابية هي نفسها التي استخدمت السلاح النووي لإنهاء الحرب مع اليابان، وهي التي قتلت مئات الألوف من المدنيين في حروبها بفيتنام والعراق وأفغانستان.
أميركا هذه، تخوض الآن حملاتٍ انتخابية هامة ستقرّر حاضر أميركا ومستقبلها من خلال الصراع السياسي الدائر حالياً بين حزب جمهوري يقوده يمين متهوّر على رأسه ترامب، وبين حزب ديمقراطي تتفاعل فيه تحوّلات أفرزت تيّاراً شعبياً متنوّراً قاده ساندرز، الذي سيبقى تأثيره كبيراً في الحزب وفي قاعدته الشعبية رغم أنّه لم يحصل على الترشّح لمنصب الرئاسة. 
ونجد في الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، خروجاً للقاعدة الشعبية لدى كلٍّ منهما عن رغبات القيادات التقليدية، حيث ظهر دونالد ترامب في الحزب الجمهوري، وبيرني ساندرز في الحزب الديمقراطي، وكان الأوّل تتويجاً لهيمنة تيّار محافظ ومتهوّر ومتمرّد عند الجمهوريين بدأ مع ظهور "حزب الشاي" منذ حوالي 8 سنوات، والثاني (أي ساندرز) كان تأكيداً لقوة تيّار سياسي متنوّر ظهر عند الديمقراطيين منذ المؤتمر الحزبي في العام 2004، وتكرّس بفوز أوباما في العام 2008.
هذه المتغيّرات جارية في الحياة السياسية الأميركية منذ مطلع هذا القرن الجديد، وبعد تداعيات 11 سبتمبر 2001، حينما ارتبط موضوع الأمن الداخلي الأميركي بحروب كبيرة في العراق وأفغانستان، وبمسائل لها علاقة بالعرب وبالمسلمين وبالأقليات الدينية والعرقية في أميركا، إضافةً طبعاً للدور الخطير الذي قام به من عُرِفوا باسم "المحافظين الجدد" في صنع القرار الأميركي وفي تغذية مشاعر الخوف لدى عموم الأميركيين، ممّا دعم أيضاً الاتّجاه الديني المحافظ في عدّة ولاياتٍ أميركية، خاصّةً بعد فوز باراك أوباما بمنصب الرئاسة في العام 2008 وما سبّبه ذلك من عودة مشاعر العنصرية لدى بعض الأميركيين، وخوفهم على نهاية عصر "أميركا البيضاء البروتستانت الأنجلوسكسون".
إنّ الوجه الجميل لأميركا ظهر في العام 2008 بانتخاب مرشّح للرئاسة هو ابن مهاجر إفريقي مسلم أسود اللون، ولا ينحدر من سلالة العائلات البيضاء اللون، الأوروبية الأصل، والتي تتوارث عادةً مواقع النفوذ والثروة، لكن خلف هذا الوجه لأميركا يوجد وجهٌ آخر، بشعٌ جداً، يقوم على العنصرية ضدّ كل المزيج الذي رمز له فوز أوباما في العام 2008. فهي عنصريةٌ عميقة ضدّ الأميركيين ذوي البشرة السوداء، وشاهدنا في السنوات الأخيرة ممارساتٍ عنصرية كثيرة حدثت. وهي عنصريةٌ متجدّدة ضدّ كل أنواع المهاجرين الجدد من غير الأصول الأوروبية، وهي عنصرية نامية ضدّ الأقليات ذات الأصول الدينية الإسلامية، حيث سمعنا العديد من التصريحات عن هاتين المسألتين في خطب دونالد ترامب وغيره من المرشّحين الجمهوريين. فكيف لو اجتمعت مع ذلك كلّه فعالية شركات ومصانع وقوى ضغط ومؤسسات مالية وإعلامية ضخمة لا تجد في أجندة هذا المرشّح أو ذاك ما يخدم مصالحها الداخلية والخارجية؟!.
هكذا هي الآن المعركة الانتخابية غير التقليدية التي تحدث في الولايات المتحدة، فهي ليست فقط حول الأمور الاقتصادية والاجتماعية التي تطغى أحياناً على سطح الإعلام، بل هي أيضاً حول المسائل المرتبطة بالدين والعرق والثقافات. إنّها معركة كيفيّة رؤية أميركا للمستقبل وللاتّجاه الذي سيسير نحوه المجتمع الأميركي. فالأمر بالنسبة للجمهوريين المحافظين أشبه بانقلابٍ مطلوب على الانقلاب الذي حدث في العام 2008، حينما أُنتخب باراك، ابن المهاجر الإفريقي حسين أوباما، كرئيسٍ للولايات المتحدة. 
أيضاً، هناك صراع خفيّ في الانتخابات الأميركية هو بين معسكرين من الشركات والمؤسسات الكبرى التي تقوم عليها الحياة السياسية الأميركية. وقد نشأت لبنات هذا الصراع الحاصل الآن بين "معسكريْ النفوذ" في أميركا مع نهاية عقد الثمانينات حينما انهار الاتحاد السوفييتي، وسقطت معه حقبة الحرب الباردة التي تعاملت معها كل مواقع النفوذ بالمجتمع الأميركي وكأنّها حربٌ مستمرّة إلى أجلٍ غير محدّد زمنياً.
فالتحوّل الذي حدث بعد سقوط المعسكر الشيوعي أنّ المجتمع الأميركي بدأ يشهد فرزاً بين من كانوا يستفيدون من "الحرب الباردة" ومن "الحروب الساخنة" المتفرّعة عنها في بقاع العالم، وبين مجموعات أخرى في أميركا وجدت مصلحةً في إشاعة مناخ "العولمة" ومحاولة تثبيت الريادة الأميركية للعالم عبر التحكّم بالتجارة العالمية وأسواق المال وصناعة التكنولوجيا وفق نظرية العالم هو "قرية صغيرة واحدة"!
هذا المعسكر "المالي/التجاري/التقني"، الذي يمكن تسميته اختصاراً بمعسكر "السلام"، يجد في الحزب الديمقراطي مظلّةً لمفاهيمه وأجندته بعدما كان معسكر "صناعة الحروب" قد انخرط مع الحزب الجمهوري، في حقبة ريغان وما تلاها من عهد جورج بوش الأب، وهي حقبة شهدت طيلة 12 عاماً تصعيداً شاملاً في الصراع مع الاتحاد السوفييتي وحروباً ساخنة امتدّت من أفغانستان إلى إيران والعراق ومنطقة الخليج، إلى الغزو الإسرائيلي للبنان، ثمّ إلى حرب الخليج الثانية وتداعياتها الإقليمية، وهي حروب أثمرت كلّها نموّاً هائلاً في صناعة وتصدير الأسلحة وأدّت إلى التحكّم بالثروة النفطية وتوظيف ارتجاج أسعارها صعوداً وهبوطاً وتجارة.
وقد نجح معسكر "السلام" في إيصال بيل كلينتون للرئاسة الأميركية، فكانت حقبة التسعينات هي حقبة "العولمة" وانتعاش الاقتصاد الأميركي والتجارة العالمية، بينما انخفضت في هذه الفترة ميزانية الدفاع الأميركي وعوائد شركات الأسلحة والنفط والصناعات الحربية.
وكما كانت فترة حكم الديمقراطيين أيام جيمي كارتر (1976-1980) متميّزة بسعيها لتحقيق تسويات سياسية لأزمات دولية، كذلك كانت حقبة كلينتون (1992-2000)، وهي الآن أيضاً سمة فترة حكم أوباما، بينما طغت الحروب على سمات حكم الحزب الجمهوري في الثمانينات وفي فترتيْ حكم بوش الأب ثمّ بوش الابن.
لذلك، هذه السنة الانتخابية الأميركية هي سنةٌ حاسمة ومهمّة جداً في إطار الصراع بين "المعسكرين" داخل المجتمع الأميركي: "معسكر الحروب" الذي يدعم الحزب الجمهوري، و"معسكر السلام" الذي يقف بقوّة الآن خلف الحزب الديمقراطي.
أيضاً، فإنّ الأسابيع القادمة حبلى باستحقاقاتٍ عديدة في الشرق الأوسط ترتبط بأوضاع سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان، وبكيفية إنهاء "دويلة داعش"، وبمصير الملف الفلسطيني. وهي قضايا كلّها موجودة الآن على أجندة أوباما في الأشهر الأخيرة من فترة رئاسته، ولا نعلم ما الذي سيبقى منها على طاولة الرئيس الجديد أو "الرئيسة".
لكن في الخلاصة، ينطبق على أميركا أمثولة القمر الذي حتّى لو كان بدراً فله وجهٌ آخر مظلم، لكن الفارق أنّ العالم يرى هذا الوجه المظلم لأميركا في كثيرٍ من الأحيان. ويبدو أيضاً أنّ الحكومات هي كالأفراد ينطبق عليها الآية القرآنية الكريمة: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾. فعسى أن لا يعيش العالم من جديد فجور السياسة الأميركية!.
* مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com 

الدامغة : أناتك لا تعجلْ عليَّ مُرائيا/ كريم مرزة الأسدي

من البحر الطويل

1 - أناتك لا تعجلْ عليَّ مُرائيا **فكلُّ عجولٍ في الدّنى ليس راضيا

2 - كأنّك لا تدري، وأنت مريدُها ***مشـاحنةً بغضـاءَ أنْ لا تلاقيـا

3 - وإنّي لها،لمّا تعجرفَ جهْمهُ* وما كلّ مَنْ تلقاهُ - دهركَ - ساميا

4 - فترمــي لكَ الأيّامُ ما لا تــــودّهُ *** ليشغلَ نفسـاً أنْ تجــــدَّ لياليا
 
5 - ومَنْ طلبَ العلياءَ عافَ صغـارَها* وبطنةَ قـومٍ أجوفَ العقلِ خاويا
 
6 - يكن همّه أن يسـتطيلَ مرافقـــاً ***** فتبّاً لـمن يرضى لنفسهِ ثانيا

7 - فمنْ يتخــفّى بالنّساءِ شوارباً **** ويلبسُ ثوبَ الزهدِ بالمكرِ باكيا

8 - وينفـــقُ ممّا نافقَ الناسُ حولهُ **** تراهُ كنفـخ الطبل ينبحُ عـاويا
 
9 - رأيتُ حياةَ الأكرميـن جريئــةً **** تقـولُ : لوحـدي أمٌةٌ ، ذا ردائيـا

10 - نظمتُ عقوداً - لا أباً لكً - درّهـا **عفيفٌ وألْبسْتُ  الزمـانَ قوافيا

11 - فمن لا يرى عقد اللآلئ لبّـهُ ***** فلا يــكُ حفّـــاظاً لعهــدٍ وراعيا

12 - وخلّفتُ خلفي مَن تهاوتْ عروضهُ *** فكنت أبيّاً ، لــن أكلّلَ طاغيا

13 - وغيري ترامى للمناصب صاغراً***كما راحَ يستجدي الوزيرَ مواليا

14 - يعلّونَ كرشاً، سحتهُ أمرُ حُرمةٍ **ولستُ بذي أمرٍ ، ولا المالُ كافيــا!

15 - تعالَ أمامَ العُرْبِ نسمو تباهلاً ***أردّكَ أرضــــاً ، فالفضـاءُ فضائيـا

16 - فكم لحيةٍ حمقاءَ ، يجري لهاثُها ***ولمّا أفاقتْ، إذْ ترى النّجم عاليا

17 - فذا رجلُ الدّنيا، وواحدُ عصرِهِ ** يرى نفسهُ حرّاً ، وجمعـاً مواضيا

18 - ولستُ خجولاً أنْ أعـدَّ مناقبــاً **** لعيــنٍ تراني - بالتقاليدِ - لاهيــا

19 - فيا للعمى يعمي البصيرةَ بصْرها *** ألمْ تَرَ أقْلامي تجيشُ، وما ليا؟!

20 - وما لي جهولاً أن أقلّدَ جمْعهـا ***بجهلٍ ، لقـدْ أدْمى العيونَ البواكيـا

21 - على وطنٍ قدْ دُكَّ ظلْماً،وشعْبهُ ***يغوصُ بنفطٍ خاويَ البطْنِ عاريـــا

22 -فما أنا باللاهي،وجدّي جديدُها *** لنلحقَ عصراً يسـبق الكونَ غازيـا

23 - وكلُّ حياةٍ ومضةٌ ، أنـت عابرٌ **** بغوغائها ، والمجـدُ يخلدُ ساريـا

********************
24 - ألا يا زمانَ الغدرِلم تقضي بيننا ** بعدلٍ،ولا عدتَ السنين الخواليا (1)

25 - فمن يرتجي من بعدِ أينٍ وعثــرةٍ ***يعودُ صفــاءٌ للحيــاةِ كما هيا؟

26 - يعكّرها ريـــب الشـــقاقِ طوائفــاً ****فيا لعــراقٍ طفّـــهُ كـان داميا

27 -ومنْ عجبِ الدّنيا،ومقُلبِ أمرِها ** وجدتُ عـدوَّ الناسِ للناس قاضيا

28 - فقدْ ورثَ المجدَ الرفيعَ طغاتهـم  **** أطاحــوهُ أنْفاً لِلْعراقَيَـنِ هاويا

29 - و لا تحسبنَّ الشّرَّ ضربــةَ لازبٍ****خــذِ الْأمرَ معكوساً لضدِّهِ جاريا

30 - جريتُ وكان الأفقُ يجري جهامهُ ****فقلت رويداً - يا كـريـمُ - تأنّيا
 
31 - غربتُ فكانت غربتي وحيَ عبقرٍ ****جزى اللهُ جهدا للمكارمِ ساعيـا

32 - ولمّا أنلْ غيرَ الوفـــاءِ لأمتـــي ****لعـــلّ الــذي يـــأْتي يجـلّكَ  جازيا

33 - يموتُ رديء الدّهرِموتَ خسيسهِ***ويبقى منار الدّهــرِ ما دامَ باقـيــا

34 - عسى نهضةٌ قامتْ ،وقامَ رجالها ****تفيضُ بنبعَ الرافـدين  سـواقيـا

35 - فكمْ يُرتجى الإنسانُ روحاً أثيرةً ****فلا تكُ إلّا واهــبَ الخيـرِ صافيــا

36 - فمنْ يتخذْ جودَ التّسامحِ درْعهُ **** يكنْ حاملاً  نبـراسَ عدلٍ و هاديا

37 - ألم ترَ زهــرَ البانِ فـــاح عبـــيرهُ***وصدّاحُــهُ الفتّـانُ بالنـغمِ زاهـيــا

38 - فما الأنسُ أنساً  بالتزلّفِ والريـا ****ولكنّه الإنسانُ مـــن كـان زاكيا

39 - وما بادئٌ مهما  يطولُ بقـــــاؤهُ ****يرى رســـم ختمٍ بالقضاءِ نهائيـا

..........................................................................................
(1) ( لم تقضي) كتبت الحركة مشبعة رغم جزمها ، لأن في علم العروض يجب كتابة الحركة بحرف لينها المناسب ، وعند الاختلاس تكتب الحركة  المناسبة ، ولا يكتب حرف اللين أو المد ، ولكن معظم الشعراء لم يتقيد بالقاعدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إحذوا الفتنة القبطية القبطية/ أشرف حلمى

لاول مرة منذ احداث الكاتدرائية السوداء والإعتداء عليها من قبل الغوغاء السلفية بتشجيع وتواطؤ قوى الامن يعود مجدداً أقباط المهجر ليكشرون عن انيابهم للحكومة المصرية علانيتاً ويعلنون التظاهر ضد الظلم الممنهج الواقع على كل من الكنيسة بسبب تعمد تجاهل طلباتها المتعلقة بإطلاق قانون العبادة الموحد والاقباط بسبب عدم تعامل الحكومة مع السلفيين كإرهابيين نتيجة اعمال العنف الوحشية تجاههم والاعتداء على حرمة منازلهم وكنائسهم وسط تعتيم إعلامى وتدليس حكومى وغياب القانون وضغوط على القيادات الكنسية لتهدئة الاقباط وقبولهم بجلسات العار العرفية لإهدار حقوقهم كما كان يحدث قبل ثورة يناير وأثناء حكم المجلس العسكرى إضافة الى تهدئة اقباط المهجر .
الم تعلم الحكومة المصرية ماذا فعل أقباط المهجر الوطنيين تجاه مصر على مدى ثلاث سنوات بعد ثورة يونية ؟ من أجل الإطاحة بالدولة الإخوانية لا من اجل إقامة الدولة الوهابية , لأجل إقامة دولة القانون ولا لاجل دولة المجالس العرفية , لاجل إزاحة جماعة الاخوان الإرهابية ولا من أجل تمكين الجماعة الوهابية السلفية ذو الفكر الداعشى والإنصياع لها , من اجل تغير الدستور الدينى لا من أجل ترقيعه وضمان إحتفاظه بموادة العنصرية ومن اجل إسقاط حكم المرشد ولا لاجل حكم الازهر  ... الخ .
لقد نجحت الخطة الوهابية بجزئها الاول وبرؤوس اموالها بشراء ضمائر مؤسسات الدولة فى إشعال الفتن الطائفية بين قطبى الامة وسط إنشغال المصريين بالمشاكل الإقتصادية والغلاء الفاحش للاسعار وصمت الدولة تجاة الجرائم الإرهابية التى تعرض لها الاقباط خلال الاشهر الماضية على يد السلفيين والتى مازالت مستمرة ولن تتوقف نتيجة رضى الدولة عليها  ( السكوت علامة الرضا ) وغياب القانون إضافة الى إهانة مؤسسات الدولة للسيد عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية وضرب بقراراتة عرض الحائط والخاصة بمحاسبة الخارجين عن القانون وتحسين الخطاب الدينى معتمدة على رجوع اقباط الداخل الى أحضان الكنيسة كما كان الحال قبل ثورة ٢٥ يناير .
ومازالت الخطة مستمرة على قدم وساق بإستعمال اساليب الضغط والترهيب للقيادات الكنسية من قبل مؤسسات الدولة للسيطرة على أقباط المهجر ( الذين يرفضوا وصاية رجال الدين عليهم ) فى محاولة لإثارة الفتنة القبطية بين اقباط الخارج واقباط الداخل من جانب وقياداتهم الكنسية من جانب آخر وذلك بعد ان اهتزت ثقتهم  فى رئيس الدولة حتى يخلو الجو لإعلان الدولة الدينية رسمياً بعد سيطرة الازهر والسلفيين المدعومين من الفاشية الوهابية على مفاصل الدولة التى لم تجرأ الحكومة فى إتخاذ اى قرار الإ بالرجوع اليهم بالتزامن مع تركيع الدولة لاصحاب رؤوس الاموال الوهابية التى عملت على وصول المصريين الى مرحلة التفكير فى ثورة أخرى بعد إشتعال أزمة العملة الاجنبية والأثار التى ترتبت عليها بالسلب على المصريين .
فهل سينجح الرئيس السيسى بالخروج بالبلاد من هذه المرحلة الصعبة كما عمل من قبل وانقذ البلاد من الجماعة الإرهابية ؟ ام سيسلم الدولة للفاشية الوهابية الرأس مالية مقابل الإحتفاظ بالكرسى الآمن للرئاسة كما فعلها من قبل المجلس العسكرى وسلمها للإرهابية مقابل الخروج الآمن .

    

حديث المقاهي في الناصرة/ جواد بولس

لم ننتبه لعددهم، فلقد تحلقوا طاولةً من خلفنا وتناقشوا بصحبة القهوة وشقيقاتها. كانوا يتحدثون بصوت خفيت وخال من الإنفعالات، لكنهم لم ينجحوا بضبط إيقاع الجلسة فكان، بين حين وآخر، يفلت منهم ما يشبه الصراخ.
كان عدنان، هكذا دعاه صاحبه حين قاطع كلامه، يصف بدقة كاريكاتيرست كيف بدت وجوه أعضاء المجلس البلدي في الناصرة عندما نهرهم رئيس بلديتها وأمرهم بمغادرة قاعة الإجتماعات معلنًا، بشكل مفاجئ، عن إنهاء جلسة البلدية التي انعقدت، في الثالث عشر من تموز الجاري، وفق أمر قضائي إستصدرته قائمة الجبهة لمناقشة قضية مركز المسن في المدينة. لم نفهم إذا كان عدنان مؤيدًا للرئيس أم معارضًا، مع أنه وصف المنظر بنبرة ممسرحة مستعرضًا كيف"سكسك" الجميع وتركوا المكان وكان في طليعتهم زملاء الرئيس من قائمة ناصرتي، وأضاف، قبل أن يوقفه سليمان، أن الناصرة بحاجة لرئيس "قد حالو جدع" ويفهمها.
لم يوافقه سليمان بشكل تام، فهو بدوره عزا قوة الرئيس الحالي لما خلفته الحروب الطاحنة، التي دارت لسنوات طويلة بين نشطاء الجبهة مع نشطاء حزب التجمع، من عداوات وجروح ما زالت متقرحة لم تشفها الأيام ولا تشكيل القائمة المشتركة التي ألفت بين الرؤوس وأهملت الجذوع والأغصان، فعمليًا صار الرئيس قويًا لغياب معارضة سياسية حقيقية تحظى باحترام أهل الناصرة وتأييدهم، وذكّر سليمان رفاقه كيف خاطب السيد علي سلام جميع أعضاء الكنيست عن القائمة المشتركة حين وقف، في التاسع عشر من حزيران/ يونيو، أمام آلاف المحتفلين في آخر يوم من ليالي رمضان المنصرم، وأعلن قبوله تحدي القائمة المشتركة إذا ما قررت ترشيح منافس له في إنتخابات البلدية المقبلة، كما نشر في الأخبار، واعدًا الجماهير أنه سيهزم ذلك المرشح، ومتوعدًا "المشتركة"، لأنه واثق بما يملكه من رصيد كبير وهام هو : محبة أهل الناصرة له، وهذا ما لا تمتلكه الأحزاب السياسية التي خسرت أمامه في الإنتخابات الأخيرة.
حاولنا ألا نصغي لحديثهم والعودة إلى مواضيعنا، فلقد كان انتقالنا بينها أسرع من ايقاع الموسيقى التي ملأت فضاء المقهى الذي التقيت فيه إثنين من أصدقائي النصراويين في ظهيرة يوم الجمعة الفائت. في الخارج درجة الحرارة أعلى من معدلها العام، كما تردد في نشرات الأحوال الجوية، أما نحن فلم نشعر بذلك وقد ألهانا النقاش المتفرع بيننا وحولنا وطرّت بعض كؤوس البيرة جفاف حناجرنا.
الناصرة كانت تفيق كطفلة تتحسس ضفائرها.   
أذكر أننا بدأنا الحديث عن محمود درويش ومقارنته الخرقاء بهتلر. فثلاثتنا نحب الدرويش ونُنقود كالحمام، كلّما نلتقي، الحب من طواحينه، كل حسبما تسعفه الذاكرة وتغويه الذكرى، فتجد رائفنا يتلو ما تيسر من دروس كاما سوترا في الإنتظار، ونبيل يستعذب "طباقه" لادوارد سعيد، وأنا تأخذني عتبات ستيني إلى منفاي وما أبقاه العمر من طل في العيون الشقية.
في مثل هذه المجالس يمر الوقت مخلفًا دهشة هشة وكسرات مواضيع كنا نعفناها بين ضحكاتنا ولم نشأ لملمتها، فليس من طبيعة الندمان إحتراف الجد والعبوس.
من "طباق" محمود اشتبكنا سريعًا مع واقعنا، نحن الجماهير العربية في إسرائيل، ومع أزمة هويتنا المتفاقمة، أو على وجه التحديد مع عوامل التأثير الفاعلة في تكوين هويتنا الوطنية، لا سيما بعد أن أصررت أن ما كان مسلّمًا به قد تصدّع، فاليوم قد تراجع "الفلسطيني" عن مكانته كمركب محسوم بارز في هويتنا المخروقة أمام الإسلامي الداهم الطاغي، والإسرائيلي المهزوز الملتبس المدفوع بيننا؛ ومن سيمعن التمحيص سيجد، هكذا قلت مستنفرًا صديقين مثقفين وطنيين، أن أقوى عاملين يؤثران في تكوين هوية الفرد الوطنية ومنها في هويتنا الجمعية هما: الحركات الإسلامية على تفرعاتها وتشكيلاتها المعلنة والسرية ووعاظها المتزمتين والعصريين من جهة، وبالمقابل ستجدان المؤثرات الإسرائيلية الموجَّهة علينا وبيننا، المباشرة منها والمخفية، كما يعكف على تصنيعها وتوريدها إلينا دهاقنة السياسيين الإسرائيليين ومخططو الاستراتيجيات العليا. 
يساندني في موقفي هذا تلك المشاهد لعروبة تتشظى فيما كنا نأمنه كعمقنا العربي، حيث تصطف اليوم مجتمعات تلك الدول قبائل وطوائف ومللا متناحرة، وفيها جيوش من القتلة يحاربون قتلة والعوائد: سبايا ونفط ورقاب ناس صارت أرخص من رقاب الماعز والبقر، ويساندني كذلك اندفاع غزة نحو المطلق وإبقاء الضفة تواجه مجهولها والعدم؛ فأنا لا أملك بينّة "علمية" تدعم موققي وأحساسي، قلت لرفيقيّ، إنها مجرد إنطباعات وقراءات لواقع أحوالنا كما نعيشها، بمرّها وأمرّها، ولتلك الضوابط القامعة التي تتجذر أمام أعيننا في قرانا.
حاول نديماي اعتراض فكرتي ونفيها بخفة، لكنني ألححت مطالبًا بما لديهما من إثباتات معمدة في بساتين حاراتنا وملاعبها، وأكدت أنني غير مقتنع بما يسمى "دراسات وأبحاث" تجريها بعض جمعيات المجتمع المدني حتى وإن صدقت ببعض جوانبها، فهذا لا يشكل، برأيي، بينة موضوعية شاملة كافية تتعرض لتفاصيل حياة مجتمعاتنا المتشيئة جزيئياتها أمامنا، وكذلك لا أعتمد على ولا أثق بإستطلاعات رأي يحلو للبعض وصفها "بالمهنية" خاصة تلك التي أعدتها ونفذتها بعض معاهد البحث والدراسات الإسرائيلية، فواقع مجتمعاتنا يفقأ أعين جميع تلك الخلاصات ويفند نتائج تلك الدراسات، لا سيما ونحن نعرف، فوق كل ذلك وقبله، أن السياسة الإسرائيلية الممنهجة تعمدت تضخيم قضية هويتنا الفلسطينية حتى حوّلونا باستغلالها إلى طابور خامس يسعى إلى تدمير إسرائيل من الداخل، وعلى ظهر هذه "التهمة" مرروا ممارسات قمعهم العنصري ضدنا وسهلوا عملية إقصائنا عن حياة الدولة ومؤسساتها وضمنوا حرماننا من حقوقنا المترتبة على كوننا أقلية مواطنِة تنشد العيش بسلام وحرية وكرامة ومساواة.
لم نف هذه المسألة حقّها بشكل عميق وجدي، لكننا، وقبل انتقالنا لموضوع آخر، أجمعنا أن الهوية لا تعرف الجمود وهي أبدًا تتغير وتتبدل أو كما قالها محمود في طباقه: " إن الهوية بنت الولادة، لكنها في النهاية إبداع صاحبها لا وراثة ماض" ..
علا صوت من الطاولة التي خلفنا فسكتنا. بنبرة موضوعية رصينة جيء على ذكر مقابلة طويلة أجرتها صحيفة الصنارة النصراوية في السادس من آب المنصرم، أكد فيها علي سلام أنه سيفوز في انتخابات ٢٠١٨ برئاسة  البلدية بالتزكية. ثم مباشرة  كانت مداخلة شابة استعرضتها لرفاقها بصوت ينم عن تجربة تنظيمية مصحوب بوجع؛ فهي، هكذا رشح من حديثها، كانت ناشطة جبهوية متحمسة، لكنها، كمئات مثلها، وجدت نفسها مهملة على الرصيف من غير حيّز فيما كانت تعده بيتها الدافئ الآمن، ولذلك توقفت عن تعريف نفسها بالجبهوية لأنهم: "أطفأوا قناديل جبهتنا الظافرة واستبدلوها بشموع  شاحبة تضيء مفاصل جسد متكلسة"، هكذا جاء صوتها من وسط صمت كان يقطر حزنًا وأنهت وهي على حافة الدموع: "الجبهة اليوم صارت جسدًا كهلًا هزيلًا. بعض رؤوسها نسوا أين تكون الجذور وكيف سقاها البناؤون الأوائل بالحب وبريق الانتماء الصادق للبلد، للكادحين وللبؤساء ولفقراء الشعب والوطنيين الصادقين. خسرنا القلاع حجرًا وراء حجر ولا من رقيب جزع أو حسيب قد عرف الفزع، فكيف من المعقول أن تمضي جميع تلك العواصف وتنزل في ساحاتنا كل الهزائم من دون مسؤول يحاسَب أو درس يستنخل كي تنتقى منه الحكمة والعبر. لقد أغفلوا البيت فنشأنا كاليتامى بلا خيمة وفرسان وحقولنا تركت بلا رعاة فعاثت جوارح الجو في أهرائنا، ونحن نجتر خوارق الآباء على عتبات مجد رمادي يتطاير ووطن يئن على مذابح المعابد وفي عتمة الفكر والفكرة". قالت وكأن في الجو كان نسر "يودع قمته عاليًا، فالإقامة فوق القمم تثير السأم.."
أمامنا قصاصة من تقرير صحفي نشر قبل يومين في رأسه يبرز تصريح لرئيس مجلس عربي أعلن بإصرار أن إسرائيل "دولتنا، وعلينا أن نكافح من أجل ما نريد تحقيقه"، كانت تلك خلاصة تقرير أعدته "ذي ماركر" الإسرائيلية مع ثلاثة رؤساء سلطات محلية عربية هي : إكسال، طرعان وبسمة طبعون. وراءنا ينهي سليمان نقاشه بعد مداخلة صديقته التي كانت مرة جبهوية، ويضيف على ما قالته، أن المصيبة، برأيه، بدأت عندما لم تعترف جبهة الناصرة بفوز علي سلام، وباستخفاف قادتها بتلك الألوف التي أعطته ثقتها، وبمسيرتها المستمرة في ارتكاب الأخطاء، وانشغالها بمماحكات جانبية معه ومقارعاتهم الكيدية له، وذلك بدل تضميد الجراح واستخلاص العبر والعودة إلى ميادين الكفاح والالتحام مجددًا مع الناس. ومضى يقارن سلسلة الأخطاء جميعها بما قاله السيد علي سلام وردده مرارًا: "فأعضاء الكنيست لا يستطيعون التأثير على طفل واحد، القيادي الأول والوحيد الذي يؤثر على الشباب هو أنا والثاني هو الشيخ رائد صلاح". وأنهى هو حين كنت أردد بيننا" واصرخ لتعلم أنك ما زلت حيًا وحيًا..ابتكر جهةً أو سرابًا يطيل الرجاء".  
الناصرة في الظهيرة تغسل وجهها بماء العيون،
وفي المقهى جو من مرح وموسيقى. خلفنا أفاقت مجموعة شبان وصبايا على زمن جليلي مختلف. ويحاولون إذابة ثلوج الخيبة بدفء المفاجأة وبمصادقة السراب، بعد أن هجروا أوطانهم السياسية وخرجوا من شرنقات أحزابهم التي كادت أن تحولهم إلى أصنام أو عبدة للخدائع. لم يضيعوا، لم يخنعوا لكنهم لم يهتدوا بعد إلى من يحيك معهم أشرعة الأمان ولا من يبني لهم زوارق النجاة.
إنهم أولاد الحياة يفتشون عن زهرة قد تطل برأسها من بين جدران العبث، ففي "عالم لا سماء له تصبح الأرض هاوية" .. فمتى سينشدون: وداعًا لشعر الخسارة والألم؟