عيد.. لا يحمل أي معناً للتفاؤل/ راسم عبيدات

 في كل عيد نحاول أن نجد فرصة للأمل والتفاؤل  على صعيد وضعنا الفلسطيني والعربي،ولكن تلك الفرص تبدو صعبة المنال والتحقيق،ففلسطينياً عدا قضية الإنقسام المدمر التي غدت أسطوانة مشروخة  تجري محاولة لعلاجها بنفس  الشخوص الأدوات والأساليب التي شاخت جميعها،فلا هي مقنعة ولا هي قادرة على ان تكون القدوة والنموذج ،ولا هي بالأسلوب الأنجح،فالجماهير تدرك جيداً بأن من يقسم لا يوحد،ولا بد من معالجات  جادة وحقيقية تتجاوز القائم والمألوف،حتى لا يصبح الإنقسام كما هو الفالج لا علاج ولا شفاء منه،حيث أنه بعد الاتفاق التركي- الإسرائيلي وصلة ذلك بالقطاع يؤشر على ان الإنقسام سيتعمق ويتشرعن ويتكرس والسماح لتركيا بتحويل الأموال الى بنوك غزة بدون السلطة الفلسطينية،ليس له سوى معنى ضرب المشروع الوطني وتشريع الإنقسام.

اما على الصعيد الأمن والأمان والسلم الأهلي فنحن نشهد حالة غير مسبوقة من الفلتان والتهديد الجدي والخطير للحمة والوحدة والبنية المجتمعية،حيث الجهوية والعشائرية والقبلية تتسيد وتتقدم على أي انتماء آخر،وعمليات القتل والتعدي على الكرامات وحقوق الناس وممارسة الزعرنة والبلطجة واخذ القانون باليد من قبل عصابات ومليشيات مسلحة..الخ،كل ذلك يحدث وأجهزة السلطة الأمنية وشرطتها تقول بأنه لا مؤشر على وجود فلتان امني...؟؟ وكأنها تعيش على كوكب آخر،وتصدر البيانات والتحذيرات والتهديد والوعيد،والتي أصبح المواطن يعتقد انها تاتي فقط للإستهلاك والإجترار المتكرر غير المدعوم بالفعل على أرض الواقع وللتأكيد على الوجود والحضور،الضرب بيد من حديد على يد العابثين والخارجين عن القانون،كردات فعل سرعان ما تتلاشى،والضرب بيد من حديد بحاجة الى جهاز قضائي فاعل ونزيه،وبحاجة  الى عدم التدخل في عمل القضاء وعدم معالجة القضايا والملفات،بما فيها الجرائم الخطيرة بلغة "الطبطة" والمحسوبيات والرشاوي والجهوية والعشائرية والقبلية بدل تطبيق القانون والمساءلة والمحاسبة الرادعة.

وفي ظل هذه الحالة الفلسطينية الداخلية المنقسمة سياساً والآخذة في التشظي مجتمعياً،نجد ان الإحتلال يشن حرباً شاملة على الشعب الفلسطيني، حيث نشهد حالة من العمى السياسي غير المسبوق للقيادات الفلسطينية،فالرهان على المبادرات والمؤتمرات الدولية التي لم تنتج شيئاً مفيداً للقضية الفلسطينية سوى تقارير للرباعية الدولية يهندس مخارجها نتنياهو وكيري،لكي تساوي بين الضحية والجلاد وأبعد من ذلك تطلب من الضحية ان يدين نضاله وكفاحه من اجل الحرية والإستقلال وان يقدم اعتذاره لجلاده..؟؟،هذا الجلاد الذي يمارس كل أشكال القمع والتنكيل والعقوبات الجماعية  بحق الشعب الفلسطيني،ويمارس أيضاً اكثر من ذلك سياسة تطهير عرقي وتدمير أي فرصة للسلام من خلال التهويد والإستيطان "المتغول" و"المتوحش"،حيث الرباعية الدولية بتقريرها الأخير وفرت له الذريعة والشرعية للقضاء على أي امل بحل الدولتين،فها هو يحاصر الخليل ويعزلها عن العالم بعقوبات جماعية غير مسبوقة حصار،هدم منازل،اعتقالات سحب تصاريح،منع من الخروج والتنقل،اغلاق طرق ومداخل بلدات بالكامل،وحتى وصل الأمر تعطيل شبكة الانترنت عن الخليل،وما ينطبق على الخليل ينطبق على بقية الوطن المحتل،حيث الإستباحة الإسرائيلية الشاملة،فالأقصى يشهد تهديدات خطيرة بالمس به عبر الاقتحامات المتكررة والمتصاعدة من قبل الجماعات والجمعيات الحاخامية والتوراتية والإستيطانية بمباركة المستوى السياسي،وبيوت الشهداء تدمر في مخيم قلنديا والخليل،وجثامين البعض منهم ،والذات من القدس طال انتظارها اكثر من ثمانية شهور مضت على احتجازها في ثلاجات الموت،والإحتلال يماطل ويرفض التسليم ويتحدث عن مقابر ارقام لدفنها.

أما على الصعيد العرب،فما زالت حروب التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية هي العنوان الأبرز،وكأن الدم العربي الذي يسفك في كل العواصم العربية،وما يجري من مشاريع تآمرية لتفكيك الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها على تخوم الطائفية والمذهبية،وخلق كيانات اجتماعية هزيلة ودويلات فاشلة،غير مالكة لإرادتها وقرارها السياسي،وغير مسيطرة على خيراتها وثرواتها،ليست كافية للبعض من العرب الذين وقفوا الى جانب تلك المشاريع والعصابات،حيث دعموا ومولوا مالياً وعسكرياً وبشرياً وسياسياً واعلامياً،ووفروا البيئة الحاضنة لتلك الجماعات الإرهابية من "القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" وغيرها من الألوية والتشكيلات الإرهابية،من اجل تنفيذ تلك المشاريع،حتى يعيدوا النظر في مواقفهم وسياساتهم المدمرة،وهم يرون تلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي احتضنوها ودافعوا عنها كجماعات مطالبة ب" الحرية" والديمقراطية" و"الإصلاح" و"التغيير"،تمارس كل أشكال الإرهاب والقتل والتدمير والتهجير بطرق همجية ووحشية،دون أي اعتبار او قيمة للإنسان.

هذه العصابات والجماعات التي تمارس الإرهاب من قتل وتدمير ونهب وسرقات،يٍعلم التاريخ جيداً بانها سرعان ما تخرج عن طوع مشغليها وترتد عليهم،على من احتضنوها ووفروا لها البيئة والدعم بكل أشكاله،وهم باتوا يشعرون بأن هذا خطر جدي على عروشهم وبلدانهم،والبعض منهم كما  هو الحال في تركيا بالتحديد بدأ في الإستدارة وتغيير الموقف،بعد ان ضرب الإرهاب ضربته الموجعة في مطار استطنبول،واعتقد انه بعد الضربات في المدينة المنورة،ربما يستفيق البعض هناك،لكي يراجعوا مواقفهم وسياساتهم،يستفيقوا ويقتنعوا بما قاله سماحة السيد حسن نصرالله،بأن الأموال التي انفقت على الحروب في سوريا واليمن،لو أنفقت على فلسطين لتحررت عشر مرات،وأنا أقول لو انها انفقت على التنمية ومعالجة الفقر والبطالة والتخلف لأنتجت دولاً عربية في مصاف الدول الكبرى.

ما دامت التشظية والفرقة وتساوق البعض ومشاركته في تنفيذ المشاريع المعادية هي السائدة والعنوان،سنبقى نمارس القتل والتدمير بحق شعوبنا وأنفسنا،ونقدم الخدمات المجانية لأمريكا وقوى الإستعمار الغربي وإسرائيل،لكي تواصل إحتلال بلداننا ونهب خيراتها وثرواتها وإحتجاز تطورها لعشرات السنين القادمة،والأخطر من ذلك تفكيك البنى المجتمعية عبر ثارات   مستديمة بين مكوناتها ومركباتها الأثنية والمذهبية يصعب دملها ومعالجتها لعشرات السنين.

 علينا كعرب وفلسطينيين ان نغادر لغة الندب والبكاء،والإستجداء و"التسول" على عتبات البيت الأبيض والمؤسسات الدولية،وإستدخال ثقافة ونهج الهزيمة و"الإستناج"،وعلينا أن نكف عن "الإرتعاش" السياسي المستديم في التعامل مع الغرب الإستعماري وامريكا،فلدينا من الإمكانيات والطاقات والقوة،اذا ما توحدنا وامتلكنا إرادتنا وقرارنا السياسي،سنصبح جزءاً مهما من المعادلات الإقليمية والدولية،وحينها سنكون قادرين على استعادة وتحرير اوطاننا وصنع غد مشرق لشعوبنا التي عانت طويلاً من ويلات الجوع والفقر والبطالة والتخلف واستلاب الحقوق والحريات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق