كيف ستنعكس الزيارات الدبلوماسية لمخيم عين الحلوة..؟/ علي هويدي

زار لبنان في العام 2005 وفد يمثل واحدة من المنظمات غير الحكومية المعروفة في فيينا، أمضى خلالها عشرة أيام تنقَّل فيها بين المخيمات والتجمعات، لا بل واتخذ من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان مكاناً لإقامته. كان هدف الزيارة التعرف والتعريف بواقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في محاولة للضغط لتحصيل الحقوق الإقتصادية والإجتماعية من الدولة المضيفة، التقى الوفد الذي ضم خمسة أشخاص مختلف المشارب السياسية الفلسطينية وكذلك جهات لبنانية رسمية وحزبية، بالإضافة الى وكالة "الأونروا" ومؤسسات تمثل المجتمع المدني ولجان شعبية، ومن ضمن المخيمات التي شملتها الزيارة كان مخيم البرج الشمالي للاجئين، وكان لنا لقاء مع إحدى العائلات التي كانت حينها تسكن بيت مصنوع من التنك "الزينكو"، كنّا حينها وقت الظهيرة في شهر آب/أغسطس ودرجة حرارة الطقس مرتفعة، شاهدنا كيف أن أفراد العائلة السبعة تنتظر في الخارج إلى حين الغروب لتعود إلى البيت حين تنخفض درجة الحرارة، اكتفى أربعة من أعضاء الوفد بالمشاهدة ولمس الجدران من الخارج، لكن كاترين - العضو الخامس - أصرت على دخول الغرف، لا بل والتجول في البيت على الرغم من درجة الحر الشديد.

غادرنا المخيم وحديث الوفد لا يتوقف..، عاد الوفد النمساوي إلى بلاده، حينها كتبت كاترين مقالاً وجدانياً، مما جاء فيه "كنت أعرف الزينكو عبر الإنترنت، أو من خلال ما أقرأه، أو ما ينقله ويصفه لي بعض الأصدقاء، لكني لم أعرف حقيقة الأمر إلا عندما دخلت ذلك البيت وشاهدت تلك العائلة، عندها تعرفت عن كثب على معاناة وحاجات اللاجئين في المخيمات".

خلال عشرين يوم فقط، كان مخيم عين الحلوة على موعد مع زيارتين تعتبران من أهم الزيارات التي تقوم بها شخصيات دبلوماسية رفيعة المستوى لمخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين، الأولى زيارة سفيرة النروج في لبنان لين ليند بتاريخ 10/8/2016 والتجول بأمان في أزقة وشوارع المخيم، وزيارة "سوق الخضار" الشهير، ومنازل لبعض اللاجئين التي تحتاج إلى ترميم، والإستماع إلى حاجات اللاجئين ومعاناتهم الإنسانية، الزيارة الثانية كانت يوم الأربعاء 30/8/2016 لممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ يرافقها المدير العام للأونروا في لبنان ماتياس شمالي والتقت كاغ في أحد مراكز الوكالة في المخيم ممثلي الفصائل والقوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية واللجان الشعبية وممثلين عن لجان الأحياء والقواطع وزارت مؤسسات أهلية..، ودار الحديث حول الحاجات الإنسانية الضرورية والملحة للاجئين في لبنان في ظل تراجع خدمات "الأونروا" وعدم التزام الدول المانحة في المساهمة المالية في صندوق الوكالة، والتأكيد على حق العودة.

تقرير كل من السيدة ليند والسيدة كاغ عن الزيارة - هذه المرة - حتماً سيختلف عن سابقاته من التقارير التي تتناول الوجود الفلسطيني في لبنان إنطلاقا من مخيم عين الحلوة أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خاصة بعد التعرف وبـ "الحواس الأساسية" على المخيم، بعيداً عن النظريات والتحليلات المشككة، فالمستوى الأمني المستقر قد أرخى بظلاله على عين الحلوة وبقية المخيمات الفلسطينية في ظل تسليم عدد من المطلوبين أنفسهم للدولة اللبنانية، وهذا ما عبر عنه المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم وقائد الجيش اللبناني جان قهوجي وآخرون.

على أهمية ما عكسته الزيارتين على المستوى الأمني، فقد فتحت الباب وعلى مصراعيه على الأوضاع الإنسانية المتردية داخل المخيمات، وضرورة أن تلعب الدبلوماسية دورها بالضغط على كل من الدول المانحة لدعم "الأونروا"، وعلى الدولة المضيفة لتوفير الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للاجئين والعيش بكرامة إلى حين العودة، وهذا ما يتطلع إليه اللاجئون على المستوى الإستراتيجي لهذا المستوى من الزيارات.

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 30/8/2016

على طريق مكافحة بطالة المتعلمين/ سري سمّور

لا مراء بأن أزمة البطالة  تجتاح صفوف المتعلمين باطراد وتسارع، وللأزمة أسباب مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر:-
1)    زيادة عدد السكان المطردة، واتجاه وثقافة عامة ترى وجوب تعليم البنين والبنات على حد سواء، وتراجع بل تقريبا تلاشي ثقافة شعبية كانت ترى بأن مكان المرأة هو البيت والمطبخ فقط أو إذا كان لا بد فلتعمل في مجالات محددة لا تتجاوزها، وهذا جعل التنافس للحصول على الوظائف المختلفة محموما لا يقتصر على الذكور.
2)    بناء على ذلك صار هناك فرق شاسع بين حاجة سوق العمل وبين عدد الباحثين عن الوظائف في القطاعين العام والخاص؛ ذلك أنه لا يوجد ضبط أو تنسيق، فمثلا من يدرسون بعض التخصصات إذا أرادوا العمل في مجال التخصص الذي يدرسونه، ولنفرض أنه  التدريس، فلا يوجد حساب دقيق لعدد المدرسين الذين ستحتاجهم المدارس بعد أن يصبح هؤلاء الدارسين حملة شهادات، طبعا مع مراعاة أن عددا منهم سيتجه مختارا لا مجبرا إلى العمل خارج مجال اختصاصه، أو سيكمل دراسة الماجستير والدكتوراه أو سيعمل  خارج البلاد.
3)    الاختراعات والتقنيات الحديثة؛ وهذه أثرت حتى في الدول الصناعية على الحاجة للعنصر البشري؛ لأن الآلة حلت مكان الإنسان، سواء كانت آلة ضخمة أو دقيقة، ولا يظنن أحد أن الأمر أضر فقط بالعمال اليدويين دون المتعلمين؛ فمثلا أجهزة الكمبيوتر أغنت المصارف عن زيادة عدد الموظفين، فالأمر لا يتعلق فقط بالصناعة والزراعة.
ما سبق ربما هو مشترك بين الدول العربية وغير العربية، ولكن الفلسطيني يضاف لأزمته وجود الاحتلال البغيض؛ فالاحتلال يمنع التطور، ويحصر خيارات الفرد الفلسطيني بإجراءاته المدروسة، وإذا كنا نتحدث ونؤكد على أن المشاريع الكبيرة كفيلة باستيعاب نسبة كبيرة من الباحثين عن عمل، وقد ضربنا مثال السد العالي ومطار دمشق الدولي سابقا، وحاليا المشاريع الكبيرة في الخليج، وخذ مثلا مشروع توسعة الحرم المكي؛ فإننا نرى الاحتلال يعيق إعمار ما دمرته آلته الحربية في قطاع غزة، ونحن نعلم أنه لو سمح بإعادة الإعمار دون تنغيصات الاحتلال، لتم استيعاب نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل، ولكن الاحتلال يقف بالمرصاد، ولنتخيل كيف أنه لو كان في كل محافظة في الضفة الغربية مشروعا مثل مشروع مدينة(روابي) في منطقة رام الله الذي يؤكد السيد(شاهر سعد) أمين عام اتحاد نقابات العمال مساهمته في تقليل البطالة.
وعليه فإن الحل الجذري يكمن في التحرر والخلاص من الاحتلال، ولا تقل –حفظك الله- بأن الاحتلال شماعة نعلق عليها فشلنا وعجزنا؛ كلا، فالاحتلال ليس شماعة بل هو واقع سيء يدخل في مسامات حياة شعبنا...ولكن هل نظل نراقب طابور البطالة المتمدد يوميا حتى نتحرر من الاحتلال؟لا بالطبع، فبالإضافة إلى ما قلته حول ضرورة تغيير الثقافة حول التعليم وأهميته وماهيته ورسالته؛ هناك حلول جزئية للحد من البطالة منها:-
1)    التنسيق التام بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات التعليم العالي، وبالتعاون مع جهاز الإحصاء المركزي، للحد من أعداد الخريجين في تخصصات لا مجال أن ينخرط أصحابها في سوق العمل عند تخرجهم في مجال اختصاصهم، ولو تطلب الأمر إقفال أو تجميد بعض الأقسام في الجامعات إلى حين احتياج سوق العمل لها.
2)    السعي الحثيث للتغلب أو حتى التحايل على الاحتلال لتنفيذ مشروعات كبيرة تستوعب أكبر عدد من العاملين، وهنا أتوجه بنوع من اللوم الممزوج بالأمل في تغيير التفكير، إلى أصحاب الثروات الذين غالبا ما يفضلون الربح السريع والاقتصاد الريعي مثل افتتاح المجمعات التجارية والاستهلاكية، على مشروعات تأخذ في الحسبان استيعابا دائما لأكبر عدد ممكن من الباحثين عن عمل.
3)    زيادة نوعية في موازنة التعليم وتخصيص جزء كبير منها لزيادة عدد المدارس؛ وهذا يعني بالضرورة تقليل عبء الحصص الدراسية المكلف بها المعلم بحيث لا تتجاوز 18 حصة في الأسبوع، مما يترتب عليه الحاجة إلى مزيد من المدارس التي ستحتاج معلمين ومعلمات جدد يتم توظيفهم، وأيضا للأمر انعكاس إيجابي على العملية التدريسية برمتها، خاصة إذا تم تحديد العدد الأقصى للصف الدراسي بحيث لا يتجاوز 25 تلميذا/ة.
4)    من يذهبون إلى العمل في الخليج كثير منهم عبر علاقات شخصية، أو بجهود ومراسلات ذاتية، ويا حبذا لو صار الأمر-ولو جزئيا- منسقا ورسميا خاصة ما يتعلق بقطاعات التعليم، ولو تم أيضا اللجوء إلى نظام الإعارة في الخارج بحيث يحل معلمين بدلاء مكان المعارين وهذا سيخفف من عدد الخريجين العاطلين عن العمل.
5)     الإعلان مؤخرا عن تأسيس (مركز خالد الحسن لعلاج أمراض السرطان وزراعة النخاع في فلسطين) خطوة نوعية لاستقطاب الأطباء الأكفاء والاستغناء بقدر كبير عن تحويل الحالات المرضية إلى خارج البلاد، وهذا سيسهم في استيعاب عدد لا بأس به من المتخصصين في المهن الطبية(تمريض ومختبرات وأشعة)، وحبذا لو تم توسيع المنهجية لإنشاء مراكز متخصصة بأمراض أخرى مثل أمراض القلب والعظام وغيرها، وتوزيعها جغرافيا لأن النتيجة في مجالي الصحة واستيعاب عدد لا بأس به من الباحثين عن عمل إيجابية بلا شك.
لا أزعم أن الاقتراحات أعلاه ستجتث مشكلة متشابكة ومعقدة ومتراكمة، ولكن أرى أنها ستسهم لو طبقت في الحدّ من تغوّل البطالة وتبعاتها الاقتصادية والنفسية والاجتماعية عندنا، وأعلم أن هناك أفكارا أخرى قد تكون أفضل مما ذكرت، ولكن هذا ما هداني الله إليه.
،،،،،
وبعد فإن العبد الفقير كان يريد في هذه المرحلة الاكتفاء بالحديث عن التعليم والمتعلمين والبطالة في صفوفهم، ولكن قرّاء أشكر تفاعلهم، بأسئلتهم أو بما اختمر في الذهن عند التباحث شفويا معهم ومع من لم يقرأ المقالين السابقين، وغير ذلك من تفاعلات الكتابة المعروفة قادتني إلى وجوب الحديث عن جانب من ثقافتنا الشعبية حول التعليم وماهيته ونوعيته، ولا أدري هل سيكون الأخير أم لا، ولكن لا بد في المرة القادمة من التطرق للأمر في مقال منفصل بمشيئة الله تعالى وتوفيقه.

احمد شوقي ومَنْ حوله - طرائف ومواقف/ كريم مرزة الأسدي

 أحمد شوقي وشوقي إليه ( الحلقة الرابعة)


كان احمد شوقى ( ت 1932 م) ،  و حافظ ابراهيم ( ت 1932م) - وقد تكلّمت عنهما في الحلقة السابقة استطراداً -  و إبراهيم ناجى ( ت 1953م) و اسماعيل صبرى  - سنتكلم  عنهما موجزا ،  أقول هؤلاء كانوا شعراء ( مصرهم) المشهورين ، و كانت بينهم مودة وقربة أدب  دون ضغائن نفسٍ ، ولا غلّة قلب ، يتمازحون بطرائف وظرائف ، وقد دخل الشاعر الفلسطيني المعروف إبراهيم طوقان (1905 م - 1941م) على خط ممازحة شوقي بقصيدة أخوانية عن ( المعلم ) الرسول المقتول ..!!
    
 11 - أحمد شوقى وجاره الصديق الدكتورمحجوب ثابت والسيارة ، والمحجوبيات تحتل القسم الآخير من ( الشوقيات) :
ننقل لكم حديثها كما رواها الأستاذ خالد القشطيني في صحيفة (الشرق الأوسط) تحت عنوان ( الشاعر والسيارة)، لأنه يسرد بعدها طريفة أخرى للدكتور مصطفى جواد وسيارته ، قائلاً بتصرف :
من بين طرائف أمير الشعراء أحمد شوقى أيضًا مداعبته لصديقه الدكتور محجوب ثابت، حينما رأى سيارته القديمة التى اشتراها بقوله :
لكم في الخط سيارة **حديث الجار والجارة
أوفرلاند) ينبـيك ****بها القنصل (طمـارة))
إذا حركتها مالـــت ***على الجنبين منـهارة
وقد تحرن أحيانـــا ****وتمشي وحدها تارة
ولا تشبعها عـــــين ****مـن البنزين فـوارة
ولا تروى من الزيت **وإن عامـت بــه الفارة
ترى الشارع في ذعر ***إذا لاحت من الحـارة

كان ذلك زمانا يعيش فيه معظم الأدباء والمثقفين في ضنك وعسر. في هذه الأيام أصبحوا مدللين بعد أن أخذت حكوماتهم تقمع لسانهم بإهدائهم آخر وأفخم السيارات. وكما عانى محجوب ثابت من سيارته المستهلكة، كذا كان الأمر مع الدكتور مصطفى جواد، فقيه اللغة العربية. تعطلت سيارته السكراب يوما ولم يعرف كيف يصلحها. قضى مصطفى جواد حياته يصلح عربيتنا بعموده الأسبوعي «قل ولا تقل». ولكنه ككل من قضى حياته في النحو العربي، لم يعرف كيف يصلح سيارته. فقصد بيت الشاعر والأديب مير بصري طالبا مساعدته ....
 لم يجد صاحبه في البيت. فكتب له هذه الأبيات :
سيارتي جاءت إلى بابكم ***تطلب كأسا لصفاء الشرابْ
وهي عروس أنتم أهلها***و الأهـل أولى بإجاب الطلابْ
لا تحرموها عطفكم ولتعد **بكـل ما تهوى وحسن المآبْ
(شفرولة) الاسم ولكنها **فاقت على الخيل الكرام النجابْ (1)

12 - شوقي وأحمد عرابي ، وثورته العرابية:
إن حادثة عرابى باشا التي وقعت عام 1881-1882م كانت بحسب الرأى الشائع رد فعل الضباط المصريين ضد قادتهم الأتراك الذين لا يريدون ترقيتهم إلى الرتب العالية، و صداماً بين القومية العربية المصرية و القومية التركية،  فأرتفع  شأن عرابي كزعيم وطني مناهض للنفوذ الأجنبي ، وكان أحمد شوقي ميالاً للدولة العثمانية ، يقول شوقي في انتصارات مصطفى كمال أتاتورك  :
الله أكبر كم في الفتح من عجبِ *** يا خالد الترك جدّدْ خالد العربِ
ولكن بعد أن خاب ظن شوقي بالقائد والزعيم التركي ، لانقلابه على الدولة العثمانية ، رثى الدولة المنكوبة ...بقصيدته التي مطلعها :
عادت اغاني العرس رجـع نواح**** ونعـيـت بيــن معــــالم الافـــــــــــراح
كفنت في ليل الـــزفـــاف بثوبــه****ودفـنــت عنـــد تبلـج الإصـبــــــــــاح

 لذلك كان  لشوقي موقفه السلبي من ثورة عرابي باشا ، واستقبله بعد عودته من المنفي بقصيدة نشرت في (المجلة المصرية ) لصاحبها ومنشئها خليل مطران، العدد الثاني في 15 يونيو 1901. وقعها بإمضاء (نديم) ، وفيها تشهير واستهزاء بعرابي  وتطلعه لأن يكون ملكاً على مصر ، القصيدة من ( الوافر) ، ومنها :
  
صـَغـار في الذهـاب وفي الإياب *** أ هــذا كـــل شــأنك يـا عرابي؟
عفـا عــنك الأبـاعد والأداني *** فمـن يعـفو عن الوطـن المصـاب؟
وما سألوا بـَنيكَ ولا بـَنيـــنا *** ولا التفتوا إلــــى القـوم الغـِضابِ
فـَعـِش في مصرَ موفورَ المعالي *** رفيعَ الذكـْرِ مـُقتـَبــِل الشبـاب
أ فرقٌ بـَينَ سيـــلانٍ ومـِصـْـر *** وفي كِلْتـَيـْهـِما (حـُــمـْرُ الثياب؟)
يتوب عليك من منفـــــــــاك فيها *** أنــــاس منك أولـــى بالمتاب
وقد نـَبـَذوا جَنابَك حينَ أقْــــوى *** وقد لاذوا إلـــــى أقوى جـَناب
وبالإنجيل قد حلفوا لِفـَـــــــومٍ *** كما حلفوا أمامـــــــــــك بالكتاب
فماذا يَعـْلَمُ الأحـــــــــــْياءُ عَنـَّا *** إذا ما قـــــــــيلَ عاد لها عرابي؟
كما لا يخفى ( حمر الثيابِ) كناية عن الإنكليز ، وقد أعلن شوقي لأصفيائه أنه نادم علي ذلك ، وأنه كان مخطئا في حق الزعيم عرابي .

13 - المعلم بين أحمد شوقي (الأمير)  ، وإبراهيم طوقان (المعلم)
قال أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته المشهورة في المعــــــلم

قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجـيـــــلا ***** كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجـلَّ من الذي **يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـــلّمٍ ***** علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى
أخرجـتَ هذا العقلَ من ظلمـاتهِ ***وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا
وطبعتَـهُ بِيَدِ المعلـّـم ِ، تـارةً ** صديء الحديدِ ، وتارةً مصقولا
أرسلتَ بالتـوراةِ موسى مُرشداً **** وابنَ البتـولِ فعلَّمَ الإنجيـلا
وفجـرتَ ينبـوعَ البيانِ محمــّداً ***فسقى الحديثَ وناولَ التنزيلا
علَّمْـتَ يوناناً ومصر فزالـتا ***** عن كلّ شـمسٍ ما تريد أفولا
واليوم أصبحنـا بحــالِ طفولـةٍ ***** في العِلْمِ تلتمسانه تطفيـلا
من مشرقِ الأرضِ الشموسُ تظاهرتْ* ما بالُ مغربها عليه أُدِيلا
ذهبَ الذينَ حموا حقيقةَ عِلمهم *** واستعذبوا فيها العذاب وبيلا
في عالَـمٍ صحبَ الحـيـاةَ مُقيّداً *** بالفردِ ، مخزوماً بـه ، مغلولا
سقراط أعطى الكـأس وهي منيّةٌ *** شفتي مُحِبٍّ يشتهي التقبيـلا
عرضوا الحيـاةَ عليه وهي غــباوة *** فأبى وآثَرَ أن يَمُوتَ نبيـلا
إنَّ الشجاعةَ في القلـوبِ كثيرةٌ **** ووجـدتُ شجعانَ العقولِ قليلا
إنَّ الذي خلـقَ الحقيقـةَ علقماً ***** لم يُخـلِ من أهلِ الحقيقةِ جيلا
ولربّما قتلَ الغـرامُ رجــــــالَـها ***** قُتِلَ الغرامُ ، كم استباحَ قتيلا

ردّ إبراهيم طوقان على  قصيدة شوقي بقصيدة من الأخونيات ، فيها  من المرارة والسخر لواقع المعلم  الفعلي والعملي والاقتصادي والاجتماعي ،رغم أن ظروف ومنزلة المعلم في عصر الطوقان أفضل بما لا يقاس عمّا عليه المعلم في أيامنا الحاضرة .
نبذة عن حياة إبراهيم طوقان :
إبراهيم عبد الفتاح طوقان (ولد في 1905 في نابلس، فلسطين – توفي 2 مايو 1941 في القدس، فلسطين)   شاعر فلسطيني وهو الأخ الشقيق لفدوى طوقان الملقبة بشاعرة فلسطين ، ولأحمد طوقان رئيس وزراء الأردن في بداية سبعينيات القرن المُنصرم.
تلقى دروسه الإبتدائية في المدرسة الرشيدية في نابلس، وكانت هذه المدرسة تنهج نهجًا حديثًا مغايرًا لما كانت عليه المدارس أثناء الحكم العثماني. أكملَ دراسَتَه الثانوية بمدرسة المطران في القدس عام 1919 حيث قضى فيها أربعة أعوام، بعدها التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت عام 1923 ومكث فيها ست سنوات نال فيها شهادة الجامعة في الآداب عام 1929 م .
عاد ليدرّس في مدرسة النجاح النابلسية بنابلس، ثم عاد إلى بيروت للتدريس في الجامعة الأمريكية. حيث عَمِلَ مدرسًا للغة العربية في العامين (1933 – 1931) ثم عاد بعدها إلى فلسطين.
في عام 1936 تسلم القسم العربي في إذاعة القدس وعُين مُديرًا للبرامجِ العربية، وأقيل من عمله من قبل سلطات الإنتداب البريطاني عام 1940. انتقل بعدها إلى العراق وعملَ مدرسًا في دار المعلمين العالية ، ثم عاجله المرض فعاد مريضًاً إلى وطنه، ولقب بشاعر الجامعة . (2)
الرد الطوقاني على المعلم الشوقي :

شوقي يقول وما درى بمصيبتي ***** قم للمعلم وفــــه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجـلا ***** من كان للنشء الصغار خليلا
ويكاد يقلقني الأمـــــــير بقوله ***** كاد المعلم أن يكون رسولا
لو جرب التدريس شوقي ساعة ** لقضى الحياة شقاوة وخمــولا
حسب المعــــــلم غمة وكآبة ***** مرأى الدفاتر بكرة وأصــــيلا
مائة على مائة إذا هي صـلحت ** وجد العمى نحو العيون سبيلا
ولو أن في التصليح نفعا يرتجى *** وأبيك لم أك بالعيون بخـيلا
لكن أصلح غلطة نحـــــــــوية ***** مثلا واتخذ الكتاب دلــــــيلا
مستشهدا بالغر مـــــن آياته ***** أو بالحديث مفصلا تفصــــيلا
وأغوص في الشعر القديم فانتقي *** ما ليس ملتبسا ولا مبذولا
وأكاد ابعث سيبويه من البـلى *** وذويه من أهل القرون الأولى
فأرى حمارا بعد ذلك كـــلـه ***** رفع المضاف إليه والمفعــولا
لا تعجبوا إن صحت يوما صيحة *** ووقعـت مابين البنوك قتيلا
يا من يريد الانتحـــــار وجدتـــه ***** إن المعلم لا يعيش طـويلا


14 - شوقي يخاطب السلطان العثماني عبد الحميد ، ويصف الجسر الواصل بين ضفتي البسفور ...!!!

أمير المؤمنين رأيت جسراً***أمرُّ على الصراط ولا عليهِ
له خشبٌ يجوع السوس فيهِ **وتمضي الفار لاتأوي إليه
ولا يتكلف المنشار فيه ***** سوى مرّ الفطيم بساعديه
ويبلى فعل من يمشي عليه ... وقبل النعل يدمي أخمصيه
وكم قد جاهد الحيوان فيه ... وخلف في الهزيمة حافريه
وأسمج منه في عيني جباةٌ *****تراهـم وسطه وبجانبيهِ
إذا لاقيت واحدهم تصدّى ******* كعفريتٍ يشـيرُ براحتيهِ
ويمشي (الصدر) فيه كل يومٍ ** بموكبهِ السنيِّ وحاـرسيه
ولكنْ لا يمـــرُّ عليــــه إلا*****كما مـــــرّت يداه بعارضــيه
ومن عجب هو الجسرالمعلّى * على (البسفور) يجمع شاطئيه
يفيد حكومة السلطان مالاً ****** ويعطيها الغنى مــن معدنيه
يجود العالمون عليه هذا******بعشرتـــــهِ وذاك بعشرتيـــــــهِ
وغاية أمره أنّا سمعنــــــــا ******لســـــان الحال ينشدنا لديه
(أليس من العجائب أن مثلي ******** يرى ماقلّ ممتنعاً عليه)
 (وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً ***** وما من ذاك شيءٍ في يديه) (3)

وردت كلمة ( الصدر) ، ويعني به الصدر الأعظم ، قاضي القضاة ، نقلت النص من ( جواهر أدب ...) السيد أحمد الهاشمي  ، وحرّكت بعض الكلمات ، ووضع الشدات والتنوين ، إن لزم الأمر ...، ولله الأمر من قبل لاومن بعدُ!!

15 - شوقي  بين حساده بعد أن بويع بإمارة الشعر 1927 م :
لم تتفق كلمة الشعراء على أن أحمد شوقي أميرهم في شاعريته ، ولِمَ الإمارة ؟   ولماذا أمير ؟!! وعلى مَن ؟  وهل الشعر دولة ، ولها كيان ؟  والحساد كثيرون ، والساخرون مستعدون ،
وقد حاول هؤلاء الشعراء أن يسخروا من هذه المبايعة لشوقي بإمارة الشعر، فأقاموا احتفالاً لمبايعة أخرى على هواهم، ورأوا أن يؤمروا أميراً للشعراء يختارونه هم، ووجدوا هذا
الأمير في شخصية رجل بسيط محب للأدب ويعمل في دار الكتب المصرية، ويسمى حسين محمد  ويلقب بـ  (البرنس) ، ومادام ( برنساً)  فهو جدير بإمارة الشعراء.
وأقيم الحفل في ليلة من ليالي رمضان، والتف جمع من هؤلاء الشعراء حول البرنس الجالس على كرسي إمارة الشعر، يمطرونه بمدائحهم ومن هؤلاء الشاعر الفكه حسين شفيق المصري الذي عُرف بشعره  (الحلمنتيش) والذي قال فيه :
يا حماة القريض حول البرنس **أصبح الشعر دولة ذات كرسي
وهل الحكم والإمـــــارة إلا ***لبرنس يُضحي بـرأي ويمـــــسي
يقرض الشعر مثلما يقرض الفأرُ ***حبالاً قـد فتلت من دِمَقــس
كان من قبله القريض بجلبابٍ ***فأضحى (ببنطلون) و(جـرس)
أيها الشاعر الكبير رضينـــاك ***أميــراً ، فكُنـــهُ تفديك نفســي
ثم تداعي بعض المثقفين فأقاموا حفلا لإعلان صلاح عبد الصبور الحداثي أميراً للشعراء لكن صلاح لم يحضر مفشلاً سعيهم (4)

 16 -   يقول ابنه حسين : في مجالسه الخاصة يميل إلي المرح وله أصدقاء ظرفاء مثل
محمد البابلي والدكتور محجوب ثابت وعبد العزيز البشري وله مداعبات شعرية كثيرة مع
الدكتور محجوب وبعض أصدقاءه وأقاربه ومنهم ابن خالته الذي كان يتميز بأنف طويل وقال
له شوقي مداعبا عقب عودته من الحج :
لك أنف يا ابن خالتي *** تعبت منه الأنوفُ ****أنت بالبيت تصــــلي وهو بالركن يطوفُ
  وللشاعر العباسي ابن الرومي وصفاً كاريكاتيرياً للأنف مرات عديدة منها:
حملتَ أنفاً يراه الناس كلهــــــم *** من ألف ميل عيــــــاناً لا بمقياسِ
لو شئتَ كسباً به صادفتَ مكتسَباً** أو انتصاراً مضى كالسيف والفاس
فكان تصويره للأنف رائعاً ، وجعل له فائدتين ، فمنظره الغريب يجلب له مالاً إن أظهره للناس ، وهو سيف يقاتل به. ، وله وتأثر بهما شوقي في وصفه : 
 لك أنف بل أنوفُ ***** أنِفَتْ منــه الأنوفُ
أنت في القدس تصلي **وهو بالبيت يطوفُ (5)

 17 - إبراهيم ناجي ( 1898-1953م ) :
   يقول الدكتور شوقي ضيف في ( الأدب العربي المعاصر في مصر) : في " شَبْرَا" أحد أحياء القاهرة وُلد إبراهيم ناجي سنة 1898 لأسرة مصرية مثقفة، وأخذ يختلف -مثل أقرانه - إلى الكُتَّاب، ثم المدرسة الابتدائية، فالمدرسة الثانوية. ووجد في أبيه الذي كان ينزع إلى قراءة الآثار الأدبية في العربية والإنجليزية موجِّهًا ممتازًا، وكان أهم شاعر أُعجب به ناجي في نشأته خليل مطران، ولما أتم دراسته الثانوية التحق بكلية الطب، وتخرج فيها سنة 1923 وهو يحذق الإنجليزية. وتعلم الفرنسية ، ولما أسس الدكتور أحمد زكي أبو شادي جماعة أبولو سنة 1932 اختاره وكيلًا لها، ونهض معه بإخراج مجلة أبولو المعروفة. (6)
18 - من طرائفه :
 تذكر ( مدونة أقرب ) من طرائفه : كان ناجي يجلس ومجموعة من أصدقائه منهم محمود تيمور وإبراهيم المصري ومحمد أمين حسونه وغيرهم في جروبي عدلي ودخل عليهم عبد الحميد الديب وتناول ناجي بكلام بذي ولم يرد ناجي في جينه عليه ليس عجزاً وإنما ترفُّعاً ولم يتمالك شيطان شعره أن يمر الموضوع ويمضي صاحب الإساءة بإساءته فأطلق عليه صواريخه القاتلة :
رجلاً أرى بالله أم حشرة *** سبحان من بعيده حشره
يا فخر " دارين" ومذهبه **وخلاصة النظرية القـذرة
أرأيت قردا في الحديقة قد *** فلّته أنثــاه على شجرة
عبد الحميد إعلمْ فأنت كذا ***ما قال دارو، وفي البيت جناس تمام جميل ...!!ين وما ذكره
يا عبقرياً في شناعتــه *** ولدتك أمــــك وهي معتذرة (7)
الأبيات من البحر الكامل حذاء العروض  والضرب ، ولكن أرى عجز البيت الأول فيه خلل عروضي ، ثقيل على السمع ، يا حبذا لو كان ( سبحان من بوعيده حشره)

: 19 - إسماعيل صبري 1854-1923م
    يذكر شوقي ضيف في مصدره السابق : وُلد إسماعيل صبري في القاهرة سنة 1854 لأسرة متوسطة، وأخذ يختلف منذ نشأته إلى المدارس على غرار نُظَرائه من أبناء هذا الزمان، فالتحق بمدرسة المبتديان سنة 1866 ثم بمدرستي التجهيزية والإدارة "الحقوق" وأتم دراسته في الأخيرة سنة 1874. وبمجرد تخرجه فيها أُرسل في بعثة إلى فرنسا، فنال شهادة الليسانس في الحقوق من كلية إكس سنة 1878، وفتحت هذه الشهادة الأبواب أمامه كي ينتقل في وظائف السلك القضائي بمصر، وفي سنة 1896 عُيِّن محافظًا للإسكندرية، وظل بهذه الوظيفة ثلاث سنوات انتقل في نهايتها وكيلًا لوزارة العدل "الحقانية حينئذ". وما زال يشغل هذا المنصب حتى طلب إحالته إلى المعاش في سنة 1907. وخلص منذ هذا التاريخ لشعره وفنه حتى لبَّى نداء ربه في سنة 1923.
تحول بيته إلى منتدى يألفه الأدباء والشعراء، وعُرف بين الأخيريين خاصة بذوقه الدقيق وحسه المرهف، فكانوا يعرضون عليه أشعارهم، ويستجيبون لنقده وملاحظاته، ولعل ذلك هو السبب في أن معاصريه كانوا يلقبونه "شيخ الشعراء " فهو شيخهم المجلِّي، واعترف بذلك حافظ وشوقي في رثائهما له، يقول حافظ :
    لقد كنت أغشاه في داره***وناديه فيها زها وازدهرْ
    وأعرض شعري على مسمعٍ**لطيفٍ يحس نبو الوَتَرْ
     :ويقول شوقي
    أيام أمرح في غبارك ناشئًا  *** نَهْجَ الْمِهار على غبار خصافِ
أتعلّم الغايات كيـــف ترام في****مضمار فضل أو مجال قــواف (8)

20 - طرائف إسماعيل صبري :
 وكان الشاعر إسماعيل صبري يقول عن صالون مي يوم الثلاثاء :
    روحي على بعض دور الحي حائمة **** كظامئ الطير تواقا إلى المـــــــاء
     إن لم أمتــــــع بميٍّ نــاظـــــريَ غداً  ***لا كــان صبحك يا يـــــوم الثلاثـاء
   
كان لاسماعيل صبري أخت اسمها أسما وفى إحدى المرات ذهب اليها فى دارها و لم يستطع الدخول فقال :
طرقت الباب حتى كلَّ متني ****فلما كـلَّ متنـي كلمتني
فقالت يا إسماعيـل صبـراً **فقلت يا أسما عيل صبـري

 كلَّ : تعب ، والمتن هومنطقة الرسغ فى اليد ، ولمّا تعبتْ متني  كلمتني (أجابتني) :
أيا إسماعيل صبراً ( اشبيك يا سبحان الله !!) ، فقلت لها يا أسما  عيل (نفد) صبري !!
ونحن لم ينفد صبرنا ، فالصبر جميل ، ولكن طال بحثنا ، والبحث طويل .....!!
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الشاعر والسيارة : خالد القشطيني -  صحيفة الشرق الأوسط. 
الخميـس 19 رجـب 1431 هـ 1 يوليو 2010 العدد 11538
(2) إبراهيم طوقان : الموسوعة الحرّة .
https://ar.wikipedia.org/wiki/
(3) جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب : أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي - توفي 1362 هـ -  ج2  ص 355  - المكتبة الشاملة .
(4) إمارة الشعر .. واكراهات واقع القصيدة العربية : د . الشيخ سيدي عبد   الله الأحد، 12 مايو 2013 م - وكالة النبأ الأخبارية .
(5) ابن الرومي : الرسام الكاريكاتيري الرائع : الدكتور عثمان قدري مكانس
 http://www.saaid.net/wahat/a/72.htm
    (6) الأدب العربي المعاصر في مصر :أحمد شوقي عبد السلام ضيف الشهير بشوقي ضيف -  1 / 154 -  الطبعة 13 - دار المعارف .
(7) مدونة اقرب - مواقف طريفة - من طرائف الشاعر إبراهيم ناجي
http://aggrab.blogspot.com/2011/10/blog-post_9438
(8) الأدب العربي ...: 1 / 92 - 94  -  م. س .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر ومراجع أخرى عامة :
      9 - مجلة «الزهور» المصرية : أسسها: أَنْطُون الْجُمَيِّل والشيخ أمين تقي الدين
    (الناشر: دار صادر (تصويرا عن: مطبعة المعارف بشارع الفجالة - مصر
    عام النشر: صدرت من 1910 - 1913 م
10  - الشوقيات ...ديوان أحمد شوقي .
11  - ديوان حفظ إبراهيم.
   12 مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1433 هـ = أبريل - مايو 2012م ، العدد : 5 - 6 ، السنة : 36
دراسات إسلامية : شوقي في شعر حافظ - بقلم : أ. د. محمد مصطفى سلام.
13  - صحيفة ( الأهرام ) المصرية ، عدد يوم 6 يناير 2016م - مقالة بقلم عبد الحسيب الخناني
14 - المصري اليوم - العدد ٢٦٨٠
السبت   ١٥   اكتوبر   ٢٠١١ عدد اليوم - أحمد محمود سلام - ذكري رحيل امير الشعراء أحمد شوقي.

كريم مرزة الأسدي

مؤتمر بازل 1897...بداية مشروع الدولة الصهيونية/ محمود كعوش

من المفيد البدء بالإشارة إلى أن بعض الصحف "الإسرائيلية" اعتادت بين الحين والآخر أن تطل علينا بمقالات ودراسات يحذر فيها كتابها حكومات تل أبيب التي تعاقبت على الحكم في الكيان الصهيوني من مغبة ما قد تؤول إليه الأوضاع في كيان العدو إذا ما تواصلت سياسة التمييز العنصري الحمقاء، التي درجت على ممارستها ضد الشعب الفلسطيني داخل وخارج ما يسمونه "الخط الأخضر" على مدار الوقت الفاصل بين حدوث النكبة في عام 1948 والآن، بشكل مجاف لكل الأعراف والقوانين الدولية.

وأذكر أنه عشية إحياء الصهاينة مرور قرن على رحيل الصهيوني والمنظر الأكبر للإرهاب تيودور هرتزل في التاسع من شهر تموز 2004، حذرت بعض الصحف "الإسرائيلية" المعروفة من احتمال حدوث كارثة حقيقية قد تهدد الوجود المصطنع لهذا الكيان القائم بقوة الحديد والنار فوق ثرى فلسطين منذ عام 1948، إذا ما استمرت حكوماته بممارسة سياسة التمييز العنصري بحق أبناء الشعب الفلسطيني الذين كان قد مضى على اغتصاب أراضيهم بالقوة في حينه ستة وخمسون عاماً.

وقد تميزت صحيفة "هآرتس" في حينه عن بقية الصحف "الإسرائيلية" بهذا الخصوص، فكانت أكثرها وضوحاً ومباشرة في تحذير حكومات الكيان الصهيوني. فيومها قالت الصحيفة المذكورة في افتتاحيتها التي خصصتها للمناسبة ما نصه: "إنه يتعين علينا - على الإسرائيليين - القول دون خشية أو تردد أن صهيونية الألفين لن تبقى على قيد الحياة في حال ظل تفسيرها لدولة اليهود على أنها دولة الأبارتهايد التي تتحكم بالفلسطينيين خلافاً لإرادتهم ورغباتهم. ويجب أن نذكر أن معاناة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال قاسية مثل معاناة يهود أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر. إن مستقبل دولة اليهود مرتبط بمستقبل الشعب الفلسطيني الذي يعيش إلى جانبها وفي داخلها. والحل المنطقي والأخلاقي لهذا لا يمكن العثور عليه في الحلم وإنما في إصلاح الواقع".

وبإمكان أي متابع لأدبيات المنظمات الصهيونية وممارساتها على أرض الواقع أن يستدل على أن "الحلم الصهيوني" كان قد بدأ يعبر عن ذاته بشكل سافر واستفزازي مع التئام شمل المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل على الحدود السويسرية الألمانية، وتحديداً في شهر آب 1897. ففي ذلك المؤتمر تم وضع الأساس النظري للدولة العبرية، التي قامت فيما بعد على أنقاض فلسطين الحبيبة في خاصرة الوطن العربي، في ظل خنوعٍ عربي وإسلامي وتواطؤ وتآمرٍ دوليين.

لقد عرفت الفترة التي امتدت بين انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول واللحظة الراهنة محطات كثيرة خطيرة ومؤلمة حاول الصهاينة خلالها تمزيق وتفتيت الوطن العربي واختراق كل خطوطه الدفاعية، بدعمٍ وتأييدٍ مطلقين من الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة. فخيوط الصهيونية التي نُسجت في ذلك المؤتمر انتشرت في العالم كالسرطان وتمددت بشكل مدروس ومتسارع لتطال معظم أرجائه، وذلك من خلال استئثارها بزمام الأمور الاقتصادية والإعلامية في غالبية بلدانه وتزعمها للانقلابات العسكرية فيه تمويلاً وتنفيذاً، وامتلاكها لأضخم إمبراطورية مالية تغذت خزانتها من مساعدات المنظمات الصهيونية والجاليات اليهودية والتيارات المسيحية المتصهينة المتعاطفة معها ومن التعويضات الألمانية والمساعدات الأمريكية التي ما تزال تتدفق عليها حتى الآن.

انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في المدينة السويسرية بين التاسع والعشرين والحادي والثلاثين من شهر آب 1897، وأشرف على تنظيمه ورئاسته المفكر والكاتب اليهودي المجري تيودور هرتزل الذي يُعدُ أبو الصهيونية العالمية، وحمل المؤتمر شعار "العودة إلى صهيون". وصهيون كما نعرف هو جبل في مدينة القدس الفلسطينية المحتلة. وحضره 204 من المندوبين اليهود، منهم 117 مثلوا جمعيات صهيونية مختلفة، و 70 جاءوا من روسيا وحدها. كما حضره مندوبون من القارتين الأمريكيتين والدول الاسكندنافية وبعض الأقطار العربية وبالأخص الجزائر. وكان مقرراً للمؤتمر أن ينعقد في مدينة ميونيخ الألمانية، إلا أن الجالية اليهودية هناك عارضت ذلك لأسباب خاصة بها مما استوجب نقله إلى مدينة بازل السويسرية.

افتتح الإرهابي تيودور هرتزل المؤتمر بخطابٍ "ناري وعاطفي" كشف فيه عن الهدف الحقيقي من وراء انعقاده، والذي تمثل بما أسماه "وضع الحجر الأساسي للبيت الذي سيسكنه الشعب اليهودي في المستقبل"! وأعلن في ذلك الخطاب "أن الصهيونية هي عودة إلى اليهودية قبل العودة إلى بلاد اليهود"! كما حدد فيه مضمون المؤتمر فاعتبره "الجمعية القومية اليهودية". وفي نهاية المؤتمر أقر المؤتمرون أهداف الصهيونية التي عُرفت بعد ذلك باسم "برنامج بازل" الذي حسم موقف الصهاينة من موقع دولتهم، التي لطالما حلموا بها!!

وبرغم اقتصار أبحاث المؤتمر، إلى حدٍ ما، على المناقشات والمداولات دونما إفصاح مباشر عن التزام واضح من قبل هرتزل بقيام هذه الدولة "الوطن" في فلسطين بالتحديد، إلا أنه شكل بدايةً حقيقية لمشروع الدولة الصهيونية، في ظل توفر العديد من الخيارات والأوطان بينها الأرجنتين وأوغندا، كما شكل الانطلاقة الأولى باتجاه فلسطين. وقد سبق لهرتزل أن فكر في مثل هذا قبل عامٍ من انعقاد المؤتمر كما ظهر جلياً في كتابه "الدولة اليهودية". هذا وشكل المؤتمر نقطة تحول هامة وخطيرة جداً في تاريخ الحركة الصهيونية، بعدما نجح منظموه في جمع معظم صهاينة العالم تحت سقفٍ واحد وفي إطار واحد أطلقوا عليه تسمية "المنظمة الصهيونية العالمية"، وهي المنظمة التي تولت من حينه الإشراف على مجمل الأجهزة الصهيونية في العالم. ووفق ما جاء في "الموسوعة الفلسطينية" فإن إنشاء المنظمة الصهيونية العالمية قد شكل فاتحة عهدٍ جديد من النشاط الصهيوني الهدام استهدف تحقيق جميع مخططات الحركة الصهيونية. وقد تفرع عن المؤتمر لجنة تنفيذية تكونت من 15 عضواً كانت بمثابة مجلس شورى، وأخرى صُغرى تكونت من خمسة أعضاء كانت بمثابة حكومة. وتم تأسيس مكتبة مالية لجمع الاشتراكات الصهيونية السنوية من جميع اليهود في العالم، إلى جانب فتح المصرف اليهودي الاستعماري برأسمال بلغ مليون جنيه إسترليني. ووضع المؤتمر برنامجاً سارت عليه جميع المؤتمرات التي عُقدت بعد ذلك، كما وناقش تقارير مفصلة عن فلسطين والنشاط الاستيطاني فيها. ونصبَ المؤتمر تيودور هرتزل رئيساً له ورئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية.

بعد مُضي أقل من عقد على ذلك المؤتمر وبنتيجة تزايد الضغوط اليهودية عليها، عرضت الحكومة البريطانية على المنظمة الصهيونية العالمية ستة آلاف ميل مربع أراضي أوغندا في القارة السمراء لإقامة الوطن القومي اليهودي المنشود!! لكن "منظمة الأرض اليهودية" التي كانت تشكل أحد أبرز أذرع تلك المنظمة، رفضت ذلك العرض وأصرت على أن يكون في فلسطين، متذرعة بما أسمته زوراً وبهتاناً "الرؤية التوراتية"!! وبنتيجة الضغوط المماثلة على الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي الذي تشكل منه "الحلفاء" إبان الحرب العالمية الأولى، أصدر وزير الخارجية البريطاني آنذاك جيمس بلفور وعده المشؤوم في عام 1917 الذي قضى بإقامة "الوطن اليهودي" على أجزاء من فلسطين، ليكون نقطة حماية استراتيجية للدفاع عن قناة السويس وطريق الهند، وليكون قاعدة متقدمة للإمبريالية في الوطن العربي. وتبنى الرئيس الأمريكي هاري ترومان ذلك الوعد بحماس كبير و"طيب خاطر طبعاً"!! وتطور الحال إلى أن جاء المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون الذي انعقد في بازل السويسرية أيضاً في عام 1946 وتبنى بدوره مشروع "بلتمور 1942" الذي قضى بإنشاء دولة يهودية في فلسطين.

لا شك أن المشروع الصهيوني قد رمى بظلاله القاتمة والكارثية على الأرض الفلسطينية والفلسطينيين في آن معاً. فبعد خمسة عقود من مؤتمر بازل، تمكنت الحركة الصهيونية من إقامة الكيان الصهيوني على 78 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، بعد أن طردت بالإرهاب والإكراه والتنكيل والتعذيب 850 ألف فلسطيني من أراضيهم. ثم أجهزت في عام 1967 على ما تبقى من فلسطين، بعد طرد وتهجير مئات آلاف الفلسطينيين الجدد. وبالنسبة للهجرة اليهودية إلى فلسطين، فقد اتخذت بعد مؤتمر بازل الأول طابعاً منظماً، حيث ارتفع عدد اليهود من 30 ألفاً في عام 1897 إلى 650 ألفاً في عام 1948، وهو تاريخ نكبة فلسطين وولادة الكيان الصهيوني بطريقة قيصرية. وقد تواصلت سياسة التهجير "الإسرائيلية" ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات والهدم والحفر والعزل وتغيير المعالم في فلسطين بالشكل الذي تناسب وتلاءم مع الأحقاد والمطامع اليهودية والصهيونية، كما وتواصلت سياسة الهجرة اليهودية ليصل عدد اليهود إلى ما يزيد عن خمسة ملايين من أصل يهود العالم الذين لا يتجاوزون 13 مليوناً.

وليس من قبيل المبالغة القول أنه ومنذ حدوث نكبة فلسطين في عام 1948 وحتى يومنا هذا، و"الإسرائيليون" يمارسون السياسة في إطار الأيديولوجية الصهيونية ويتعايشون مع الخوف المتواصل والمفتعل، وسط اللجوء إلى الغرب وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية لتأمين الأسلحة الفتاكة والمفاعلات النووية والتكنولوجيا المتطورة، والحصول على الدعم السياسي والمعنوي لسياساتهم العدوانية ومخططاتهم الاستيطانية التوسعية. ومنذ لحظة الاغتصاب الأولى لفلسطين وحتى هذه اللحظة والألم الفلسطيني في تصاعدٍ مستمر ومتنام نتيجة تلك الممارسة وذلك التعايش والانحياز الغربي - الأمريكي الأعمى لتل أبيب.

وإذا ما دققنا في ملفات منظمة الأمم المتحدة بما في ذلك ملفات مجلس الأمن الدولي لوجدنا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم "تكلف نفسها" عناء تسجيل أي إدانة للممارسات الإرهابية اللاأخلاقية واللاإنسانية التي ارتكبها "الإسرائيليون" بحق الفلسطينيين والعرب منذ بدء حلم تيودور هرتزل في عام 1897 وحتى إرهاب بنيامين نتنياهو في وقتنا الحاضر.

والثابت حتى الآن أن الأيديولوجية الصهيونية ما تزال هي المتحكمة بعقليات وسياسات قادة الكيان الصهيوني، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية وتوجهاتهم اليمينية أو اليسارية. فقد حرص اسحق رابين كل الحرص عند طرحه "إعلان المبادئ" الذي أبرمه مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أمام أعضاء الكنيست "الإسرائيلي" على الادعاء بأن "الصهيونية قد انتصرت". واقتفى بنيامين نتنياهو أثر سلفه حين ادعى في كتاباته "أن للصهيونية دوراً هاماً يجب عليها القيام به من أجل توطين ثمانية ملايين يهودي حفاظاً عليهم من عداء السامية المستشري في العالم، على حد زعمه. وبرغم جميع الاجتهادات والأفكار "البروباغندية" التي طرحها زعيم حزب العمل الأسبق والرئيس الأسبق لدولة الاغتصاب شمعون بيريس في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" بغية الفصل بين جيلين من "الإسرائيليين" جيل سابق قامت سياسته على الأحلام والتطلعات الأيديولوجية وجيل حالي تقوم سياسته على حقائق العصر، إلا أنه لم يستطع أن يعدل عن مواقف الصهيونية الخاصة بدعوى أرض "إسرائيل التوراتية" والتي تشمل الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة ومرتفعات الجولان، تماماً مثله مثل أي مسؤول "إسرائيلي" أخر!!

زمن طويل مر على انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897 ولم يزل الجرح الفلسطيني ينزف، ولم يزل قادة  الأحزاب الرئيسية في الكيان الصهيوني عاجزين عن تطوير الصهيونية بما يتفق مع حقائق العصر بمعناها الحقيقي ومفهومها الواضح. فحتى رئيس حكومة الكيان الصهيوني الأسبق المقبور اسحق رابين نفسه حين خطا خطواته على طريق "السلام" المزعوم لم يجرؤ على الإقرار بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشريف، وظل يتمسك ببقاء المستوطنات اليهودية في مواقعها ووضعها تحت حماية قوات الأمن "الإسرائيلية" وتحت إشراف سياسي كامل من قبل السلطة السياسية "الإسرائيلية" في تل أبيب. وعندما يكون الحال هكذا مع رابين "شريك الفلسطينيين في سلام الشجعان" كما كان يصفه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فمن البديهي أن يكون الحال أدهى وأمر مع رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على السلطة  في الكيان الصهيوني بعده.

صحيح أن الألم الفادح الذي أوقعه الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية بالعرب عامة والفلسطينيين خاصة جراء احتلال فلسطين وبسبب الإرهاب المتواصل ضدهم قد بدا في بعض الأحيان ثقيلاً حتى على ضمائر بعض المفكرين والسياسيين والعسكريين اليهود في الكيان الصهيوني وفي بعض البلدان الغربية من أمثال ألبرت أنشتاين ومكسيم رودونسون والبروفسور تالمون وناحوم جولدمان وعيزرا وايزمان وآخرين وفق نقلت تصريحاتهم وكتاباتهم، إلا أن الصحيح أيضاً والأهم هو أن الوقائع على الأرض تشهد على أن الكيان الصهيوني، مدعوماً بالصهيونية العالمية، لم يزل يصر على التمسك بوضعية دولة الأبارتهايد التي تتحكم بالفلسطينيين خلافاً لإرادتهم ورغباتهم، مما يُرجح احتمال قرب نهاية الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية معاً، وفق ما تكهنت به صحف صهيونية بينها صحيفة "هآرتس" في الذكرى المئوية لرحيل "ملهم الصهاينة والمنظر الأكبر لإرهابهم" تيودور هرتزل!!
 وللحديث بقية تتجدد كل عام ان شاء الله......

محمود كعوش
كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الدنمارك
الدنمارك آب/أغسطس 2016
    kawashmahmoud@yahoo.co.uk

اللدغة من الوزير محمد إقبال (تخليك حافي) فلا تفاؤل ولا آمال/ زهير الفتلاوي

لم يأتي الى وزارة التربية وزير مهني وصادق وأمين يحافظ على تلك الصروح التربوية ويقوم بتطوير التربية والنهوض بواقع التدريس وينهي معاناة الناس وهناك العديد من السلبيات والعقبات التي تواجه المواطن حين يأتي كل موسم دارسي جديد فيما نسمع الوزير والمدير والوكيل يقوم بإجراءات المؤتمرات الصحفية ويطلق التصريحات الإعلامية ويتعهد بحل تلك المشاكل ولكن على الورق وللدعاية الإعلامية  فقط المفارقة  أن يقبل المظلوم بالظالم سيداً له ! مفارقة  ان  يمثل الباطل الحق .. وكيفَ يقود الكذابون الصادقين ! حذرنا وبهدوء لأننا لا نمتلك الا تلك الأقلام وهي تكتب في الصحف الورقية والمواقع لالكترونية  لعل ان يطلع المسؤول والبرلماني والوزير الذي ضيع علينا كل شيء  بما فيهم القيم والأخلاق والمبادئ ، لقد نجحت شلة الوزير  في إسقاط أهم الأسس التي  تتطور النظام التربوي اذ أصبح لا يواكب نظام العالم المتطور وهذه قمة  الطعنات من الخنجر المسموم في ظهر المؤسسة التربوية،  ان تلك الجرائم لا تقل اهمية عن جرائم  تسليم أربع محافظات عراقية الى تنظيم داعش الأرهابي ، خلال ايام معدودة  .  ومن هذه المشاكل نذكر مها ، التدريس الخصوصي ، و مشكلة بناء المدارس ، إنهاء ملف المدارس الطينية  الكف عن خصخصة أبنية المدارس الحكومية الجاهزة  ،  صياغة المناهج الدراسية  تطوير الرياضة المدرسية ، الاهتمام بنظافة وجمالية المدارس ، نقص القرطاسية  ، انهاء ملف طباعة الكتب خارج العراق ، توزيع الملاكات التعليمة بعدالة ، متابعة الإشراف وتطويره بشتى المسميات ، الاهتمام بالحوانيت المدرسية ،

الاهتمام بالتغذية المدرسية ، زيادة رياض الاطفال ، تفعيل النشاطات اللاصفية وعدم المتاجرة بها ، الاهتمام  بالمدارس التي تقع في القرى والأرياف والمناطق النائية ، انهاء  المتاجرة بالتجهيزات الرياضية ، وإبعاد التزوير والاعتماد على الرياضي الجاهز ، تهميش الكفاءات التعليمية الرياضية في المديرية العامة للتربية الرياضية زيادة صفوف التعليم الخاص لبطئ التعليم ، إنهاء مشاكل ضرب التلاميذ ، تدريب وتطوير قابليات واكتساب المهارات للمعلمين ، تدريب إدارات المدارس قبل تسلم مهام الإدارة ، تلك الفقرات جزء من تخلف وزارة التربية وقد كتبنا تلك النقاط على مدى سنين طويلة ولكن لم يطلع عليها وزراء التربية بسبب انها فيها صرفيات مالية قد لا يستفيد منها الوزير والوكيل والمدير خاصة بناء المدارس والاهتمام بالرياضة المدرسة والنشاطات اللاصفية ، لقد وصلتنا عشرات الشكاوي لمصورين فوتوغرافيين يرمون العمل بتصوير تلاميذ المدارس وفق كتب رسمية تصدر من المديرية العامة للتربية الرياضية ، ولكن لم تقوم هذه المديرية بإعطاء الكتب الرسمية او التوزيع العادل واعلان مزايدة علنية ليستفيد كل المتقدمين وفق منافسه شريفة وعادلة وقانونية ، يقوم احد المصورين بدفع الرشوة الى المديرية العامة للتربية الرياضية وبأعياز وتنسيق مسبق  من مكتب الوزير السابق والحالي ليقوم بالاستحواذ على ألاف المدارس في قواطع الكرخ والرصافة ، بصفقة واحده ... ويحرم البقية من الاستفادة في ضل ظروف اقتصادية صعبة للغاية اذ ينتظر المصورين بدء الموسم ألدارسي لكي يعملون بالطرق القانونية ولكن مكتب الوزير حسب قول المصورين يعقدون الصفقات الفاسدة مع مصور واحد فيما يطرد البقية وبحجة انتظار التعليمات والوزير مسافر ومدير عام التربية الرياضية يصدر كتاب في الظلام  ويقول ان هناك تعليمات من الوزارة بإعطاء هذا الشخص كتاب يؤيد قيامه بتصوير المدارس وهو يقوم بفتح مزاد لبيع الاف المدارس وبطريقة غير قانونية ولا شرعية وهو يدعي انه دفع عدة دفاتر نقدية  من الورق الاخظر للحصول على هذا الكتاب حصرا لوحده وتكرر هذه الصفقة الفاسدة سنويا فبدئوا بنصب أكبر عملية تصب واحتيال على المصورين  ، فيما يغلس الوزير ومكتبه الاعلامي والاداري ولديهم كافة التفاصيل بهذه القضية ولكن اعتادوا الكذب والتدليس ونكران معرفتهم بهذه الصفقة الفاسدة والمخزية ولا تليق بشخص الوزير والوكيل، والمصور يدعي معرفته بتلك المسميات ولا يستطيع احد الحصول على هذا الكتاب غيره ، كلنا أمل ان يقوم مكتب المفتش العام ووزير التربية ولجنة التربية والتعليم البرلمانية  بحل هذه القضية وإعطاء كل المتقدمين من المصورين وفق تنسيق العمل او عمل مزايدة علنية او تقديم عروض خاصة   فيما بينهم ويتم إعلان في الصحف ليتسنى لهم معرفة كافة التفاصيل وموعد ومكان تلك المزايدة اسوة بما كان معمول به سابقا وتحقيق العدالة وابعاد مكتب الوزير والمديرية العامة للتربية الرياضية عن هذه الصفقات وهذه  (اللعبة القذرة التي لا يلعبها الا أصحاب الضمائر الميته ) .. تلك الحيل  التي تطبخ وتدار مسرحيّـتها في أروقـة ( وكر الأفاعـي )!! .. المُسمّى مكتب الوزير وحتى الوزير الذي اعتاد التدليس و خيانتهُ للأمانـة التي أوكلها له  ((الشعب) ( فيجب عليه مغادرة هذا الطريق المعوج وان يقف على مسافة واحده من جميع المصورين  وان يفرط الوزير (بالزواج الكاثوليكي )  مع هذا التاجر والمصور في ان واحد يقع على الوزير و زبانيته بالكف عن هذه  السفاهة والتفاهة. نحنُ أمام مهزلـة كُـبرى يندى لها جبين الانسانية و كل إداري وسياسي  شريف ..لا يؤيد تلك   المهازل المتفرعة وسوف تسنمر .. مالم يصحى البرلمان  من غفوته  المستدامه  لـيكنس هذه المزابل التي ملأت حياتنا طيلة السنين السوداء و الحمراء الدامية ملأتها عفونة و فساد و دماء .. و تراجع حضاري وتربوي وعلمي  و مجتمعي ..! و أرى أن الصحوة بدأت تباشيرها تظهر في المواقف الشعبية ، ترافقها زيادة و تصاعد في الوعي المجتمعي وتظاهر النشطاء للمجتمع المدني  والاحتجاج السلمي لايصال الرسالة ، وربما يرون ان  هذه ( الغزوة ) الفاسدة  في الاستحواذ على العقود والمناقصات والإعلانات  وطباعة الكتب في عمان  لا احد يعلم بها ولا تصل للاعلام وبعيده عن الأضواء والرأي العام ولكنهم جهلاء اليوم الاعلام تصل اليه كل المعلومات وكافة الوثائق والأدلة الدامغة      

   اخيرا نقول  يجب العمل بجد وإخلاص على معالجة مكامن الخلل في هذه النقاط التي سوف تسهم بتطوير والارتقاء بواقع التربية والتعليم وحتى لا تكرر مشكلة الطفل مصطفى والحكم عليه بالسجن واثارة الرأي العام المحلي والدولي وتشويه سمعة البلاد في المحافل الدولية نتمنى وضع الحلول الصحيحة من لجان وخبراء معنيون بواقع التربية والتعليم من اجل انشاء جيل واعي  ويبقى لدينا الأمل والتفاؤل بعد عزل المفسدين والفاسدين في مكتب الوزير محمد إقبال وفي المديرية العامة للتربية الرياضية وان لا تبقى مافيا الفساد والإفساد عصية على هيئة النزاهة ونواب الشعب ولنا عوده اخرى وعرض كل التفاصيل وجميع المعلومات

 zwheerpress@gmail.com                 

غول الفلتان الأمني والقبلي......سيقودنا الى أين؟/ راسم عبيدات

واضح بان أصحاب القرار من خلال الملخصات التي يقدمها ويزودهم بها  العديد من المستشارين بالقول أن الضفة الغربية تشهد حالة من الإستقرار الأمني والمجتمعي،هي أبعد عن الحقيقة،وهذه البطانة ممن يقدمون الملخصات والتقارير معنية بمصالحها ونفوذها والحفاظ على مواقعها اولاً وقبل كل شيء،فهي إن كتبت او لخصت الأمور بصورتها الصحيحة ستخسر نفوذها وإمتيازاتها ومواقعها،وتتكشف حقيقتها والتي ربما هي جزء من منظومة تشجيع الفلتان والفساد وتوفير الحماية لتلك المجموعات المنفلتة من عقالها امنياً  وعشائرياً ومجتمعياً،ولذلك علينا ان نستقرىء الوضع بصورته الحقيقية حتى نتمكن من وضع النقاط على الحروف والقيام بمعالجات جادة وحقيقية والتوقف عن سياسة دفن الرؤوس في المال،والمعالجات القائمة على "الطبطبة" على حساب القانون،والمحاباة و"تدليع" وكسب ود الخارجين عن القانون،ومنحهم الجوائز والأموال والمناصب، بدلاً من محاسبتهم ومعاقبتهم .

الإحتلال ليس المشجب الذي نعلق عليه أخطاءنا وما  آلت اليه اوضاعنا،فكثير مما يحصل عندنا،نحن مسؤولين عنه بشكل مباشر،جزء له علاقة بالثقافة والتربية،وجزء اخر مرتبط بغياب الوعي وسيادة ثقافة الدروشة والشعوذة وثقافة القبيلة والعشيرة وحتى القطيع والرعاع،حيث نشهد في أي مشكلة بسيطة وعلى امور تافهة لا تتعدي الخلاف على بضع امتار من الأرض او حتى أولوية مرور او مكان وقوف للسيارة،بأن حرب "داحس والغبراء" سرعان ما تشتعل ودون معرفة الأغلبية المشاركة في "الفزعة" أو "الطوشة" سبب المشكلة.

وفي "العطوات" والصلحات العشائرية المترتبة على مثل هذه المشاكل  ترى النفاق والدجل والتملق و"الطبطبة" تتجلى  بشكل سافر،حيث يتم استحضار سيرة وذكرى الأنبياء والشهداء والخلفاء والقادة والمناضلين،لكي تتم الصلحة على "فنجان القهوة" صاحب  الحل السحري لكل المشاكل،مهما كبرت او صغرت،وهذا يعني تشريع ورخصة وجواز  لفلتان مرتكب الجريمة من العقاب ومن المساءلة والمحاسبة،وتشجيع له على الإستمرار في إرتكاب جرائمه وافتعال المشاكل والقيام بالمزيد من اعمال البلطجة والزعرنة،فهو بات يعرف سلفاً بأن سقف ما يقوم به هو "فنجان القهوة" وكذلك تجد في تربيتنا وثقافتنا ما يشجع على نهج العنف مثل "اللي بتعرف ديته إقتله"  وكذلك "يا محلى ضرب الشباري  عالعدا والدم جاري"،وفي 99% من الحالات ترتد هذه الشباري الى نحورنا،وإطلاق النار بغزارة في الهواء خلال الأعراس والجنازات و"التمنطق" به على الخصر وإظهاره بسب او دون سبب،كنوع من انواع "الفشخرة" وتاكيد الذات والتي تعاني من  مركب النقص.

حالة الفلتان بشقيه الأمني والقبلي والجهوي ما كان لها ان تنمو وتكبر لولا وجود حواضن لها،تحتضنها وتوفر لها الحماية،وتتودد اليها وتنتفع منها وتستخدمها  كعصا غليظة خدمة لمصالحها واهدافها،ناسية أو متناسية،بأن تلك الجماعات الخارجة عن القانون أو التي تمارس أعمال البلطجة والزعرنة وفرض الخاوات والتعدي على كرامات واعراض الناس وممتلكات المواطنين،وسرقة أراضيهم وممتلكاتهم باوراق مزورة وغيرها،ترك الحبل لها على غاربه والتعامل معها بليونة،وعدم محاسبتها،سياتي اليوم الذي يجعلها فيه تتطاول على من حموها واحتضنوها وشغلوها او انتفعوا من خدماتها او وفروا لها الحماية، والتاريخ يعلم،بان الجماعات الإرهابية وكذلك  المافيات والبلطجية والزعران يتمردون على مشغليهم،عندما يشعروا بان مصالحهم باتت مهددة،او ان مشغليهم سيستغنون عنهم،وخير مثال على ذلك الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي جرى توظيفها من قبل دول وأفراد ك"القاعدة" ومتفرعاتها من "داعش" و"النصرة" وغيرها،حيث هي الآن ترتد الى حواضنها وتتمرد على مشغليها،حيث وجهت إرهابها الى عواصم من شغلوها واحتضنوها ودعموها.

نعم نحن عندنا حالة واسعة من الفلتان وفي الكثير من المناطق تتسيد عصابات ومافيات لديها الكثير من السلاح المشبوه،والمدعومة من اكثر من جهة عشائرياً وحتى من الأجهزة نفسها ومن الإحتلال،ونحن لا نقول الحقيقة بأن تلك المافيات والعصابات غير معروفة لنا ولكل اجهزة السلطة،حيث استطاعت تلك المافيات والعصابات والخارجين عن القانون ان يخلقوا شبكة واسعة من الفساد والإفساد،مجتمعيا ومؤسساتياً وسلطوياً في المستويات المدنية والأمنية،والكثير من المؤسسات والشركات ورجال الأعمال على علاقة مباشرة او غير مباشرة بتلك المافيات،من اجل حماية مصالحها ونفوذها و"تسليك" المصالح المشتركة.

رفع شعار لا حصانة لا احد ولا احد فوق القانون،يجب ان يحس ويشعر به المواطن في أرض الواقع وبالفعل والممارسة،فالكثير منا يعرف بأن رؤوس كثيرة في قمة الهرم السلطوي عليها ملفات فساد بملايين الدولارات،لم يجر محاسبتها،بل ما زالت تتصدر المشهد السياسي والسلطوي وكانها حامية حمى الوطن،وهي من عاثت فيه فاسداً،ولذلك حالة التمرد ووجود حالة منتفضة على الواقع،هي نتاج لشعور متولد لديها بان هناك من يغتصبون  وطن باكمله ويتحكمون به كإقطاعية لهم، لا تجري لهم أي محاسبة من قريب او بعيد ولا يطبق عليهم القانون،بل القانون فيه انتقائية ومحاباة في التطبيق،وعلى سياسة الأنظمة العربية " من آمن بالحزب الواحد فالجنة مأواه" وما دون ذلك فليذهب للجحيم،الفساد بكل أشكاله في السلطة،في المؤسسات،في الأحزاب،في القبيلة،في العشيرة،في الوظيفة وفي المجتمع من شأنه خلق منظومة واسعة من المصالح عند مجموعات،تعمل على حمايتها  وتعبر عنها في خوص صراعات واختلاق مشاكل واحتراب عشائري وفلتان امني،من خلال مليشياتها الخاصة.

ولذلك لا مناص من وقفة جادة ومحاسبة جادة، بدون محاباة او إنتقائية او "طبطبة" على حساب القانون،وكذلك ضرورة خوض حوار شامل تشارك فيه كل المركبات من سلطة وقوى ومؤسسات واتحادات شعبية وفعاليات وشخصيات اعتبارية وعشائرية،من اجل حماية وصيانة السلم الأهلي والمحتمعي،وكذلك  محاسبة ومعاقبة أي فرد من أفراد السلطة واجهزتها الأمنية والمدنية،يتطاول على الجماهير او يمتهن كرامتها،وإلا فإننا اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه من فلتان بكل أشكاله وتجلياته،سائرون نحو كارثة حقيقية ضحيتها المواطن والوطن وإنتصار مؤزر لمشروع ليبرمان بالعودة الى " المخترة" وروابط القرى البائدة.

يوميات نصراوي: ذاكرة مبعثرة ... أيام مع سالم جبران -2/ نبيــل عــودة

ارتباطي الفكري ، السياسي والثقافي والإعلامي الواسع مع سالم جبران بدأ منذ عام 1962 حين كنت طالبا في ثانوية أورط – عمال الثانوية الصناعية في الناصرة .
كانت مدرسة جديدة.. كنت من طلاب الفوج المدرسي الأول. كان في المدرسة قسمان، قسم لتدريس مهنة الحدادة وقسم لتدريس مهنة النجارة.
كنت من طلاب قسم الحدادة، من منطلق أني من بيت نجارين ، جدي وأعمامي ووالدي وأنا إلى حد كبير أتقن المهنة بالوراثة والممارسة أيضا. اخترت ان اكسر طابو النجارة العائلي... اخترت الحدادة حبا بالعمل على الماكينات، خاصة ماكينات اللحام الكهربائي، المخارط ، المقاشط ماكينات الفرز وغيرها من الماكينات المستعملة في الصناعات المعدنية والتي لا اعرف كيف اسميها باللغة العربية.. طبعا الى جانب المواد النظرية مثل الفيزياء، الرياضيات، اللغات، التكنولوجيا، الرسم الفني وغير ذلك من المواضيع التي لا يمكن لإنسان معاصر ان يتقدم في الحياة بدون ان يلم بها.
كان من المفروض ان نبدأ في السنة الثانية العمل والتعلم على استعمال ماكينات الخراطة وغيرها من الماكينات، فهي الموضوع الأساسي لحداد عصري اليوم، ولكن كوننا مدرسة عربية هي الفرع الأول من نوعها لمؤسسة إسرائيلية يهودية جل نشاطها في الوسط اليهودي، عانينا من نواقص كثيرة، أهمها ان المخارط وماكينات العمل الفني المهني للحديد لم تصل رغم بدء السنة الدراسية الثانية، أي وقتنا يضيع بدون ان نتطور مهنيا ، بغياب تطبيق عملي على الماكينات وطرق تشغيلها.
عدم وصول الماكينات والتجهيزات المختلفة قبل افتتاح السنة الدراسية الثانية، الحق بنا ضررا كبيرا، خضنا نضالا طلابيا، توجهنا لإدارة المدرسة بإنذار، توجهنا لبلدية الناصرة لمقابلة الرئيس (في فترة المرحوم سيف الدين الزعبي) ، أعلنا أيضا الإضراب عن التعليم، اتصلنا مع الصحف المعروفة، الصحيفة الوحيدة التي حضرت كانت مجلة "الغد" الشبابية الشيوعية، حضر رئيس تحريرها الشاعر سالم جبران .. وكتب وقتها ريبورتاجا مثيرا تحت عنوان :"وعدونا بالمخارط وكانوا يخرطون"
الموضوع لم ينته هنا...
عرض علينا سالم دعما حزبيا لمطالبنا ومساعدتنا في معركتنا.. ثم تطور الأمر ان لجنة الطلاب التي قادت النضال، وكنت على رأسها الى جانب صديقا العمر المرحومان سمير خطيب ورياض شحبري وعدد آخر من الطلاب بحيث وصل عددنا الى 12 او 15 طالبا... بدأنا نعقد لقاءات اسبوعية في نادي الشبيبة الشيوعية في الناصرة للاستماع إلى محاضرات ثقافية، سياسية وفكرية مختلفة، كان سالم جبران هو المحاضر، وأحيانا حضر آخرون منهم المؤرخ المرحوم د. إميل توما،الذي قدم لنا سلسلة محاضرات عن "جذور القضية الفلسطينية" وهي مواد شملها كتاب له يحمل نفس الاسم صدر فيما بعد.
انا شخصيا كنت عضوا في الشبيبة الشيوعية ثم انضم زملائي رياض شحبري وسمير خطيب وآخرون لحركة الشبيبة الشيوعية، ثم للحزب الشيوعي...
كنت كاتبا قصصيا ناشئا، نشرت عام (1962) اول نص قصصي لي في مجلة "الجديد" الثقافية الشيوعية ( التي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت المرحوم صليبا خميس، وهو من الشخصيات السياسية والإعلامية البارزة، لم يعط أيضا الدور الذي يستحقه وفصل من الحزب، ثم رأس تحريرها كما اذكر محمود درويش بعده سميح القاسم وآخرهم سالم جبران ).
نشر القصة لشاب ناشئ اسمه نبيل توفيق عودة  في ال (14) من عمره لفت انتباه سالم ورفاقه من قيادات الشبيبة والحزب الشيوعي.  ضمني سالم لهيئة تحرير مجلة "الغد" وأنا في الصف التاسع، لأبدأ التدرب على العمل الصحفي في مدرسة إعلامية لا اعتقد ان الجامعات توفر فرصا أفضل منها لدراسة الصحافة او الإعلام نظريا وتطبيقيا.
من هنا صارت الصحافة جزءا من نبضي وتسري بدمي ...والأهم ان ارتباطي الفكري والثقافي والسياسي بدأ يتطور في اتجاهات لم تكن ضمن ما خططته لحياتي المهنية. اقول ان ذلك فتح آفاق تفكيري.
بعد الثانوية دخلت معهد الهندسة التطبيقية التخنيون لدراسة الهندسة الميكانيكية وهو الموضوع الذي كان يثير اهتمامي... لكن الفكر السياسي والإعلام والأدب طغوا على تفكيري، وبسبب نشاطي فرضت على الإقامة الجبرية في مدينتي الناصرة ومنعي من الخروج من الناصرة بدون تصريح عسكري.. ربما كنت الأصغر سنا من الذين تُقيد حرية حركتهم في وطنهم. كنت اضطر كل يوم احد ان أقف أمام مكتب الشرطي المفوض بإعطاء التصاريح للحصول على تصريح لمدة أسبوع، يبدأ من يوم الأحد وينتهي يوم الجمعة، ويحدد التصريح ساعات خروجي من الناصرة صباحا في السادسة وعودتي في الخامسة مساء من حيفا حيث كنت أعمل،كذلكك يحدد الطريق التي يجب ان اتبعها للوصول الى حيفا، ويحدد مكان تواجدي في حيفا، اسم الشارع ورقم البناية... وأي تجاوز سيعرضني لغرامات مالية وسجن، أي نظريا لو ابتعدت عمارة واحدة عن مكان عملي لشراء ساندوش فلافل مثلا، يعتبر مخالفة لقوانين الطوارئ.. والهدف طبعا الوصول إلى مكان عملي ونوع عملي.. ويفهم باني غير مخول بتغيير مهنتي، التصريح طبعا يمنعني من البقاء في حيفا بعد الساعة الخامسة مساء. ودراستي الليلية في معهد التخنيون تبدأ بعد الخامسة مساء، فكنت اضطر للبقاء وتعريض نفسي للعقاب بالسجن والغرامات المالية.. كان خوفي أني إذا تقدمت بطلب تصريح للبقاء من اجل الدراسة ان يرفض طلبي وعندها سأنبههم إلى تواجدي "غير القانوني" في حيفا وبساعات وعناوين ممنوع ان أتواجد فيها، لذلك أشبه تلك الفترة بأفلام الكرتون عن القط والفأر.. طبعا واقع مضحك.. ولكنه كان يحتاج الى أعصاب من حديد.. ومهما يعبر الزمن لا أنسى تلك الأيام.
عرض علي سكرتير الحزب الشيوعي في الناصرة آنذاك الرفيق غسان حبيب ان أسافر للدراسة السياسية في الاتحاد السوفييتي، رغم أني كنت قد طلبت السفر للدول الاشتراكية لدراسة موضوع الهندسة الميكانيكية بسبب الإقامة الجبرية المفروضة علي ..وعلل غسان حبيب طلبه بأن أدرس العلوم السياسية والفلسفة لأن لي مستقبل في النشاط السياسي والثقافي والصحافي والحزب يحتاج الى إعداد كوادر جديدة لمثقفين شيوعيين. طبعا لم أفكر مرتين، وقبلت الفكرة ولست نادما .. رغم ان الدراسة وتعمقي بالنشاط السياسي، الفكري، النظري والثقافي فيما بعد، كشف لي عمق الأزمة الفكرية التي تعيشها الحركة الشيوعية عامة والحزب الشيوعي الإسرائيلي على وجه الخصوص!!
حين عدت من دراستي الجامعية في موسكو(1970) عملت لفترة محترفا حزبيا. عام (1973) استقلت من العمل الحزبي.. بعد ان اختلفت مع الحزب الشيوعي حول مستقبلي في العمل الحزبي والإعلامي ...وذهبت للعمل حدادا !! وقد وصفني مهندس عملت في شركته (بيني براف) باني أحسن حداد بين الأدباء وأحسن أديب بين الحدادين!!
مهنيا لم أكن مجرد عامل حدادة بسيطة، كالتي يمارسها المئات، إنما مارست مهنة تتعلق بأهم فروع العصر، إنتاج تجهيزات للصناعة النفطية ( البتروكيماوية )، بناء محطات توليد الطاقة الكهربائية، بناء منشئات تحلية مياه البحر، بناء المصانع وغيرها من الفروع الأكثر أهمية في الصناعات الفولاذية الحديثة ومجالات الإنتاج الهندسي الفني.
خلفيتي الثانوية المهنية ودراستي الهندسة لمدة سنتين مهدت لي طريق التقدم المهني، برزت فورا بقدراتي المهنية والفنية ووجدت نفسي خلال أقل من سنة مديرا لفحص جودة الإنتاج في أهم وأكبر مصانع إسرائيل (مصنع القضماني في يركا)، ثم أصبحت مديرا للعمل في شركة مقاولات كبيرة (يوسف برودني- حيفا وبنى مصنعا ضخما في الناصرة فيما بعد) وأنهيت حياتي المهنية مديرا للإنتاج ومديرا لمصنع متوسط الحجم. وانتدبت من شركة برودني كمدير عمل لتنفيذ مشروع بناء مصنع البلاستك في مدينة شيراز الإيرانية أيام الشاه، وأشرفت كمدير مشروع على بناء خزانات ضخمة بقطر (50 – 60 متر) وارتفاع (18متر) في مدينة بوشير (تكتب بوشهر) الايرانية ، قريبا من الفرن الذري الذي كان يبنيه الألمان في آنذاك وبعد سقوط الشاه واصل السوفييت بناء الفرن الذري..
حين تقاعدت عام (2000) بعد إصابة عمل بالكتف، اختارني سالم جبران نائبا له في تحرير صحيفة "الأهالي" التي صدرت ثلاث مرات في الأسبوع .. مصرا أمام صاحب الجريدة، انه على ثقة مطلقة أني أفضل من كل الصحفيين "ذوي الخبرة الطويلة" الذين تقدموا للعمل في "الأهالي"!!
******
عام (1993) كان سالم مرشحا لرئاسة قائمة الحزب الشيوعي ( الجبهة الديمقراطية) للكنيست، وحدثت مخالفات تنظيمية فظة، أسقطت سالم بطريقة لا تليق بالأخلاق الشيوعية التي أشبعونا تغزلا بشعاراتها، لكنها لا تخض المتنفذين بالقرار. استأت من الانقلاب على سالم ورأيت فيه بداية مرحلة جديدة لحزب لا استطيع ان أكون عضوا فيه...مرحلة تحول الحزب الى حزب شخص واحد. فقدمت استقالتي من الحزب والجبهة منتقدا ما جرى بحدة. أذكر ان شخصية شيوعية ، رئيس مجلس محلي  مرموق ، أستاذ سابق فصل من التعليم أيام الحكم العسكري، وتبوأ مركزا قياديا في الحركة الشيوعية ، قال لي بوضوح وهو مكتئب ان "ما يجري هو تحطيم لمكانة الحزب الشيوعي وسندفع الثمن". لكن لم يتحرك احد لصد الهجمة الانقلابية ، ربما خوفا على مكانتهم الحزبية.
كان فهمي ان دستور الحزب يسري مفعوله على الجميع ، وقرارات هيئات الحزب لا يمكن نقضها بشكل عشوائي بعد إقرارها من هيئات يشارك فيها الأشخاص الذين اكتشفوا فجأة (بعد ان اقروها بالتصويت) أنها لا تناسبهم.
******
انتقدني سالم جبران بشدة على استقالتي من الحزب الشيوعي والجبهة (1993) ، اثر إقصائه بانقلاب يليق بالانقلابات العسكرية العربية، كان ظنه انه يمكن النضال من الداخل اذ كان محررا لصحيفة الحزب اليومية "الاتحاد" وهو عمليا المفكر البارز الوحيد في صفوف الحزب.. والناطق السياسي الوحيد والمعتمد في وسائل الإعلام العبرية والعربية، والوحيد الذي يشارك بالندوات في الوسط اليهودي، إلمامه موسوعي في مختلف المواضيع، ولغته العبرية سليمة لدرجة ان محررة لغوية لإحدى الصحف العبرية التي كان ينشر فيها مقالات بالعبرية قالت لي أثناء اشتراكها بإحدى ندوات سالم انه "الكاتب الوحيد الذي لا أجد في مقالاته العبرية ما يستلزم التصحيح".
لا بد ان أوضح ان استقالتي لم تكن بسبب سالم شخصيا ، إنما بسبب رفض أسلوب الانقلاب وصمت قيادة الحزب خوفا من الانشقاق كما حاولوا إقناعي وإقناع آخرين وهو من باب "عذر أقبح من ذنب"، استقالتي كانت تعبيرا عن مرحلة من المراجعات الفكرية والضميرية ، عن تطور رؤيتي الفكرية والفلسفية من مختلف المضامين الفكرية التي يدعي الحزب تمثيلها، وصلت الى قناعة أني لست مستعدا لأكون حجر شطرنج على لوحة يلعب بها المتزعمين بلا رقيب وبلا محاسبة ، الى جانب اني كنت على قناعة نظرية ان الفكر الشيوعي يعاني من ضمور وجمود فكري، طبعا كنت مستاء جدا مما برز كضعف مخجل ومريب وجبن في قيادة الحزب ومنهم قيادات تاريخية.. واعتبرت عجزهم عن إفشال الانقلاب إفلاسا سياسيا، ايديولوجيا، تنظيميا وأخلاقيا!!
هذا الأمر يناقض ما تثقفت عليه في صفوف اروع جامعة فكرية ونضالية حضنتني شبلا يافعا لتعطيني من زخمها الفكري وأخلاقياتها الإنسانية في نكران الذات والتضحية من أجل الناس ما اعتبره حتى اليوم من مقومات شخصيتي وفكري.. واعني تنظيم الشبيبة الشيوعية في فترتها الذهبية.
ارتبطت مع سالم كمثقف، إعلامي، محاضر بارع، شاعر، قائد سياسي ومفكر مبدع حتى آخر أيامه، ظل سالم يحمل ألمه الشخصي وشعور المرارة من رفاق الدرب، ألمه لم يفارقه يوما واحدا. كنت أعيش ألمه الذي حاول إخفائه. كان رفاقه المخلصين ، من اليهود والعرب، يواصلون الاتصال به والتشاور معه وإبلاغه بما يجري، بل وتبليغه بقرارات حزبية (ليست للنشر)، وقد وصلنا (أثناء عملنا في الأهالي عام 2004) من رفيق عضو مكتب سياسي، برنامج (مؤامرة) تحويل الجبهة الى حزب ( بسبب الصراع الداخلي المحتد وقتها بين قيادة الحزب وقيادة الجبهة) ففجرنا الموضوع إعلاميا رغم توجيه ضغوطات واسعة لنا ولصاحب الجريدة للامتناع عن النشر حول هذا المشروع. واعتقد ان نشرنا كان سببا قي إسقاط هذا المشروع. لم يكن سالم ينتقم، بل كثيرا ما وجه رفاقه السابقين الى المواقف الصحيحة من القضايا المطروحة داخل هيئات الحزب.
خلاف حول الاستقالة من الحزب
انتقد سالم كما أسلفت استقالتي.كانت رؤيته أني تصرفت بدون تنسيق مع أحد وهذا صحيح. بأعماق نفسه كان شيوعيا حقيقيا وأكاد أقول لا يرى نفسه خارج صفوف الحزب. كانت له أفكار جاهزة للتطبيق، كان دائما يؤكد ان الفكر والتنظيم الشيوعي يحتاج الى إنعتاق من الصياغات الجامدة، الى تجديد قوة الجذب الفكري للأجيال الصاعدة. طبعا لم يشرح تفاصيل خططه، كان له خطاب سياسي مميز حين يتحدث في الوسط اليهودي، لا يتهاون بطرحه الوطني، لكن بأسلوب يجعل الحضور ينصتون لكل كلمة يقولها، حتى لو رفضوا رأيه ، كانوا يحترمون أسلوبه وطريقة طرحه لأعقد قضايا الصراع وإثارة تفكيرهم وليس رفضهم بلا وعي. كان بارعا في اختراق الحواجز السياسية في المجتمع اليهودي، كنت اعرف من مرافقتي له شعبيته الكبيرة من اكتظاظ القاعات في الوسط اليهودي حين يكون المتكلم هو سالم جبران.
الواقع الحزبي كان مؤذيا. كل ما حول سالم كان يتفجر بالانتهازية. حاول ان يواصل مهامه الحزبية والإعلامية لإصلاح واقع التنظيم والتثقيف كما قال لي. اختلفت معه حول نظرته، عدد من أصدقائه والمقربين له نصحوه ان ينسحب، لكنه اختار البقاء والإصلاح من الداخل. كان يشعر بالضيق من فكرة ترك الحزب. الحزب بيته الذي أعطاه سالم أفضل سنوات عمره. حرر بعد تخرجه من الثانوية مباشرة مجلة الشباب "الغد" ليجعلها نبراسا تثقيفيا تربويا تنظيميا للأجيال الشابة ، وصل توزيعها الى أرقام ضخمة جدا ، في الناصرة لوحدها كان فرع الشبيبة الشيوعية في الناصرة (في فترة قيادتي للفرع) يبيع ( 1500 – 2000) نسخة من كل عدد. شارك ببرامج تثقيف مبرمجة لرفاق الحزب والشبيبة الشيوعية وتنظيم الطلاب الذي بدأنا بإنشائه في الشبيبة الشيوعية.. كتب دفاعا عن سياسات الحزب ومواقفه في منابر محلية عربية وعبرية وفي منابر خارج إسرائيل اذكر منها مجلة "فلسطين الثورة" التي كانت تصدر في قبرص. فرضت علية الإقامة الجبرية واثبات الوجود اليومي في مركز الشرطة بسبب مواقفه السياسية التي وجدت آذانا صاغية في الوسط اليهودي أيضا، تحمل المسؤولية الفكرية والسياسية المركزية في تسويق سياسة الحزب وطريقه، في الوسطين العربي واليهودي.. قاد فرع الناصرة للحزب الشيوعي ليجعل منه فرعا منظما وبيتا لكل مثقف وطالب وأكاديمي وغيور تهمه قضايا شعبه.
أعطى للتثقيف النظري والسياسي أهمية أولى في تطوير الفرع. في فترة قيادته لفرع الناصرة تطورت رابطة الجامعيين  أبناء الناصرة كجزء مكون لجبهة الناصرة، ليصل عدد أعضائها لأكثر من (700) عضو والتي قامت بنشاطات اجتماعية وثقافية وسياسية هامة، خلقت في مدينة الناصرة جوا اجتماعيا وشعبيا مريحا ونشاطا ثقافيا واسعا ، كانت برامج رابطة الجامعيين تجذب المئات الذين تضيق بهم أكبر قاعات الناصرة.
بدأنا في إصدار مجلة ناطقة باسم الجامعيين باسم "الطريق"، ترأست أنا شخصيا تحريرها، أصدرنا منها ثلاثة أعداد ، توقفت مع إنهاء سالم عمله في قيادة فرع الناصرة وبداية مرحلة تراجع تنظيمي وسياسي في رابطة الجامعيين، وانشقاق مجموعة كبيرة وتشكيلهم لتنظيم سياسي  مستقل (الحركة التقدمية) لأسباب قد أعود إليها بمناسبة أخرى. اليوم لم يعد لرابطة الجامعيين وجود.
استلم سالم قيادة الجبهة الديمقراطية القطرية التي أنجزت نجاحات هامة في فترة رئاسته. اتسعت صفوفها وزاد تمثيلها البرلماني وكان قلم سالم وراء كل المناشير الانتحابية وصياغة البرامج والرسائل للمصوتين، حتى كتابة أخبار الاجتماعات الشعبية والانتخابية بطريقة تثير الثقة بالانتصار. ترأس تحرير مجلة "الجديد" الثقافية وتعتبر فترته الفترة الذهبية لمجلة الجديد في المضامين والتوزيع والأرباح. ترأس تحرير جريدة الحزب اليومية "الاتحاد" وأعطاها كل وقته حتى جعلها جريدة ذات تأثير واسع واهتمام جماهيري بما تنشره واتسع توزيعها وانتشارها والاهتمام بها بشكل غير مسبوق.
استطيع ان افهم ان الاستقالة بالنسبة لسالم، فيها إشكاليات عاطفية وفكرية صعبة جدا.
لم أقتنع بوجهة نظر سالم ولم استطع رفض رؤيته وتبريراته. أنا لم أكن إلا عضوا عاديا نشيطا في المناسبات السياسية وفي المجال الإعلامي والثقافي.
أمام موجة التحييد والإقصاء والتحريض الشخصي وقص الأجنحة لم يعد سالم يملك ما يؤثر به على إعادة بناء هيكلية الحزب وتطوير مشروعه الإعلامي والثقافي.
حين دعاني للحضور في إحدى الأمسيات الى بيت أخيه الدكتور سليم جبران في الناصرة، ليتلوا علينا قرارا هاما اتخذه قبل توزيعه على الصحافة، أيقنت ان سالم لم يعد مستعدا لتحمل مسؤولية تفكك التنظيم وتحوله إلى تنظيم الشخص الواحد وان البيان هو بيان استقالته.
وصل في قرارة نفسه انه يلعب مع فريق معاد له يعمل على عزله بتواصل ويجرده تدريجيا من كل مصادر تأثيره، حتى بثمن تدمير التنظيم.
لم يتأخر الوقت ليتأكد قطعا ان الجسور بينه وبين التنظيم لم تعد تسمح له بالمرور الحر، فقدم استقالته. المضحك ان فرع الناصرة (بإيعاز كما يبدو ) اتخذ قرارا بفصله وهو قرار غير شرعي لكون سالم جبران عضو هيئة حزبية أعلى من فرع الناصرة ( المكتب السياسي وسكرتارية اللجنة المركزية وسكرتير الجبهة، ورئيس تحرير الاتحاد ، وهي المناصب الأكثر أهمية في كل التنظيم الحزبي) .
الهيئات العليا بهذه الحالة هي المؤهلة لاتخاذ قرار الفصل وهي لم تتخذ مثل هذا القرار. اعتقد ان هذا القرار أظهر الاتجاه الذي بدأ يسود قيادة عاجزة ضعيفة مفككة بلا عمود فقري، تخضع للضغوطات ولا تلتزم بأي نهج تنظيمي او فكري واضح. تحول الحزب الى قائمة انتخابية نفتقد فيها ما عرفناه من نشاطات وبرامج نضالية لا تتوقف.
سالم لم يكشف كل الحقيقة في كتاب استقالته. ربما كان يعتقد ان الحزب ما زال قادرا على تقييم ما جرى واتخاذ القرارات الصحيحة لمنع ظواهر مشابهة في المستقبل. قال لي بعد ثماني سنوات من استقالته، عندما بدأت أعمل معه في تحرير جريدة "الأهالي" انه إذا كتب عن تجربته الحزبية سيفجر الكثير من الدمامل. حاولت جاهدا ان أجره ليحدثني ببعض ما يخفي. ما حدثني به أقل مما توقعت. قلت له أني على قناعة كاملة انه ما زال الأكثر شيوعية من كل أعضاء الحزب. ابتسم بمرارة تكاد ترافقها الدموع. كانت مقالاته في الأهالي إثباتا على شيوعيته التي لم تفارقه، كنت أغضب احيانا عندما يحذف بعض ما اكتبه من انتقاداتي على الحزب الشيوعي.
بالتلخيص أرى نهاية حقبة تاريخية مشرفة على المستوى الفكري والنضالي ، لشخص تبوأ بنفس الوقت العديد من المناصب المركزية في حياة الحزب الشيوعي وجبهته وإعلامه، يحتاج كل منصب إلى أكثر من بولدوزر بشري. كانت آلام سالم أكثر من قدرة إنسان عادي على الاحتمال. حافظ على ألامه داخل صدره.
بدأت حقبة لا نريدها لهذا التيار السياسي الذي صان شخصيتنا القومية وبنى تكاملنا الوطني من العدم تقريبا. دور الحزب الشيوعي في حياتنا لا يحتاج الى شهادتي الشخصية.
هناك عشرات الشهادات المشرفة كتبها شيوعيون سابقون منهم حنا ابراهيم من البعنة ، الذي استقال او أقيل لا أذكر، كان رئيسا لمجلس البعنة المحلي وشيوعيا عريقا له تاريخه النضالي المشرف وكاتب قصصي وشاعر مرموق سجل في كتاب مذكراته الرائع: "ذكريات شاب لم يتغرب" تجربته المؤلمة مع الحزب .
استقال سالم جبران من حزبه ولم يستقل من تاريخه ،من فكره ومن إخلاصه، محافظا على الكثير من الأسرار التي كان يعتقد ان نشرها ستكون له إسقاطات بالغة الصعوبة لا يريد هو شخصيا ان يتحمل مسؤوليتها.
كتب سالم قصيدة يعبر فيها عن غضبه من الانقلاب عليه، لم ينشرها في الصحافة ، لكنها ظلت في جواريره وأضيفت بعد وفاته لكتاب يشمل كل أعماله الشعرية وهذا نصها:

عاشق النهر
شعر: سالم جبران

عندما تدافعوا إلى المنصّة
مثل قبيلة مندفعة إلى الثأر،
فيهم العربيد والمهرّج
فيهم اللاعق والسارق
فيهم السكران والنصّاب
فيهم الحثالات التي تطرب لصوت تصفيقها
فيهم الهتّافون المحترفون
فيهم مشلولو التفكير العاجزون عن الحلم –
قرّرت أن أنزل عن المنصّة
لا مهزوما ولا هاربا
بل رافضا أن أشارك في المهزلة
رافضا المشاركة في المسؤوليّة عن الفضيحة
هم صعدوا إلى رقصة الانتحار
وأنا لم أنزل، بل صعدت
صعدتُ إلى ذاتي الحرّة، صعدت إلى جبل الحريّة
بقيتُ مع الناس، واحدا من الناس
الشمس في قلبي
لم أستبدل حلمي بحلم آخر
بل نفضت عن حلمي الغبار
ليس عندي وقت حتى لاحتقار
القبيلة التي اندفعت للثأر
بعد انعتاقي فقط،
أعرف تماما الفرق بين المستنقع والنهر
أنا حليف النهر
أنا عاشق النهر !
سالم جبران: الأعمال الشعريّة الكاملة، ص 237 - 238 (القصيدة لم تنشر سابقا في الصحافة)

nabiloudeh@gmail.com

فلسفة الاقتصاد/ يونس عاشور

   فلسفة الاقتصاد هي فلسفة التدبير والادخار والتوفير المالي والعمل على تطوير رؤوس الأموال في مناطق الاستثمار التجاري النافع المتعدد ذات العوائد المالية الضخمة التي تعمل على توليد رأس المال باستمرار من حيث الكم والعدد الحسابي اللامحدود.
تقوم فلسفة الاقتصاد في مبدئها ومنشأها على عدة ثوابت وقواعد أساسية من ضمنها توزيع الثروة بشكل متساوٍ في مجالات التنميّة والاستثمار ولعلّ الجذر الرئيس لهذا الاستثمار هو الإنسان لنيل حقوقه المشروعه والمشروطة بأساسيات التنمية الصحيحة.
فلسفة الاقتصاد الحقيقي تعمل على رمي المال في موضعه الصحيح وتعمل على جذبه وتوليده وتجديده واستعماله ضمن الأطر القانونية العقلانية التي تهدف إلى مضاعفته والمحافظة عليه لتوظيفه في مناحٍ عديدة نافعة بحيث يكون خدمةً للجمهور والأجيال التي تنتظر دورها  في تنمية ذاتها من خلال إحداث وتوجيه الاقتصاد الفاعل نحو الهدف المرجو(Target) وهو في الأساس تنمية الإنسان فكريا وثقافياً وحضاريًا إلى أنْ يكون اقتصاديًا أيضًا بما يخدم مصالحه وتوجهاته الذاتية والاجتماعية في آن ولتحقيق أكبر قدر ممكن من التنمية البشرية  Human Development التي قد أصبحت الآن في مجملها تعتمد على منهج الاقتصاد الفاعل والناجع الذي يتعدد معرفياً أي المعرفة بكنه الشيء الذي يقتضي أن نعرف ماهياته وأساسياته القياسية من حيث البعد الزمني والتأثيرات الاقتصادية المختلفة التي قد تنتج مناخات إيجابية أو سلبية حسب التغيرات السياسية والاقتصادية المختلفة كما يشهد عليه عالم اليوم من أحداث سياسية تحتاج إلى تأمل فلسفي  يؤطر منهج الاقتصاد بإطار الفهم والإدراك لتلك المتغيرات وكما هو ملاحظ أيضًا لدى خبراء الاقتصاد كيف أنهم يتمتعون برؤى ثاقبة على الصعيد النظري والعملي لحماية الاقتصاد من الانفلات أو السقوط نحو الهاوية بسبب الأحداث التي تنشأ من هنا وهناك.
وما دمنا قد تطرقنا في بدء الحديث عن الحاجة إلى قواعد ومرتكزات أساسية لضمان حماية هذه الفلسفة التي قد أطلقنا عليها بـ "فلسفة الاقتصاد" Economy Philosophy فلا بد من معرفة كيفية المنهج التحليلي الاقتصادي إذ أن عملية التحليل تقوم على قاعدة الجزء والكل والتي تتضمن في أبعادها منهج الكم والكيف أو العرض والطلب أو التكامل والتفاضل في الجانب الرياضي والحسابي.
إنّ ماهية الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي تساعد على معرفة العرض والطلب والمرونة والتوازن في السوق الاقتصادي كما إنها تبين مستوى التكاليف والمنحنيات أو المعطيات السوقية المختلفة التي تتغير من حيث الهبوط والارتفاع من خلال تأثيرات الأحداث عليها.
المعرفة الاقتصادية هي معرفة كلية شمولية للاقتصاد ذاته من خلال ربط هذا المنهج بمناهج وتخصصات علمية أخرى وذلك من أجل القفز فوق العوائق التي قد تعيق سيرورته وتقدمه وتحقيقه للمكاسب المالية المتعددة فهو يرتبط ارتباطا كلياً وحميميّاً بدراسة سلوك الإنسان وتوجهاته السوسيولوجية المحكومة بمدى الإسهامات والعطاءات النظرية المتجددة لإنقاذ هذه المنظومة المتكاملة بما يتناسب مع الاحتياجات والمتطلبات الإنسانية كحل المشكلات التي تتعلق بالجانب الإنساني وتحقيق الرفاهية للمواطن من خلال فلسفة إنتاجية تقوم على النشاط المتبادل بين الإنسان والعمل الناجع.

بنات الخائبات لعلي السباعي: سرد قصصي على إيقاع الوجع الإنساني/ عبد القادر كعبان

لقد قدم القاص العراقي علي السباعي في "بنات الخائبات" نموذجا قصصيا مليئا بالصور الدلالية، التي تعكس في مضمونها صراعات وعذابات وتضحية شخوصها، حتى أن الناقدة والأديبة الأردنية سناء الشعلان قالت عن هذه المجموعة ما يلي: "فعلي السباعي في هذه المجموعة القصصية ينحاز علانية إلى الإنسانية في كل ملامح تجربتها، ولذلك فهو ينحاز إلى الإنسان الذي يعايشه في حياته اليومية، ويرصد مفردات حاجاته ورغباته ومعاناته وانكساراته وخيبات أمله، كما يتوقف مليا عند فجيعته المكرورة في تفاصيل سيرته اليومية، وهي فجيعة تشكل في الغالب حياته وسلوكه وردود أفعاله وأحاسيسه ومشاعره، كما تشكل بكل صدق صراعه مع الحرمان، وانهزامه أمام معطيات حياته."  
يعكس هذا العمل الأدبي قصتان قصيرتان كما جاء ذلك علنا على الغلاف الخارجي، والذي لا يختزل مضمون النص القصصي الذي حمل دلالات فعلية للصراع الإنساني الذي لا يخلو من مؤشرات الترميز والتكثيف إجمالا.  
جاءت القصة الأولى بضمير المتكلم تحت عنوان "فرائس بثياب الفرح"، حيث نقف أمام شخصيات عديدة وظفها السباعي لتكشف خباياه السردية عندما يختلط الواقع بالخيال.
أثناء قراءة هذه القصة نقع على نموذج شخصية البطل المنكسر الذي توبخه أمه بإستمرار قائلة: "إلى متى تبقى الصخرة جاثمة عليك؟" 
(ص 8)، وكأنها تصفع إنسانيته التي تظل خاضعة للظلم والقهر والهزيمة التي نشهد معالمها في وطننا العربي اليوم للأسف الشديد. 
يواصل بدوره سرد حلمه الذي يأبى أن يفارق مخيلته عن رؤيته لرأس الحسين المدمى، محمولا فوق رمح طويل، وكأن التأويل سيحدث في نهاية هذه القصة كما حدث في رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام وهو صبي برهانا على نبوته، التي سيحملها دون أسباط النبي يعقوب عليه السلام، كما جاء على لسان السارد: "...كنت في عالم الرؤيا صبيا مع زملائي في المدرسة المركزية الابتدائية.. دخل الفارس في ساحة العلم، صرنا نحن التلاميذ الصغار نركض وراءه متلقفين قطرات دم الحسين التي كانت على شكل حبات رمان ريانة نضرة..." (ص 11). 
استيقظ البطل من منامه وهو يصرخ بنهاية دولة إسرائيل مستقبلا، وكأنها الفكرة التي استحوذت على عقله الباطني فأبت أن تفارقه حتى تتحقق كعلامة لنبوءة رؤيته: "...سمعت أمي ذلك فعلقت بحرقة: أتبقى الصخرة جاثمة عليك حتى عام 2018. الله أكبر" (ص 11).
يعود ويحكي لنا السارد عن حكاية تسمية بلدته باسم الناصرية، والتي حملت اسمها تلك العذراء -ناصرية- التي لم تسلم من خبث شخصية عتودة الذي يعتبر شخصية محورية في هذه القصة الشيقة. 
تسيطر فكرة الجنس على عتودة وكأنه العنصر الوحيد الذي يمثل أساس حياته، فتدفعه شهوانيته ليفكر في فض غشاء العذارى من النساء، وكأنه دكتاتور يفرض سيطرته على شعبه الضعيف، وعلى هذا الأخير الرضوخ والانكسار في صمت: "انفرطت الفتيات الجرانيوليتات لأمره متفرقات كالأحجار الثمينة التي تبرق في خواتم وأساور يديه، أنفرطن بصمت مثل الدموع..." (ص 14).
تتحقق رؤية البطل في نهاية المطاف حيث يقع ضحية تحت رحمة الطاغية عتودة، الذي حاول عبثا أن ينال من بكارة ناصرية لكنه فشل في ذلك، كما نستشف ذلك في المشهد القصصي الموالي: "شع من عينيه الخبيثتين المضببتين بدم ثلجي وميض مكر ومكيدة، رفع وسطى يده اليمنى وحركها حركة ماجنة، أنشغلت انظر إليها، هوى سيفه على رقبتي، لحظة فصل سيفه رأسي عن رقبتي صافحت عيناي ابتسامة معلمتي التي قصصت عليها حلمي برأس الحسين..." (ص 26).
تحمل القصة الثانية لهذه المجموعة نفس تيمة الانكسار والخضوع بنبرة ضمير المتكلم أيضا، وقد جاءت تحت عنوان "سيوف خشبية"، أين تهيمن الشهوة على مشاعر البطل هو الآخر، الذي يصف نفسه بسيئ السمعة وكل ما يريده هو مضاجعة تلك الداعرة عارية، كما جاء على لسان السارد كالآتي: "تناوشت سيفي، امتشقته بيدي، راحت يدي تمسده آليا، تصقله، تذهب وتجيء عليه، تجلوه، تصلبه، مثلما افعل دوما ساعات القيلولة امسد ظهر قطتها تتمطى القطة ويطول ظهرها، اختلست نظرة مواربة الى سيفي، همست لها بصوت مسموع مغموس بالنشوة والشهوة." (ص 32).
تستسلم المرأة في هذه القصة بسهولة لنزوات ابليس –الشخصية الرئيسية- 
فتمنحه فرصة اكتشاف خبايا جسدها الفاتنة، فهي تحمل دلالات متناقضة لشخصية ناصرية المتمردة في القصة السابقة، لكنها لا تخلو من الخبث والسخرية من جلادها في العموم: "رمشت بسرعة، نظرت في وجهي، كان في نظراتها صوت اعرفه جيدا، غامت عيناها بأسف ساخن بكر، سكتت لحظات ثم قالت بابتسامة متكلفة ارتسمت على شفتيها عاكسة احتقارها لي:
- حبك سبب عهري." (ص 35).
يرفض البطل سخرية تلك العاهرة منه، وهذا يجعلها تدفع ضريبة مشاعرها القاسية اتجاهه في نهاية القصة، كما جاء ذلك في المشهد القصصي الموالي: "نحرتها. أجل! نحرتها، وكنست احتجاج شفتيها المزمومتين بحركة متقنة من سيفي تلقفتها رقبتها فكأنما كان سيفي يعانقها لحظة نحرها..." (ص 46).
تستعصي القصتين على القارئ العادي لكثرة وقائعها الإيحائية والرمزية، والتي تعكس صورا استبدادية طالت العراق ومدنه بشكل غير مباشر، فلم يسلم أهلها من سياسة حكامه القمعية. 
يتستر القاص علي السباعي عموما ببراعة وذكاء خلف شخصياته الورقية في "بنات الخائبات"، ليمرر آرائه حول حقيقة الوجع الإنساني وصمته أمام بطش الحاكم، الذي يستدرج بكل وقاحة وعهر ضحاياه خطوة تلوى الأخرى نحو الموت بعد تحقيق أهدافه المنشودة. 
   
المصدر
(1) علي السباعي: بنات الخائبات ، دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع،2014.

*كاتب وناقد جزائري

يربونهم ثم يوصموننا بالإرهاب/ د.عبدالله المدني

اللافت في معظم العمليات الارهابية التي وقعت مؤخرا في دول مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا أن السلطة المختصة ــ باعترافها ــ كانت تملك سجلات اجرامية لمرتكبيها او كانت على بينة مسبقة بتطرفها وارتباطها بجماعات تدعو الى التكفير والكراهية، لكنها تركتهم لشأنهم دون مراقبة لصيقة تحت ذريعة حقوق الانسان وما إلى ذلك مما لايعترف به الارهابيون والمتطرفون أصلا.
عاصرتُ في سنوات إعدادي لأطروحة الدكتوراه ببريطانيا في أواخر الثمانينات صعود نجم أحد كبار متطرفيها الاسلاميين، وكان هذا المنحدر من أصول جنوب آسيوية يدعى كليم صديقي، وكان لا يكف عن إستفزاز أهل البلاد الأصليين بدعواته الصريحة لتطبيق الشريعة في المملكة المتحدة وأسلمة المجتمع. حيث كان يدفع بزملائه كل يوم أحد إلى ركن الخطابة في "الهايد بارك" ليقفوا على منصة مرتفعة، ويزمجروا، ويسخروا من الأسرة البريطانية المالكة بأحط الألفاظ، ويتهمونها في شرفها ونسبها وأصلها.
كان هذا يحدث في ظل تواجد الشرطة البريطانية وانتشارها وسماعها لكل ما يُقال دون أدنى تدخل من جانبها، بدعوى ان حرية الكلمة مكفولة للجميع. في ذلك الوقت المبكر، وقبل أن تنتشر موجة الإرهاب والغلو على نحو ما هو قائم اليوم، ساورتني شكوك حول احتمال إحتضان المخابرات البريطانية لمثل هذه النماذج المنفلتة وترك الحبل لها على الغارب كي تستخدمها لاحقا في مأرب من مآربها.
بطبيعة الحال انتشى كليم صديقي وزمرته ونما ريشهم وزاد غلوهم إلى حد تجروئهم على إرسال رسالة إلى قصر باكنغهام يدعون فيها ملكة بريطانيا ورأس الكنيسة الأنكليكية إلى دخول الإسلام، بل يهددنوها في سلامتها إذا لم تستجب، حيث ورد في تلك الرسالة عبارة "إسلمي تسلمي"! هكذا!. ورغم ذلك لم تحرك السلطات ساكنا ضد هذا الأهوج وجماعته، الأمر الذي شجع الأخير على إطلاق ما سمي بـ "البرلمان الاسلامي" الذي تشكل في عام 1989 من أنصاره في عدد من المدن البريطانية لمناقشة شئون الإسلام والمسلمين في بريطانيا وأيضا في أي مكان من بلاد المسلمين. 
الغريب هنا أن صديقي ذا المذهب السني وجد في مجيء الخميني إلى السلطة في إيران، وإطلاقه لمبدأ ولاية الفقيه، إنتصارا له ولفكرة الخلافة والحاكمية التي كان يتبناها. ولعل هذا  وحده هو ما دفع رئيس تحريرصحيفة بحرينية معارضة لتخصيص عموده اليومي في يوم 9 إبريل 2007 لكي يتخذ من كليم صديقي نموذجا لجهة "التعددية والنشاط في المجتمع المدني ضمن إطار نظام سياسي معين"!
توفي صديقي في عام 1996، تاركا خلفه تراثا من الكراهية والغلو والأفكار العبثية الذي استغله أعوانه ومريدوه في بناء كيانات جديدة أكثر تطرفا. فمن رحم أفكار كليم صديقي وبرلمانه الإسلامي ظهرت جماعة "الإسلام لبريطانيا"، ومنظمة "المهاجرون" الإسلامية، وجماعة "عباد الرحمن" الإسلامية، وجماعة "الغرباء"، وجماعة "المحاكم الشرعية" وغيرها. هذه الجماعات والتنظيمات الشاذة التي لم يكن للمسلمين الأسوياء شأن بقيامها وهذيانها وخطاباتها العنترية إرتبطت بصورة أو بأخرى باسم شخصين محددين هما: البريطاني من أصل باكستاني "أنجم تشودري"، والبريطاني الآخر من أصل سوري "عمر بكري فستق".
ولئن صار عمر بكري فستق)هرب إلى لبنان في أعقاب تفجيرات لندن في 7 يوليو 2005( اليوم نسيا منسيا من بعد أن كانت صورته تحتل صفحات الجرائد والمجلات وشاشات التلفزة تارة بسبب إمارته لتنظيم المهاجرين في بريطانيا، وتارة أخرى بسبب تصريحاته المثيرة للجدل حول المحكمة الدولية المختصة بالتحقيق في عملية إغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وتارة ثالثة بسبب دعوته لتكرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتارة رابعة بسبب نعيه لأسامة بن لادن بعد مقتله في "أبوط آباد" الباكستانية، فإن تلميذه وساعده الأيمن أنجم تشودري ظل طويلا يتحرك بحرية، ويتحدى القانون، ويتزعم المظاهرات في شوارع لندن في ذكرى هجمات 11 سبتمبر، ويحرق الأعلام البريطانية والامريكية، ويكفر كل مسلم بريطاني يشارك في الانتخابات العامة "العلمانية" بحسب وصفه.
صحيح ان الحكومة البريطانية حظرت في 14 يناير 2010 جماعة "الإسلام لبريطانيا" التي كان يعمل تشودري متحدثا لها، وصحيح أنها استدعته إلى المحكمة أكثر من مرة، إلا أن الصحيح أيضا هو أنها تعاملت معه بليونة ولم تدنه بحجة "لم نجد أي دليل دامغ يثبت عليه تهمة الحض على العنف". لكن الدليل جاء في عام 2014 ، اي بعد عقود من نشره بذور الفتنة والكراهية والخروج على القانون، وذلك حينما إنضم إلى تنظيم داعش الإرهابي وبايع زعيمه أبوبكر البغدادي. حيث تم إعتقاله في أعقاب تغريدة له على موقع تويتر قال فيها: "أسأل الله أن يوفق الخليفة". وفي هذا السياق قيل ان معاونيه ضغطوا عليه لإتخاذ موقف واضح وصريح مما يسمى بـ "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا".

مؤخرا وقع الفأر في المصيدة مجددا، فعنونت صحيفة "التايمز" إفتتاحيتها بعنوان "العدالة أخيرا". فقد تمكنت الشرطة من العثور على أدلة تثبت صلة تشودري وزميله المقرب محمد رحمن بتجنيد البريطانيين ودفعهم إلى ساحات القتال إلى جانب داعش في سوريا والعراق، وهذه جريمة تصل عقوبتها إلى عشرة أعوام، علما بأنها لا تتعلق بمعتقدات الرجل حول تأسيس "دولة إسلامية"، وإنما تتعلق فقط بتشجيعه لمواطنين بريطانيين على الانضمام إلى منظمات إرهابية.

لكن من يدري؟ فقد تتخذ السلطات مرة اخرى مواقف مائعة من تطرفه وإرهابه كما اعتادت تحت يافظة الحريات وحقوق الانسان!

د. عبدالله المدني
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: أغسطس 2016 
البريد الألكتروني: Elmadani@batelco.com.bh

عبارة الهامش:
دعوا ملكة بريطانيا ورأس الكنيسة الأنكليكية إلى دخول الإسلام، بل هددوها في سلامتها إذا لم تستجب.

شاعر عند نقطة التفتيش/ بن يونس ماجن



وقفت عند نقطة التفتيش
  بامر من كتاب الرواية
أنا الآن مجردا من ثيابي
وأقلامي ودفاتري
في قاعة الانتظار
 دواويني الشعرية مبعثرة
على طاولة مستديرة
تنتظر الفحص والتمحيص
والاستفسار و التنبيش
كنت أردد وأنا ارتعش خوفا
بين ايديهم:
لا اريد شيئا الا الخلاص
من الوساويس القاتلة
لم اشعل نارا في القش
ولم اصطلي بجمرها
لست الاول
ولن أكون الاخير
هذا هو هذياني
هذه هي خربشاتي
لست داعية
ولا شاعرا
ولا ساحرا
ولا أمتهن التبشير
ولم أزرع فيروس التخدير
في مخ فارة الماوس
 ولم أمشي في طابور المظاهرات
ولم  اتزعم عصيانا مدنيا عبر
عبر الانترنت والفيس بوك 
ولا تويتر وانستاجرام و ..و..
ما هي الا خرافات كتبتها في المنفى
مكدسة فوق محراب الاساطير
ما هي الا غيمات عصبية الاعاصير
مغطاة بغبار الاعوام الكالحة العابرة
لم اكن سوى نعجة سوداء
في قطيع تائه
تبحث عن راع نزيه
لكي ينقذها
من السيول الجارفة الحمقاء
بصق الروائي المحنك
الذي نصب نفسه رقيبا مستأجرا
على دواويني كلها 
 هذا الروائي الحالم بجائزتي
"بوكر العرب"  "ونوبل الصهيونية"
على موائد العهر وحانات الكلاب المسعورة     
ثم رماني بسهم قاتل
وأرغمني على حرق أشعاري
ووصني بالامتناع عن كتابة الكلام المبهم
فخطر لي للتو أن اصفع هذا المارد المخمور
والبول على "رواياته" المتهورة والسخيفة
التي حتى كلماتها
صارت تخجل من اصفار اوراقها

دول المختبر الديمقراطي/ كفاح محمود كريم

      لن نعود إلى التاريخ وبدايات التجارب الديمقراطية التي زرعها الأوربيون في الشرق الأوسط وتحديدا في كل من لبنان وإسرائيل وتركيا، حيث تعاني التجارب الثلاث من إشكاليات معقدة لا نستطيع الادعاء بأنها ناجحة بالتمام والكمال، خاصة وان تجربتين منها لم تتجاوز علاماتها في الامتحان النصف، أي 50 بالمائة إن لم تكن اقل، وهي الآن في لبنان بدون رئيس منذ فترة طويلة وبحكومة مشلولة ويعيش ( على الله ) كما يقال بتفرد احد الأحزاب بدولة داخل دولة، أما تركيا وحربها الداخلية مع معارضيها، فيكفيها اليوم من اعتقالات وطرد وهروب على خلفية ثقافة الانقلابات.

     نعود إلى دول المختبر الديمقراطي التي تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون والمتفائلون من أمثالنا على نقل التجارب البريطانية والأمريكية والأوروبية الغربية خاصة، إلى بلادنا وشعوبنا التي تختلف من الأرض حتى السماوات عن شعوبهم، وفي كل مناحي الحياة، ابتداءً من المزاج العام وانتهاءً إلى علاقاتنا الأسرية والعشائرية والدينية، التي تتقاطع حد التقاتل مع مبادئهم وسلوكياتهم وأساسيات تطبيقاتهم للديمقراطية، التي لا تعني كما يعتقد البعض مجرد تداول سلمي للسلطة، حيث أجريناها كما أرادوا وفشلنا فشلا ذريعا، والدليل ما نشهده اليوم في حال بلداننا وحكوماتها وبرلماناتها التهريجية، وتذابحنا على السلطة بشتى الوسائل، فأدخلنا احدث طرق التزوير وشراء الذمم وكيفية قيادة القطيع وإيصاله إلى تلك الصناديق اليتيمة التي تمنح شارة وبراءة الديمقراطية العرجاء في بلداننا.

     لم أجد تعبير أدق من دول المختبر الديمقراطي للإشارة إلى مجموعة دول الربيع العربي التي تتقارب في نشأتها وسلوكياتها ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها مع بعضها، وتعاني من أزمات حادة في مقدمتها أزمة تكوينها منذ البداية، حيث وضعت الأسس بشكل خاطئ أنتج حزمة معقدة من الإشكاليات البنيوية، وكرس القبلية والطائفية على حساب المواطنة، وابعد فكرة إقامة كيانات تقدمية على أسس معاصرة وأفكار خلاقة، ما جعل أنظمتها شمولية تعكس بناءها الاجتماعي القائم على الأحادية من بناء الأسرة وصولا إلى هرم السلطة، هذه الدول وفي مقدمتها العراق وسوريا واليمن ومصر والخليج وكل شمال إفريقيا ومن شابهها، تحتاج فعلا إلى فحوصات وتحليلات مختبرية دقيقة لاختيار شكل النظام السياسي الذي ينقذها من هذا التدهور المريع في معظم نواحي الحياة فيها.

     ربما يرى البعض إن الديمقراطية هي الحل، بينما يرى آخرون إن الإسلام هو الحل، وقد أفشلت هذه الشعوب النظريتين أو التوجهين لحل اشكالياتها، فلا الديمقراطية أنقذت الكورد في تركيا، ولا الإسلام كنظام سياسي أنقذ العراق أو إيران أو أفغانستان من الصراعات والتذابح، وفشل النموذجان في التطبيق لحل أو معالجة التعقيدات النفسية والاجتماعية والسياسية في تكوين هذه المجتمعات، وإزاء ذلك يرى أصحاب الخيار الشمولي بشقيه الدكتاتوري الفردي أو النخبوي بأنهم الأفضل على خلفية تداعيات ما حصل وما زال يحصل في تلك البلدان، لكونهما فشلا في إثبات أطروحاتهما في العدالة والأمن والسلم، ورغم أن كثيرا من هذه الدول تحتضر في مختبرات التحليل، وتحال إلى  الطب العدلي وقاعات التشريح، واحدة تلو الأخرى لإثبات سبب الوفاة، بعد أن فشل كل المحللين وعلماء المختبر من أن يتعرفوا على أنواع الفيروسات المستوطنة في مفاصلها، فان آخرين يؤمنون بوجود آمال ما تزال تظهر في الأفق هنا وهناك لإنقاذ ما تبقى منها.

         وحتى تثبت الأيام فشل أو نجاح هذه التجارب ادعوكم قرائي الأعزاء إلى اقتراح حلول وأفكار أخرى ربما تعين مختبرات السياسة والمنظرين بعيدا عن الحلول التي أنهكت وأغرقت هذه الدول بالدماء والفساد والإرهاب.

kmkinfo@gmail.com

صلاةُ الحبّ/ عباس علي مراد


عندما دُعِيَ قلبي
إلى موعد اللقاءِ
تنادت جوارحي
فها أنا أتوضأ
على وقع نبضات القلب
بصوتك العذب 
بنظراتكِ
أتطهر
من الإثم
 من الرجس 
من الجهل
مسرعاً إلى معبد الحب
أركعُ وأسجدُ
وأبتهلُ إلى ربي
أن يجعل حبي
عامراً
 غامراً
خالصاً
أتدثر به
كي لا تَزِلَ قدمي
عن سراط حبك المستقيم
وأضمن لنفسي 
مرتبة في جنان العشق
وترتاحُ روحي 
بجوار روحِكِ
فاسجدي إلى جانبي
واتلي على مسامع 
آيات من الحب