معايير مزدوجة في اليوم العالمي للعمل الإنساني/ علي هويدي

حددت الأمم المتحدة يوم التاسع عشر من شهر آب/أوغسطس من كل عام موعداً لإحياء اليوم العامي للعمل الإنساني، وهي مناسبة سنوية يحييها المجتمع الدولي منذ العام 2003، فقد اختارت التاريخ تزامناً مع الهجوم على مقر الأمم المتحدة في بغداد، وتأتي إحياء المناسبة هذا العام بوجود حوالي 65 مليون لاجئ حول العالم منهم حوالي ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني يمثلون حوالي 12.3% من مجمل عدد اللاجئين، محرومين من الحقوق الإنسانية الأساسية منذ ما يزيد عن 68 سنة على اللجوء.
وبغياب حل سياسي يتمثل بتطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إلى ديارهم التي هُجِّروا منها إبان النكبة في العام 1948 فإن المعاناة الإنسانية ستبقى مستمرة وسيتفاقم الوضع الإقتصادي والإجتماعي أكثر وأكثر ليصل الى المخاطر الأمنية. تستذكر الأمم المتحدة العمل الإنساني وتدعو لتوفير كل ما يلزم للاجئين من دواء وغذاء وإيواء وكساء وحماية وأمان واستقرار، في الوقت الذي تتخلى فيه عن التزاماتها تجاه اللاجئين الفسطينيين من خلال مسألتين أساسيتين، الأولى مساعدة "الأونروا"، التي أنشأتها وفقاً لقرار الجمعية العام للأمم المتحدة رقم 302 لتاريخ 8/12/1949 وإنقاذها من العجز المالي المستمر والذي يفاقم من توتير الأوضاع بين اللاجئين و"الأونروا" لاسيما في لبنان، إذ تعتمد الوكالة على تبرعات الدول المانحة والأفراد والمؤسسات الشريكة اتي تدفع طواعية، وهي التي تقدم خدمات التعليم والإستشفاء والإغاثة والإستشارات القانونية لحوالي ستة ملايين لاجئ فسطيني مسجل في مناطق عملياتها الخمسة (الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسوريا والأردن)، وبالتالي تتعرض الوكاله دائما لعجز مالي يكون سبباً في تراجع تقديم الخدمات، وربما لم يعد خافياً أن السبب الرئيس لعدم مساهمة دول مانحة في صندوق الوكالة يعود للضغط الذي تتعرض له تلك الدول من قبل اللوبي الصهيوني في محاولة إنهاء عمل الوكالة لارتباطها العضوي بين قضية اللاجئين وحق العودة والضغط على اللاجئ الفلسطيني للقبول بأية تسوية يمكن أن تعرض عليه في المستقبل على حساب حق العودة، وبالتالي أصبحت هذه المساهمات مقيدة ومشروطة بتنفيذ برامج معينة خدمة للأجندة السياسية للمتبرعين.
أما المسألة الثانية فهي التخلي عن الحماية الجسدية للاجئ الفلسطيني والبقاء على الحماية الانسانية والقانونية غير المكتملة التي تقدمها "الأونروا"، إذ أن اللاجئ الفسطيني هو الوحيد بين اللاجئين في العالم المحروم من الحماية الجسدية، فجميع اللاجئين محميين ضمن مهام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR) وفي هذا لا شك معايير مزدوجة تمارسها الأمم المتحدة منذ أن تم تعطيل عمل لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين (UNCCP)، التي أنشاتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948 الفقرة 2 من القرار 194، ومن مهام لجنة التوفيق توفير الحماية الجسدية والقانونية للاجئين، ووضع برنامج لتطبيق القرار 194 الذي ينص على حق العودة واستعادة الممتلكات والتعويض، وعلى هذا بقي اللاجئ الفسطيني عرضة للإستهداف في جميع مناطق عميات "الأونروا"، لذلك على الدول العربية تبني إستراتيجية موحدة تضغط من خلالها على الجمعية العامة تشمل ضم صلاحيات لجنة التوفيق الى "الأونروا" أو توسيع نطاق عمل "الأونروا" ليشمل الحماية الجسدية، وتوسيع جغرافيا عملها خارج المناطق الخمسة، وضم كل اللاجئين الفلسطينيين بمن فيهم غير المسجلين إلى سجلاتها والذين يصل عددهم الى حوالي 2 مليون لاجئ، وتوفير ميزانية ثابتة للوكالة أو إلزام الدول بالمساهمة المالية وألا تبقى طوعية إستنسابية.
تاتي إحياء المناسبة بعد مرور أربعة اشهر على إنعقاد القمة العالمية للعمل الإنساني في مدينة اسطنبول التركية بتاريخ 23 و 24/5/2016 والتي افتتحها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بحضور ما يزيد عن 60 رئيس دولة..، وقد شارك كاتب السطور في فعالياتها وقدم ورقة عمل حملت عنوان "المعاناة المستمرة للاجئين الفلسطينيين في لبنان والحلول المقترحة"، خلال ندوة نظمها مركز العودة الفلسطيني/لندن ضمن فعاليات القمة بعنوان "اللاجئون الفسطينيون، الأوضاع الإنسانية والحلول السياسية"، لتتبين لنا المزيد من الشواهد بأن حتى الحقوق الإنسانية للاجئين لا تُقدم مكرمة من أصحاب القرار، وإنما بحاجة أن تُنتزع إنتزاعاً.
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق