التضامن مع الشعب الفلسطيني وضروة إلغاء القرار 181/ علي هويدي

قبل تاريخ 2/12/1977 وهو التاريخ الذي اتخذت فيه الأمم المتحدة قرارها بتسمية تاريخ 29/11 من كل عام باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وخلال ثلاثة عقود خلت لم يكن الشعب الفلسطيني وحركات التضامن العالمي تحيي الذكرى إلا بمسمى "ذكرى التقسيم" بتنفيذ مختلف الأنشطة والفعاليات من إضرابات وإعتصامات وندوات ومحاضرات ومؤتمرات ومعارض..، ومن المفترض أن يبقى إحياء الذكرى بهذا المسمى بالإضافة إلى اليوم العالمي للتضامن، فقد شكَّل منعطف إستراتيجي خطير في تعاطي الأمم المتحدة مع القضية الفلسطينية، حين اتخذت القرار رقم 181 لتاريخ 29/11/1947 الذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام، دولة عربية بنسبة 42.88% ودولة يهودية بنسبة 55.47% وأن تبقى القدس وبيت لحم بنسبة 0،65% تحت الوصاية الدولية، ولا بد من التأكيد بأن القرار جاء بصيغة التوصية وليس بصيغة التنفيذ أو الإلزام.

يفتقر القرار 181 إلى السند القانوني، فهو الذي أعطى شرعية مزيّفة لوجود الكيان الإسرائيلي فوق أرض فلسطين، ولا يحق للأمم المتحدة أن تُنشئ دولة أو أن تلغي دولة قائمة دون مراجعة وإقرار أصحابها، لا بل ضربت المنظومة الدولية بعرض الحائط مطالب الشعب الفلسطيني بزوال الإنتداب البريطاني عن فلسطين وقيام الدولة الفلسطينية وأن تقوم دولة الإنتداب بتهيئة الشعب الفلسطيني لحق تقرير مصيره، عدا عن أن القرار قد اتخذ ولا تزال فلسطين تحت الإنتداب البريطاني. بسبب قرار التقسيم تهجير حوالي 935 ألف فلسطيني أصبحوا لاجئين في مختلف دول العالم وصل عددهم في العام 2016 إلى أكثر من 8 ملايين لاجئ، الغالبية العظمى منهم موجودين في مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة، وفي المقابل سهّل الإنتداب هجرة اليهود إلى فلسطين من مختلف دول العالم في مشروع صهيوني عنصري إحلالي لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا.


لذلك فالتضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني وأفضل هدية ممكن أن يقدمها المجتمع الدولي للفلسطينيين في يوم التضامن معهم، يكون برد الإعتبار لهم ومراجعة جادة من قبل المجتمع الدولي المتمثل في الأمم المتحدة لقرار إنشاء كيان الإحتلال والإعتراف بالخطأ التاريخي وإلغاء القرار، والإعتذار للشعب الفلسطيني ومن الإنسانية جمعاء عن الظلم المنهجي الذي مورس بحقهم منذ وعد بلفور في العام 1917 حتى الآن، وإعادة حقوقهم المغتصبة كاملة والتعويض عليهم، ومحاسبة المجرمين الذين ارتكبوا جريمتهم في وضح النهار بحق شعب وأرض ومقدسات فلسطين، والتخلي عن سياسة الكيل بمكيالين والتسليم بفكرة الأمر الواقع، فقد فشلت جميع المحاولات لتنسي الشعب الفلسطيني حقوقه أو ترغمه على الإبتعاد عن فلسطين أو محيط فلسطين (88% من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في الدول المحيطة بفلسطين و6% في الدول العربية الأخرى، و6% في الدول الغربية).

تستعد الأمم المتحدة لإحياء مناسبة مرور 68 سنة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/2016، وهي التي وضعت بنوده الثلاثين خلال ثلاثة سنوات بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945 في تناقض لا يقبل الشك؛ ففي الوقت الذي كانت فيه ترتكب المجازر في فلسطين ويُهجَّر أهلها وتغتصب أراضيها ويساق أهلها إلى السجون وتُسهّل هجرة اليهود، وتستعد بريطانيا لتسليم فلسطين للعصابات الصهيونية، كانت الدول الأعضاء تبحث وتنتقي العبارات والكلمات التي تتناسب مع حقوق الإنسان، يُتخذ القرار بتقسيم فلسطين في إنتهاك فاضح لحق الشعب الفسطيني في تقرير مصيره وفي مخالفة للقوانين الدولية لا يُقبل فيها التأويل. وفي المحصلة إذا كان بلفور قد وعد اليهود بإعطاء ما لا يملك لمن لا يستحق، فقد أعطت الأمم المتحدة هي الأخرى ما لا تملك لمن لا يستحق.. هَزُلت..!

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

من شابه أباه فما ظلم : رئيس الفلبين وإبنته/ د. عبدالله المدني

توالى على حكم الفلبين في العصر الحديث ثلة من الرؤساء، كان لكل منهم حكاية ونكهة مختلفة. فالديكتاتور الأنيق فرديناند ماركوس، الذي ضحت به واشنطون باسم الديمقراطية وحقوق الانسان على نحو ما فعلته مع شاه ايران، ارتبط إسمه بحكايات الفساد وولع زوجته، ملكة جمال الفلبين السابقة إيملدا، بجمع الأحذية الثمينة. وكورازون أكينو التي خلفته جسدت حالة المرأة الفلبينية الشعبية التي لا يتعدى معرفتها بالسياسة وشئون الحكم حدود مطبخها فعانت من الانقلابات العسكرية الفاشلة. والجنرال فيدل راموس الذي جاء بعدها عـُرف بمحاولاته إعادة الوهج إلى منصب الرئاسة عبر الحزم والتجديد لنفسه فتعثر وفشل. والممثل السينمائي المغمور جوزيف ايسترادا حاول الانتصار للفقراء والمهمشين فتكالبت عليه النخب المخملية وجردته من السلطة في انقلاب ابيض، لتأتي بعده نائبته غلوريا ارويو ماكاباغال التي لوثت سمعة اسرتها السياسية العريقة بوحول الفساد فكان عقابها السجن من بعد رفاهية قصر "مالاكانيان" الرئاسي.
واليوم يحكم الفلبين شخصية بنكهة غريبة أخرى ليبدأ فصل جدير من الإثارة التي قد تنتهي نهاية مأساوية. هذه الشخصية هي "رودريغو دوتيرتي" وهو محام ومشرع وسياسي قضى سنوات طويلة من عمره كعمدة منتخب لمدينة دافاو، سائرا على درب والده وأجداده ممن حكموا وأداروا هذه المدينة الفلبينية الجنوبية. وخلال أكثر من عقدين في هذه الوظيفة إستطاع أن يفـعّــل القانون والنظام وينجح في ضرب أوكار المجرمين ومهربي المخدرات ورعاة العنف والانفلات والتسيب، الأمر الذي أكسبه سمعة الرجل الحاسم في قراراته بين مواطنيه الذين استبد بهم الحنين إلى الأمن والإستقرار اللذين تراجعا كثيرا في الفلبين منذ سقوط الرئيس الأسبق ماركوس، فنظروا إليه كمنقذ بعثه الرب، وهو ما تجلى في فوزه الساحق في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
لكن مشكلة دوتيرتي أنه مثير للجدل بسبب مواقفه وآرائه الصادمة وسلاطة لسانه. إذ لم يسبق أن أثار زعيم فلبيني جدلا في وسائل الإعلام والأوساط الدبلوماسية كذلك الذي أثاره قبل وبعد إنتخابه. فهو وصف بابا الفاتيكان بـ "إبن العاهرة" دون إكتراث بمشاعر الغالبية الساحقة من مواطنيه الذين يعتنقون الكاثوليكية، ثم استخدم الوصف نفسه بحق الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبيل إجتماعهما المقرر على هامش قمة رابطة آسيان في لاوس في مطلع سبتمبر الماضي دون أدنى إعتبار لعلاقات بلاده الاستراتيجية الطويلة مع واشنطون. وهو الذي قال أيضا أنه سيقتل زعماء الجريمة والعنف والارهاب والمخدرات ويأكل لحومهم نيا ثم يرمي بقاياهم في خليج مانيلا دونما إكتراث بما قد يصيبه من قبل دعاة ومنظمات حقوق الإنسان الغربية والأممية. وهو من رفض الالتقاء بأمين عام الأمم المتحدة "بان كي مون" في قمة لاوس المشار إليها، بدعوى أنه "إنسان أحمق" على حد تعبيره.
وفي أغسطس المنصرم انتقد دوتيرتي الأمم المتحدة إنتقادا لاذعا غير مسبوق، مشيرا إلى فشلها الذريع في محاربة الجوع والإرهاب ووقف قتل المدنيين في سوريا والعراق، وقائلا: "أيتها الأمم المتحدة إذا كنت تستطيعين أن تقولي شيئا واحدا عني، فيمكنني أن أقول 10 أشياء عنك تبرهن كلها على أنك فاشلة ولاجدوى منك". وبعد ذلك شبه نفسه بالزعيم النازي هتلر ضاربا بعرض الحائط ما قد يثيره ذلك من حساسية في أوربا.  ومؤخرا أعلن أنه سوف يسحب الفلبين من عضوية الجنائية الدولية. 
تعود جذور دوترتي إلى أصول برتغالية وأسبانية وصينية وملايوية، بل تسري في عروقه ايضا دماء عربية من جهة أمه، وهو ما لا يعرفه الكثيرون. وتزوج مرتين: كانت الأولى من سيدة أمريكية ذات أصول ألمانية هي "إليزابيث زيمرمان" التي انجبت له إبنه باولو وإبنته سارة. بينما كانت الثانية من سيدة فلبينية طلقها لاحقا.
وإذا كانت إثارة دوتيرتي للجدل باتت أمرا مفروغا منه، فإن إبنته سارة مثيرة للجدل أيضا. فهذه الشقراء التي خلفته في منصب عمادة دافاو بالانتخاب تحمل جينات أبيها أكثر من جينات أمها الأمريكية لجهة الصرامة مع المخلين بالأمن والنظام، ولجهة الإصرار والعزيمة في بلوغ الهدف. بل إنها تشبه أباها أيضا كشخصية سليطة السان وقوية المراس.
فعلى الرغم من رغبتها في أن تصبح طبيبة، كما قالت في عدة مقابلات تلفزيونية، إلا إنها امتهنت المحاماة كأبيها، ثم دخلت الانتخابات البلدية في دافاو في مواجهة مرشحين أقوياء كبار ففازت عليهم فوزا ساحقا لتدخل التاريخ كأول إمرأة وأصغر شخصية سنا تتولى عمادة المدينة. وبمجرد تسلمها منصبها رددت شعرات أبيها بضرورة مطاردة المجرمين وقتلهم. وحينما علقت إحدى طبيبات النساء تعليقا ساخرا على خبر حملها لثلاثة توائم ردت لها الصاع صاعين عبر حسابها على الانستغرام مما جعل الطبيبة تعتذر.
من جهة أخرى بدت سارة مثيرة للجدل في أكثر من واقعة. فعندما تطرق والدها الى قضية ضحايا الاغتصاب في خضم حملاته للفوز برئاسة الفلبين كتبت سارة في الانستغرام انها تعتبر نفسها من ضحايا الاغتصاب لانها تعرضت له وهي شابة، الامر الذي أحرج والدها وجعله ينفي الخبر ويُعزيه الى ولع إبنته بالحكايات الدرامية. وفي واقعة أخرى سنة 2011 سددت لكمة لضابط مكلف من قبل إحدى المحاكم بتنفيذ حكم بإزالة بيوت مكتظة بالسكان في أحد أحياء دافاو الشعبية. وفي 2014 أوقفتها شرطة المرور بتهمة تجاوز السرعة المقررة اثناء قيادتها لسيارتها الخاصة. وقد قيل وقتها أن بعض الحاقدين عليها دبروا لها تلك المكيدة لإذلالها وتشويه سمعتها. إذ كان واضحا أن مخالفتها للسرعة لم تكن بتلك الخطورة المستوجبة لإيقافها بدليل أنها كانت تقود سيارتها بسرعة 57 كلم في الساعة بدلا من السرعة المقررة وهي أربعين كلم.

د. عبدالله المدني
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: أكتوبر 2016 
الايميل: Elmadani@batelco.com.bh 


عبارة الهامش:
"أيتها الأمم المتحدة إذا كنت تستطيعين أن تقولي شيئا واحدا عني، فيمكنني أن أقول 10 أشياء عنك تبرهن كلها على أنك فاشلة ولاجدوى منك".

أخْت الكَرْمِل، حيفا/ سيمون عيلوطي



هَبّ الحريق بْحيفا..،
طَرْشَق شَرار..
والكرمل الشّامخ يَ ويلي
شُعْلِه صار..،
ريح تِحمِل هَاللّهَب...
تُنشر دَمار
تِحرِق البلّوط
والسّرْوِ الحِلو
وْكلّ الخَضار..،
تُشْرُد بَلابِل...
تِهْدِل فْراخ الحمام..،..،
حُزُن غَلّف جَوّها
وْزَهْر الخزام
يبكي قلبي الهايِم بْحُبّك
يَ حيفا..
موج بحرِك يِحْكي عنّي
بِالكلام..،..
كَرْمِلِك حُبّي .. حنيني...
شوقي.. وَجْدي... 
وْيا حَرام
ليش لَوّعْني عَليكي..؟ّ!!
صار وَعْدي يِرْتِعِش..
مثلِك تَمام...
لَمْلِميني من شرودي...
إمْسَحي دَمْع الآلام..،
دُغّري فَزّت
 نَفْضَت سْتار الظّلام..،..  
دَقْ قلبي..
تْناوَلَتْني من الحُطام،..
عانقتني...
تْعافَت وْظلّت صَبيّه..
هيك حيفا...
أحلى من وَهْج السّلام!!

(الناصرة) 

قمصلةُ أبي الخاكيّة/ كريم عبدالله

عندما إنتهتِ الحربُ إستلمتْ والدتي رفاتهُ لم يكنْ سوى قمصلة خاكيّة تتزيّنُ بـ ثلاثةِ ( خيوطٍ )* وثقب ماكرٍ يعلو الصدرَ من جهةِ اليمين كما هي خزّنتها وحيدةً في ( الفاتيةِ )* الحمراء وظلّتْ تتعاهدها كلَّ يومٍ مذ كنّا صغاراً نلعبُ ببراءةٍ امامَ بيوتِ الصرائفِ التي تتنفسُ ( شطيط )* الطافحَ بـ أحلامِ المنفيينَ وراءَ الزمانِ تدسُّ معها القرنفلَ و( ريحة  أم السودان )* التي كانتْ تتعطرُ بها كلَ ّ ليلةِ إنتظارٍ طويلٍ وتعيدُ على مسامعنا نفسَ حكايةِ المسافرِ الذي قدْ يعودُ يوما محذّرةً إيّانا ألاّ ننساها حينَ نكبرُ وأنْ نتعاهدَ الاّ نفشي أسرارها . ماتتْ أمي وماتْ ( شطيط ) وإندثرتْ فيهِ الذكريات وقمصلةُ والدي الخاكيّةِ إمتدّ إليها الجحود فلا قرنفلَ يقتحمُ وحدتها ولا ( ريحة ُ أمْ السودان )  تمنحها الدفءَ والسلوان لا شيء سوى فراغَ الصمتِ والإهمالَ يزحفُ على ألوانها المجروحةِ حسرةً منكفئة على ظلامِ الأرقِ فراحَ يغزلُ العنكبوت في جيوبها  بيوتاً فارهة وأنفاقاً سرّيّة وشوارعً تمتلىءُ بالخواءِ تسمعُ وقعَ النسيانِ يتراصفُ في خيالِ دموعِ الأمس . وجبَ الخلاص مِنْ إرثِ العسكرِ الجاثم ثقيلاً فيها  جمّدَ الحياةَ يكحّلُ في عيوننا حبالَ الأسى تخنقُ براءةَ الضحكاتِ المتوعكةِ نتصنعُ اللامبالات لماضٍ أرهقهُ كثيراً صوت ( أبو الفرفوري )* يستبدلُ الخيباتِ المثقلةِ حزناً يعانقُ أسمالهُ المحشوّةِ بلا عنايةٍ في كيسٍ لا يشبع يتأهبُ أنْ يملأَ فيهِ هزيمة خاكيّها  ويهرّبُ نباحَ الحرب في درابينِ الفقراء فيرتدي قمصلةُ ابي على كتفهِ يضعُ تصاويرَ طفولتنا المنهوبةِ ويملأُ الصحونَ بالفجيعةِ .

القمصلة الخاكية : تشبه الجاكيت ولونها عسكري .
الفاتيةِ : صندوق من الحديد تستخدمه النساء لحفظ الملابس وغيرها .
شطيط : نهر قديم اندثر الان .
ريحة ُ أمْ السودان : عطر رخيص تستخدمه النساء القرويات .
أبو الفرفوري : شخص يتجول في المدن يستبدل الملابس القديمة بصحون الزجاج ( انقرض وجوده الان ) .

بغداد العراق

البارزاني والألغام السياسية/ كفاح محمود كريم

     زيارة الرئيس مسعود بارزاني إلى بعشيقة عشية تحريرها مما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية داعش، وخطابه الذي أثار الكثير من ردود الأفعال، وكشف النقاب عن كثير من الألغام والعبوات السياسية الناسفة، التي اعترضنه عسكريا وتحاول الآن اعتراضه سياسيا، ولعل أكثرها امتعاضا تلك التي أوردها أحد قادة المجلس الأعلى في حسابه على الفيس بوك، علما بان مجلسه هو الأكثر قربا من البارزاني وأطروحاته على خلفية الخلاف المعروف مع حزب الدعوة وجماعة المالكي، ذلك المنشور الذي اعتُبر تهديدا للإقليم وتأكيدا لتصريحات سابقة لبعض قيادات الميليشيات المذهبية المنضوية تحت عباءة الحشد الشعبي، والتي تهدد دوما بأنها ستذهب إلى اربيل أيضا تحت شعار ( قادمون يا بعشيقة )!؟

    ورغم إن الإقليم والبارزاني تحديدا يتعرضون إلى هجمة عنيفة من قبل مجموعة المالكي وحلفائهم إقليميا منذ سنوات، وداخليا ممن استطاعت أصابعهم الوصول إليهم عبر الجدار الداخلي على خلفية عدو عدوك صديقك التي انشأ مدرستها الأولى نظام البعث في جحافله الخفيفة هنا وهناك، إلا أن البارزاني بتجربته المعهودة وحنكته السياسية واطلاعه الدقيق على مجريات الأحداث وشخوصها، نجح في تجاوز اخطر حملة عسكرية واجهت الإقليم عبر تاريخه المعاصر، منذ اندلاع الحركة الثورية الكوردستانية مطلع ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وذلك في التصدي لهجوم منظمة داعش التي استهدفت عاصمة الإقليم اربيل مطلع آب أغسطس عام 2014م، ونجحت في احتلال مدن سنجار وزمار ومعظم سهل نينوى ومخمور والحويجة وتقدمت باتجاه خانقين وبلداتها، وكأنها ترسل رسالة إلى زعماء كوردستان، بأنها لن تسمح بتطبيق المادة 140 التي تنظم دستوريا عودة هذه المناطق إلى إقليم كوردستان، والتي عملت السيدة حنان فتلاوي القيادية المقربة من نوري المالكي وكتلته وحزبه على تأخير وإيقاف تطبيق تلك المادة حسبما أعلنت ذلك في وسائل الإعلام.

     ربما كان اللغم الأول الذي زرعه نوري المالكي في طريق تقدم الإقليم وازدهاره جاء بالتزامن مع السماح لتنظيم الدولة داعش باحتلال الموصل وذلك بقطع حصته السنوية من الموازنة لإرباك الإقليم اقتصاديا، وإغراقه في فوضى عارمة، لكن ما حدث غير ذلك تماما، حيث نجح البارزاني في إدارة الأزمة سياسيا ودبلوماسيا، واستطاع احتواء هجمة داعش التي امتلكت مئات الدبابات والمدرعات ومختلف الأسلحة والذخيرة من جنرالات نوري المالكي في الموصل وتكريت والانبار، حيث تمكن الإقليم وقواته المسلحة من احتواء الغزو وصده، ومن ثم وفي اقل من سنة استطاعت  قوات البيشمركة بالتواجد الميداني الدائم للبرزاني ومعظم أفراد أسرته في خطوط المواجهة المتقدمة مع العدو، بما أعطى نموذجا متفردا في قيادة الحرب ورفع معنويات المقاتلين الذين نجحوا بأسلحتهم المتواضعة من تحرير مدن سنجار وزمار ومخمور وسد الموصل، بل وضربوا طوقا على داعش في الموصل وتلعفر.

     إن حقل الألغام الذي يواجه البارزاني كزعيم وطني وقومي، والإقليم كمشروع حضاري، يخفي العديد من العبوات الناسفة سياسيا بعد أن نجح عسكريا في تفجير وتجاوز تلك التي واجهته في الحرب مع أعتى قوة للإرهاب في التاريخ المعاصر، هذه الألغام زُرعت من قبل خصومه سياسيا في الداخل والخارج، في إقليم يعمل هو ورفاقه من الزعماء الكوردستانيين على انجاز استقلاله، ولعله من أهم تلك الألغام بعد مواجهته لداعش هو تجمعات اليسار المتطرف حد الانحراف والفاشية التي تعمل على إشاعة الفوضى مستغلة مساحة الحرية، وأمراض المناطقية التي تنمو فيها وتعمل من خلالها، وهي بالتالي تمثل ما كان يسمى في الإقليم قبل استقلاله الذاتي في 1991م اصطلاحا ( الجاش ) والذي يعني مجاميع من الموالين لأنظمة الحكم في بغداد والمنفذين لإراداتهم، ومعظم تلك المجاميع لا تتجاوز مساحات رؤيتهم وتفكيرهم مناطق سكناهم وعشائرهم، وبالتالي فهم اقرب ما يكونوا للبداوة السياسية التي لا تتوانى عن استخدام أي وسيلة لتحقيق مأربها، خاصة وإنها تهدد دوما باستخدام العنف كما فعلت في مظاهراتها التي استهدفت مكاتب ومقرات سياسية، والهدف في ذلك دوما تشتيت الإقليم وتجزأته، كما حصل في استقبال نوري المالكي وحنان فتلاوي العدوين اللدودين للإقليم وطموحات شعبه، أو تقديم مشاريع للحكومة الاتحادية تشجعها على التعامل مع محافظات الإقليم بشكل مستقل عن مؤسساته الفيدرالية، بما يحقق لها ما كانت تصبو إليه في إنشاء فيدرالية المحافظات لطمس معالم الإقليم وإنهاء مشروعه.

     لقد حاولت تلك القوى استخدام ما يسمى بالربيع العربي كعبوة ناسفة باستنساخ الكوارث التي ألمت بشعوب سوريا ومصر واليمن وليبيا، ومحاولة تطبيقها بشكل ببغائي، في إقليم يتبع دولة اتحادية تمارس تداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع، بشعارات سطحية انفعالية تستثير فيها مشاعر العامة من الأهالي، وهي في معظمها شعارات تخديرية لا تمت بأي صلة لواقع الإقليم، وما يتعرض له من تحديات خطيرة، لإيقاف مشروعه في تحقيق حلم ملايين الكورد في الديمقراطية والاستقلال، حيث نجحت في زرع الكثير من الألغام والعبوات السياسية على خلفية تلك الثقافة التي تعتمد داعشية التطرف في العمل السياسي ومن أبرزها:
- الفساد المستشري في كثير من مؤسسات الدولة والأحزاب ومفاصل قياداتها التي تحولت إلى حيتان.
- استثمار تداعيات الأزمة المالية وحالة الحرب مع داعش خارج مفاهيم المصالح العليا للوطن والشعب، بما يربك الوضع النفسي للأهالي وإشاعة الإحباط والاستكانة.
- محاولة تقزيم الإقليم بشعارات لا تختلف عن تلك التي كان يرددها صدام حسين لإشاعة روح اليأس عند الأهالي وإبعادهم عن أهدافهم التاريخية.
- استخدام إعلام دعائي يعتمد القصص المفبركة والتشكيك في كل الحقائق لإشاعة بيئة لفقدان الثقة وفوضى الأقاويل.
- استخدام الأطفال وقطاع التربية والتعليم لتنفيذ برنامج التخريب الاجتماعي لإيقاف مسيرة التقدم وتعطيل عمل المدارس والجامعات.
- استخدام المواقع الرسمية في البرلمان والحكومة لتقزيم واهنة هيبتهما.

     ربما هناك الكثير من الألغام الأخرى، لكن البارزاني بشفافيته المعهودة اختزل الموقف برمته من كل هذه التحديات وحقول الألغام قائلا بصراحة نقية وواثقة: 

" كما تمكنت الپێشمه‌رگة من رفع جميع ألغام داعش التي زرعها على طرق وارض كوردستان، أقول بثقة إننا نتمكن من رفع جميع تلك الألغام السياسية التي يزرعونها في طريقنا، افعلوا ما تشاؤون فنحن ماضون ومصرون على السير في طريقنا".

     والذين يعرفون البارزاني يدركون جيدا انه يعني ما يقوله، بل ويفعل ما يقول!

kmkinfo@gmail.com

حلمت بالغد فما كان إلا سرابا/ فاطمة الزهراء فلا

يا مغرما بشعري والقوافي
يا ليلي الموعود
يا مغرما بشعري 
هل تجافي أم هل تعود ؟
شمعة أنا احترقت
وأضاءت كل الوجود
دمعة أنا اشتعلت
فتقرح جفن العيون السود
وأسأل اليأس في همس
هل تجافي  في حبي ؟
 ومن أعطاك حق الصدود ؟ 
وأظل بعدك أنسج الأحلام
لعلها تطرح ورودا
فوق الخدود
ونظرت خلفي 
ما وجدت سوي الدجي
والفجر يرنو عن بعد
ويرفع في وجهي
رايات الصدود
وأعيش بعدك أنقش
فوق الرمال الذكريات
ويأبي اللقاء أن يعود
وزنابق  ورياحين 
ونور يضوي في المساء
لكنه كان السراب
يدق صدري بالرجاء
في كل حين...
فلا أجد سوي البكاء
ودمعة حائرة دوما
تؤرق الخدين
شلال ألم من فراق
أهداه لي في ليلة
غراب بين
أسئلتي عنك تصدأ في حلقي
والريح تثرثر في أذني
والسكر ملح في فمي
وألواني كيف أفسرها
وقد صرت بلا عينين
فأنا إيزيس الدائرة الحائرة
وعشتار  الصيف 
تركع عند الموقد
تنتظر إله الحب
الموهوب من الرب
لتغني معه أغنية بائسة
تتكحل بالكحل السكوب 
من زمن الحيات في 
عصر كليوباترا  
والليل الساكن
 تحت زغب إبطيها
وبلح الشام 
المعقود بسكر أنوثتها 
وغزل البنات 
حين تداهمهن العنوسة
في زمن الخبز الجاف 
والعسل  المر 
يا مر الحلم
 ومر براءة الأطفال
والبنات بلا ضفائر

 ولا أحزمة ولا فيونكات 
يقع بهن سقف الحلم 
من أول مرة
يريدن الحلم

عصر بحر العلوم وكاشف الغطاء حتى معركة الخميس/ كريم مرزة الأسدي


 أخوانيات وطرائف أشهر شعراء النجف
بين 1775 م - 2016م 
الحلقة  الثانية


 بحر العلوم وكاشف الغطاء : عصرهما  مسألة التحكيم و معركة الخميس :
الحق ! قاد  هذه المرحلة  الدينية والاجتماعية والأدبية في النجف  بمرجعيتها الفقهية ومسألة تحكيمها ومعاركها الخميسية الشعرية ، المرجعان  الدينيان  الكبيران  الشهيران  السيد محمد مهدي بحر العلوم ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير ، وهما أول وآخر من جمع القيادة الدينية والشعرية ،  إذا استثنينا الشريف الرضي من قبلُ ، والسيد محمد سعيد الحبوبي من بعدُ ...!! 
ولكي نتعرف على عصرهما وزمنهما ، يجب أن نتكلم بــ
1 - نـبذة مختصرة جداً عن الرائدين :
 أ - السيد محمد مهدي بحر العلوم (1155 - 1212هـ / 1742 1797م) :
 يذكر (مركز تراث السيد بحر العلوم ) : ولد  السيد فجر ليلة الجمعة المصادف الأول من شوال سنة 1155هـ / 1742م بمدينة كربلاء المقدسة. و نشأ وسط عائلة علمية، أبوه المرتضى الطباطبائي كان من أفاضل العلماء والمدرسين في كربلاء، والمرجع الكبير وزعيم الحوزة العلمية الوحيد البهبهاني هو زوج عمّته، . تعلم القراءة ولكتابة قبل اجتياز السابعة من عمره. وحضر أولياته وسطوحه من النحو والصرف وبقية العلوم العربية والمنطق والاصول، والفقه والتفسير وعلم الكلام وغيرها على فضلاء عصره والمتخصصين في هذه العلوم.
انتقل من كربلاء الى النجف الاشرف مهاجراً  سنة 1169 ه‍ / 1755م لتحصيل العلم على يد كبار علمائها ، وجدّ في التأليف والتدريس والزعامة الدينية والاجتماعية والأدبية ، وألتف حوله تلامذته ومريديه وحاشيته كالشيخ جعفر كاشف الغطاء والسيّد جواد العاملي صاحب (مفتاح الكرامة)  وغيرهما .(1) 
وقد ذكر السيد الأمين في (أعيان الشيعة)  بأنّه : كان يحب الشعر وإنشاده فيستنشد الشعراء ويرتاح إلي محاضراتهم ومطارحاتهم ويحكّمونه بينهم ويمدحونه فيجيزهم الجوائز الجليلة، وهو نفسه شاعر مطبوع ينظم الشعر كثيراً ويجاري الشعراء في محاضراتهم ومطارحاتهم...وكانت داره مجمع العلماء والأدباء يجري فيها من المحاضرات والمسامرات والنوادر والملح الشيءالكثير مثل معركة الخميس ومسألة التحكيم. (2)

ب  - المرجع الآخرالشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير: (1156 - 1228هـ / 1743 - 1812 م)  المعاصر والمتآخي مع السيد بحر العلوم .  
هو جعفر بن خضر بن يحيى الجناجيّ الحلّيّ النجفيّ مؤسّس أسرة (آل كاشف الغطاء) والمعروف بـ (جعفرالكبير) و (شيخ المشايخ). كان فقيهاً، أُصوليّاً، متكلّماً، محقّقاً، كاتباً، مرجعاً دينيّاً، أديباً، شاعراً،  متواضعاً ، جريئاً ، مهاباً ، وقورا ، لُقِّب بهذا اللقب بعد تأليفه كتابه الفقهيّ المشهور (كشف الغطاء) ، وأسرته من الأسر النادرة التي سميت على اسم كتاب  .
وُلد بالنّجف الاشرف سنة 1156 هـ الموافق لسنة 1743م.)،(3)  
المرجع الأول في تاريخ الإمامية قفزت قيادته لتشمل عدّة دول أقليمية  ، فزادت شهرته ونفوذه الديني والسياسي والاجتماعي.
 أستيحكم  عذراً أن أستعير البيت الآتي  من الشعر لـ ( الجامعي) ، أحد أركان معركة الخميس : 
وهيهات ان يحظى بصفو وداده *** وان كان " بحرا " في العلوم " وجعفرا" 
 وأتصرف به  ، لأختم هذه الفقرة عنهما :
 وهيهات ان (تحظى الكمال شواردي ***  لمن )  كان " بحرا " في العلوم " وجعفرا"
لا تُخفى  التوريتان البديعتان  بين كلمتي بحر وجعفر - جعفر النهر الملآن الغزير - وهما المعنى القريب ، أما المعنى البعيد فهما السيد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير ...!!   

2  - عصرهما :  
السيد محمد مهدي بحر العلوم :(1155 - 1212هـ / 1742 1797م)
الشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير: (1156 - 1228هـ / 1743 - 1812 م) : 
أ - الحوزة العلمية الإمامية تتنقل من كربلاء إلى النجف. 
  لاريب أنّ موضوع تاريخ الحوزة شائك جدا ، متواصل ومستمر، فمدرسة المدينة وحديثها ، والكوفة وقياسها ،  وآل البيت وأجتهادها  ،  هي  الأثافي الثلاثة التي أرتكزت عليها  مدرسة بغداد الفقهية للإمامية ، ثم انتقلت إلى النجف ، فالحلة ، فالنجف مرة ثانية  ، فكربلاء ، فالنجف  مرة ثالثة ، ، فسامراء ، فالنجف  مرة رابعة ، وكان للسيد بحر العلوم دور أساسي في العودة بها  إلى النجف الأشرف في عصره وعصر كاشف الغطاء ...!!
كانت الحوزة العلمية الإمامية في بغداد أيام الشيخ المفيد ابن المعلم (336 هـ / 948م - 413 هـ / 1022م)    - وكانت هنالك حوزة إمامية في قم - ومن بعده  بقى تلامذته  الشريفان  المرتضى ( توفي 436 هـ) والرضي  ( توفي 406 هـ)، والشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، يدرسون  فيها ، ولهم مقام كبير بها  حتى دخول السلاجقة إليها سنة 447 هـ ، فهاجر الشيخ الطوسي بعد سنة  لوقوع اضطرابات وقلاقل  عام ( 448هـ/ 1056م ) إلى النجف  ، وآتخذها مقراً لحوزته ، أو قل جامعة له، وكان قد سبقه  إليها بعض العلماء ، وتقام الدروس فيها  ، وبوجوده انتعشت الحوزة  كثيرا ، وعلى أسس متينة ، وتوفي سنة 460 هـ ، وانتقلت الحوزة إلى الحلة في عهد سبطه محمد ابن أدريس الحلي (543 - 598 هـ)، وظلت في المدينة الفيحاء ما يقارب ثلاثة قرون  ، وفي بدايات القرن العاشر الهجري أي منذ سنة 900 للهجرة/ 1494للميلاد-  عادت واستقلت بالعلم والرحلة إليها منذ عصر المحقق الشيخ علي عبدالعال الكركي - نسبة إلى الكرك في البقاع اللبناني ، توفي عام 940هـ/ 1533م، عصر ، وانتقلت الحوزة خمسين عاماً إلى كربلاء في عهد الوحيد البهباني ( 1118 - 1206 هـ)، وسرعان  ما رجعت إلى حاضنتها النجف  في عهد  السيد  محمد مهدي بحر العلوم، وتلميذه الشيخ جعفر الكبير الجناجي صاحب كتاب ( كشف الغطاء) . واستمرت  أيام مرجعية الشيخ محمد حسن النجفي صاحب (جواهر الكلام)، ثم الشيخ مرتضى الأنصاري، حتى المجدد السيد محمد حست  الشيرازي،( 1815 - 1895م)  صاحب فتوى التنباك الشهيرة ، إذ  أقام في سامراء ، وهاجرت معه حتى وفاته ، ورجعت في عهد تلميذه الشيخ  ميرزا محمد حسين الخليلي ( توفي 1322هـ / 1904 م )، و بقت إلى اليوم.....

ب - الخلفاء العثمانيون والسلاطين المماليك في عصرهما :  
 كما ذكرنا عاش السيد  بحر العلوم الجد الأول للعائلة الكريمة بين ( 1742 - 1797م) ، والمماليك حكموا بغداد والعراق 82 سنة من (1749 - 1831م) ، وهذا يعني كان طفلا ، لم يتجاوز عمره سبع سنوات ، وتسلم سليمان باشا أبو ليلة مقاليد الحكم في بغداد وبقى ثلاث عشرة سنة  ، ثم عاصر من بعده من  السلاطين المماليك علي باشا وعمر باشا ومصطفى باشا وعبد الله باشا ، واضطربت الأمور ، ودهمت الطواعين حتى استلم قائد المماليك سليمان باشا الكبير الحكم في 1780 ويبقى في حكمه حتى ( 1802م) ، ويموت السيد بحر العلوم في عصره المستقر نسبياً  ، وذلك سنة 1797م، ويدفن غي النجف الأشرف 
المستقر نسبيا       
إن أول من أتى بالمماليك إلى العراق هو الوالي العثماني حسن باشا فقد أراد هذا الوالي بعد أن فسد نظام الانكشارية ،أن يجعل لنفسه جندا مختصين به يستعين بهم ويتعصبون له فأرسل إلى بلاد القفقاس من يأتي إليه بالصبيان. وكانت أسواق مدينة تفليس آنذاك زاخرة بالصبيان المعروضين للبيع، فأسس حسن باشا في بغداد دائرة خاصة اسمها إيج دائرة سي أي دائرة الداخل ومهتها هي الإشراف على شراء المماليك من تلك البلاد وتدريبهم، وعندما تولى الحكم من بعده ابنه أحمد باشا أكثر من شراء الجنود المماليك وأعتنى بهم، حتى أصبحوا قوة لايستهان بها، وبعد وفاة الوالي أحمد باشا كثر عددهم واستطاعوا فرض إرادتهم على الدولة العثمانية وينصبوا أحدهم وهو سليمان باشا أبو ليلة واليا على العراق في سنة 1749م.(4)

ج - تجدد   ظاهرة الأخباريين بالبروز  في عصر السيد محمد  مهدي بحر العلوم ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير :
الأخباريون، هم فرقة من الفقهاء الإمامية التي تعتبر أخبار وأحاديث أئمة الشيعة (ع) كمصدر وحيد للفقه والاستنباط الحكم الشرعي. ظهرت هذه الفرقة في القرن الحادي عشر، وكانت لا تجوّز استخدام الطرق الاجتهادية وعلم أصول الفقه. وفي مقابلها يقع الفكر الأصولي الذي يرى ضرورة العمل بالطرق الاجتهادية والاتكال على علم أصول الفقه لاستباط الحكم الشرعي.
وكان محمد أمين الأسترابادي وعبد الله بن صالح بن جمعة  البحراني وميرزا محمد الأخباري من الأخباريين المتشددين، . وكان يقابلهم في معسكر الأصوليين الوحيد البهبهاني والشيخ الأنصاري والشيخ جعفر كاشف الغطاء.
وكان الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء (متوفى 1227-1228هـ/1812-1813م) هو من جملة المقارعين للأخباريين، حيث قام بمخالفة ميرزا محمد الأخباري وفي هذا الصعيد حرر كتيباً تحت عنوان كشف الغطاء عن معائب ميرزا محمد عدو العلماء، وأرسل نسخة منه إلى فتح علي شاه القاجار حتى يكفّ عن دعم ميرزا محمد الأخباري.(5)

د - الوهابية  تغزو العراق   :
في عصر المرجعين بحر العلوم وكاشف الغطاء ، بدأت الحركة الوهابية تتوجه نحو العراق وسوريا والحجاز ، وتهدد الأماكن المقدسة للإمامية ، بل وللدولة العثمانية نفسها وذلك منذ سنة 1790 ، فشرع الأمير عبد العزيز بن سعود بالسيطرة على  منطقة الأحساء المجاورة للأراضي العراقية ، وهاجمت الحركة مراعي الظفير والمنتفق والشامية ،وأخذ الدعاة ينشرون دعوتهم بالأرياف والمدن سنة 1796م ، و كلّف سليمان باشا والي بغداد المملوكي العثماني ثويني شيخ المنتفق بمحاربتهم ، ولكن ثويني  قتل بطعنة طعيس عبد جبور بني خالد وذلك سنة 1797م / 1212 هـ ، وهي السنة التي توفي فيها السيد محمد مهدي بحر العلوم ، انكسر الجيش العثماني ، و بأمر من السليمان نفسه ، كرر الهجوم هذا الجيش بقيادة الكهية علي باشا  في سنة 1798م ، واستطاع أن يصل إلى  قلعتي  الهفوف والمبرز ، وعجز عن هدمهما بالمدافع ، فعاد الجيش إلى بغداد ، وتم الصلح ، وعقدت الاتفاقيات ، ولكن في سنة 1216 هـ /  1801 م ، وفي 18 ذي الحجة ( عيد الغدير) استباح الوهابيون كربلاء ، وقتلوا  ألفين من الرجال ، ونهبوا كل الخزائن الثمينة في الضرائح المقدسة ، وبعد أكثر من سنة ( أواخر 1803م ) ، يقتل الأمير عبد العزيز بن سعود بيد شخص أفغاني كان مقيما في بغداد يدعى الملا عثمان ، بينما كان الآمير يصلي بالناس بالدرعية عاصمة الإمارة، مما أدى إلى تجدد الصراع ومهاجمة  مدينة الزبير ، وهدم مشاهد طلحة والحسن البصري ، وفي سنة 1806 م شن الوهابيون على النجف ، والهجوم باء بالفشل لقوة وشكيمة المرجع الديني الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير (6)

هـ - الوضعية الاجتماعية في عصرهما :
 كان عصرهما يتصف بالتواضع والتراحم والبساطة والتكافل الاجتماعي بعيدا عن صخب الحضارة المادية ، والنزعات الأنانية ، أروي لكم فقرات معبرة ، ولك تقدير المواقف :
1 - بحر العلوم ومساعدة الفقراء :
كان الرجل   رحوماً  باراً ، يتفقد أوضاع الناس الاقتصادية والمعيشية وخصوصاً الفقراء المعدمين ، ويتخذ القرار الإنساني العطوف  ، ذكروا: ان السيد محمد جواد العاملي صاحب(مفتاح الكرامة ) - من أعاظم تلاميذه - كان يتعشى - ذات ليلة - إذ بعث إليه السيد بحر العلوم ، يدعوه للحضور بسرعة، فترك عشاءه وحضر بين يدي استاذه. فلما رآه السيد رحمه الله أخذ يؤنبه بكلمات شديدة. وذكر له: أن احدا من اخوانه وجيرانه من اهل العلم - وسماه له - كان يأخذ كل ليلة من البقال (قسبا) لقوت عياله ولهم قرابة الأسبوع لم يذوقوا الحنطة والأرز. وفي هذا اليوم ذهب إلى البقال ليأخذ القسب، فامتنع البقال من إعطائه لثقل دينه، فظل - هذه اللية - هو وعياله وأطفاله بلا عشاء، فأخذ السيد محمد جواد يعتذر إلى السيد  بعدم علمه بالموضوع، فقال له السيد رحمه الله: " لو علمت بحاله - وتعشيت ولم تلتفت إليه - كنت كافرا. وإنما أغضبني عليك عدم  تفقدك  إخوانك وعدم علمك بحالهم ". فأمر له السيد رحمه الله ( بصينية ) كبيرة فيها أنواع الأكل  وصرّة  من المال على أن يوصلها إلى الرجل، ويتعشى معه ويستقر، ويأتيه بالخبر حتى يتعشى السيد، وبقي عشاؤه أمامه لم يتناول منه شيئا، حتى رجع ( السيد العاملي )  من ذلك الرجل، وأخبره باستقراره وفرحه بالطعام والمال، لأنه كان مديناً بقدر المال - تقريبا - فعندئذٍ  تناول السيد عشاءه وجرت القصة الى بعد منتصف الليل.(7)
رواية تتضمن كثيراً من المعاني الإنسانية والإسلامية الرفيعة السامية ، تجسد أخلاقيات مراجع عصرهما ، ومُثلهم وقِيَمهم  ونبلهم .
2 - وهذه فقرات من سلوكيات الشيخ الشهم الكبير المتواضع الوقور جعفر كاشف الغطاء إذ كان يحاسب نفسه ليلاً قائلاً  (كنت في الصِغر تُسمّى جُعَيْـفراً... ثمّ صرت جَعْـفَراً، ثمّ سُمّيت الشيخ جعفر، ثمّ الشيخ على الإطلاق، فإلى متى تعصي الله ولا تشكر هذه النعمة...) !!! 
ومن مواقفه الشهيرة الخالدة : 
 عندما فرضت الحكومة العثمانية المسيطرة على العراق آنذاك ضريبة على أهالي النجف الأشرف، وهي أن تدفع ثمانين طنّاً من الطعام، وهي ضريبة عالية وباهظة في تلك   الأيام ، فلم يطق أهالي النجف الأشرف جمعها ودفعها ، وكانوا مهددين بالعقوبة القاسية، فبادر الشيخ  الى توفير هذه الضريبة وابعاد شبح ا المعاناة والإرهاب النفسي  عن اهالي النجف الاشرف .(7)
لا يتخيل القارئ الكريم أنّنا نورد ما كتبوا  لمجرد التمجيد الشخصي عن قوم عند ربّهم يرزقون ، ولكن هذه القيم والمروءات  والنبل ، يجب أن تسود العقل الجمعي ، وأن يقتدي بها من يتطلع للزعامة السياسية أو الدينية ، أو الاجتماعية ..!!!(8) 

و - النهضة الأدبية :
لا يختلف اثنان أن عصر ( بحر العلوم - كاشف الغطاء )، هو عصر القفزة الأدبية - والشعر على  وجه الخصوص - لأنه استطاع أن يوفق بمهارة عالية ، وإدراك واعٍ متحضر بين المرجعية الدينية والمرجعية الأدبية ، وزاد عبقرية في تحويل الإلهام والإبداع الشعري من اهتمام فردي إلى تنافس جمعي في مسألة التحكيم ومعارك الخميس ، ومن هنا تأتي الأخوانيات والطرائف في عكس المعاناة والاهتمامات والآمال الذاتية والموضوعية للمجتمع خلال عصره المتواصل مع العصور التالية التي أبرزت حقبة العشرة ، ورواد  القرن العشرين في الأدب والشعر ، ومن ثم رواد الشعر الحر ، أو كما سمي من بعد شعر التفعيلة .
وإليك هذه المساجلات الشعرية من ذلك العصر كتمهيد لما سنتوسع فيه قليلاً  في مسألة التحكيم ومعركة الخميس .
الفقه والمرجعية والزهد والتقوى يجب أن  لا  تمنع من يتمتع بها  بالأريحية ولطفها ، والشعر ولذاذته - إن كان قادراً  متمكناً - ، فمن أخوانيات السيد بحر العلوم المذكور : " نه دفع - يوما - لتلميذه الحجة السيد محمد جواد العاملي ( شاميين ) - من نقود زمانه - ليدفعهما الى أحد المحتاجين . فامتثل السيد العاملي، وجاء إلى دار السيد ليخبره بامتثاله. فوجده داخل حرمه المقدس ، فكتب إليه - عجلا - في رقعة : " الشاميين قد دفعهما "  ومهر الرقعة معكوسا، فجاء الجواب من قبل السيد رحمه الله:
 المبتدا المرفوع جاء منتكس * والمهر في الكتاب جاء منعكس
 فأجابه السيد العاملي على ذلك:
 قد عكس المهر اختلال وهمي ** إذ لم يكن لي فيهما من سهم
والمبتدا المرفوع لما عرضا **** على الإمام العلوي انخفضا(9)
ولا يخفى قي بيت السيد بحر العلوم إشارة إلى أن تلميذه العاملي يجب أن يكتب " الشاميان قد دفعهما" على اعتبار أن كلمة " الشاميان ..." مبتدأ ، ، ويقول له واحدة بواحدة ، لا تحاسبني على ( المهر المنعكس)...!! فيرد تلميذه  العاملي بالبيتين السابقين ، و يتبين لي  من الرد، أنّ التلميذ العاملي ، هو الذي قام بمهر الكتاب ، وليس السيد ، ويزيد ملاطفاً ، هل أعطيتني حصة من ( الشاميين)  ليستقيم ذهني ، ثم ما المشكلة بأنخفاض المبتدأ ، لما دخلت على حضرة الإمام العلوي انخفضا احتراماً وإجلالاً ، ولا تخفى المطابقة الجميلة بين العلو والانخفاض ...!!  

 وهذه أخرى للشيخ كاشف الغطاء الكبير : 
يمر الجامعي محمد بن يوسف على دارالزيني ،وكان غائبا ببغداد ، فتذكر مجلسه ومناظراته - وهما من أعضاء معركة الخميس - فارتجل أبيات بعثها إليه: 
 بما بيننا مـــــن خالص الودِّ لا نسلو ** وغير أحـــاديث الصبابة لا نتلو
مررتُ علـــى مغنـــــاك لا زال آهلاً ***فهاج غرامــي والغرام بكم يحــلو
وعيشــــك إنّي ما توهّـــمت آنفـــــاً *** بعادك عنّى أو رباع الهوى تخلو
وما(جعفرٌ)في ودّه الدهر صادقٌ ** وما(صادقٌ)من لم يكن في الهوى يغلو
وفي البيت الأخير تعريض بالشيخ جعفر والسيد صادق ، وهما اللذان عرفا باخلاصهما للزين من قبل فاستثار ذلك الشيخ جعفر بأبيات بعثها إلى الزيني وهي :
لساني أعيى في اعتذاري وما جرى * وإن نال حظاً في الفصاحة أوفرا
فلو أننّي أهديــــــتُ مالي بأسره **** وما للورى - طراً - لكنت مقصرا
فدع عنك شــــيخا يدّعي صفو ودّه *** فما كل من يرعى الأخلاء جعفرا
يريك " بأيّام الخميس " مــــودةً **** وفي سائر الأيّام ينسخ مـــا يرى(10)
نكتفي بهذا القدر الوافي الشافي ،ونترك للغد ، ما يأتي به الغدُ ، ولكل حادث حديث ، ولكل مقال مقال ، والإنسان بين الآلام والآمال ....

كريم مرزة الأسدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) للإفاضة عن حياته ، راجع : 
 ( رجال بحرالعلوم) المعروف ( بالفوائد الرجالية ) : بحر العلوم، محمد مهدي بن مرتضي، 1155-1212 هـ. تحقيق : حسين بحر العلوم ، محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الصادق - طهران - إيران 
مركز تراث السيد بحر العلوم :
17 /5 /2010 م ، جمادي الآخرة1431 هـ ، عن :
 - حياة العلّامة السيّد محمد مهدي بحر العلوم ص 282
 - المحصول في شرح وافية الأصول للفاضل التوني، والمحصول للمقدس السيد محسن الأعرجي المتوفي سنة 1227هجرية.
 (2 ) (أعيان الشيعة)   للسيد محسن الأمين  159 / 10  
(3) تجد ترجمته في ( الأعلام ) : الزركلي ج 2 ص 124 ، رجال الفكر : 486 ، معجم المؤلفين العراقيين ج 1 ص 251 - 252 ، روضات الجنات : ج 1 ص 151 
، والذريعة ج7 ص 37 ، معارف الرجال ج 2 ص 150  ، ماضي الحلة ج3  ص 131 .....معجم الشّعراء النّاظمين في الحسين - الجزء الثالث: دائرة المعارف الحسينية. ، للشيخ الدكتور الكرباسي .
 ( 4) لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث : الدكتور علي الوردي  ج1- ص:154
 - الموسوعة الحرة ،مواد : المماليك في العراق  
(5 ) لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ج1 - الدكتور علي الوردي - ص: 154 - 167 
     (6) - ماضي النجف وحاضرها : الشيخ جعفر محبوبة - ج 1 ص 324 - 327 - دار الأضواء .
- عباس العزاوي (تاريخ العراق بين احتلالين) - ج6 ص32 
 (7) ( رجال بحرالعلوم) المعروف ( بالفوائد الرجالية ) :  بحر العلوم، محمد مهدي بن مرتضي، 1155-1212 هـ. تحقيق : حسين بحر العلوم ، محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الصادق - طهران - إيران
مركز تراث السيد بحر العلوم :
17 /5 /2010 م ، جمادي الآخرة1431 هـ ، عن :
- حياة العلّامة السيّد محمد مهدي بحر العلوم
 (8) روضات الجنات في أخبار العلماء والسادات  :  محمد باقر الخوانساري الأصبهاني  ج 1 ص 151 
الذريعة في تصانيف الشيعة  : آغا بزرك الطهراني  ج7 ص 37 
(9 ) ( رجال بحرالعلوم) المعروف ( بالفوائد الرجالية ) :  1 / 73 بحر العلوم، محمد مهدي بن مرتضي، 1155-1212 هـ. تحقيق : حسين بحر العلوم ، محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الصادق - طهران - إيران .
(10 ) م. ن . 1 / 82 .
للتوسع والإفاضة ، راجع :
 -  (رجال بحرالعلوم) المعروف ( بالفوائد الرجالية ) :  بحر العلوم، محمد مهدي بن مرتضي، 1155-1212 هـ. تحقيق : حسين بحر العلوم ، محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الصادق - طهران - إيران
   - الموسوعة الحرة ،مواد : المماليك في العراق... الحركة الوهابية .....  
- (دواد باشا والي بغداد) :عبد العزيز سليمان نوار  - القاهرة 1968 - ص23،
      - لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ج1 - الدكتور علي الوردي - ص: 154 - 167 
     - عباس العزاوي (تاريخ العراق بين احتلالين) - ج6 ص32 
- ماضي النجف وحاضرها : الشيخ جعفر محبوبة - ج 1 ص 324 - 327 - دار الأضواء .

برافو سلطة/ محمود كعوش

برافو سلطة !!
السلطة الفلسطينية تهب لنجدتها و"إسرائيل" تشكرها !! 
"إسرائيل" تحرق الشعب الفلسطيني بالطائرات والأسلحة الفتاكة وسلطته تهب لنجدتها...آخر مسخرة !!
وافقت السلطة الفلسطينية على طلب الاستغاثة التي أطلقته حكومة المجرم نتانياهو لتقديم المساعدة في اخماد الحرائق المندلعة في فلسطين المحتلة.
وقال" نائل العزة" الناطق باسم الدفاع المدني الفلسطيني "إن دولة فلسطين وافقت على تقديم المساعدة من خلال ارسال طواقم إطفاء تتمثل بأفراد ومعدات ووسائل لوجستية وطعام لإخماد النيران المشتعلة في الداخل المحتل”، حسب ما نقلت عنه وكالة أنباء "معاً" الفلسطينية.
وأضاف "العزة" "إن توجه ومغادرة طواقم الإطفاء الفلسطينية سيكون خلال الساعات القادمة، وذلك بعد انهاء إجراءات التنسيق لدخولهم إسرائيل" !!
وبالفعل قبلت حكومة تل أبيب الصهيونية "نخوة" السلطة الفلسطينية شاكرة، ودخلت ثمان إطفائيات من الدفاع المدني الفلسطيني الأراضي الفلسطينية المحتلة لنجدة الصهاينة المحتلين والمستوطنين، وعملت أربع منها على الفور إلى جانب الإطفاء "الإسرائيلي" في مدينة حيفا المحتلة والمستوطنات الصهيونية المتاخمة، ومن المفترض أن تكون الأربع الأخرى قد توجهت إلى مدينة القدس المحتلة لمشاركة الإطفاء "الإسرائيلي" في العمل على إطفاء الحرائق فيها وفي المستوطنات الصهيونية المجاورة. 
وقامت حكومة تل أبيب بشكر السلطة الفلسطينية لإرسالها طواقم من الدفاع المدني الفلسطيني، الى المستوطنات الإسرائيلية التي اندلعت فيها الحرائق. وقالت وزارة خارجية الاحتلال على صفحتها على موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي “نشكر السلطة الفلسطينية على مساعدتها في المعركة ضد الحرائق التي تهدد حياة الكثيرين”.
برافو سلطة، هكذا تكون الإنسانية وإلا فلا...وهكذا يكون حسن الجوار وإلا فلا !!
برافو سلطة، "إسرائيل" تحرق الشعب الفلسطيني بالطائرات والأسلحة الفتاكة ورجالك يهبون لنجدتها !! 
برافو سلطة، حكومة الاحتلال "الإسرائيلية" تعتقل عشرات، بل مئات، الفلسطينيين بتهمة الضلوع في الحرائق أو التسبب بها أو الوقوف وراء مفتعليها لغرض استدرار عطف شعبها للتعمية على مشاكلها الداخلية، واستدرار عطف العالم  لتؤلبه ضدهم وضد القضية الفلسطينية العادلة، بل القضية الأعدل في العالم، ورجال إطفائك "الأشاوس" يهرعون لنجدة محتلي أرضهم وقتلتهم من إرهابيين صهاينة وبلسمة جراحهم !!
حقاً إنها آخر مسخرة !!
حقاً إنها مسخرة المساخر يا سلطة فلسطينية !!
kawashmahmoud@yahoo.co.uk

احتراق العقل العربي/ راسم عبيدات

انا لست من المتفائلين في إمكانية تحرير العقل العربي – الإسلامي من قيود الجهل والتخلف والسفسطائية الكلامية والنظرة الغيبية للأمور والظواهر والمشاكل الكبيرة والعميقة التي تعصف بمجتمعنا العربي- الإسلامي بكل تجلياتها،بما يجعلها في حالة مستديمة من التخلف والجهل والبقاء على هامش التاريخ،بل وحتى الخروج من مصاف البشرية العاقلة،لما تقوم به من أفعال وما تحمله من أفكار،والمساهمات في الحضارات الإنسانية،وبالتالي يصبح الحديث عن أمة عربية جامعة موحدة او مشروع قومي عربي تنويري ضرب من الخيال او التفاؤل المفرط في هذه المرحلة من الحقبة التاريخية،فالتحليل الملموس لواقعنا العربي الملموس يوصل الى هذه النتيجة،وليس المسألة رغبائية او إرادوية.
فعندما مارست هذه الأمة منذ القدم القتل والتعذيب والتهجير والنفي والسجن وحتى التعليق على أعواد المشانق والتكفير بحق المتنورين من رجال الدين وعلماءها ومفكرييها ومثقفيها وكتابها وادبائها وشعرائها،ولم يتقبل حكامها الموظِفين للدين ومؤسساته ورجاله خدمة لمصالحهم واهدافهم ونهبهم لخيرات شعوبهم وثرواتهم وإستمرار السيطرة عليها بقوة النار والحديد،بأي قراءة علمية للتاريخ او تفسير يغوص بشكل حقيقي في عمق وأسباب الظواهر الإجتماعية،الإقتصادية،الدينية وحتى الطبيعية منها التي تعصف بمجتمعاتنا وتبقي تطورها محتجز وازماتها مستديمة،حيث ما يجري اليوم في فلسطين يؤكد بشكل قاطع على صحة ما أقوله وأرمي إليه،حيث وجدنا الكثيرين منا في مرحلة ما تمر به الأمة من عجز وإنهيار وسيطرة لفكر وثقافة الدروشة والتجهيل والحجر على العقول،وتعطل كل أشكال الإجتهاد خارج إطار النص الذي رسمه الحاكم لمؤسسة الإفتاء أو رجال الدين،بحث عن أسباب الحرائق المندلعة في غابات فلسطين التاريخية،في السماء وليس في الأرض،حيث العجز وسهولة التبرير،أسهل بكثير من إستخدام لغة العقل والتفكير،فالكثيرون أرجعوا أسباب الحرائق،ليس بفعل الإنسان قاصداً او إهمالاً،بل قالوا بان ذلك عقاب رباني لإسرائيل على محاولتها منع رفع الأذان من مساجد الله،وهذا ليس بالمستغرب في مرحلة الإنهيار والتراجع والهزائم فالشعوب المتخلفة والمهزومة تلجأ لمثل هذه التفسيرات،فمن رؤية الشهيد صدام حسين في القمر،الى مشاهدة الرسول محمد (صلعم) ونبينا عيسى عليه السلام أو سيدتنا مريم العذراء الى تفسيرات المتخلف الليكودي العنصري أيوب قرا،بأن الزلزال الذي ضرب ايطاليا،نتيجة لتصويت ايطاليا في اليونسكو على ان المسجد الأقصى معلم تاريخي وحضاري وتراثي وديني إسلامي،ولا علاقة بينه "جبل الهيكل" وبين اليهودية لا دينياً ولا توراتياً.
حينما يسيطر على الفضاء والمشهد العربي- الإسلامي الثقافي والإعلامي والديني،قوى ظلامية متخلفة مغرقة في الإقصائية والتطرف،وتنجح في فرض مشروعها ورؤيتها وفكرها بفعل ما تملكه من إمكانيات مالية ضخمة،توظفها في شراء نخب على كل مستويات دينية،ثقافية،سياسية،اعلامية،اكاديمية وعلمية،بل والنجاح في شراء احزاب وقوى سياسية عبر ما ضخته عليها من اموال ضخمة،جرى توظيفها في إقامة بنى ومؤسسات اجتماعية،دينية،تربوية وتعليمية،واعلامية،تنظر لسياستها وفكرها وموقفها،تمارس كل أشكال البطش والتنكيل والتحريض وحتى القتل،بحق من يعبر عن موقف او رأي او وجهة نظر،او حتى إجتهاد،خارج إطار وسياق موقف الحاكم وبطانته من السلطة الحاكمة.
سيادة فكر هذه القوى الظلامية،المتعارض حتى مع تعاليم الدين الإسلامي،والرافض لأي شكل من أشكال الحكم القائم على أساس المواطنة وتدوال السلطة والتعددية السياسية والفكرية،بل وحتى الإعتراف بالأخر من المدارس الدينية الأخرى من نفس الدين،والتي تقرا الدين قراءة مغايرة لقراءة هذا الفكر التكفيري،هو من يؤبد ويعمق حالة التخلف والجهل السائدة في مجتمعاتنا العربية،وهو المسؤول عن حالات الدمار والقتل والتهجير والتفكيك والتجزئة والتقسيم لجغرافية اوطاننا على أساس التخوم المذهبية والطائفية.
حين يغيب كذلك رجال الفكر والثقافة والإعلام والعلوم والتربية،وتصبح التنظيمات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني،مجرد اوعية فارغة أو هياكل قيادية منمطة ومحنطة لا تنتج لا فكراً ولا ثقافة ولا حتى سياسية،ولا يجرؤ او يبادر المثقفون وحملة مشاعل الفكر التنويري لدفع الثمن والتصدي لمثل هذا التخريب والتشويه الفكري والديني،فنحن امام كارثة حقيقية يحترق فيها العقل العربي،وليس هذا فحسب،بل حينما تستخدم الجوامع والمنابر من اجل القدح والذم والسب والشتم والدعاء على اتباع الديانات الأخرى بالهلاك والموت والدمار،ولا تتعرض أي خطبة منها الى نقد واستنكار ودعوة للتغيير وقف حالة التدهور والإحتراب الداخلي المدمر الذي تعيشه امتنا العربية،أو تكفير من يمارسون القتل بطريقة وحشية وهمجية باسم الدين،فهذا يعني بأن العقل العربي يحترق وسيبقى يحترق ويحرق امته،والحرق والحريق هنا ليس بفعل خارجي فالفعل الخارجي يساعد في نمو واستطالة واستدامة الظاهرة هذه،ما دامت تخدم مصالحه واهدافه،ولكن الخلل والحريق يكمنان في الأسباب الداخلية،تكمن في من يبثون سموم الفتن المذهبية والطائفية والأثنية والقبلية والعشائرية بين مكونات الشعوب العربية،ولا يتقبلون الآخر، ويحجرون على عقول البشر.
مقابل إحتراق العقل العربي،نجد قادة الفكر والسياسة والإعلام والصحافة والثقافة وغيرهم،يبذلون المستحيل لكي تصبح إسرائيل بأيديولوجيتها الصهيونية بوتقة صهر عملاقة (سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ولغويا..) ليهود العالم من أمم وثقافات مختلفة وسياقات تاريخية ولغات مختلفة... وفي ذات اللحظة يوظفون الأكاديميا الإسرائيلية لكي يبرهنوا على سبيل المثال لا الحصر بأن الأرامية هي قومية لكي يغري مئات"المسيحيين الفلسطينيين" بالخصوصية والأهم بالامتيازات بأنهم قومية خاصة... وهي ذات السياسة التي اتبعت تجاه الدروز والبدو الفلسطينيين، وفي فترة ليست بالبعيدة في ظل إحترابنا العشائري والقبلي والجهوي والطائفي سيقترحون وجود قومية مقدسية، وقومية غزاوية، وقومية خليلية...وغيرها،ويجري تضييق ذلك وتفتيته ساحوري،صورباهري،سلواني،عيسوي،شعفاطي،حنيني، ..الخ.

اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني: مأساة شعب تتجدد بلا تضامن/ حسن العاصي

في شهر كانون الأول من العام 1977 وبعد اكثر من عام على إقرار الجمعية العامة في الأمم المتحدة إطارا جديدا لمعالجة القضية الفلسطينية،  وانسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في العام ،1967 حيث أعلنت الجمعية العامة عن يوم 29 تشرين الثاني / نوفمبر من كل عام ليكون يوما عالميا لتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو ذات اليوم الذي أخذت فيه قرار التقسيم .
في هذا اليوم يقف العالم المحب للسلام والتحرر مع الشعب الفلسطيني، ومع نضاله العادل من اجل التحرر والاستقلال ونيل حقوقه في العودة وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف .
وعلى الرغم من إصدار الأمم المتحدة للقرار الشهير رقم 181 قرار التقسيم الذي أعطى للشعب الفلسطيني الحق في إقامة دولته المستقلة بتاريخ 29 نوفمبر عام 1947، هذا القرار الذي أجهضته الحركة الصهيونية وتواطىء الرجعيات العربية، بحيث تم تدمير كيانية الشعب الفلسطيني وتشريده وحرمانه من إقامة دولته المستقلة منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا .

وعلى الرغم من جميع محاولات إسرائيل لإلغاء وجود الشعب الفلسطيني أو عدم الإعتراف بحقوقه أو بتمثيله السياسي الذي جسدته منظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد، إلا أن كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل وتمكن الشعب الفلسطيني وعبر تضحياته الغالية من أن يفرض حضوره على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، ومن تعزيز مشروعية نضاله على أرضه ووطنه .
تمر الذكرى التاسعة والثلاثون ليوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني هذه الأيام بعد مسيرة نضالية طويلة للشعب الفلسطيني  قدم فيها شعبنا آلاف الشهداء والجرحى الأسرى، وعشرات الاف المنازل التي هدمت والعائلات التي شردت وعشرات الاف الأشجار التي اقتلعت، بعد نهر من الدم الأحمر القاني، وأعمار تذوب وراء القضبان، وبعد أن اشتعلت المنطقة العربية بالحروب ومزقتها الخلافات، بعد  تمردت إسرائيل على كافة القرارات التي أصدرتها الشرعية الدولية لإنصاف الشعب الفلسطيني، ومضيها في سياية تهويد الأراضي وفرض الأمر الواقع، وقتل المزيد من الأطفال الفلسطينيين، كل هذا في ظل عجز عربي رسمي لم تعد تغطيه لا ورقة توت ولا حتى إبرة صنوبر توخزه، وفي ظل عجز غير مبرر من القوى الشعبية العربية المكثرة من المؤتمرات والبيانات دون أي فعل حقيقي يعري الأنظمة العربية ويحشرها في ركن الحقيقة .
فما يجري فوق أرضما الطاهرة فلسطين اليوم لايقل عنه شانا مايجري على أكثر من أرض عربية، مما يفاقم من مأزق العرب ويضعهم أمام مسؤولياتهم لأول مرة بشكل باتت فيه العربدة الإسرائيلية  ترى من كل العواصم العربية وهي تنتهك مقدسات المسلمين، الامر الذي يفرض على الأمة العربية بمستوياتها الرسمية والشعبية المختلفة النهوض لمواجهة التهديدات والأخطار الجسيمة التي تواجه حاضرهم ومستقبلهم حيث تقتضي كل عوامل الأخوة والدين المشترك والمصالح المشتركة والمصير الواحد أن يتضامن العرب لمساندة ودعم النضال المشروع للشعب الفلسطيني .
كما تمر الذكرى وشعبنا وقواه المناضلة تواجه أشرس عدوان صهيوني متواصل بكافة الأشكال والأساليب واكثرها دموية وإرهابية وعنفا منذ قرن من الزمان , حيث تواصل إسرائيل جرائمها وممارساتها الوحشية واللا أخلاقية واللا إنسانية ضد شعبنا وأهلنا في كافة الأراضي الفلسطينية وإن تعددت أسا لبيها فان أهدافها واحدة .

هذه الجرائم إنما تحمل في طياتها أبعادا خطيرة وتمثل انعكاسا لإخفاقات حكومة نتنياهو وتعميق مازقها السياسي والامني بفعل المقاومة الباسلة والصمود الاسطوري لشعبنا وحركته الوطنية والاسلامية في القدس وفي بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة .

إن ممارسات نتنياهو التي تشهد على دموية ووحشية الحكومة الصهيونية التي تحاول من خلال استمرار عمليات القتل والتدمير والاغتيالات والاعتقال والحصار المتواصل أن توصل الحالة الفلسطينية الثائرة والمناضلة الى مرحلة الياس والاستسلام، لكن وقائع وتطورات الأحداث تؤكد أن المحن ومهما كانت قاسية تساعد شعبنا وتدفعه إلى المزيد من التلاحم والوحدة والتكاتف وتصعيد كل آليات النضال لإفشال هذه المخططات، فقوافل الشهداء تزيد من قوة شعبنا وتعمق من التزاماته بخياراته الأساسية لوأد الاطماع الصهيونية ونحطيمها على صخرة هذا الصمود الأسطوري الرائع .

ولعلنا لا نخالف الحقيقة حين نقول إن التطورات الميدانية رغم فداحتها على شعبنا لكنها تقدم يوميا الدليل على تعمق المأزق السياسي والعسكري والأخلاقي لمجرمي هذا القرن الذين يمارسون بدعم وإسناد من الإدارة الأمريكية  كل صنوف الإرهاب والعنصرية ويعتدون بشكل ممنهج ومتواصل على إرادة المجتمع الدولي .

أمام هذه الجرائم الفظيعة التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل بات من المسلم به أن الكيان الصهيوني ليست لديه أية تقاليد حضارية فهو لايعترف بأي ميثاق أخلاقي ولايحترم شرعة حقوق الانسان، فإسرائيل تحدت العالم بأجمعه بارتكابها أبشع المجازر في الأراضي الفلسطينية وعلى امتداد سنوات احتلالها، ولم تستجيب لنداءات المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية لإيقاف اجتياحها للأراضي الفلسطينية .

لقد بات من الأكيد أنه على جميع الأحرار والشرفاء في العالم وعلى جميع منظمات وهيئات المجتمع الدولي الإنسانية التحرك لفضح جرائم إسرائيل الدموية وعزلها على الساحة الدولية في كافة المحافل .
إن يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني هو يوم تعزيز التضامن العربي والدولي مع حقوق شعبنا، وهو يوم تجسيد الوحدة الوطنية دفاعا عن هذه الحقوق، وهو يوم تأكيد إخلاص جماهيرنا لقيم الحرية والنضال التي ضحى من أجلها الآلاف من الشهداء والجرحى، والتي زج بسببها عشرات آلاف المعتقلين في السجون الإسرائيلية والعربية، وهو يوم تأكيد استمرار الانتفاضة الشعبية دفاعا عن هذه الحقوق وإفشالا لكل محاولات تركيعها وهزيمتها من إسرائيل  .
إن رسالة كفاح ونضال الشعب الفلسطيني هي رسالة سلام وحرية، سلام متوازن يقوم على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وضمان الحقوق المشروعة والأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني، ونرى ضرورة أن يقف المخلصين لقضايا الوطن والشعوب وحقها المشروع في المقاومة والحرية والاستقلال ليوحدوا صفوفهم وجهودهم لمواجهة التحديات والإنتهاكات المتواصلة لشرعة حقوق الإنسان والالتزام بالأعراف والمواثيق الدولية،  فشعبنا في صراعه مع الكيان الصهيوني الغاصب يمضي في شق الطريق للعرب وللبشرية أجمع لاستشراف المستقبل، والأمل والتفاؤل للشعوب المضطهدة بغد مشرق وبعالم تسوده علاقات الأخوة والإحترام المتبادل على أساس الاختيار الحر للشعوب في حاضرها ومستقبلها، بعيدا عن سياسة التدخل والاملاءات الخارجية، والكف عن سياسة التهديد والتلويح بالعدوان على شعبنا وأمتنا العربية وبقية شعوب العالم، ولا نشك بأن النصر هو حليف الشعوب الفخورة بانتمائها للأرض التي خرجت قوافل الشهداء والمناضلين البواسل. 

اليوم ومن جديد نسمع بعض الأصوات الداعية إلى تنشيط التحركات والمبادرات الدولية للبحث عن صيغ حلول مع اسرائيل، مع أن شعبنا قد قال كلمته وعمدها بدمائه برفض العودة الى الصيغة السابقة للمفاوضات العقيمة التي انتهت الى الطريق المسدود وانهارت إلى غير رجعة، إن شق طريق السلام الحقيقي يتطلب تغييرا جوهريا في صيغة العملية التفاوضية بما يضمن أولا : حق شعبنا المشروع في استمرار المقاومة طالما بقي الاختلال قائما على أرضنا .
 وثانيا : تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ونبذ أية محاولة للمساومة أو الالتفاف عليها أو إعادة التفاوض حولها. 
 وثالثا : كسر الإحتكار الأمريكي لعملية السلام بوضعها تحت الإشراف الدولي والجماعي للأمم المتحدة بمشاركة سائر القوى الدولية وفي مقدمتها الإتحاد الأوروبي .
 إن هذه الصيغة مدعومة بالتضامن العربي والإسلامي والدولي مع شعبنا هي وحدها الكفيلة بالوصول إلى سلام حقيقي متوازن يضمن انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وإزالة المستوطنات وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس .
إننا ننظر بعين المرارة إلى تراجع التأييد الدولي والعربي لحق شعبنا ونضاله والى الصمت المخجل للرأي العام العالمي أمام إصرار إسرائيل بحكوماتها المتعاقبة على الضرب بعرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية، وهي تستند بذلك الى دعم امريكي مطلق وتستغل صمت الرأي العام نفسه، ففي الوقت الذي يتمسك فيه الفلسطينيون بالقوانين والقرارات الدولية فان إسرائيل تواصل اعتدائها على هذا الشعب وتستمر في تجاهل الاتفاقيات التي وقعت عليها أو كانت طرفا فيها على مدى السنوات الماضية، ومن هنا ينبغي الإنتباه إلى أن هذا اليوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني بات يفقد معناه ويفتقر إلى الجدية والفاعلية التي يتوخاها شعبنا الذي ينظر بقلق إلى هذه الحالة على اعتبار أن هذا التضامن لم يعد فاعلا ولا مؤثرا ولا نحتاج إلى تقديم أدلة على مدى تراجع مستوى هذا التضامن، وبعد اكثر ثلاثة وعشرون عاما على اتفاقيات السلام، والتضحيات الغالية التي قدمها شعبنا فان الرد الذي يستجيب به المجتمع الدولي حتى اللحظة على تلك الأحداث يظهر بوضوح وقوع المجتمع الدولي في دائرة الضغط من اللوبي الصهيوني في ظل غياب عربي كامل، ويظهر أن هذا المجتمع يكرر خطاياه وأخطاؤه بحق الشعب الفلسطيني، وتبقى القضايا القانونية الدولية دون استخدام وتظل قرارات الشرعية الدولية التي وقعت عليها ذات القوى الدولية حبيسة الأدراج لأسباب واهية تتعلق برؤية البعض بأن استخدامها قد يتعارض مع الجهود المبذولة لجمع الأطراف في عملية السلام المنهارة أصلا .
إن مجرد المحاولة لجمع الأطراف خارج إطار ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي يساهم في تلطيخ الحدود والخطوط بين القانون الدولي وبين ميزان القوى ويسهل استمرار انتهاك الحقوق الفلسطينية .
إن الشعب الفلسطيني يطالب المجتمع الدولي في هذا اليوم بتوفير الحماية الدولية له واتخاذ إجراءات فورية للجم العدوان والغطرسة الإسرائيلية وتشكيل لجنة تحقيق دولية نزيهة للتحقيق في جرائم الحرب التي اقترفتها إسرائيل ضد شعبنا ومحاكمة المسؤولين عنها أمام محكمة جنائية دولية وإرغام إسرائيل على احترام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

ويبدو من نوافل القول التأكيد في هذه المناسبة على التمسك بحق العودة وبالقرار رقم 194 الصادر عن الامم المتحدة، وتعزيز الإجماع الوطني على هذا الحق ورفض الشروط الإسرائيلية التي تهدف إلى إلغاءه،  وكذلك دعم صمود اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في الوطن والشتات والعمل على تحسين ظروفهم المعيشية، ورفض مقترحات اتفاقية جنيف وغيرها وما تضمنته من حلول خاصة بقضية اللاجئين، وأهمية تفعيل دور المنظمات غير الحكومية لدعم قضية اللاجئين ودفع الأطراف الدولية المعنية لتحمل مسؤولياتها لتطبيق هذا القرار .

إننا ندعو شعوب العالم وخاصة شعوب أمتنا العربية والإسلامية أن تجعل من هذا اليوم، يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني مناسبة لتصعيد تحركها الجماهيري من أجل دعم نضال شعبنا وأهدافه العادلة والضغط على عواصم القرار الدولي من أجل دور فاعل للمجتمع الدولي لإرغام إسرائيل على وقف عدوانها والإقرار بحقوق شعبنا، وأقول لأبناء شعبي أن النصر صبر ساعة وهو قادم لاشك .

تعبير لمرارة سياسة عابر/ مصطفى منيغ

تَغَيَّرَ المُتَغَيِّر، وارتَجَّ في موقعه الأكبر، المنعوت بالعقل الأصغر، أمامه الآن إلى الخلف الفرار، أو يبقى حيث تقهقر، مودعاً قناع وجه هِزَبْر، مستقبلاً عن شعور باحتقار، رمز فأر، يُلصِقُهُ خلفهُ أعْلَى الظهر، دليل سخرية الدَّهْر، مِنْ بِزَيْفِ المَظْهَر، لِزَمَنٍ ليسَ بالطويل اغْتَرّ، فصال وجال و"ّتَعَنْتر"، للحظة ما مَلك لسواها أي اختيار، أعادته لباب الدار، مطرودا من كماليات تضم السائل الأصفر، المداوي مَن به داء كما جاء على لسان الحسن بن هانئ شاعر المجون والخمر ، ومربوعات القد المشبه محيا أخرهن بالبدر، الملتقطة أغلبيتهن من عشوائيات حارات العهد الجديد بالمعكوس مُعتبر، وحقائب مكدسة بالأوراق المائل لون الملايير من تعدادها المضاعف تلقائيا للأزرق و الأخضر.

تبدل المبذول بتجاربه ونتاجاته الغريبة الأطوار، تَبَدَّدَ بعدما (في كل مجال) تبعثر، فما أُسِّسَ عن باطل مصيره مخطط بالأحمر، ينبه (مِن بعيد) عما ينتظر المحاولين التقرب إليه من خطر، فليس بعده للنهوض لبدء المسار، مهما صُرفَ من مخزون مدفون في نفس الغار، المحروس(من مراحل) بالحديد والنار، كاحتياط لا ينفذ مادامت مصادره متجددة آخرها مردود معادن ثمينة تُستخرج ليل نهار ، "العامة: ليس لها بتفاصيل الموضوع أدنى خبر، حتى التقرب من أماكنها ممنوع من بُعْد آلاف الأمتار، كأن القضية متعلقة بحفر لاستخراج النفط الآبار، الداخلة في خانة حفظ أدق الأسرار، أو قاعدة لتشييد مفاعل نووي يُدخِل البلاد نادي مالكي صنع سلاح الدمار الشامل للاصطفاف مع أمريكا وإسرائيل وإيران وروسيا والصين والهند والمملكة المتحدة للارتفاع من أدنى منحدر إلى أسمى مقدار.

انعكس المنعكس على الانعكاس المعكوس بتداخل دلالات المعنى المنفرد بالتفسير المراد به التقصير، للاستكثار من توالد ورثة القانعين بفرش محوره الحصير، الراغبين العمل حتى في سوق بيع وشراء الذمم المزدهر في مواسيم الانتخابات المُخصصة للجماعات المحلية قروية كانت أو حضرية أو التشريعية الفارزة البرلمان بغرفتيه أو بالاصطفاف على قارعتي الطريق لتحية المواكب الرسمية المارة المُنَعَّمَة بمشاهدة القرود من الصنف البشري يتقافزون مصطنعين الفرح المزيف المُستَبْدَل بذرف دموع الحصرة والندم والقبول بأرذل التصرفات لإيجاد لقمة تسد رمق ألوف طَريحي أكواخ بعضُها تعافها الخنازير.

ولَّى المتولي وتَدَلَّى في قعر جُبِّ قراره لهيب من الطبيعة مُحضَّر، يُذِيب ماضي أشقياء تمادوا في الصمت المُذِل المُتَرْجَم عن غير وعي بالصبر، عِلْماً أنَّ السكوتَ على الجريمة مشاركة مباشرة في ارتكابها والمفهوم يشمل الجريمة السياسية ومنها الجاعلة بعض الأحزاب السياسية تتقاذف بين أرجلها من أجل مصالح زعمائها الذاتية مصالح الشعب أساس الدولة برمتها معتمدة عما في ثواني يَظْهَر ، على وسائل إعلام مرئي تابع شكلاً ومضموناً لنفس الدولة التي اتخذت شعاراً من شعاراتها "لا للحزب الواحد" والحقيقة المرة رَسَّخت آخَرَ في ذاكرة الشعب المغربي العظيم حفظه الله الحي القيوم ذو الجلال والإكرام ورعاه "لا للحزب التافه" بالحجة المُسْتَحَقَّةِ كقول مُؤَكَّدٍ لكل مَنْ غاب عن مراجعة هذا النص أو للتمعُّن فيه حَضَر. (للمقال صلة)

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

كل فلسطين تعشق المناضل العالمي القائد فيديل كاسترو/ سري القدوة

لقد عرفنا المناضل العالمي القائد فيديل كاسترو في سجون الاحتلال الاسرائيلي من خلال دراسة ادبيات الثورة العالمية وهذا النضال من اجل التحرر ونيل الحرية والاستقلال فاثناء وجودي في سجون الاحتلال تعلمت ادبيات الثورة الكوبية وعرفت معاني متعددة للنضال العالمي وشكلت هذه المفاهيم عالمية اللبعد العالمي للثورة الفلسطينية كاحد اهم الثورات في العالم فكانت اسطورة المقاومة والنضال العالمي تتواصل من خلال العلاقة مع الثورة الكوبية لتحقيق السلام والحرية والمساوة والمقاومة ضد الظلم والاستبداد والطغاة .. 

اليوم يرحل القائد فيديل كاسترو، بعد حياة قضاها مدافعا صلبا عن قضايا وطنه وشعبه، وعن قضايا الحق والعدل في العالم .

ان تاريخ المناضل العالمي فيدل كاسترو سيحفظه الفلسطينيين لان كوبا الدولة الأميركية اللاتينية الوحيدة التي صوتت ضد قرار تقسيم فلسطين الصادر عام 1947، ومنذ ذلك الوقت وهي كانت بمثابة النصير لكل حركات التحرر الوطني في العالم، خاصة الثورة الفلسطينية التي وقفت معها في كل المحافل الدولية، وقدمت الكثير من المواقف والدعم للشعب الفلسطيني وثورته، ومنها إعلان فيدل كاسترو بتاريخ 9/9/1973 في مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز المنعقد في الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع (إسرائيل)، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ..

ان المناضل العالمي القائد فيديل كاسترو احب فلسطين وعمل علي مناصرتها وكان موقفه شجاع بطل يستحق لنا كفلسطينيين أن نفخر بصداقته وبعلاقته مع شعبنا .. هذه العلاقة الصادقة النابعة من القلب للقلب بدون أي مقابل او ثمن سياسي او أي موقف فقط احب فلسطين والشعب الفلسطيني وناصر نضال شعبنا فوقف امام العالم وبشجاعة ليؤكد بانه مع فلسطين ويعلن امام العالم اجمع أن (ان لا اعتراف بدولة اسرائيل وان فلسطين هي ملك للشعب الفلسطيني  ) ..

انه المناضل العالمي القائد فيديل كاسترو  الذي احبته فلسطين كل فلسطين لمواقفه الشجاعة الداعمة لشعبنا والمؤيدة للحق الفلسطيني  .. والذي وقف مدافعا عن فلسطين وفتح اراضيه لشعبنا والجامعات لتعليم ابنائنا كما قام بدعم الثورة الفلسطينية وتدريب العديد من المناضلين والفدائيين الذين تخرجو من المعاهد والكليات العسكرية في كوبا ..  مؤمنا بان الشعب الفلسطيني هو شعب مناضل من اجل حقوقه ومن اجل حريته ..

انه مناضل من اجل الحرية احبته فلسطين وأحبه الشعب الفلسطيني لأنه عمل بصمت ووقف مدافعا عن حقوق شعبنا وكان شجاعا في وجه الظلم والطغيان .. انه احتضن الرئيس ياسر عرفات وشكل معه اعظم ثورة في التاريخ المعاصر رحمهم الله وسنبقي علي درب الحرية من اجل التحرر والاستقلال .. 

لتحفظه السماء والرحمة له وسيبقي خالدا في ذاكرة الشعوب المناضلة لأنه رسم معالم الحرية وكان مناضلا امميا من اجل الحرية والسلام الدولي ..


الرحمه والمغفرة المناضل العالمي القائد فيديل كاسترو  وللشعب الصديق والوفي  في كوبا  حسن العزاء وواجب التضامن مع هؤلاء الابطال الذين يعملون بصمت ويشقون الصعاب من اجل بناء مستقبل مشرق لكوبا لتبقي مناره للحرية والنضال العالمي  ومن اجل العدالة والسلام والأمن والازدهار ..

حيفا حنينُ النازح الصَّبِّ/ حاتم جوعيه

حيفا   حَنينُ    النازح ِ   الصَّبِّ       حُلمُ   المُشَرَّدِ   للثَّرَى  الخَصبِ 
حيفا   الشِّفاءُ     لكلِّ     عاشقةٍ       وَمُتيَّم ٍ   عانى     مِنَ      الحُبِّ   
تبقى   مَدَى   الأزمان ِ   أغنية ً       صَدَّاحة ً   في   العالم ِ  الرَّحبِ  
وَهَويَّة َ   المكلوم ِ   في   وطن ٍ      عانى  الأسَى  وقسَاوة َ  الخطبِ 
كم    هامَ   فيها   شاعرٌ   غردٌ      للفجر يمضي مع خُطى الصَّحبِ 
وَيُواكبُ      الآمالَ       دافئة ً       وَيُوشِّحُ     الظلماتِ      بالشُّهْبِ    
حيفا   الجمالُ .. أظلُّ  أعشقهَا        وَمكانُها    في   الرّوحِ   والقلبِ  
حيفا  القصيدة ُ..نبضُ  أوردَتِي       تختالُ    في    أثوابِهَا    القشبِ  
وَأريجُهَا  مِلءَ الزَّمان ِ..تضَوَّ       عَ  عطرُهَا  في الشرق ِ والغربِ  
وَقوافلُ        الأيَّام ِ      تلثمُهَا      تنضُو اللَّظى في الموقفِ الصَّعبِ   
وَمَواكبُ     التاريخ ِ    حافلة ٌ        بسُلافِهَا ...  بالشَّهدِ     والرّطبِ  
أنوارُها   في  الكون ِ   ساطعة ٌ      نبعُ  السَّنا  في  السِّلم ِ  والحَربِ   
أجواؤُهَا     بالحُبِّ     مُترعَة ٌ       عُنواننا        للمَنهَل ِ     العَذ بِ   

فلسفة المقاومة الفلسطينيَّة/ د. سامي محمد الأخرس


إنّ تناول أيّ مسألة جدلية تخضع للفلسفة وحالتها الجدلية سواء الفلسفة المادية أو المثالية، ومكوناتهما الفلسفية الّتي تتناول سبر التحليل والتفسير للحالة الجدلية التراكمية الّتي لا تنتهي، بما أنّ الفلسفة لا نهاية لها، ولا تعريف محدد يمكن التأصيل عليه كقاعدة عامة وأساسية تتناهى وتتماهى إليها حصر التعريفات المنبثقة عن فلسفة مكونات أخرى ملتصقة بها. لذلك هنا وبطريقة حصرية تمّ إلصاق مصطلح فلسفة في عملية البحث والتحوير في ماهية المقاومة بإطارها العام، الذي يحوز على هلامية، وفضفاضية تعريفية للحالة الفلسطينية العامة في إطارها العام دون الحصر أو الانحصار في مدرسة واحدة واضحة المعالم.
إنّ اصطباغ مفهوم المقاومة بمفهوم الفلسفة يأتي ضمن التحوير والمحورية الجدلية الّتي تماهى إليها التعريف الدقيق للمصطلح، وصياغته وفق مفاهيم محددة متعارف عليها، وفق الرؤية الجدلية والفكرية المتعددة، وذات المآرب المتنوعة، سواء على صعيد الفكر(الأيديولوجيا) أو العقيدة والروحانية العقائدية، وعلى وجه التحديد في سياق التبارز الفلسفي حول المفهوم سواء في الفهم الخاص داخل الأيديولوجيا الواحدة أو السياق العام المتعدد والمتنوع، وهو السياق الذي يمكن من خلاله فك طلاسم اللاحدود التعريفية لهذه الفلسفة التحاورية فيما بينها، وعلى سبيل المثال في حالتنا الفلسطينية، ومتابعة لاصطلاح المقاومة وفلسفتها لا يمكن التسليم بأنّ التاريخ معزول، أو أنّ المستقبل لا يمكن له إعادة بناء التاريخ، في حدوده العامة وديباجته اللغوية الفلسفية في سياق مكوناته، أيّ أنّ المستقبل يمكن له بناء أو تدوير التاريخ وفق الحالة المتعلقة بمفهوم الفلسفة المقاومة أو فلسفته المقاومة، ولنتأمل الأحزاب الأيديولوجية ذات المكون الفكري الموحد أو الواحد، فعلى سبيل الأنمذجة تَمثل أقدم حزب فلسطيني ألَّا وهو الحزب الشيوعي سابقًا(حزب الشعب حاليًا) في طرح مفهوم فلسفة المقاومة وفق رؤى ومفاهيم محددة ضمن حدود وتجارب معينة كالتجربة الهندية الّتي استطاع غاندي أنّ يشكل مدرسة محددة انسجمت مع الحالة الهندية، وهو ما دفع منظري الحزب الشيوعي للبناء المفاهيمي والممارسة على أسس محددة، وطرح فلسفة المقاومة، في الوقت الذي طرحت فيه الجبهتين الشعبية والديمقراطية فلسفة مغايرة وأخرى لمفهوم وممارسة المقاومة، والتأسيس على مفهوم العنف الثوري في الممارسة، أيّ إنّ كان أعلى درجات الحب الجنس، فالحزبين الماركسيِّين اعتبرا أنّ أعلى درجات المقاومة(العنف الثوري) كطرحٍ يتماشى والواقع، وهذا الخلاف الفلسطيني في الأيديولوجيا الواحدة أسّس لعملية تمايز وليس تزاوج في الفكرة الّتي ترتأي التنوع الفلسطيني في الجدلية حول مفهوم المقاومة، وهو التزاوج الذي أحدث نوعًا فلسفيًا بين بعض الماركسييِّن وبعض القوى الدينية الّتي تماهت وتبّنت فلسفة العنف الثوري أعلى درجات المقاومة وهما حركتي الجهاد الاسلامي الّتي جعلت جُل عقيدتها الفلسفية تبني على واقع التأسيس المنبعث والمنطلق من العنف الثوري، خلافًا لعقيدة وفهم حركة الإخوان المسلمين(المجمع الاسلامي) سابقًا، حماس حاليًا الّتي تماثلت في فلسفتها المقاومة على الرؤية والفلسفة الّتي أسس عليها الحزب الشيوعي الفلسطيني(اللاعنف) وشكّلت توافقًا في رؤيتها للعنف الثوري، مخالفةً لحركة الجهاد الاسلامي وحزب الله اللبناني، ولكن هذا الاختلاف شهد بناء المستقبل للتاريخ كنموذجٍ حي، حيث تفاعلت حركة حماس مع المتغيرات والتحولات على الساحة الفلسطينية وأحدثت انحراف حاد في فلسفتها المقاومة، لتعيد تشكيل التاريخ والماضي بناءً على المستقبل لتتحول هذه الحركة لظاهرة كفاحية تعبر عن مفهوم فلسفة المقاومة وجدلية حركتها المادية، وهذا يؤكد الحتمية الّتي استنبطناها من واقع إمكانية أنّ يشكل المستقبل التاريخ ويعيد إنتاجه. والنموذج الآخر الذي يؤكد هذه الحتمية هو الحركة العلمانية (فتح) الّتي انطلقت بإيمان فلسفي بمفهوم العنف الثوري، ومارسته فلسفة وممارسة في واقع العملية المقاومة، إلَّا أنّها أعادت تشكيل التاريخ بأنّ أول الرصاص تبني فلسفة المقاومة بتشعباتها الجدلية، ومنحت العنف الثوري صيغة معينة تستخدمه وفق فلسفة الشد والجذب فقط دون البناء عليه كقاعدة ثابتة، بل بنت عليه كقاعدة خدماتية متحركة لينه تتمحور في مسميات فلسفية جدلية غامضة.
هنا إنّ الفلسفة المقاومة لا زالت في طي الجدلية سواء منْ حيث التعريف أو الممارسة، أو منْ حيث الحفاظ على قواعدها وبناها، وتعريفها، وصياغة الرؤية حولها، حيث إنّ الخلفيات الأيديولوجية والعقائدية تنحصر في أضيق نطاق تعريفي للممارسة، فمثلًا لا يمكن بناء رؤية فلسفية مقاومة مستقبلية في ذهن (حركة المبادرة) بما أنّ العقيدة الفلسفية لهذه الحركة تعود لفهم وفلسفة ورؤى مؤسسها مصطفى البرغوثي الذي يتبنى رؤية حزب الشعب والحزب الشيوعي الفلسطيني السابق. كذلك (الطريق الثالث) الذي أسسه رأس المال الفلسطيني، وعبّر عنه المستثمر الاقتصادي بشخص سلام فياض، خلافًا للثابت الفلسطيني في فهم حركة الجهاد الإسلامي لمفهوم فلسفة المقاومة وممارستها الّتي لا زالت ثابتة، وتسير في نسق بناء البنى التحتية الصلبة للمقاومة انطلاقًا من فلسفتها ورؤياها للمقاومة، وكما هو الحال بحركة حماس الّتي انتهجت سياسة أكثر ميوعة، ومرونة في الإنصهار بالفلسفة السياسية الّتي حولتها لحزب سلطة إلَّا أنّها حيّدت فلسفتها المقاومة وأسست وتؤسس لبنى تحتية دائمة، وتحافظ على ديمومتها من خلال سياسة التوازن والبناء. كذلك تجربة حزب الله اللبناني الّتي تمازجت بين العمل السياسي وفلسفة المقاومة، أيّ البقاء دومًا في ديمومة الاستعداد والبناء وفق فلسفة جدلية واضحة، عكس حزبي اليسار الجبهتين الشعبية والديمقراطية اللتان أسستا لفلسفة المقاومة، وأسستا البنى التحتية لها في مراحل تاريخية، وتخلت في مراحل المستقبل عن هذا البناء كفلسفة ثابتة، وإنّ كانت العقيدة راسخة بهذه الفلسفة الّتي سرعان ما تبعث في الجسد كما فعلت الجبهة الشعبية في عملية استحضار عقيدتها الفلسفية الأصيلة بعد مقتل أمينها العام أبو علي مصطفى وردت باغتيال الوزير رحيعام زئيفي وهو ما يؤكد قطعًا أنّ العقيدة الفلسفية راسخة كنهج ومنهج، ولكنها غير ثابتة كممارسة، وكبنى تحتية مستنفرة ومستعدة.
في هذا الشأن الفلسفي لمفهوم  يتمتع بالمرونة، والميوعة معًا وفق واقع المتغيرات الدائمة لا يمكن  عزل الفهم السائد الأيديولوجي والعقائدي عن الممارسة، ولكن يمكن التأسيس عليه كقاعدة انطلاق في تحديد فلسفة المقاومة وفق مطاطيتها وحتميتها لدى الأيديولوجيا والعقيدة معًا، والاستسلام للفروض والعوامل الخارجية، ونسبة التغيير في الوعي الجمعي للجماعة، والقدرة على التعاطي مع الثابت والمتغير في رسم المدرسة الفلسفية المقاومة، وهو ما تمّ الاستناد عليه في سرد الأمثلة المتاحة في واقعنا الفلسطيني الذي قٌيم أو صٌنِف لثلاث مستويات، فلسفة عقائدية مقاومة ثابتة ومتغيرة عبّر عنها حركة الجهاد الاسلامي، وحركة حماس، وحزب الله اللبناني رغم التمايز المذهبي ما بين سني_ شيعي، وفلسفة أيديولوجية غير ثابتة الممارسة والبناء كالجبهتين الشعبية والديمقراطية، وفلسفة علمانية مرنة تتبنى مفهوم الخدماتية للفلسفة كحركة فتح.
وعليه فليس الضرورة ممّا سبق الايمان الراسخ بقوالب الفلسفة المقاومة الظاهرة على مرآة الممارسة الحالية، فهناك بواطن يمكن الاسترشاد والاستشفاف للمستقبل عليها لتحوير مدى الفهم الفلسفي المطلق للتكتيك، والاستراتيجي في التعاطي مع مسألة الفلسفة المقاومة إنّ استثنينا حزب الشعب كثابت لا يحيد عن الفهم الفلسطيني لمفهوم المقاومة، وكذلك حركة المبادرة الّتي خرجت من رحم الفكرة والأيديولوجيا، ما دون ذلك يمكن البناء والاسترشاد على التحولات التكتيكية في عملية تأريخ القناعة والممارسة لفلسفة المقاومة في ضوء انقلاب دائم ومتحرك في عملية الممارسة كاستشراف للمستقبل الذي يمكن على ضوئه المراهنة والقطع بأنّ قوانا تتبنى فلسفتين هما فلسفة الثبات وتتجسد في الجبهتين الشعبية والديمقراطية رغم حالة الترهل والتراجع والتماهي والتعاطي الفلسفي التنظيمي على حساب الفلسفة المقاومة، وكذلك حركة الجهاد الاسلامي الّتي لا زالت متقوقعة ثابتة في قاعدتها الفلسفية المتفولذة بفهم العنف الثوري. أما الفلسفة غير الثابتة والمتحولة، والمتغيرة وفق معايير الحالة التكتيكية السياسية هي حركتا حماس رغم ما تبديه من ثبات في الفهم الفلسفي المقاوم، وكذلك حركة فتح رغم حالة الشّد والجذب والميوعة لفهمها الفلسفي المقاوم.


نمنا.. فقومي شهرزاد/ صالح أحمد

لا بابَ للمَنفى سوى عَطَشي ...
وهذا الملحُ أصغرُ من سُداي..

وبَحَثتُ عَن صَمتي، أجابَتني عُيونٌ صارَها 
بَحرٌ تَجَرَّدَ من عَناصِرِهِ  لِتَختَلِطَ الجِهات.

ليسافِرِ العَطشى إلى لُغَةٍ تُعيدُ للَونِهِم..
مِلحَ الشِّفاءِ من اختِصارات اللُّغَة.

سأعودُ مِن سِحري أضيئُ لخطوتي شفَقًا يُعيدُ لِرحلَتي أثَرًا.. 
سئِمتُ مِنَ الرّمالِ الزّاحِفاتِ على مَنامي.
أنَذا أموتُ ولا أموتُ..
يظَلُّ زحفُ البيدِ يَنشَأُ مِن مَقامي..
يا بحرُ سلّم لي على من "طَرَّزوا" تلكَ العمائِمَ مِن عِظامي.
وانثُر بَقايا شَهقَتي مِلحًا على شَرَفِ التّراشُقِ بالحُطامِ.
ربّي السّلامُ...
أنا أخافُ على مقامِ الآمِنينَ من الغَرامِ!
يا بَحرُ أخبِر مَن تَباكوني... 
سأولّدُ  مِن مَناقيرِ الغَمامِ...
حِجارَةً تُهدي حُطامَكُمُ نَشيدًا مِن مَزاميرِ التّعامي.
لا تَركَبوا مَعَنا ...
سنولَدُ فوقَ جودِيٍّ بَعيد.
ونعيدُ للرّملِ ارتِعاشَتَهُ.. 
وللجُدرانِ أركانَ القَصيد.
يا نَملُ سيري في أمانْ..
لا خيلَ في أرضِ الملوكِ ولا دُخان..
وانا نَزَلتُ البَحرَ؛ علَّ المَوجَ يَمنَحُني براءَتَهُ...
وتَقبَلُني القِيامَة.
قُل: يا ذّوي القربى سلاما
لوَدَدتُ لو صارَت عَباءَةُ شيخِكُم يومًا غَماما.
وعَمائِمُ  الدّاعينَ للسُّلطانِ أعشاشًا.. حَناجِرُهُم يَماما
ليَمُرَّ جيشُ الغارقينَ لقدسِنا بردًا .. سَلاما..
سيُؤَلِّفُ التّاريخُ بينَ كَذا وذا قَصَصًا سَتَشغَلُ شهرَزادًا ألفَ عامْ
وأبوحُ للبَحرِ المُتَوَّجِ بالمَخاطِرِ والعِظامْ:
أنا ما انكَسَرتُ، تَكَسَّرَ الموجُ الذي فَوقي..
ورَملُ حِصارِكُم تَحتي ...
وألوانُ الوُجوهِ ...
وكلُُّّ ما ورِثَ النَّعامُ عَنِ النّعامْ
البحرُ لا يَغفو... وصوتي لا يَنام..
صارَ المَجالُ بنا تَضاريسُ التّوَقُّعِ ... والشِّفاهُ بلا لُغَة..
قَومي أبَوا أن يفهَموا مأساةَ هابيلٍ..
وعاشوا خائفينَ على مَدائِحِهِم ... 
لأنّ غُزاتَهُم عَشِقوا جُنونَ الرّيحِ كي يَغدو المَكانُ سِلاحَهُم ..
ورؤى الزّمانِ مُراوَغَة...