كان أمري مثل ذاك الضفدع المذكور في قصص الأمثال والحكايات ....الضفدع القابع في قعر البئر فاعتقد ان العالم هو ما يظهر له من فتحة البئر !
كذلك كان حالي ، إذ كنت قابعاً بين أحياء مدينتي الصغيرة ، في اعماق الهضاب العليا ...كنت متفوقا في اغلب مراحلي الدراسية ...وأداوم على قراءة الكتب ، وأحرص على استعارة النادر منها والمتميز! وأحرص أيضا على متابعة الحصص والأشرطة العلمية ، فحصة الجليس تابعت جميع حلقاتها ولم تفتني ولا حلقة! وأتعلم ايضا من مَن هم أكبر مني سناً ؛ من والدي ، وجارات أمي! وكنت أمارس رياضة الكاراتيه ! وعانيت في تعلم لغتين اسويتين ، لا تدرسان في الثانوية أو الجامعة ؛ اللغتين الكورية والتايلندية ، الاولى مربعات ودوائر ، والثانية زخرفة نباتية !
ولما بلغت مرحلة العمل والكد التحقت بإحدى الشركات الكورية العاملة في بلادنا مترجماً ، وبالطبع عملت بعيداً عن مدينتي الصغيرة ، بل خارج ولايتي ... قفزت مثل الضفدع خارج البئر وكانت صدمتي كبيرة تماثل أو أكبر من دهشة ذاك الضفدع الصغير!
عملت في عدة مدن معسكر ، وهران ، تسمسيلت ، الجزائر العاصمة ، سطيف وبشار ... وتعرفت على شباب مثلي وكهول اكبر مني فيهم الطيب والسيئ ، وعملت تحت إمرة كوريين فيهم الطيب والشرير ، المتفهم والمتعنت ...
غير أن ما أعرفه لا يقارن أبدا بما يعرفونه هم ! لا قراءة ، ولا متابعة أخبار ، ولا إتقان لغات أجنبية ، تعرفت على شبان ، وأغلبهم أصغر مني ، منهم من يتقن الصينية ، او الفيليبينية ، المالاوية أو السويدية والهولندية وحتى اليونانية !
اما الأدب ، وبالأخص الرواية عشقي الأول والأبدي ، فقد ذُكرت أمامي أسماء روائيين كبار لم أكن أعرفهم ،ولا أعلم حتى عناوين كتبهم!
أدركت صواب الحكمة التي تحض على السفر والترحال ولو بين مدن بلادنا الجميلة ..
غير أن شيئا واحدا كان يشعرني بالزهو والغرور حينما يتعجبون عندما أذكر ولايتي ومن أي مدينة صغيرة معزولة أتيت! كيف لشاب متواضع مثلي( للأسف لا يزال الناس ينظرون الى الملابس لتقييم المرء) ان يفرض نفسه مترجما محبوبا بين العمال المحليين والأجانب؟ !
ـ عشت في مدينة صغيرة ...صغيرة...ومعزولة لا مدراس خاصة ولا مكتبات كبيرة وتعلمت اللغة الكورية بمفردك! الحقيقة أنت انسان متميز!
فابتسم وأتصور نفسي ضفدعا متميزا وحتى وان عشت في قاع البئر فاني فرضت نفسي على الضفادع التي تنق خارجه!
/الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق