الإرتباط عميق جداً ما بين الشعب الفلسطيني خاصة والأمة العربية والإسلامية عامة وما بين المسجد الأقصى فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الذي تشد الرحال إليه ومسرى الرسول محمد (صلعم)وكذلك دائما هو في قلب الإستهداف للإحتلال الإسرائيلي على المستوى الحكومي والحزبي والجمعيات التلمودية والتوراتية...على إعتبار أنه حسب الزعم التلمودي التوراتي "جبل الهيكل" وأقدس مكان لليهود، ولذلك كمقدمة للحلم الصهيوني جرى السيطرة على ساحة البراق بعد الإحتلال مباشرة من خلال هدم حارة الشرف المقدسية والسيطرة على مفاتيح باب المغاربة ..ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف المشاريع الصهيونية للسيطرة على الأقصى،ليس فقط عبر شرعنة عملية الإقتحامات للمستوطنين والحفريات أسفل وحول المسجد الأقصى وإقامة الكنس والأبنية التلمودية والتوارتية حوله،لتغيير الطابع العروبي الإسلامي للمدينة،ولكي يبدو المشهد والفضاء اسرائيلياً وليس عربياً إسلامياً وترافق ذلك مع محاولات لنزع الوصاية الأردنية عن المسجد الأقصى وكذلك إنهاء مسؤولية وسيطرة وإدارة الأوقاف الإسلامية عن وللمسجد الأقصى....ومنع المسلمين والفلسطينيون من حرية الوصول إليه وممارسة العبادة فيه ..وانا هنا لست بصدد شرح التفاصيل حول الإستهداف للأقصى ولكن نحاول ان نسلط الضوء على التطورات والتداعيات والسيناريوهات الممكن ان يلجأ اليها الإحتلال بعد العملية التي نفذت صباح اليوم بالقرب من بوابة باب الإسباط المؤدية للمسجد الأقصى وما تبعها من اشتباك عسكري داخل المسجد الأقصى..مدركين تماماً بان الإحتلال ليس بحاجة الى حجج او ذرائع او مخططات قد يقدم عليها ما بعد هذه العملية لفرض حقائق ووقائع جديدة في الأقصى والقدس،فالمحتل عقليته قائمة على العنجهية والتطرف والإقصاء ورفض الإعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني ..ولسان حاله يقول الفلسطيني الذي لا يخضع بالقوة سيخضع بالمزيد من القوة ..وهناك الآن هدف اخر تحديداً سعى ويسعى الإحتلال اليه،هو نقل الصراع والنقاش الى داخل بيتنا المقدسي والفلسطيني،بأن الإحتلال ليس جذر وأساس المشاكل والبلاء،بل من يقومون بالعمليات او حتى مقاومة مشاريع الإحتلال ومخططاته لتهويد المدينة وأسرلتها،هم من يورطون شعبنا الفلسطيني ويجلبون له المشاكل والعقوبات،ووجدنا مثل هذا النقاش والصراع قد انتقل الى البيت الفلسطيني بعد العملية التي نفذها ثلاثة شبان فلسطينيون من منطقة دير ابو مشعل برام الله في شهر رمضان الفضيل،حيث هناك من رأى بان تلك العملية،جعلت الإحتلال يلغي عشرات الآلاف التصاريح الممنوحة لسكان الضفة الغربية،وبالتالي أثر ذلك على الأوضاع الإقتصادية للمدينة والحركة التجارية فيها،وعلى الوصول للأقصى للصلاة فيه... ولذلك الإحتلال دائماً يريد ان يجعل الضحية جلاداً والجلاد ضحية،وحتى الضحية هي ضحية ممارسة شعبها او من يقاومون اجراءاته وممارساته القمعية والتنكيلية بحق قدسنا ومقدساتنا وشعبنا العربي الفلسطيني فيها...
واليوم جاءت هذه العملية في القدس ونحن هنا لسنا بالصدد التحليل للعملية من زاوية المكان ومكان التنفيذ أو التوقيت لها...فنحن هنا نحتاج الى معطيات دقيقه وحاسمة قد يكون من السابق لآوانه بناء تحليل عليها. او الغوص فيها ...ولكن بخبرتنا في عقلية المحتل جزء اساسي من عقليته قائم على نقل الصراع الى داخلنا الفلسطيني...وتذكروا جيداً الرئيس الراحل ابا عمار كان واحد من المرشحين لنيل جائزة نوبل وعندما رفض المشروع الأمريكي- الصهيوني للحل أصبح قائداً إرهابياً ويدعم الإرهاب والتخلص منه سيجلب اللبن والعسل للشعب الفلسطيني ...وها هي بركات لبن وعسل الإحتلال تلمسونها بمشاريع تصفية للقضية وتفكيك للمشروع الوطني الفلسطيني....ولذلك الإحتلال له مشاريعه ومخططاته لمدينة القدس والأقصى وللداخل الفلسطيني – 48 -....مشاريع قائمة على اعتبار ان القدس عاصمة لدولة الإحتلال،بل لكل يهود العالم ولن تقسم او يجري التخلي عن أية أحياء عربية فيها،بل يجب تعزيز السيطرة عليها وتوسيعها،لتص مساحتها الى 10% من مساحة الضفة الغربية بضم المزيد من المستوطنات لها من مجمع "غوش عتصيون" جنوباً على مشارف الخليل وحتى "معاليه ادوميم" شرقاً،وبما يمنع تحولها لمدينة ثنائية القومية،او يكون فيها اغلبية عربية مستقبلاً،ولكن لا مانع من اخراج احياء عربية خارج جدار الفصل العنصري مثل كفر عقب عناتا قلنديا ومخيم شعفاط.
وفيما يتعلق بالأقصى الإحتلال ماض في إجراءاته وممارساته بحق الأقصى حتى في ظل قرارات دولية واخرى صادرة عن منظمة " اليونسكو " ولجنة التراث العالمية،والتي تؤكد على بطلان كل إجراءاته وممارساته بحق الأقصى،باعتباره ارث حضاري وتاريخي وتراثي عربي اسلامي ومكان مقدس لأتباع الديانة الإسلامية دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى بما في ذلك حائط البراق....وبالتالي أي اجراء سيتخذ بحق الأقصى يجب ان يفهم في إطار السياسة الممنهجة والمدروسة التي تتبعها حكومة الإحتلال ضد الأقصى وليس في إطار ان ما قام وسيقوم به هو ردة فعل وفرتها له ذريعة تنفيذ عملية هنا او هناك،فالمحتل يتعاطى ويتعامل ضمن استراتيجيات وليس ردات فعل.
تذكروا جيداً يجري الحديث الآن عن تنفيذ ما يسمى بصفقة "القرن" وليبرمان لديه مشروع سياسي حول التبادل السكاني والجغرافي،والحديث جرى عن موافقة السلطة على التبادل الجغرافي،ولذلك ما بعد تنفيذ هذه العملية من قبل ثلاثة شبان فلسطينيين من منطقة ام الفحم،سيعود طرح هذا المشروع مجدداً بملحاحية كبيرة ،فهناك مخططات تطبخ للقضية الفلسطينية في غرف مظلمة كثيرة عربية وإقليمية ودولية.
دائماً الإحتلال سعى ويسعى بأن تكون القضية الفلسطينية هامشية وليس أساس الصراعات في المنطقة،وظل يعيش الأوهام بأن الظروف المتوفرة له فلسطينيا من حالة ضعف وتشظيٍ وإنقسام،والحالة العربية المنهارة والداخلة في حروب التدمير الذاتي،وتعطل الإرادة الدولية والإنحياز الأمريكي الأعمى ستوفر له الفرصة السانحة لرسم مشاريع تصفية القضية الفلسطينية بعيداً عن خيار حل الدولتين أو المواطنة الكاملة في دولة واحدة،ولكن يعود ليكتشف بأن ما يحلم به مجرد أوهام،وبأن القضية الفلسطينية عصية على التصفية والتهميش وستبقى متصدرةً للمشهد العربي والإقليمي والدولي ما دام هناك صراع وإحتلال قائمين.
الإحتلال جرب كل أشكال العقوبات الجماعية بحق المقدسيين،والتي بلغت ذروتها برفع قضايا مدنية من قبل دولة الاحتلال على عائلتي الشهيدين فادي القنبر ومصباح أبو صبيح تطالبهم فيها بتعويضات تصل عشرات ملايين الشواقل كتعويض عن الجنود والمواطنين الذين قتلوا او اصيبوا في هاتين العمليتين،وبعد هذه العملية سيستأسد على شعبنا الأعزل في مدينة القدس،وسيواصل حربه ظاناً ومتوهماً بان المقدسيين سيرفعون الراية البيضاء، سالكاً نفس الخيار والممارسات القمعية والتنكيلية،دون ان يكلف نفسه إعادة النظر في هذه الخيارات،التي من شانها فقط صب الزيت على النار والدفع بالأوضاع في المدينة نحو انفجار أشمل وأعم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق