اغتراب/ سماح خليفة

حينَ يتقاطَرُ الدّمعُ من مآقي مُهجَتي
أُقبِّلُ وجهَ السّماء
أُغمِضُ عينيّ
أُشرِعُ ذِراعَي
أستقبلُ دفءَ اللهِ في بياضِ قلبي
أحتَضِنُ اغترابَكِ أناي على مسافةِ وَجَع
أهمِسُ للريح؛ أنْ دثّريني!
ولا تترُكيني عالِقةً في عُنُقِ الغياب...
حينَ تُشرِقُ صورتُكَ بعدَ أفولٍ للكلامِ بعيد
يتدفّقُ النّهرُ العذبُ في مجرّتي المُتمَرِّدةِ على قوانينِ الطّبيعة
قَلِقٌ يا أنايَ وجودُكَ على بابِ مَعبَدي الصّغير
جُرحي باااااذِخٌ في النّزف، لن يلتئمْ
أتقَنتَ لعبةَ الموتِ البطيء
نهايَتي بدَأتْ على راحتَيْك
قِطاري الهاربُ من زحمةِ الزمنِ توقّفَ في وطنِ اللاوطنَ فيه
أنا العاشِقةُ الدّهريةُ للغةِ الماءِ في قصائِدِك 
اللاوزنَ فيها
لا قافية
لا استِباقٌ للحدث
لا قيْدَ
لا شهدَ السّواقي على شَفَتيْك
حَرِيٌّ بِهذا النّبضِ أن يستقيمَ خارجَ لحظةِ التّكوين
لن تربِكَني أبجديتُكَ ال أشْبَعَتْ روحي وجعا
قد ضيّعْتَ الدّربَ يا ربَّ قلبي، قد تُهتَ في سراديبِ الحنين
لدَغتْكَ عقاربُ الوقتِ في سرابِ العمر
دونَ إكسيرٍ للحياةِ -يا دمعتي الحرّى- مُعين

باقون على صدروكم/ شاكر فريد حسن


تواجه جماهيرنا العربية الفلسطينية هذه الأيام لهجمة عنصرية تحريضية شرسة غير مسبوقة في تاريخها، من قبل عدد من الوزراء واعضاء الكنيست وبشكل خاص من وزير الدفاع الترانسفيري ليبرمان، وذلك على خلفية مظاهرة حيفا ومظاهر الاحتجاج على المجازر الاحتلالية الأخيرة، وموقف جماهيرنا وهيئاتها التمثيلية وممثليها المتتخبين في البرلمان الاسرائيلي، من العدوان الاحتلالي الشرس على المتظاهرين في مسيرات العودة بقطاع غزة، ووصلت الوقاحة حد المطالبة باخراج لجنة المتابعة العليا خارج القانون ومحاكمة رئيسها محمد بركة، ورئيس القائمة المشتركة أيمن عودة.
في الحقيقة أن جماهيرنا العربية تعبر عن موقفها الطبيعي، وتقوم بواجبها الوطني والاخلاقي والانساني، تجاه شعبها الجريح الذييح، الذي يواجه القتل بدم بارد، ولا يملك سوى الارادة والايمان بعدالة قصيته في مواجهة الدبابة والرصاص الحي، وهذا ما يجعل المؤسسة الصهيونية الحاكمة تعيش حالة هستيرية، وما العدوان البوليسي السافر على المتظاهرين ضد جرائم الاحتلال بغزة، في مظاهرة حيفا، لهو دلالة واضحة ونتاج هذه الحالة الجنونية، كما كان حال المتظاهرين في القدس.
المؤسسة الحاكمة تحاول بث أجواء ترهيبية بين جماهيرنا، في محاولة بائسة لاخراس صوت الغضب، وصوت العقل، ضد مجازر الاحتلال، ولعل الخطر الأكبر على هذه البلاد والعلاقات اليهودية- العربية ومستقبل الحياة المشتركة والأمن والسلام ليس أيمن عودة وبركة وزملائهم الآخرين من ممثلي ومنتخبي الجمهمور العربي الفلسطيني، وانما حكام اسرائيل الذين لا نية صادقة لديهم لاحلال راية السلام مع الشعب الفلسطيني، ويواصلون توتير الأجواء في المنظقة، ويستمدون قوتهم من الدعم الأمريكي وتواطؤ الأنظمة الرجعية العربية. 
ان هؤلاء الوزراء وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو لا يتورعون عن التحريض الدموي السافر على جماهيرنا العربية، التي ستبقى شوكة في حلوقهم، ولن ينالوا من عزيمة وارادة وطموح هذه الجماهير، التي بقيت في وطنها، من الاستمرار في نضالها وكفاحها العادل والانساني المشروع حتى الاعتراف بحقوقها القومية واليومية، ومن أجل كنس الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والعيش بحرية وكرامة وآمان.
ان جماهيرنا لن ترضخ مهما بلغت شدة التحريض وقوة وجبروت المؤسسة، فهي صاحبة هذا الوطن الذي لا وطن لها سواه، ورغم كل القوانين العنصرية التي شرعتها الكنيست في السنوات الاخيرة، وكما قال شاعرنا توفيق زياد: 
باقون على صدرركم كالجدار 
نحرس ظل التين والزيتون 
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات 
فلتشربوا البحر ..!!!
ومزيدًا من الصمود والوعي واليقظة والوحدة  الغلابة، في مواجهة كل مخططات ومشاريع الترحيل والاقتلاع وهدم البيوت العربية.
**
الى المفكر الشهيد مهدي عامل في ذكراه 

حملت أوراقك وغادرت
يا شهيد العلم والفكر
همك الأول كان الوطن
ومحنة المثقف
وثورة الفقراء
والكادحين
اغتالوك أعداء الثقافة
والنور
بعد أن اغتالوا رفيق دربك
حسين مروة
ليحجبوا عنا
أفكار التقدم والتحرر
لكن فشروا
يكفيك شرفًا وفخرًا
انك امتطيت
صهوة الرفض والمقاومة
والسباحة ضد التيار
وانك رمز وعلم نقدي
تنويري
تلملم شتات العرب
وذاكرة المتعبين على الأرصفة
والشوارع
وتصرخ بوجه قوى الجهل
والتخلف
والسلاطين 
وحكام الذل
وامة النفط
يا كاشف عوراتهم
واقنعتهم المزيفة:
أنا القرمطي وانتم اعدائي
لا انتمي لكم
 وبريء منكم 
أنا القرمطي وكل البلاد 
بلادي وأوطاني
قم يا مهدي العلم
لتحاصر الردة الهائجة
بيراعك
وعقلك
ووعيك الثاقب
وابصق على كل المزيفين
وانصاف المثقفين
وادعياء الفكر
الذين سقطوا في بحر
الهزيمة
ووقفوا مع الجلاد
فانت ما زلت وستبقى
صوت الفقراء
والمهمشين
وصوت الأنقياء
الصادقين
أنت لم تمت
وانما تجوب الأوطان
بين القصور
وغانيات الأمراء
ترتشف نكهة العرق
المتصبب نحو السفن
وييروت أم المدن
وعاصمة الحب
التي شيعتك شهيدًا 
ما زالت وستبقى
على العهد
تحمي تراثك
وتصون ارثك
وتستحضر ذكراك
( مهدي عامل او حسين حمدان، هو مفكر وشاعر وناشط سياسي واكاديمي ماركسي لبناني، مات مقتولًا على ايدي الجماعات الاسلامية المتطرفة في ايار العام ١٩٨٧، وله العديد من الأبحاث في الفلسفة والفكر السياسي).

التكريم مش النا/ روميو عويس

يعتب صديقي الشاعر اسعد مكاري على تقصير دولتنا بتكريم اهل الفن والادباء عامة، و اخر تقصير رسمي كان بحق النقيب الفنان الراحل شربل نعيمي ما دفعني لكتابة القصيدة التالية:

من ايمتى بلبنان يا اسعد
بيتْكَرَّم الشاعر او الفنان
وأيّا اديب بعيشتو بيسعد
وبيدوق غير القهر والحرمان

اهل الفكر بالفقر عا موعَد
ان عاشو؟ ان ماتو؟
ما حدا سئلان !..
التكريم للبزّور عا مقعَد
المجلس، وعامل مركزو دكان
التكريم لل عا ضهورنا بيصْعَد
وبيبيعنا بقرشين للشيطان
وعندو زلم عالناس تتنَمْرَد
ناهب الدوله وفالت الزعران
تسرق.. وتقتل.. وتتوَعَّد..
اهل الفكر لاففهُن النسيان
اسعد: لا تنسى.. انت بلبنان

حراك خارجي لتجميد أزمة داخلية/ صبحي غندور

يبدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرصاً شديداً على نجاح القمّة المرتقبة بينه وبين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، رغم ما ساد بينهما من مواقف سلبية خلال العام الماضي، ففي نجاح القمّة هذه، سيفوز ترامب بلقب "بطل السلام" في شرق آسيا، وسيكون ذلك حافزاً لوسائل الإعلام الأميركية من أجل التركيز على إنجاز مهمّ في السياسة الخارجية بدلاً من التعامل الإعلامي اليومي مع مسألة التحقيقات في حملته الانتخابية.
فمجرّد التهيئة الآن للقمّة الأميركية/الكورية أدّى إلى تأجيل اجتماع كان من المفترض حدوثه بين ترامب والمحقّق روبرت موللر للإجابة عن بعض الأسئلة الخاصّة بالتحقيقات القانونية، وذلك تحت حجّة انشغال الرئيس الآن في المفاوضات مع كوريا عشية موعد القمّة، فكيف سيكون الأمر بعد القمّة، مع العلم أنّ مفاوضات واجتماعات عديدة ستتبع القمّة لتنفيذ ما قد يتّفق عليه؟!.
إنّ قمّة سنغافورة ستكون مقدّمة لتحرّك واسع يريده ترامب في مطلع هذا الصيف على عدّة جبهات دولية بهدف تحقيق ما هو في الأجندة الخارجية لإدارته، وأيضاً من أجل تجميد التحقيقات بشأن حملته الانتخابية أو تهميشها سياسياً وإعلامياً إلى ما بعد الانتخابات في نوفمبر القادم. فالأمر لن يقتصر على المسألة الكورية وتداعيات ما بعد القمّة المرتقبة، بل سيتبع هذه القمّة إعلان ترامب عمّا أسماه ب"صفقة القرن" بشأن الصراع العربي/الإسرائيلي والملفّ الفلسطيني المرتبط فيه. وسيتزامن الإعلان عن "الصفقة" واللقاءات الخاصة بها مع التصعيد في المواقف الأميركية ضدّ إيران وحلفائها في "الشرق الأوسط"، بحيث تتفاعل قضايا "الحرب والسلام" امتداداً من شرق آسيا إلى كل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها التطوّرات العسكرية المحتمَلة على الأراضي السورية.
وفي شهر يوليو، سيكون ترامب منشغلاً أيضاً باجتماعات قمّة "الناتو" في بروكسل وما تعنيه هذه القمّة على صعيد العلاقات الأميركية/الأوروبية، خاصّةً بعد التأزّم في العلاقات بسبب انسحاب أميركا من الاتفاق الدولي مع إيران بشأن ملفّها النووي، والخلاف الحاصل مع موسكو حول العديد من القضايا الدولية ومن ضمنها الصراع في سوريا ومحاولات ضمّ جورجيا وأوكرانيا لعضوية الناتو، وهو الأمر الذي تعارضه موسكو.
إذن، إدارة ترامب ستشغل العالم والرأي العام الأميركي خلال أشهر الصيف بالتعامل مع جملة أزمات دولية، وقد تبقى الأمور في حدود الحراك السياسي الذي يحقّق ما ترجوه هذه الإدارة على المستويين الخارجي والداخلي، لكن حتماً لا ضمانات لذلك في منطقة "الشرق الأوسط"، أوّلاً بسبب عدم معرفة أو ضمان ردود فعل خصوم واشنطن بالمنطقة، وثانياً، نتيجة حضور العامل الإسرائيلي الذي قد يرى مصلحةً كبيرة في توظيف ما عليه إدارة ترامب وأجندتها لصالح الأجندة الإسرائيلية الساعية من أجل زيادة الصراعات البينية في المنطقة، لا من أجل تسويات سياسية لأزماتها.
وفي داخل إدارة ترامب، وفي الحزب الجمهوري ولدى عددٍ من المموّلين الصهاينة له، من هم أيضاً يحبّذون الحلول العسكرية لبعض الأزمات الدولية، وهؤلاء يلعبون الآن دوراً مهمّاً في صنع القرار الأميركي، وربما يجدون مصلحةً كبيرة في تطوّرات عسكرية في الشرق الأوسط، كالسياسة التي كانت قائمة خلال حقبة جورج بوش الابن والتي هيمن عليها "المحافظون الجدد"، وهؤلاء عاد بعضهم الآن لدوائر صنع القرار الأميركي، وهم يسوّغون طروحاتهم لدى القاعدة الشعبية لترامب ولدى الناخبين "الجمهوريين" بأنّ معظم الأمريكيين سيقفون خلف رئيسهم حينما تكون أميركا في حالة حرب، وبأنّ ذلك هو الذي سيبقي الحزب الجمهوري مهيمناً على مجلسيْ الكونغرس في الانتخابات القادمة.
يتكرّر سيناريو حكم "المحافظين الجدد" حالياً مع وجود ترامب في رئاسة أميركا، الذي وصل للحكم بدعمٍ من تيّار عنصري وديني محافظ، وبترحيبٍ قوي من الجماعات الصهيونية المؤيّدة للحكم المتطرّف في إسرائيل، وحيث هناك أيضاً أجندة داخلية وخارجية يسعى ترامب لتنفيذها. وربّما يجد الرئيس الأميركي مصلحةً كبيرة الآن في حدوث انفجار عسكري كبير في الشرق الأوسط، ليس فقط لخدمة سياسة مقرّرة، بل أيضاً لصرف الأنظار عن مشاكله الداخلية وعن التحقيقات القانونية الجارية مع فريق حملته الانتخابية، ولتعزيز قاعدته الشعبية. 
إنّ الجبهة الإسرائيلية مع سوريا ولبنان هي من المواقع المؤهّلة لتطوّرات عسكرية كبيرة، والتي قد يتمّ استخدامها لتغيير مسار الأزمات المشتعلة حالياً في المشرق العربي، وحيث يُحقّق فيها خصوم أميركا تقدّماً على الأرض. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تحدّث أكثر من مصدر مسؤول أميركي عن احتمال قيام الولايات المتحدة بضربات عسكرية داخل سوريا ضدّ الجيش السوري وحلفائه، كما تزايدت التهديدات الإسرائيلية ضدّ إيران وحلفائها في لبنان وسوريا. فإلغاء الاتفاق مع إيران لن يكون فقط عودة إلى ما كان قبله من ظروف وأوضاع سياسية في المنطقة، بل سيكون مقدّمة لتصعيد عسكري وسياسي لا تُعرف نتائجه بعد. فما قبل الاتفاق كان وجود إدارة أوباما التي رفضت التصعيد ضدّ إيران، كما كان يحثّ على ذلك نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكانت هناك جهود أميركية وأوروبية للتفاوض مع إيران، ولم تكن العلاقات الأميركية والأوروبية مع روسيا بدرجة السوء التي هي عليها الآن، وهذه كلّها عناصر لجعل إلغاء الاتفاق الدولي مع إيران بدايةً لتدهور أمني وسياسي سيعيشه العالم عموماً، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، خاصّةً إذا ترافق ذلك مع تصعيد عسكري أميركي في سوريا ستقف روسيا وإيران ضدّه حتماً. 

إنّ إدارة ترامب الآن تخضع لتأثيرات قوى ثلاث جميعها ترغب بالتصعيد في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، وهي التي ستتحكّم بالسياسة الخارجية الأميركية في هذه المرحلة. وهذه القوى تجمع بين التيّار الإنجليكي المتصهين والتيّار المعروف باسم "المحافظون الجدد"، إضافةً لدور اللوبي الإسرائيلي والعلاقة القوية القائمة الآن بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو. فشرارة النّار موجودة في سوريا والمنطقة حولها، لكن التصعيد في الخلافات بين موسكو وواشنطن وتضارب المصالح الدولية والإقليمية سيجعل لهب النار تمتدّ للعالم بأسره. وهنا خطورة ما يحدث الآن من تغليب في الولايات المتحدة للمصالح الفئوية على حساب المصالح القومية الأميركية.

مازالت رائحة التوت تزكم أنفي/ سماح خليفة

هل يحدث أن أنزفني شوقا ذات حلم، لشجرة التوت التي أزكمت أنفي ثمارها الخضراء الصغيرة الناضجة المطرزة بشقاوة أناملنا نحن الأطفال الذين حملتهم حكاياتهم المتوهجة في وضح النهار لاحتضانها وتسلقها.
لم تتسيد حوش دار سيدي فقط، بل تسيدت قلبي وذاكرتي، لم أستلذ في طفولتي بمذاق ثمار التوت كما تلذذت بثمارها التي اهدتنيها رطبا جنية تساقطت كلما هززنا فروعها بمحبة ووفاء.
كان صباحا رائقا في دار سيدي، عندما استيقظت وأنا أتلمس بقايا حلم حريري دثر ذاكرتي بحب.
فتحت جفني المطبقان من ليلة أثقلتها عباءة السهر حتى حجبت نور الدهشة في عيني.
لملمت ما تساقط من بقايا حلم على أغصان شجرة التوت وحملت كلي حتى وصلت المغسلة، نضحت الماء في وجهي محاولة ترتيب شعري وهندامي؛ فأمي ليست هنا لتساعدني في رفع شعري الكثيف وتوغل أصابعها الحانية في سواده ليزداد جمالا وألقا .
على خلاف شعر بنات خالي، شعر أشقر كثيف طويل، لغة أجنبية بلكنة متكسرة يرطن بها مع والدتهن، أحاول ترجمة ما يقلنه من خلال تعابير الوجه وحركة اليدين عبثا.
لم تدعوني زوجة خالي لتسرح شعري، استأت كثيرا، فلملمته أنا على عجل، وشددته بربطة بيضاء اللون،جلست أنتظر جدتي حتى دعتنا لتناول الإفطار، وما إن فرغت حتى همست لابنة خالي: "تعالي نروح نلقط توت"، وفاتني جهلها للعربية حتى رأيت ملامحها وهي تنظر إلي كالبلهاء. أشرت لها بيدي لتتبعني وفعلت. انطلقنا نحو شجرة التوت.
كنت أشعر بها ترحب بنا، خشخشة أوراقها سمفونية تعزف على مسامعي لحنا للجمال الرباني.
كانت عظيمة كثيفة ضخمة جذورها ضاربة في الأرض بعمق، فروعها تشمخ إلى عنان السماء بكبرياء.
ركضت مسرعة أباعد بين أوراقها وأغصانها حتى عانقتها بشدة، كانت تحتضنني بلهفة، تسلقت فروعها حتى جلست على أحدها، بدأت ألتهم ثمار التوت، كانت ابنة خالي ترمقني بعين الدهشة، وبدأت أقذف حبات التوت صوبها حتى طرق باب الحوش فجأة.
هرعت تفتح الباب فإذا بأمي وأخواتي  قد تصدرن المشهد الأمامي في حكاية زوجة خالي التي لا تفتح الباب عندما يرن الجرس. عاتبنها ولم تدرك ما قلنه، حتى رفعت صوتي وقلت: الجرس يعني ترن ترن ترن..... فضحك الجميع.
وبعد إن جلس الجميع في فيء شجرة التوت ألقيت على مسامع جدتي سؤالا: هل ستموت شجرة التوت يوما يا جدتي؟ تنهدت ثم أردفت: سيقتلها أبناؤها يا ستي قبل أن تموت.
استأت كثيرا من إجابة جدتي التي أحزنتني ولم أدرك مغزى ما قالته؛ حتى أصبحت شابة تزوجت وغادرت طوباس لأعود ذات يوم لحضنها فأجدها اجتثت وقد صب مكانها الباطون.
ماتت الشجرة ومات الحلم ولا زالت رائحة التوت تزكم أنفي.

لمحة عن ديوان النكبة والمسيرة وديوان آخر/ حسيب شحادة

جامعة هلسنكي

النكبة والمسيرة، شعر غازي أحمد المسكاوي (الشبيطي) . عرعرة: دار الأماني للطباعة والنشر والتوزيع م. ض. ط. ١، ٢٠١١، ١٥٨ ص.
هذا عنوان باكورة أعمال السّيد غازي أحمد المسكاوي الشعرية، نسبة لقرية ”مسكة“، الواقعة خمسة عشر كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من مدينة طولكرم والتي دُمّرت بالكامل في حرب العام ١٩٤٨. بين دفتي هذا الديوان اثنتان وثلاثون قصيدة منها ما هو مقفىً وهذا قليل والأكثر شعر حرّ، ومن عناوينها: الأمم المتحدة، النكبة والرحيل، مسكة، مخيم اللاجئين، الحكم العسكري، مجزرة كفر قاسم، أوّل أيّار، في ذكرى حزيران، يوم الأرض، ردّ على ليبرمان، وقانون النكبة، محمود الدرويش، الصحوة. من الواضح أن عمل المسكاوي هذا يعبّر عمّا يجول في فكر ووجدان ناشط سياسي فلسطيني منخرط في الحزب الشيوعي. ممّا جذب انتباهي عند مطالعة هذا الديوان من حيث المضمون:
والعيش في ظل الكرامة ساعة               أسمى من العيش الذليل سنينا، ص. ١٠
ان عمر الظلم محدود بحتفه
غير ان الحق لا حد لعمره، ص. ٤٥
فحياة الذل أقسى من عذابات الرصاص، ص. ٥٨
وتقول الحفيدة: وتظل تذكر انني، حيًا وبعد الموت، ابقى جدها، ص. ٧٥
لأنّها أوطاننا لا منّةً بل حق ..، ص. ٩٨
في الوقت ذاته طالعت ديوان ”مسارات في الزمن الجريح“، شعر محمود ريان، دار الأماني ٢٠١٥،  ورأيت أنّ جلّ التركيز منصبّ على اللغة، ألفاظ كثيرة ليست في متناول القارىء العادي بل وذي الثقافة مثل: اوتهجت، ١٠؛ رَبَد، ٢٥؛ مراغم، ٣٢؛ الحُبُك، ٣٣؛ ثَبَجُ، ٣٤؛ الدأواء، ٦٢؛ الرناد، ٦٤؛ مِعْجاج، ٧٤؛ دَغْرى، ٨٩؛ واسْبَطَر، ٩٥. وللقارىء أن يتساءل هل الشعر الحديث يجب أن ينتمي إلى الطلاسم؟
أمّآ بخصوص اللغة فالوضع صادم ومحبط حقًّا بسبب الكم الهائل من الأخطاء اللغوية التي وقعت في هذا الديوان الخطابي في الأساس. إلى متى تبقى دور النشر العربية بدون مدقّق لغوي حقيقي؟ لم لا تلتحق بركب  المألوف في شتّى أقطار العالم المتقدمة. هذه عيّنة من هذه الأخطاء اللغوية، من حيث الصرف والنحو بدون تصنيف، أوردها وفق ورودها في الديوان وقد تستغلّ هذه العيّنة في دروس القواعد الوظيفية في نهاية المدرسة الابتدائية أو المدرسة الإعدادية وهذا يتوقّف على مستوى المدرسة. 
الروسومات، ٢
كي تذق ما طعم تلك الثمرة، ١٤
لم تَرَى سبّباً الى تحريمها، ١٥
اربعماية بلدة، ١٩، والتسعماية، ٣٩، ماية خطوة، ٣٩، من سنين الماية العشرين، ٨٧
على خمس تلال، ٢٠
كان للجار حماراً وجمل، ٢٣
يجمع الناس لإيداء الصلاة …، ٢٣
ان للأيام دولاب يدور، ٢٧
أفهل، ٣٠؛ شيىء، ٣١، ٤٠
والحق لا يعلو عليه، ٣٢
فتعال نحتكم التَّعايشِ، ٣٢
لكي يخفون ما تحويه جعبته، ٣٣
سار على الدرب الذي عبدّه، ٣٧
كنت ماش… بحذاء بالية، ٣٩، ٤٦
كان تحت الصخرة بيتا للنمال، ٤٠
بعد ضغط تصدي لحلول الطمطمة، ٤٦
وبه الظالم يصبوا ان يذل الضعفاء، ٥٧
واطردوا اليأس لننجوا من مذلات الخصاص، ٥٨
يكفي ليوصف حسنها وخصالها، ٦٦
لا يضعف الحب الصدوق ودفئه، ٦٦
وإذا سؤلت بفضل من نلت الهنا، ٦٧
رغم الرشاوي والتآمر، ٦٨
ونظل نخطوا نحو باب العدل حتى نقرعه، ٦٩
وراقني هدوئها، ٧٠
منتظرا لها، ٧٣
يا حفيدتي إقتربي
ما يعطها العيش الكريم، ٧٦
وهو يكتب عن أماني مستحيلة، ٧٦
تعطيك أمنّا واعترافا، ٧٧
ونسيت أن الإحتلال مؤكد يوم زواله، ٧٧
راجع مصير من أختار الحروب لاملاء حلوله، ٧٧
بألفاظ مليله، ٧٨
واستمرت في عنود، ٨٢
لقد إنتظرت رجوعكم، ٨٢
وقت إنتظار، ٨٩
أن أرض العرب الباقون في الدولة، ٨٠
وزرويات بقر، ٩٠
فجأة لاح من البعد منادي، ٩١
بأننا أبداً لم نكره الإنسان، ٩٨
فتى وكيف يزول عَرْشَك، ١٠٣
لن يغفر التالريخ سوء فعالكم، ١٠٣
فالحق به وأبقى هناك ولا تعد، ١٠٣
فأخلص لقولك مهما كان حالهم           واسعى لكي يصبحوا في مطلع الأمم، ١٠٥
والعرق والجنس والالوان واقعها         كالدين لا تحم من جوع ومن سقم، ١٠٥
وانهض بشعبك واعطي للشعوب جنى، ١٠٦
والبعض ليس له بيتاً، ١٠٦
لا بد للناس من نشر التعاون كي         ينهون عهداً من البغضاء والنقم، ١٠٦
وسّع عقلاً   وانضج وعياً  واعلو قدراً، ١٠٨
إعزف لحناً    وارقص طرباً    غني شعراً، ١٠٨، وانظر ص. ١٠٩
وهل المغقول أن يمضون في التبذير، ١١٠
بنت شيخ ذو نفوذ في قبيلة، ١١٦
فيقومون يجد وحثاثه، ١١٧
ثم يقضون ليال مفرحة، ١١٧
عن فتاة بصفات نادرة تعطني حباً وأعطيها سعاده، ١١٧
لتلاقي شرّ حرب قادمة، ١١٨
من مداخيل اراضي واسعة، ١١٩
ترعى التعاون والآخاء، ١٢٨
ما قدمت من دعم وعونٌ للشعوب!، ١٢٨
لا بد يا أكتوبر الثوار ان نصحوا.!، ١٢٩
انا ننادي كل ذي شرف                ان هبّ واسعى الى التحرير بالعلن، ١٤٠
تصلح الأنثى … مثلما تغذوا ملاذا، ١٤٩

وماذا بعد الوصول إلى قاع المنحدر؟!/ صبحي غندور

هناك من يعتقد أنّ العرب لم يصلوا بعدُ إلى قاع المنحدر، وبأنّه ما زال أمامهم مخاطر كثيرة قبل أن تتّضح صورة مستقبلهم. لكن رغم وجود هذه المخاطر فعلاً، فإنّ ما تشهده الآن بلاد العرب من حروب وصراعات وأفكار وممارسات سيكون ربّما هو ذاته، خلال الفترة القادمة، الدافع لتحقيق الإصلاح الجذري المطلوب داخل المجتمعات العربية، في الفكر والممارسة، في الحكم وفي المعارضة. فقيمة الشيء لا تتأتّى إلّا بعد فقدانه، والأمّة هي الآن عطشى لما هو بديل الحالة الراهنة من أفكار وممارسات سيّئة.
هذه ليست مجرّد تمنيّات أو أحلام، بل هي خلاصة تجارب الأمّة العربية نفسها في القرون الماضية، وهي أيضاً محصّلة تجارب شعوب أخرى، كالأوروبيين الذين خاضوا في النصف الأول من القرن الماضي حربين عالمتين دمّرتا أوروبا وسقط نتيجتهما ضحايا بالملايين، وكانت بين شعوب الدول الأوروبية صراعات قومية وإثنية وطائفية أكثر بكثير ممّا تشهده الآن المجتمعات العربية. رغم ذلك، وحينما توفّرت الظروف والقيادات والرؤى السليمة، طوت أوروبا صفحات الماضي المشين بينها واتّجهت نحو التوحّد والتكامل بين شعوبها، متجاوزةً ما بينها من خلافات في المصالح والسياسات، واختلافات في اللغات والثقافات والأعراق. 
أوروبا شهدت أيضاً في النصف الأول من القرن الماضي تجارب فكرية وحزبية سيّئة، كالنازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، ودفعت القارّة الأوروبية كلّها ثمناً باهظاً لسياسات هذه التجارب السيئة. لكن هذا "النموذج الأوروبي" في التقاتل والتصارع أولاً، ثمّ في التكامل والتوحّد لاحقاً، احتاج طبعاً إلى مناخ سياسي ديمقراطي داخلي، على مستوى الحكم والمجتمع معاً، ممّا سمح بحدوث التحوّل الكبير. فالمسألة ليست فقط انتخابات وآليات للممارسة الديمقراطية الشكلية، لأنّها، إذا لم تقترن بثقافة ديمقراطية سليمة داخل المجتمع نفسه، قد تزيد الأمور تعقيداً، كما جرى في تجربتيْ ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية.  
أيضاً، فإنّ مسألة الحرّيات في الولايات المتّحدة لم تنتعش وتزدهر في العقد السادس من القرن الماضي إلّا بعد فترة "المكارثية" الظالمة في العقد الخامس. كذلك لم يصل "الأميركيون الأفارقة" إلى حقوقهم المدنية إلّا بعد عقود طويلة من مواجهة الممارسات العنصرية، ومن إحداث تغيير في ثقافة المجتمع الأميركي نفسه. فالدستور الأميركي يساوي بين كل المواطنين، مهما كان لونهم أو عرقهم أو دينهم، لكن المجتمع الأميركي لم يكن ناضجاً لتقبّل فكرة المساواة بين الناس كما نصّ عليها الدستور والقوانين الأميركية. وفي هذا "النموذج الأميركي" دلالة كبيرة على أهمّية وأولوية إحداث التغيير في المجتمع أولاً، وفي المفاهيم والتقاليد الخاطئة عند عامّة الناس، وليس فقط بالحكومات وبالدساتير وبالنصوص القانونية. 
الأمّة العربية وأوطانها عطشى الآن لمثل هذه التحوّلات الفكرية والثقافية في مجتمعاتها، وليس فقط لتغييرات شكلية في الحكومات والقوانين. لكن الأرتواء لا يتحصّل بمجرّد الحاجة اليه، وإنّما بالجهد والسعي المتواصل بحثاً عن الماء، لا عن سرابه، فيما يُشبه الصحراء القاحلة.  
وهناك في التراث الفكري العربي المعاصر ما فيه "خارطة طريق" من أجل الوصول إلى ينابيع الفكر السليم والقدوة الحسنة من أجل بناء مجتمعات عربية صحّية، تستوعب اختلافاتها وتنوّعاتها وتقبل وجود "الآخر" وحقوقه ودوره المشارك كمواطن في وطن يقوم على مفهوم "المواطنة"، لا على مفاهيم "الأكثرية والأقلية".   
فأين العرب الآن من المكوّنات الأساسية لمجتمعاتهم، والتي تقوم على الفهم الصحيح للأديان وعلى مزيج من الهويتين العربية والوطنية؟!. وأين العرب الآن من جوهر الرسالات السماوية التي تدعو إلى التوحّد ونبذ الفرقة؟!. وأين العرب الآن من العروبة التي تعني التكامل ورفض الانقسام، ومن الوطنية التي هي تجسيد لمعنى المواطنة والوحدة الوطنية؟!.
إنّ غياب الفهم الصّحيح للدين والفقه المذهبي ولمسألة الهُوية وللعلاقة مع الآخر أيّاً كان، هو المناخ المناسب لأيّ صراع طائفي أو مذهبي أو إثني يُحوّل ما هو إيجابي قائم على الاختلاف والتّعدّد إلى عنفٍ دموي يُناقض مبادئ الرسالات السماوية والفهم السليم للهُوية الثقافية العربية، ويحقّق غايات الطامحين للسيطرة على العرب وعلى أرضهم ومقدّراتهم!.
إنّ العالم يشهد الآن حالة فوضى من الطروحات التي تتفاعل داخل كل مجتمع.. وهي طروحات تشمل الدين والعلمانية، والقومية والعنصرية، والتكتّلات الاقتصادية والانعزالية الجغرافية، لكن وسط هذه الفوضى الفكرية العالمية، فإنّ من المهمّ الإشارة إلى نماذج عالمية معاصرة قد نستفيد نحن العرب من تجاربها:
* التجربة اليابانية:  فاليابان خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمَّرةً ومهزومة وعاشت تجربة استخدام السلاح النووي ضدّها - وهذا ما لم يحصل في أيّ مكانٍ آخر بالعالم - ورغم ذلك استطاعت اليابان أن تخرج من تحت الأنقاض وتعيد بناء ذاتها لتكون منافساً اقتصادياً هامّاً لمن أذلّها في الحرب العالمية الثانية.
وفي هذه التجربة اليابانية، يبرز التمسّك الياباني بالبعد الحضاري الخاص، والحرص على استيراد العلم والمعرفة التقنية، مع المحافظة على التراث الحضاري القومي لليابانيين.
* التجربة الألمانية:  حيث لم ييأس شعب ألمانيا من إمكانات وحدته ومن عوامل تكوينه كأمَّة واحدة - رغم تقسيم ألمانيا لدولتين وبناء ثقافتين متناقضتين فيهما لحوالي خمسين عاماً عقب الحرب العالمية الثانية – ورغم بناء حائط برلين الذي كان رمزاً لانقسام العالم بين شرق شيوعي وغرب رأسمالي، فإذا بشعب ألمانيا يدمّر هذا الحائط وواقع التقسيم في مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، ولم يقبل بالاستسلام لتدمير عناصر وحدته القومية.
وفي هذه التجربة الألمانية الفريدة، يبرز تمسّك الشعب الألماني بالبعد القومي الخاص، والذي استطاع تجاوز كل عوامل التفرقة المصطنعة التي زرعتها القوى الكبرى وسطه لنصف قرنٍ من الزمن.
* تجربة جنوب إفريقيا:  وفي هذا النموذج الفريد أيضاً، تتّضح أهمّية القيادة السليمة، وضرورة وضوح الهدف المركزي والإخلاص له، والإصرار على تحقيق الهدف وعلى الأسلوب السليم من أجل الوصول إليه.
فمن يرى في الأمَّة العربية، أمّةً متخلّفة، ليقارن مع جنوب إفريقيا التي أعلن قائدها الراحل نيلسون مانديلا أمام الكونغرس الأميركي، أنّ نسبة الأمّية في بلده تفوق الـ 70% من عدد السكان!
ومن يرى في اختلاف العرب "وحروبهم القبلية" مانعاً لوحدتهم المستقبلية أو لبناء مستقبل عربي أفضل، فليقارن أيضاً مع جنوب إفريقيا التي لم تكن فقط منقسمةً بين سود وبيض، بل أيضاً بين قبائل سوداء متناحرة مع بعضها لعشرات السنين.
ورغم كل عناصر الفرقة والتخلّف والأمّية في جنوب إفريقيا، فإنّ التمسّك بالهدف والإصرار على تحقيقه من خلال وسائل سليمة وتحت قيادة مخلصة، أمكن دولة جنوب إفريقيا من أن تتحرّر من نظامٍ عنصري بغيض، وأن تحافظ على وحدة المجتمع، وأوقِفت الحروب الأهلية القبلية، وجرى بناء نظام اجتماعي ديمقراطي فيه حصّة لكلّ أبناء المجتمع رغم تباين اللون والقبائل والمصالح!
***
ففي هذه النماذج المختلفة من تجارب العالم المعاصر، ما يعزّز الأمل بإمكان بناء مجتمع عربي أفضل، شرط الجمع بين حصيلة دروس هذه النماذح.  فالبعد الحضاري الهام لدى العرب لن يكفي وحده لمعالجة الأزمات التي تعصف بالأمَّة الآن من كلّ حدبٍ وصوب، ومن الداخل والخارج، فهذا البعد هو أساس هام للمنطلق ولبناء الأساس الفكري والخلقي والقيمي لأي حركة إصلاح عربية.. لكنّه يحتاج إلى استكمالٍ بعناصر أخرى، خاصّة في ظلّ واقع التجزئة والانقسام الممزوج بالتدخّل الأجنبي الواسع في شؤون الأوطان العربية.
ولن يكون للبعدين الحضاري والعروبي، أي إمكانية تغيير أو إصلاح في أحوال أمَّة العرب، ما لم تتوفّر أيضاً القيادات المخلصة النزيهة التي تضع مصلحة شعبها فوق مصالحها الخاصة، ومصالح أوطانها فوق مصالح أنظمتها ومنظّماتها، والتي تضحي بنفسها في سبيل الهدف، وليس العكس!
ولعلّ في كلّ هذه النماذج ودروسها ما يؤكّد الحاجة أيضاً إلى التمسّك بشعار الحرّية وأبعاده المختلفة داخلياً وخارجياً: للأوطان وللشعوب في تحرّرها من سيطرة الخارج.. للأفراد وللمجتمع.. للعلاقات بين الأفراد، والعلاقات بين الأوطان والمجتمعات. فالحرّية، بمعناها الشامل، كانت وستبقى، الأساس لكل جوهر الأديان السماوية، وللقيم الانسانية العامّة.. الحرّية التي تبقى عاجزة وناقصة إذا لم تتلازم فيها مسألة التحرّر من سيطرة الخارج مع مسألة التحرّر من الاستبداد الداخلي.. الحرّية، التي هي كالطير، بحاجة إلى تكامل جناحيْ الديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية، حتّى تستطيع التحليق عالياً..

صفقة غزة وشرعيات الأمر الواقع/ د. عبير عبد الرحمن ثابت

على قدم وساق تجرى هذه الأيام مفاوضات محمومة لترتيب وضع غزة لعقود قادمة؛ وينهمك العالم اليوم وعبر وسطاء عدة لرسم معالم الوضع الدائم لقطاع غزة، فلم يعد وضع غزة شأن فلسطينى أو حتى إقليمى بل أصبح شان دولى، وبالتأكيد لم يحدث هذا مصادفة. فوضع غزة لم يصل إلى ما هو عليه فجأة أو نتيجة كارثة طبيعية ألمت بالقطاع بقدر ما هو تراكم مدروس لمشاكل مفتعلة ومقننة التطور؛ تم مراكمتها لأكثر من عقد من الزمن وصولا إلى ما آلت له اليوم.

إننا أمام مخطط مدروس يوشك أن يصل لنهايته؛ ومن الواضح أنه قد تأخر الوقت كثيرا لإفشاله أو بمعنى أصح أننا فقدنا كفلسطينيين أى قدرة على مواجهته أو حتى تعطيله؛ بل على العكس فنحن نُستخدم من حيث ندرى وليس العكس فى تنفيذ فصوله، وتعبير صفقة القرن ليس إلا عنوان مختصر لما يجرى تنفيذه على الأرض؛ وصفقة القرن هى مجموعة متكاملة ومرتبطة من الصفقات التى لا تكترث كثيرا بالمسميات بقدر اكتراثها بالنتائج الواقعية على الأرض.

وصفقة غزة اليوم وهى جزء من الصفقة الكبرى توشك أن توقع بالأحرف الأولى وليس مهما قطعا تسمية أو عنونة تلك الصفقة، بقدر ما هو مهم الواقع الذى ستكرسه صفقة غزة لعقود قادمة، وكذلك ليس مهم شرعية الأطراف الموقعة؛ لأن شرعية الأمر الواقع المفروض على الأرض هى دوما الشرعية الحقيقية وهى عنوان المرحلة؛ ومن يفرض الواقع على الأرض لن يعوزه منح الشرعية لشريكه فى الصفقة؛ كما أنه ليس مهما مسمى أولئك الشركاء أو ما ستسفر عنه الصفقة من كيانية سياسية فى غزة بقدر ما هو مهم ما سيؤديه هذا الكيان عمليا على الأرض كما أنه ليس مهما قط رأى الشارع الفلسطينى المُحيد فى غزة، لأن السجين الجائع هو فى الحقيقة مسلوب الرأى وأقصى أمانيه سد جوعه وإخراجه من سجنه؛ وسيكون فى غاية الامتنان لكل من ساهم فى تغيير حاله حتى وإن كان هذا الشخص سجانه أو من تسبب له فى السجن والتجويع والذل والهوان.

إننا اليوم فى غزة فى الدقائق الأخيرة من مرحلة أصبحت جزءً من الماضى؛ وسندخل عما قريب عبر صفقة غزة والتى هى جزء من مجموع صفقات متكاملة قادمة ستجمع فى النهاية لتشكل صفقة القرن فى مرحلة جديدة عنوانها السلام الاقتصادى، نستعيد من خلاله نحن الفلسطينيون فى غزة حقوقنا الانسانية مقابل تغاضينا عن حقوقنا السياسية التى فشلنا فى انتزاعها من إسرائيل، وترتبط فيه المصالح الاقتصادية بين الأعداء؛ وتمتلك غزة خلاله ما تحرص على عدم فقده  بواسطة أى مغامرين أو مراهقين سياسيين جدد كى لا تعود مجددا إلى سجنها جائعة.

وفى الانتظار سيشكل نجاح صفقة غزة قوة دفع لصفقة أو حتى صفقات مماثلة لكيانات فلسطينية فى الضفة على نفس النمط الغزى؛ ولكن هذا سيتطلب حتما مزيدا من تعطيل ما تبقى من شرعية فلسطينية فى الضفة الغربية، وهو أمر حاصل  منذ العام 2000 نحو إيجاد شرعيات فلسطينية موازية تنقل لها الصلاحيات التى سلبتها الإدارة المدنية للحاكم العسكرى من السلطة الفلسطينية ضمن صفقات مشابهة لصفقة غزة؛ وفى النهاية سنجد أنفسنا أمام  كيان فلسطينى كنفدرالى ما يربطه بإسرائيل أقوى بكثير من الروابط  بين فدرالياته المقسمة جغرافيا وسياسيا.

إن المشروع الوطنى الفلسطينى ينهار أمام أعيننا لكننا نتعامى عن رؤية الحقيقة؛ وننكر الواقع ونهوى العيش فى الوهم وفى الواقع الافتراضى الذى لا علاقة له بما هو قائم على الأرض؛ لأن هذا الإنكار يوفر للبعض فرصة التنصل من المسؤلية عن الجريمة الوطنية والأخلاقية التى اقترفها فى حق نفسه قبل أن يقترفها فى حق شعبه، وفى المقابل إن هذا الواقع الذى يفرض اليوم على الشعب الفلسطينى سيكون قصير العمر بعكس أمنيات الذين يفرضوه؛ أو أولئك المتساوقين معه لأنه مرهون بحالة ضعف شاذة ومؤقتة تاريخيا فى مسيرة أمة عريقة؛ وبحالة فقدان بوصلة وتشتت للشعب الفلسطينى ستنتهى حتما عندما يستفيق الشعب ؛ ويخرج منه جيل جديد يدرك أن النضال نحو الحرية والانعتاق والاستقلال لا يتجزأ وأن النضال الفلسطينى يجب أن يكون على جبهتين نضال ضد فاشية وعنصرية المحتل نحو الاستقلال ونيل حقوقنا الوطنية المشروعة، ونضال على المستوى الداخلى ضد الدكتاتورية نحو الديمقراطية والحكم الرشيد الخاضع للمسائلة والمحاسبة الشعبية.

ولدى شجر، لا تمتْ/ إبراهيم أمين مؤمن


"حرب اليهود الإعلامية ضد المسلمين"
المُخطط ....
أقبل نتنياهو على المزاد العلنى باسمٍ غير إسمه ، سمّى نفسه محمّداً .
تنكّر بثوب أبيضٍ ٍمعطّرٍ ولحيةٍ بيضاء ، يستاك حتى كاد يثقب فكيّه منَ الإستياك.
أقبل على المزاد العلنى ليدفع المال بعدما رسا عليه. 
والمزاد ..سيوف أبطال عرب، بعضٌ من أثار محمد على باشا، لوحة زيتية تعبر عن أمجاد الحضارة العربية...الخ.
كلّه من إرث أجداده القدامى الذين جعلوا للأمة العربية حضارة وتاريخ وعِزّة ، وبعضه يرجع تاريخه من 14 قرناً من الزمان. 
باعها شاب يُدعى"شجر" بعدما تثاقلتْ الديون عليه وسط بكاء أُمّه "مياه".
وقد تغيّر حاله وقتئذٍ ، ولم يعد قوياً كما كان  كأجداده الأقوياء ، أظلم وجهه بعد ضياءه ، ضَعُفَ ساعده بعد قوته ، رعشتْ قدماه بعد ثبوتها. 
 فمنْ شجر إذن؟ ومن نتنياهو؟

أصل الحكاية....
شجر شاب متدين ، باحث بارزبأحد معامل الفيزياء الذريّة ، رفض العمل فى أمريكا مقابل إغراءات مالية ومنصب رفيع ، لكن إغراءاتهم لم تفلح معه لأنه ما كان يعبأ بمالٍ ومنصبٍ ، فضلاً عن الضمير الوراثى الممتدّ فى عِرقه.
له جوانب ضعفٍ ، تركّزتْ جُلّها فى ولعه الشديد بالنساء، وقد علم عنه الموساد ذلك من خلال بعض علاقاته الجنسية التى عرضوها على  أطباء نفسيين تخصهم ، فردوا عليهم بأنه بالغ الذروة فى شغفه بالنساء .
ومن هذا المُعطى قرر الموساد  تنفيذ خطة أُخرى معه غير خطط الإغتيال المزمع تنفيذها تجاهه ، تلك التى يتبعونها من عشرات السنين على خبراءنا وعلماءنا الذين أبوْا العمل لدى أمريكا ، خطة تكسبهم مزيداً منَ الإنجازات السياديّة ، خطة إغراقه فى الشهوات الجنسية ليزول ويتشوه تاريخ أجداده العظماء الجميل ، وقد أرسلوا إليه الغانيات فشغف بهِنّ فهلك ،وللأسف ، نجح مخططهم الشيطانى نجاحاً ساحقاً.

إستكمال مشوار المُخطط ...
ودّع شجر كل شئ، سار حاملاً حقيبة صغيرة بها  ملابسه بإحدى يديه والأُخرى تتسنّد عليها أمّه مياه ، ولا يكاد يستطيع السير بسبب ضعف بنيته الجسدية وأعصابه المرتعشة.
وكانت تحاوره عندها وتقول: هذا هو السبيل السئ ،كمْ قلتُ لك لا تقرب الزنا ولا تشرب الخمر.
شجر:غلبتنى رعشة شهوتى وكانت تنادينى على أروقة جمالِهِنّ الحِسان.وكُنّ يراودننِى ، ولا أجد سبيلاً إليهِنّ إلّا مضاجعتَهُنّ ، إذْ كنّ يرفُضنّ الزواج منّى،جمالُهنّ كأنّهنّ حورٌ عين تنزّلتْ منْ جنان الرحمن.
مياه :لا يليق هذا بإلاهك يا ولدى فكفى بك إثماً ما فعلتَ،وكفاك مِنْ شأنّهِنّ، فقد سرقِنّ منكَ تراث أجدادِك بتلك الشِيكات التى كنتَ تحررها لهُنّ وأنت فى غاية لذّاتك وسكرانك.
شجر :كفى يا أمّاه لا تحسّرينى على ضياعهنّ وغدراتهنّ،أحاول أن أنسي وأتوب.
وكان يحب أمّه مياه حبّاً جمّاً،متمسك ملتصق بها حتى إنه يستنشق زفرات أنفاسها .

دلفا باب حجرة ضيقة جدّاً فى شارع يُدعى "حى العرب"، وما إنْ وصلا حتى ارتميا على الفراش من التعب بعد ذاك اليوم المرِّالذليل. 
ولمْ تمضْ سوى لحظات حتى أجهش بالبكاء، فاحتضنته أُمّه مرغّبة إيّاه بالأمل فى غدٍ أفضل.
بدأ شجرٌ ممارسة حياته الطبيعية،واظب فيها على عمله وصلاته ، وكان كثيراً  يسرح بخياله إلى ماضيه مع الغانيات الذى متّع فيه نفسه بجمالهِنّ وحسنهِنّ ، وما إنْ يُمعن فى التفكير وما ءال إليه من حال حتى يغمض عينيه ويحرّك وجهه يميناً ويساراً كأنّه يدعو نفسه إلى الحذر والإنتباه.
لم يكنْ شجر حرّاً مطلقاً فقد كان تحت مراقبة الموساد، لأن عملهم لم ينته ِولن ينتهى حتى يُحققوا بقيّة الخطة.
فهم لا يريدون أن يودّع فيزيائه فحسب ، بل وإثارة الشك فى جدوى وفاعلية التعاليم والعادات العربية والإسلامية،علاوة على إثارة الريبة فى ماضيه العريق.   
 ومأربهم وجدوه فى شجر، فهو هدف دسم لما يحمله من إرث عريق ،ارث أجداده .

وفى ليلة مشؤومة كان يصلى فى جنح الليل بعد أنْ خطَّ بيديه بحثاً خطيراً .
وأُمّه على يمينه نائمة ،غير أنّ قلبها يبكى لا ينام على إبنها المسكين.
وأمامه تلفاز موجه دائماً على قناة تنقل عناوين أخبار مِنْ كلِّ مناحى الحياة.
وبينما هو خاشعٌ فى صلاته ،طُرق الباب طرقات راقصة تُنادِى وتنادَى من بهاء طاريقها.
قطع صلاته أملاً وشهوةً رغم خشوعه ، فتح الباب،إذ به يجد أمامه جمالاً لم يشاهده قط ، فذاب فيها وانفلتَ من طُهرعليائه إلى حضيضها كجلمود صخرٍ حطّه السيلُ من عل.
تسارعتْ دقّات قلبه حتى كاد ينقطع حبل وريده ،أَدْخلهَا ، وبدأ باقى المخطط يُعزف على أوتارالشيطان وعلى دقّات طبول الثعالب والذئاب.
تعارفا فأخبرته إنها تُدعى "نردين"، وجاءتْ تعوّضه عن فقده الجنس والمال ،وأشارتْ إلى أمّه انْ أخرجْ هذه ال"مياه" من هنا بعدما عرّتْ ثديها الصارخ ودوّرتْ حقيبة المال فى الهواء بيدها،فاحرزتْ الإغراءين.
متلهفاً.. أيقظها ليُخرِجها،خرجتْ رغماً عنها قائلةً حرام عليك يا بنى وقالتْ وقالتْ.
التلفاز:قال تعالى(أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )وقال (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ).
-جلستْ مياه على درج السلم السفلى بعد طردها، ترتعش من الزمهرير،وءاثرتْ الصمت لتستر إبنها،غير أنها بين الفينة والأُخرى    تطرق الباب همساً.
أسقت ناردين شجراً زجاجة خمرٍ كاملةٍ كانتْ معها ثُمّ تجردا بعدها تماماً من لِباسِيهِما .
التلفاز:تعرّتْ الأُمة العربية يوم أنِ اتبعتْ هواها،وشربتْ الهزائم يوم غُيّبتْ عقولها.
-تلاعبا وتهامسا همس النشوات ثم ركضا ملتصقيْن وتأوّها تأوّهات النشوة .
 وكان جسديهما دافئ كالنار من لهيب الأشواق،بينما الأم ترتعش من الزمهرير، فطرقتْ الباب بقوة.
نردين:زدنى زدنى يا ليث الماضى وبُرص اليوم ، تلهّى فى مائى ولا تلتفتْ خلفك ولو كان خلفك ثعلب .
التلفاز :نكسة1967...بينما كان الرجال على فُروش النساء، أستطاعتْ إسرائيل ان تتسلل إلى الأراضى الفلسطينية وتهجّر أهلها وتستوطن أرضها ، وفقدتْ مصر سيناء. 
شجر:ها أنا أُترجم أُسطورةَ جمالِك الغربيِّ ،تاهتْ عينى فى رضاب مائكِ،ويلى.. لا أدرى من أى جمال أقدُّ المفتنَ وأقتبسُ النور. 
التلفاز :أبلستْ الأُمة عندما رأتْ جمال الحضارة الغربية فافتتنوا بِها.
-تشرّدتْ مياه فى العراء ووقفتْ بالباب تطرقه وتصرخ تريد العودة ،تريد المأوى، تريد بيتها.
التلفاز:إسرائيل ترفض حق عودة اللاجئين إلى داخل حدودها .
       هل سيكون مصير اللاجئ السوري كمصير اللاجئ الفلسطيني.
-بلغتْ الشهوة ذروتها فى شجر ، بيد أنّ طرقات أمّه  تُفزعه وتفوّت عليه فرصة اللذة المحضة ، فخرج إليها.
خرج شجر إليها عارياً سكراناً غضباناً ،يترنّح لا يكاد يثبت، فلما رأته خارجاً والشرّ بين عينيه إعتلتْ درجات السلمِ هاربةً منه ، فأسرع وراءها  لأنه يريد طردها إلى الشارع.
فلمّا لحقَ بها جذبها من يدها لينزلها فما استجابتْ،إعتلى حتى أصبح خلفها ودفعها بقوة.
تحاشتْ دفعته بتحريك جسدها بعيداً عن دفْعةِ يدهِ التى كانت تدفعها بدفعة جسده ،فخرَّ ساقطاً من الدرج إلى أسفله.
فنزلتْ وراءه صارخةً تبكى ..إبنى إبنى ،فلما رأتْ بوجهه الموت قالتْ : إبنى ..شجر.. لا تمت.
صرختْ بأعلى صوتها فالتفّ العرب حولها وقام أحدهم بستر جسده وإغماض عينيه وتحوقل واسترجع.

ها هو نتنياهو يقبل إقباله الثانى بعد الأول ، يوم المزاد العلنى.
صرخ بأعلى صوته وقال ..أيتها العاهرة أستامنتك وصديقى شجر على عِرضى فخنتِ وخان.
كنتُ يهودياً وأسلمتُ، فخاننى أعزَّ أصدقائى ،هذا العربيُّ ، إنخدعتُ فيه وفى دينه .
حذّرنى بعضُ النصارى الأفاضل منه ولمْ أصدقهم،قالوا لى أنه وأجداده عاشوا على فروج النساء ولمْ أصدقهم.
 وأخرج ماكينة حلاقة وقام بحلْق لحيته ونزع جلبابه وحطّم سواكه وقال:ألا لعنة اللهِ على هذا الإسلام الذى  يزنى بالأرقّاء والحرائر.
سأهيم على وجهى أبحث عن الهدى ، لعلى أجده فى اليهودية أو النصرانية ، وجلسَ يهيل التراب على جسده متحسراً متوجعاً.
التفّ الناس حوله من كل صوب ، وحضرتْ بعض وكالات الأنباء بسرعة البرق لتُغطِى الحدثَ ،حرّكهم الموساد بطريقته الخاصة، وتناقل الخبر عبر وسائل الإعلام.
وفى المشهد وأثناء تغطية الخبر، إنقضَّ على نتنياهو مؤمنٌ عربيُّ ،وجنّدله ثم جثمَ فوقه وأخذَ يسدد له اللكمات وبكل لكمة كلمة صِدْقٍ قالها دحضتْ كلمة بهتان ادّعاها نتنياهو.
وقال له أعرفك أيّها اللعين من لحن قولك، ولن تنال من الإسلام ، ولن تفرّق العرب يا ثعلب يهود.
 إنقلبَ ميزان القوى بعد فترة من الزمن لصالح نتنياهو، فدفعه من على صدره ثُمّ انقضَ عليه واعتلاه وجثم على صدره وسدد له ضرباتٍ موجعةً .
وعربٌ كثيريشاهدون هذه المعركة، منهم يريد نصرته ومنهم خائف من بطش نتنياهو، فاختلفوا فتنازعوا ثُمّ اقتتلوا فيما بينهم. 
وبينما الجمع على هذه الحالة ، إستطاع العربيُّ الأصيل الفكاك من قبضة نتنياهو وفرّ وظل يجرى تائهاً تعباً مُبلساً، يترنح ، ينزف دماً،أعضاءه تسّاقط من جسده يحاول أن يلملمها فما يستطيع، يتخبط فى مبانٍ شاهقة تعلوها أعلاماً غربية ... وقال إلى متى تستفيق الأُمّة مِنْ نومها؟
          

خُروقٌ في سياج اللغة/ صالح احمد

ليلٌ هنا... هذا الفَضا غَيهَبُ
غضَبٌ! ولا مَن يَغضَبُ!
والليلُ يَغدو للسُّدى مَسرَحًا...
للمارِقين... ومن بأوتارِ الرّدى يَلعَبُ..
"يا بَحرُ لو تنطِقُ أخبَرتَنا
ما قالَ مَن غَيَّبتَ إذ غُيِّبوا"*
صوتي وصوتُكَ دونَنا يَصخَبُ
ما قُلْتَ... ما بُحنا... وكُنّا للرّدى نُطلَبُ.
نتقَمَّصُ الأشياءَ... نخشى أن تُشابِهَنا... بِنا نُعجَبُ
الآهُ والكلماتُ والغيماتُ والأوقاتُ.. في ألواننا تُصلَبُ 
ليلي هنا لونٌ يُترجِمُني إلى موتٍ... إلى لغةٍ... 
وتنكرني حروفُ اللّغة!
ليلٌ هنا... وحدي على ليلي دليلٌ... عَجَب!
والموتُ يَرصُدُني على شبّاكِ آمالي، ويصلُبُني لديها... عَجَب!
ليلٌ.. ولونُ الدّربِ ينسِجُ من عَواطِفِنا خَطايانا...
ثمّ يَطلُبُنا ويقتُلُنا على شرَفِ المواسِمِ والمزاعِمِ والدّوافِعِ والحَكايا... عجَبْ!
ليلٌ.. ولونُ الحلمِ يعكسنا كلامًا قالنا إذ لم نَقُلهُ.. عجَبْ!

يا أيّها الوَطَنُ الذي سَكَنَ الخُطَبْ 
ما ذا الذي أغرى النّهارَ لِيَهجُرَك؟
.
أأفيقُ من موتي على موتي أنا 
لتَضيقَ عن ضَمّي، وموتي يُنكِرُك؟

وجَعَلتُ يا لُغَتي سِياجُكِ من دَمي
وطُعِنتُ دونَكِ... كيفَ يُنكِرُني دَمُكْ؟

يا بحرُ خُذ لوني... ويا لونُ اكسُني...
لتكونَ لي وطَنًا... كذلكَ صِرتُ لَكْ!
*****
بَحرٌ هنا... 
دَعنا نُواصِلُ... دَربُ قلبي طَويل!
بحرٌ هنا... 
فلَعلَّ يوما تَحبَلُ المَوجاتُ من ألوانِنا سَكَنًا لنا...
لا موتَ في ذا البحرِ... قُم نَحياهُ، يَحيانا...
مرايا تعشَقُ الألوانُ حِكمَتَها، وتَمضي...
حيثُ ترتاحُ الحُدودُ ، وتَعبِقُ اللّغة الأخيرة...
***

لا يا صهيلَ الموجِ لا تبكِ البُروق
وانهَض! ستنتَصِفُ الفُروقُ منَ الفُروقْ

خَلفَ اختِصارِ ملامِحي لُغَةٌ لَهَت
وجَثَت.. ليشتَبِهَ الشُّروقُ على الشُّروق
****
موتٌ هنا ...
حتى المَرايا لا ترى في الموتِ إلا موت..
والبحرُ يَغسِلُ كلَّ شيءٍ؛ 
غيرُ أنفاسٍ ورغمَ الموتِ قد ظلّت حبيسة!
******
"يا بحرُ لو تنطِقُ أخبَرتنا" 
مَن يُنصِفُ الأحوالَ مِن حالِنا؟
الصمتُ والأمواجُ ألوانُنا
والآهُ في الغاراتِ مَوّالُنا
والصّبرُ لا يَدنوهُ تَرحالُنا
للموتِ لا نَسعى، ويُسعى لَنا
******
يا بَحرُ لو تنطِقُ أخبَرتَهُم..
عن كيدِهم، عن صَمتِنا، عن سيفِهم، عن جُرحِنا... لونِنا!
بحرٌ هُنا...
سرٌّ، ولا سرَّ لنا.
موتٌ هنا...
عُذرٌ، ولا عُذرَ لنا.
هذا الشّآمُ شآمُنا...
والنّيلُ لونُ سلامِنا...
والبيدُ حضنُ سَرابِنا...
البحرُ لا يَشقى بنا...
عهدٌ هنا...
سنبذُلُ الوَردَ حتى يَخجَلَ الزّبَدُ 
ونحفظُ الوُدَّ حتى يَلتَقي البِدَدُ 

ونستُرُ الشّمسَ حتى لا تُباغِتَنا
ونرجُمُ الأمسَ حتى يستَفيقَ غَدُ

ونشرَبُ البحرِ حتى لا يضيقَ بنا
ونَحصُدُ المِلحَ حتى يشفَعَ الرّغَدُ
.
ونطلُبُ العيشَ حتى يستَنيرَ بنا
أفقٌ، هنا يَتَّقي حدودَهُ الرّمِدُ
.
ونطلُبُ الموتَ حتى يستفيقَ بنا
صوتٌ، لنا فيه يحيا الوجدَ مَن وَجَدوا
::::::: صالح أحمد (كناعنة) :::::::

البشتون يتحدون الجيش الباكستاني/ د. عبدالله المدني

منذ انفصالها عن الهند البريطانية سنة 1947 وباكستان تنتقل من أزمة داخلية إلى أخرى، ومن إذلال رئيس مدني إلى إذلال آخر، بينما العامل الثابت هو قوة نفوذ العسكر. 
ويمكن القول أن حرب البنغال، التي انتهت بهزيمة مرة لجيشها المعروف بجاهزيته العالية ومناقبية عناصره الرفيعة، هي أم أزماتها، ليس لأنها فقدت كامل جناحها الشرقي ليصبح هذا الجناح دولة ثالثة ضمن شبه القارة الهندية تحت إسم بنغلاديش، وإنما أيضا لأن الحدث زعزع المبدأ الذي قام عليه الكيان الباكستاني وهو تمثيله كافة مسلمي شبه القارة الهندية.
واليوم تلوح في سماء باكستان أزمتان، للجيش صلة بهما بصورة أو بأخرى، أولاهما سياسية تتعلق برئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي أقيل من منصبه بحكم قضائي في العام الماضي بسبب ما قيل عن فساده وفساد أسرته، فيما ألمح هو وعائلته إلى مؤامرة وتدخل من الجيش لإقصائه بسبب تمتعه بنفوذ واسع وشعبية قوية. 
حيث أدلى شريف مؤخرا بتصريح  لكبرى الصحف اليومية المحلية وهي صحيفة "دونDAWN " قال فيه ما معناه أنه كان يجب معاقبة مخططي الهجمات الإرهابية ضد الهند في عام 2008 (في إشارة إلى الذين انطلقوا من باكستان لإستهداف عدد من الفنادق الفاخرة والمطاعم الشهيرة والمستشفيات ومحطات القطار المكتظة والمجمعات السكنية في بومباي في نوفمبر سنة 2008، فقتلوا بدم بارد ما لايقل عن 195 شخصا، وأصابوا مئات آخرين). 
هذه الدعوة أغضبت، بطبيعة الحال، جنرالات الجيش المتنفذين الذين سبق لهم التدخل لإيقاف محاكمة أولئك الإرهابيين. وقد تمثل غضبهم في تحريك الموالين لهم من ساسة ورجال إعلام لإتهام شريف بالخيانة العظمى. وهذه التهمة عقوبتها الإعدام بموجب المادة السادسة من دستور البلاد، وهي نفس العقوبة التي تخلص بها حاكم باكستان العسكري الأسبق الجنرال ضياء الحق من رئيس الوزراء المدني الأسبق وأحد أبرز قادة باكستان في العصر الحديث "ذوالفقار علي بوتو" في الرابع من أبريل 1979. فهل يا ترى يسعى الجيش مجددا إلى التخلص من سياسي مدني بارز كشريف مثلما تخلص من بوتو، وبنفس الوسيلة؟
أما الأزمة الأخرى فتكاد أن تكون مشابهة لأزمة بنغاليي باكستان الذين انتفضوا في عام 1970 ضد الظلم والتمييز الذي مارسه قادة باكستان الغربية عليهم، والذي بلغ ذروته في عدم تمكين الفائز في انتخابات سنة 1970  بالأغلبية المطلقة وهو الزعيم البنغالي الشيخ مجيب الرحمن من قيادة البلاد، فقط لأنه من الإثنية البنغالية. 
ففي الأسابيع الأولى من مايو المنصرم نشرت صحيفة "واشنطون بوست" الأمريكية تقريرا حول ميلاد حركة جديدة في باكستان تحت إسم "حركة حماية البشتون"، هدفها تحدي جنرالات الجيش الباكستاني الذين ــ بحسب الحركة ــ غير مكترثين بأحوال الملايين من بشتون باكستان ويمارسون التمييز ضدهم، بل يسعون إلى شيطنتهم وتشويه سمعتهم والطعن في وطنيتهم عبر الإدعاء بأن حركتهم وحراكهم مؤامرة أجنبية ضد الدولة الباكستانية تقف وراءها قوى أجنبية ساعية لتفتيت الأخيرة، أو عبر الإدعاء بأن كل بشتوني ما هو إلا متطرف أو مشروع تطرف، وبالتالي يجب القضاء عليه أو تقييد حريته.
والحقيقة أن حراك بشتون  باكستان، الذين لهم إمتدادات قبلية بالملايين في الجوار الأفغاني، ليس وليد اليوم، لكن تصعيدهم وانتفاضتهم الأخيرة ضد الجيش والسلطات الباكستانية جاء في أعقاب مقتل قيادي بشتوني شاب على يد أحد كبار مسؤولي الشرطة في كراتشي في فبراير الماضي. هذا الحدث أطلق الشرارة لهم كي يعتصموا ويضغطوا باتجاه تحقيق بعض المطالب التي راحت تتزايد يوما بعد يوم. فمن المطالبة بمحاكة قاتل القيادي البشتوني الشاب، إلى المطالبة بالتحقيق في قضية إختفاء أكثر من 30 ألف بشتوني على أيدي رجال الإستخبارات، فإلى المطالبة بإزالة حواجز الجيش في المناطق البشتونية وتطهيرها من الألغام، فإلى المطالبة بوقف المداهمات والإعتقالات التعسفية، وصولا إلى مطالبات بالانفصال عن الكيان الباكستاني.
ولتخفيف حدة التوتر لجأت السلطات الباكستانية إلى تقديم وعد للبشتون حول الإستجابة لبعض مطالبهم، لكنها لم تنفذ منها شيئا يذكر حتى الآن، الأمر الذي عاود معه البشتون مظاهراتهم واعتصاماتهم وشحذ التأييد لقضيتهم من الداخل والخارج، علما بأن الجهة الخارجية الوحيدة التي أيدت قضيتهم حتى الآن هي نظام الرئيس الأفغاني أشرف غني. ويبدو أن الكيل قد فاض بهم، فعمدوا إلى تنظيم أنفسهم في "حركة حماية البشتون" آنفة الذكر، والتي ينظر لها عسكر باكستان بنفس العين المتوجسة التي نظروا بها لحزب عوامي الذي قاد حركة انفصال باكستان الشرقية بعد أن طفح الكيل بقادته، بدليل أن قائد الجيش الباكستاني الجنرال "قمر جاويد باجوه" إتهم قادة الحراك البشتوني الجديد بالعبث بأمن البلاد وهددهم، فمالبثت السلطات الرسمية أن سجلت دعاوي قضائية ضدهم بتهمة خيانة الوطن.
والمأمول أن يستوعب قادة باكستان وجيشها الحاليين ما ارتكبه رئيس البلاد وقائد الجيش الأسبق الجنرال يحيى خان من رعونة وقسوة وتطرف في تعامله مع البنغاليين المنتفضين، فكانت النتيجة كارثية. وبعبارة أخرى، عليهم أن يستوعبوا دروس الماضي فلا يكرروا ذلك المشهد السبعيني مرة أخرى في تعاملهم مع المنتفضين البشتون، رفقا ببلدهم، وتفاديا لتفتيته مجددا، أو كما قال "أبوبكر الصديق" صاحب كتاب "المسألة البشتونية .. معضلة لم تعرف الحل": "حري بجنرالات باكستان ترجيح كفة مصلحة البلاد على كفة مصالحهم".
د. عبدالله المدني
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي
تاريخ المادة: مايو 2018 
البريد الإلكتروني: Elmadani@batelco.com.bh

عبارة الهامش:
هل يا ترى يسعى الجيش مجددا إلى التخلص من سياسي مدني بارز كشريف مثلما تخلص من بوتو، وبنفس الوسيلة؟

الجسد .. الروح... لدى فاتحة مرشيد/ د عدنان الظاهر

" لحظات لا غير " رواية للدكتورة فاتحة مرشيد / الناشر : المركز الثقافي العربي / الدار البيضاء / المغرب . الطبعة الأولى 2007 

مقدمة :

رواية جديدة للطبيبة السيدة فاتحة مرشيد . ما الجديد فيها ؟ سؤال سهل ٌ / ممتنع ... مبسّط / معقّد . ..  كانت الطبيبة النفسانية ( أسماء )  محور ومركز الرواية ...  كانت واضحة جداً وصريحة جداً حتى في كشف مكنوناتها الخاصة جداً جدا ً . كانت واضحة وجريئة فيما يخص حياتها الرومانسية والجنسية المعقدة . لا أتكلم عن مهارتها كطبيبة ومحللة نفسانية  فذلكم أمر مفروغ ٌ منه ،  لأنَّ مجمل الأحداث المتسلسلة قد شيدت على نجاح الطبيبة أسماء في معالجة مريضها المصاب بالكآبة التي أوشكت أن تنهي حياته منتحراً . نجحت الطبيبة في إنقاذ حياة مريضها وترتب على ذلك علاقات ملتبسة معقدة تجاذبت وتنافرت وتعاقب عليها المد والجزر حتى إنتهت أخيراً إلى وقوع الطبيبة المعالجة في حب مريضها الذي عالجت ووقوع هذا في حب مَن أنقذت حياته من علته فإستأنف حياة جديدة شاعراً مرموقاً وأستاذاً جامعياً .  
 أسماء المرأة
الطبيبة ( أسماء ) أنموذج فريد بين النساء العربيات المسلمات ... ونساء الشرق الأوسط عامةً . هل سقطت أسماء في حب مريضها عفوياً أو أن ظروفها غير الطبيعية لعبت أدواراً هامة خفية تارةً وعلنية تارات أُخر ؟
فلنلقِ نظرة متفحصة على ماضي أسماء الطبيبة قبل أن تعالج المريض المكتئب ( وحيد الكامل ) . كانت متزوجة من طبيب مختص بجراحة القلب حين أُصيبت بمرض سرطان الثدي فأُجريت لها في باريس عملية جراحية لإستئصال الثدي المصاب . وعملية ثانية تجميلية فأصبح صدرها عامراً وقال لها الطبيب الذي أجرى لها العملية التجميلية بنجاح (( ستكونين فخورة بصدرك )) . لم تطقْ الحياة مع زوجها الطبيب الجرّاح ، جرّاح القلوب لأنه لا يفهم المرآة ولا يعير إحتياجاتها الإنسانية وحقوقها الجنسية ومتطلبات الحياة الزوجية أي إهتمام ... فلماذا  وما تفسير ذلك ؟ قالت أسماء عنه (( لم يكن لديه وقت للوقوف عند عتبات جسدي ليتأملني أو يعرّيني بعينيه . حتى خلال ممارستنا للجنس كان يتعمد إطفاء النور قبل أن يقوم َ بحركات دقيقة شبه آلية ، يستلقي بعدها مباشرة ً ليقرأ مقالاً في جراحة القلب أو ليحرر مُداخلة أحد المؤتمرات العالمية . بينما أتكوّر أنا تحت اللحاف كرضيع يبحث عن رائحة أمه )) . قررت الطلاق من هذا الزوج فإنفصلت عنه رغم إعتراضه على قرارها . طبيبة نفسانية مطلّقة بصدر يحمل نصفه ثدياً من مادة السيليكون . طبيبة لكنها أديبة تهوى قراءة الشعر الجيد وتكتب بين حين وأخر قصصاً أو ربما أشعاراً . تشاء الصدف أن يراجعها شاعر مريض بالكآبة حاول أن ينتحر خلاصاً من دائه . كيف كانت بداية علاقة هذه الطبيبة بمريضها خارج حدود مرضه ؟ بعد بضعة جلسات تحليل نفسي  بدأت تقرأ أشعار هذا المريض .  قالت / الصفحة 14 :

[[ بأنامل رعشى فتحت ديوانه الأول بعد أن أستوقفني العنوان طويلاً : 
" شظايا الشمس " . عن أية شمس يا تُرى يتحدث ؟ وكيف تتشظى الشمس ؟ ...
تصفحت أوراقه واحدة ً واحدة  وأنا أبحث بين السطور عمّأ يُساعدني على سبر أغوار ذاته . كلماته قطرات عطر مُعتّق ... تتسرب عَبر المسام ... تستفز الحواس ... لا تدع لك حيّزاً للهروب منها ...تلبسك ، تضمّك ، تؤلمك ، تبكيك ، تلقيك أرضاً عند قدميها ... وتطلب أنت المزيد . وكمن يُزيح غشاوة ً عن عينيه ويُبصر ُ لأول مرة ... تُحدّق بملء عينيك ، بجوارحك ، تتحسس كثافة هذا السواد الذي يخرج من النص ليتسربَ إلى نفسك أنتَ القارئ المتشبث بدفء سرير مُريح حيث تُداري أزماتك الوجودية بعيداً عن البؤس الحقيقي للوجود . وتتساءل ماذا لو كانت كلماته بحجم أحاسيسه ؟

" رويدكِ يا إمرأة
ما كنتِ
ولن تكوني البديل 
فبعد رحيل الشمس
لا يُرهبني رحيل "
...
أكاد أراه خلف السطور يُضمّد بالقلم ما ينبض حيّا ً بداخله ، تماماً كما تُضمّد ُ الجراح ُ بقطع الشاش الطبي. 
تحمل أشعاره من السوداوية ما يشدّني ... نجحت في تدميري ... ذاك الدمار الجميل الذي أعشقه والذي يغذي القارئ ويرمم دواخل لا تستقيم إلا بالحرف ]] .
هكذا كانت أوليات وقوع الطبيبة المعالجة في حب مريضها الذي تعالج : السوداوية المشتركة ... قوة شعر وسحر كلمات هذا المريض . ضربت كلماته وتراً حساساً في عصب وحياة الطبيبة أسماء ومشكلتها مع داء السرطان ثم الزوج السابق الذي لفظته ظهرياً (  أجبرها على إجهاض طفلها البكر الأول ) . عمق أحاسيس الشاعر وعمق معايشته لمأساته الوجودية وإنحراف صحته ومزاجه ثم كونه شاعراً بطبعه وسليقته ... كلها عوامل أثّرت عميقاً في طبيبته التي كانت هى الأخرى  تعاني من أزمتها الوجودية إمرأة ً وطبيبة ً ساعدها في ذلك كونها هي الأخرى مثقفة وكاتبة وربما شاعرة تتحسس أعصاب وأزمات الشعراء الحقيقيين الموهوبين المطبوعين على قول الشعر . الشعر وأزمة الوجود عامة ثم أزماتها الخاصة نتيجة مرضها وفشل زواجها الأول دون إنجاب ( مُنعت منه ) . إلتقى فيها ، في أعماق أعماق روحها العاملان الخارجي ( وحيد كامل ) والداخلي ( الطبيبة أسماء ) . إكتشفت بينهما عناصر مشتركة ليست قليلة لكنها كافية لأن تصرح بما صرحت قائلة ً : [[ تحملُ أشعاره من السوداوية ما يشدّني ...نجحت في تدميري ... ذاك الدمار الجميل الذي أعشقه والذي يغذي القارئ ويرمم دواخل لا تستقيم إلا بالحرف  ]] .
سوداوية أشعار وحيد الكامل // تجلب لها الدمار الذي تعشق //  دمار جميل لا يستقيم إلاّ بالحرف .  الطبيبة مريضة بالسوداوية ومريضة بعشق الدمار الجميل  وبالحرف ... الكلمة ... الشعر 
الذي يجلب لها هذا الدمار . سوداوية ... حرف ... دمار جميل . تدمير الذات إنحراف نفساني تعرفه لا ريب الطبيبة أسماء . سببه على الأغلب اليأس من الحياة والإستهانة بالوجود قاطبة ً . حين يعجز الإنسان عن تحمل أعباء مشاكله التي  ينوء بها كاهله فإنه يحاول التخلص منها بالتخلص من نفسه إنتحاراً بهذه الطريقة أو تلك . ولقد رأينا بعض مشكلات الطبيبة أسماء . إنه فقدان التوازن بين متطلبات الحياة البايولوجية والإجتماعية وشروطها من جهة ، وقدرة الإنسان على التكيّف أو تقبل هذه المتطلبات والشروط أو التغلب عليها أو حتى نسيانها . هذا التوازن خيط دقيق مثل السراط المستقيم ... إذا إنحرف قليلاً عابره ُ تردّى في قرار الجحيم . 
لقد أدمنت طبيبة وحيد الكامل على قراءة أشعاره فكانت تختار منها ما يلائم حالاتها النفسية وأزماتها هي مع نفسها ومع مريضها ومع العالم أجمع . إختارت مثلاً :

[[ تريّثي قليلاً
يا إمرأة العَتمةْ
إني لأسمع الزمن
حصاناً جامحاً
يركض خلفنا  ]] 

ثم أخذت أشعاراً منه فقالت :

[[ أين لي بكأس
تصرع هذا الدوار
وأنا أتأرجحُ 
بيني وبيني 
صحو ُ نهديك ِ 
لا يُغريني ]] 

فعلّقت  قائلة ً (( أقرأ ... وأقرأ ...أتذوق كل كلمة بلذة شبه شهوانية ، كمن صام الدهر ، آه من متعة القراءة ... كيف إستطعتُ أن أستغني عنها ؟ تُراني نسيتها ... كما نسيتني  )) .  قراءة الشعر لها لذة شبه شهوانية . 
(( لذة شبه شهوانية )) . قالت هذا الكلام بعد طلاقها من زوجها الأول وقبل أن تمارس الجنس مع ( وحيد الكامل ) الذي كان  متزوجاً من السيدة الفرنسية ( سوزان ) . كانت تعاني وهي الثائرة والمتفجرة من حرمان الممارسات الجنسية . كان جسدها معطّلا  وهو في الأوج من ثورته وغليانه .  إقتربت / هكذا أوحت لها طبيعتها الأنثوية /  من الجسد خلال بوابات الروح : الشعر . الروح أولاً ثم يأتي الجسد . لعبة تاكتيكية ذكية تمارسها الطبيعة مع أبنائها محذرة ً : مارسوا الجنس لكي تتواصل الحياة من خلالكم وتدوم ... تمضون أنتم الآباء وأبقى أنا ... الأم / الطبيعة . الطبيعة تتخفى ... تراوغ ... تلف وتدور لكنها تعرف أهدافها وتعرف سبل الوصول إلى هذه الأهداف وتحقيق الغايات . الطبيعة ذكية وخبيثة لا تنام ، وإذا نامت فبعين واحدة .  عين سابتة وعين ثابتة تراقب البشر .
[[ أتذوق كل كلمة بلذة شهوانية ]] . أية كلمات هذه ؟ كلمات الرجل الذي تشرف على علاجه مريضاً بالكآبة ... تختلي في عيادتها معه مرةً في الأسبوع وربما أكثر . تسأله وتستجوبه فتثير شخصيته وأجوبته فيها الكثير من الفضول . ومع الفضول ينمو حب تُخفيه عنه وتتعجب كيف لم يُحس به ؟ كتبت :

[[ مكثتُ بمكتبي وبحركة آلية أخذت جهاز التسجيل وبدأت أُعيد سماع الحصة الماضية . أتى صوته خافتاً يصم ُّ آذان الغياب . ما عرف مكتبي غياباً بهذاالحضور ]] . .... [[ في الطريق إلى بيتي أحسستُ برهبة تنتابني وأسئلة تلح ُّ علي َّ : كيف أعادتني حصص علاجه إلى نفسي ؟ أتُراني أحلله أم إنه يحللني  ]] .... [[ لا زلتُ رغم إنكساراتي أحلم كما الصبايا برجل يختزل كل رجال العالم . أُراني في عينيه إمرأة تختزل كل نساء العالم . في لحظة تختزل العمر ... تختزل الزمن ]] .
 سنرى لاحقاً كيف أن الطبيبة أسماء وجدت حلمها الذي تريد في شخص مريضها وحيد الكامل ، فتزوجته ثم فقدته بعد فترة وجيزة من الزواج ضحية سرطان الرئة .  نجحت بطلة الرواية أيما نجاح في تخطيط وتنفيذ عناصر وأحداث روايتها والسيطرة الكاملة على مراقبة عواطفها ومشاعرها الداخلية وكيف شخّصت بدايات إعجابها بوحيد الكامل فتعلقها التدريجي به من خلال عنصري الشعر ، شعره ، ومواهبه الشخصية الأخرى .  أعجبت بيديه وطريقته في التدخين ولف السجائر وأساليبه في الإجابة عن أسئلتها لكنها لم تقل حتى الآن ما كان ملبسه أو ملامح وجهه ، هل كان ملتحياً أو حليق الوجه ؟ طويل القامة أو كان قصيراً ؟ ... مثلاً . 
يبدو لي أنَّ  شعر هذا الرجل هو الذي أسر قلب طبيبته وأوقعها في شباكه أولاً وقبل كل شئ .  فأي دور يلعب الشعر في مصائر بعض الناس ؟ الشعر هو الجسر الذي ربط وسيربط الروح  بالجسد . الروح  ( الشعر ) هو الطريق لبلوغ الجسد لدى الطبيبة أسماء . لكن َّ هذا الجسر الرابط لا يفعل فعله المؤثر إلاّ من خلال عامل مساعد ييسر عمليتي الإنتقال ثم الربط المحكم ... الربط الإلتحامي أو الحلولي (( روحان حلاّ بدنا ... كما قال المتصوف الحلاّج )) . الحب هو هذا العامل الكيميائي المساعد 
Catalysator 
نستمع لما قالت الطبيبة { طبيب ٌ يُداوي الناس َ وهو عليلُ } :

[[ إنتهى الوقت المحدد للحصة ومكثتُ لبعض الوقت ألم ُّ أفكاري بعد أن زعزع قناعاتي ... أنا أنا الرومانسية التي أؤمن بالحب الكبير ، بالحب الوحيد والأوحد // ص . 39 ]].
 لم تقل ْ كم هو هذا الوقت المحدد للحصة ... نصف ساعة ؟ ساعة واحدة أو أكثر ؟ المهم هو إعترافها بأنها رومانسية تؤمن بالحب الكبير والوحيد بل الأوحد . إيمانها هذا بالحب الكبير مفروض عليها ، هو في نهاية الأمر تحصيل حاصل ونهاية عملية معروفة خاتمتها ومحسوبة . المطر يتساقط بفعل قوة الجاذبية نحو الأرض . نتيجة محسومة ومعروفة . ما دامت تسعى بفطرتها وطبعها وغريزتها الأنثوية نحو الجسد من خلال الروح فلا بد َّ أن يكون وسيطها لذلك هو الحب . الوسيط والعامل المساعد لإنجاز  عملية الربط الكيميائي بتأسيس آصرة كيميائية متينة يشارك في إقامتها العنصران الأساسان كلاهما بالتناصف .
Covalent Bond 
 فللحب مهمات مرسومة يوظف نفسه لخدمة عملية غاية في الجدية والخطورة . إنه ليس غاية بحد ذاته ، إنما هو وساطة ووسيلة لبلوغ تلكم الغاية . نحن نخدع أنفسنا بالحب وقد يُفضي التوله بالحب ببعض المحبين إلى الجنون أو الوقوع بداء الوساوس والإضطرابات العصبية والجنسية المنحرفة . الحب شيطان ماكر يخدعنا ويوقعنا في حبائله وسيطاً يؤدي دوراً خطيراً بالمجّان . وسيط سري أو عميل تمتطيه الروح حصاناً أو واسطة نقل للوصول بها إلى الجسد . هذه هي المعادلة التي تبنتها الطبيبة أسماء في تعاملها مع نفسها ومع الشاعر ( وحيد الكامل ) . لم تختلقها إختلاقا ً من عدم ، إنما إكتشفتها بإحساساتها المرهفة وتجاربها الشخصية وتجارب سواها من النساء . بالإضافة إلى فكرها المنظم وثقافتها العالية ودراساتها الجامعية وإتقانها للغة الفرنسية طباً وأدباً وشعراً فضلاً عن اللغة العربية . إمرأة لا تفهم الحياة دون حب . هذه مقدمة تؤدي بها إلى أن هذا الحب هو وسيط خير يؤدي دوراً محدداً لبلوغ غاية خطيرة الشأن : ذوبان أو إحلال الجسد بالروح والروح بالجسد . تحليل هذا الكلام بسيط : تحل الروح بالجسد والجسد بالروح بممارسة الجنس وهو أعلى أشكال الإرتباط بين ذكر وأنثى . يذوب ويحل هذان ببعضهما ليكون الناتج النهائي ولادة إنسان جديد نصفه من هذا ونصفه من ذاك ، أي ديمومة عمل الطبيعة وإستمراريتها الأزلية !! الحب يعرف نفسه ويعرف حقيقة دوره لكنه لا يُفصح علناً عنه . يجعلنا نعتقد جازمين أننا  نروم الحب أولاَ وآخراً لوجه الحب خالصاً من أية نوايا وأغراض أخرى . الحب للحب !! الحب العذري والحب الأفلاطوني !!  هذا وهم كبير لازم البشر منذ أقدم العصور وإسألوا المرحوم فريد الأطرش فقد غنى مرّة ً : الحب من غير أملْ أسمى معاني الغرام (( من أغنية بنادي عليك ِ / فيلم لحن الخلود )) !! مسكين فريد ... كانت إرادة الحياة وأدواتها  فيه معطّلة . 

أبراج الروح //  رقصة الأطلس

أكمل " وحيد الكامل  " علاجه وتشافى على يد الطبيبة أسماء في حين سافرت هي إلى باريس لإجراء عملية إستئصال ثديها المصاب بداء السرطان . عادت من باريس بصدر عامر يرتفع فوقه نهدان لا واحد ... واحد طبيعي وآخر سيليكوني . لم ترَ الطبيبة مريضها السابق بعد أن أتم علاجه فإفترقا كل ٌ لسبيل حاله .  لم تلتقيه لفترة يمكن تخمينها إذا أردنا  ذلك . هي لم تستطع نسيانه لكأنما وضع بذرة سرية في تربة قلبها كانت أو ظلت كامنة في حيويتها ولم تمتْ بمرور السنين . تحتاج إلى ظروف موآتية لإيقاظها لا أكثر . جاءت الصدفة المحضة وجاء معها الظرف المناسب لثورة هذه البذرة ويقظتها من حالة السبات لا الموت . مثل سبات الدببة القطبية شتاءً وباقي الحيوانات ذوات الدم البارد . يقولون : الصدفة هي طريق تجلّي الضرورة . كتبت ( ص. 84 ) :

[[ ... فتحتُ الصفحة الثقافية وإذا بخبر يقفز إلى بصري : بمناسبة صدور ديوانه الجديد : " أبراج الروح " يُحيي الشاعر وحيد الكامل أُمسية شعرية مع توقيع الديوان بالمركز الثقافي الفرنسي وذلك يوم السبت على الساعة السابعة مساء ً ، والدعوة عامة ]] .
[[ ... سيسعده حضوري لا مَحالة ، خاصة ً وإنه لا يعلم بحقيقة شعوري نحوه . لكني أعلم وهذا يكفي . لقد صمدتُ لشهور أمام رغبتي في لقائه من جديد والتحدث إليه . ولولا وجود الخبر بالجريدة لما كنتُ الآن أتأرجح بين الطبيبة والإنسانة ]] .
ما زالت هي متعلقة بالمريض الذي عالجت وأنقذت حياته بعد أن حاول الإنتحار . البذرة لم تزل حية ً تنتظر الظرف المناسب وها قد جاء . ستلتقيه في الأمسية التي سيقرأ فيها شعر ديوانه الجديد .
حان الموعد فإتخذت مكانها في الصف الأخير من القاعة وكانت ترتعش وهي تسمع صوته كعزف كمان شجي :

[[ أفتقدُ " رقصة الأطلس " على سطح التيه ، غفوة الرعشات عند الغسق وصحوة ٌ ... كصباحاتنا نائمة . لا تدع ْ المسافات تطوى بالصمت قصّتنا . 
سُفني إشتهاء ٌ ومرفأُك قِبلة ً للصلاة . ]] .
شعر جميل بالفعل لم أسمع بإسم صاحبه قبلاً .  ما هي " رقصة الأطلس " ؟ هي مقطوعة للموسيقار الراحل عبد القادر الراشدي ... كما أفادت أسماء ، ثم عقّبت قائلة ً :
[[ كلما سمعتها إشتعل في َّ الحنين . لكن ْ أن يفتقدها هو في " أبراج الروح " فهذا ما إستقبلته كإشارة من القدر . كان يقرأ ويقرأ وأنا أسمع ترتيلاً كإسراء الروح إلى أقرب مقام إلى الله ]] .
هل هذا هوى حقيقي جارف أم لا ؟ 
ماذا حدث بعد أن أنهى وحيد الكامل قراءاته الشعرية ؟ نستمع إلى أسماء 

[[ ها أنا أمامه وقد إنصرف الجميع تقريباً ، وهو ينظر إليَّ بإبتسامة عريضة ويكتب : " إلى من أعادت روحي إلى أبراجها ... بعضا ً من روحي ... مع إمتناني ومحبتي . وحيد الكامل  " ]] ... [[ قلت مبروك . قال : شكراً على حضورك ، يسعدني أن أراكِ ثانية ً فأنا مدين لك بأشياء كثيرة ... سوف أتصل بك قريباً ]] . 
هنا حصلت الشرارة الأولى ... البرق الكهربائي الذي سيأتي صوت الرعود بعده ومن ثم يأتي المطر . في ماء المطر تستفيق البذرة النائمة في سبات . 
ظلت تنتظرأن يتصل كما وعد بها . إتصل بها عَبر الهاتف المحمول وسألها أيمكن أن يلتقيا ؟ قالت أجل ، ثم أضافت : متى وأين ؟ 
بمقهى الشروق على الكورنيش ولتكن ساعة الغروب ، موافقة ؟ سألها . أجل ، قالت ، إلى اللقاء .
لماذا جمع وحيد الكامل الشروق والغروب معاً ؟ إقترح أن يلتقيا في مقهى الشروق في ساعة الغروب . الشروق  + الغروب . المكان شروق واللقاء غروب .  ما دلالة هذا النفسية والتنبئية ؟ مَن منهما سيمثل الشروق ومن سيمثل الغروب ؟ هما إثنان ، رجل وإمرأة ، ذكر وأنثى ، لكنَّ الشمس لغوياً مؤنثة والشمس تبقى شمساً في حالتي شروقها وغروبها . الشمس واحدة وهما إثنان . هنا ، كما إخال ، يتمنى وحيد الكامل في لا وعيه أن يكون العاشقان / مثل الشمس /  واحداً متحداً جسداً وروحاً لا إنفصال ولا إنفصام . جمع الرجل في لاوعيه طرفين لا يلتقيان ، طرف في الشرق الجغرافي وطرف ٌ في الغرب الجغرافي المقابل . أو إنه يشعر عميقاً وبشكل غامض أنَّ عمره قصير وإنه سائرٌ صوب قبره حتى أسرع مما يتوقع . لقاؤهما شروق رمزي أي إرتقاء في درجة العلاقة التي ستربط بينهما . الشمس ترتقي الأفق وهي تشرق . في حركتها صعود جغرافي فضائي يترجمه لا وعي الشاعر أو يحسّه كأنه صعوده هو وإرتقاؤه هو لا في الفضاء الخالي ولكن ْ في عالم الروح حباً خالصاً من النوع الذي تحلم به وتبتغيه طبيبته أسماء . هو الآن وقد قبلت أن تلتقيه يدرك إنها تتجاوب معه في مشاعره وتبادله حبه ربما بحب أقوى وأعنف وهذا ما حصل لاحقا ً .  صعود في العلاقات نوعاً وعمقا ً وتسام ٍ في المشاعر . 
لم تقل لنا الطبيبة النفسانية أسماء دواعي وقوع الشاعر في حب طبيبته لكنه هو قال ذلك [[ لا ... لن أسمح لأحد بإسم أي علم أو نظرية جوفاء أن يمنعني من أن أحبكِ . أنا لم أحب الطبيبة فيكِ ، أنا أحببت ُ فيك ِ الإنسانة ، أحببت ُ فيك الأنثى ، أحببت ُ روحك الشفافة وإحساسك الراقي بكل ما هو جميل ]] .
أحب وحيد في  طبيبته إنسانيتها ، كانت مخلصة في علاجه وتحملت مشاكساته وغرائب سلوكه وأصرت على أن تشفيه وأن تبقى معه حتى نهاية حصص العلاج . وأحب فيها الأنثى ... وهو كشف جرئ عار ٍ من أيما غطاء أو ستر ٍ يستره . يحب فيها الأنثى . ثم أحب فيها الروح الشفافة والإحساس الراقي . تدرّج وحيد تدرجاً ذكياً مبتدئاً بالمجرد (( الإنسانية ))  ثم المحسوس جداً (( الأنوثة أي الجسد المغري ، نداء حواء لآدم )) حتى إنتهى بمجرد آخر هو (( الروح الشفافة )) . ثلاث إنتقالات عبرها برشاقة وصراحة ودقة كما تفعل خيول قفز الموانع  الأصيلة . إنسانية +  أُنوثة + روح  . ماذا يريد الرجال في طول وعرض حيواتهم أكثر من هذا ؟ ربما تتوفر الإنسانية في الكثير من الطبيبات ولكن ،  ماذا عن عنصر الأنوثة فيهن ؟ فيهن َّ الباردة جداً وفيهن ( المسترجلة ) جداً جداً وفيهنَّ المتعجرفة والسخيفة والمتعالية وفيهن َّ وفيهن َّ ....، هنا تفقد الطبيبة شفافية  روحها وراقي حسّها  إذا  فقدت أُنوثتها . هل روح المرأة في أُنوثتها ؟  أجل ْ ،  وأنوثتها في روحها . المرأة أنثى ومهمتها الأولى ورسالتها الطبيعية والبدهية والإجتماعية تتركز في خدمة الطبيعة بأن تتعهد أمر ديمومتها وإستمراريتها بإنجاب الأطفال ... سكك حديد يجري عليها قطارالكون الجبّار أعمى لا هدفَ له ولا غاية . 
الغرفة الزرقاء //  الجنس المكشوف / ص . 122
[[  غرفة زرقاء ، كل شئ فيها مُهيأ للحب : ستائر شفّافة كروح عذراء ، سرير مُخملي لحجم رَقصة ثنائية ، أريكة حالمة ، طاولة تضم ُّ قارورة نبيذ فرنسي ، شموع متناثرة الأحلام وسجادة تصلّي إحتفاء ً بملابس تتساقط ُ تِباعا ًعلى إيقاع الهمس .
يد ٌ تحط ُّ على خصر ...فتنفتح كل أقفال الجسد ...
بدأت رَقصتنا واقفة ً كتانغو يهيم بين دنو ٍّ وإبتعاد لتستمر َ على إيقاع 
" التبوريدة ْ " وتنتهي بطلقة واحدة مدوية يُصبح ُ فيها الفارس ُ والحصان والسلاح واحداً ... كل ٌّ طريح المعركة ، فارغ ٌ إلاّ من إفرازات الحياة الحقيقية .
لملمت ُ أعضائي صوب الحمّام . قال " عودي ، كيف تغتسلين من حب طهّرك ِ ؟ " .
عدت ُ لا تحملني قدماي لأستلقي على حنان قال عنه إنه أحلى مرحلة من مراحل فعل الحب .
لم أكن ْ قد إعتدت ُ على مرحلة ما بعد الجنس ، كانت مرحلة أقضيها في الحمام أغتسل ُ من آخر آثار الجريمة لأنام بعدها تاركة ً مسافة من السرير بيني وبين زوجي السابق ، الذي كان يعود مباشرة ً بعد أن يغتسل َ مني كذلك إلى أوراقه وجرائده . 
لم أدر ِ كم دامت فترة ما بعد الحب ...إستيقظت ُ بين أحضانه على منبّه الجسد وعضوه منتصب ٌ خلفي يقول : " صباح الخير ، ها هي ذي الساعة التي تستيقظ فيها الورود لتستقبل َ الندى ... تفتّحي يا وردة لقد هيأت ُ  الرحيق َ لك "  ]] .
أقتبس ُ مقتطفات أخرى مبعثرة  من الغرفة الزرقاء لأهمية دلالاتها وما فيها من إغراء جنسي وكلام  رومانسي مكشوف يُضاف إلى ما سبقه ... يجعل الإنسان السوي يثور ... يتهيج ... و ...
[[ للجسد لغة خاصة // ما خبرت ُ من قبل ُ سمفونية الفجر هاته // قال كمن يهذي من النشوة : ستشهد الغرفة الزرقاء يوم َ نخبو على ليلة العمر ... وكأنني إختزنت ُ ما إختزنت ُ من فيض العشق كي أسيل على أنهارك // ما كنت ُ أدري أن َّ لي أنهاراً بهذا العطاء ... تفيض على جنبات الروح فتنعشها ... تورق البراري ويستحيل ُ الكون ُ جنّة ً وأستحيل ُ عروسا ً // عذراء كنت ُ قبل اليوم ]]  .
أحسب ُ أنَّ الكلام الذي طوّقته بين أقواس مستقيمة مزدوجة عن الغرفة الزرقاء لُب َّ وخلاصة ما في قصة أسماء مع وحيد الكامل . إكتشفت في هذه الغرفة أنها لم تزل عذراء ... كأنها لم تمارس الجنس قبل تلك الليلة . في هذه الغرفة وفي هذه الليلة الزرقاء (( يشعل الإنجليز ضوءاً خافتاً أحمر في مثل هذه المناسبا ت)) ...إلتحم جسد أسماء بروحها عَبر ممارستها الجنس مع الرجل الذي تحب . الإلتحام بالجنس هو أعلى وأقصى درجات الذوبان بين حبيبين . حين يلتحم الجسدان تلتحم الروحان.
{{ روحان حلاّ بدنا }} . معها كل الحق . هذه هي الحقيقة ... حسية ، صوفية ، علمية ، وهي قبل ذلك وبعد ذلك من صنع الطبيعة . 
كانت [[[  أسماء ]]] رائعة وراقية وشاعرة وهي تصف الوقت الذي قضّته مع وحيد الكامل قي هذه الغرفة الزرقاء . كانت شاعرة كأفصح ما يكون الشعراء من غير عتههم وجنونهم . سلّمت جسدها كاملاً وبمحض حريتها لتمارس الجنس مع من أحبت . كان الحب هو الوسيط والعامل المساعد لإتمام كيمياء الجنس بالجسد . أسماء المرأة هنا في الأوج من تألقها الإنساني الحقيقي وفي بؤرة التجلي الصوفي أمام حضرة العشق الذي يعرف هدفه ويسعى إليه واعيا ً مفتّح العينين . لا مكان في هذه الغرفة الزرقاء وفي هذه الليلة الليلاء لخزعبلات ما يُسمى بالحب العذري أو الأفلاطوني وما شابه ذلك . أسماء هنا أمام جسدها عارياً على الآخر وأمام " طلقات " الحبيب بعد أن ْ  تساقطت ملابسها من على جسدها قطعة  إثرَ قطعة على سجادة مفروشة على أرضية غرفتها الزرقاء . 

زواج / طلاق / سرطان الرئة

[[ للجسد أقفال تنتظر فاتحها ]]
عذراء كنتُ قبل اليوم ]]
[[ كلما بلغنا قمة السعادة ينتابنا إحساس غريب ... قلق مَشوب بالأسف والخوف ]] .
بلغت الطبيبة العاشقة  (( أسماء )) السمت الأعلى  وواصلت ممارسة الجنس ( إلتحام الروح بالجسد )  سرّا ً في الغرفة الزرقاء إياها مع عشيق شاعر في عصمته زوج فرنسية إسمها سوزان الكامل .  غدت أقفال جسدها جميعا ً في قبضة هذا العاشق الفاتح الذي تمكن بشعره وحبه وكآبته السابقة من  فض عذريتها حيث [[ ما نجح زوجي السابق ، خلال عشر سنوات على فراش واحد ، في فتح قلعة الجسد ... / ص . 124 ]] .
بلغت في هذه الفترة من الزمن أوج سعادتها وحققت أمانيها الحرة الكاملة  في ممارسة كيانها جسدا ً وروحا ً مع رجل خبير في إقتحام قلاع أجساد النساء وتحريك الأوتار السرية الغامضة  في الدواخل  لتنطلق الألحان وتغرد الأناشيد من كل المقامات والتخوت واللحون . تحقق ذلك ولكن [[ كلما بلغنا قمة السعادة ينتابنا إحساس غريب ... قلق مَشوب ٌ بالأسف والخوف ]] . كلام بليغ قاله قبلها بعقود شاعر لبنان الأخطل الصغير بشارة الخوري في قصيدة " المسلول " :

سُلماي َ إنك ِ أنتَ قاتلتي
وجميلُ جسمكِ مدفني الأبدي
   
وطويلُ شعركِ صارَ لي كَفنا ً
كفن َ الشباب ِ ذوى وكان ندي

لكنما العشّاق  عادتهم
ذكرُ المنايا ذكرَ مفتئدِ

يخشونَ من جزع ٍ للذتهم ْ 
أن لا تكونَ طويلة َ الأمدِ 

قال الشاعر الخوري هذا الكلام بلسان شاب مصاب بداء السُل . بطلة الرواية العاشقة حتى أقصى حدود السكر الصوفي والجسدي كانت هي الأخرى ضحية سرطان الثدي الأصعب والأكثر تعقيدا ً من سل الرئتين .
عليلان عاشقان ينطقان القول نفسه في ظرفين متشابهين تماماً تقريبا ً . هناك شاب وهنا إمرأة ناضجة جرّبت زواجاً فاشلا ً مع رجل قضّت معه عشر سنوات من غير أن ينجح َ في إقتحام قلعة جسدها فقالت من باب المجاز إنها كانت عذراء أو ظلت عذراء مع ذاك الزوج رغم الأعوام العشرة التي جمعهما فيها سرير نوم واحد . كانا طبيبين لكن كان المسلول شاباً فقيرا ً فيه (( لطف الغزال وقوّة الأسد ِ )) وكانت عاشقته إمرأة ثرية أرملة أو مطلقة أو كانت عانسا ً والله أعلم . ثم َّ ، كان لدى الطبيبة أسماء شك في أن َّ فارسها ومقتحم قلاع جسدها يعاني من خلل في صحته وقد لاحظته يسعل بشكل غير طبيعي . نصحته أن يراجع طبيباً مختصاً بأمراض الصدر لكنه رفض الفكرة . هل كان يعرف حقيقة ما به من مرض خطير في صدره  وسكت عليه وأخفاه عن عشيقته من باب تدمير الذات والموت دون اللجوء ثانية ً إلى عملية إنتحار كالمرة السابقة ؟ هل كان قراره أن يموت وقد حقق أعلى أمانيه بالزواج من طبيبته أسماء ؟ 
إكتشفت زوج وحيد الكامل  العلاقة السرية بينه وبين أسماء . زارتها في عيادتها وصارحتها وهددتها . شكتها لهيئة الأطباء فإستدعتها لحضور  جلسة مساءلة أمام المجلس التأديبي . سُحبت منها إجازة ممارسة الطب ففقدت مهنتها التي أفنت فيها زهرة عمرها . طلّق وحيد زوجه الفرنسية وتزوج أسماء . هل إنتهى كل شئ  بسلام وحسب مرام أسماء ووحيد وإستقرت الأمور كما يحبان أم أنَّ في الخفاء أسرارا ً وقضايا ومحاكمات ترتبها أقدار وإرادات غامضة لا يعرف أحد ٌ مكانها ولا يعرف أحد ٌ آليات فعلها وكيف ومن أين ومتى  تأتي ضرباتها القاضية . قال الأخطل الصغير في نفس قصيدة المسلول :
سُلمى إطفئي الأنوارَ وإفتتحي
هذي الكوى لنسائم ٍ جُددِ

ودعي شعاعَ الشمس يضحكُ لي
فشعاعها برد ٌ على كبدي 

هذا هو حال وحيد الكامل في هذه الفترة الزمنية القصيرة المتبقية من عمره . جنس وعشق وشعر وسجائر كثيرة وربما نبيذ فرنسي أو مغربي .
إمرأة طلقت زوجها الأول وكان مثلها طبيباً لأنه أهمل حاجاتها الأساسية وحقوقها الجسدية والجنسية . ورجل طلّق زوجه سوزان بسبب علاقته مع المرأة المطلقة أسماء .  كان يبدو وضعهما نعيماً وسط كل هذا الخراب المذهل . إلتحما جسداً وروحاً ولكن ما كان الثمن ؟ أصيب وحيد بعد فترة قصيرة من زواجه الثاني من أسماء بسرطان الرئة الذي قتله بعد حين . سرطان سابق في صدر أسماء لم يقتلها لكنَّ سرطانا ً آخر في صدر حبيبها وزوجها وشاعرها كان كافيا ً لقتله . أي حب هذا ؟ أي نعيم هذا ؟ أية نهاية هذه ؟ أخلصت أسماء الود إلى زوجها وحيد حتى آخر لحظة من حياته . كرّست له كل وقتها تداريه في بيتهما على  سفح جبل ٍ . فارق وحيد الكامل الحياة تاركاً زوجه وعاشقته وصديقة شعره وحيدة ً لا نعرف مصيرها بعد وفاة  وحيد . هل ستتزوج  رجلاً آخرَ شاعراً أو طبيباً من زملائها القدامى  دون حب ؟ هل في هؤلاء من يعوّضها عن وحيد الكامل ؟ هل ستستعيد إجازتها في ممارسة الطب ثانية ً ؟

ملاحظات ختامية
نجحت السيدة فاتحة مرشيد ، كاتبة رواية " لحظات لا غير " ، في إيصال رسالتها للعالم الذي يقرأ المكتوب باللغة العربية : الدفاع عن حقوق المرأة وعلى رأسها حقها في أن تحب وأن تمارس الجنس مع من تحب . نجحت في الغوص في أعماق النفس البشرية ومتابعة حالات هذه النفس فرحاً وحزناً ، أملاً ويأساً ، خوفاً وطمأنينة ً . نجحت في إدانة قيم مجتمعها وفضح قمم مثقفي هذا المجتمع وخاصة ً بعض أطبائه الذين إجتمعوا بليل حالك السواد ليجردوا زميلتهم في المهنة الطبيبة أسماء من حقها في ممارسة مهنة الطب لأنها أحبت شاعراً كان يوماً أحد مرضاها ومارست الجنس معه لأنها وجدت فيه الرجل والمثال الذي تريد . فيه إلتحمت روحاً وجسداً من خلال عشقها لأشعاره فضلاً عن خلال أخرى إكتشفتها فيه .
نعم ، حالوا بقرار إرتجالي تعسفي من لدن المجلس التأديبي بهيئة الأطباء المغاربة بين أسماء وحقها في مزاولة مهنة الطب التي أفنت فيها زهرة عمرها . أية إمرأة هذه أسماء ؟ فقدت نصف صدرها الذي أُصيب بداء السرطان  وظلت ( فخورة بنهديها ) كما قال لها الطبيب الذي أجرى لها عملية تجميل الصدر بنهد سيليكوني . رفضت زوجها الطبيب الجراح الذي أهملها كإنسان  وكإمرأة لها طبيعتها الخاصة وحقوقها في تطمين حاجات الجسد الفطرية  من خلال ممارسة  طقوس الجنس بالأساليب التي تفهم ولها تستجيب . بقيت محرومة بعد الطلاق من الجنس لفترة ليست قصيرة . وكان هذا كما أرى عاملاً حيوياً في قصة سقوطها في حب مريضها الشاعر . عشقها لشعره وغرابة تصرفاته وحبه للموسيقى والغناء بالفرنسية لا تكفي أبداً . بل وحتى عطفها الأمومي عليه كشخص مريض يستحق الرأفة وشفقة الأم لا يكفي هو الأخر . ظلت دونما جنس يطمئن ويستجيب لنداءات جسدها الشديد النضوج الذي أوقفته بإرادة صُلبة عجيبة على مَن يستحقه من بين الرجال . رجل واحد تعشقه دون حدود وتحفظات. وجدت هذا الرجل في ( وحيد الكامل ) فمنحته هذين الإسمين الرمزيين المتناغمين مع رغبتها الخالصة في الرجل الذي تريد . هو وحيد بين الرجال ، وهو الكامل بين أنداده . لم تكتف ِ بتسميته ( كامل ) إنما أضافت له  أداة التعريف ( أل ) زيادة في التخصيص . ركزت الكاتبة على هذا الأمر بشكل فني راقٍ يلفت النظر . كتابة بلغة مترفة هي أقرب لعالم الشعر الذي لعب دورَ العامل المساعد في تقريب أسماء من شخص مريضها وحيد . للشعر الحقيقي تأثير كذاك الذي لسحر الموسيقى . وللموسيقى قصة ذاك الرجل الذي سحر وأغوى أطفال المدينة بعزفه فجرّهم وراءه إلى البحر مهدداً أهاليهم بإغراقهم في اليم إذا لم ينصاعوا وينفذوا شرط إنقاذهم من الجرذان التي هددتهم ومزارعهم وغلتهم وما خزّنوا من أطعمة وحبوب . شعرُ رجل مريض قبل وبعد شفائه من علته أغرق أسماء في يم عميق مماثل : الحب ، الحب الذي تريده إمرأة طبيبة مثقفة تكتب بعض القصص وربما بعض الأشعار وتقرأها باللغة الفرنسية وتجري عمليات خطرة في باريس . في باريس تزور متحف النحات الشهير ( رودان ) وتصف منحوتاته أبدع وصف لا سيّما تمثال اليدين والقبلة  وغيرهما . أسماء مغرمة بشكل خاص بالقبل وهندسة اليدين في الرجال . أعجبتها يدا أو كفا وحيد وطريقة تدخينه ولفه سجائره . هذه هي أسماء ... إمرأة في قمة النضج العقلي والجنسي . طفلة في براءتها وعفوية ردود أفعالها ورؤيتها للحياة وما فيها من ظواهر . لا تخفي شيئاً إلاّ علاقتها بالشاعر وحيد الكامل . وحين إكتشفت ( سوزان ) زوج وحيد الفرنسية هذه العلاقة رفعت ضدها شكوى أمام مجلس هيئة الأطباء التأديبي ثم زارتها في عيادتها مهددةً متوعدة . إثر ذلك طلّق وحيد زوجه وتزوج أسماء ، فهل يدوم النعيم وتستمر سعادة العشاق المعاميد ؟ تقول الحياة كلاّ !! خسرت أسماء حقها في مزاولة مهنتها . أصيب زوجها الثاني ( وحيد الكامل ) بسرطان الرئة ثم فارق الحياة . الآن ... أسماء الطبيبة المجردة من حقها في ممارسة المهنة تواجه الحياة وحيدةً حزينة لا زوج ولا عشيق . تواجه مرة ً أخرى معضلة الحرمان الجنسي الذي ساهم في إيقاعها أصلاً  في حبائل عشق مدمر غير محسوب العواقب .
هل في هذا ثأر أخذته القدرة الكبرى الخفية للعدالة منها لأنها تسببت في طلاق إمرأة أخرى ستعاني من الحرمان الجنسي وتعطل طاقات الجسد ؟ لماذا إذاً دافعت عن حقوق النساء الطبيعية وهي تحرمهنَّ من هذه الحقوق؟ 
ما كان يجب ، في نظري ، أن تتزوج أسماء من وحيد الكامل . تبقي المعاناة لها ويظل وحيد زوجاً للفرنسية سوزان . كل ٌّ  يمارس حقه الطبيعي المشروع وكل يواجه مصيره المقسوم .  ولكن أين ستكون آنذاك المأساة التي هزتني أحداثها لو أنها لم تقدم على ذلك ؟ أين سيكون الطعم المر الذي خالط دمي وحرك إنسانيتي وأثار في تفكيري ألف ألف بركان لم تزل مدويةً فيَّ ليلاً ونهارا ً  ؟ نتقبل مرارات الحياة كما يستطيب مرارة الكحول مدمنهُ  .  وكما يستسلم مدخن السجائر لمصير كارثي محتمل  بإصابته بسرطان الرئة أو الشفتين وغير ذلك . أو كما يُدمن متعاطو المخدرات طعومها ومفاعيلها المدمرة وهم غير مبالين.
خلاصة مأساة أسماء : سرطان في صدرها + طلاق أول + خسران المهنة  +  زواج من رجل طلّق بسببها زوجه الأجنبية + سرطان رئة في صدر زوجها الثاني  وحيد + موت وحيد + وحدة قاتلة ومصير غير معلوم  !!؟؟