السورية سمر عموري والجمال الشعري/ شاكر فريد حسن

هي لا تكتب الشعر فحسب، بل ترسم بالكلمات ما يجيش في نفسها وصدرها من مشاعر واحاسيس، فتنهمر روحها بالهمس الدافىء، وتسيل حروفها كماء الجداول بانسيابية، فتعانق الوجدان وتتغلغل الى القلوب دون استئذان.

إنها شاعرة الياسمين الدمشقي، والبوح الشفيف، والحس المرهف، الصديقة الشاعرة السورية المغتربة سمر عموري، التي جذبتني واستوقفتني نصوصها الوجدانية السردية، ذات الخيال الواسع المجنح، والصور الشعرية والفنية الخلًابة، والمفردات المتوهجة والانزياحات الشجية العذبة.

هي نصوص تجيء على شكل خواطر وومضات شعرية ذات أبعاد معنوية وشكلية رفيعة المستوى، موسيقاها حالمة، وشفافيتها مطلقة، مذهلة في كلماتها وفكرها وأسلوبها السلس الرقراق في بيانه وايجازه، فلنسمعها تقول في هذا النص:

يالهذا الحنين

يقتلنا السكون

أما لهذا الفجر من رشفة قبلة

ومقعد عناق!!

تحاصرنا فوضى العطر

نركض في شوارع الذاكرة

ووجهنا الهارب بين رماد الدخان وأفخاخ الصيادين!!

أما من فلاحة تعد للصباح خبزآ وللطيور لحنآ وأكواخ؟

طفلة المدينة وحيدة تلملم الندى عن ثغر البتول!!

اطفالها الجياع يبكون صدر الوقت

وقد اسقط العيد حمالة الأراجيح!!

..

ايها الناسج قصائدك بفحيم شَعري

تعالَ وميض حلم في نيسان

احببني بكذبة بيضاء

في الثانيه إلا نبضة

نشرب صوتنا

ونطعم للعصافير لساننا الصغير

وتتقاذف السناجب البلوط

لتوحدنا رتابة المطر!!

..

اهرع الى شفتيك

نقبل رأس العام

يبكيني حزن البراءة حين شق منديل عطري!!

لازالت الفراشات تفتش عن شذاها

والنوارس تقتات شِعري!!

...

خرافي العينين

لن تهرم ذات قبل

شفاه البيلسان

حين تعانق جذور السنديان

فللعشاق مدفأة قلوب

حي على الحب

بمأذنة الدروب

نفترش للصلاة

نغتسل من الذنوب

ونقيم عرسآ للقمر

دمشقيون حين

نرقص نسقط

الزمرد والياقوت

ننحر العطر

نصبغ يد الطريق بشقائق النعمان

فشوارع الغربة

ألوانها جاحدة!!

سمر عموري تخاطب الوجدان، تحاكي الحب والوطن والروح الانسانية والمراة والطبيعة بكل ما تمثله من جمال وصفاء ونقاء.

هي شاعرة رومانسية، تأملية، تتميز بالانسياب الشفاف والبراعة في صياغة الجملة الشعرية في لحظتها، تختزن وعيًا متقدمًا باللغة الشعرية وعمقًا في الطرح والمضمون المشرع على اسئلة الحياة والوجود وقيمة الشعر نفسه بوصفه ملاذًا ومتنفسًا، وفعل كينونة.

سمر عموري تتدفق لوعة وشوقًا وحرقة، تتصف بعذوبة المضامين وصفاء السياق، مستندة على دقة التصوير، ورقة التعبير، وانسيابية لغتها الوجدانية المترعة بالاستعارات ودلالاتها الايحائية المجازية، ولنقرأ هذا النموذج من نصوصها:

لن أطعم أقماحي للعصافير،،،

وادع صدرك

يبحر وحيدا

مذ فك أزراره هو مرساتي

وطني ومرفئي الأخير

دع الروح تهيم

تحلق بفضاءات القصيد

تمهل

راقصني

اعقد قران شفاهي

اسكب بكؤؤس

الهوى نبيذ الشعر

وخمر القوافي

فك ضفائري

لاتعلق خوفك

على أغصان البلابل

شاركها تغريدها

لا تختبئ مني

في بيت مهترئ

سقفه مثقوب

قصيدتي ماطرة

تغرقك حنين

لاترحل فجرا

قدخبأت نور القمر ليطوقك

بمشرط شوق ينزفني

رغم انف جلدي

بعطرك الممزوج برائحة الطين.

ليتسكع بثنايا الوتين

كآخر شهقة

أتغلغل برئتيك منفاي الصغير

ضمني أشتاقك

بكل آن وحين

لأمتطي صهوة العشق

على زندك تغفو القوافي

يؤجج تحت الرماد براكين

راقصني

ولتحبو أصابعك

على خصري كقصيدة

أنجبتني للتو

على صفحة لجين.

سمر عموري تنتمي إلى الوضوح والمتانة والزخم والجمال الشعري، تجربتها الابداعية مفعمة باسلوب ندي شفاف مختلف ومغاير، خاص برؤيتها الانتقائية لمشاعر انسانية ناضجة وبخطاب نصي سردي وحلم شعري يتسم بحنان فياض ولواعج شجون.

تحية للصديقة الشاعرة سمر عموري، ولها مني باقات ملونة من الفراشات بعبق الياسمين والبنفسج، متمنيًا لها مزيدًا من العطاء والابداع والتألق.

فيوض البيسان/ محمد محمد علي جنيدي

بعد مشيئة الله تعالى والتقيت بالشاعر الإماراتي الكبير أستاذنا نايف عبد الله الهريس في مطار القاهرة الدولي وأهداني ديوانه ( ديوان البيسان ) والذي يحتوي معظم قصائدة على تفعيلات زاوجت بين بحري الطويل والوافر وهي انتقالة جمالية رائعة متجاوزة لبحور الشعر المعروفة في عالمنا العربي، وددتُ بعدها لو أنني أكتب على هذا النحو الذي ابتكره الشاعر الكبير في موسيقى وبحور الشعر العربي فكانت هذه القصيدة من ( فيوض بحر البيسان )

فيوض البيسان

جميلٌ تداني في سنا قَمَرٍ
يفيضُ بحبٍّ دائمَ المَطَرِ
سألتُ الَّذي يُرْجَى السُّؤالُ لَهُ
ولِلْوَجْدِ دمعٌ راق بالسَّحَرِ
يهيمُ الفتى حبّاً لأفْئِدَةٍ
وحُبِّي رسولُ اللهِ مذ صِغَرِي
أنامُ وتَصْحُو العينُ باكِيَةً
وفاضتْ بشوقٍ في سنا سَهَرِي
أُناجي نجومَ الليلِ أُخْبِرُهَا
بقلبٍ سرى ليلاً إلى القَمَرِ
فيا قلبُ قمْ صلِّ الصَّلاةَ لَهُ
سلامٌ عليكم صاحِبَ الدُّرَرِ
أنا من أنا يا لائِمي زَمَناً
وفي مُقْلَتِي أنوارُهُ بَصَرِي
أيا مَنْ رَوَيْتَ الرُّوحَ في ظَمَأٍ
بقلبي حنينٌ دائم السَّفَرِ
حبيبي رسولُ اللهِ أحْمَدُنا
سبيلي لِرَبِّ الكونِ والبَشَرِ
أُهاديه روحي دائماً أبَدَا
وأدنو لعلَّ الوصلَ من قَدَرِي
 – مصر
m_mohamed_genedy@yahoo.com

المنخل اليشكري : قصيدة فتاة الخدر/ كريم مرزة الأسدي

 إِنْ كُنْتِ عَاذِلَتِي فَسِيرِي* نَحْوَ الْعِرَاقِ وَلاَ تَحُورِي

1 - تشويق :
أبيات لم يقلها ابن أبي ربيعة في عصره، ولا القباني في عصرنا، وقالها اليشكري في جاهليته:
 وَلَقَـــدْ دَخَلْتُ عَلَى الفَتَـا *** ةِ الخِـدْرَ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ
 الْكَاعِـبِ الْحَسْـنَاءِ تَرْ *** فُلُ فِـي الدِّمَقْسِ وَفِي الْحَرِيرِ
 فَدَفَعْتُــــهَا فتَــدَافَعَتْ **** مَشْـــيَ الْقَطَـــاةِ إِلَى الْغَدِيـرِ
 وَلَثَمْتُـــــهَا فَتَنَفَّسَــــتْ ***** كَتَنَفُّـــسِ الظَّبْـيِ الْبَـهِيـرِ
 فَدَنَـــتْ وَقَالَـــتْ يَا مُنَـ *** ـخَّلُ مَــا بِجِسْـمِكَ مِنْ حَرُورِ
 مَا شَفَّ جِسْمِي غَـيْرُ حُـ **** ـبِّكِ فَاهْدَئِي عَنِّـي وَسِـيرِي
وَأُحِــبُّـــــهَا وَتُحِـبُّــنِي ***** وَيُحِـــبُّ نَاقَــــتَها بَعِــيــرِي
 فَــــإِذَا انْتَـشَـــيْتُ فَإِنَّــنِي **** رَبُّ الْخَوَرْنَــــقِ وَالسَّـدِيـــرِ 
 وَإِذَا صَحَــــوْتُ فَـإِنَّـنِــــي*****رَبُّ الشُّــــــوَيْهَـــةِ وَالبَـعِـيرِ


2 - القصيدة :

1 - إِنْ كُنْتِ عَاذِلَتِي فَسِيرِي** نَحْوَ الْعِرَاقِ وَلاَ تَحُورِي
2 - لاَ تَسْأَلِي عَنْ جُلِّ مَـا * لِي وَانْظُرِي حَسَبِي وَخِيرِي
3 - وَفَـوَارِسٍ كَـأُوَارِ حَــ **** ــرِّ النَّــارِ أَحْلاَسِ الذُّكُورِ
4 - شَـــدُّوا دَوَابِــرَ بَيْضِهِمْ *** فِــي كُــلِّ مُحْكَمَـةِ الْقَتِيرِ
5 - وَاسْـتَلْأَمُــوا وَتَلَـبَّـبُـــوا **** إِنَّ التَّـلَــبُّــبَ لِلْمُــغِيـرِ
6 - وَعَلَــى الْجِيَادِ المُضْمَرا*** تِ فَـوَارِسٌ مِثْـلُ الصُّقُورِ
7 - يَخْرُجْـنَ مِـنْ خَلَــلِ الْغُبَا *** رِ يَجِفْــنَ بِالنَّـعَـمِ الْكَثِيرِ
8 - وَإِذَا الرِّيَــاحُ  تَنَاوَحَتْ **** بِجَوَانِــبِ الْبَيْـــتِ الكَسِيرِ 
9 - أَلْفَيْتِنِي هَـــشَّ النَّــدَى ****بِشَــرِيجِ قِدْحِي أَوْ شَجِيرِي
10 - أَقْرَرْتُ عَيْـــنِي مِـنْ أُولَـ ****ـئِكَ وَالفَوَائِـــحِ بِالعَبِــيرِ
11- يَرْفُلْـــنَ فِــي المِسْـكِ الذَّكِـ *** ـيِّ وَصَائِكٍ كَـدَمِ النَّحِيـرِ
12 - يَعْكُفْــنَ مِثْــلَ أَسـاوِدِ الـ **** تَّنُّــومِ لَــمْ تُعْـكَـفْ لِــزُورِ
13 - وَلَقَـــدْ دَخَلْتُ عَلَى الفَتَـا **** ةِ الخِـدْرَ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ
14 - الْكَاعِـبِ الْحَسْـنَاءِ تَرْ *** فُلُ فِـي الدِّمَقْسِ وَفِي الْحَرِيرِ
15 - فَدَفَعْتُــــهَا فتَــدَافَعَتْ **** مَشْـــيَ الْقَطَـــاةِ إِلَى الْغَدِيـرِ
16 - وَلَثَمْتُـــــهَا فَتَنَفَّسَــــتْ ***** كَتَنَفُّـــسِ الظَّبْـيِ الْبَـهِيـرِ
17 - فَدَنَـــتْ وَقَالَـــتْ يَا مُنَـ *** ـخَّلُ مَــا بِجِسْـمِكَ مِنْ حَرُورِ
18 - مَا شَفَّ جِسْمِي غَـيْرُ حُـ **** ـبِّكِ فَاهْدَئِي عَنِّـي وَسِـيرِي
19 - وَأُحِــبُّـــــهَا وَتُحِـبُّــنِي ***** وَيُحِـــبُّ نَاقَــــتَها بَعِــيــرِي
20 - يَا رُبِّ يَــــــوْمٍ لِلْمُنــــــ******ـخَّـــلِ قَــدْ لَهَا فِيــــهِ قَصِـيرِ
21 - فَــــإِذَا انْتَـشَـــيْتُ فَإِنَّــنِي **** رَبُّ الْخَوَرْنَــــقِ وَالسَّـدِيـــرِ 
22 - وَإِذَا صَحَــــوْتُ فَـإِنَّـنِــــي*****رَبُّ الشُّــــــوَيْهَـــةِ وَالبَـعِـيرِ
23 - وَلَقَــــدْ شَرِبْـــــتُ مِــنَ الْمُدَا*****مَـــةِ بِالْقَـــلِيــــلِ وَبِالْكَثِيــرِ
24 - يَا هِنْــــــدُ مَـــــنْ لِمُتَيَّـــــمٍ ***** يَا هِنْـــــدُ لِلْعَـــــانِي الأَسِيرِ

3 - الميزان العروضي الموسيقي:

القصيدة من بحر مجزوء الكامل المرفل:
مُتَفَاْعِلُنْ   مُتَفَاعِلَن**** مُتَفَاْعِلُنْ     مُتَفَاعِلَاتِنْ
///ه//ه       ///ه/ه    ***          ///ه//ه         ///ه//ه/ه
ب ب  - ب -    ب ب - ب -  ****  ب ب - ب -     ب ب - ب - -
 4 3    4 3           ****           4 3                4 3 2   
بمعنى العروضة مجزوءة صحيحة ، وضربها( مرفل) ، أي (متفاعلن) صحيحة وأضيف إليه سبب خفيف ، فأصبحت (متفاعلاتن)
 يجوز في حشو مجزوء  الكامل:
 1 - الإِضْمار (تسكين الثاني المتحرك)  فتصبح به (مُتَفَاْعِلُنْ): (مُتْفَاْعِلُنْ)، وهو حسن وربما دخل جميع التفعيلات فاشتبه ببحر الرجز، ومع الإِضْمار تجوز المعاقبة.
 2 - الوقص (حذف الثاني المتحرك من مُتَفَاعِلَنْ  فتصبح مُفَاعِلَنْ)، وهو ثقيل نابٍ
3 - الخزل (تسكين الثاني المتحرك وحذف الرابع الساكن من   مُتفاعلن فتصبح مُتْفَعِلَنْ ، فتتحول للكتابة العروضية : مُفْتَعِلَنْ ).
  4 - وربما دخل جميع التفعيلات فاشتبه ببحر الرجز. والثلاثة جائزة في (مُتَفَاْعِلُنْ) إذا وقعت عروضا أو ضربا، وكذلك في الضرب المذيل والمرفل ، والإضمار سائغ بخلاف الوقص والخزل. والضرب المقطوع لا يجوز فيه إلا الإِضْمار.
5 - أي قصيدة من البحر الرجز بكل  أضربه ، وجدت فيه ( مُتَفَاعِلَنْ) واحدة يحسب على الكامل .
تقطيع المطلع:
 إِنْ كُنْتِ عَاذِلَتِي فَسِيرِي *** نَحْوَ الْعِرَاقِ وَلاَ تَحُورِي
إنْكُنْتِعا ذِلَتِي فَسِيْرِي *** نحْولْعِرَا  قِوَلَاتَحُورِي
/ه/ه//ه      ///ه//ه/ه  ****/ه/ه//ه      ///ه//ه/ه
مُتْفَاْعِلُنْ   مُتَفَاعِلَاتِنْ**** مُتْفَاْعِلُنْ         مُتَفَاعِلَاتِنْ
- - ب -    ب ب - ب - - **** - - ب -    ب ب - ب - -
2 2 3    4 3 2      ****    2 2 3    4 3 2 .
  
مهما يكن من أمر ، هنالك تفعيلتان في كل شطرٍ تتناوبان بإيقاعتين قصيرتين في الصدر مُتَفَاْعِلُنْ   مُتَفَاعِلَن) ، وقصيرة فطويلة في العجز  (مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاعِلَاتِنْ) ، إذ يتوقف الإيقاع بالروي الرائي الشجي ، وهو المرتكز لكل بيت ، وكما مرّ عليك ، قد  يستقل الصدر عن عجزه ، وقد يتداور البيت حتى نهابة قافيته، ولك أن تتوقف في البيت مرّة أو مرتين حسب مقتضى حال الشاعرية المتأججة من وجدان أنفاس الشاعر المشفرة في رسالته الفنية المرسلة إليك عبر العصور.

4 - نبذة عن حياة الشاعر:

يختلف الرواة و النسّابة ومن بعدهم مؤرخو الأدب في اسمه و  سلسلة نسبه وتاريخي ولادته ووفاته ، وكيفية مقتله ، وهل قتل ، أم لا ؟ فقَدْ فُقِدَ وطالت غيبته، وعمره ثلاثة وعشرون عاماً، إمّا بين ( 580 - 603 م) ، أو بين ( 584 - 607 م) ، والتاريخ الأخير هو الأصح على أغلب ظني ، وهذا ما ثبتته الموسوعة الحرة ، واعتمدتْ على ( ديوان أنساب العرب ) في ولادته بعد عام الفيل  (570 م ) - وهو عام ولادة النبي ص - بـ  14  سنة ، أي ولد المنخل سنة 584 م في الشعيبة غرب مكة المكرمة ، وأما مقتله فتستندُ على رواية لابن شهاب الزهري ( 58 - 124 هـ)  ، وهو أقرب المؤرخين زمناً لعصر المنخل اليشكري  - وعصره عصر الرسول الكريم ص - ، إذ تذكر الموسوعة ما نصه :
 " ذكر ابن شهاب الزهري ان الفاكه بن المغيرة المخزومي طعن المنخل اليشكري في السفينة التي كانت تبحر في بحر القلزم و القى به في البحر قرب ساحل الحبشة، فدفنه الاحباش هناك قبل البعثة النبوية بثلاث سنوات"
وكانت البعثة النبوية الشريفة سنة 610 م ، فإذاً مقتل شاعرنا ( منخل الشعر) سنة 607 م  ، وهكذا تكون حياته بين (584 -607 م)، وهذا ما أرجحه .
 ويذكر الأصفهاني روايات أخرى مسنودة  عن مقتله في ( أغانيه) ، وهي أكثر شيوعاً من رواية الزهري ، وأهمها قوله  :
" كانت المتجردة امرأة النعمان فاجرة ، وكانت تتهم بالمنخل  ،وقد ولدت للنعمان غلامين جميلين يشبهان المنخل ، فكان يقال إنهما منه ، وكان جميلا وسيما ،وكان النعمان أحمر أبرش قصيراً دميماً.
وكان للنعمان يوم يركب فيه فيطيل المكث، وكان المنخل من ندمائه لا يفارقه ، وكان يأتي المتجردة في ذلك اليوم الذي يركب فيه النعمان فيطيل عندها حتى إذا جاء النعمان آذنتها بمجيئه وليدة لها موكلة بذلك فتخرجه.
فركب النعمان ذات يوم وأتاها المنخل كما كان يأتيها فلاعبته ، وأخذت قيداً فجعلت إحدى حلقتيه في رجله والأخرى في رجلها ، وغفلت الوليدة عن ترقب النعمان لأن الوقت الذي يجيء فيه لم يكن قرب بعد ، وأقبل النعمان حينئذ ، ولم يطل في مكثه كما كان يفعل ، فدخل إلى المتجردة فوجدها مع المنخل قد قيدت رجلها ورجله بالقيد ، فأخذه النعمان فدفعه إلى عكب صاحب سجنه ليعذبه وعكب رجل من لخم فعذبه حتى قتله.
وقال المنخل قبل أن يموت هذه الأبيات ، وبعث بها إلى ابنيه:

 ألا مَن مبلغ الحُرّين عنّي ***بأن القوم قد قتلوا أُبيا
 وإن لم تثأروا لي من عِكَبٍّ **فلا أَرويتما أبداً صَدِيّا 
يُطوّف بي عِكبٌّ في معدٍّ***ويطعن بالصُّملّة في قَفَيّا "

أمّا اسمه فنستطيع أن نعتمد  على أقوال ابن القيسراني والآمدي والموسوعة العربية  أنه ( المنخل بن مسعود بن عامر بن ربيعة بن عمرو اليشكري) ، اليشكري، نسبة إلى بني يشكر من بكر بن وائل.
   
  وفذلكة الأقوال ، المنخل شاعر مقل من شعراء الجاهلية ، وكان النعمان بن المنذر قد اتهمه بامرأته المتجردة ، وقيل بل وجده معها ، وقيل بل سعي به إليه في أمرها فقتله ، وقيل بل حبسه ثم غمض خبره فلم تعلم له حقيقة إلى اليوم ، فيقال إنه دفنه حيا،  ويقال إنه غرقه ،والعرب تضرب به المثل كما تضربه بالقارظ العنزي وأشباهه ممن هلك ولم يعلم له خبر، يقولون : لا أفعله حتى يؤوب المنخل، وقال ذو الرمة ( 77 - 117 هـ / 696 - 735 م):

تُقارِب حتى تُطمِعَ التابعَ الصّبا   *** وليست بأدنى من إياب المنخّلِ

وقال النمر بن تولب:

 وقَوْلِي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم *** تلاقونه حتى يؤوبَ المنخّلُ

أقول :أقوال العرب في ضرب المثل به لمن هلك ، ولم تعرف أخباره   ، وكذلك شعر النمر بن التولب في جهله عن مصير المنخل ، وهو شاعر مخضرم ، جاهلي - إسلامي ، أي من معاصريه ، وكان النمر رجلاً معروفاً في قبيلته ، وقبائل العرب ، ولكن المؤرخين لم يحددوا تاريخ ولادته ووفانه لقلة شعره ، وكذلك ما قال ذو الرمة في  بيته عن المنخل ما قال   حتى إيابه، وعصره قريب لعصر منخلنا ....كل هذا تجعلنا نميل إلى أن النعمان لم يظفر به ، ولم يقتله ، وإنما هرب لما فضح أمره مع المتجردة  الجميلة  اللعوب ، وكانت تكبره أكثر من عشرين عاماً ( عمرها كان 44 سنة ، وعمره 23 سنة)، وأيضاً كان الرجل وسيماً وبحار وشاعراً وشاباً ، فنرجح رواية المؤرخ  ابن شهاب الزهري القريب لعصره ، ولو أن روايات الأصفهاني أكثر شيوعاً لما فيها من إثارات غرائزية  تجذب نفوس الولهانين الهائمين ...!!

والحق له نتفة يذكرها الأصفهاني في ( أغانيه ) في المتجردة:
 دِيارٌ لِلّتي قتلتك غصبــــاً ***بلا ســيف يُعَدّ ولا نِبالِ 
بطَرفٍ ميِّت في عين حَيٍّ ** له خَبَل يزيدُ على الخَبالِ

أما هند التي يختم بها قصيدته الرائية الشهيرة ، والتي هي موضوع بحثنا :

24 - يَا هِنْــدُ مَـنْ لِمُتَيَّـمٍ ***** يَا هِنْـدُ لِلْعَـانِي الأَسِيرِ
 لا يمكن أن تكون هند أخت عمرو بن هند ، ولا هذا الملك المقتول بسيف الشاعر الشهير عمرو بن كلثوم التغلبي سنة ( 569م ) كما هو مشهور ، أو على أرجح الظن ( 572م) ، لأن كما تذكر روايات عديدة أن النبي الكريم المولود سنة ( 570م) عام الفيل ، ولد في عصر عمرو بن هند ، والمنخل اليشكري ولد كما ذكرنا عام ( 580م ) ، أو عام ( 584م) كم رجحنا ، فكيف يقتل المقتول مقتولاً آخر بعد قتله وهو في القبر ملحود ...!!! فالبيت إما قاله في حق هند أخت المنذر ، أو في هند أخرى من أسرة الملك النعمان ، والله أعلم !!!. 

5 - النعمان بن المنذر بين التابغة الذبياني والمنخل اليشكري :

عجيب أمر هذا النعمان بن المنذر الملقب بأبي قابوس الذي حكم على أرجح التقديرات  وأدقها - كما ورد في كتابي عن ( تاريخ الحيرة ...) - بين   ( 585 - 607 م ، ومجلسه ...!!
 هذا الرجل الأشقر ، القصير ، الدميم ، الداهية ، المقدام الذي جمع الشعراء في مجلسه : المنخل اليشكري والمثقب العبدي والأسود بن يعفر وحاتم الطائي وحسان بن ثابت  والنابغة الذبياني وصاحب يوم البؤس والنعيم؛ وقاتل عبيد بن الأبرص الشاعر، في يوم بؤسه؛ وقاتل عدي بن زيد ، نعم  هجاه عنترة بن شداد الذي أغار على إبله  ليأخذها مهرا لعبلة ، والله غالب على أمره ...!!
هذا النعمان المهيب الرهيب ، تنافس الشعراء الوسيمون على التحرش بزوجته الجميلة المتجردة  ، و الكاعب الحسناء في الزي اللعوب  ، فهذا  النابغة الذبياني ( توفي 605 م) ، أجود  شعراء  عصره  وأوسمهم ، كان جليسه وأنيسه  ،دخل عليه يوماً، فوافق المتجردة عنده متبذله قد سقط خمارها، فلما رأته سترت وجهها بيدها، فقال له النعمان: صفها في شعرك، فوصفها في قصيدته التي أولها:

 مِنَ آلِ مَيّة َ رائحٌ، أو مُغْتَدِ ***عجلانَ ، ذا زادٍ ، وغيرَ مزودِ
سَقَطَ النّصيفُ، ولم تُرِدْ إسقاطَهُ  ****فتناولتهُ ، واتقتنا باليدِ
كالأقحوانِ، غَداة َ غِبّ سَمائِه ***جفتْ أعاليهِ ، وأســفلهُ ندي

وزاد في وصفه فاحشاً ، وكان غريمه الوسيم الآخر المنخل اليشكري حاضراً حاسداً ، متربصاً لاغتنام الفرصة والطعن بالنابغة المحلق في أجواء الغرام والهيام ، والنابغة راح في وصفه ، ولا يدري إلى أين وصل به الشعر ، قائلاً:

فإذا لَمستَ لمستَ أجخثَمَ جاثِماً ****متحيزاً بمكانــهِ ، مــلءَ اليـدِ
و إذا طَعَنتَ طعنتَ في مستهـدفٍ  **رابي الَمجَسّة ِ، بالعَبيرِ مُقَرْمَدِ
و إذا نزعتَ نزعتَ عن مستحصفٍ  *نَزّعَ الحَزَوَّرِ بالرّشاءِ المُحْصَدِ
و إذا يعــــضّ تشدهُ أعضــــــاؤهُ ***عضّ الكَبيرِ مِنَ الرّجالِ الأدردِ
ويكادُ ينزِعُ جِلدَ مَنْ يُصْلى بــــه  ***بلوافحٍ، مثـــلِ السّعيرِ المُوقَــدِ

 وصف رائع جداً ، وشاعرية فذّة ، وذهب بعيداً من حيث الزهو بعبقريته ، وإعجازه الفني ،وعبر المدى المباح ، وهنالك  ملك ومجلس  وبلاط ، وجلّاس وشعراء ،فغاظ ذلك النعمان، و أضطغنه عليه، و سمع المنخل هذا الشعر، فقال بحيث يعلم إن النعمان يسمعه : لا يستطع إن يصف هذا إلا من جرب...!!!!
وندع الموسوعة الحرة تكمل القول :
 " ومهما يكن من أمر فإن الدسيسة قد نجحت بعد لأي، وبات الشاعر مهدداً بدمه وحياته، لكنّ حاجب أبي قابوس عصام بن شهبر الجرمي- وكان بينه وبين النّابغة إخاء وصداقة- حذّره من غضب النعمان، ونصحه بترك البلاط، فاضطر النّابغة إلى الفرار، فلجأ إلى الغساسنة، وفي نفسه حسرة، وغيظ، وأمل في العودة. يذكر ابن قتيبة، أن الرواة اختلفوا في السبب الذي حمل الملك النعمان على أن ينذر دم شاعره، على أننا نستطيع أن نحيط بأبرز الدوافع التي أوقعت الجفاء بين أبي قابوس والنابغة " .

النابغة على ما يبدو لم يتحمل الغربة والبعاد ، رغم أن الغساسنة احتضنوه ، وكرّموه ، وأجزلوا العطاء له ، ولكنه أجاش ، وجاشت نفسه بالحنين ، فنظم أروع القصائد  بالاعتذار عن عمل لم يفعله ، ويستعطف النعمان بالعفو عنه :
   
فإنّكَ كاللّيلِ الذي هو مُدْرِكي**وإنْ خِلْتُ أنّ المُنتأى عنك واسِعُ
أتوعدُ عبداً لم يخنكَ أمانة ً****و تتركُ عبداً ظالماً ، وهوَ ظالعُ ؟
أبى اللهُ إلاّ عدلهُ ووفــاءهُ***فلا النكرُ معروفٌ ولا العرفُ ضائعُ

الأبيات واضحة في تنصله  عن الخيانة المزعومة ، وفيها تعريض جلي بعبد ظالم -  ربّما يعني المنخل -  ويطالب النعمان بالعدل والوفاء ، ثم يردفه بمعلقته الشهيرة :  

.‏يَا دَارَ مَيَّةَ بِالعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ **أَقْوَتُ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الأَبَدِ
ومنها قوله :
أُنْبِئْتُ أَنَّ أَبَا قَابُوسَ أَوْعَدَنِي***وَلَا قَرَارَ عَلَى زَأْرٍ مِنَ الأَسَدِ 
مَهْلًا فِدَاءٌ لَكَ الأَقْوَامُ كُلُّـهُمُ****وَمَا أُثَمَّرُ مِنْ مَــالٍ وَمِنْ وَلَـدِ 
لَا تَقْذِفَنِّي بِرُكْنٍ لَا كِفَـــاءَ لَهُ  **** وَإِنْ تَأَثَّفَكَ الأَعْدَاءُ بِالرِّفَـدِ 
فَمَا الفُرَاتُ إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ لَهُ ****تَرْمِي أَوَاذِيُّهُ العِبْرَيْنِ بِالزَّبَـدِ
يَمُدُّهُ كُلُّ وَادٍ مُتْرَعٍ لَجِـــبٍ **** فِيهِ رِكَامٌ مِن اليَنْبُوتِ وَالخَضَـدِ
نجح النابغة ببراعة شعره ، وبيانه ، وعاطفته ، وصدق مشاعره أن يقنع النعمان بمظلوميته ، وعدالة قضيته ، وعرف النعمان الحقيقة ، وكان قد عزّ على النعمان أن يمدح شاعره الكبير الغساسنة   فجاء النابغة إلى الحيرة مع رجلين من فزارة هما: زيّان بن سيار ومنظور بن سيّار ،وكان بينهما وبين النعمان مودة ، و أشار النابغة إلى إحدى القيان أن تغني أبياتاً من قصيدته‏ (يا دار مية ) ومنها قوله :‏
أنبئت أن أبا قابوس أوعدني‏ ****ولا قرار على زأر من الأسد
فلما سمع الملك النعمان، هذا الشعر قال: هذا شعر علوي، هذا شعر النابغة. وسأل عنه، فأخبر مع صديقيه الفزاريين، الذين كلّماه فيه، فأمّنه النعمان. ومهما يكن من أمر الاختلاف حول أسباب عودة النابغة إلى بلاط الحيرة، فإن الشاعر استرجع مكانته عند الملك النعمان،   واستأنف مدائحه فيه .

6 - نظرات على القصيدة  :
 إِنْ كُنْتِ عَاذِلَتِي فَسِيرِي *** نَحْوَ الْعِرَاقِ وَلاَ تَحُورِي
 لاَ تَسْأَلِي عَنْ جُلِّ مَا *** لِي وَانْظُرِي حَسَبِي وَخِيرِي
يستهل القصيدة ، ويواصلها عاذلاً عاذلته ...!! 
لا تعذلي إن كان عذلك  شحّتي ...هذا العراق أمامك لا ترجعي ....
سيري ولا تحوري...دعاءان فيهما من المرارة والألم والوجع ما يصدّع الرأس من  التكرار الملح ، والتوبيخ المستمر  لعدم الإسراف ، والكرم والجود...هذا العراق أمامك ، روحي بلا رجعة ، صدّعتي رأسي يا امرأة ...اسألي عن شرفي ...كرمي ...شجاعتي ... وسامتي ، وكأنّي بدعبل يخاطب زوجه سلمى بأسلوب الحكيم ، ويدلعها بالكنايات ، ثم يردف ساخطاً:

قالتْ سلامة : أين المال ؟ قلتُ لها :***المالُ ويحك لاقى الحمد فاصطحبا
قالت ســــلامة دعْ هذي اللبون لنا*** لصبيةٍ مثل أفراخ القطـــا زغبــــــا
قلتُ : احســـبيها ففيها متعة ٌلهمُ *** إن لم ينخْ طارق ٌيبغي القِرى سـغِبا
هذي سبيلي،وهذا فاعلمي خـُلقي **فارضي بهِ أو فكوني بعض من غضبا
ويدخل أبو العلاء مدخلاً آخر قائلاً  :
  " يقول - يعني الشاعر - : إن كنت عاذلتي لقلة مالي، وتحبين أن أستغني؛ فسيري نحو العراق، فإني استغني فيه. وإنما قال ذلك لأن النعمان بن المنذر يكرمه ويقربه، ودار النعمان بالحيرة، والحيرة من العراق"
لا أعقد ذلك ، لأنه أردف قوله بـ ( لا تحوري ) ، لا ترجعي  بربّك ، أنه دعاء ...!!
أيظنُّ أنّي لعبةٌ بيديهِ *** أنا لا أفكرُ بالرجوع إليهِ...!!

 مهما يكن من أمر ، هذه  هو طبع الرجل يريد السرف والطيران ، وهذه هي جبلة المرأة تريد لمّ البيت والصبيان ....!!
ومن الطيران الفروسية ، والفروسية تعني الحمية وركوب ظهور الجياد المضمرات كالصقور ،
ورب فرسانٍ تشمروا واستعدوا معي للغارة على الأعداء ، أو الدفاع عن الديار ، لهم نظر باصر ، وطموح باهر ، ثم ماذا ؟!!
     يأتي جواب رُبَّ : شدّوا أزرهم  متدرعين متحزمين لقطع دابر أعدائهم.
 وبعد قطع دابر أعدائه ، عاد ليزهو جذلاً أمام عاذلته ، فهو الكريم الشجاع ، والكرم والشجاعة صفتان متلازمتان ، فبأيِّ آلاء ربّكما تكذبان ...!!
وهل  تجديني مزعزعاً إذا هبّت الرياح ، وجدبت الأرض ، وحلَّ الإمحان ؟!!
كلّا وألف كلّا ، كأني به ميخائيل نعيمة  وقوله :
سقف بيتي حديد ** ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح ** وانتحب يا شجر
واسبحي يا غيوم ** واهطلي بالمطر
واقصفي يا رعود ** لست أخشى خطر

فبيت شاعرنا كسير عظيم كبير ...!! وإن تهدم وتزعزع وتكسر هذا البيت تجده خفيف الظل ، كريم الوجه واليد واللسان هشّاً بشّا....!!
الآن يدخل شاعرنا الوسيم  الكريم المغدور بشرخ شبابه المفسد في البطالة  إلى عالم الكواعب الحسناوات  
وَلَقَـــدْ دَخَلْتُ عَلَى الفَتَا ** ةِ الخدْرَ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ
 الْكَاعِـبِ الْحَسْـنَاءِ تَرْ **فُلُ فِـي الدِّمَقْسِ وَفِي الْحَرِيرِ
 فَدَفَعْتُــــهَا فتَــدَافَعَتْ **** مَشْـيَ الْقَطَـــاةِ إِلَى الْغَدِيـرِ
 وَلَثَمْتُـــــهَا فَتَنَفَّسَــــتْ ***** كَتَنَفُّـــسِ الظَّبْـيِ الْبَـهِيـرِ

هذه الأبيات أبدع فيها أيما إبداع في الوصف المخصب بالخيال والنرجسية، أضفى عليها من الدلال والترف والتشبيه غاية الإعجاز الفني ، ففي البيت الأول دخل على ( الفتاة الخدر) التي وسمت القصيدة نفسها بها في أطيب أوقات اللذة ، ويومها المطير ، وألبسها أجمل الثياب ، الحرير الأبيض ( الدّمقس) ، ثم تخلع لتلبس ألوان الحريرالزاهية كعروس في ليلة زفافها ...(فَدَفَعْتُهَا فتَــدَافَعَتْ ، جناس رائع بفعل ورد فعلأروع  ..
يستشهد ابن رشيق القيرواني في ( عمدته) بهذا البيت في التشبيه الواحد دون أداة التشبيه ( الكاف ) قائلاً:

ومنهم من يأتي بالتشبيه الواحد بغير كاف كقول امرئ القيس :" 
سموت إليها بعد ما نام أهلها *** سمو حباب الماء حالاً على حالِ

وقوله أيضاً :

إذا ما الثريا في السماء تعرضت***تعرض أثناء الوشاح المفضل
يريد كسمو حباب الماء، وكتعرض أثناء الوشاح.
وأبدع من هذا عندهم وأغرب قول المنخل اليشكري: 
دافعتها فتدافعت *** مشي القطاة إلى الغدير

وإنما براعته عندهم لما لم يكن قبله فعل من لفظه".
ونترك التشبيه في البيت الرابع للدكتور شوقي ضيف و ( تاريخ أدبه العربي - العصر الجاهلي -) قائلاً:
 " ورابع يجعل وجه الشبه حور العين، وخامس يجعله في التنفس كقول المنخل اليشكري:  
ولثمتها فتنفست***كتنفس الظبي البهير"
نكتفي بهذا القدر من إلقاء نظرات خاطفة على القصيدة الخالدة لأشهر شعراء الواحدة ، شاركنا غيرنا ، وأشركنا شاعرنا  مع غيره ، ووزعنا الفقرات على لوحات ، ونترك لك المجال لتشاركنا ، وإليك معاني الكلمات عند الإشكالات ، والله الموغف لكل خير ، والسلام لأهل التحية والسلام ...!! 

7 - معاني  بعض الكلمات الواردة :

- لا تحوري " دعاء عليها، من قولك حار أي رجع. وفي رواية أخرى:
  لا تحوري: لا ترجعي. قال أبو العلاء: " يقول: إن كنت عاذلتي لقلة مالي، وتحبين أن أستغني؛ فسيري نحو العراق، فإني استغني فيه. وإنما قال ذلك لأن النعمان بن المنذر يكرمه ويقربه، ودار النعمان بالحيرة، والحيرة من العراق" .
- الأوار: التوهج والالتهاب.

- الأحلاس البسط، واحدها حلسٌ ،أوهو كل شيء ولى ظهر الدابة تحت السرج ونحوه. 
 قال: ومنه الخبر: " إذا ظهرت الفتن فكن حلس بيتك.
- الدوابر، واحدتها دابرةٌ وهي المآخير، وتستعمل أيضاً في الحوافر والمخالب. ومنه قطع الله دابرتهم.
  - استلأموا: لبسوا للأمة، وهي السلاح، أو هي الدرع.
- التلبب:  تلببوا: لبسوا السلاح   كلّه ، التحزم، وقيل هو الانتطاق والتجرد.
- يقال بيتٌ كسيرٌ إذا كان عظيم الكسر، كما يقال رجلٌ جسيمٌ بدينٌ، إذا كان عظيم الجسم والبدن.
 - ألفيتني  تجدني في ذلك الوقت خفيف اليد.
 - شجيري  الشجير: الغريب. ويقال : نزل بينهم شجيراً، أي غريباً.
   - تكمشت: أسرعت. وفي نسخة أخرى "تناوحت" أي تقابلت، هبت من ههنا وههنا،وفيها أيضًا "الكبير " بدل " الكسير" والكسير: الذي له كسور، وهي ما مس الأرض من هداب الخيام. وهذا التفسير عن التبريزي وليس في المعاجم.
- البيض: قلانس الحديد.
.- الشريج، بالجيم: أن تشق الخشبة نصفين فيكون أحد الشقين شريج الآخر
- الدمقس: الحرير الأبيض.
 - فدنت أراد به دنو الشفقة، والتقرب بحسن العطفة، لا قرب المسافة. والمعنى: تأملت. 
-  الحرور. وقد اختلف في السموم والحرور، فمنهم من جعل السموم بالنهار والحرور بالليل، ومنهم من يقول على العكس مما ذكرت. وقال الخليل: السموم الريح الحارة، ليلاً هبت أو نهاراً. الحرور: حر الشمس.
8 - التخريجات :
ملاحظة : بلا أرقام الأجزاء ولا الصفحات، البحث منشور في كتابي شعراء الواحدة والذين اشتهروا بواحدة.

  1 - الأغاني : أبو الفرج الأصفهاني - الناشر دار الفكر - بيروت - الطبعة الثانية - تحقيق : سمير جابر - .
2 - شرح ديوان الحماسة  : أبو على أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني (المتوفى: 421 هـ) المحقق: غريد الشيخ وضع فهارسه العامة: إبراهيم شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م
 3 - المؤتلف والمختلف: أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الشيباني، المعروف بابن القيسراني (المتوفى: 507هـ) - المحقق: كمال يوسف الحوت الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة: الأولى
 4 - حماسة الخالديين - بالأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين والجاهليين والمخضرمين  الخالديان أبو بكر محمد بن هاشم الخالدي، (المتوفى: نحو 380هـ)، و أبو عثمان سعيد بن هاشم الخالدي (المتوفى: 371هـ) المحقق: الدكتور محمد علي دقة الناشر: وزارة الثقافة، الجمهورية العربية السورية عام النشر: 1995 .: 
 5 - تزيين الأسواق في أخبار العشاق : داود بن عمر الأنطاكي - عالم الكتب - بيروت / لبنان - 1413هـ - 1993 .  - الطبعة : الأولى - تحقيق : د . محمد التونجي
6 -  المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم : أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي (المتوفى: 370هـ)،  المحقق: الأستاذ الدكتور ف. كرنكو  -  دار الجيل، بيروت الطبعة: الأولى، 1411 هـ - 1991 م.   
7 - الحور العين عن كتب العلم الشرائف دون النساء العفائف : أبو سعيد نشوان الحميري - تحقيق : كمال مصطفى - دار آزال للطباعة والنشر - بيروت.
8 - المختار من قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور : الرقيق القيرواني ، أبو اسحاق إبراهيم بن القاسم المعروف بالرقيق النديم تاريخ ولادة المؤلف تاريخ وفاة المؤلف 425 ، دار النشر مطبوعات مجمع اللغة العربية -  دمشق - المحقق أحمد الجندي. 
    9 -  الأصمعيات  : الأصمعي أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع (المتوفى216 هـ ) ،  المحقق: احمد محمد شاكر - عبد السلام محمد هارون -  دار المعارف - مصر
الطبعة: السابعة، 1993م. .
    10 - المناقب المزيدية في أخبار الملوك الأسدية : أبو البقاء هبة الله محمد بن نما الحلي (المتوفى: ق 6هـ) ، المحقق: (محمد عبد القادر خريسات، صالح موسى درادكة) ، (كلية الآداب - الجامعة الأردنية) الناشر: مكتبة الرسالة الحديثة، عمان الطبعة: الأولى، 1984م.
 11 - العمدة في محاسن الشعر وآدابه : ابن رشيق القيرواني 1- الموسوعة الشاملة 
    http://www.alwarraq.com
 12 - تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي :أحمد شوقي عبد السلام ضيف الشهير د. شوقي ضيف (المتوفى: 1426هـ) - دار المعارف.
13 - الموسوعة العربية : مادة المنخل اليشكري نقلاً عن : 
ـ عمر فروخ، تاريخ الأدب العربي (دار العلم للملايين، بيروت 1978 .)
ـ ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد شاكر(دار المعارف، مصر 1966م .
ـ الأصفهاني، الأغاني  ) (دار الثقافة، بيروت) ، د.ت.
14 - موقع الموسوعة الحرة - مادة : المنخل اليشكري ، مصادرها من :
 قراءات في الشعر الجاهلي ، جمهرة أنساب قريش ، ديوان أنساب العرب - المنخل اليشكري ، ابن شهاب الزهري ، كتاب الأغاني .
15 - معهد آفاق التيسير للتعلم عن بعد : علم اللغة ، 
 18 جمادى الآخرة 1432هـ/21-05-2011م
محمد أبو زيد ..مشرف.
 يذكر بعض المراجع والمصادر التي توصلتُ إليها ، وأخرى لم تتوفر لديَّ ، أذكرها للقارئ الكريم  ،  ورتبتُ الأبيات  على روايات أخرى لتتفق والمعاني المتسلسلة ، دراسة أكاديمية بحتة موجزة.
 هي برقم في طبعة أوربة. وهي في الحماسة – شرح التبريزي. وهي أيضًا في الأغاني– 156 ذكر ومن الناس من يزيد في هذه القصيدة» ، وهي أيضًا في شعراء الجاهلية : 422 – 424. والبيت 1 في المؤتلف الميسر والقداح ، واللسان . وعجز البيت 4 في الجمهرة .المرزباني  البيان والتبيين .  المعرب للجواليقي .
 16 - الأعلام : خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى: 1396هـ)  ،- دار العلم للملايين الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو 2002 م. الهوامش عن  :
التبريزي والمؤتلف والمختلف وأسماء المغتالين لابن حبيب في نوادر المخطوطات 2.
كريم مرزة الأسدي

امراه واحدة لا تكفى/ نانسي ذهني

معروف عن معظم رجال هذا الزمن عنيهم زيغه شويتين. وعندهم حب الفضول لمعرفه البنات  اخرى. ومافيش مشكله انو يكون مرتبط ويعاكس ويعرف عليها  كمان.
طول ماهو معاه صلاحيه. بالزاوج. من ال4 والنظرة الاوله مباحه هتكون عينو. زيغه على كل البنات بس همها برده معزورين.. نسبه البنات اكتر بكتير واختلفو عن. زمان من حيث الموضه. مكياج شعر. والشكل.... الخ
 نداء للرجال هذا الجيل.
خاليك مع لتحبك تصونك وتحرمتك وتقدرك. علشان الحب الصادق. فى الوقت الحالى شبه مش موجود. للعوامل كثرة. اقاع الحياه بقا سرعه. مع زحمه الحياه. لا مال ولا جمال. بيدوم مافيش غير الحب. الصادق لى بيدوم من غير مصلحه ولا هموم
نحنو فى زمن نبحث فيه عن. الإخلاص والامانه 
والتفكير الصحيح.  فى اختيار  من نحب
نانسي ذهني 

جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة: لينا قنجراوي/ كريم عبدالله

خامساً : البوح التعبيري :

1 : - صولجان القبيلة .. بقلم : لينا قنجراوي

يقول ( هيجل ) : الشعر هو الفن المطلق للعقل , الذي أصبح حرّاً في طبيعته , والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادة الحسيّة الخارجية , ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطني للافكار والمشاعر .

مما لاشكّ فيه انّ الموهبة قد تموت وتنتهي بالتدريج اذا لم يستطيع الشاعر تطويرها واستثمارها أقصى إستثمار عن طريق الاطلاع على تجارب الاخرين والاستفادة منها والاتكاء على المخزون المعرفي لديه ,  وتسخير الخيال الخصب في انتاج وكتابة كتابات متميّزة ومتفرّدة تحمل بصمته الخاصة التي عن طريقها يُعرف ويُستدلّ بها على إبداعه , وقد تموت ايضا اذا لم تجد التربة الصالحة والمناخ الملائم لأنضاجها , وقد تنتهي حينما لمْ تجد مَنْ يحنو على بذورها التي تبذرها ويعتني بها ويُسقيها من الينابيع الصافية والنقيّة , فلابدّ من التواصل والتلاقح مع تجارب الاخرين الناجحة والعمل على صقل هذه الموهبة وتطويرها والاهتمام بها وتشجيعها والوقوف الى جانبها قبل أن تُجهض . نحن سعداء جدا في مؤسسة تجديد الادبية ان نستنشق الان ملامح إبداع جميل وحضور مشرق من خلال دعمنا المستمر للمواهب الصادقة والناجحة في هذا الموقع , فلقد اصبح لدينا الان مجموعة رائعة جدا من الشعراء والشواعر الذين يجيدون كاتبة القصيدة السرديّة التعبيريّة , ونحن لم ندّخر اي جهد في مساعدة الجميع عن طريق الدراسات النقديّة والنشر والتوثيق المستمر في المواقع الالكترونية الرصينة وفي بعض الصحف الورقيّة , وابداء الملاحظات من أجل تطوير وإنضاج هذه الاقلام الواعدة , نحن على ثقّة سيأتي اليوم الذي يشار الى كتابات هؤلاء والاشادة بها والى القيمة الفنية فيها ومستوى الابداع والتميّز وما تحمله من رساليّة فنيّة وجماهيريّة .

فلم تعد قوالب الشعر الجاهزة ترضي غرور شعراء السرد التعبيري لذا حاولوا ونجحوا في الانفلات من هذه القوالب ومن هيمنتها ولو بشكل محدود ( في الوقت الحاضر ) , وتجلّ هذا من خلال طرق كتابة النصّ والموضوعات التي يتطرق اليها , وترسخت فكرة التجديد لديهم وخطّوا لهم طريقا مغايرا في كتاباتهم , وصاروا يواصلون الكتابة وياخذون منحا اخر لهم بعيدا عما هو سائد الان في كتابة قصيدة النثر , صارت القصيدة أكثر حرّية وانفتاحا على التجارب العالمية ,  لقد منحت السرديّة التعبيريّة لكتّابها الحرية والواسعة والفضاء النقيّ الشاسع والأنطلاق نحو المستقبل خاصة حينما يكون التعبير أكثر شبابا وصدقا عن المشاعر الحقيقية المنبعثة من القلب الصافي كالينبوع العذب , فلقد أحسّ الشاعر بمهمتة الصعبة في الكتابة بهذا الشكل الجديد والمختلف والذي نؤمن به وبقوّة , فنحن نؤمن وعلى يقين بانّ القصيدة السردية التعبيريّة هي قصيدة المستقبل لقدرتها على  الصمود والتطوّر المستمر نتيجة التجربة الطويلة والتراكم الابداعي , بروعة ما تقدّمه وتطرحه على الساحة الشعرية , نعم أحسّ الشاعر بالانتماء والاخلاص لهذا اللون الادبي الجديد والذي نطمح في قادم الايام ان يكون جنسا أدبيا متميّزا , لهذا استطاع الشاعر ان يطوّع المفردة رغم قسوتها وعنادها وإعادة تشكيلها وتفجير كل طاقاتها المخبوءة , وأن يفجّر من صلابتها الينابيع والانهار وإستنطاقها نتيجة ما يمتلكه من خيال جامح ابداعي وعاطفة صادقة جيّاشة وإلهام نقيّ وقاموس مفرداتي يعجّ باللغة الجديدة .

سنتحدث اليوم عن صوت المرأة الشاعرة في السرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير الى مستوى الابداع وكميّة الشعرية فيها , ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .

انّ حضور الصوت النسائي في السرديّة التعبيرية له تاريخه المشرق وحضوره البهيّ , فمنذ تاسيس موقع ( السرد التعبيريّ ) كان حضور المرأة الشاعرة متميّزا ينثر عطر الجمال ويضيف ألقاً وعذوبة في هذا الموقع الفريد والمتميّز, وقدّمت قصائد رائعة جدا تناولها الدكتور انور غني الموسوي بالقراءات الكثيرة والاشادة بها دائما , وتوالت فيما بعد الاضاءات والقراءة النقدية لهذه التجارب المتميّزة من قبل بعض النقاد ومن بعض شعراءها . فاصبحت هذه القصائد نوعية مليئة بالابداع الحقيقي وبروعة ما تطرحه من أفكار ورؤى ومفعمة بالحياة وروح السرديّة التعبيريّة وخطّتْ لها طريقاً تهتدي به الاخريات ممن عشقن السرد التعبيري وحافظن على هيبته وشكله وروحه والدفاع عنه . لقد أضافت الشاعرة الى جمالية السرديّة التعبيريّة جمالا آخر وزخما حضورياً وبعثت روح التنافس وحرّكت عجلة الابداع فكانت بحق آيقونة رائعة . القصائد التي كتبتها المرأة في السرد التعبيري كانت معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمان والسعادة , بثّت فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , ولقد أزاحت عن كاهلها ثقل الهموم وسطوة اللوعة , ولقد جسّدت في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق , منحت المتلقي دهشة عظيمة وروّت ذائقته وحرّكت الاحساس لديه . كانت وستظلّ زاخرة بالمشاعر والاحاسيس العذبة ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتها الفسيولوجية والسايكولوجية كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها فانعكس هذا على مفرداتها وعلى الجو العام لقصائدها , فصارت المفردة تمتلك شخصية ورقّة وعذوبة وممتلئة بالخيال وبجرسها الهامس وتأثيرها في نفس المتلقي , فكانت هذه القصائد تمتاز بالصفاء والعمق والرمزية المحببة والخيال الخصب والمجازات ومبتعدة جدا عن المباشرة والسطحية , كانت عبارة عن تشظّي وتفجير واستنهاض ما في اللغة من سطوة , كل هذا استخدمته بطريقة تدعو للوقوف عندها والتأمل واعادة قراءتها لأكثر من مرّة لتعبر عن واقعها المأزوم وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلها الحياتية والتزاماتها الكثيرة استطاعت الشاعرة ان تخطّ لها طريقا واضحا وتتحدّى كل الصعاب وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فلقد بذرت بذورها في ارض السرد التعبيري ونضجت هذه البذور حتى اصبحت شجرة مثمرة . لقد وجدنا في النصوص المنتخبة طغيان النَفَس الانثوي واحتلاله مساحة واسعة فيها معطّرة برائحتها العبقة واللمسات الحانية والصدق والنشوة , فكانت ممتعة جدا وجعلت من المتلقي يقف عندها طويلا منتشيا , وحققت المصالحة ما بين الشاعرة والمتلقي وهذا ما تهدف اليه الكتابة الابداعية .

البوح التعبيري :

هو وصف العالم وطلب الخلاص بطرح رؤية فدرية عميقة للحياة والعالم وما هو واجب ومفترض , فتكون معاني الأشياء غير معانيها .

لقد مرّ الشعر بمراحل عديدة وبأشكال متنوعة ومختلفة عبر الاجيال , وفي كل مرحلة نجد خلال هذه الفترات ظهور اجيال جديدة تحاول الخلاص من شرنقة الارث المتعارف عليه والسائد , او نجد بعض المحاولات الفردية لدى بعض الشعراء ممن يركب موجة المغامرة والتجديد . ورغم المواجهة العنيفة ما بين انصار القصيدة القديمة وانصار القصيدة الحرّة / الجديدة / , تبقى القصيدة ويبقى الصراع مستمرا مادام هناك الشعر والشعراء . لقد حاول كتّاب قصيدة السرد التعبيري التفرّد بهذا الشكل الادبي الجديد / القصيدة الأفقية التي تكتب على شكل فقرات وبدون تشطير او فراغات او سكتات وتوقفات / والتحليق في فضاءات بعيدة , ولكونهم يعيشون في زمن مضطرب فكريا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا , فجاءت كتاباتهم متميّزة بالرسالية الواضحة , ورغم اللغط والتشكيك بعدم صمود هذه القصيدة على مرّ الزمن , الا اننا في كل يوم نجد اننا امام قصيدة رصينة متميّزة طموحة ترغب بالانطلاق نحو المستقبل والثبات والصمود . لقد اصبحت هذه القصائد تبحث عن مساحة لتتبنى خطابا شعريا يعبّر أصدق تعبير عن محنة الانسان العربيّ في هذا الزمن , وتخلق لها جسورا مع المتلقي بما تمتلكه من لغة عذبة ريّانة تبوح بكل مكنوناتها وتكشف عن طاقاتها الكامنة , وخيال ابداعي ينشّط ذاكرة المتلقي وتثر لديه الكثير من التساؤلات والتأويلات , لغة تملك روح التمرّد على ماهو سائد , تنفذ عميقا خلاّقة موحية بالجمال والرسالية في الذات الانسانية ومنبعثة من الهمّ الانساني المشترك لهذا الانسان في هذه الارض . بالعودة الى قصيدة الشاعرة : لينا قنجراوي / صولجان القبيلة / نتلمس بوضوح ومن وراء مفرادتها رسالة توحي لنا ببوح تعبيري هامس تعبّر عن القلق والخوف والصراع , صراع يظهر مجددا ما بين الانسان والأطر الاجتماعية وقيود القبيلة الصارمة وسلطانها . / أخائفٌ أنتَ ؟ ../ سؤال استفهامي تبتدأ به الشاعرة قصيدتها لتوحي لنا بأن هناك خوفا يعتري هذا الانسان وبالعودة الى العنوان / صولجان القبيلة / تأخذنا الى التقاليد والاعراف التي ترّينا عليها واصبحت طوقا يطوّقنا دائما ويحدد حركتنا الفكرية والثقافية , ثم تعود تطرح سؤالها الثاني ../ ممَّ تخاف و صولجان القبيلة كسرته نفحات رجولتك؟ ../ فمن خلال هذا الوحدات النصّية تبني الشاعرة فضاءها الدلالي وتكشف عن كينونتها وأحاسيسها وجلجاتها , تصرّح وبصوت عال عن افكارها وتبعث رسالة الى / الاخر / مذكّرة اياه بإنسانيته النقيّة وضرورة العودة ما فطره الله فينا , ونبذ كلما يشوّه نفوسنا نتيجة هذه القيود التي تحزّ للان فينا وتكبّلنا ../ وتاج الإنسانية يتلألأ فوق هامتك ../ . بعد ذلك تحاول الشاعرة ان تبثّ روح التمرّد والشجاعة والتحرر من هذه القيود , حيث يبدأ النصّ بالنمو والتمدد على مساحة من التعبيرات والرؤى وفق ما تراه الشاعرة وتؤمن به ../ كُنْ شجاعاً يا عزيزي و حرّر ذاتك من رواسبَ أثقلت كاهل حريتك ../ . ثم ينحرف النصّ متحولا من الزمان الحاضر الى المستقبل ../  غداً... / , ان الواقع المتردي يجعل الانسان امام تحديات كثيرة وصراعات ربما أشدّ انواعها قسوة هو الموت , كونه يعيش في واقع حزين تتمثل فيه العواطف الكاذبة والمشاعر الخادعة والاعراف والتقاليد البالية ../  ستضع رأسك بين أرقام المغادرين و عليه تذكرة بعدد السنين تحت لقب عمرك ../ . ثم تأخذنا الشاعرة الى عالم اخر , عالم الفقد والاختفاء من على مسرح الحياة ../ و أنت تسمعهم يشيدون بخصالك و روحك تقرقر جوعاً للحب و الحرية ../ . وانقطاء الاثر والضياع في عالم من الصمت البعيد وانقطاء الامل ../ و عيناك تفتقدان دمعةً سجينةً في لواء الممنوعات السخية!!!! ../ .

استطاعت الشاعرة ان تجعل الحركة تتدفق في نسيجها اللغوي ضمن فضائين / الحياة .. و .. الموت / وما بين /  البراءة والفطرة .. والعادة والتقاليد التي شوّهتها / , واستطاعت عبلا لغة السردية التعبيرية ان تجعلنا نتفاعل ضمن هذه المساحة الزمنكانية ونستمع الى صوتها .

النصّ :

صولجان القبيلة .. بقلم : لينا قنجراوي
أخائفٌ أنتَ ؟ممَّ تخاف و صولجان القبيلة كسرته نفحات رجولتك؟.... كُنْ شجاعاً يا عزيزي و حرّر ذاتك من رواسبَ أثقلت كاهل حريتك .غداً... ستضع رأسك بين أرقام المغادرين و عليه تذكرة بعدد السنين تحت لقب عمرك. و أنت تسمعهم يشيدون بخصالك و روحك تقرقر جوعاً للحب و الحرية ، و عيناك تفتقدان دمعةً سجينةً في لواء الممنوعات السخية!!!!

ما الذي يمنع أن يكون أجدادنا الأولون مسيحيون قبل الإسلام ؟!/ أشرف حلمى

عنوان مقالى هذا ما هو إلا رد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله على السيد بيتر هايلير مكتشف كنيسة ودير يرجع تاريخهما للقرن السابع الميلادي عمرهما اكثر 1400 سنة بدولة الإمارات العربية والذى تردد كثيراً فى ذلك الوقت بإبلاغ قائد الأمة المسلم خوفاً من رد فعله الا يكون غاضباً , وذات يوم عام ١٩٩٢ كان هايلير برفقة الشيخ زايد في جزيرة صير بني ياس يقود فريقاً لتنمية الجزيرة وفى اليوم التالى سأله الشيخ زايد عن سر القلق والإرهاق الذى ظهر على وجهه , فرد السيد هايلير  قائلاً ( إننا اكتشفنا بوادر تدل على وجود دير مسيحي فى جزيرة صير بنى ياس) فما كان من الشيخ زايد إلا أن شجعه وقال له ( ما الذي يمنع أن يكون أجدادناالأولون مسيحيون قبل الإسلام؟!) .

رد المغفور له الشيخ زايد على هايلير كان بمثابة اعترافاً تاريخياً بوجود المسيحية والكنيسة قبل ١٤٠٠ عاماً بدولته ودعوة لأبناء الشعب الإماراتي وحكامه لنشر سياسة التسامح والتعايش السلمى بين اصحاب الأديان داخل البلد الواحد والعمل على تقدم البلاد خوفاً عليها من الفتن الدينية فى الوقت الذى ظهرت فيه جماعات الاسلام السياسى فى العديد من الدول الإسلامية التى صنعت من الدستور وسيلة للتمييز ونشر الفتن الدينية وأدت فى نهاية المطاف الى السقوط والغرق فى مستنقع الاٍرهاب وسياسة عدم قبول الاخر  , فكم كان درساً قوياً عظيماً لحكام الإمارات العربية الذين عملوا على تقدم البلاد سياسياً , إقتصادياً وسياحياً خلال السنوات الماضية ودينياً ايضاً وذلك بتخصيص بعض من أراضى الدولة مجاناً لإنشاء الكنائس والكاتدرائيات للطوائف الكاثوليكية والأرثودكسية والبروتستانتية إضافة الى معابد لاصحاب الديانات الاخرى وافتتاح الدير  الاثرى الذى اكتشفه السيد هايلير  عام ٢٠١٠ ويتبع الكنيسة السريانية الشرقية , وتاكيداً للتعايش السلمى أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة قانون عام٢٠١٥ بشأن مكافحة التمييز والكراهية والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بإزدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبرمختلف وسائل وطرق التعبير , والذى يهدف إلى إثراء ثقافة التسامح العالمي،ومواجهة مظاهر التمييز والعنصرية، أياً كانت طبيعتها، عرقية، أو دينية، أو ثقافية.

من هنا استحقت الإمارات العربية كى ما تكون عاصمة عالمية للتسامح كما أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة رئيس دولة الإمارات الذى اطلق على هذا العام٢٠١٩ عاماً للتسامح لتأكيد قيمته الذى رسخه والده الشيخ زايد مؤسس الدولة وأدى الى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة وهذا يؤكد على ترحيب البابا فرنسيس بابا الفاتيكان بزيارتة لدولة الإمارات التى سيقوم خلال الاسبوع القادم فى الفترة من ٣ الى ٥ فبراير  وسيترأس اكبر قداس إلهى تشهده منطقة الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ وذلك تلبية لدعوةالشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي من أجل المشاركة في حوار عالمي بين الأديان .

حفظ الله بلادنا مصر من شر الفتن الدينية وان يشع نور التسامح وقيم قبول الاخر من عاصمة التسامح الخليجية كى ما تضئ القلوب المظلمة فى جميع الاوطان والبلدان التى تعانى الفتن وان تتخذ من الإمارات مثالاً حقيقياً يحتذى به فى قبول وإحترام الاخر والذى أدى الى جعلها مركزاً سياحياً عالمياً ووجهة مشرفة يتجة اليها السياح خلال العام خاصة مع أعياد الميلاد ورأس السنة وتصدرها قائمة افضل الدول العربية وعالمياً وحصولها على المركز الاول عربياً والـ  ٢٣على العالم طبقاً لدراسة قام بها موقع "يو إس نيوز" الأميركي , كذلك محافظتها على المرتبة الأولى عربياً للعام الرابع على التوالي فى تقرير السعادة العالمي لعام ٢٠١٨ الصادر عن معهد الأرض في جامعة كولومبيا وشبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة. 

هل يتكرر مصير حرب فيتنام في أفغانستان؟ أفغانستان لن تكون آخر حروب أميركا/ صبحي غندور

ما أعلنته حركة "طالبان" الأفغانية منذ أيام قليلة من مسودّة لاتفاق يهدف إلى إنهاء الحرب في أفغانستان، تمّ إعدادها أثناء محادثات أجرتها الحركة مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشأن الأفغاني زالماي خليل زاد، هو مفصل مهمّ في سياق الحرب الأميركية في أفغانستان التي بدأت قبل 17 سنة، وهي أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة في تاريخها. فما نصّت عليه مسودّة الاتفاق يعني ضمناً قبولاً أميركياً بتسليم السلطة مستقبلاً لحركة "طالبان" وبسحب "قوات الناتو" من أفغانستان خلال 18 شهراً مقابل تعهّد "طالبان" بعدم السماح لأنشطة "القاعدة" و"داعش"، وأيضاً للمسلّحين الانفصاليين البلوش، الناشطين في جنوب غرب أفغانستان، من استخدام هذه المنطقة كمنطلق لهم في عملياتهم ضدّ باكستان المجاورة.
وهناك تجاهلٌ واضح في هذه المفاوضات الأميركية مع "طالبان" لحكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي عبّر عن امتعاضه من الموقف الأميركي، ومن عدم مشاركته في المفاوضات، ولغياب التنسيق مع حكومته قبل إعلان نتائجها.
وما أعطى مصداقية لهذه الجولة من المفاوضات، قرار "طالبان" بتعيين الملا عبد الغني برادار كرئيس للوفد المفاوض منها، وهو أصلاً أحد المؤسّسين للحركة وكان معتقلاً في باكستان منذ عدّة سنوات، ولم تقبل كراتشي بتسليمه للحكومة الأفغانية إلى حين الإفراج عنه في شهر أكتوبر الماضي، وهو أمرٌ جرى حتماً بتنسيق مع واشنطن لكي يتمّ التوصّل إلى اتفاقيات تلتزم بها الحركة وتدعمها باكستان.
وواضحٌ في نصوص مسودّة الاتفاق، وبالمفاوضات نفسها، بأنّ واشنطن قد فشلت في إنهاء حركة "طالبان" بعد إسقاط حكمها في نهاية العام 2001، وبأنّ المراهنة الأميركية على إقامة "حكم بديل" يستقطب الأفغانيين ويعزل الحركة، لم ينجح رغم كل المحاولات والخسائر البشرية والمالية في حرب أفغانستان على مدار 17 سنة. وقد حاول الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تخفيض عدد القوات الأميركية في أفغانستان وتحجيم دورها العسكري ووضع جدول زمني لانسحابها، لكنّه لم يستطع تحقيق ذلك بسبب ضغوطات "البنتاغون" والغالبية "الجمهورية" في الكونغرس. وهاهو الرئيس ترامب "الجمهوري" يدفع الآن بهذا الاتّجاه رغم امتعاض المؤسّسة العسكرية من هذا الأمر الرئاسي.
فعملية اتّخاذ القرار لدى الإدارة الأميركية الحالية تخضع لاعتباراتٍ كثيرة أبرزها هو كيفية التوفيق الآن بين مصالح "الدولة الأميركية" في محاولة إبقاء تفوّقها العالمي الراهن، وبين مصالح ترامب الذاتية والقوى الأميركية المحلّية الضاغطة التي ساهمت في دعم الرئيس ترامب وإيصال إدارته الجمهورية إلى سدَّة الحكم في البيت الأبيض.
ولا شكَّ أنَّ تحقيق هذا المزيج بين "مصالح الدولة" و"مصالح النظام الحاكم" ليس بالأمر السهل دائماً، لكن ما كان يساعد هذا المزيج في الحياة السياسية الأميركية أنَّ الشعب الأميركي لم يكن يهتمّ كثيراً في شؤون السياسة الخارجية لأيَّة إدارةٍ حاكمة، أمَّا اهتماماته الداخلية فكان يمكن توجيهها من خلال وسائل الإعلام الكبرى وإثارة القضايا التي تضمن استمرارية نمط الحياة الأميركية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
لكن يوم 11 سبتمبر 2001 أفرز حالةً جديدة في المجتمع الأميركي، فقد أدرك الأميركيون أنَّهم ليسوا في جزيرةٍ منعزلة عن أحداث العالم، وبأنَّ ما يحدث في أقصى الشرق قد يصيب بتفاعلاته الأمنية والاقتصادية دولة أميركا القائمة في أقصى الغرب. وقد وظّفت إدارة بوش الابن هذه "اليقظة" لدى الشعب الأميركي من خلال قيامها بغزو كلٍّ من أفغانستان والعراق وبإعلان "الحرب على الإرهاب"، وذلك سعياً لتحقيق أجندة "المحافظين الجدد" على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وقد أدّت نتائج الحرب على العراق إلى خسائر سياسية كبيرة للحزب الجمهوري إضافةً للخسائر الاقتصادية والعسكرية التي أصابت الولايات المتحدة بسبب هذه الحرب، خاصّةً بعد تبيان زيف الذرائع التي اُعطيت لها وعدم وجود مشروعية دولية خلفها، ممّا ساهم في وصول مرشّح الحزب الديمقراطي باراك أوباما لمنصب الرئاسة الأميركية، وهو الذي تعهّد بسحب القوات الأميركية من العراق ولم يكن من الموافقين في الكونغرس، حينما كان عضواً في مجلس الشيوخ، على دعم قرار إدارة بوش الابن في غزو العراق.   
أمّا الحرب في أفغانستان، فقد دعمها الشعب الأميركي بمعظمه لأنّها كانت أشبه بحال انتقام لما حدث في يوم 11 سبتمبر 2001 بحكم وجود أسامة بن لادن وقيادات تنظيم "القاعدة" فيها، وهو التنظيم الذي أعلن مسؤوليته عن أحداث سبتمبر، ولذلك لم يكن سهلاً إقناع الأميركيين وأعضاء الكونغرس بصوابية قرار سحب القوات من أفغانستان قبل القضاء على حركة "طالبان" التي كانت تدعم بن لادن و"القاعدة" ووفّرت لهما ملاذاً آمناً قبل سبتمبر 2001.
لكن رغم ذلك، فإنّ تداعيات حرب أفغانستان جعلتها تُشبه إلى حدٍّ كبير الحرب الأميركية على فيتنام في حقبة الستّينات من القرن الماضي، والتي سبّبت خسائر كبيرة للولايات المتحدة، وانتهت بمفاوضات في باريس أدّت إلى الانسحاب الأميركي وتسليم الحكم إلى من كانوا يحاربون أميركا من ثوّار فيتنام الشمالية "الفيتكونغ"، وإلى التخلّي عن حكومة فيتنام الجنوبية المدعومة من واشنطن.  
وهذه هي الحرب الثانية، بعد العراق، التي "تخسرها" الولايات المتحدة في هذا القرن الجديد، لكن دون أن يؤثّر ذلك على القوّة العسكرية الأميركية المنتشرة في العالم وعلى تفوّقها النوعي والكمّي على أي دولةٍ أخرى. فما زالت الميزانية العسكرية الأميركية هي الأضخم بنسب كبيرة مقارنة مع ميزانيات الدفاع لدى القوى الكبرى الأخرى. فالميزانية العسكرية الأميركية هي حوالي 10 أضعاف الميزانية الروسية وحوالي أربعة أضعاف الميزانية الصينية. ولم تكن خسارة أميركا في فيتنام مبرّراً لخفض الإنفاق الأميركي على المؤسّسة العسكرية أو سبباً لانسحاب أميركا من الأزمات العالمية أو لعدم خوض حروبٍ جديدة. وقد رصدت إدارة ترامب الآن أكثر من 700 مليار دولار لصالح ميزانية "البنتاغون"، وهو أكبر مبلغ يُخصّص لهذه المؤسّسة منذ تأسيسها.
وفي تقديري، فإنّ امتعاض المؤسّسة العسكرية الأميركية من قرارات ترامب بالانسحاب من سوريا وأفغانستان لن يؤثّر على حجم التقدير الكبير له نتيجة زيادة حجم ميزانية المؤسّسة، والتي ترى أنّ أولوياتها هي الآن تجاه روسيا والصين ومحاولة التنافس معهما على الأرض والفضاء معاً، وما يعنيه ذلك من تطوير ضخم لنوع السلاح الأميركي ولضمان تفوّقه وانتشاره في أرجاء العالم كلّه. 
صحيحٌ أنّ الولايات المتحدة قد فشلت في تحقيق الكثير من أهدافها ومشاريعها في حروب وصراعات مختلفة حدثت في العقدين الماضيين. وصحيحٌ أيضاً أنّ هناك سعياً روسياً وصينياً دؤوباً لتكريس نظام متعدّد الأقطاب في العالم. وصحيحٌ كذلك أنّ عدّة دول في قارّات العالم تحبّذ الآن حصول تعدّدية قطبية. لكن هل تتصرّف أميركا الآن على أساس وجود تعدّدية قطبية في العالم، أو في الحدّ الأدنى، هل سلّمت واشنطن بهذه المتغيّرات الدولية الجارية حالياً؟!.
الإجابة عن هذه التساؤلات تتطلّب رؤيةً دقيقة لواقع أزمات دولية حاصلة الآن، ولكيفيّة الانتشار الأميركي الراهن في العالم. فواشنطن (الدولة العميقة) هدفها الأول تعميق العلاقات الأمنية والاقتصادية والسياسية مع دولٍ تُشكّل بيئةً جغرافية مهمّة للصين، وبعضها (كاليابان) له مشاكل مع الصين وتاريخٌ سيء في العلاقات. ومن بين هذه الدول، ثلاثٌ منها تحتوي على وجود عسكري أميركي مهمّ منذ الحرب العالمية الثانية: اليابان، الفيليبيين وكوريا الجنوبية. وهناك الآن قرار أميركي بتحويل ما يُقارب ثلثي القوة البحرية الأميركية إلى منطقة المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا. فواشنطن تقوم الآن بخطواتٍ استباقية لمنع تحوّل القوة الاقتصادية الصينية إلى قوّة عسكرية ضخمة منافسة للولايات المتحدة. 
أمّا محاولات التحجيم الأميركي لروسيا فهي متعدّدة، رغم حرص واشنطن على عدم حدوث تصادم عسكري مع القوة العسكرية الروسية التي تملك صواريخ نووية عابرة للقارات ولم تصطدم معها أميركا في أسوأ ظروف "الحرب الباردة"، حيث حرصت موسكو وواشنطن (كما تحرصان الآن) على إبقاء الصراعات بينهما في ساحات الآخرين، ومن خلال الحروب بالوكالة عنهما وليس بالأصالة منهما. ولعلّ الأزمة الأوكرانية، وقبلها جورجيا، ومعها الآن سوريا، لأمثلة عن كيفية سعي واشنطن لتحجيم النفوذ الروسي العالمي، ولمشاركة روسيا في مناطق هي محسوبةٌ كلّياً لموسكو. فالبعض يتصوّر الآن أنّ موسكو انتصرت في المسألة الأوكرانية بينما واقع الحال هو أنّ واشنطن ومعها "الناتو" قد وصلا إلى الحدود الإستراتيجية المباشرة للاتّحاد الروسي، بعد أن امتدّا أصلاً إلى دول أوروبا الشرقية وأصبح جزءٌ من هذه الدول عضواً في حلف "الناتو"!.
هناك بتقديري فارقٌ كبير بين مقولة "الانحسار الأميركي" وبين عدم نجاح واشنطن في السنوات الماضية بتحقيق كل ما كانت تريده أو ما خطّطت له من مشاريع. وهذا ينطبق على حربيها في العراق وأفغانستان، وعلى "مشروع الشرق الأوسطي الكبير"، وعلى الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، وعلى ما يحدث في سوريا. ففي هذه الحروب والأزمات فشلت واشنطن في تحقيق ما تريده بشكلٍ كامل لكنّها حتماً استطاعت أيضاً مدّ تأثيراتها على مناطق لم تكن محسوبة لها بالسابق.
عالم اليوم متعدّد الأقطاب فعلاً، لكن من المهمّ الفهم السليم للواقع والانطلاق منه لتغييره، وعدم اعتبار النجاح في الدفاع عن الوجود ببعض المواقع تراجعاً نهائياً من قبل "المهاجمين" أو قبولاً تلقائياً بحقوق "المدافعين"!.

الشعراءُ والمجوسيّة/ د. عدنان الظاهر

لم يردْ ذكرُ المجوس والمجوسية في القرآن ( ذكر الإنجيل المجوس : إذا مجوسُ من المشرق ... / إنجيل متّي ) "1" فكيف عرفهما الشعراء العباسيون الكبار دون شعراء العصر الأموي؟ لم يرد ذكر المجوس ـ على حدّ علمي ـ في الشعر الجاهلي ولا في شعر العصر الأموي. ورودهما في الشعر العباسي يعني أنهما كانا معروفين ومتداولين في ذلك العهد فما كانت مصادر تلك المعرفة ؟ طبيعي أنْ تكون المصادر محصورة في نطاق الشعراء والكتاب والفقهاء والمفسرين وعلماء اللغة الأعاجم من غير العرب في الأصل في طليعتهم ابن المقفع وربما الجاحظ والشعراء بشار ابن بُرد وأبو نؤاس وأبن الرومي وأبو تمّام اللاتينيّ الأصل كما هو معروف عنه. وماذا عن المتنبي وأبي العلاء المعرّي وهما عربٌ أقحاح ؟ كيف عرفا الديانة المجوسية واستخدماها في شعريهما مجازاً أو مباشرةً بل وذكرها المعري أكثر من مرّة  في ديوانه سقط الزند "2" . عرف عرب الجاهلية الديانتين اليهودية والنصرانية بفضل وجود اليهود والنصارى في جزيرة العرب وقريباً منها في اليمن ثم الحبشة .. والمجوسية كما تذكر بعض المصادر فضلاً عن الديانة الحنيفية التي ذكرها القرآن مراراً. عرف تجّار قريش النصرانية خاصة من خلال رحلاتهم الصيفية للإتجار في بلاد الشام حيث الغساسنة النصارى هناك والكنائس والأديرة والصومعات المنتشرة على طول الطريق الذي يربط الحجاز بأرض الشام.
أبدأ بأول مّن ذكر المجوس من بين الشعراء أعني بشار ابن برد . نقرأ في كتاب " شرح ديوان المتنبي "3" تأليف أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ت 468 هجرية " في الصفحة343 ما يلي :
( حدّثنا أبو الفضل العروضي إملاءً قال : حدثنا أبو نصر محمد بن ظاهر الوزير قال : أخبرنا سعيد بن محمد الذهلي عن العنبري قال : بينا بشّار في جماعة من نساء يداعبهنَّ قلن له : ليتنا بناتك فقال : وأنا على دين كسرى ) يعني أنه مجوسي فالمجوسية كانت ديانة كسرى وقومه حينذاك. والمجوسية تبيح الزواج بين الآباء وبناتهم. 
الشاعر الثاني في هذا المسلسل هو أبو تمام القائل " 4 " :
بأبي مَنْ إذا رآها أبوها
شَغَفاً قالَ ليتَ أنّا مجوسُ
وثمّةَ شاعر آخر" 5 " لا أعرف بالضبط تأريخ حقبته الزمنية هو عبد الصمد بن المُعذّل كان قد قال في جاريته ( كان يسميها بنته ) بضعة أبيات أقتطف منها ما يلي :
أُحبُّ بُنيتي حُبّاً أراهُ
يزيدُ على محبّاتِ البناتِ
....
....
أرى حُكمَ المجوسِ إذاً لدينا
يكونُ أحلَّ من ماء الفُراتِ
يُحل الشعراء ممارسة الجنس مع بناتهم ولكن حسب شريعة المجوس ! لم يكتفوا بأزواجهم الحليلات ولا بالجواري والسبايا والفتيات والغلمان وما ملكت أَيمانهم فأحلوا ممارسة البنت زوجاً أو خليلة محظية بانتحال المجوسية ديناً !
وماذا عن شاعرنا أبي الطيّب المتنبي .... هل تناول المسألة المجوسية في شعره ووظفها في أمور تخدم أغراضاً محددة ؟ الجواب نعم ولكنْ ؟ لم يُخالف الشعراء الذين سبق ذكرهم في توظيفه لمفردة المجوس لكنه استعملها إستعمالاً خاصاً وفي موضع أشد خصوصية لا علاقة له به من حيث إباحة زواج البنت من أبيها والأخت من أخيها فمعروف عنه أنه لم يقترن بأية إمرأة بعد وفاة عقيلته أم مُحسّد. قال المتنبي "6" في قصيدته الذائعة الصيت التي هجا فيها إسحق بن إبراهيم بن كيغلَغ التي مطلعها :
لهوىِ القلوبِ سريرةٌ لا تُعلمُ
عَرَضاً نظرتُ وخِلتُ أني أسلمُ
يا أُختَ مُعتنِقِ الفوارسِ في الوغى
لأَخوكِ ثَمَّ أرقُّ منكِ وأرحمُ

يرنو إليكِ مع العفافِ وعندهُ
أنَّ المجوسَ تُصيبُ فيما تحكمُ
إختلف شُراح ديوان المتنبي وغيرهم في تفسير هذه الأبيات ففيهم من شرّق ومنهم مَنْ غرّب وشطَّ من قبيل ( قال ابنُ جنّي / يرميه باخته وبالأُبنة .. ) ... ( قال أبو الفضل العروضي : شبب بإمرأة أخوها مُبارز قتال هو على قساوة قلبه وإراقته الدماء أرحمُ منكِ ... ) ... ( وقال ابن فورجة :شبب بإمرأة ومدح أخاها ...  ثم قال لحبيبته : أنتِ قاسية القلب وأخوكِ على بسالته إذا لقي العدو كان أرحم منك لي وأرق منك عليَّ ، ثم أراد المبالغة في ذكر حسنها فقال : أخوكِ يودُّ لو كان دينه دين المجوس فيتزوج بك، والنهاية في الحسن أنْ يودَّ أخوها وأبوها أنها تحلُّ له ولآجل هذا قال أبو بكرٍ الخوارزمي " تخشى عليها أُمُّها أَباها ". علي بن إسماعيل بن سيّدة المُرسي الأندلسي 398 ـ 458 هجرية " 9 " أحد أذكياء قدامى نقّاد الشعر من حيث الموضوعية والرصانة وبعد النظر فيما يقول وهو فيه متفق مع ما قال كلٌّ من العروضي وإبن فورجة سالفي الذِكْر. أنقل عنه ما قال بشأن هذين البيتين من الشعر ففيما قال نسف لتفسير إبن جنّي لهما وسوء فهم أو سوء نيّة بعض شرّاح ديوان المتنبي الآخرين. قال (( قيل : يخاطب محبوبته، جعلها أختاً تعفّفاً عنها وتنزّهاً عن الفجور بها. " لأخوكِ " يعني نفسه ( لا يعني المتنبي نفسه ! إنه قصد أخاها ... مُعتنق الفوارس / ملاحظتي، عدنان ) ـ ثّمَّ ـ أي في موضع القتال واعتناق الفوارس أرقُّ منكِ في الهوى وأرحمُ، ذلك على قساوته في الحرب. " يرنو إليكِ مع العفافِ " أي أنَّ أخاكِ ـ وهو يعني نفسه ـ ينظر إليكِ فيُعجبه حُسنكِ إلاّ أنه يعفُّ تشرّفاً لا تديّناً وعنده مع عفّته أنَّ المجوسَ تُصيبُ في حكمها الذي هو نِكاح الأخوات. يتابع إبن سيّدة فيقول : وإنْ شئتَ قُلتَ إنه يتغزل بأخت رجلٍ شجاع فيقولُ لها أخوكِ على شدّته وبسالته أرقُّ منكِ وأرحمُ، ثم أخبرَ عنه أنه يرنو إليها مع العفاف الذي توجبه منافرة الطبيعة لنكاح الأخوات فيذمُّ نفسه على ذلك العفاف الطبيعي وعنده أنَّ المجوسَ تُصيب في نكاح الأخوات. وقد قيل في هذين البيتين قولٌ لا ينبغي أنْ يُلتفتَ إليه لسُخفه )).
ما رأي القرّاء الكرام وخاصة الشعراء ونُقّاد الشعر ومحبيه في تفسير أبيات المتنبي هذه ؟
هل في الأمر أُبنة وهل لتهمة الأبنة هذه علاقة بصورة المتنبي الشعرية المُذهلة في قوله [ يا أُختَ مُعتَنِقِ الفوارسِ في الوغى ] ؟ أين دلالات الأبنة ؟ مُعتنق الفوارس تعني في نظري المشتبك بالفوارس الذي يباغت عدوه بالهجوم عليه وضمه إليه بقوة ليغرز في قلبه أو بطنه أو ظهره خنجراً أو أية آلة مدببة جارحة وقال مثل هذا الإيطالي ميكيافيللي بعد قرون في كتابه " الأمير " [ عانق عدّوك ثم اغرزْ في ظهره خنجرك ]. كيف ولماذا يذهب بعض النقاد وبعض قرّاء شعر المتنبي هذا المذهب الغريب في تفسيراتهم ؟ لقد ذهب هذا المذهب الغريب حتى بعض قرّاء ومترجمي ملحمة كلكامش إذْ زعموا أنَّ علاقة جنسية مِثلية كانت تربط هذا بصديقه أنكيدو !! المتنبي يتغزل كعادته في مطالع غالبية قصائده العظمى ولا علاقة لغزله هذا بإسحق بن إبراهيم الذي قال هذه القصيدة في ذمّه ، لذا فالأُبنة ـ إنْ كانت موجودة ولا أحسبها كذلك ـ لا تخص الرجل المذموم إنما تخص الفارس الذي تغزل المتنبي بأخته : 
يا أُختَ مُعتنِقِ الفوارسِ في الوغى 
لأخوكَ ثَمَّ أرقُّ منكِ وأرحمُ
يرنو إليكِ مع العفافِ وعنده
أنَّ المجوسَ تُصيبُ فيما تحكمُ
في هذه اللوحة عناصر ثلاثة رئيسة هي : أخت قاسية ظالمة وأخ فارس مقدام رقيق رحيم يجد في العنصر الثالث " الدين المجوسي " ما يخوّله حق النظر إلى أخته نظرة المتشهي الراغب فيها زوجةً حسب الشرع المجوسي. إنها لوحة لا ريبَ معقدة شائكة تثير في البعض الهواجس والشكوك والريب لكنَّ هذا هو شأن ودأب المتنبي في أغلب شعره ففيه التحدي وفيه شئ من السوريالية الحديثة. رقّة فارس شجاع جسور تقابلها قساوة وظلم أخت هذا الفارس الشجاع ... فالمتنبي هو الأمير في شأن جمع المتناقضات في شعره.
الآن، وقد فرغنا من أمر شعراء الحقبة العباسيّة وما قالوا في المجوس والمجوسيّة أرى من الطريف أنْ أذكر شاعراً عراقياً عاصرناه لعقود حتى فارقنا مأسوفاً عليه ... أقصد المرحوم الشاعر عبد الوهاب البياتي فما خطبه ؟ كيف تناول موضوعي المجوس والمجوسية وبِم اختلف مع ما سلف من قدامى الشعراء بخصوص هذين الموضوعين؟ سنرى أنَّ الفرق هائل وجسيم لا علاقة له بالزواج من البنت والأخت بل وربما حتى بالأم. هل أنَّ البياتي يميلُ إلى مسألة النار وعبادتها لدى المجوس وما الذي يُغريه في النار وما دلالتها بالنسبة له وهو كما هو معروف عنه رجل عراقي عربي مسلم يميل للمتصوفة وغير معروف الطائفة .. هل هو شيعي أم سُنيّ ؟ له فيديو يصلي في حضرة عبد القادر الكيلاني في بغداد.. هل فعل ذلك لأنه سُني الطائفة أم لأنه من أتباع الكيلاني ومدرسته القادرية في التصوف؟ إني مع التفسير الثاني الذي لا ينفي التفسير الأول. على أية حال...  إنه بيّاتي وكفى... رجل مستقيم نزيه يعاقر الخمرة خفيفةً لكنه، كالمتنبي، لا يصوم رمضان ولا يزني ولا يلوط ولا يلعب القمار، مخلصاً لزوجه وابنة عمّه السيدة أم علي، لم يعرف من النساء بعد زواجه غير هذه الزوجة الصابرة المخلصة المتفانية وبهذا فإنه مخالف للشاعر نزار قباني الغارق في عالم النسوانيات إلى أعلى من أُذنيه.
قصيدة البياتي " المجوسي "  7 " هي بيت القصيد، نجد بعدها مباشرة قصيدة للشاعر تحمل عنوان "هكذا قال زرادشت " وزرادشت هو نبي الديانة المجوسية ! وعنوان القصيدة هذه هو بالضبط عنوان كتاب شهير للفيلسوف الألماني نيتشة " هكذا تكلم زرادشت " .. وقد سبق وأنْ نشرتُ مقالة عنه ناقداً مواقفه من المرأة عموماً. لست أنوي نقد قصيدة المجوسي للبياتي فهذا ليس أوان نقدها ولا مكانه لكني سأنتقي من أبيات هذه القصيدة ما يلائم ويخدم منهجي في مقالي هذا وسنرى أنه غير معنيٍّ بمسألة الزواج من البنات والأخوات والرجل ليس مزواجاً مكتفياً بما لديه. كل ما قال البياتي في قصيدة " المجوسي " لا علاقة له بالمجوسية كديانة ولا بنبيّها زُرادشت سوى أنه كتب في مطلع المقطع الثاني من هذه القصيدة ما يلي :
المجوسيُّ من الشرفةِ للجارِ يقولْ
يا لها من بنتِ كلْبةْ
هذه الدنيا التي تُشبعنا موتاً وغُربةْ
كان قلبي مثل شحّاذٍ على الأبواب يستجدي المحبةْ
وأنا لم أتعدَّ العاشرةْ
فلماذا أغلقوا الأبوابَ في وجهي ؟
لماذا عندليبُ الحبِّ طارْ
عندما ماتَ النهارْ 
نقرأ في المقطع الرابع والأخير :

وجدوهُ عند باب البيتِ في الفجرِ قتيلْ
وعلى جبهتهِ جُرحٌ صغيرٌ وقمرْ
وتعاويذَ وقطراتِ مطرْ .

أيعود الضمير في الفعل الماضي " وجدوهُ " إلى المجوسي أم إلى الشاعر نفسه ؟  أين المجوسية كدين وأين صاحبها زُرادشت النبي ؟ لم يضف البياتي شيئاً والظاهر أنه لم يجد ما يقوله حول المجوس والمجوسيّة لا في بيوت نيرانهم على رؤوس الجبال ولا في تحليلهم الزواج من البنت والأخت إذاً : ما سبب اختياره للعنوان المثير المغري بأمور لم يتناولها البياتي في هذه القصيدة. أتذكر أنَّ البياتي قال في واحدة من قصائده إنَّ أباه مجوسي ! سأبحث عنها للتثبت من صحة وقوة ذاكرتي. كلمة " المجوسي " التي جعلها البياتي عنوانَ إحدى قصائدة أراها لفظة فارغة جوفاء خالية حتى من الهواء فكيف يقبلها منه قرّاء شعره؟ في الإمكان وضع أي عنوان لهذه القصيدة من غير أنْ يتغير شئ في مضمونها الذي لا علاقة له بالمجوس والمجوسية ( المجوسيُّ من الشرفةِ للجارِ يقولْ ) ... في مقدورأي شخص مهما كان دينه أنْ يقول للجار ما يشاء أنْ يقول فلماذا المجوسي هنا وأنا لا أعرف مجوسياً في العراق أو هل في العراق مجوسيون ؟ هل يتغير مضمون القصيدة إذا كان مُكلّمُ جاره بوذيّاً أو هندوسيّاً أو ملحداً أو مسلماً أو مسيحياً أو ... أو ... ؟
تتكرر ذات الظاهرة مع قصيدة " هكذا قال زرادشت " .... قال البياتي في بيت واحد فقط :
فمتى يهبطُ "زارا " ويناديكَ كما ناداهُ أطفالُ المجوسْ
لا من علاقة تربط باقي هذه القصيدة بما في كتاب " هكذا تكلم زرادشت " ولا بالديانة المجوسية !! 
إذا كان الشئ بالشئ يُذكر فلا من بأس في أنْ أذكر الشاعر اللبناني المنتحر خليل حاوي الذي ذكر هو الآخر المجوس في المجموعة الكاملة لدواوينه الشعرية " 8 " فما قال الحاوي وهل أضاف أو سلط ضوءاً جديداً غير مسبوق أو معروف ؟ لا شئ ! كصاحبه البياتي سوى ملاحظات قوية ذكيّة ينتقد فيها بعض وجوه حضارة ومدنية العالم الرأسمالي في أوربا .. ليته رأى ما في أمريكا !. نقل في مقدمة الجزء الخاص بعنوان " المجوس في أوربا " ما قرأنا في إنجيل متّي سابق الذكر أو شيئاً قريباً منه : ( وإذا مجوسٌ من الشرق يتقدمهم نجمٌ ... ولما رأوا الطفلَ خرّوا وسجدوا له ). أنقل بعض ما جاء في هذا المقطع الموسوم " المجوس في أوربا "
يا مجوسَ الشرقِ هل طوّفتمُ
في غمرةِ البحرِ على أرض الحضارةْ
لتروا أيَّ إلهٍ 
يتجلى من جديدٍ في المغارةْ ؟
مِن هنا الدربُ هنا النجمُ
هنا زادُ المسافرْ !
ساقنا النجمُ المغامرْ
عَبْرَ باريسَ .. بلونا صومعاتِ الفكرِ،
عِفنا الفكرَ في عيد المساخرْ،
وبروما غطّت النجمَ، محتهُ
شهوةُ الكُهّانِ في جمر المباخرْ
ثمَّ ضيّعناهُ في لندنَ، ضِعنا
في ضباب الفحمِ، في لُغزِ التجارةْ !
ليلةَ الميلادِ، لا نجمَ
ولا إيمانَ أطفالٍ بطفلٍ ومغارةْ
ليلةَ الميلادِ .. نصفَ الليلِ .. ضيقٌ ..
....
ذكر الشاعر في هذا المقطع كلمة " المغارة " خمسَ مرّات وواضح أنه يقصد المغارة التي وُلِد فيها المسيح في مدينة بيت لحم. ذكر كلاً من باريس وروما ثم لندن أكبر العواصم في أوربا وأكثرها شهرة وعراقة فباريس مدينة الفكر والفلاسفة وجنرالات الحروب .. أما لندن فهي مركز التجارة والصناعة والفحم الحجري والبخار والكهرباء وقاطرات السكك الحديد وأخيراً روما الفن والأباطرة العظام ومركز الفاتيكان والكاثوليكية. أوربا المعاصرة لا يُنقذها ميلاد مسيح جديد بل ليست بحاجة إليه وإلى مّن يهديها سواء السبيل [[ ليلةَ الميلادِ لا نجمَ ولا إيمانَ أطفالٍ بطفلٍ ومغارة .. ]]. باريس ولندن وروما ليست بحاجة إلى أنبياء ورُسل أنبياؤها كهنة فاسدون وتجارة وضباب وفحم فمن بحاجة إلى مريم وعيسى جديد ؟
أوربا ليست بحاجة إلى مّن يتنبأ بميلاد نبي ولا إلى نجمة تدلّ السحرة والمنجمين على مكان ولادته. .. الصناعة والتجارة والسلاح والمال هي أنبياء هذا الزمان.
المصادر /
1ـ العهد الجديد، إنجيل متّي الإصحاح الثاني ، دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط 1985 وقد تُرجم من اللغة اليونانية ( ولما وُلِدَ يسوعُ في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوسٌ من المشرق قد جاءوا أُورشليم قائلينَ أين هو المولودُ ملكُ اليهود. فإننا رأينا نجمةً في المشرق وأتينا لنسجدَ له .... حينئذٍ دعا هيرودس المجوسَ سرّاً وتحقق منهم زمانَ النجم الذي ظهر.....).
2ـ  أبو العلاء المِعرّي، ديوان سقط الزند دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت1980 م
قال في القصيدة التي رثى فيها والدته  " سألتُ متى اللقاء " الصفحة 40 :
إذا الحِرباءً أظهر دينَ كسرى
فصلّى،  والنهارُ أخو صيامِ
ونقرأ في حاشية هذه الصفحة : أظهر دينَ كسرى أي أظهر عبادة الشمس، فعل الفرس. وهذا خطأ .. فالفرس المجوس لم يعبدوا الشمس إنما عبدوا النار ودين كسرى هو المجوسيّة.
ثم قال في قصيدة " دِرعٌ كثوب الحيّة " الصفحة 270 :
كإنما حِرباؤها عائمٌ
في لُجّةٍ سالمةِ العومِ

يصلى، إذا حاربَ، شمسَ الظُبى  
فِعْلَ مجوسيِّ الضُحى، المُسلمِ
نقرأ في حاشية الصفحة 270 ما يلي : أراد بالمجوسي الحرباء، اي الدويبة المعروفة ... نعتها بالمسلم لإعتباره أنها تُسبّح الله .... وبالمجوسي لإعتباره إيّاها تعبد الشمس.
3ـ شرح ديوان المتنبي، تأليف أبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي النيسابوري ت 468 هجرية، دار ابن الجوزي، القاهرة ط1ـ القاهرة 2010 . الصفحة 343 .
4ـ المصدر الثالث الصفحة 343 .
5ـ المصدر الثالث الصفحة 343 
6ـ المصدر الثالث الصفحة 342
7ـ ديوان عبد الوهاب البياتي المجلد الثاني، دار العودة، بيروت، الطبعة الرابعة 1990 الصفحة 215 .
 8ـ  ديوان خليل حاوي، دار العودة ـ بيروت الطبعة الثانية 1972، ديوان نهر الرماد، 
X III
 بعنوان " المجوس في أوربا " الصفحة 109 وما يليها.
9ـ شرح مُشكل أبيات المتنبي، تأليف أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيّدة المُرسي الأندلسي 398 هجرية ـ 458 هجرية ، تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين. دار الطليعة للطباعة والنشرباريس / الجمهورية العراقية، وزارة الإعلام الطبعة الأولى ، صدر بمناسبة مهرجان المتنبي بغداد تشرين أول 1977. الصفحات 186 ـ 187 .