التضليل الإعلامي وصناعة الكذب؟!/ سري القدوة

إن صناعة الكذب والتضليل الإعلامي له عدة صور منها قلب الحقائق، أو التضليل بالمعلومات التي ليس لها علاقة بالحدث، ويودي الإعلام دوراً خطيراً في حياة الأمم، ليس في نقل الأخبار والأحداث فقط وإنما في صياغة وتحديد توجهات الرأي العام، ومن هنا يصبح التضليل الإعلامي الذي يمارسه الإعلام حالياً بمثابة حرب نفسية تمارس بحق المتلقي لإحداث تترك أكبر قدر من التأثير السلبي .

والتضليل الإعلامي له عدة صورة، منها قلب الحقائق، أو التضليل بالمعلومات التي ليس لها علاقة بالحدث، أو باستخدام مفردات معينة تؤدي إلى إصدار أحكام بالإدانة، أو بالانتقائية المتحيزة التي تنتقي بعض الكلمات والحقائق والمصادر وتهمل الأخرى .

 ومن خلال تتبع حالة الاعلام الامريكي وخاصة بعد الاعلان عن صفقة القرن نجد ان هناك حالة من الفوضى ونشر أكاذيب مضحكة يقوم بها الإعلام الامريكي المضلل عبر تصريحات مفبركة وأكاذيب لتضليل الرأي العام الدولي وخداع المتلقي وخاصة في المنطقة العربية، تشمل غسيل الادمغة للشعوب العربية، وقلب الحقائق، وتغيير القناعات، وضرب الهوية النضالية الفلسطينية، ومهاجمة الثورة والكفاح الفلسطيني، وتكذيب الصادق، وتصديق الكاذب، وأننا نجد انه عندما يصرح جيسون جرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي : «إسرائيل ضحية النزاع وليست المسؤولة عنه» وعندما يرى غرينبلات في لقاء تلفزيوني ان إسرائيل ضحية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وليست المسؤولة عنه حيث قال «أعتقد أن إسرائيل هي في الواقع ضحية أكثر من كونها مسؤولة عن النزاع، فمنذ تأسيسها، تعرضت إسرائيل للهجوم عدة مرات، وما زالت تتعرض للهجوم من قبل الإرهاب، لذلك لا أفهم تمامًا الفرضية الأساسية، اعتقد انهم يبذلون قصارى جهدهم لتحقيق النجاح، وفعلوا ذلك بعدة طرق، خاصة من الناحية الاقتصادية، في ظل ظروف صعبة للغاية» على حد تعبيره، وهنا وفى هذا المجال نجد الاستغلال الواضح لعملية السلام ولصناعة صفقة القرن من اجل نشر التضليل الاعلامي لدعم حليفهم بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال في الانتخابات الاسرائيلية القادمة والتناقض الواضح في الاعلان عن موعد الصفقة ومحتواها، كل ذلك بات يندرج ضمن سياسة التضليل الاعلامي التي تمارسها السياسة الاعلامية الامريكية والموجهة للمتابع العربي .

إن صناعة الكذب والفبركة الاعلامية التي يقوم بها جيسون جرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي والتي تعكس طبيعة الموقف الامريكي مستخدما قلب الحقائق ويقوم بتوزيع صكوك غفران للمسؤولين الإسرائيليين للتغطية على انتهاكاتهم وجرائمهم اليومية بحق الشعب الفلسطيني علي مدار العقود الماضية، وتلك المجازر التي تعترف اليوم حكومة الاحتلال الاسرائيلي بارتكابها بحق الشعب الفلسطيني والموثقة بالصوت والصورة في الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، وان ممارسة جيسون جرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي لما يعرف بالإعلام الأسود وصناعته للكذب يعد من أخطر الوسائل أو الحروب التي تستهدف عقول البشر، حيث يبدأ بالتشويش، ثم يصيبها في قناعتها لصرف الأنظار عن ما يحدث من جرائم تمارسها سلطات الاحتلال العسكري الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ويسعى لتغيير وجهات النظر باتجاه واقع غير موجود أصلاً وليس إلا وهماً، بهدف التشويش والتغطية على واقع الاحتلال الحقيقي وممارسته لصناعة الكذب، وان أقوال ومواقف جرينبلات التي أدلى بها في مقابلته على شبكة (Pbs)، تعد إمعانا أمريكيا رسميا في الانقلاب على الشرعية الدولية، وتحويل الاحتلال الاسرائيلي من جلاد محتل إلى ضحية وممارسة الحقد والكراهية والعنصرية بحق الشعب الفلسطيني، حيث لم تكن حكومة الاحتلال هي ضحية بل هي من ارتكبت وترتكب يوميا الجرائم البشعة والمجازر بحق الشعب الفلسطيني .

إن ممارسات وتصريحات جيسون جرينبلات، مبعوث الرئيس الأمريكي وصناعته للكذب والفبركة الاعلامية التي يقوم بها شجعت الاحتلال الاسرائيلي علي مواصلة ارتكاب الجرائم وهدم المنازل في واد الحمص بصور باهر، والاعتداءات المتكررة ضد اهلنا في القدس المحتلة وذلك في ضوء قيام الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ جريمته وهدم اكثر من  100 شقة سكنية تأوى نحو 500 فرد، حيث تأتي هذه الجرائم في ظل تشجيع الادارة الامريكية علي ارتكاب المزيد من اعمال النهب والسرقة وتشجع الاحتلال علي مواصلة انتهاكات للقانون الدولي ولاتفاقيات لاهاي وجنيف ولقرارات الأمم المتحدة ولاتفاقيات السلام، والمتمثلة بهدم البيوت والمنشآت التجارية والصناعية والزراعية والبنى التحتية في فلسطين المحتلة وخاصة في مدينة القدس، بهدف تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي والسياسي فيها وفصل القدس عن محيطها الفلسطيني.

ان الادارة الامريكية برئاسة ترامب تتصرف وكأنها الوكيل الحصري للاحتلال الاسرائيلي وتدافع عن مصالحه مما يعكس تورطهم في العداء وممارسة العنصرية وتشجيعهم للاحتلال الاسرائيلي علي ممارسة جرائمه اليومية بحق الشعب الفلسطيني في ظل صمت المجتمع الدولي، وتوجيه ضربه قاضية لقرارات الأمم المتحدة وللمجتمع والشرعية الدولية .

ان تلك المؤامرات ومحاولات السفير الامريكي لدى الاحتلال ديفيد فريدمان عقد لقاءات مع شخصيات ومؤسسات فلسطينية من اجل التباحث في تقديم التسهيلات المالية لبعض المشاريع التجارية ومحاولاتهم شراء المواقف بثمن بخس بعيدا عن القيادة الفلسطينية، حيث باتت هذه الاساليب مكشوفة ولا يمكن ان تمر على الشعب الفلسطيني والأمة العربية والأحرار والشرفاء، ولن تنال هذه المحاولات الرخيصة من صمود الشعب الفلسطيني وقيادته، والإصرار الفلسطيني على رفض صفقة القرن، والتمسك بالحقوق الوطنية المشروعة وإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية والاعتراف بحقوق شعب الفلسطيني التاريخية هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة برمتها .

اننا وفي ظل هذا التشابك الاعلامي والمؤامرات والخداع والتضليل والكذب التي يمارسها طاقم الرئيس ترامب نؤكد وندعو جماهير شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية والأحرار في العالم الى التمسك بالقضية الوطنية وبالمشروع الوطني القائم على إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وانه وفي ظل هذا العدوان وهذه المؤامرات التي تحاك ضد شعبنا وقيادتنا يكون لزاما علينا التمسك بخيار الدولة الفلسطينية، والتي هي هدفنا الاستراتيجي والوحدة الوطنية طريق بناء الدولة، وأن نعمل على تدعيم هذه الحقوق من خلال الدعم العربي والدولي لقضيتنا الفلسطينية ونضالنا الوطني وهدفنا المقدس، كما وندعو جميع الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني الي الوحدة والحرص واليقظة ودعم الخيار الوطني في ظل اطار المؤسسات الشرعية الفلسطينية، مؤسسات الشعب الفلسطيني التي باتت تتعرض الى اكبر مؤامرة من اجل سرقتها وتشويه صورتها، وان نعمل جميعا من اجل حماية منظمة التحرير الفلسطينية صوت الشعب الفلسطيني وصوت من لا صوت لهم، من اجل حماية المشروع الوطني ووحدة فلسطين وضمان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمتها.

الجهلُ الأكبر/ إبراهيم أمين مؤمن

ملحوظتان قبل القراءة ...
1-إلى جلِّ منْ يملك أمره ، آثر السلامة دائماً ولا تُعرّض نفسك لاختيار مآله  "أكون أو لا أكون".
2-النص جرئ جداً  ، فحاذر أيّها القارئ ان تؤوله تأويلاً خاطئاً.
                                       النص
خرج حاكم المجرات من مخدعه متكدّر المزاج كالعادة ، لكنه هذه المرّة أصبح أشدّ كدراً ، فقرر الإفصاح اليوم ، اليوم فقط ،عما كان يضمره منذ  عشرات السنين.
وسبب كدره وفراغ قلبه أولئك الذين يطيعونه فى مجرّاته ، فهم على فئتين ..فئة أسماها "السحابيّون "وطاعاتهم له لم تكن عن حبٍّ وإجلال ،  بل عن فِطرة فطرهم عليها منذ ولادتهم .
والفئة الأخرى أطلق عليها إسم "الرّعديّون "وهم كثرة كاثرة ، وهؤلاء لم يكونوا أحسن حالاً من الأولى بل أسوا بكثير لأنهم يطيعونه خشية بأسه وقوته.
لكنهم للأسف مفطرون على الكِبر والخُيلاء.
والحاكم يعلم جيداً أنه لولا قوته لشنّ الرّعديّون حروبًا شعواء على فئة "السحابيّون" حتى ينتهوا منهم ثُمّ زحفوا بعد ذلك فى جميع أنحاء المجرات وأعلنوا أنفسهم أسياداً عليهم.
فقرر أنْ يضمَّ إليهما فئة أُطلق عليها إسم "الأرضيّون"بعد أن علم سجاياهم وصفاتهم ، حيث أنّ منهم مَنْ سيطيعه حبّاً لا عن فِطرةٍ ولا كراهة وسلطان ، لكن للأسف أكثرهم سيعصاه ويسفك الدم.
واستكمالاً لمشيئته سيظلّ جلُّ منَ "السّحابيّون" و "الرّعديّون " على حالهما. أى فطرة الطاعة للأولى والوعيد العاجل للثانية حال عصيانهم له.

ومن أجل تنفيذ المخطط  قرر إرسال"السحابيّون " إليهم  دون علم "الرّعديّون ". 
وهو أمر طبعىٌّ من حاكم المجرات ، لأن "الرّعديّون" قلوبهم ملآنة بالكبر والحقد وذلك معزوٌّ إلى قدرتهم الخارقة على تطويع الأشياء.
قال لهم ..أريد "الأرضيّون" يدخلون فى مملكتنا الفضائية الفاضلة لأزيل عن نفسي هماً كتمته فى قلبي عشرات وعشرات السنين.
قال كبير "السّحابيّون".. سيدى الحاكم تتواتر الأخبار عنهم أنهم قوم فوضويّون ، سفاكو دماء ، حاقدون ، وجلّ هذا فيهم رغم أنهم لا شئ ، حتى أفتك أسلحتهم التى صنعوها ليبيدوا بها بعضهم بعضًا لا تؤثر فينا إذا ضربونا بها ، فهى مثل الدخان السارى فى الهواء بالنسبة لنا.
قال الحاكم ..هم ضِعاف لكن بعضهم يمتلك قلوبًا سيطيعونى بها عن رغبة وحبٍّ ، ثُم تابع ..أريدهم هنا فى المملكة ، سأسيّدهم عليكم وعلى "الرعديّون" إذا قبلوا عرضى.
فامتثلوا جميعًا لأنّ هذه فطرتهم .
ولقد شعر الرعديّون بشئٍ مريبٍ إزاء اللقاء الذى جمع بينه وبين "السحابيّون".
وعندما وجدوا "الأرضيون" فى المملكة  تأكدوا مِنْ صدق شعورهم ولكنهم آثروا الإنتظار عما سيسفر عنه اللقاء.
وأتوْا بهم فى ساحة المُلك ، فطرح عليهم العرض وخيرهم بين الأمرين ، الرفض أو القبول .
وقال لهم .. إذا رفضتم أرجعوكم السحابيّون إلى أراضيكم بلا عقاب وتركتم وشأنكم ، وإذا قبلتم عشتم أسيادًا علي جلّ مَنْ فى المملكة  ، والجلُّ سيُذلل لكم من خلال قوتى التى لا تُقهر . 
ولكن بشرط ..أن تطيعونى بقلوبكم ، طاعة عن حبٍّ وإجلال.
وإنْ عصيتم طردتكم خارج المملكة وجعلتكم فى أغلالٍ وقيودٍ حتى تموتون.
فتداولوا فيما بينهم ، ثُم قالوا .. ما أيسر طاعتك فى سبيل حصولنا على المُلك ، وأى مُلك ! إنه ملك على "السّحابيّون" و"الرّعديّون". هؤلاء وهؤلاء لو نفخوا فى أرضنا لأحرقوها.
وما أعسر عِصيانك فى سبيل اتقاء أغلالِك .
وللأسف جهلوا وتعجّلوا ، فقد قرروا قبول العرض وعاهدوه على الطاعة ،
 ، فكان جهلهم أكبر من جهل ظلم وطغيان "الرّعديّون".
 قبلوا رغم خوف بعضهم أن يتملّص الحاكم مِن وعدِه !! .

وبمجرد قبولهم العرض قال للفئتين الأخريين ..
منَ الأن فصاعدًا ..هؤلاء الأرضيّون أسيادكم ، هم صفوتى ولقد فضلتهم عليكم ، فامتثِلوا لهم طائعين .
فقال كبير "الرّعديّون"  وكان أشدّهم طاعةً بسبب حبّه للبقاء .. ألا تعلم أيّها الحاكم أنّ هؤلاء "الأرضيّون" لا شئ ؟ أنا أستطيع أن أبيدهم وأقضى عليهم قبل أنْ تقوم من مقامك هذا .
قال الحاكم ..كنتَ تستطيع .. كنتَ .. ، لكن اليوم قد جعلتُ بينك وبين "الأرضيّون"  حاجزًا وحصّنتهم من غطرستك وكبرياءك .. والأن .. أطعنِى ولا تعصنى .
كُنْ أنت وباقى عشيرتك منَ "الرّعديّون "طائعون لهم، عيشوا لهم خدمًا كما امتثل السحابيّون لأمرى.
قال كبير الرّعديّون ثانيةً ..أنا سيدهم ولستُ عبدهم ، وسأنتقم منك على إستحقاركَ لنا ، ولذلك لن أجعلهم يطيعونك ، سأصرفهم عن ذلك ما دمتَ سيّدتهم علينا نحن الرّعديّون.
ردّ الحاكم : وأنا قبلتُ التحدى وسأبقيك حيًا حتى أري ماذا سيواجه الأرضيّون إغوائك .


عاش الأرضيّون فى المملكة لا يجوعون أبداً ، ولا يشقون ، ونجحوا نجاحاً كبيرًا فى طاعته عن حبٍّ.
وفى إنتظار وعده بالرّضوان مدى الحياة  فى المملكة.
وذات يوم تسلّل كبير الرّعديّون إليهم فزيّن لهم عِصيانه قائلاً...
هذا الحاكم سينكص على عقبيه بعد أنْ يتملّص من وعوده ، إذن.. على ماذا تكبتون شهواتكم  !!
لماذا تحيوْن عبيداً له وكنتم أسيادًا على أراضيكم ؟
إنسلخوا وعيشوا أحراراً كما كنتم ، إسفكوا دماء الضعفاء منكم ، وتمتعوا بفروج نسائكم وأدبار رجالكم ، وتبادلوا المتع معاً .. هيّا .. هيّا .
فانسلخ منهم أكابرهم  فنكصوا عهد الحاكم وقفزوا على الصغائر منهم والضعفاء فسفكوا دماءهم وسلبوا أموالهم واغتصبوا منهم النساء والرجال.
فنظر الحاكم إليهم غاضبًا ، بينما كبير "الرّعديّون "وقومه يتراقصون فرحًا.
ثم أمرهم جميعًا بالهبوط إلى حيث كان "الأرضيّون" يسكنون وحدد لهم مدة وكانت مئة يومٍّ فضائىّ ، وسلط بعضهم على بعض.  

ثم نظر إلى "السّحابيّون" وقال لأحدهم .. أنت أنت تقفّ أثرهم واكتبْ أعمالهم،
  أكتب كل ما يعملون من طاعة لى أو معصية حتى لا أنسى...ثم نظر إلى آخر  ..عليكم بأخذ أرواحهم عندما أأذنُ لكَ ، .. 
 وقال لآخر ..وأنتَ أنتَ عليك بإحضار "الأرضيّون" كلّهم جميعًا لأحسابهم على أعمالهم بعد  تمام المهمة.
ثُم أمرهم جميعًا بإحضار السلاسل والأغلال لمن أدبر وعصى .. ثم قال أمّا من وفّى وأطاع فسأجعلهم يحيوْن فى المملكة.
وانتظِروا جميعًا وأنا معكم منَ المنتظرين.

ومرّ مئة يوم فضائىّ وحانتْ لحظة النهاية ، ولمّا هَمّ بسلسلة وتقيد  جلّ "الرعديّون" تقريبًا وأكثر "الأرضيّون" إعترضوا قائلين..
 لِم تعذبنا وتكبلنا ؟ ألمْ تكنْ أنت مَنْ أوجدتنا وكلفتنا ؟
فقال طمعكم وجشعكم وجهلكم هُم مَنْ ألقوا بكم فى العذاب عُمياناً، كان يجب عليكم ألّا تقبلوا ، ولكنّكم جهلتم وظننتم أنّ بكم قوة على طاعتى.
أنتم الأرضيّون مارستم جلّ طرائق الطمع والجهل فتوحشتم وطغيتم  قبل أن أعرض عليكم ، وتركتكم وحالكم تأكلون بعضكم بعضًا وتشربون دماءكم بعضكم بعضاً ، ولكن بعد أن قبلتم عرضى لمْ أدعكم وحالكم ، ولقد نسيتمونى واليوم أنساكم ،، ثم سيرهم عُميانا يتخبطون فى أغلالهم.           

اربع قصائد للشاعر غسان منجد

الصمت القاتل

أجراس تتدلى من اعناق زمن 
حاور نفسه بصمت 
وتناثرت شظاياه في نهر  شيع بهجته 
في جلد ارض جافه 

يتخيلني صمتي 
ويبتسم بصمت 
ويرقد بين جلد شخصي وابتسامة صمته 

أراه ينضج في كلماتي 
ويشف عتمتي ببساطة صوري 
كيف يتدرج ويستحضر جسدي 
 وهو بدون حركة 
ويرتجل أهواءي 
**
العطور

آنستي
انت لغة اتعطر بها
واحتفظ بها في جوارير عشقي
وساحات صراخي
انت ياسمينة في اقماري الصناعية
أضعها حول عنقي لالبس أنوثتها
وأتمنى تنقيطها بتاريخي الشهواني
وقناديل شعري

خبءتك تحت قميصي فخرجت ثدييك من خلجاني
ووقفت بكبرياء لتعلن شرف العشق
على جسدي

تستعرض مواهبي في تعداد الشامات
على جسدها
وتوءلف بكرامة رجولتي على نهديها
**

أصابع الربيع


انا هنا
احن الى صباحك الربيعي
وادخل في تكتكة وقتك المحنط
في رعشة شفير امواجك

بعيد
ومحشور في فوضى مياهك الراكدة
وأتحسس حيرة خيوطه المرتعشة في
معاندة امطاري واحتساء امواجي

وقت ماءل على ساعة حاءط
كغيمة ذاءبة في ارتباطها مع زمن الاذوبان

وحيث الأفق في حيرة بريءة
ترتعش الرياح وراء طاولات ارض ترابية
**
الهدوء التام

لم يبقى لي جدار  على ذاكرة اللوءلوء الا
وعصفت به اضواء النجوم
وثغر الياقوت على شفاه القطاف في
عصر الاقطاف

نسيت عنوان المطر
وبروق السماء عندما
انتقل جسدي من حالة الكوما
التي أعادتني الى ابتكار الحلمات من
عنوان عصافير الابتكار
وأبقت على أصابعي من جملة الغزل
في زمن الاغزل

من جسدك نبشت عصافير الشعر غزلها
اليومي ونفخت في عيونك بءر الهوى المركزي
**




آخر قضية فساد في لبنان!/ جورج الهاشم

 لقد انتهى المسؤولون من جميع قضايا الفساد وناموا على حرير. فبعد "همروجة" الفساد في القضاء، والتي شاهدنا  دخان سجالاتها من استراليا بالعين المجرّدة، عادت الامور الى طبيعتها بمعادلة: لا تقترب من قضاتي الفاسدين وأنا لا أقترب من قضاتك. واكتمل الملف بتعيين فضاة المجلس الدستوري، الذين لا يوجد بينهم اختصاصي واحد  بالدستور، على قاعدة "قاضٍ لك وقاضٍ لي" كما علّقّ أكثر من مرجع. مما يبشِّر بأن العدالة ستأخذ مجراها بناء لرغبات من عيَّنوهم. وأنا هنا لا أشكّك أبداً برغبات النافذين. فرغباتهم كلّها عدالة واصلاح عمَّت جميع الأراضي اللبنانية. وشوكة بعين الحاسدين!                             
آخر قضية فساد متبقية هي قضية كسّارات فتوش. بصراحة أنا لا أعرف ان كانت قضية فساد، لأنها مغطاة على أعلى المستويات. وفتّوش نفسه مدعوم من الكبار الكبار. فبعد انجازاته الكثيرة، مع غيره بالطبع، بأكل الأخضر واليابس وأكل الجبال ونشر القبح أينما حلَّت كسّاراته، فهو مدعوم من قوى أعلنت بحناجر عالية النبرة، انها لن يغمض لها عين قبل ان تضع حداً لهذا الفساد المستشري. وتعميماً لإنجازاته البيئية، فهو مدعوم أيضاً لإنشاء معمل للترابة في عين داره. وهذا ما استفزني شخصياً وسارعت لاعتبارها قضية فساد. فأنا كنت من سكان شكا. وأعرف تماماً المكاسب البيئية التي يحققها معمل الترابة في شكا. رعى التلال المحيطة، لم يترك لعصفور غصناً واحداً يحط عليه. نشر البياض على سطوح البيوت وغسيل أهلها وعلى انتاجهم الزراعي فقضى عليه. كان التين الشكّاوي مفخرة المحاصيل. كانت شواطئها محجّ السابحين. وكان سكانها أصحاء أقوياء. فأتى معمل الترابة ليهدّ حيلهم، ويقضي على صحتهم، ويتسبب بموت الكثيرين بالسرطان وغيره من الامراض التي أتت مع المعمل. لذلك خفت على عين دارة وجوارها وعلى التلوث في لبنان الذي لن يتحمل مصيبة بيئية اخرى، فالتة من الرقابة ومن المعايير الصحية تحت عباءة النافذين وفارضي الخوات الذين كلهم يحاربون الفساد. وإذا كنتم تشكّون بذلك فراجعوا معاركهم الكلامية الرائعة.           
صاحبنا الفتّوش يفتِّش عن القرش الحلال بالفتيلة والسراج. فبعد القرار باقفال كسّاراته سنة 2005 أقام دعوى على الدولة مطالبا بتعويضات خيالية عن أرباحه المفقودة بسبب الاقفال. مجلس شورى الدولة، المؤلف من ثلاثة من القضاة غير الفاسدين طبعاً، "أشار" على الدولة بقرار مقبوض الثمن، بدفع مبلغ 250 مليون دولار من عرق جبين الشعب اللبناني ومن صحّته الملوثة، الى شركة الفتوش كتعويضات عن خسائرها. علما ان الشركة أعلاه لم تعلن عن أي ربح خلال السنوات السابقة. فدفاترها دائما، بالأحمر العريض. أي أنها تخسر ملايين الدولارات كل سنة لخدمتنا في "تقريع" جبالنا وزرع السموم في روايانا. وبذلك لم تدفع شركة فتوش قرشاً واحداً عن أرباحها، للدولة. في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في 29/8 طرحت تقارير عن تهرب الأخوين فتوش الضريبي والتي قُدِّرت ما بين 300 و500 مليون دولار.                                                                    
أليست فضيحة أن يحكم مجلس شورى الدولة، لشركة تقول سجلاتها انها لا تربح، وللدولة في ذمَتها مئات ملايين الدولارات،  بهذا المبلغ الخيالي تعويضاً عن أرباحها المفترضة رغم خسائرها الدفترية؟                                                                                    
شركة الفتوش أعلاه تقيم حالياً دعوى على الدولة اللبنانية في أميركا مطالبة بتعويضات تبلغ 500 مليون دولار للخسائر التي تكبدتها بسبب قرار القاضية غادة عون باقفال الكسّارات مجدداً. وبسبب عدم تشغيل معمل الترابة في عين دارة حتى الآن. فهل سيكون القضاء الأميركي أرحم باللبنانيين من مجلس شورى الدولة؟ لا أعتقد. فالأوراق كلها لصالح فتوش. والمافيات لصالحه. والتغطية السياسية لصالحه. والقرار السياسي لصالحه. والعمولات للجميع. فعلى ماذا تتكلين أيتها القاضية النزيهة؟ طبعاً تتكلين على تشويه البيئة، وتلويث الهواء، وتعريض صحة اللبنانيين للخطر. ولكن تناسيتِ ان العم ترامب، حفيد العم سام، لا يعير هذه التوافه أي اهتمام. وتناسيتِ أيضاً ان أهل "بيتك"، قضاةً وسياسيين ومافيات، لا يمكن ان يقفوا الا مع أهل بيتهم الفتّوشيين المتغلغلين في كل مرافق الدولة.                   
    لذلك أرفع الصوت الى كل الدونكيشوتيين، المحاربين الشرسين للفساد  وأقول: لا بارك الله بكم. الفساد داخلكم استئصلوه أولاً إن كنتم صادقين.                                            
يبقى من سيأخذ حق اللبنانيين من الفتوشيين المنتشرين في كل موقع؟ ومن يقيم الدعوى على مجلس شورى الدولة؟ وعلى كل السياسيين، شركاء الفتوشيين، الذين أوصلوا البلد الى هذا المستوى؟ ومن سيأخذ حق عشرات أو مئات الاف مرضى التلوّث البيئي وضحاياه؟ ومتى يستفيق المواطن في لبنان ويتوقف عن دعم هذه الطبقة السياسية الملوثة بامتياز؟             
    آخر قضية فساد؟ لا تصدِّق. انها واحدة من آلاف قضايا الفساد المشمولة برعاية هذه الطبقة السياسية بجميع فصائلها. والتي يمرح أبطالها ويسرحون بحماية مجلس شورى الدولة، وبحماية القضاة المعينين بالمحاصصة لهدف وحيد هو منع محاسبة الفاسدين.                  
لا تصدقوا أي مسؤول أو حزب أو سياسي في لبنان يرفع شعار مكافحة الفساد. هناك طريق واحدة للمكافحة هي استقلالية القضاء. والمعادلة واضحة: قضاء مستقل نزيه، آلاف السياسيين ورجال الأعمال في السجون. لذلك يمسك السياسيون بالقضاء ليستمروا في نهب البلد. ولا أستثني منهم احداً.                                                                                       

القائمة المشتركة ، خطاب التفاؤل/ جواد بولس

تتزايد في الآونة الأخيرة الدلائل على خروج القائمة المشتركة من أزمتها القاسية ونجاحها النسبي بتخطي تبعات خسارتها لثقة الناس وعودتها كعنوان شرعيّ مقبول وموحّد جدير بأصوات الناخبين العرب، رغم اختلاف منابتهم السياسية والعقائدية وتباين أطياف أحلامهم المنشودة.
لا طائل اليوم في التدقيق بأسباب تلك الأزمة ولا في سبر أغوار هذه التحوّلات الايجابية، الذاتية أو الموضوعية؛ لكنني أجزم بأن مواقف قيادات القائمة المشتركة، في بعض المحطات المفصلية وتمترس كوادر أحزابهم من خلفها وخوضها لصراعات "قبلية" دامية، كانت من أهم أسباب توليد تلك الأزمة؛ وستكون، إذا تغيّرت وتحسّنت، من أهم أسباب نجاتها من السقوط المدوّي ومن الاندثار الحتمي الوشيك، كما كان متوقعًا لها في الأشهر الماضية.
رغم بوادر الانقلاب الحميد الذي تشهد عليه بعض ساحات بلداتنا، لاحظنا مؤخرًا أن بعض قيّاديي القائمة المشتركة لم يذوّتوا، بعد، خلاصات فشل المحاولة السابقة؛ وما زالوا يجيزون لأنفسهم ، رغم ثبوت حقيقة ضمور أحجامهم الانتخابية، أن يتصرفوا وفق دوافع ذلك الماضي التناحري ومساطره السقيمة، ويخاطرون بإفشال محاولات انقاذ التجربة المنبعثة، وبإعادة الرأي العام إلى مربع الاشمئزاز المعلن وفقدان الثقة. ولقد برزت عوارض هذا النهج، بشكل واضح ومقلق، بعد مقابلة النائب أيمن عودة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية وردود فعل عدد من القيادات عليها. 
سيُفرح استئناف المناكفات بين مركبات القائمة المشتركة جميع الأحزاب اليمينية الصهيونية وسيقوّي، في نفس الوقت، نداءات الداعين الى مقاطعة الانتخابات ؛ بينما، بالمقابل، سيساهم الوفاق الحقيقي بينهم في احياء رغبات من فقدوا شهواتهم السياسية وفي استعادتهم إلى "الأحضان العامة" كعناصر اجتماعية ناشطة ومؤثرة في الاتجاهات الصحيحة.
لا يملك قادة المشتركة متسعًا من الوقت لمزيد من التجارب ومن الرهانات الفارهة، فالانتخابات ستجرى في السابع عشر من أيلول/سبتمبر المقبل، وكي لا يسقطوا في أول امتحان "بسيخو-وطني"، قادم لا محالة، سيكون من الحكمة أن يحصّنوا مبادرتهم الحالية ببرنامج يضمّنوه توافقاتهم الأساسية في ميادين العمل السياسية والاجتماعية والثقافية ؛ خاصة بعد أن خبروا طبيعة الحُفر التي أفشلتهم في تلك المسيرة حين كانوا معًا ولم يكونوا، فتناكفوا، كالديوك السكرى، على حفافها حتى وقعوا وأوقعونا فيها.
لن يتحمّل مؤيدوهم خديعة انتخابية جديدة، ولن يغفروا لهم مجرد اكتفائهم بالتوافق على ترتيب مقاعدهم النيابية، بينما لم يكاشفوا الناس بحقيقة التكتيم على اختلافاتهم على المضامين السياسية الرئيسية وحول برامج عملهم "المشترك" في المستقبل؛ فمن الأجدر والانصاف، في هذه الحاله، ان يعلنوا للملأ، قبل موعد الانتخابات، عن سعة تلك المسافات التي بينهم كيما يعرف كل مصوت لقائمتهم المشتركة انه يدعم، عمليًا، مرشحي حزبه وليتوقع ، بعدها، عودة حروب الألسن في "برج بابل" هذا العصر.  
وبعيدًا عن تلك الهواجس والنصائح، فإنني سأدعم القائمة المشاركة في التصويت وأرى في نجاحها انجازًا من شأنه أن يخدم مصالح المواطنين العرب في اسرائيل ويتيح لهم منصّات ستساهم في مقارعة نوابها لوكلاء تيارات اليمين الفاشي على أجناسهم، وتمنحهم فرصة استغلال تلك المنابر كروافع لفضح موبقات الحكومة والتصدي لسياستها أو على الاقل تحجيمها وإعاقتها بقدر المستطاع والمتاح.
أنني اعتبر  أن عملية اقناع مقاطعي التصويت يجب أن تتصدر اجندات جميع نشطاء الأحزاب والحركات والمؤسسات الداعمة للقائمة المشتركة، ومهمة ثني المقاطعين يجب أن تبقى طارئة وملحّة، خاصة بين من ابتعدوا وهجروا الصناديق  كتعبير عن امتعاضهم من ممارسات قادة أو أنصاف قادة  الأحزاب والحركات السياسية والدينية، أو احتجاجًا منهم على مواقفهم القطرية وتلك التي مارسوها على المستوى البلدي والمحلي.
لقد استغلت عناصر كثيرة أجواء الغضب الشعبية التي سببتها تلك السلوكيات ونجحت في استثمارها  وتطويرها الى درجات وصلت حد المطالبة بخلع الشرعية عن تلك القيادات وعن أطرها التنظيمية؛ فنجاح المشتركة، في هذا السياق، سيضمن إفشال هذه المحاولات البائسة؛ مع اننا، للتنويه وللتأكيد ، يجب أن نميّز  بين ما خططت له جهات حكومية وصهيونية يمينية معادية ومعروفة، وأعوانهم من بين العرب، وبين مواقف فئات وشرائح عربية رفعت شعارات مناوئة للقائمة ومحرّضة على قياداتها حيث كان بعضها مدفوعًا بمشاعر نقدية سليمة وصادقة أو بحسن النوايا وبالغيرة الشعبية الطيبة.
رؤساء المجالس والبلديات جناح من أثنين
وعلى صعيد آخر فأنني على قناعة بأن دور رؤساء البلديات والمجالس المحلية العربية سيكون، في هذه المعركة، مفصليا وذلك رغم الصدوع التي ضربت هذا القطاع الهام من أبناء شعبنا في العقدين الآخيرين.
فقد عبّر عن هذا الأمل النائب أيمن عوده حين كتب، في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، على صفحته وقال  "بعد مهرجان كفر ياسيف أشعر بالتفاؤل. بهذه الانتخابات نحن مليون مصوّت يا نتنياهو. شعبنا سيفعلها " 
لقد جاء هذا التصريح بعد نجاح مهرجان افتتاح المعركة الانتخابية في قرية كفر ياسيف الجليلية وهي تستعيد مع المحامي شادي شويري، رئيس مجلسها الجديد، ومع القائمة المشتركة، أيام  تلك القرية / القلعة التي كانت "شوارعها بلا أسماء"، وكانت تظلل شعراء الحرية الحمراء يأتونها  "وهم سجناء" ، كما صدح في ساحتها الشاعر راشد حسين، وتنتظر عودتهم "وهم طلقاء".
وبعد كفر ياسيف شدّت انتباهي زيارة النائب أيمن عوده لمدينة الطيبة؛ فعلاوة على استقباله بحفاوة من قبل أهلها رحب به رئيس بلديتها المحامي شعاع منصور وأعلن على الملأ وبحزم: " كلنا جنود من أجل المشتركة" وأضاف تعهده بالعمل على اخراج الناس للتصويت لها. 
انها بشائر تستدعي الرعاية الواعية والملاحقة ؛ فطائر الرعد لن يحلق في سماواتنا من جديد الا بجناحيه الأصيلين: تمثيل سياسي واع ومشرّف في الكنيست، وقيادات محلية تعيش وتعمل بهدي ما زرعه آباء جيل البقاء والنقاء حين علمونا أن لا  "خدمات بدون كرامات ". 
وأخيرًا، لا بد من همسة في آذان من أساءوا تقدير مخاطر  ما يتداعى في مواقعنا وأخطأوا قراءة خوارط الدم النافر والغبار المتناثر في شوارعنا؛ فكل عمل وحدوي يتأهب لمواجهة معركة شرسة من نظام حكم لا يخفي مخططاته القمعية والاقتلاعية تجاه مواطني الدولة العرب، يلزمه بوصلة سياسية مسؤولة تتخلص من نزعات المقامره ومن ترهات المزايدة ومن فذلكات الارتجال؛ وكل اصرار على محاربة العنف المتفشي في بلداتنا  والانتصار عليه، بحاجة الى قائد عنيد، ذكي، صارم، ليّن ، لبق، مثقف ، قلق، أديب، مجرب، متواضع وقادر على ركوب الريح وعلى احتضان الورد وعلى اجتراح الوعد وعناق القمر .
يتبع..

لتعيش أكثر شوية ابتعد عن السيجارة الإلكترونية/ أحمد سليمان العمري

كبرنا ونحن نشاهد البرامج الوعوية المرئية والمسموعة والمقروءة للحدّ من تقنين الدخان وإظهار مخاطره، حتى أنّ صورة رئة معطوبة أصبحت تتصدّر علبة الدخان. باتت خطورة كلّ أنواع التمباك معروفة بالضرورة للجميع، إذن الإقبال على التدخين أو عدمه هو أمر شخصي يقرّره الفرد متحمّلاً تبعة نتائجه وحده.

القضية المستهجنة هي تجنيد حكومي أردني وإعلامي ومؤسسي في محاربة السيجارة الإلكترونية وتضخيم مخاطر استخدامها ليكون الترويج للتمباك العادي بديهي.

في جميع المناطق الحدودية في العالم توجد منطقة تسمّى "الحرّة" يُسمح فيها للمسافر شراء حاجيات بنسب محدودة دون اخضاعها للضريبة، والحال في الأردن لا يختلف عن غيره من الدول بهذا الخصوص.

صدر صباح الجمعة 23 أغسطس/آب 2019م قرار من مجلس الوزراء الأردني بعدم السماح للمسافرين القادمين إلى الأردن بإدخال أكثر من كروز دخان واحد من المنطقة الحرّة مع كل مسافر. قرار تحديد كميات السجائر التي يدخلها المسافر معه عبر الحدود بـ كروز واحد، يأتي حسب تبرير المجلس للحدّ من عمليات تهريب الدخان.

هل هذا الإجراء يقنّن من التهريب أم يساهم في بيع دخان مطيع؟

تبعت هذا القرار والتعديلات القانونية في اعتبار شراء كروز دخان واحد إضافي جناية وليست جنحة، احتجاجات وفوضى عارمة وحرق إطارات في الشوارع الرئيسية وإغلاقها في شمال المملكة لواء الرمثاء في محافظة إربد طيلة ليلة البارحة.

سجّلت وزارة الصحة الأمريكية اليوم أول حالة وفاة بسبب الآثار الجانبية لإستخدام السيجارة الإلكترونية وكثير إصابات الرئة، حسب صحيفة الدستور الأردني. انتشر هذا الخبر في الصحافة الأردنية على نطاق واسع ليصبّ الذعر في قلوب أصحاب "الكيف" الإلكتروني، ومنذ أيام والإعلام يقدّم أرقاماً وصوراً مفزعة من انفجار أو إصابات جراء استخدام سيجارة "الجن" هذه، وكأن السيجارة العادية أكثر نفعاً من زيت الزيتون.

هلّا قدّمت الصحافة الأردنية ومن ورائها الحكومة بعض أرقام مسجّلة في أمريكا أو أي بلد في العالم حول وفيات مدخني السيجارة العادية والتي تتجاوز بدون أدنى شك الإصابة الواحدة، فمثلاً ألمانيا تُقدِّر أنّ 110.000 شخصاً يموت سنوياً، فقط من وراء الأثار الجانبية للسيجارة التقليدية؟

أعيب على كثير الصحف التي تساهم في تنفيذ أجندة حكومية للضغط على مواطن "مستوي" فقد لتسويق دخان "مطيع" وكأن هذا الاسم ارتبط بالضرورة بالسجائر التي تباع مهرّبة لصالح المتنفذين في الدولة.

قضية الدخان الفترة الأخيرة كشفت وبوضوح حجم تنفّذ كثير رجالات الدولة في استخدام مقدّرات هذا البلد الذي يعمل أبناؤه على قدم وساق للخروج من أزمات خانقة تحيط به سياسياً واقتصادياً داخلياً وخارجياً وضغوطات وتهديدات صريحة حيناً وآخرى ضمنية. فلائحة الإتهام المكونة من 65 صفحة والصادرة عن العقيد القاضي العسكري مدّعي عام محكمة أمن الدولة فواز العتوم بتاريخ 6 شباط/فبراير 2019م والتي استثنى فيها كثير سنوات الفساد والتهريب وركز فقط على شخصية واحدة أو اثنتين ليكونا كبش فداء، كانت هي الدليل الوافي لإدانة كثير ممّن يعتبرون رموز للحكومة وللقاضي في آن، ولقد فصّلت هذا في مقالٍ سابق "حكومات من دخان".

الحقيقة أنّ شبكة من أشباه الرجال وهم قريبون جداً من القرار الأول يعبثون في مستقبل وطننا وقرارته التي تجاوزت اليوم كروز دخان، وتجنيد مؤسسات الدولة بما فيها الصحافة بشكل أساسي، لترويج الدخان بشكل قذر من خلال تقديم احصائيات لا أشكّك بصحتها، إنمّا بأهدافها.

لا أستهين بالميزانية التي ستعود من وراء منع كروز الدخان الواحد رغم الذي يقلّله كثيرون في الشارع الأردني، ولا بقرار المنع بحدّ ذاته تماشياً مع كثير الدول الأوروبية التي تحاول الأردن تقليدها من جانب واحد، وهو وضع الضريبة على كل منتج وآلية بيع، كالذي صرح به وزير الريادة مُثنّى الغرايبة في إخضاع دعايات الجوجل والفيس بوك وكل المبيعات التي تسوّق الكترونياً للضريبة. قرار حكيم ويتماشى فعلاً مع سياسات الدول المتقدمة سعادة الوزير، بَيدا أنّك نسيت أو تناسيت - وكليهما كالذي يهرب من التعطيل فيقع في التشبيه - بأنّ هذه الدول المتقدّمة التي تحاول نهجها، تعود بهذا الكم من ناتج الضريبة لخدمة المواطن من تأمين صحي شامل وعادل، وهذا هو عُرف الدول المتقدّمة وسنامها، وليس ابن وزير وآخر ابن حراث. ولا أظنّك سعادة الوزير تشكّك بهذا الزعم وأنت ابن البلد وتعي تماماً الإهمال الصحي كمستشفى الأميرة بسمة وليس له من اسمه نصيب، ومستشفى الزرقاء الحكومي واسمه دلالة عليه وغيرهم الكثير، وتعليم مجاني وخدمات وراتب للعاطلين عن العمل. فهلّا أكملت برنامج الطرح الضريبي سعادة الوزير؟   

الذي يثير "القرف" هو الاستخفاف بعقول الشعب لتمرير قرار منع الكروز بذريعة التقنين من التهريب وليس المنع بحدّ ذاته. للدولة حق تشريع القوانين بما يتناسب مع مصلحة الدولة والشعب.

فهل أصبح نظام التسويق الحكومي للدخان هو "لتعيش أكثر شوية ابتعد عن السيجارة الالكترونية وخليك على السجارة العادية"؟


حُكم الساقط بين الكراسي/ ترجمة ب. حسيب شحادة

The Judgement of He Who Falls between the Chairs

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها راضي بن الأمين بن صالح صدقة الصباحي (رَتْسون بن بنياميم بن شلح تسدكه هصفري، ١٩٢٢-١٩٩٠، أبرز حكيم في الطائفة السامرية في القرن العشرين، مُحيي الثقافة والأدب السامريين الحديثين، مُتقن لتلاوة التوراة، متمكّن من العبرية الحديثة، العربية، العبرية القديمة والآرامية السامرية، جامع لتقاليد قديمة، مرتّل، شيخ صلاة،  شمّاس، قاصّ بارع، أديب أصدر قرابة الثلاثين كتابًا وهي بمثابة مصدر لكتّاب ونسّاخ معاصرين، شاعر نظم حوالي ٨٠٠ قصيدة وأنشودة،  وهنالك باحثون كثيرون تعلّموا منه عن التقليد الإسرائيلي السامري. كان السامري الوحيد الذي سمّاه سيّد الباحثين في الدراسات السامرية، زئيڤ بن حاييم باسم: معلّمي ومرشدي) بالعبرية على مسامع ابنه الأمين (بنياميم) صدقة (١٩٤٤- )، الذي بدوره نقّحها، اعتنى بأُسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٤٦-١٢٤٧، ١٥ آب ٢٠١٧، ص. ٥٤-٥٧. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الراهن؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني. 

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري من المائة والستّين في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة نسمة، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحُسني (بنياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”لم نترك بلادنا قطّ

أعليّ أن أسرُد عليكم ما حلّ بالسامريين من اضطهادات كثيرة في كلّ العصور حتّى بداية القرن العشرين؟ ألا تعرفون ذلك؟ طبعًا تعرفون أنّه بالرغم من المصائب والمعاناة الشديدة، بقي السامريون مخْلصين لمسقط رأسهم في البلاد ولم يتركوها. حُكم ولّى وآخر حلّ محلّه والسامريون يعيشون هنا في هذه البلاد، التي أُعطيت إرثًا لبني إسرائيل في قَسم الله لآبائنا، إبراهيم وإسحق ويعقوب. وكان إبراهيم قدِ اشترى الحَرمَ الإبراهيميّ/مغارة المضّعفة من عفرون الحتّي بأربعمائة مثقال ورق نقد التجّار، سنَد الطابو الأوّل من بين الآلاف التي اندثرت مثل كلّ كنوزنا باستثناء النزْر اليسير. ومع تلك الوثائق أخذت قوّة الشعب السامري بالتناقص إلى أن أصبح عددنا أقلَّ من مائة وخمسين نسمة في بداية القرن العشرين.

يحُزّ في القلب جدًّا، إلى أن حصل انتعاش مفاجىء في الطائفة في الثُلث الأوّل من القرن العشرين، ولا سيّما تلك الدفعة إلى الأعلى بعد حرب حَزيران  العام ١٩٦٧ وما زالت مستمرة حتّى أيّامنا هذه، حيث يصل تعدادنا أكثر من خمسمائة بقليل. 

تناقص الطائفة لم يكن دائمًا نتيجة الضغوط والاضطهادات. كانت هنالك حالات من التسرّب الطوعي وبتعبير أدقّ توجّب على الطائفة أحيانًا أن تلفِظ بعض الضالّين لفظ النواة، أولائك الذين لهثوا وراء العيش في مجتمع آخر أسهل من الحياة بموجب قوانين التوراة، التي يتمخّض عنها في آخر المطاف مجتمع مؤسَّس على قِيم الاستقامة والمصداقية.

ولكن، دعْنا لا نبالغ في هذا الموضوع، ولنتحدّث عن أولائك الذين في الحِقب الغابرة. كانوا قد تركوا الديانة الإسرائيلية واعتنقوا الإسلام بسبب طيشهم وجشعهم. كان هنالك من تأسّلم من ناحية ومن تنصّر من ناحية أخرى. وإن لم يكن هذا موضوع قصّتنا لما كرّست له أكثرَ من كلمات معدودة وفق شأن الموضوع.

متأسلم طوْعًا

ولكن القصّة تبقى قصّة، ويجب سردُها ليعلم الجميع كيف كانت حالة الطائفة السامرية في تلك الأيّام العصيبة. أحد أولائك المتأسلمين، مهما كانوا قلّة، كان سعد بن عبد الفتاح الدنفي. والمسلمون آنذاك كما هم اليوم ينسبون، كما هو معروف، قداسة فائقة لمن ترك دينه وتأسّلم. إنّه في نظرهم وليّ أكثر من المولود مسلمًا لأنه اجتاز الاختبار الصعب في التغلّب على الغريزة الشريرة، التي كانت في ديانته السابقة، والآن بعد تأسلمه أصبح كلّه مخلوقًا صالحًا في القداسة. إنهم يُجرون له مسيرة كبيرة وينادون ”إركعوا“، إذ أنّه في نظرهم يجسّد النصر المبين للإسلام على كلّ الديانات الأخرى. هذا هو الواقع، ولا شيء غيره. ولم يتقبّل أبناء الطائفة دائمًا هذا الواقع الذي فُرض عليهم، عبور إخوة لهم من الدين الإسرائيلي الحقيقي لدين الحقّ  الإسلامي، وحتّى بعد تطبيق كلّ خطوات التأسّلم لم تتوقّف محاولات إرجاعهم إلى جادّة الصواب.

روى لنا آباؤنا أنّ سعد بن عبد الفتاح (سعد أبو الفتاح؟) تأسّلم طواعية، وهذا خلق مرارة كبيرة في أوساط الطائفة. كان يسكن في قرية ناقورة، وما زالت ذريته الكثيرة تعيش هناك إلى هذا اليوم. أحد أولائك كان إبراهيم بن فرج (مرحيب) صدقة الصباحي (هصفري)، من آباء عائلتنا كان حينئذٍ شابًا ولم يُعرف بعد عنه أنّه شاعر ملهم ولكنه كان معروفًا بالتصاقه بديانة إسرائيل والغيرة عليها.

ضربات شديدة مبّرحة

ذات يوم كان إبراهيم واقفًا في شارع سوق نابلس في عزّ شهر الصوم، رمضان، ورأى المتأسّلم سعد عبد الفتاح جالسًا بجانب مائدة بأحد المطاعم يتناول وجبة من الأرز واللحم. نسي إبراهيم لهنيهة تأسّلمَ سعد الفتاح ورأت عيناه سامريًّا يتناول الطعام في بيت أجانب. طالبه بحزم أن يفسِّر عمله هذا، فجاء الردّ وقحًا جدّا ”ما شأنك أنت/ شو دخلك إنت؟“. اشتاط إبراهيم غيظًا ما بعده غيظ. رفع عصاه وضرب سعد عبد الفتاح ضربًا مبرّحًا، ثم سار إبراهيم في طريقه، وهو يغلي ويرتجف غضبًا، وكله غيرة على دين موسى. 

بعد تلك الضربات، نهض سعد عبد الفتاح، وأخذ يصرُخ بلا انقطاع مستغيثًا: السامري ضربني، السامري ضربني!  تحلّق حوله الكثير من المسلمين، فاستغاث بهم ليقبِضوا على ضاربه إبراهيم. وسُرعان ما انتشرت الإشاعة فوصلت كلّ المدينة. ”إبراهيم صدقة السامري ضرب وليّنا سعد عبد الفتاح، لأنّه ترك ديانة الكفّار واعتنق دين الحقّ، الإسلام“. هكذا طارت الإشاعة من فم لأذن. استنفر سكان نابلس للانتقام من الضارب بمنتهى الصرامة. 

ضمن أولائك المسلمين تواجد بعضُ أعزّ أصدقاء إبراهيم الصباحي، وقرّر أحدهم مدّ يد العون له، لأنّه لم يصدّق أن سبب الضرب صحيح. توجّه إلى أحد وُجهاء المدينة ذوي النفوذ، طلب منه مساعدة السامري. قرّر كلاهما إنقاذ إبراهيم من  الجماهير المسلمة الغاضبة. دعا ذلك الوجيه وُجهاء نابلس الآخرين إليه،  وٱستدعي إبراهيم الصباحي أيضا. كما أُحضر سعد عبد الفتاح مكرّمًا، وهو يئنّ من ضربات عصا إبراهيم. كما حضر شيوخ الطائفة السامرية وكهنتها  الذين تخوّفوا من مصير ابن جلدتهم. بين تنهّد وتنهّد، لم يُخف سعد عبد الفتّاح المضروب المحطّم رضاه عمّا  سيحِلّ كما اعتقد بإبراهيم الصباحي. كان على يقين بأنّ إبراهيم سيلقى عقابًا مضاعفًا على كلّ ضربة من عصاه، ولكن ويا للعجب فوجىء الجميع بطريقة جلوس إبراهيم  وتصرّفه. إنّه لم يسلك كمن ينتظر قصاصًا شديدًا بل بالعكس تصرّف بثقة وبهدوء، أضفيا دهشة على كلّ الحضور. بدا هادئًا مسترخيًا تماما.

بدأ الاستجواب بسماع تهمة إبراهيم الصباحي، الذي جرؤ على ضرب وليّ مسلم، وهذا يستحقّ  العقاب. أضف إلى ذلك، أن سعد عبد الفتّاح قد شهِد أن إبراهيم السامري قد ضربه بدون أيّ استفزاز أو ذنْب اقترفه. 

حُكم الآكِل في يوم من أيّام شهر رمضان

”ماذا في جعبتك للدفاع عن نفسك يا إبراهيم السامري، إذ أنّك تعلم أنّه لا مسامحة ولا مغفرة لكافر يرفع يده على مسلم “، قال الوجيه لإبراهيم. أجاب إبراهيم ”يا سيّدي الفاضل المحترم، لا أدري كيف ستقبل ما سأقوله لك، وهل سيرضى عن ذلك كلّ الحاضرين، ولكن الأمر في نظري جدّ خطير ويتطلّب قصاصًا شديدا“. ردّ وجهاء نابلس بالقول ”قل ما لديك لنسمع“. أجاب إبراهيم الصباحي قائلًا ” ما فعله سعد عبد الفتّاح يجعل الإيمان بالله في خطر. سعد هذا، قد ضحك أوّلًا على ديننا السامري، والآن حاول أن يجعل من الديانة الإسلامية أضحوكة“. ردّ وجهاء نابلس باندهاش عظيم ”ماذا تقول؟“. أجاب إبراهيم الصباحي ”هذا ما أقوله والله شاهد عليّ. هذا سعد عبد الفتّاح قد خان ديننا، الديانة السامرية، وبالنسبة لكم قد قام بفعل الصواب في اعتناقه الإسلام. ومن المعروف أنّ إحدى فرائض ديانتكم الكبرى، هي فريضة صوم شهر رمضان. وهوذا في هذا اليوم، قبل الظهر رأيته يتناول الأرز  محاولًا  خدْع أبناء ديانته الإسلامية. ألا يُعتبر هذا العمل خطيئة كبيرة تستحقّ عقابًا قاسيا؟ لا يمكنكم التغاضي عن مثل هذه الفعلة“ ثم أردف إبراهيم الصباحي قائلا ”حتمًا ستسألون ما لي ولهذا الذي لا يسير وفق فرائض ديانة أخرى؟ وأقول لكم إنّي لم أقدر أن أطيق ما رأته عيناي- من خان ديني ومن يحاول خيانة دين آخر“. ثم ختم إبراهيم كلامه المفعم بالحيوية مضيفًا ”لم أر أيّة وسيلة أخرى سوى لزوم ضربه ضربا مبرّحًا على خيانته المزدوجة“.

وقف الوجيه المسلم، صديق إبراهيم فاغرَ الفم من شدّه ذهوله، وهكذا كانت حال جميع الوجهاء ولم يبق شيء سوى التحقّق من صحّة أقوال إبراهيم. التفتوا فورًا نحو سعد عبد الفتّاح مستفسرين، وهذا أخذ يتلعثم ولم يتمكّن من نطق ولو كلمة واحدة بِجلاء. أصدر الوجيه أمرًا بإلقاء القبض عليه، تقدّم نحو سعد عبد الفتّاح، أمسك بذقنه وفتح فمه بقوّة وقال إنّ إبراهيم صادق في كلامه. بعض حبّات الأرز بانت بين أسنان سعد عبد الفتّاح. ”هل تعرف ما حُكم من يخون دينه؟“  سأل الوجيه سعد عبد الفتّاح  بنبرة تنمّ عن السوء. 
 وقع سعد عبد الفتّاح  على وجهه وأخذ يقبّل صندل إبراهيم الصباحي متوسّلًا أن يخلّصه من الموت. وقد علم إبراهيم أنّ حكم من يبدّل دينه وَفق فرائض السامرة هو الموت، ولكن بالرغم من ذلك حنّ على سعد عبد الفتّاح وطلب من أصدقائه تخفيفَ عقاب سعد. استجاب صديقُ إبراهيمَ المسلمُ لطلب إبراهيم، التفت نحو سعد عبد الفتّاح  وقال ”بفضْل إبراهيم السامري، صديقي الطيّب لن نعاقبك بما تستحقّ من عقاب. يكفي جلدُك على ظهرك بحضور هذا الجمهور ثلاثين جلدة، كي يرى ويعرف الجميع عدم تناول الطعام في صوم رمضان “.

سعد عبد الفتّاح رُبط بعامود العار وجُلد ثلاثين جلدة، كان يصرُخ بفظاعة بعد كل جلدة. ثم أُنزل عن العامود مترنحًا  ولكنّ فؤادَه كان مفعمًا بالشكر والامتنان لنعْمة إبراهيم الصباحي. 
هذا هو حُكم الساقط بين كراسي الديانتين“. 

نحتاج لصحوة فكرية وثورة ثقافية !!/ شاكر فريد حسن

نعيش مرحلة مخاض عسير بعد الانتكاسة الفكرية ، وأفول الهوية القومية ، وفشل مشاريع التنمية والتنوير والنهضة الثقافية ، وفي ظل حالة ارتداد شديد ، ونجاح التمترس الديني تحت يافطات الاسلام السياسي وحركات التطرف الديني بكل مسمياتها ، فضلًا عن الصراعات الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية التي تعم الاوطان العربية . وامام ذلك تقف الدولة الحديثة عن توفير الدرع الواقي لحماية وحفظ هويتنا الثقافية والفكرية .

من جهة أخرى نرى نكوص دور المثقف في المجتمعات العربية ، وخفوت صوته واشعاع فكره ، في عصر يتجه نحو عولمة الثقافة ، وهذه المجتمعات اصبحت تفتقد المثقف العضوي المساهم في التغيير ، وفي بناء عالم أكثر عدلًا وديمقراطية وانفتاحًا واستنارة .

لقد تغير مفهوم المثقف في ظل انتشار شبكات التواصل الاجتماعي والوسائط الجديدة ، وتراجع الوسائط التقليدية ، ولم يعد مفهوم الثقافة في وعي أجيال العصر مقتصرًا على الثقافة العالمة والمكتوبة التي تعمل على تنمية الذوق والحواس وزيادة المعرفة ، وانما هيمنت الوان واجناس جديدة كانت مستهجنة عند النخب المثقفة كالرقص والراب وثقافة الجسد وما يرتبط بها ، وكل هذا جعل مثقف اليوم ، ليس من يمتلك المعرفة وإنما من ينشرها ، وأدى بالتالي الى تغير مفهوم المثقف ووظيفته ، واتساع الفجوة بين المثقف والواقع .

وعلى ضوء هذا الحال البائس لا امل في ارساء أسس الدولة المدنية الديمقراطية العصرية في مناخ تسيطر عليه الردة الفكرية والسلفية الدينية ، وتراجع دور الانتلجنسيا في صناعة الرأي .

إننا في هذه المرحلة العصيبة والمأساوية التي تمر بها شعوبنا ومجتمعاتنا العربية ، نحتاج لصحوة فكرية وثورة ثقافية ، واعادة الاعتبار للثقافة ودور المثقف ، ولرؤيا معاصرة وحضارية لمستقبل أكثر اشراقًا ، تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، ومواصلة مشاريع النهضة والتنوير .

حملات انتخابية غير تقليدية في أميركا/ صبحي غندور

لقد كان من الصعب في القرن الماضي التمييز بعمق بين برنامجيْ الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لكن حتماً في محصّلة السنوات الأخيرة، أصبحت الخلافات تتّسع بين رؤى الديمقراطيين والجمهوريين لأنفسهم ولمستقبل أميركا ولعلاقاتها الدولية. وسنجد هذه الفوارق واضحة أكثر مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في العام القادم. 
فالمتغيّرات الجارية الآن في الحياة السياسية الأميركية ليست فقط وليدة فوز دونالد ترامب بانتخابات العام 2016، بل تعود إلى مطلع هذا القرن الجديد وإلى تداعيات 11 سبتمبر 2001، حينما ارتبط موضوع الأمن الأميركي بحروب كبيرة في العراق وأفغانستان، وبمسائل لها علاقة بالعرب وبالمسلمين وبالأقلّيات الدينية والعرقية في أميركا، إضافةً طبعاً للدور الخطير الذي قام به من عُرِفوا باسم "المحافظين الجدد" في صنع القرار الأميركي وفي تغذية مشاعر الخوف لدى عموم الأميركيين، ممّا دعم أيضاً الاتّجاه الديني المحافظ في عدّة ولاياتٍ أميركية، ثمّ ظهور "حزب الشاي" كحالة تمرّد سياسي وشعبي وسط الحزب الجمهوري ومؤيّديه.
وما شهدته الولايات المتحدة من "انتخابات نصفية" لأعضاء الكونغرس في نوفمبر الماضي، وفوز  "الديمقراطيين" بغالبية مجلس النواب، هي كانت مؤشّرات على المتغيّرات الهامّة الحاصلة في المجتمع الأميركي. فقد اشترك الحزبان "الديمقراطي" والجمهوري" في خروج القاعدة الشعبية لدى كلٍّ منهما عن رغبات القيادات التقليدية، حيث أظهرت نتائج الانتخابات هيمنة تيّار يميني عند الجمهوريين يدعمون ما عليه ترامب من سياسات، مقابل تزايد قوة التيّار اليساري المتنوّر عند الديمقراطيين، وهو التيّار الذي ظهر في مؤتمر الحزب الديمقراطي في العام 2004، وتكرّس بفوز أوباما في العام 2008.
ولا يصحّ القول أنْ لا فرق بين إدارةٍ أميركية وأخرى، أو بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، كما كان خطأً كبيراً أيضاً التوهّم عام 2008 أنّ إدارة أوباما ستكون حركةً انقلابية على المصالح والسياسات العامّة الأميركية.
إنّ التحوّل الذي حدث فعلاً عام 2008 كان في مفاهيم اجتماعية وثقافية أميركية. فقد فشل القس جيسي جاكسون في القرن الماضي بالحصول على دعم الحزب الديمقراطي له بالترشّح لانتخابات الرئاسة لأنّه أميركي أسود، رغم موقعه الديني المسيحي وجذور عائلته العميقة في أميركا. أيضاً، فشل المرشّح الديمقراطي للرئاسة عام 1988 مايكل دوكاكس أمام منافسه جورج بوش الأب، بسبب عدم ثقة قطاعٍ كبير من الأميركيين ب"وطنيته" الأميركية لأنّه ابن مهاجر يوناني حديث، وأنّ عائلته لم تتأصّل في التاريخ الأميركي، ولم تنحدر من "الأنجلوسكسون" الأبيض المسيحي البروتستانتي! وكان جون كنيدي أوّل رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة الأميركية (1961-1963)، ولم يأتِ بعده كاثوليكيٌّ آخر للرئاسة الأميركية.
إذن، ما حدث في العام 2008 كان تحولاً في "مفاهيم وتقاليد أميركية" لا تتوافق أصلاً مع نصوص الدستور الأميركي، ولم تعد لها قيمة لدى معظم الجيل الأميركي الجديد، في ظلّ مجتمعٍ تتزايد فيه أعداد المهاجرين غير الأوروبيين، والذين سيشكّلون خلال عقودٍ قليلة قادمة غالبية عدد السكان. وهؤلاء المهاجرون الجدد والأقلّيات غير الأوروبية والجيل الأميركي الجديد كانوا أساس الحملة الانتخابية لباراك أوباما، والقوة الشعبية الفاعلة في انتصاره الكبير في العام 2008 ثمّ في التجديد له في العام 2012.
إنّ الوجه الجميل لأميركا ظهر في العام 2008 بانتخاب مرشّح للرئاسة هو ابن مهاجر إفريقي مسلم أسود اللون، ولا ينحدر من سلالة العائلات البيضاء اللون، الأوروبية الأصل، والتي تتوارث عادةً مواقع النفوذ والثروة، لكن خلف هذا الوجه لأميركا يوجد وجهٌ آخر، بشعٌ جداً، يقوم على العنصرية ضدّ كل المزيج الذي رمز له فوز أوباما في العام 2008. فهي عنصريةٌ عميقة ضدّ الأميركيين ذوي البشرة السوداء، وشاهدنا في السنوات الأخيرة ممارساتٍ عنصرية كثيرة حدثت من عناصر في الشرطة أو من أفراد مدنيين، وهي عنصرية متجدّدة ضدّ كل أنواع المهاجرين الجدد من غير الأصول الأوروبية والتي كان آخرها ما جرى من إرهاب مسلّح في ولاية تكساس، وهي عنصرية نامية ضدّ الأقليات ذات الأصول الدينية الإسلامية واليهودية. 
إنّ انتخاب رشيدة طليب وإلهان عمر لعضوية مجلس النواب في العام الماضي، كأول مسلمتين من أصول عربية تصلان إلى الكونغرس الأميركي، كان دلالة على مظاهر التحوّل في القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي التي لم تتأثّر بالحملات السياسية والإعلامية المناهضة للعرب والمسلمين منذ أحداث 11 سبتمبر في العام 2001. أيضاً، حصل أمرٌ مشابه في عدّة ولاياتٍ أميركية في العام 2016 خلال الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي، حيث صوّت العديد من الأميركيين المسلمين والعرب لصالح المرشّح اليهودي بيرني ساندرز. وكان ذلك شهادةً للطرفين معاً: شهادة للأميركيين المسلمين والعرب بأنّهم لا ينطلقون من اعتبارات دينية أو عرقية في اختيارهم للمرشّحين، بل من معايير سياسية داخلية وخارجية لتحديد أين سيذهب صوتهم الانتخابي، وكانت شهادة أيضاً للمرشّح ساندرز لأنّه استطاع استقطاب هذه الفئة من المجتمع الأميركي بسبب مواقفه الرافضة للعنصرية وللتمييز ضدّ الأقليات الدينية والثقافية والعرقية، ولأنه أكّد على رفض الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة وعلى حقّ الفلسطينيين بدولةٍ لهم، وعلى إدانته للحرب التي حصلت على العراق، وأيضاً بسبب رفضه للدعم المالي من قوى الضغط – اللوبي- واعتماده على مصادر التبرّعات الفردية، إضافةً طبعاً لبرنامجه الاقتصادي والاجتماعي الذي لقي وما يزال يلقى استحساناً من قطاعاتٍ عديدة من جيل الشباب والطبقات الوسطى والفقيرة.
وما يزيد من أهمّية الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام القادم هو مصير ترامب نفسه حيث أنّ اعادة انتخابه ستعني مزيداً من الانقسامات الحادّة في المجتمع الأميركي، بينما هزيمته في هذه الانتخابات ستؤدّي إلى تحجيم دور وتأثير التيّار العنصري المستفيد الآن من وجود ترامب في "البيت الأبيض". لكن المشكلة حتّى الآن هي في عدم وجود المرشّح الديمقراطي القادر على استقطاب القوى الشعبية التي تحالفت لإنجاح باراك أوباما لفترتين رئاسيتين. ولا أرى أنّ جو بيدن هو المرشّح القادر على ذلك، ولا هو أصلاً يتمتّع بالمواصفات والمواقف التي تجعل الناخب الديمقراطي أو المستقل يندفع لتأييده.  
ربّما المراهنة ستكون على جعل بيرني ساندرز هو المرشّح المقابل لترامب، وبأن تكون إليزابيت وارن هي المرشّحة لمنصب نائب الرئيس. ففي تحالف ساندرز ووارن يمكن إحداث تيّار شعبي كبير مؤيّد لهما ومدعوم من الأقلّيات العرقية والدينية والثقافية، إضافةً إلى قطاع كبير من الشباب الأميركي ومن الأصوات النسائية. وإذا حدث ذلك فعلاً، فإنّ وجه أميركا الجميل سيشرق مجدّداً، كما حدث في العام 2008 بعد سنواتٍ من سياسة الدم والدمار والانهيار الإقتصادي التي سادت في فترة "المحافظين الجدد" داخل الحزب الجمهوري.
هكذا هي الآن المعارك الانتخابية غير التقليدية التي تحدث في الولايات المتحدة، فهي ليست فقط حول الأمور الاقتصادية والاجتماعية التي تطغى أحياناً على سطح الإعلام، بل هي الآن أيضاً حول المسائل المرتبطة بالدين والعرق والثقافات. إنّها معارك سياسية حول كيفيّة رؤية مستقبل أميركا وللاتّجاه الذي سيسير نحوه المجتمع الأميركي. 

الفلبين غاضبة على رئيسها بسبب الصين/ د. عبدالله المدني

تعهد الرئيس الفلبيني المثير للجدل "ريدريغو دوتيرتي" خلال حملته الانتخابية التي أوصلته إلى قصر ملاقانيان الرئاسي في عام 2016 برفع علم بلاده على جزر متنازع عليها مع الصين في بحر الصين الجنوبي،  والتصدي لمحاولات بكين عسكرة تلك الجزر واستغلالها من طرف واحد بإقامة المنشآت العسكرية والمدنية فوقها والإمعان في استغلال ثرواتها البحرية والنفطية (إستصلح الصينيون نحو 1295 هكتارا من الأراضي في البحر لتلك الأغراض على إمتداد جزر سبراتلي وهو ما يساوي 24 ضعف ما إستصلحته الدول الآسيوية المشاطئة مثل الفلبين وماليزيا وفيتنام وبروناي خلال نصف القرن الماضي).

ومن حسن حظ دوتيرتي أنه كان هناك وقتذاك قرار نهائي صادر بالإجماع من محكمة التحكيم الدائمة  (محكمة تتخذ من لاهاي مقرا لها منذ تأسيسها سنة 1899 وتضم 119 دولة لكنها لا تتبع الأمم المتحدة)، بمقتضى قانون الأمم المتحدة للبحار الذي وقعت عليه بكين ومانيلا، علما بأن الفلبين رفعت قضيتها إلى المحكمة منفردة فيما قاطعت الصين جلساتها. وقد قضت المحكمة بعد مداولات طويلة بتأييد الموقف الفلبيني قائلة أن الصين انتهكت الحقوق السيادية للفلبين في بحر الصيني الجنوبي، وأنه ليس لبكين حقوقا تاريخية في القسم الأكبر من مياه بحر الصين الجنوبي وجزره الاستراتيجية التي "تتعامل مع ثلث التجارة البحرية العالمية ونحو 4 أضعاف الطاقة المنقولة عبر قناة السويس وأكثر من عشرة أضعاف مصائد الأسماك العالمية" طبقا للخبير في الشون الآسيوية ريتشارد هيدريان.

وفيما رحبت مانيلا بالقرار وعدته إنتصارا مدويا لها وسابقة تاريخية يمكن البناء عليه في القضايا المشابهة، ردت الصين على قرار المحكمة بالإشارة إلى فقرات الإستثناء الواردة في قانون البحار لدعم حججها، ثم لجأت إلى التشكيك في كفاءة وصلاحيات محكمة التحكيم، ثم جادلت بأن التحكيم الإجباري سابق لأوانه، قبل أن ترفض الحكم رفضا قاطعا وتطالب بالتفاوض الثنائي.

وقتها أيضا كان ديتورتي في موقف قوي تسانده فيه اليابان وتايوان وأقطار جنوب شرق آسيا الشريكة لها في منظومة آسيان،  ويدعمه  شعبه وجيشه اللذين رأيا فيه زعيما غير مألوف جاء لينظف البيئة الفلبينية من الفساد وتجار المخدرات والمتطرفين والإنفصاليين، ويستعيد في الوقت نفسه حقوق بلاده المهدورة. غير أن الرجل، المعروف عنه التسرع والعنف اللفظي، كان غير قادر على المراهنة على الأمريكيين في ظل إدارة باراك أوباما الصديقة للصين، خصوصا وأنه كان قد دخل آنذاك في وصلة ردح شخصية مع الرئيس الأمريكي. 

ولأنه كان واثقا بأن جيشه أضعف من أن يواجه جبروت التنين الصيني وقوته العسكرية الكاسحة، سيما وأن اقتصاده ضعيف ومختل، فقد أثر عدم الإصطدام ببكين ممنيا النفس بالتفاهم مع الصينيين على حساب الأمريكيين، جذبا لإستثماراتهم من أجل إصلاح البنية التحتية المنهارة في بلاده ولاسيما شبكة المواصلات المهترئة. ولهذا السبب قام بخمس زيارات مذاك إلى بكين لكن دون أن يحصل على الكثير مما تمناه، وهو ما جعل شعبه وقادته العسكريين ومنافسيه السياسيين يطالبونه اليوم، وهو على أعتاب نهاية ولايته الرئاسية، الوفاء بوعوده لجهة مواجهة الصين، والضغط على الأخيرة بمساعدة الحليف الأمريكي لتفعيل قرار محكمة التحكيم سالف الذكر، خصوصا في ظل العلاقات المتدهورة بين بكين وواشنطون ووجود رئيس أمريكي في البيت الأبيض لطالما شبهه الفلبينيون به لجهة الحدة وردود الأفعال القوية البعيدة عن الدبلوماسية. حيث صدر عن الناطق الرسمي باسم الجيش الفلبيني البريغادير "ايدغارد اريفالو" بيانا ناريا يتهم فيه بكين بالمراوغة ويدعو رئيس البلاد إلى تبني رد حازم.

كل العوامل السابقة، معطوفا على إستياء الشعب الفلبيني من مواصلة الصيادين الصينيين عمليات الصيد البحري في المياه الإقليمية الفلبينية على حساب قوتهم اليومي، ناهيك عن إستثمار السيناتور "بانفيلو لاكسون" (مرشح محتمل في الانتخابات الرئاسية القادمة) الموقف لصالحه، دفعت دوتيرتي للتصريح في خطاب ألقاه في السادس من أغسطس الجاري خلال منتدى للغرف التجارية والصناعية الفلبينية والصينية، بأنه سوف يطرح بقوة ودون تردد أو دبلوماسية موضوع السيادة على الجزر المتنازع عليها خلال زيارته المرتقبة لبكين هذا العام، وأنه سوف يطالب مضيفيه الصينيين بتنفيذ الحكم الصادر في يوليو 2016 لصالح بلاده، مشيرا إلى أنه بهذا ينفذ وعدا قطعه على نفسه باسترداد حقوق الفلبين قبل نهاية ولايته. هذا التطور أشاع جوا من الإرتياح "الآني" في صفوف الفلبينيين وجنرالات الجيش ونواب المعارضة. فهل يا ترى سيفعلها الرجل؟ أم أنه سيتحاشى فتح الملف مع نظيره الصيني "شي جينبينغ" الغارق في دوامة الإحتجاجات الشعبية في هونغ كونغ؟ أم أنه سيعود لطرح فكرة الإستغلال المشترك للمناطق المتنازع عليها؟ علما بأن هذه الفكرة، لقيت معارضة شديدة وقت طرحها سابقا، بل عدّها فليبينيون كثر مخالفة دستورية.

د. عبدالله المدني
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: أغسطس 2019 
البريد الإلكتروني: Elmadani@batelco.com.bh

عبارة الهامش:
لأنه كان واثقا بأن جيشه أضعف من أن يواجه جبروت التنين الصيني وقوته العسكرية الكاسحة، فقد أثر عدم الإصطدام ببكين ممنيا النفس بالتفاهم مع الصينيين لجذب إستثماراتهم.

شَيءٌ مِن قِصَصِ الحُبِ والصَبرِ العراقيّ الجَميل/ فاضل البياتي

*هذهِ القَصيدةُ نَشرتها لأولِ مرةٍ عام 1997 في مجلةِ الثقافةِ العربيةِ الليبيّةِ حينما كنُتُ أعيشُ وأعمَلُ في ليبيا العَزيزة. أعيدُ كِتابتها ونشرها اليوم من جَديدٍ بعدَ مُضيِّ 22 عاماً.
  
في المَهَبِّ، كُل المَخاطِرِ التي جازَفتَ فيها
عانَدتَها.. فَطاوَعَتك
واجَهتَ مَوتكَ في مَفَازَاتٍ جَلَل وشَدِيدة
صافَحتهُ، فاهداكَ روحَاً جَديدَة
إِذْ وادَعَك..
في المَهَبِّ كُل المَواجِعِ
التي ذَرَفَتها لَيالي التَضَوّرِ
في زَمانِ اللَّهِيبِ وَسِنيّنِ اللَّهَب.
*
دَسائِسٌ وفِتَن
غَزوٌ وحِصارٌ وَحُروب
مِن شَرقٍ وَغَربٍ
وَشمالٍ وَجَنوب..
نارٌ وإحتِراق
هيَ المِحَن
تُؤلِمُ الشَعب العراقيّ الأصيل والنَبيل والجَميل في العراق
تُؤلِمُ الوَطَن.
*
لِتَحسِبَ إِنَّ سَديمَ الأماني تَلاشى
وَأنَ حَوافَ الضَياع تَحتَ خُطاك
وإنَّ صَبركَ نَفَد..
لِتَحسِبَ أنَّكَ لاتَملِكُ اليوم
غَيرَ قَميصٍ مُمَزّق
وبَدر رَغيفٍ عَتيق
وَجَوادٌ قَليلُ الجَلَد.
لِتَحسِبَ إِنَّ الرِفاقَ الَّذينَ كُنتَ تَظِنُ رِفاقَاً
صاروا فِخاخاً..
لِتَحسِبَ إِنَّ أحلامكَ التي رَقَصَت في الطفولَة
ونَضَجَت في الرِجُولَة
ضاعَت هَبَاء..
لِتَحسِبَ أن إمرأةً عَشِقَتكَ
أُسّمِعَت بَعضِ هُراء
لِتَحسِبَ إِنَّ بَينَ يَقينِ مَماتِكَ لَحظَة لاتَنتَظِر
فَماذا تَبَقى لَديك؟
*
طَلَعتَ إلى النار
بآنيةِ زَهْرٍ كَعاشقٍ بَريء
فإكتَشَفتَ الخِداع وَإكتتَشَفتَ الْكَذِبَ
تَمَرَدتَ ضِدّ اللَّهَب والإحتِراق
مِثل نمرٍ ذَكيّ قَويّ يُراوغُ خُبث الشِباك
إنتَفَضتَ.. دَاهَمَتَ، إِقْتِحَمتَ
حَتى انتَصَرت..
وَالضَحايا دُروبك.. فَليَذهَبوا لًلمَهَبّ
وَالضَحايا دُمُوعك.. فَليَذهَبوا لًلمَهَبّ
وَما حَصَدَت مِنكَ الشِباك سِوى البَسالَةِ والشَهامة لأجلِ العراق
قَبل الطَلَب..
وَيَوم الطَلَب وعِندَالطَلَب
فَفُزتَ برُضوانِ رَبٍّ
وأمٍّ وأب
وأحلى الكَلِم..
إنها أكرَمُ أوسِمَة وأَطيَب نِعَم
مِمن تُحِب
فَأنتَ الجَسُورُ وأنتَ الصَبورُ
وَأنتَ العَجيبُ وَأنتَ العَجَب.
*
سَديمُ الأماني تَدانى إليكَ، إقتَرَب
والهُدى والأمانُ تَحتَ خُطاكَ في كُلِ دَرب
وعَزمكَ قَويٌّ وصَبركَ عَظِيمٌ وصَلِب
وجَوادكَ جَذْلانٌ جَلُودُ يَجري خَبَب
والرِفاقُ أَوْفُوا العَهْدِ
والكُلُ أمينٌ وَمُحِب
وأحلامكَ صارَت شَواهِد في سُمُوّ
أَنْفَسُ مِن عَقِيقٍ وَذَهب
والمَرْأَةُ التي عَشِقَتك
سَخَرَت ولَمْ تُصغي لِهُراءٍ وإِفْتِراءٍ وكَذِب.
وفي المَهَبِّ
كُل المَخاطِرِ التي جازَفتَ فيها
عانَدتَها.. فَطاوَعتك. 
  

تبريد الرأس/ ماهر طلبه

فتح اللص باب الثلاجة بعد ان أنهى عمله ليشرب بعض المياه، فتعجب حين وجد أن رأس صاحب الشقة فى الرف العلوى، كان قد قابل الجسد ملقى على السرير مغطى بملائة بيضاء تماما، كأنها ثياب عروس تزف الآن، لم يستطع أن يفتح الدولاب ولا أن يبحث فيه خوفا من أن يستيقظ صاحب الشقة ويقبض عليه، لذلك تحرك فى ارجاء الشقة دون هذه الحجرة وجمع ما استطاع.

الآن اطمأن قلبه تماما.. فأغلق الثلاجة بأقل قدر ممكن من الضوضاء وأكبر قدر ممكن من الحذر، ثم اتجه إلى حجرة النوم مطمئنا، فتح الباب وبدأ تفتيش الحجرة بأقل قدر ممكن من الحذر وأكبر قدر ممكن من الضوضاء، فرأس صاحب الشقة الموضوعة فى الثلاجة معزولة تماما عن العالم،  ولن تصل إلى أذنها الأصوات، والجسد الملقى على السرير بغير الأذن لا يفيد فى مقاومة السارق.. لذلك أنهى عمله دون قلق، حتى عندما تحركت القدم باتجاه الباب.. كان يعلم أن المسافة الفاصلة بين حجرة النوم والثلاجة كافية كى يغادر المكان بحمولته.


كعب بن زهير: قصيدة ( البردة) في مدح الرسول (ص)، نظرة تحليلية، حياته/ كريم مرزة الأسدي

 
المقدمة :
كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، وأمه كبشة السحيمية، كنيته أبو المضرَّب شاعر مخضرم عاش في نجد عصرين مختلفين،هما العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام ، ولادته لم يحددها مؤرخو الأدب؛ ولكن وفاته دوّنها الزركلي في (أعلامه) سنة (26 هـ / 645 م) ، وهو سليل عائلة موهوبة بالشعر والحكمة، فأبوه زهير بن أبي سلمى، وأخوه بجير وابنه عقبة وحفيده العوّام كلهم شعراء ، درّب الزهير ولديه على نظم الشعر وإجادته تماماً، خالياً من كلً عيب وضعف  حتى فاق كعبٌ الحطيئة في الشهرة؛ فالرجل من الطبقة الرفيعة، اشتهر في الجاهلية، وهجا النبى ( ص)، وشبّب بالنساء المسلمات ، فهدر الرسول دمه ، ومن ثمّ جاء مستأمناً  ، فأمنه ، وأسلم على يديه ، فأنشد الشاعر لاميته الشهيرة (بانت سعاد) (1)، التي طارت شهرتها عبر الآفاق والأزمان حتى يومنا التعبان ، خمسها الشعراء الكبار، وشطروها ، وعارضوها ، وترجمها المترجمون الأكفاء في غربة الديار، فتـُرجمت إلى الإيطالية،  ونشرها مترجمة إلى الفرنسية المستشرق، (رينيه باسيه )، وعني بها، وشرحها شرحا جيدا، صدره بترجمة كعب، وهنالك ترجمات إلى الأنكليزية ، واللاتينية ، والألمانية .
   
وللامام أبي سعيد السكري " شرح ديوان كعب ابن زهير" ،  ولفؤاد البستاني " كعب ابن زهير "، وكلاهما مطبوعان  (2)، وشرحها كثيرون من غيرالسكري ، منهم ابن دريد (933 م)،والتبريزي (1109 م) ، وابن هشام (1360 م) ، والباجوري (1860م) ، وطبعت مراراً في أوربا  والشرق ، منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي في ليدن ، وفي القرن التاسع عشر  في هال وليبسيك وبرلين وباريس ، وفي مطلع القرن العشرين طبعته قسنطينة، ثم بيروت سنة (1931 م) (3).

كعب وأخوه بجيرابنا زهير ، وموقفهما من النبي (ص) :

يذكر ثعلب  في (مجالسه) خرج كعب وبجير ابنا زهيرٍبن أبي سلمى " إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بلغا أبرق العزاف فقال لبجير: الق هذا الرجل وأنا مقيم لك ها هنا فانظر ما يقول. قال: فقدم بجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع منه فاسلم، وبلغ ذلك كعباً فقال :

ألا أبلغا عني بجيراً رسالة  *** على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلقٍ لم تلق أماً ولا أبا ****  عليه ولم تدرك عليه أخا لكا

قال: فبلغت أبياته رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه، وقال : " من لقى منكم كعب بن زهيرٍ فليقتله " . فكتب إليه بجير أخوه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمك. ويقول له : انج وما أرى أن تنفلت. ثم كتب إليه بعد ذلك يأمره أن يسلم ويقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول له : إنه من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،  قبل منه رسول الله وأسقط ما كان قبل ذلك. فأسلم كعبٌ وقال القصيدة التي اعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها : " بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ " ، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وكان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه مكان المائدة من القوم ، حلقةً ثم حلقة ثم حلقة ، وهو في وسطهم، فيقبل على هؤلاء فيحدثهم، ثم على هؤلاء ثم هؤلاء، فأقبل كعبٌ حتى دخل المسجد، فتخطى حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، الأمان. قال: ومن أنت؟ قال : كعب بن زهير. قال : أنت الذي تقول ، كيف قال يا أبا بكر؟ فأنشده حتى بلغ :

سقاك أبو بكر بكأسٍ روية *** وأنهلك المأمور منها وعلكا

فقال : ليس هكذا قلت يا رسول الله ، إنما قلت :

سقاك أبو بكرٍ بكاسٍ روية *** وأنهلك المأمون منها وعلـكا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مأمونٌ والله " ، وأنشده :
:
" بانت سعاد فقلبي اليوم متبول " ، حتى أتى على آخرها . " (4)

   ويذكر ابن كثير في (بدايته ونهايته ) رواية أخرى ، وعلى العموم الروايات عن سيرة الرسول (ص) ، وأحاديثه ، تـُمحّص كثيرا ، ويُبحث عن سندها، وثقة رجالها ، فهي أقرب لواقع حالها، وإن اختلف بعض مضامينها، إليك ملخص ابن الكثير، وقارن : في موسم حج سنة ثمان هـ ، بقى أهل الطائف على شركهم من ذي القعدة حتى رمضان سنة تسع هـ،   ولمّا قدم رسول الله (ص) من منصرفه عن الطائف ، كتب بجير بن زهير ابن أبي سلمى إلى أخيه لابويه كعب بن زهير يخبره أن الرسول لا يقتل أحدا جاءه تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الارض . 
وكان كعب قد قال :

ألا بلغا عني بجيرا رسالة ***فويحك  فيما قلت ويحك هل لكا
 فبين لنا إن كنت لست بفاعل ٍ**** على أي شئٍ غير ذلك دلكا
 على خلق لم ألف يوماًاً أباً له  ***عليه وما تلقى عليه أبا لكا 
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ٍ**** ولا قائل إما عثرت لعالكا 
سقاك بها المأمون كأسا روية ** فأنهلك المأمون منها وعلكا

قال ابن إسحاق: وبعث بها إلى بجير، فلما أتت بجير أكره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها، فقال رسول الله (ص) لما سمع (سقاك بها المأمون) : " صدق وإنه لكذوب أنا المأمون ، ولما سمع (على خلق لم تلف أما ولا أبا ... عليه)  - كذا - قال : " أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه " .

قال ثم كتب بجير إلى كعب يقول له :

من مبلغ كعبا فهل لك في التي***** تلوم عليا باطلا وهي أحزم
 إلى الله لا العزى ولا اللات وحده***فتنجو إذا كان النجاء وتسلم 
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت** من الناس إلا طاهر القلب مسلم 
فدين زهير وهو لا شئ دينه * **** ودين أبي سلمى علي محرم

قال فلما بلغ كعب الكتاب ضاقت به الارض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، وقالوا هو مقتول ، فلما لم يجد من شئ بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله (ص) ، وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة ، فغدا به إلى الرسول  (ص) في صلاة الصبح فصلى معه، ثم أشار له إلى الرسول ، فقال هذا رسول الله ، فقم إليه فاستأمنه ، فقام ، وجلس إليه ،  ووضع يده في يده، وكان الرسول لا يعرفه ،  فقال : يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن جئتك به ؟ فقال الرسول " نعم " ، فقال إذا أنا يا رسول الله كعب بن زهير ، وثب عليه رجل من الانصار فقال : يا رسول الله، دعني وعدو الله أضرب عنقه ؟ فقال: دعه عنك فإنه جاء تائبا نازعا " قال : فغضب كعب بن زهير على هذا الحي من الانصار لما صنع به صاحبهم، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير. (5)
وفي ( مجالس ثعلب ) عن موسى بن عقبة ، أنه  قال : أنشد كعب رسول الله (ص) في مسجده بالمدينة (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول)
فلما بلغ :

إن الرسول لسيفٌ يستضاء به*****مهنَّذ من سيوف الله مسلول
في صحبةٍ من قريشٍ قال قائلهم  ***ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاسٌ ولا كشف ***** لدى اللقاء ولا ميلٌ معازيل

أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحلق أن يسمعوا شعر كعب بن زهير (6)
، وورد في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه بردته حين أنشده القصيدة ، وقد نظم ذلك الصرصرى في بعض مدائحه ، وهكذا ذكر ذلك الحافظ أبو الحسن بن الاثير في الغابة، قال : وهى البردة التى عند الخلفاء . (7) ، وأن البردة النبوية بيعت في أيام المنصور الخليفة العباسي بأربعين ألف درهم، وبقيت في خزائن بني العباس إلى أن وصل المغول . (8) ،
أمّا القصيدة البردة، فهي لامية من البحر (البسيط)  ،لا تتجاوز ( 58 ) بيتاً ، تقسم إلى ثلاثة أقسام : ما بين أبياتها (1 - 12)، يطلّ بإطلالتها الغزلية المألوفة في عصره، ويواصل مسيرته، من خلال أبياته العشرين التالية (13 - 33) ،  لوصف ناقته، محبوبته الثانية ، ورفيقة صحرائه ، وليله، وما تبقى منها ( 34 - 58)، يخصصها للاعتذار من النبي (ص)، ومدحه، ومدع المهاجرين ، وإليك منها ، ومنهلها :

بـانَتْ سُـعادُ فَـقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ *****مُـتَـيَّمٌ إثْـرَها لـم يُـفَدْ مَـكْبولُ
وَمَـا سُـعَادُ غَـداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا **إِلاّ أَغَـنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
هَـيْـفاءُ مُـقْبِلَةً عَـجْزاءُ مُـدْبِرَةً *** لا يُـشْتَكى قِـصَـــرٌ مِـنها ولا طُولُ
تَجْلُو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ ****كـأنَّـهُ مُـنْـهَلٌ بـالرَّاحِ مَـعْلُولُ
أكْـرِمْ بِـها خُـلَّةً لـوْ أنَّهاصَدَقَتْ ***مَـوْعودَها أَو ْلَوَ أَنَِّ النُّصْحَ مَقْبولُ
ولا تَـمَسَّكُ بـالعَهْدِ الـذي زَعَمْتْ ***** إلاَّ كَـما يُـمْسِكُ الـمـاءَ الـغَرابِيلُ
كـانَتْ مَـواعيدُ عُـرْقوبٍ لَها مَثَلا ****** ومـــا مَـواعِـيدُها إلاَّ الأبــاطيلُ
تَـمُرُّ مِـثْلَ عَسيبِ النَّخْلِ ذا خُصَلٍ ******  فـي غـارِزٍ لَـمْ تُـخَوِّنْهُ الأحاليلُ
تَـسْعَى الـوُشاةُ جَـنابَيْها وقَـوْلُهُمُ *****    إنَّـك يـا ابْـنَ أبـي سُلْمَى لَمَقْتولُ
فَـقُـلْتُ خَـلُّوا سَـبيلِي لاَ أبـالَكُمُ ******  فَـكُلُّ مـا قَـــــــدَّرَ الـرَّحْمنُ مَفْعولُ
كُـلُّ ابْـنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ ****** يَـوْماً عـلى آلَـةٍ حَـدْباءَ مَحْمولُ
أُنْـبِـئْتُ أنَّ رَسُـولَ اللهِ أَوْعَـدَني* ****** والـعَفْوُ عَـنْدَ رَسُـولِ اللهِ مَأْمُولُ
لا تَـأْخُذَنِّي بِـأَقْوالِ الـوُشاة ولَـمْ ***** أُذْنِـبْ وقَـدْ كَـثُرَتْ فِــــــيَّ الأقاويلُ
حَـتَّى وَضَـعْتُ يَـميني لا أُنازِعُهُ *******  فـي كَـفِّ ذِي نَـغَماتٍ قِيلُهُ القِيلُ
إنَّ الـرَّسُولَ لَـسَيْفٌ يُـسْتَضاءُ بِهِ ******* مُـهَنَّدٌ مِـنْ سُـيوفِ اللهِ مَـسْلُولُ (9)

ومما يستجاد لكعب :

و كنت أعجب من شيء لأعجبني***سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها  ******  فالنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل  ****لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر(10)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (الأعلام ) :  الزركلي -  -  الأنترنيت - موافق للمطبوع - الموسوعة الشاملة .
(2) م . ن .
(3) (تاريخ الأدب العربي ) : حنا فاخوري - المطبعة البولسية - بيروت .
(4) (مجالس  ثعلب) : أبو العباس ثعلب النحوي الكوفي  - - الوراق - الموسوعة الشاملة .
(5) (البداية والنهاية ) : الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي - تح  علي شيري - الطبعة الاولى 1408 هـ 1988 م  - دار احياء التراث العربي .
(6) (مجالس  ثعلب)  م. س .
(7) ( البداية والنهاية ) : ابن كثير - موقع اليعسوب - الموسوعة الشاملة.
 (8)(خزانة الأدب  )   : عبد القادر البغدادي -  - تح عبد السلام محمد هارون - مكتبة الخانجي بالقاهرة .
(9) (ثلاثية البردة بردة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) : حسن حسين  - ط1  1400 هـ - دار الكتب القطرية - الدوحة . 
(10) (خزانة الأدب ) : - م . س .

نصوص للشاعر عباس علي مراد

رحيل
ترحلين
وبين الآهات تسكن 
وقع خطواتك 
التي تأبى الرحيلا
وتأخذني إلى صمت اللقاءات
تعزيني بعض الذكريات الشاردات
من بقايا الحب الجريح
*****
حقول التيه
العمر يتسلّل
 من بين أصابع الأيام
رمال متحركة
تغرقني في ليل صامت
تغرقني في ظلامه
تغرقني في نهاره
 يهزّني فجوره 
يخطف الإدراك
لا أمل بالإنتظار
 وقت من السراب
يقطف من حدائق العمر 
في حقول التيه
تزاحم الأحلام
يسابق الزمن
لعله يدرك البدايات
ويدنو من  مُرتجّى النهايات 

*****
نوافذ
عيون حالمة
من خلف نوافذ مغلقة
تنحني لتلقي عليكِ تحية محبة
عابقة بعطر شوق القلوب المتلهفة
*****
رماد
أبحث في ذاكرتي
عن رماد الأيام
التي ما زالت تفتح كوة
في مشوار عمر
يتكئ على حلم
لم يكتمل بعد
*****
سفن
على مرافىء الأمل 
ترسو سفن أحلامي
تغازل أمواجاً
تدنو من شاطئ العشق
لتفرغ محبتها 
 وتشحن عواطفي
*****

عواصف
عندما تبوح عيناك
بعبير الحب
تعصف بي عواصف خفية
مشاعر صاخبة
 تتماوج
 لتبلغ موانئ القلب
 ودفء الأحاسيس
تلوح منك نظرة
فتثمر عشقاً

عباس علي مراد