يفتقدون لوفاء الكلاب/ الأب يوسف جزراوي

تخثر دم صبري
وتكسرت صفائح انتظاري
فمشيتُ يتيم الوطن 
في غربةٍ نهمة 
دروبها لم تشبع
من ترحالي!
.....
أسيرُ في طريقٍ
يناديني فيه طريق آخر
رغم أنه 
لا بلد لي أصله!
بينما قدمايّ
تتحسسان أسفلت الشوارع 
مثل عصا الأعمى!
فجأة،
حطَّت بقربي حمامة الزاجل
تهللت أساريري 
ورحتُ استنطقها 
كأخرسٍ يجرب حظه بالحديث:
هل من جديد؟
هل من تغيير؟
....
تحلّيقها المنخفض
كان أبلغ ردًا!
لحقها ظّلّي
فقلت لنفسي:
أذاك أنا؟!
في الحال أشتبكتُ 
مع ظّلّي
كي لا يجري وراءها
فقد أيقنتُ
إنَّ ثَمَّةَ ساسة في العراق
ينبحون كالكلاب 
لكنهم يفتقدون لوفاء الكلاب؟!!
....
حلّت الشمسُ ضفائرها 
وغفت على صدر القمر
فجلستُ على عشبٍ أخضر
مُبلَّل بزخات المطر
كنخلةٍ وحيدة 
على ضفاف نهر
تغربت عن بستانها!
أتأمّلُ وطنًا
تشمَّع الأمان  فيه
بالشمع الأحمر!
......
وضعتُ اليد على الخد
لاعيد تأليف نفسي 
لكني عدلتُ عن رأيي
فاوقفتُ الليل مُترنحًا
لاهَزُّ العراق
تارة على ركبتيّ
وتارة على ذراعيّ
مثل طفل رضيع
أنهكه البكاء!!
....
أويتُ إلى نفسي
مثل شمعة 
تذوي في  الظلام
فما جدوى الهتاف
بوجهِ ساسةٍ طرشان 
اسرجوا أمانينا فوق
خيول الخذلان
لذا كَم أحسدهم 
على برودة الأعصاب 
وعلى قدرتهم العجيبة
في استنفاذ الوقت!
يتبضعون وقتًا
ويشترون أيامًا واسابيعَ وشهورًا
ليناموا في وطنٍ هم حراسه 
بينما شواربهم معّمدة بدماء الشهداء!!
.....
في موطني 
حفار القبور لا ينام
والمقابر أختنقت باعداد القتلى
حتى الكلاب 
باتت ترثي أسيادها
والحدائق تبكي ورودها
فمن سيكفكف الدّمع
في بلدٍ 
ازداد ليله سوادًا
ضمائر ساسته 
ماتت قبل أصحابها!
.....
في وطني
ثَمَّة أحزاب
تريد من شعبي
أن يكونَ حميرًا
في مزارعهم الخضراء
وإلا ستمنح للعراقي
شهادة وفاة فوريّة
من بندقية  إيرانيّة
أو يصدرون له
 شهادة ميلاد
في غربة قسريّة أبديّة!!
....
ارتجفت رموش القمر
حين رأتني كسمكةٍ 
تلبط على ساحلٍ جاف! 
فقلت للوزة:
لماذا أماني العراقي
معلبة بقناني الصبر؟
فمثل ملح البحار
هو جرح الغربة
يقبع في قلبي؟!
فكلّما أبحر صوب بلدي
تغرق سفني
أو تضيع مَرافإي!
لكني سأصبر على العراق
مثل صبر الزارع على المطر
وصبر الرمال 
على أمواج البحر!
عسى الساسة يزرعون خطاياهم
على شاطئ الندم
ويغسلون أثامهم بنهر التوبة!
....
ألقى الصباح بذوره
في رحم الظلام
فشرعت الطيور
تقرع أجراس حناجرها 
لتزقزق فرحًا
إيذانًا بطلوع الشمس
فغزا النعاس عيني
لكن قلمي شاكسني 
وراح كالطفل يمسك بأناملي
فخجلت أن أقول له لا!!
وكتبت:
في كنائس الغربة
كَم صَلَّى قلبي وصام
من أجل وطنٍ
شحبت فيه 
ملامح السلام
حتّى لجم الصمت فيَّ
لغة الكلام!
لكني سأظل أستجدي
الشمس شروقًا
بحثًا عن نورسٍ
يقلني إلى مرابع طفولتي
ومبخرة صلاتي
فأنا من وطنٍ
لا يزال على موعدٍ
مع الشمس!

خرونيكن/ هولندا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق