8 فبراير 2020
أثار إعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب «صفقة القرن» للسلام في الشرق الأوسط احتجاجاً ورفضاً شعبياً وسياسياً متواصلاً في أنحاء الضفة الغربية والقدس، واندلعت مواجهات مع قوى الاحتلال في منطقة الأغوار والقدس ومدن أخرى، أصيب فيها العشرات.
أشارت بعض الصحف العربية والعالمية ومواقع من بينها «المصري اليوم – بتاريخ 30/1/2020» إلى ردود الفعل العربية والدولية المؤيدة للخطة والمتحفظة عليها خشية ضياع حقوق الفلسطينيين، وسط دعوات بضرورة استئناف مفاوضات السلام المباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل لتحقيق السلام والتأكيد على حل الدولتين، فيما سارعت اسرائيل بإعلان أن حكومتها ستصادق على ضم منطقة الأغوار ومستوطنات الضفة المحتلة إلى السيادة الاسرائيلية، وبينما نشر البيت الأبيض «صفقة القرن» أو «صفعة القرن» كما يسميها البعض التي تتضمن تفاصيل حول الدولة الفلسطينية المرتقبة، بشرط أن تكون منزوعة السلاح، تناولت الخطة شروطاً لقيام الدولة الفلسطينية تضمن أمن اسرائيل، وتطالب بنزع سلاح غزة، كما شملت تفاصيل حول تنظيم العمل في المعابر الحدودية، وأكدت أنها ستخضع لرقابة اسرائيلية، وتضمن سرعة تدفق البضائع، كما تضمنت وضع المستوطنات، وأن اسرائيل لن تقوم ببناء مستوطنات جديدة، او توسيع المستوطنات القائمة أو وضع خطط مسبقة للبناء فيها خلال فترة السنوات الأربع المقبلة، ووضعت الصفقة ثلاثة شروط لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، تشمل اندماجهم في الدولة المضيفة، او استيعابهم بشروط في الدولة الفلسطينية المرتقبة او توطينهم في دول مجلس التعاون الاسلامي!.
وعلى هذا الأساس يتضح كما لخصت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. حنان عشراوي في حوار خاص لـ «المصري اليوم» مخاطر الإعلان الامريكي تحت أي اسم هو خطة امريكية – اسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، وتكريس للاحتلال وإعادة تعريفه، وإعطائه المزيد من الشرعية، كما أنه محاولة للوصول إلى الموافقة الفلسطينية، لكن هذا الأمر مرفوض رفضاً تاماً من الشعب الفلسطيني الذي لن يقبل باتفاق ينتهك الحقوق الدولية ويمنح اسرائيل حقوقاً غير مستحقة بالاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، ويعتبر الإعلان الامريكي بمثابة «مناورة سياسية» تؤكد أنه أمر شخصي لمن قاموا به سواء بالنسبة للرئيس الامريكي الذي يلاحقه شبح العزل، او رئيس الوزراء الاسرائيلي، الذي يخشى محاكمته بسبب الفساد وكذلك الأوضاع الخاصة بالانتخابات الاسرائيلية الداخلية.
وإن أدق تعبير كما وصفت خطة «السلام الامريكية» المرفوضة إنها باطلة، وما بُني على باطل فهو باطل، فهي أشبه بـ«الطعام العفن» فلا يمكن أن تلتقط طعاماً طيباً من طبق يغلب عليه المذاق الحامض والفاسد، كما إن سرقة القدس على الملأ، وادعاء أنها لاسرائيل، وزيادة الاستيطان، وإنهاء حقوق اللاجئين، وضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية، تؤدي إلى المزيد من الخراب والدمار على المنطقة.
كتب الدكتور عبدالمعطي محمد في (oman daily) في الماضي البعيد كان وعد بلفور 1917 صفقة بريطانية للشعب اليهودي لإقامة دولة له على أرض فلسطين التي كانت تحت الولاية العثمانية، ولم تفلح هذه الصفقة في إضفاء الشرعية على وجود الدولة العبرية، وإلا لما كان هذا الإصرار الاسرائيلي حتى الآن على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية هذه الدولة.
مع تصاعد سخونة الحملة الانتخابية في كل من الولايات المتحدة واسرائيل، عادت خطة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لحل الصراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين والمعروفة بصفقة القرن إلى واجهة الأحداث، لكون الترويج لها مجدداً كان ضرورياً لمساعدة كل من نتانياهو وترامب في حملة كل منهما للبقاء في السلطة حيث يعيشان حالة انتخابية صعبة.
فالأول مضطر لخوض الانتخابات لثالث مرة لعدم تمكنه من تشكيل حكومة في المرتين السابقتين، وسط محاولات لمحاسبته قانونياً لأسباب تتعلق بالذمة المالية، والثاني طالب مجلس النواب الامريكي بعزله بدعوى سوء استغلال السلطة.
ربما يقلل البعض من أهمية حدث الإعلان محدداً عن الصفقة وتفاصيلها ويحصره فقط في أبعاده الانتخابية، وبانتهاء الانتخابات تعود الأمور إلى سابق حالها، هذا صحيح ولا يمكن تجاهله بالنظر إلى أنه قد سبق مراراً إثارة الصفقة وخرجت بشأنها عديد التسريبات، ولم يكن هناك جديد في المواقف من حيث الترحيب الاسرائيلي والرفض العربي والفلسطيني وعدم المبالاة الدولية، ولكن إصباغ قدر كبير من الجدية سواء من الجانب الامريكي أو الاسرائيلي على أن تتصدر الصفقة الأحداث يجعلها بمثابة معطى يفرض نفسه واقعياً على حاضر ومستقبل الشرق الأوسط بشكل شامل.
وعند هذا الحد من المفترض أن يتعامل الطرفان العربي والفلسطيني بنفس الجدية والمواجهة مع ما يمثله مضمون الصفقة وما يسببه من تداعيات، لم يكن مضمون الصفقة وتفاصيلها أمراً مجهولاً على أحد، حتى وإن راوغت الادارة الامريكية من قبل في التوضيح.
إذا كان كما يقول عبدالمعطي لقد أصبح الموقف الامريكي وكذلك الاسرائيلي منصباً على إضفاء الشرعية على الاحتلال سواء وافق الطرفان الفلسطيني والعربي أم رفضا الصفقة التي تلبي مطالب الاحتلال، فإن المؤكد هو إنها صفقة تؤدي إلى أن يتقاتل الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني لا أن يتعايشا لمدة غير معلومة من الزمن.
لقد بنى الرئيس ترامب تصوره على أنه يسعى إلى حل سلمي فشلت كل المحاولات السابقة في التوصل إليه، ولكنه واقعياً يدفع هذين الطرفين إلى الدخول في مرحلة الاقتتال المتبادل لأنه يعزز فرض الشرعية على الاحتلال ضارباً عرض الحائط بكل الأطر والقواعد الدولية التي صدرت بخصوص الصراع الفلسطيني الاسرائيلي منذ عام 1948، ومتجاهلاً كل دروس التاريخ.
لقد قامت دولة اسرائيل على أطلال معارك وحروب ودون اعتراف عربي في الأمم المتحدة وتم الاعتراف بها واقعياً بعد حرب 67 على أساس أن هناك احتلالاً يجب أن ينتهي، وأن هناك حقوقاً فلسطينية ثابتة يتعين الوفاء بها مقابل سلام دائم، ولم يوفر الاحتلال لا الأمن ولا السلام، فكيف يتم الاعتماد عليه مجدداً كطريق للحل كما يتضح من الخطة الامريكية؟!.
وأيًا تكن المغريات والضغط وفقاً لمنطق الصفقات، فإنها لا تجدي في حل الصراعات القومية وغالباً ما تكون وقوداً لحروب او معارك تتجدد عبر الزمن، خصوصاً في حالة مثل الصراع العربي الفلسطيني الذي يبقى صراع أجيال لا يتوقف طالما غابت عنه العدالة، والصفقة الجديدة إن قدر لها التفعيل لن تؤدي سوى إلى تدشين مرحلة جديدة من عدم الاستقرار في العلاقة بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي قوامها الاقتتال لا التعايش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق