في مدينة القدس الإستهداف للمقدسيين يأخذ الطابع الشمولي وفي مختلف المجالات....والمحتل يدرك بان عصب صمود المقدسيين في المدينة يرتكز على الوجود البشري " العامل الديمغرافي" ،ولكي يجري قلب هذا الواقع الديمغرافي في المدينة لصالح المحتلين الصهاينة،فلا بد من عمليات تطهير عرقي،والتطهير العرقي له عدة أشكال،الهدم الواسع لعدد كبير من المنازل،كما حصل في واد الحمص والإستيلاء على الممتلكات والأراضي،وتكثيف الإستيطان،وكذلك ممارسة الضغوط على السكان وإستهدافهم في مناحي حياتهم الإقتصادية والإجتماعية والخدماتية،عبر سلسلة واسعة من الإجراءات والممارسات الإذلالية والقمعية والعقوبات الجماعية،وسن القوانين والتشريعات العنصرية،ولعل فرض الضرائب" القراقوشية" بأشكالها المختلفة من مسقفات " أرنونا"،ضريبة دخل،تامين وطني ،ناهيك عن المخالفات والغرامات وغيرها ،جزء من هذا المسلسل والمخطط،ولعل تجار القدس وبالذات تجار البلدة القديمة من المدينة في مقدمة هذا الإستهداف،فالإحتلالال يسعى للسيطرة عليها وتهويدها،فهو يعتبرها قلب ما يسميه بالحوض المقدس،والسيطرة والسيادة الكاملة عليها لتحقيق الحلم الصهيوني،بأن يتغير الوضع القانوني والتاريخي للمدينة وينقلب واقعها الديمغرافي لصالح المستوطنين الصهاينة،بحيث يتم فرض الرواية الصهيونية التلمودية وتهويد المدينة بالسيطرة عليها وفق ثلاث استراتيجيات متكاملة ،الأولى منها السيطرة على فوق الأرض بالإستيطان والإستيلاء على المنازل والممتلكات،والثانية تحت الأرض عبر الأنفاق أسفل البلدة القديمة والمسجد الأقصى وأسفل بلدة سلوان،المسماة بالفكر التلمودي التوراتي بمدينة داود ،والسيطرة على الفضاء من خلال " التلفريك" القطار الطائر.
البلدة القديمة بأسواقها وتاريخها وتراثها وحضارتها ومقدساتها إسلامية ومسيحية تشكل هاجس قلق دائم للمحتل،بأن لا ينجح مشروعه التهويدي وبالذات توفر الفرصة السانحة لتحقيق ذلك،بعد اعلان ترامب لما سمي بصفقة القرن،صفعة العصر لتصفية القضية الفلسطينية بكل ابعادها.
نعم الخطر يتهدد بشكل جدي تجار القدس عامة والبلدة القديمة على وجه الخصوص،فعمليات الطرد الناعم وإغلاق المحلات التجارية وأسواق بكاملها تجري على قدم وساق،فحتى هذه اللحظة نجد بأن أكثر من 365 محل تجاري أغلقت،وتركزت عمليات الإغلاق في سوق اللحامين وباب السلسلة وسوق القطانين وباب حطة،وعمليات الإغلاق أول ما تعنيه بان التاجر صاحب المحل التجارب،بات على قناعة بأن تكاليف إغلاق المحل أقل كلفة من عملية فتحه،فالتاجر الذي مطلوب منه دفع 350شيكل ضريبة مسقفات " أرنونا" عن كل متر مربع،يضاف لها مصاريف كهرباء وماء وتامين وطني ومجاري وخدمات وترخيص محل،كيف له أن يتحمل كل هذا المصاريف ...؟؟،في ظل اوضاع وظروف اقتصادية صعبة،فأسواق البلدة القديمة التي ياتي اليها أبناء الشعب الفلسطيني من ضواحي مدينة القدس والداخل الفلسطيني – 48 – وممن يسمح لهم بالدخول من الضفة الغربية،لم يعد كما كان عليه الوضع في السابق،فالمحتل سعى لفصل المدينة المقدسة عن محيطها الديمغرافي والجغرافي الفلسطيني،وبالتالي لم يعد هناك الكثافة البشرية،التي كانت ما قبل جدار الفصل العنصري،وتطويق مدينة القدس بالمستوطنات،ولا ننسى بان "تمدين" الريف ساهم الى حد ما بعدم وصول المواطنين وذهابهم وزيارتهم للمدينة والبلدة القديمة على وجه التحديد،ولعل الأخطر في حالة الشلل التي تعيشها الحركة التجارية والإقتصادية والسياحية في المدينة،يعود الى سياسات وإجراءات الإحتلال الأمنية والقمعية والتنكيلية بحق سكان القدس والمقدسيين،فمن يريد زيارة البلدة القديمة من اجل التسوق او السياحة او اداء الشعائر والطقوس الدينية أو الدراسة في مدارس البلدة القديمة،يحسب ألف حساب،عندما يجد بوابات القدس،قد تحولت الى ثكنات عسكرية،بفعل الوجود الشرطي والأمني ومئات الكاميرات والسواتر الحديدية وأبراج المراقبة،وما يقوم به الجنود ورجال شرطة الإحتلال من عمليات قمع وتنكيل بحق الشبان/ات،الفتيان/ات ،من عملية تفتيش مذلة ومهينة،واكثر من شاب او فتاة جرى إطلاق النار عليه/ ا لكونه قام بإخراج يده من جيبه او هرول بسرعة،او قام بحركة تحد وعنفوان تجاه الجنود وشرطة الإحتلال،وكذلك ما يجري من عمليات اقتحام للأقصى بشكل مستمر،ومنع المصلين من الوصول بحرية للأقصى من اجل الصلاة،حيث احتجاز الهويات،والإبعادات عن الأقصى،والإعتداءات المتكررة على المصلين والمرابطين/ ات وحراس وموظفي المسجد الأقصى، ولا ننسى بان الأهالي أيضا أصبحوا يحجمون عن إرسال أبنائهم للدراسة في البلدة القديمة،والتي تشهد نقص حاد في عدد الطلبة،كذلك قيام الإحتلال بتصفية المدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني،والسيطرة على عدد من المدارس المقدسية مثل القادسية والقدس الإعدادية،ناهيك عن الإغلاقات وشلل حركة المواصلات في الأعياد والمناسبات اليهودية.
كل هذه العوامل يضاف لها ما يقوم به الإحتلال من ترويج وبث دعاية معادية للمواطنين العرب عند السياح الأجانب الوافدين إليها بأنهم مجموعة من اللصوص والحرامية والمستغلين ،وإتفاق المكاتب السياحية الإسرائيلية معهم على الأكل والنوم والشراء من وفي المطاعم والمحلات التجارية والفنادق الإسرائيلية،تجعل قدرة الناس وعلى وجه التحديد تجار البلدة القديمة على الصمود والبقاء محدودة،ولعل فوز نتنياهو ومعسكر اليمين واليمين المتطرف في الإنتخابات ال 23 "للكنيست"، سيدفع نحو المزيد من إجراءات الضم والتهويد والسيطرة والسيادة على المدينة.
ما العمل ..؟؟
لا شك بأن مجرد بقاء المقدسيين في قدسهم وصمودهم على أرضهم،شكل من أشكال الصمود،ولذلك تجار البلدة القديمة،يقفون في الخندق المتقدم،لمنع تفريغ المدينة من الوجود العربي الإسلامي،وعدم فتح الطريق أمام المستوطنين والجماعات التلمودية للسيطرة على المسجد الأقصى،وكذلك إغلاق المحل التجاري،يعني قيام التاجر بنقل مركز حياته وعمله الى خارج حدود ما يسمى ببلدية الإحتلال،أي تفريغ وتطهير وطرد ناعم،ولذلك لا بد من رسم استراتيجيات جدية وحقيقية،ووضع خطط وبرامج عملية،تمكن من تعزيز صمود وبقاء هؤلاء التجار في محلاتهم ومواقعهم،بعيداً عن الشعارات و" الهوبرات" الإعلامية،والإسطوانات المشروخة بأن القدس خط احمر،القدس عاصمة الدولة الفلسطينية،فالشعارات بحاجة الى حوامل وفعل على الأرض،وحرث في الميدان،كما قام به نتنياهو والليكود،من أجل تحقيق أهدافهم وحلمهم في الضم والتهويد،ولذلك من الضروري على الصعيد الفلسطيني،تعزيز دور ومكانة الغرفة التجارية،وتقديم الدعم والإسناد لها،رغم كل القيود المفروضة على وجودها وعملها في المدينة،والإغلاق الذي طالها منذ حوالي ستة عشر عاماً،وهذا يتطلب أيضاً من رئيس وأعضاء الغرفة التجارية تفعيل دورهم وعلاقاتهم وتواصلهم مع التجار،وكذلك مع العالمين العربي والإسلامي،ووضعهم امام مسؤوليتهم تجاه مدينة القدس عبر برامج ومشاريع تمكن من دعم وتثبيت التجار في قلب مدينة القدس،وكذلك كما يجري في فعاليات صلوات الفجر في الأقصى،لا بد من حملات سواء عبر القنوات الفضائية او السوشيل ميديا والمواقع الألكترونية،القيام بحملات من أجل تبني صمود تجار البلدة القديمة،فلو توفر دعم مالي شهري ل 1200 تجار بقيمة 2000 شيكل شهرياً،كتعزيز صمود للتجار في قلب مدينتهم،فما نحتاجه بشكل شهري،يعادل (2400000 ) شيكل ،أي (700000) ألف دولار شهرياً.
وكذلك نحن بحاجة الى ان تضع وزارة التربية والتعليم خطة تلزم فيها المدارس،بتسيير رحلات مدرسية للأطفال للبلدة القديمة من القدس،وكذلك الإتفاق والتعاون مع لجنة المتابعة العربية في الداخل الفلسطينية – 48 – لتسير رحلات مدرسية وعائلية الى البلدة القديمة من القدس.
كذلك يجب على الغرفة التجارية ووزارتي الخارجية والسياحة،العمل على فتح الأسواق العربية،امام تسويق المنتوجات الفلسطينية من مدينة القدس،حتى لو كانت بسعر أعلى،والترويج لها في وسائل الإعلام العربية،وخلق توأمات مع المدن العربية والإسلامية.
القدس والبلدة القديمة منها،لا تحتاج الى شعارات وورش عمل ومؤتمرات تعقد في خارج فلسطين،كل هذه الأموال والمصاريف وفروها لدعم جدي،يمكن التجار من الصمود وإبقاء محلاتهم مفتوحة في قلب القدس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق