ومضى عام آخر/ شاكر فريد حسن

 


انطوى عام آخر، وكان عامًا سياسيًا، حافلًا ومليئًا بالأحداث السياسية، والانشقاقات الحزبية، والاغلاقات لمواجهة وباء كورونا، التي لم تحقق أي نتيجة، وبجرائم العنف في الوسط العربي التي فاقت أي تصور، حيث بلغ عدد الضحايا ما يقارب 112 شخصًا، هذا فضلًا عن تعمق الفقر والضائقة الاقتصادية، وزيادة أعداد الفقراء في المجتمع. يضاف إلى ذلك اتفاقات التطبيع مع عدد من الدول العربية والخليجية.  


لقد كشفت جائحة كورونا مدى هشاشة النظام السياسي الاسرائيلي، وعمق الأزمة السياسية والاقتصادية التي تجتاح المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة، والمتجسدة في عدم النجاح بتشكيل حكومة دائمة ومستقرة تخدم المواطنين، وتعمل على النهوض بالاقتصاد، وفشل الحكومة برئاسة نتنياهو في مواجهة وباء كورونا. 


ما يشهده المجتمع الاسرائيلي في السنوات الأخيرة من صراعات وخلافات هو ليس على القضايا الجوهرية والسياسية والمشاكل اليومية لعامة الشعب وبسطاء الناس، وإنما يتركز على القضايا الشخصية، وما يهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو نفسه والاحتفاظ بموقعه السياسي والبقاء في سدة الحكم، في حين يتركز هدف الخصوم السياسيين لنتنياهو التخلص منه وزجه في السجن على خلفية ملفات الفساد والرشوة التي تلاحقه. 


لم تتبلور بعد المواجهات الاجتماعية والفكرية في المجتمع الاسرائيلي بين تلك المكونات الاجتماعية المتعددة والمختلفة في الثقافة والفكر الاجتماعي السياسي، وإن كانت الخلافات السياسية والشخصية تسيطر على المنظومة الاجتماعية الاسرائيلية، إلا أن السؤال المطروح: هل تشكل هذه المواجهات والصراعات والتناقضات الاجتماعية ومن خلفها الخلافات السياسية بداية انقسام وتمزق في المجتمع الاسرائيلي؟! وهل سينجح نتنياهو بألاعيبه ودهائه في حسم الجولة القادمة لصالح حزبه، ويقوم بتشكيل حكومة أكثر يمينية وعنصرية؟!.   

نقاش فيلم صبايا كلمنجارو/ إسراء عبوشي


تم اليوم 30|12|2020م في مركز الطفل الثقافي، نقاش فيلم (صبايا كلمنجارو) للمخرجة ميساء الشاعر من مدينة جنين، ضمن مشروع (يلا نشوف فيلم) الذي تنفذه مؤسسة (شاشات سينما المرأة) التي تأسست عام 2005م بهدف مشاركة المرأة في إنتاج ثقافة فلسطينية مبدعة ومعاصرة، بالتعاون مع جمعية " الخريجات الجامعيات ومؤسسة " عباد الشمس" لحماية الإنسان والبيئة، وبتمويل رئيس من الاتحاد الأوروبي، ضمن برنامج( تعزيز المواطنة والحوكمة في فلسطين) 

     بدأ الفيلم من جدار الفصل العنصري: الصبية تمشي بمحاذاة الجدار، وتُعرّف على نفسها: أروى من الرام، ابنة خالتها اقترحت عليها أن ترافقها لتسلق جبل كلمنجارو، وخلال البحث تعرفت على علا الطبيبة التي سترافقهم بالرحلة، بدأت تجمع معلومات عن الجبل، وتربط بين حلمها وأحلام أبطال رواية (أرواح كلمنجارو) لإبراهيم نصر الله وياسمين النجار من نابلس، ومعتصم أبو كرش من غزة الذين رغم الإعاقة خاضوا قصة تحد ورفعوا علم فلسطين على قمة كلمنجارو، إعاقة الجسد وإصرار الروح خطوات نحو الحرية، غنت أغنية جامبو بفرح، وتخطت العراقيل المادية وموافقة الأهل، وحملت الطبلة، وهي تجتاز الحدود، وتغادر الوطن، في إشارة بأن هذا الشعب يأمل بالفرح، ويذهب إليه، وشعوره أن الفرح بانتظاره.

    تنتاب الفتيات مشاعر بين الخوف والحب، هي المغامرة مشاعر متداخلة، برد، وجع معدة، نقص أكسجين، ومع ذلك تستمر متحمسة، تقع، وتنهض، وتقول لنفسها تحمّلي، والدافع داخلي، تحدّت الحدود، وبقي الحلم حافزا للصعود إلى القمة، القمم التي نواجهها بحياتنا مع أنفسنا ، في كل إنسان قمة، عليه أن يصعدها، وإلا بقي في القاع، مهما صعد من قمم.

    في النهاية لا تنجحن في الوصول للقمة، يتوقفن حماية للآخرين، لكي لا يعرضن غيرهن للخطر، ومع ذلك يجدن في طريق الصعود النجاح.

   وسبق أن ذكر جبل كلمنجارو في رواية أرنست همنغواي " ثلوج كلمنجارو" الأرواح مقابل الثلج، أرواح الجبل، العراقيل عند إبراهيم نصر الله يقابلها الفلسطيني بالتحدي والإصرار ويتخطاها، هي خطوات نحو الحرية للصبايا وأبطال كلمنجارو في رواية نصر الله ، بينما كانت في رواية همنجواي تُعبّرعن حالة من الهذيان لكاتب مصاب بالغرغرينا وهو مُشرف على الموت.

    أبدى الحضور إعجابهم فيما طرحه الفيلم، وأسلوبه  الذي أثار دوافع إيجابية في نفوس الحاضرين، عزيمة، وتحد، وإصرار، وأمل، مبيناً أهمية السفر في حياة الإنسان، وضرورة التحدي الاجتماعي  كنوع من أنواع الحرية، وضرورة أن يكون للإنسان هدف يسعى إليه، ويخوض التحدي لأجله، ويتخطى العراقيل، وهو مؤمن به.

    أثنى الحضورعلى استخدام المخرجة لمصطلح " جسر دولة الاحتلال"  مبيناً  أهمية تربية أبنائنا على المصطلحات التي شكلت ذاكرة الوطن مصطلحات نقية قبل تغير الخطاب، ومحو الذاكرة الجمعية.

   ومتى نكون جزءا من الفكرة تصبح الأهداف عامة، والحافز إيجابيا ومؤثرا،  فلم يكن الصعود فرديا، ولسنا فقط مشاهدين، لنصعد بذواتنا، كل واحد منا يستطيع أن يكون مثابرا محرضا لذاته، ونحقق هدفا في مكنونات أنفسنا.

   بعض العراقيل لم تتطرق لها المخرجة مع أنها هامة واجتيازها صعب جداً، تتلخص بتفاصيل ما قبل السفر كموافقة الأهل على سفر بناتهم وحدهن، وهناك مأخذ على المخرجة باستخدام لغة عامية، وحبذا لو استخدمت اللغة العربية ليكن الفيلم عالميا، وكي تفهمه باقي الدول العربية، ولو أنه أضاف إلى جانب هدفه التحفيزي أهدافا وتطلعات عامة تخص كل فلسطيني.

    وعند سؤال المخرجة ميساء الشاعر عن كيفية تصوير الفيلم، وقد لاحظ المشاهد دمجها للمشاهد الحقيقية والمشاهد التمثيلية قالت: إنها استخدمت التلقائية لتظهر الأمل والتحدي، وحافظت على النظرة التفاؤلية المرتبطة بالإنسان الفلسطيني، وأظهرت مشاهد مليئة بالأمل، وفي النهاية أضافت عمقا يؤصل الذات بنظرتها لمفهوم القمة.

      في النهاية وفقت المخرجة من خلال  الفيلم بشحن المشاهد بكثير من المشاعر الإيجابية التي تدفع الإنسان لتحقيق أهدافه.


الأمير عبدالقادر الجزائري/ عبدالقادر رالة



    هذا البطل الجزائري العظيم اكتسب شهرته الواسعة في مشارق الأرض ومغاربها بسبب حمايته لآلاف المسيحيين في الشام سنة 1860م..

     صحيح أنه كان هناك في بلاد الشام الجميلة الكثير من رجال الدين المسيحيين أو المسلمين الذّين كانوا ينتفضون بين الحين والآخر ضد الفتن الطائفية  التي كان يُديرها الوالي العثماني أو القناصل الأوروبيين ، ولكنه وحده الأمير عبدالقادر الذّي استطاع أن يحمي الآلاف من المسيحيين واليهود من بطش الغاضبين ؛ فاحترمه الجميع ، وطبقتْ شهرته الأفاق فراسله أباطرة أوروبا وملوكها يشكرونه ويُعبرون عن إعجابهم به ! 

    الأمير عبدالقادر البطل المغوار ، السياسي المحنك ، الصوفي المتبحر في علوم الدين ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ، وهو الشخصية الأبرز في تاريخ الجزائر الحديث ..

    لقد ترك لنا الأمير عبدالقادر أعمالاً أذهلتْ الناس ,أثارت إعجابهم وتقديرهم  ما يُقارب القرن ونصف قرن من الزمان ..

    وأعماله تركتْ أعمق الأثر في تاريخنا الوطني ، وتاريخ العرب الحديث .

    وُلد الأمير عبدالقادر  سنة 1807م بقرية القيطنة وهي تبعد عن مدينة وهران بحوالي المائة كيلومتر ، وقد ظهرت موهبته القيادية والعسكرية في سنّ مُبكرة ، ففي الخامسة وعشرون من عمره بايعه أهالي الغرب الجزائري لكي يقود المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي . وعندما تجاوز الثلاثين سنة قليلاً كانت دولته قد توسعت الى حدود تلمسان غرباً ، وسطيف والبويرة شرقا ، والأغواط جنوباً ، واعترف بسلطانه الأتراك ، الأسبان ، الانجليز والأمريكان ..

    أمضى الأمير أربعة عشر سنة على صهوة جواده يُحارب ببسالة ورجولة أقوى وأمكر الجنرالات الفرنسيين، ولم يمنعه ذلك من أن يفسر القرآن الكريم ويتأمل الحياة ويكتبَ الشعر ..

    وـتُوفى الأمير في دمشق سنة 1883 م . وقد كان له في الشام أعمال عظيمة ومآثر خلدّها تاريخ العرب الحديث ..

صباحكم أجمل: برهام وجيبيا حكاية أخرى/ زياد جيوسي





"الحلقة الثانية" 

   واصلنا جولتنا أنا ورفيقة الجولة الإعلامية منى عساف في بلدة برهام الفائقة الجمال، ببساتينها وموقعها وجمالها ومساحات الزيتون المنتشرة على مساحات واسعة اضافة للأشجار الحرجية برفقة مضيفنا الأستاذ زياد بكر والتي نسقت لنا الجولة برفقته المرحومة نادرة باكير التي توفيت منذ فترة ببلاد الاغتراب والشتات وهي تحلم بزيارة بلدتها برهام فلروحها الرحمة، فقد كانت زيارة برهام رغبة قديمة منذ تجولت ووثقت مناطق بير زيت وأطللت على برهام منها اضافة انها بلدة صديق العمر في عمَّان منذ نصف قرن العزيز حسن عثمان وقد وعدته بزيارة بلدته حين تسمح الظروف بذلك ووفيت بالوعد، وبعد أن أنهينا الجولة في البلدة التراثية وهي جذر برهام الذي كان يحيط بمقام  أحمد برهان الهاشمي، متجهين الى بقايا الكنيسة البيزنطية التي كانت في البلدة في الفترة التي انتشرت بها الكنائس البيزنطية في فلسطين بشكل عام وفي منطقة رام الله والبيرة بشكل خاص، والكنيسة ما زال جدارها قائما ومبنيا بالحجارة التي تم قطعها من المحاجر بالشكل المربع والمستطيل الكبير الحجم وهو الذي ميز نمط البناء للأديرة والكنائس البيزنطية، وقد ظهرت بأطراف الكنيسة "البازليكا" التي كانت تزين بها الأديرة والكنائس وتحيطه أشجار الصبار وشجرة بالموقع نفسه، ويظهر أن عدم الاهتمام بالتنقيب وإظهار تفاصيل ما تبقى من الدير أدى لتراكم الأتربة والحجارة عبر القرون الماضية، ومن جوار بقايا الدير كنا نتجه بجولة في البلدة والتي ذكرت في الفترة الصليبية بإسمDarchiboam . 


   جولة جميلة في البلدة واتجهنا الى بيت أهل المرحومة نادرة أبو بكر التي كانت قد نسقت الزيارة والجولة، والبيت يعود بتصميمه لفترة الخمسينات من القرن الماضي، حيث أصبح الحجر مع الاسمنت وأصبحت السقوف مستوية وإسمنتية، لكن هذا البيت لم يكن له درج داخلي أو خارجي للصعود للسطح، بل اعتمد على فوهة في جدار السقف يتم الصعود اليها بواسطة السلم الخشبي المتحرك، والنوافذ الطولية بدون قوس علوي كما البيوت التراثية، ولها واقي من المطر من الشمس والمطر من المعدن "اباجور" بفتحات فنية تسمح بدخول الضوء نسبيا وتمنع دخول المطر، وإن حافظ هذا النمط من البناء على سماكة الجدران التي تتكون من 3 طبقات، الحجر الخارجي وحجر جيري بالمنتصف ليقوم بالعزل وجدار داخلي، وعملية العزل كانت تحافظ على برودة البيت بالصيف والدفء في الشتاء ولكن بدرجة أقل من بيوت العقود المتقاطعة التي تحدثت عنها بالمقال السابق، واتذكر ان هذا التصميم من البيوت كنا نسكنه في مدينة رام الله قبل خروجنا القسري منها بعد هزيمة حزيران 1967م.    


من هناك كنا نكمل التجوال بالبلدة حيث تمازج القديم التراثي مع ابنية الخمسينات مرورا بالأبنية الحديثة، لنتجه إلى عين الماء المعروفة بإسم بئر رمانة التي كانت تسقي البلدة في الزمن السابق والتي أصبحت جافة وأحيانا وحسب موسم الأمطار قد تعطي القليل من الماء، ولكن بكل أسف أن مبنى عين الماء الحجري مهمل جدا وحين زرته كان به أنقاض وقمامة مختلفة بدلا من المحافظة على نظافته، اكملنا جولتنا في البلدة باتجاه المدرسة التي روى لي حكايتها مضيفنا الأستاذ زياد بكر حيث كانت ما قبل عودة م.ت.ف وتشكيل السلطة الفلسطينية عبارة عن مدرسة صغيرة ومن غرفة واحدة تضم أربعة صفوف، ويشرف عليها أستاذ واحد يقوم بكل المهام، وفي عهد السلطة كان المجلس القروي والذي تأسس عام 1964م والذي كان الأستاذ زياد بكر عضوا فيه يضع على رأس أعماله تأسيس مدرسة حديثة تخدم أبناء برهام وجيبيا، فتم بالتعاون مع المرحوم والصديق الغالي سليمان النجاب "أبو فراس" عضو اللجنة التنفيذية في م.ت.ف رفع كتاب للشهيد ابو عمار الذي وافق على منح أهالي البلدتين مساحة 3 دونمات من الأراضي الأميرية وستون ألف دولار للبناء، فتم بناء "مدرسة برهام وجيبيا الأساسية المختلطة" في موقع جميل وفسيح وذو طبيعة جميلة والتي أصبحت تضم أبناء وبنات البلدتين للمرحلة الأساسية اضافة لمدرسة الأمير حسن الثانوية. 


   من المدرسة كنا نتجه الى بلدة جيبيا، هذه البلدة الساحرة بجمالها وهدوئها وقبل الوصول للبلدة كنا نزور القرية التاريخية "خربة صيا" والتي تعود بتاريخها الى الفترة البيزنطية حيث آثار الدير البيزنطي ما زالت ظاهرة للعيان، وهذه الخربة تم التنقيب بها وكشفها عام 1999م من خلال الدكتور حامد سالم بالتعاون مع متخصصين من جامعة بير زيت وطلبتها مع بعض المتخصصين الأجانب، وكشفت هذه التنقيبات في الأراضي المملوكة لآل النجاب عن كشف الخربة والدير، فهذه الخربة بقايا لقرية مهمة من العهد البيزنطي على مساحة 45 دونم من الأرض وكانت تعتمد على الزراعة وخاصة الزيتون والعنب والمحاجر ذات الحجر العالي الجودة، وأثناء تجوالنا في المنطقة وخاصة بالدير كنا نشاهد بعض من قطع الفسيفساء البيزنطية "البازيلكا" اضافة لمعصرة النبيذ والزيتون، وما بين الدير البيزنطي والقرية يوجد العديد من هذه المعاصر الحجرية التاريخية ومنها ما تم حفره بالصخور بشكل هندسي متميز بدقته، إضافة لبقايا أعمدة حجرية منقوشة وبقايا القرية وقواعد بيوتها التاريخية وسلاسلها الحجرية والمصاطب الزراعية التي كانت، والدالة على حجم الاهتمام بالأرض وحجارة الخربة المتناثرة على الموقع وتحت الأشجار الحرجية التي تشتهر بها جيبيا، والخربة كانت تقع على الطريق التي عرفت بطريق "رومانيا" والممتدة من القدس وصولا لمدينة البيرة وعبر بير زيت والخربة باتجاه الموانئ الفلسطينية على الساحل الفلسطيني حيث قيساريا وحيفا، فموقع الخربة جعل منها موقع مهم بتلك الفترة القديمة مما جعلها تحظى على موقع اقتصادي هام، وهذا الموقع المهمل الآن بحاجة لاهتمام وتنظيف ليكون موقعا سياحيا مهما. 


   من هناك كنا نتجه عبر الطريق المار بوسط الأراضي الحرجية من السرو والصنوبر والتي زرع معظمها بفترة الحكم الأردني كما اشارت دراسة مهمة من اعداد الأستاذ أحمد حنيطي عام 2016م وبها الكثير من المعلومات عن أحراش جيبيا لمن يعنيه الاستزادة بالمعلومات، حيث أشار بدراسته أن مأمور الحراج بتلك الفترة هو رشيد النجاب والذي بحكم موقعه قام بزراعة اشجار الصنوبر والسرو لتحديد أراضيه واحتذى به باقي السكان، ومع الابتعاد النسبي عن الزراعة بسبب غياب الخدمات والمدارس بتلك الفترة وانتقال الكثير للاقامة بالبلدات المحيطة، وتوفر فرص العمل ذات المردود الاقتصادي تحولت نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية إلى أراض حرجية جميلة منحت جيبيا جمالها الحالي. 


  في مدخل جيبيا وضع المجلس القروي يافطة تعليمات لزوار البلدة، فأحراش جيبيا هي أراض خاصة ومملوكة لأهل البلدة وليست أراض أميرية مفتوحة، وهذه التعليمات تنظم الزيارات للأحراش المحيطة بجيبيا، وجيبيا تقع على مسافة لا تزيد 16 كم عن شمال رام الله وتمر طريقها عبر برهام بعد الانحراف عن بير زيت، ومساحتها لا تزيد عن 1666دونم ومحاطة بأراضي أم صفا وبرهام وكوبر، وتعرضت اراضيها الحرجية لمصادرة الاحتلال حيث قام الاحتلال في بدايات عام 2018م باعلان مصادرة اراض هي مملوكة بالسجلات الرسمية للسكان وشق طريق فرعي يربط مستوطنة حلميش مع أراضي أحراش جيبيا بمنطقة تل القسطل، وتتعرض جيبيا وأحراشها وأراضيها الزراعية باستمرار لاعتداءات حثالات المستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال الغاشم وآخرها من فترة قريبة حيث تعرض اخوين في أرضهم لاعتداءات جسدية كادت أن تودي بحياتهم. 


   واصلنا السير بالشارع الرئيس لجيبيا حتى وصلنا المسجد القديم، وقبل الوصول اليه وصلنا لقبر المرحوم سليمان النجاب فنزلت وقرأت له الفاتحة وبعض الدعاء فقد كانت تربطني به علاقة صداقة قديمة وكنت على تواصل هاتفي معه وهو في العلاج بالأردن حتى وفاته ومن ثم شاهدت منزله الريفي الجميل، والمسجد قديم نسبيا وهو مسجد صغير أضيف له شكل مأذنة لرفع مكبرات الصوت، وعبر الطريق شاهدنا العديد من البيوت التراثية، وبالبحث عن أصل اسم جيبيا لم أجد الا مصدر واحد يشير انها حملت الاسم بفترة الكنعانيين وتعني المكان المرتفع عن الأرض، وفعليا جيبيا مرتفعة عن سطح البحر بحوالي 870 م وهي محاطة بالعديد من الخرب الأثرية مثل خربة صيا وخربة مسيا وخربة القسطل وخربة القيسي ومقامات دينية لأولياء سكنوا البلدة ومحيطها، وهي رغم تاريخها القديم الا ان الهجرات المتتالية منها تركتها بعدد سكان حسب بعض الاحصائيات لا يزيد عن 200 نسمة. 


   البيوت التراثية في القرية قليلة بحكم قلة عدد السكان وهي كما باقي المناطق الفلسطينية بيوتات تراثية وعددها سبعة مبنية على نظام العقود المتقاطعة وباقي المباني التراثية على نظام الأسطح المستوية باستخدام الدوامر المعدنية، وفي دراسة ميدانية عام 2001 كانت البيوت التراثية في البلدة فقط 13 منزل فقط منها تسعة مهجورة، وهذه البيوت مختلفة بمستويات أوضاعها ولكن البعض منها يمكن ترميمه والمحافظة على ذاكرة الأجداد وتراث الوطن، وقد حاولت لاحقا زيارة جيبيا لتوثيق كل هذه الذاكرة فيها، لكن بكل أسف لم أتمكن من التواصل مع أحد من سكان البلدة يمكنه التفرغ معي للتجوال واعطائي المعلومات كما في برهام حيث كان مضيفنا والمرشد الأخ زياد بكر، ولكن ستبقى الرغبة قائمة حتى توفر الظروف الملائمة لزيارة أخرى وتجوال كامل بكل خباياها، فعدنا من جيبيا بعد جولة في سحرها وجمالها ونقاء هوائها إلى بيت مضيفنا زياد بكر وفي الحديقة تناولنا الفاكهة والقهوة قبل أن يوصلنا بسيارته لبلدة بير زيت، حيث ودعناه هناك شاكرين له حسن الضيافة وجمال الجولة التي تفرغ لها بالكامل معنا. 


   صباح مشرق وبارد جدا في عمَّان مع بعض الضباب، استذكر جولتي في برهام وجيبيا بعد مرور خمس سنوات حيث كانت جولتي في 11/11/2015م، وأستمع لشدو فيروز مع فنجان القهوة على مكتبي بشرفتي العمانية مع زقزقة العصافير وهديل الحمام وهي تشدو: " اذكريني كلّما الفجر بدا، واذكري الأيام ليل السهر، اذكريني كلّما الطير شدا، وحكى للغاب ضوء القمر، اذكريني واذكري عهد الهنا، أتُرى أشدو إذا لم تذكري، نحن جمّعنا من الليل الغِنا، وحِكَايات الجمال المُزهر". 


   فأهمس: صباح الخير يا وطني، صباحكم أجمل.. 

التنوير بين الدين والفلسفة/ حسن العاصي

 


عبر التاريخ، وعلى امتداد العصور، ظهر صراعاً جدلياً بين العقل الديني والعقل الفلسفي. هذا الجدال والتناحر بين الفلسفة والدين أسهم في رقي الحضارة العربية والإسلامية، وبلوغها العصر الذهبي، حيث كان لبعض الخلفاء والولاة دوراً مهماً في رعاية الفكر والفلسفة والعلوم والآداب. كان هؤلاء يعقدون المجالس العلمية للنقاش والسجال الفكري والفلسفي والديني، في فترة شكلت الحضارة الإسلامية شعاعاً علمياً وفكرياً لكافة البشرية.

في مرحلة ما من التاريخ الإسلامي، عقب نقاش قضية "خلق القرآن" في مجالس العلم، التي بدأت في عصر الخليفة العباسي "المأمون" عام 218هـ/833م واستمرت في عهد المعتصم والواثق وانتهت مع حفيد المأمون "المتوكل" عام 247هـ/861م، اشتد الخلاف بين المتحاورين وهما المعتزلة وأهل السنة.

احتدام الجدل والخلاف بين الاتجاهين تجاوز مقياس المناظرة والنقاش نحو وضع تم فيه اللجوء إلى قمع المخالفين وسجنهم، بل وقتل بعضهم.

 حين توقف هذا الجدل غُيبت الفلسفة، وتم إغلاق باب الاجتهاد.  وبدأ الفكر العربي والإسلامي مرحلة جديدة من أهم سماتها، الأحادية والتكرار والتقليد ثم الجمود. بغياب الفلسفة أصبح الفكر العربي والإسلامي يتيماً وفقيراً، دون استفزاز وبلا فلسفة تدفعه لعدم الطمأنينة والسكون، وتجبره على النضوج والتطور.

وما أن فرضت  كلا المؤسستين الدينية والسياسية هيمنتها على المشهد، تم تكفير الفلسفة وزندقتها، وبدأ عصر التضييق على المفكرين والفلاسفة واضطهادهم وقتلهم، ثم انزلقت الدولة الإسلامية نحو قاع التناحر الديني ـ الديني، والصراعات المذهبية والفئوية التي أدت إلى ضعفها ثم انهيارها، وما أعقب ذلك من نكوص فلسفي وارتداد فكري عميق، وفشل علمي وحضاري مرعب، بسبب غياب الفلسفة، وانحسار العقل التنويري الجدلي. ثم ساد الظلام والجهل، وانتشر الهراء حتى اللحظة.


الانسداد التاريخي التنويري العربي

يلاحظ المرء نجاح تجربة التنوير في كثير من بقاع الأرض، في أوروبا، في الولايات المتحدة، في اليابان وسنغافورة، وفي تركيا أيضاً الدولة المسلمة، لكنها فشلت بصورة معيبة في نسختها العربية، وسقط التنوير في قعر الظلام العربي سقوطاً مدحوراً.

من أهم وأبرز أسباب فشل التنوير العربي والإسلامي غياب الانفتاح والحريات الفكرية بصورة مطلقة. في غياب الحريات والتعدد، تحضر الحقائق المطلقة دون غيرها، والفكر الواحد المطلق، والعقيدة الواحدة المطلقة. المذهب الواحد والراي الواحد واللون الواحد والذوق الواحد. ويتحكم في رقاب العباد الحزب الواحد والطائفة الواحدة والطاغي الأوحد. وبالتالي النتيجة استعصاء وانسداد فكري وتاريخي تعاني منه الأمتين الإسلامية والعربية منذ القرن الثاني عشر، بعد أن فقدنا آخر الفاتحين الفكريين العرب الفيلسوف التنويري "ابن رشد".

نتيجة لأسباب متعددة من بينها قمع وإقصاء المخالفين، والاستبداد الذي يكون سمة الرأي الواحد وبروز الصراعات والتناحر القبلي، بدأت تظهر الدويلات الإسلامية في المشرق العربي، والطوائف بالدولة الإسلامية في الأندلس.

ظهر الأدارسة في المغرب "788-974م" والأغالبة في شمال إفريقيا "800-909" والطولونيون في مصر "868-905م" والأيوبيون في مصر والشام والعراق "1171- 1342م" والمماليك في مصر وبلاد الشام والعراق والجزيرة العربية "1250- 1517م" والمرابطون في المغرب "1060-1147م" ثم الموحدون أيضاً "1147-1269م" وغيرهم من الطوائف مثل دويلات الأندلس "قرطبة، إشبيلية، طليطلة، سرقسطة"

سقطت الدولة العباسية نتيجة الغزو المغولي قيادة "هولاكو" للعالم الإسلامي، وسقوط مدينة بغداد عام 1258م وقتل الخليفة العباسي "المعتصم بالله" مع ولديه بعد أن هرب إلى مصر.

دمر المغول بيت الحكمة في بغداد وإحراقه وإتلاف آلاف الكتب والمخطوطات لمختلف العلوم من طب وفلك وكيمياء، ودمروا المنشآت العمرانية لبغداد.

ثم قام "عثمان الأول بن أرطغرل" بتأسيس الدولة الإسلامية العثمانية عام 1299م. وبدءًا من العام 1512 اتجهت الدولة العثمانية نحو الوطن العربي في عهد السلطان سليم الأول، وفرضت حكمها على بلاد الشام والحجاز واليمن ومصر والعراق. استمرت الدولة العثمانية لغاية العام 1923م.

تم تقسيم العالم العربي كمناطق نفوذ بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى "بريطانيا، فرنسا، إيطاليا". نالت مصر استقلالها كأول دولة عربية عن الاستعمار البريطاني عام 1922 رغم أن النفوذ البريطاني ظل مهيمناً لغاية خمسينيات القرن العشرين. وفي العام 1971 نالت الإمارات العربية المتحدة هذا الاستقلال كآخر دولة.

في التاريخ الإسلامي تم إغلاق أبواب الاجتهاد من قبل الخلفاء والأمراء المسلمين، من بينهم الخليفة العباسي "المتوكل بالله" 847ـ861 م الذي اعتبر أن "ما قرره الخلف لا يرفضه السلف". وكان المتوكل قد وصل إلى الحكم بعد ثلاثة من الخلفاء بدأت معهم محنة خلق القرآن ـ المأمون، ثم المعتصم، ثم الواثق ـ وخلال تلك الفترة كان المعتزلة قد أصبحوا مذهباً لهم محبين ومريدين. ثم أغلقت أبواب الاجتهاد أيضاً في عصر الخليفة "المعتصم بالله" آخر الخلفاء العباسيين، حيث أعلن أنه "لا اجتهاد مع النص". هذا الإجراء مناقض لفقه الشريعة ذاتها وابديتها وتجددها على مر العصور.

إن إغلاق باب الاجتهاد قد أدى إلى موت العلوم الطبيعية، وقتل الفلسفة، وإطلاق الرصاص على العقل. فتحول الدين الإسلامي إلى مجموعة من الدراويش يعتكفون للعبادات في التكايا.

وفي معظم الفترات التاريخية كانت الصراعات السياسية والطائفية والمذهبية هي السمة الغالبة على العالمين العربي والإسلامي، وكانا في عزلة عما يجري في القارة الأوروبية من تفاعلات فكرية وعلمية.

إذن كان العالمين العربي والإسلامي في حالة سبات فكري عميق، وشلل عقلي طوال ما يقرب من ثمانية قرون. لا يمكن أن يؤدي هذا الحال إلا إلى الاستعصاء المرعب الذي نعاني منه حالياً.

مع ازدياد الصراع بين الديني والفكري، تشدد الدين وأصبح أكثر تحفظاً. ثم تراجع دور الطبقة البرجوازية التجارية العربية والإسلامية، وانحسر النشاط التجاري نتيجة انتشار قطّاع الطرق، فأصبحت دروب التجارة غير آمنة، مما أسهم أيضاً في تراجع التفكير العقلاني الذي كان يمثله التجار كونهم الطبقة المتوسطة التي كانت تصدر وتستورد الأفكار، وهي التي دعمت الفرق الفلسفية العقلانية مثل المعتزلة وإخوان الصفا. إضافة إلى أن التجار المسلمين لعبوا دوراً محورياً في التبادل والتلاقح الثقافي بين المسلمين والأمم الأخرى.


الإصلاح المسيحي

في عام 1517 أصدر البابا "ليون العاشر" مرسوماً يتضمن غفراناً عاماً لجميع المسيحيين في جميع أنحاء المعمورة. كانت الغاية من المرسوم جباية الأموال اللازمة لإتمام بناء كنيسة "القديس بطرس" في روما. هذا الوضع كشف عن العديد من الأساقفة الفاسدين الذين كانوا يبيعون صكوك الغفران لحسابهم الخاص.

في ذلك الوقت كان "مارتين لوثر" استاذاً لعلوم الدين وراعياً لكنيسة "ويتبرج". لاحظ الراهب أن رعايا الكنيسة أصبحوا يقدمون له صكوك الغفران، بديلاً عن الاعتراف بخطاياهم، وإبداء الندم والتوبة كما كان يحصل عادة. وأوضح "لوثر" أن الإيمان وفعل الخير هما الشرط للغفران الإلهي، وليس شراء النعيم بالذهب.

في لحظات غضب وحماس قام "لوثر" بتاريخ 31  تشرين الأول عام 1517 بتعليق احتجاجه المكون من خمسة وتسعين بنداً على باب كنيسة "ويتبرج" داعياً الكنيسة الكاثوليكية وقف أعمال بيع الغفران.

كتب احتجاجه باللغة اللاتينية، موجهاً إلى علماء الدين لمناقشتهم حول كون غفران الخطايا يمنح لكل مسيحي يتوب ويندم دون الحاجة إلى شراء صك غفران. لكن سرعان ما تمت ترجمة الاحتجاج إلى اللغة الألمانية، وانتشر بين عامة الناس في كافة أنحاء ألمانيا، ثم في العالم المسيحي أجمع.

رفض "لوثر" الاستجابة لطلب البابا "ليون العاشر" الحضور إلى روما لمحاكمته. ورفض الأمير "فريدريك" والي مقاطعة "ساكسونيا" تسليم "الهرطقي" إلى روما. كما فشلت مساعي الرسل الذين بعثهم البابا في اقناع "لوثر" التراجع عن مواقفه.

عقب ذلك أصدر البابا في 15 حزيران عام 1520 مرسوما يقضي بحرمان لوثر من حقوقه وإحراق جميع كتبه، ما لم يسحب تعاليمه ويلتمس رحمة البابا خلال ستين يوما.

 كانت قلوب معظم الألمان مع لوثر، فأدرك أن الوقت مناسب لإعلان انسحابه من الكنيسة ومقاومة سلطتها علانية. ثم قام بحرق القانون البابوي وبعض مؤلفات الكنيسة على مرأى من الجماهير الغفيرة التي التفت حوله. ثم أعلن تمرده على سلطة البابوية واعتبر أنها ليست ذات مصدر إلهي، إنما هي سلطة دينية سياسية اقتصادية من ابتكار البشر، وطالب بحرية الفرد في الدين.

حركة الإصلاح الديني التي قادها "لوثر" قامت على أفكار محاربة الغفران، ورفض سلطة البابا المطلقة، وانتقاد شراء المناصب الدينية. بمرور الوقت أصبح أتباع البروتستانتية ـ المعارضة لسلطة البابا ـ هم الأغلبية في ألمانيا، مما دفع الكنيسة الكاثوليكية إلى إقامة محاكم التفتيش المرعبة ضد المعارضين. تولت هذه المحاكم مهمة ردع الناس عن الخروج على الكاثوليكية. هذه المحاكم قامت بإبادة الناس عبر الخنق والحرق والإغراق والإعدام شنقاً، واستخدمت أساليب تعذيب شنيعة ورهيبة. ثم انقسم العالم المسيحي إلى كاثوليك وبروتستانت.

وبعد ما يقرب من مئة عام على الإصلاح وانقسام الكنيسة، ونشوء صراع كبير بين الكاثوليك والبروتستانت، ومن أجل حقوقهم الدينية، هاجم النبلاء البروتستانت في الثالث والعشرين من أيار/مايو عام 1618  برج براغ، الذي يقطنه والي القيصر الألماني "ماتياس"  الذي سبق وأن أصدر قرارات لتقليص حقوق البروتستانت الدينية في الإمبراطورية الألمانية، وكانوا يطالبون بالحرية الدينية. هذا الفعل الثوري الذي سجله التاريخ كان بداية التمرد البروتستانتي، ثم سعى القيصر الألماني لإخماده، مما تسبب في حرب الثلاثين عاماً، وانهيار أوروبا الوسطى كاملة، وشكلت الحرب صدمة للقارة، وخلّفت ندوباً عميقة استمرت لعقود متتالية.

الحرب خلفت تسعة مليون قتيل، حيث تم القضاء على ثلث السكان الألمان، وانهارت الدولة، وأعادت الحرب البلاد إلى الخلف بعقود من الزمن، وشكلت نقطة فاصلة في وعي الناس..

مع انتهاء حرب الثلاثين عاماُ انتهت الأصولية الدينية المسيحية إلى غير عودة. ومهدت الطريق أمام ولادة عصر التنوير. انتهت فكرة الامتلاك والفهم الأحادي للدين كما كان يدعي كل فريق، وانتهت الاتهامات بالانحراف والضلالة والهرطقة والزندقة التي كان يوجهها كل طرف للآخر، تماماً كما تفعل المذاهب الإسلامية والطوائف في عصرنا الحالي. وكان الكهنة والقساوسة يحشدون المتدينين البسطاء من عامة الناس، وتهييجهم على بعضهم البعض ودفعهم لارتكاب المذابح باسم الدين، كما يفعل بعض رجال الدين المسلمين اليوم.


الانتقال لمرحلة العقل

بعد القرون التي عاشها الأوروبيون تحت سيطرة الكنيسة ورجال الدين الذين مارسوا ظلماً واستبداداً، حيث كان يسود الجهل والخرافات، وتحقير العلم والعلماء. في القرن السابع عشر تشكلت حركة فكرية رفعت شعار استخدام العقل مرجعاً رئيسياً للحياة بدلاً من الدين. جاء التمرد نتيجة طبيعية دموية للظلم. وظهر الفكر التحرري الذي دعا إلى إعلاء العقل والمنطق على الخرافة.

حينها تقدم عدداً من المفكرين والفلاسفة التنويريين لتفكيك العقيدة اللاهوتية المسيحية ومناقشتها علناً. وهذا ما فعله دينيس ديديرو، وفولتير، وجان جاك روسو، وهم فلاسفة ربوبيين وليسوا ملحدين. وكذلك فعل رينيه ديكارت، فرنسيس بيكون، جان بول سارتر، إيمانويل كانت، فريدريك نيتشه، جون لوك، كارل ماركس. وأسس لنشوء الرأسمالية والعلمانية فيما بعد.

هذه الفترة مهدت لقيام الثورة الفرنسية، وما تلاها من ثورات في القارة الأوروبية، وفي الولايات المتحدة، وأمريكا اللاتينية.

أُطلق على هذا العصر عدة تسميات، منها عصر الأنوار، عصر التنوير، عصر العقل. من أهم مظاهر عصر التنوير قلة عدد الصراعات والحروب الناجمة عن أسباب دينية. ثم بدء استخدام المنهج العلمي في تحليل كل الظواهر الحياتية. وتحقيق تطور كبير في العلوم الطبيعية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء. وتقدم العلوم الإنسانية خاصة الفلسفة. ثم ترك الجهل والخرافة وامتلاك مناهج علمية وتفكير منطقي. فتطور الأدب والمسرح والترجمة، وظهرت الصحف التي ساهمت في نقل ونشر الأفكار والعلوم والفلسفة. أيضاً انتشرت المدارس والجامعات والمكتبات، وتم تأسيس المقاهي والصالونات الثقافية. مناقشة الأفكار نجم عنه زيادة الوعي المعرفي لدى الناس. كل ذلك أسهم في تنشيط الحركة العلمية التي أنتجت قيام الثورة الصناعية في أوروبا وازدهارها.


الإصلاح الإسلامي بين الفلسفة والدين

في فترة كان الفكر العربي والإسلامي يعاني حالة من الانغلاق والانسداد في المشرق العربي بالقرن الثاني عشر ميلادي، حيث تم زندقة الفلسفة والحط من قدرها، ومحاربة المنطق والعلوم العقلية الأخرى، وجرى تكفير أصحابها حتى قيل "من تمنطق فقد تزندق ودمه حلال"

تصدى صاحب أهم كتب الفقه المقارن "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" الفيلسوف الأندلسي "ابن رشد" 1126ـ1198م للدفاع عن الفلسفة، وهو الرجل العالم بها والمبحر بالدين، فقال "الله لا يمكن أن يعطينا عقولاً، ويعطينا شرائع مخالفة لها" واعتبر أن ما يجري جهلاً بالفلسفة وتجاهلاً للنصوص الدينية التي تدعو إلى إعمال العقل. ثم قام "ابن رشد" بتأليف كتاب "فصل المقال" لفض الاشتباك بين الدين والفلسفة، فاعتبر أن الحكمة هي الفلسفة، والشريعة هي الدين.

ظهرت في العهود اللاحقة محاولات تنويرية دعت للعلم والعقل من دون النزوع عن الدين. قام "محمد علي باشا" عام 1827 ببعض الإصلاحات وأرسل البعثات الطلابية إلى القارة الأوروبية. ثم الشيخ "رفاعة الطهطاوي" الذي كان منبهراً بالغرب، وحاول عام 1842 تأكيد الإيمان الديني للفلاسفة التنويريين الغربيين قياساً على فلاسفة اليونان القدماء، للترغيب فيهم. ثم ظهر "جمال الدين الافغاني" الذي حذّر من الغرب ودعا إلى تجديد الفكر الإسلامي وإنشاء حزب وطني للمسلمين عام 1871. ثم ظهر الشيخ "محمد عبده" واحداً من أبرز المحدثين في الفقه الإسلامي بالعصر الحديث، ودعا عام 1882م إلى الحريات الشخصية والسياسية.

ثم ظهرت تجربة "عبد الرحمن الكواكبي" صاحب كتاب "طبائع الاستبداد ومصاره الاستعباد" مع الإصلاح، هو الذي أسس 1897 جمعية لبحث أسباب الخفوت العربي قياساً بما تقدمت به أوروبا.

ومن خارج الإطار الديني ظهر دعاة تنويريين من المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين، منهم "قاسم أمين"، "طه حسين"، "معروف الرصافي".

المفكر الفلسطيني الليبرالي "إدوارد سعيد" الذي أسس دراسات ما بعد الاستعمار ـ الكولينيالية. والمفكر السوري العلماني "صادق جلال العظم" صاحب كتاب "نقد العقل الديني"،

المفكر والفيلسوف المغربي "محمد عابد الجابري" يعد واحداً من أبرز الوجوه العلمية التي قدمت مقاربة جديدة في قراءة التراث العربي الإسلامي في العصر الحديث. وقاد الجابري مشروعاً مهماً للحفر والبحث والتقصي عن الآليات المنتجة لمضامين ونظم ومعارف الفكر والتراث الإسلامي. فيما المفكر والفيلسوف المغربي "عبد الله العروي" يؤمن بالتاريخانية مذهباً وفلسفةً ومنهجاً للتحليل، وهو بعكس الجابري ينادي بالقطيعة مع التراث العربي والإسلامي، ويتبنى الحداثة الغربية كقيمة إنسانية.

بينما آمن المفكر والفيلسوف الجزائري "محمد أركون" بالحداثة، وانتقد العقل الإسلامي بلسان فرنسي وبعقل استشراقي غربي.

ومن خارج المؤسسة الدينية نذكر المفكر السوري "جورج طرابيشي" صاحب كتاب "نظرية العقل العربي: نقد نقد العقل العربي" الذي يعتبر أنه لم توجد في الاسلام فلسفة وما كان لها أن توجد، وأن المسيحية احتضنت الفلسفة منذ بداياتها.

ولكن من سوء طالع هذه الأمة أن كافة الجهود الني بذلها الأولين تعرضت لانتكاسات على يد الطغاة العرب، والمتشددين، وانتهت مآلاتها إلى غير عودة. وحاربت الأنظمة العربية الاستبدادية الأفكار التنويرية، ولا حقت المفكرين والمثقفين الليبراليين، وفعلت كل ما من شأنه لتقهقر مشاريع التنوير، التي استعاضت عنها تلك الأنظمة البائدة بالأيديولوجيات والقهر الحزبي والسياسي.


التنوير العربي

نحج التنوير في أماكن متعددة في العالم وفشل بنسخته العربية، ولا يزال معظم العالم العربي يرزح تحت وطأة الاستبداد والجهل والخرافة، ولا يزال يحارب الأفكار الليبرالية، وخطاه متعثرة وتائهة ومتباعدة في درب التنوير. ولا يزال العرب غير قادرين على تفكيك العقائد وتحليلها من منظور إسلامي عقلاني، وهذا يحتاج إلى عقود كي يتمكن العرب التحرر من الرؤية القديمة للعالم، ومواجهة الشعوذة، والإيمان بالتفكير العقلي، وإعادة المكانة للفلسفة، لبناء مشروع تنويري عربي.

فشلت جميع الحركات والشخصيات الدينية والمحاولات التي تدعو إلى التنوير كلاً بأسلوبه. بعض هذه الحركات آمنت بالإصلاح الديني، ثم تحولت إلى حركة سياسية، لم تتمكن لأسباب أيديولوجية من بناء نظام اجتماعي واقتصادي لإحداث إصلاحات حقيقية في بنية الفكر والعقل العربي والإسلامي لقيادة نهضة عصرية حقيقية.

يفتقد العالم الإسلامي اليوم رجلاً يفعل ما قام به الفيلسوف الأندلسي التنويري "ابن رشد" في الأندلس، حين قام بترجمة وشرح أعمال أرسطو المعلم الأول، مما ساهم في زيادة تأثيره على أوروبا القرون الوسطى.

ما يعانيه العالمين العربي والإسلامي من تصاعد الطغيان والجور، واتساع رقعة الصراعات الدينية والمذهبية والطائفية، وارتفاع الغلو والتطرف الديني والمذهبي، يتطلب من المفكرين والمثقفين الليبراليين ومن رجال الدين المحدثين العرب والمسلمين، العودة إلى ما قبل ثمانية قرون سابقة، لأنه طوال هذه المدة كان العقل العربي خلالها في حالة سبات وتخدير، وكانت الفلسفة في موت سريري.

نحن ما زلنا لغاية اللحظة لم نتجاوز التساؤلات عن/ حول الدين والفلسفة التي قدمها كلاً من ابن المفقع، وأبو حيان التوحيدي، والرازي، والفارابي، وابن سينا، وابن رشد، والكثيرين سواهم، وجميعهم اتهموا بالزندقة والكفر والإلحاد، وبعضهم تم حرق كتبه ومنهم من مات قتلاً.

إن المقاربة الموضوعية حالياً بيننا وبين الغرب، لا تظهر تخلف العرب والمسلمين فلسفياً وفكرياً وعلمياً وتكنولوجياً فقط، بل وتخلفاً في فهم الدين أيضاً.

إن من أهم المقومات التي تقود إلى الإصلاح والتنوير بظني هو أن نفهم الدين الإسلامي فهماً سليماً يتوافق مع العقل ولا يتصادم معه. حيث لا يمكن الحديث عن التنوير في ظل انتشار الجهل والخرافة والسحر والشعوذة وربطها بالدين في العالم العربي. وفي ضوء قيام بعض رجال الدين بتشجيع ما يسمى التدين الشعبي، ومحاربة أية أفكار إصلاحية تلجأ إلى استخدم العقل ـ الذي هو جوهر الدين الإسلامي ـ وتكفير أصحابها وزندقتهم.

فهل أصبح التنوير العربي في ذمة الماضي، وانتقل إلى جوار التاريخ؟

في الحقيقة أن التنوير لم يتجاوزنا ولم نتجاوزه، فنحن لا زلنا متأخرين فلسفياً وعقلياً وفكرياً، وما هذه الانسدادات والتخبطات والصراعات، إلا مرحلة لا بد الاكتواء بنارها من أجل مستقبل أفضل، حسب قانون "هيغل" للتقدم، فالتناقض هو جوهر جميع الظواهر والأشياء وهو منبع كل نمو. لأنه عبر الحركة والصراع الموجودتان في كل شيء يولد الجديد. لذلك فإن التنوير آت، فهو أمام العرب والمسلمين لا خلفهم.

متى يعلنون عن جائزة المغرب للكتاب الإلكتروني !؟/ عبده حقي

 


الاحتفاء بالكتاب كأقدم وأقدس وسيط لتقاسم ونشر الأديان والمعرفة والعلوم والآداب، تقليد حضاري ينم في عمقه عن اعتراف كوني بما أسداه الكتاب للإنسانية كافة، باعتباره أهم اختراع على مرّ العصور، إلى حدود عصرنا الراهن، حيث بدأ يتناقص دوره مع سيطرة الوسائط التكنولوجية والرقمية الحديثة لعل أهمها شبكة الإنترنت.


وقد دأبت جل دول العالم من خلال مؤسساتها الرسمية وغيرها كل سنة على الاحتفاء بالكتاب، على الأقل في مناسبتين مهمتين هما، المعارض الدولية وجوائز الكتاب. والمغرب كغيره من الدول العربية والعالمية يخصص كل سنة جائزة للكتاب في مختلف أصناف العلوم الإنسانية والأدبية والفكرية، وهي جائزة تحظى بأهمية وعناية قصوى من وزارة الثقافة والاتصال واتحاد كتاب المغرب وهيئة المجتمع المدني. وظلت الجائزة وفية لموعدها السنوي وطقس احتفائها الرسمي والتكريمي في ما عصرها الذي تقام فيه عرف وما يزال يعرف عدة تطورات مهمة جدا في منظومة أسانيد النشر، التي أوقعت بالكتاب الورقي بكل حمولته الرمزية والتاريخية في وضع لا يحسد عليه، وفي طاحونة عديد من الأسئلة الحرجة والقلقة حول مدى جدواه وآفاق مستقبله الغامض بعد اختراع وتنزيل برامج وتطبيقات رقمية متخصصة في صناعة الكتاب الإلكتروني، الذي قلب طاولة القراءة على سلفه الكتاب الورقي، وفتح آفاقا واعدة في منظومة النشر والتوزيع والتسويق والمقروئية، وقبل هذا وذاك دوره الخطير في دمقرطة وإشاعة المعرفة والعلوم والثقافة والتوعية الإنسانية، بكل مستوياتها مقارنة مع محدودية الكتاب الورقي وإكراهاته الأزلية المادية والتسويقية والتداولية في الزمان والمكان.


ومما لا شك فيه أن الكتاب الإلكتروني، سواء كان مقروءا أو مسموعا، وعلى الرغم من تنوع تطبيقاته وسهولة تداوله ما زال بعد أكثر من عقدين على اختراعه يعيش تبخيسا وتهميشا ممنهجا في غالب الأحيان، هدفه الحفاظ وتكريس المكتسبات الاقتصادية والمادية لوسائط النشر التقليدية العتيقة، من دون التفكير بكل شجاعة في ركوب موجة العصر، وأخذ المبادرة لبلورة استراتيجية، تؤسس لقنوات جديدة للقراءة بينها وبين القراء والمتلقين بشكل عام، يكون هدفها النهوض بدور الكتاب الإلكتروني، وجعله رافعة للمعرفة والتحصيل وليس بديلا عن صنوه الكتاب الورقي، بل وجها آخر معززا له باعتماد حوامل تكنولوجية كالهواتف الذكية والحواسيب والتابليتات والألواح الإلكترونية بشكل عام.


قد يتساءل العديد من المؤلفين والناشرين حول آليات تسويق الكتاب الإلكتروني على اعتبارا أن البنية التجارية الافتراضية تطرح كثيرا من الأسئلة الوجيهة والشائكة من قبيل معضلة القرصنة والتحميل المجاني والتداول العشوائي بين القراء، من دون رقابة قبلية أو بعدية وحقوق التأليف والملكية الفكرية والنشر إلخ، لكن في المقابل ألم يتعرض الكتاب الورقي وعلى مرّ العصور إلى شتى أنواع الخروقات والانتهاكات الأخلاقية والعلمية والفكرية والمزاجية، كالنسخ والنقل والتمزيق والحرق والإبادة والسرقات والتداول المجاني بين القراء، إلخ؟ ما يؤكد أن المخاوف من هذه المعارك كلها لا تتعلق أساسا بنوع السند ولا بعصره، وإنما بمبادئ السلوك الإنساني قبل كل شيء ومواقفه الأيديولوجية من الفكر والمعرفة والدين.


ومن المنتظر أن تصبح الكتب الإلكترونية محور اهتمام المقاولين والناشرين في معارض الكتاب في المستقبل القريب، وتتوقع مؤسسة «سوني» المتخصصة في ابتكار برامج وأدوات قراءة الكتب الإلكترونية، أن الإقبال على الكتاب الإلكتروني سيشهد تزايدا متناميا في حال اقتناع المؤلفين والناشرين بجدواه الاقتصادي، فتحميل ملف كتاب إلكتروني وقراءته على هاتف ذكي أو حاسوب هو أقل تكلفة بكثير من شراء نسخته الورقية وحملها لتشغل حيزا في المكتبة أو خزانة البيت. وفي الوقت الذي سجل فيه المغرب أعلى رقم في سوق مبيعات الهواتف الذكية في شمال افريقيا وما تلعبه من دور حاسم اليوم في القراءة والتوعية، وإشاعة المعلومة، ألم يحن الوقت مواكبة لهذا التطور الاقتصادي والسوسيوثقافي والبيداغوجي لتحفيز المسؤولين على صناعة النشر في المغرب، لخلق جائزة سنوية للكتاب الورقي والإلكتروني على حد سواء، خدمة للعلوم والثقافة والتعليم والبيئة أيضا حفاظا على مجالنا الغابوي من الاستنزاف بسبب الصناعة الورقية.


هل ضاق العيش إلى هذا الحدّ القاسي؟/ فراس حج محمد




أبدأ أولا بالترحم على الصديق الكاتب حسين سرمك حسن الذي فاجأ رحيله يوم السبت السادس والعشرين من كانون الأول الوسط الثقافي والإعلامي العربي، لم يكن بيننا مراسلات كثيرة في حقيقة الأمر، إلا أنه كان يرد على كل مادة أرسلها للنشر في موقع "الناقد العراقي" الذي يشرف عليه بجملته المعهودة التي صارت لازمة وملازمة: "نشرت مع التقدير- حسين". ونادرا ما كان يزيد على ذلك، ولم يصدف أن رفض لي موضوعا سوى موضوع واحد، جاء في رده اللطيف أن موضوع المقال "خارج اختصاص الموقع"، لكنه كان مبادرا عندما أرسلت مقالة "ما أضيق العيش لولا..." وأرفقت خطاب النشر بإبداء الرأي، فسارع –رحمه الله- بإرسال هذا الرد مشكورا في الخامس من أكتوبر 2020:

أخي العزيز الأديب الأستاذ فراس حج محمد المحترم 

تحية طيبة.. 

منذ الأسبوع الأول لبدء وباء كورونا وحتى اليوم ترجمتُ عشرات المقالات (يمكن متابعتها في موقع المثقف أو صحيفة الزمان) عن هذا الوباء وكيف صُنّع في مختبر وفق أجندة عالمية وسبل علاجه.. إلخ. 

هذا ليس مهما في اتصاله بمقالتك الجميلة ولكنه أوصلني إلى حقيقة خطيرة أقرها الكثير من العلماء والأطباء الغربيين وترتبط بالمقالة ورؤية الطغرائي في بيته الشهير وهو أن الخوف من كورونا يقتل الإنسان أكثر من فيروس كورونا نفسه. ويهمني إحالتك إلى كتاب بالانجليزية في غاية الأهمية هو "بايولوجيا المعتقد" للعلامة بروس ليبتون.. في هذا الكتاب تجارب وأدلة حاسمة على أن العامل النفسي الإيجابي وهو هنا "الأمل" ليس أمرا تجريديا أو رومانسيا بل هو عامل عضوي. ستجد أن هناك مرضى قتلهم الأطباء بكلمة حين قالوا لهم أن مرضهم خطير وأنهم سيموتون بعد أشهر.. كل كلمة تؤثر في منطقة تحت المهاد في الدماغ الذي يرسل تحفيزات إلى الغدة النخامية ثم الغدة الكظرية فتفرز هرمونات المواجهة (أو الأمل) أو الهرب. هناك مرضى عادوا بعد الموت وقسم نهضوا من المشرحة.. الزوجات اللائي وجّهوا إليهن صعقات كهربائية مختبرية كن لا يشعرن بها حين يمسكن أكف أزواجهن المخلصين ولكنهن يشعرن حين يكون الزوج خائناً.. هذا يحيلنا بعمق إلى المنطق السومري ثم القرآني من أن الكلمة تحيي وتميت وقاعدة "كن فيكون" .. اعذرني عن هذه العجالة . الخلاصة : المزيد من التكاتف .. والأمل والإيمان قادر على أن يجعلنا نعبر أخطر الشدائد وأفظعها ومنها وباء كورونا الحالي. إنهم يقتلون الناس بالحجز في البيوت لتفكيك العلاقات الانسانية .. والتقنيع (لبس الأقنعة) وإثارة الرعب.. سيضيّق الوباء علينا السبل دون الأمل.. 

الإنسان حيوان ذو أمل.

تقبل فائق احترامي

حسين سرمك حسن/ بغداد المحروسة/ الناقد العراقي

لم يكن يعلم الكاتب والناقد والباحث حسين سرمك أنه وبعد ثلاثة أشهر تقريبا من رسالته تلك أن تكون منيته بسبب فايروس كورونا الذي حصد أرواح العديد من الكتاب والشعراء والمثقفين والأطباء وغيرهم ممن أصيب به، وكان قد أعلن موقع الناقد العراقي في 11 ديسمبر في صفحة الموقع الخاصة على الفيسبوك عن توقف النشر في الموقع بسبب دخول سرمك المستشفى موجها هذه الرسالة: 

(السيّدات والسادة

كتّاب وقرّاء موقع (الناقد العراقي) الكرام..

تود أسرة موقع الناقد العراقي إعلامكم بأنّ الموقع متوقف عن النشر حالياً ولفترة مؤقتة، وذلك بسبب مرور الدكتور حسين سرمك حسن بوعكة صحية أُدخل على إثرها الى وحدة العناية المركزة.. وحتى يتم الشفاء والتعافي التام بإذنه تعالى، ويعاود الدكتور حسين سرمك نشاطه وإشرافه، ليعود الموقع إلى نشاطه، نطلب من حضراتكم وبكل حب أن تتواصلوا مع الدكتور حسين سرمك بنوايا السلام والمحبة ونوايا الشفاء والدعوات).

عادت روح الفقيد لتحلق عاليا ولم يكن بإمكانه المكوث أكثر بيننا، لعله اشتاق للراحة بعد جهد طويل مضنٍ، وهكذا يرحل فارس الثقافة العربية الحية حسين سرمك حسن، وبرحيله تكون الساحة الثقافية العربية عامة والعراقية خاصة قد فقدت كاتبا كبيرا ومثقفا واعيا، ناضل بوعي وصبر، تاركاً وراءه إرثا أدبيا ونقديا زاخرا، فبالإضافة لموسوعته المهمة التي أصدر منها 26 جزءاً "موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية"، صدر للفقيد كتاب "ما بعد الجحيم"؛ رواية من أدب الحرب، و"البطل البريء"- قراءة نقدية لرواية الروائي المهجري د. قصي شيخ عسكر، كما صدر له الكتاب المشترك مع الباحث "سلام الشماع" وعنوانه: "علي الوردي: الازدواجية المسقطة"، وهي محاولة لتحليل شخصية عالم الاجتماع والمؤرخ العراقي المشهور علي الوردي.

بالطبع لم تكن هذه هي كل ما أنتجته قريحة سرمك الأدبية والبحثية والنقدية، فهناك العديد من المؤلفات الأخرى، عدا مجموعة من المقالات النقدية والحوارات التي نشرت في الصحف والمجلات العربية.

تقول أمثالنا العربية: من خلّف ما مات، فما بالكم بمن خلّف هذا الإبداع القاهر للزمن وللموت؟ طيّب الله ثراك العزيز حسين سرمك، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولعلنا جميعا نجد بعض العزاء فيما كتبه الأصدقاء من حسن الثناء والإشادة بجهودك، فقد كنت دمثا ودودا طيباً وإنساناً جميلا الروح. رحمك الله رحمة واسعة.


اندونيسيا في مواجهة المتطرفين مجددا/ د. عبدالله المدني


عانت إندونيسيا، كبرى الاقطار الإسلامية من حيث عدد السكان، طويلا من الأعمال الأرهابية على يد تنظيم "الجماعة الإسلامية" وزعيمها المتطرف "أبوبكر با عاشير"، من تلك التي أزهقت الأرواح وفجرت الممتلكات ودمرت القطاع السياحي في الأرخبيل الأندونيسي، وبما انعكس سلبا على حياة المواطنين واستقرار البلاد. وهي لئن شهدت في السنوات الأخيرة تقدما في محاربة الجماعات الإسلاموية المتطرفة وقطع دابرها، بفضل دعم المجتمع الدولي والعلاقات الأمنية والاستخباراتية مع شريكاتها في تكتل آسيان الجنوب شرق آسيوي، إلا أنه من الواضح اليوم أنها ما أنْ تتخلص من مثير للشغب والفتنة حتى يظهر لها آخر بنفس المواصفات أو ربما أفضع.

ففي الآونة الأخيرة عاد إلى جاكرتا، من بعد غياب اختياري في منفاه بإحدى دول الشرق الأوسط، الداعية المعمم الخمسيني من أصل حضرمي "رزاق شهاب العلوي" زعيم ما يسمى بـ "جبهة الدفاع عن الإسلام"، والذي له أتباع ومريدون كثر ضمن ملايين الشعب الاندونيسي (يزعم التنظيم أن له من الأتباع 15 مليون نسمة معظمهم في غرب جاوه التي تعد أحد أكثر الأقاليم الإندونيسية اكتظاظا بالبشر). وظهور الرجل مجددا بعد مغادرته لبلده في عام 2017 على إثر فضيحة تورطه في نشر وتبادل الأفلام والصور الإباحية، في وقت تقود فيه البلاد حملة كبيرة للتصدي لجائحة كورونا المستجد والتخلص من تداعياتها المؤلمة على الأرواح والإقتصاد المنهك أصلا، قرع أجراس الإنذار في الدوائر السياسية والأمنية في جاكرتا خشية أن يقنع الرجل البسطاء من أتباعه بانتهاك إجراءات التباعد الاجتماعي من أجل حضور محاضراته وندواته والاستماع إلى خطبه الرنانة حول إقامة الدولة الإسلامية ومحاربة الفجور كما اعتاد.

والحقيقة أن السلطات الاندونيسية جهزت نفسها مبكرا لعودته، على الرغم من زعمها أن الرجل فقد الكثير من مصداقيته ولم يعد قادرا على تحريك الجماهير، وهو ما اتضح أنه مجرد أمنية. فبمجرد أن وطأت قدماه مطار جاكرتا في العاشر من نوفمبر المنصرم بدأت المتاعب بتجمهر الآلاف من أتباعه ــ دون كمامات واقية ــ في المطار لإستقباله وتحيته، بل تجاوز هؤلاء موضوع الإستقبال إلى إلحاق أضرار بمطار سوكارنو ــ حتا الدولي بعد أن خطب فيهم شهاب خطبة قال فيها أنه عاد لقيادة ثورة ضد قادة مزورين، داعيا إياهم إلى المقاتلة في صفه، لأن الديمقراطية الاندونيسية أكثر حرمة من أكل لحم الخنزير، حسب قوله.

أقتيد شهاب بعد وصوله إلى الشرطة للتحقيق معه في جملة من التهم التي لا تزال قائمة ضده، ومنها تهمة احتفاظه بعلم تنظيم داعش الإرهابي، وهي تهمة بررها بأنه احتفظ بالعلم لأنه يحمل الشهادتين، وأنّ ذلك كان رد فعل لقيام جماعة "نهضة العلماء" الأندونيسية (أحد أحزاب البلاد الكبرى الذي تزعم رئيسها الأسبق عبدالرحمن وحيد أندونيسيا) بحرق أعلام "حزب التحرير" المتطرف المحظور منذ عام 2017 لخطورته على أمن البلاد. ومن التهم الأخرى قيامه بالتحريض ضد إستخدام الروبية الإندونيسية بدعوى أن تصميمها الجديد يحتوى على رموز شيوعية خفية. إلا أن خشية السلطات من إثارة أتباعه للشغب والفوضى دفعتها إلى إطلاق سراحه مع تقييد حركته.

لكن هذا لم يمنعه من استقطاب أنصاره إلى مقره لإلقاء الخطب التحريضية فيهم، فأضاف إلى قائمة التهم الموجهة إليه تهمة جديدة هي الإخلال بالإجراءات الإحترازية الصحية لمكافحة جائحة كورونا. وحينما حددت السلطات السابع من ديسمبر الجاري لإستجوابه حول التهمة الجديدة لم يحضر، وتبين أنه خرق تقييد الحركة المفروض عليه وغادر مسكنه مصطحبا زوجته وأولاده وعددا من أتباعه المقربين في سيارة دفع رباعي محملة بالأسلحة والفؤوس والسيوف. أرشد المخبرون المدنيون السلطات بتحركه فتعقبته قوات الأمن التي أطلقت النار على سيارته وقتلت ستة من أتباعه. 

هذه الواقعة كانت كفيلة لتجمع حشد من أتباعه في اليوم التالي ومحاولتهم الإنتقام بحرق مركز للشرطة في جاكرتا. وكما جرت العادة في مثل هذه الوقائع انبرت منظمات حقوق الإنسان الغربية للدعوة إلى تحقيق شفاف في الحادثة وتحميل جاكرتا مسؤولية القتل دون محاكمة، قائلة أن ردة فعل الأخيرة كانت مبالغة.

وجملة القول أن أندونيسيا دخلت حقبة جديدة من الصراعات مع جماعاتها الدينية المتطرفة، وعليها أنْ تحقق في مصادر تمويلها التي يقال أنها آتية من جماعات سياسية معارضة وأحزاب أوليغارشية من تلك التي تعتقد أن رزاق شهاب قوة مؤثرة في جلب الأصوات الانتخابية لها في المستقبل، خصوصا وأن الرئيس ويدودو وصف أفعال شهاب وجماعته بأنها تهدد الوطن ووحدته، ناهيك عن ترديد رئيس الشرطة الجنرال أدهم عزيز لعبارة "الدولة لن تركع للضغوط"، وإتخاذ الحاكم العسكري الإقليمي لجاكرتا الجنرال "دودونغ عبدالرحمن" موقفا متشددا من شهاب وتنظيمه الذي قام منذ تأسيسه عام 1998 بهجمات كثيرة ضد أماكن الترفيه والسياحة دون عقاب.

د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: ديسمبر 2020 م



ميتافيزيقيا الزوال / صبا أبو فرحة



إن حقيقة الموت "شبح"، يلاحق أفكار الكثير، وهواجسه تندس فيما خفي من الشعور، فيصعب تقبل فكرة أن كل ما يتنفس سيختفي، ذاك الشعور الذي يبث في النفس الإنسانية عبثية الوجود، إلا أن غريزة حب البقاء تسيطر على اللاشعور الإنساني، فرغم معرفته التامة بحتمية الموت إلا أنه يُبقي غريزة الموت خرساء في أعماقه.

فماذا لو نظرنا للموت أنه عميلة اكتمال للموجودات، والهدف الأسمى للوجود البشري، فكل ما هو حولنا يتسم بالطابع المؤقت، يقودنا نحو هاوية العدم، فلمَ لا ننظر لحقيقة الموت أنه جزء من غايات الطبيعة، فإدراكنا للحياة، يقودنا لحتمية الموت.

وبالتزامن مع فكرة الوجود البشري على الحياة، أتساءل ما الماهية التي تحول المرء أنساناً، وهل فهم الإنسان لذاته يدعم فكرة تقبله للموت؟ من هذا المنطلق ندرك كثيراً من الموجودات ما هي إلا بذوات زائفة، لم تفهم حقيقة ذاتها قط.

فمرحلة الوصول للذات تكاد تكون من أصعب المراحل التي تصل لها النفس البشرية: فتبدأ بالانشغال باللحظة ثم التحقيق الفعلي للذات في عملية اختيار مستمرة، تحاول أن تفهم ماهيتها من خلال التجربة، وصولاً للسعادة الأبدية.

هل فكرت يوماً مما تتكون ذاتك؟

 سؤال بسيط، لكنه محور هام في محاولة فهم الحقيقة الوجودية البشرية، فالذات جسد ونفس متصلة بالشعور، فتتكون من الضرورة والإمكان والمتناهي واللامتناهي والزمني والأزلي، فالذات ما هي إلا الشيء الواعي من مجموعة عوامل، فمحاولة إنكار ذاتك للوجود الأبدي، ورغبتك في كونك شخصاً آخر ما هي إلا موت في الحياة!

إذن، إن إدراك حقيقة أن الكون يسير مع الطبيعة، والحياة أفق شاسع معقد، وفكرة الخلود المليئة بالأمل ما هي إلا وهم، فالحياة والموت متناقضان مكملان لبعضيهما، والإنسان يعي حقيقة الموت، لكنه لا يواجهها طالما لم يفهم ذاته.

صبا أبو فرحة



هل نحن ذاهبون نحو الفوضى الشاملة..؟/ راسم عبيدات



كما هو حال الفوضى الخلاقة المشروع الأمريكي لنشر الفتن المذهبية والطائفية في الوطن  العربي من اجل تفتيت و" تذرير " وتفكيك واعادة تركيب جغرافيته على أسس مذهبية وطائفية،وبما يحول وطننا العربي المقسم والمجزء الى المزيد من التجزئة والتقسيم  إلى كيانات إجتماعية هشة مرتبطة اقتصادياُ مباشرة من خلال المركز المالي العالمي في واشنطن والتي لا تسيطر قياداتها وانظمتها على خيراتها وثرواتها وفي الجانب الأمني ترتبط بتحالفات ومعاهدات مع دولة الإحتلال الإسرائيلي،وبما تبقيها في حالة من التبعية والخضوع للشروط والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية.


وعلى نفس هذا النهج والمنوال ولكي تستطيع اسرائيل احكام سيطرتها على شعبنا الفلسطيني،وإخراج القوى الحية منه من مقاومة مشاريعها ومخططاتها الرامية الى شرعنة وتأبيد إحتلالها  للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967،وكذلك منع تبلور شعبنا كأقلية قومية في الداخل الفلسطيني – 48- لها خصائصها الوطنية والثقافية والتعليمية،عمل الإحتلال على " قوننة" و"دسترة" وشرعنة قوانين عنصرية من شأنها أن تمنع ذلك،ولذلك كان قانون أساس القومية الصهيوني العنصري،الذي يرى بحق تقرير المصير،فقط يجري تجسيده للصهاينة دون أبناء الشعب الفلسطيني،وبأن شعبنا الفلسطيني الأصيل في أرضه ووطنه مجرد تجمعات سكانية لا يوجد بينها رابط قومي او وطني ولا يوجد له حقوق وطنية وسياسية.


الإحتلال حتى يستطيع تنفيذ مخططاته ومشاريعه ولجم أي مقاومة فلسطينية ضده،كان همه الأساس كيف يستطيع ان يخترق جدار النسيجين الوطني والمجتمعي،وبما يدخل شعبنا في اتون معارك داخلية طائفية وعشائرية وقبلية وجهوية،معارك تفكك هذين النسيجين عبر دوامة من العنف والجرائم المتتالية يغذيها إطلاق يد المافيات والعصابات وتسليحها،لكي تنشر الخوف والرعب والعنف والجريمة بين الناس،دون أي حسيب أو رقيب،بحيث تصبح ممارسة البلطجة والقتل والسرقة وفرض الأتاوات والخاوات والتعدي على حقوق الناس وكراماتها شيء طبيعي،وبما يدفع المواطن العادي لكي  ينشد الخلاص الفردي،أو ترك بلده ومكان سكنه للخروج من هذا الجحيم ،او البحث عن خيار العشيرة والقبيلة لتوفير الأمن والحماية له،مبتعداً عن المبنى والقوى الوطنية والحزبية والمؤسسات المجتمعية.


ولذلك نحن نشهد في الداخل الفلسطيني- 48 – تصاعد غير مسبوق في تنامي العنف والجرائم وعمليات القتل،حيث مع بداية العام الحالي وحتى اليوم هناك 99 جريمة قتل منها ما لا يقل عن 17 إمرأة وفتاة،والمسلسل مستمر دون توقف أو حتى انخفاض لمستوى العنف والجرائم،وعلينا أن لا نجعل من الإحتلال فقط الشماعة التي نعلق عليها كل تلك الجرائم أو تنامي العنف في أوساط مجتمعنا،والتي أرى بان الإنهيار الكبير للمنظومة القيمية والأخلاقية  واختطاف الدين من قبل جماعات مغرقة في التطرف والرؤيا والقراءة الأحادية له والتي تكفر الأخر ولا تعترف به حتى من نفس أبناء المذهب،فكيف بأبناء الديانة الواحدة بمذاهبها المختلفة او أتباع  الديانات الأخرى،ناهيك عن سيادة ثقافة الدروشة والجهل والتخلف وفقة البداوة  وفكر الكهوف "طورابورا" والسجون "غوانتو نامو".


والحال ليس بأفضل منه في الضفة الغربية وحتى في قطاع غزة،فمشروع السلطة الفلسطينية لإقامة ما يسمى بالدولة الفلسطينية وصل الى الحائط،والسلطة بوصف رئيسها بعد 25 عاماً من المفاوضات العبثية وصلت الى "سلطة بدون سلطة"،ولم تتجاوز صلاحيات حكم بلدي موسع،حقوق اقتصادية واجتماعية وخدماتية مقيدة ودون أي شكل من أشكال السيادة على الأرض،او الحقوق السياسية،والتي بدا واضحا من جملة الأحداث التي نشهدها في الضفة الغربية من احتراب عشائري وقبلي وعنف وجرائم قتل وإطلاق نار بين جماعات متناحرة،أو  ما جرى من اشتباكات بين أجهزة امن السلطة وجماعات فلسطينية أخرى في العديد من المخيمات كالتي شهدناها بإطلاق النار على مبنى بلدية يطا او على مقرات السلطة في قباطيا وغيرها،وما حصل من انتهاك سافر لحرمة مقام النبي موسى  من قبل شلة أو مجموعة شبابية اقامت فيه حفلة فنية صاخبة،متجاوزة ومنتهكة حرمة وقدسية المكان الدينية،ودون التفكير بعواقب الأمور،وما قد ينتج عن ذلك من فتنة كبرى وتداعيات خطيرة،مع أن الجهة المسؤولة عن المقام،هي من تتحمل المسؤولية بشكل مباشر عن ما جرى،وكذلك ما حصل في الداخل الفلسطيني – 48- من حرق لشجرة عيد الميلاد المجيد في سخنين ،بلد يوم الأرض الخالد،آذار /1976 وجريمتي القتل في اللد امس واليوم، والإصابتان الخطرتان بالرصاص الحي في تل السبع،كل هذا العنف وتلك الجرائم تؤشر على أننا سائرون  نحو الكارثة والفوضى الشاملة في عموم فلسطين،وفي الضفة الغربية التي تحظى بحكم ذاتي موسع،والتي تفقد فيها السلطة السيطرة والسيادة وعدم القدرة على التحرك أو فرض القانون والإستعانة بالعشائر،أو تسليمها دفة الأمور من أجل وقف حالات الإحتراب العشائري والقبلي،هذا يجعلنا نقف أمام سلطة المليشيات المحلية مشروع البروفسور الصهيوني مردخاي كيدار الاقاليم السبعة للحكم الذاتي من الخليل حتى جنين من بعد تفكك السلطة وإنهيارها والصراعات بين اجنحتها المختلفة.


 واضح بان هناك مشروع فتنوي يطل برأسه متشابك ومترابط مع مشروع سياسي لتصفية القضية الفلسطينية،فما يجري من فجور تطبيعي عربي رسمي والمشاركة في تصفية القضية الفلسطينية عبر بوابة ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية،يؤكد لنا بان ما يجري من بث ونشر لثقافة الهزيمة،والعمل على اختراق جدار النسيجين الوطني والمجتمعي الفلسطيني،واغراقه في الهموم والمشاكل الإجتماعية  ودوامة العنف والجرائم والإحتراب القبلي والعشائري،جزء من هذا المخطط والمشروع.


هذا يتطلب منا أن نبتعد عن ردات الفعل والعواطف الجياشه وتضخيم الأمور والمشاركة في بث الإشاعات والأخبار الكاذبة،او القيام بخطوات غير مدروسة ومحسوبة ، ...وكذلك مطلوب اليقظة والحذر وتوخي الدقة والبعد عن التجييش والشحن العاطفي والطائفي و"الزعبرة" و"الغثبرة" ....فالساحة لا تحتمل لا مزيادات ولا بطولات فيسبوكية.

الإجماع العربي الداعم للحقوق الفلسطينية/ سري القدوة



تشكل مبادرة السلام العربية الحد الادنى الذي يجتمع علية الكل العربي في حدود الممكن تنفيذه وقد حظيت بالإجماع العربي والتأكيد على خيارات هذه المبادرة الداعية لعملية السلام، ومن اجل وضع حد للصراع التناحري في المنطقة العربية واللجوء الي خيار السلام في حدود الممكن لإيجاد حلول عملية وسلمية والدعوة الي قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وفي عام 2002 وخلال مؤتمر مجلس جامعة الدول العربية المنعقد في بيروت على مستوى القمة بدورته الرابعة عشرة اطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية مبادرة السلام العربية للسلام في الشرق الأوسط بين الاحتلال الاسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية  ويتلخص هدفها في إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب الاحتلال من هضبة الجولان المحتلة، ودوما سعت وعملت الجامعة العربية على تبني خيار السلام في ضوء العلاقات مع المجتمع الدولي حيث  اكدت مؤتمرات القمة العربية على السلام العادل والشامل خيار استراتيجي يتحقق في ظل الشرعية الدولية وهذا يستوجب التزاما مقابلا تؤكده دولة الاحتلال، وتؤكد مبادرة السلام العربية على إعادة الحقوق الفلسطينية الي اصحابها على أساس القرارات الدولية وإنهاء الاحتلال والانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 وتمكين الشعب العربي الفلسطيني  من إقامة دولتهم المستقلة وحل مشكلة اللاجئين .

ان الموقف العربي رفض بالإجماع كل مؤامرات وسياسة الضم الاسرائيلية وتنفيذ مخططات صفقة القرن الامريكية، وطالما اكد الموقف العربي الشمولي تمسكه في هذا المبادرة الجامعة والممكنة لتحقيق السلام العادل والشامل، وكان دائما الموقف العربي يؤكد على الجهود المبذولة لمنع تنفيذ قرار دولة الاحتلال الخاصة في ضم أراض فلسطينية محتلة وحماية فرص تحقيق السلام العادل والشامل من الخطر غير المسبوق الذي يمثله قرار الضم وشرعنه الاحتلال .

في ظل ذلك لا بد من التحرك الدولي والعربي الشامل لضمان ضرورة العمل على انهاء وضع الاحتلال لان ذلك يعد الاساس في عملية السلام بدلا من استمرار العنف والتنكيل والاعتقالات والملاحقة ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني، وان هذا يتطلب منح الشعب الفلسطيني حقوقه وإطلاق مؤتمر دولي للسلام وضرورة اطلاق مفاوضات جادة ومباشرة وفاعلة مع الشعب العربي الفلسطيني وقيادته الشرعية للتوصل لاتفاق سلام على أساس حل الدولتين تحت رعاية دولية بدلا من فرض صفقة القرن الامريكية وخاصة بعد اقتراب موعد رحيل ترامب وإنهاء ادارته التي تسببت بحدوث كوارث سياسية في المنطقة العربية .

إن المرحلة تحتاج الي مزيد من التعاون والتعاضد العربي للخروج في استراتجية شاملة من اجل حماية الحقوق الفلسطينية وتوحيد المواقف العربية التي يوجد عليها اجماع عربي متكامل على قاعدة ضرورة انهاء الاحتلال الاسرائيلي والسعى الي اطلاق مفاوضات شاملة وجدية ضمن الاستراتجية العربية على اساس مبادرة السلام العربية من خلال التوجه الدولي وقرارات الشرعية الدولية .

اننا نحيي صمود الشعب الفلسطيني وقيادته وخصوصا صمود المقدسيين والمؤسسات والمرجعيات المقدسية التي طالما كانت تدافع عن القدس وتعمل على حماية المسجد الاقصى المبارك والمقدسات وهوية القدس ونوجه تحية واعتزاز لأبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان الذين يواصلون الدفاع عن الأقصى والقدس والأرض الفلسطينية بإيمانهم وصدورهم العارية ويتحدون الاحتلال ويقدمون الشهداء والجرحى والأسرى منذ أكثر من ثمانيين عاما، فإن الكفاح سيتواصل حتى نيل الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة من خلال تحقيق السلام الممكن بالمنطقة .

إلى العَامِ الجَدِيد/ حاتم جوعيه



 ( " بمناسبةِ  عيد  رأس السَّنةِ  الميلاديَّةِ   ")  

   

أيُّهَا   العامُ  الجَديدْ 

أيُّ   بُشْرَى ... أيُّ  خير ٍ وَحُبُور ٍ وَهَناءْ

تحملُ الأنسامُ  من ندٍّ  ومن نفح ِ عبير ٍ وشَذاءْ  

أيقظِ  الآمالَ   فينا  والرَّجاءْ  

أيُّها   العامُ   الجديدْ  

أعطِنا  حُبًّا  ودِفئا ً  وَسُكونا ً  وسَلامَا   

وحَنانا ً  وَوئامَا  

كيْ   نُعِيدْ    // 

بسمة َ الأطفال ِ للكونِ  الوَطِيدْ 

فعلى وقع ِ خطاكْ // يرقصُ القلبُ التياعًا وهيامَا 

لنغنِّ   فجْرَنا  المَنَنشُودَ   دومًا  ولِنزدَدْ   التِحَامَا  

أعطِنا  حُبًّا   لنجتازَ  الوهادَ  المُدْلهِمَّهْ 

نرسُمُ الأحلامَ ... ُنعلِي راية َالأمجادِ في ذروةِ  قِمَّهْ 

فلنحَلّقْ  ما  وراءَ  المُنتهى  واللاوُجُود

ولنُحَرِّرْ روحَنا من عتمةِ  السِّجنِ  وأعباءِ القيودْ  

فلنُوَدِّعْ  عامَنا الماضي  ونخطوُ  لِلقائِكْ  

قادِمٌ  أنتَ  إلينا ... ألفُ  مَرْحًى  لعِناقِكْ  

فعلى أعتابِكَ الوَسْنى شغافُ القلبِ تصبُو لِضِيَائِكْ   

ما الذي تحملهُ من فرح ِ الدنيا وألحانِ السَّعادهْ 

أيُّها المجهولُ فينا لكَ دومًا في حنايا الرُّوح ِ حُبٌّ وعبادَهْ  

هلْ  يعمُّ  السِّلمُ ... يخطو في  رُبَى الشَّرق ِ  الحبيبْ  

تشرقُ الشَّمسُ علينا ... يتهادى النورُ تيهًا ، بعدَ أن حَلَّ المَغيبْ  

سنغنِّي  للسَّلامْ  //  كلَّ  إطلالةِ   صُبْح ٍ  ومساءْ  

إنَّ فجرَ السِّلمِ  يأتي ... سوفَ  يأتي  ،  والضياءْ 

يغمرُ  الدنيا  وأركانَ  الفضاءْ  

 تبسمُ الزهارُ والأطيارُ والأقمارُ ... تزدادُ  سَناءْ  

ندفنُ  الآهاتِ   والحُزنَ   وأهوالَ  الشَّقاءْ 

فلنُغنِّ ولنصَلِّ  مع  خُطى العامِ  الجديدْ 

ولنوَدِّعْ عالمَ الماضي  وأطيافَ الشَّجَنْ    

إنّما  الهمُّ سرابٌ سوفَ يمضي  وَيُولِّي  ...                                                                                          

... يتلاشَى   في   متاهاتِ    الزَّمَنْ  

أترعُوا  الكأسَ   فهذا  اليومُ   عيدْ   //

أيُّ عيدٍ //  إيُّ  بُشرَى  //  إنَّهُ  أروعُ  عيدْ 

واشربُوها ، في سُمُوِّ الروح ِ ، مع عذبِ الأغاني والنشيدْ 

فلنعَلِّ  رايةَ َ الحبِّ  الوَطِيدَهْ  

ولنغنِّ فرحة َ العيدِ  السَّعيدَهْ 

أيُّها   العامُ  الجديدْ  

أيُّ   بُشْرَى  ... أيُّ   حُبٍّ  وحُبور ٍ   وَهَناءْ 

تحملُ الأنسامُ من َندٍّ ومن نفح ِ عبيرٍ وشَذاءْ  

أيقظِ  الآمالَ  فينا  والرَّجَاءْ      

أيُّهَا  العامُ  الحديدْ

أيُّها  العامُ  الجديدْ


أشكال من الديمقراطية/ ترجمة د زهير الخويلدي



" الديمقراطية، بالمعنى الحرفي للكلمة، تحكم من قبل الشعب. المصطلح مشتق من الكلمة اليونانية dēmokratiā ، والتي تمت صياغتها من dēmos ("الشعب") و kratos ("السلطة") في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد للإشارة إلى الأنظمة السياسية الموجودة آنذاك في بعض دول المدن اليونانية ، ولا سيما أثينا .


أهم الأسئلة


ما هي الديمقراطية؟


أين كانت الديمقراطية تمارس لأول مرة؟


كيف تكون الديمقراطية أفضل من أشكال الحكم الأخرى؟


لماذا تحتاج الديمقراطية إلى التعليم؟


الأسئلة الأساسية


تشير الأصول الاشتقاقية لمصطلح الديمقراطية إلى عدد من المشكلات الملحة التي تتجاوز القضايا الدلالية. إذا تم إنشاء حكومة من الشعب أو من قبل الشعب - حكومة "شعبية" - يجب مواجهة خمسة أسئلة أساسية على الأقل في البداية، ومن المؤكد تقريبًا طرح سؤالين آخرين إذا استمرت الديمقراطية في الوجود لفترة طويلة.


(1) ما هي الوحدة أو الاتحاد المناسب الذي يجب أن تنشأ فيه حكومة ديمقراطية؟ بلدة أم مدينة؟ بلد؟ شركة تجارية؟ جامعة؟ منظمة دولية؟ كل هذه؟


(2) إعطاء جمعية مناسبة - مدينة، على سبيل المثال - من بين أعضائها يجب أن يتمتع بالمواطنة الكاملة؟ أي الأشخاص، بعبارة أخرى، يجب أن يشكلوا الدوموس؟ هل يحق لكل عضو في الجمعية المشاركة في إدارتها؟ بافتراض أنه لا ينبغي السماح للأطفال بالمشاركة (كما يتفق معظم البالغين)، هل يجب أن يشمل الدوموس جميع البالغين؟ إذا كانت تتضمن مجموعة فرعية فقط من السكان البالغين، فما مدى صغر المجموعة الفرعية قبل أن تتوقف الجمعية عن كونها ديمقراطية وتصبح شيئًا آخر، مثل الأرستقراطية (حكومة الأفضل، الأرستطقراطية) أو الأوليغارشية (حكومة القلة)؟


(3) على افتراض وجود جمعية مناسبة ودوموس صحيح، كيف يحكم المواطنون؟ ما هي المنظمات أو المؤسسات السياسية التي يحتاجون إليها؟ هل ستختلف هذه المؤسسات بين أنواع مختلفة من الجمعيات - على سبيل المثال، بلدة صغيرة ودولة كبيرة؟


(4) عندما ينقسم المواطنون حول قضية ما، كما هو الحال في كثير من الأحيان، يجب أن تسود وجهات نظرهم، وفي أي ظروف؟ هل يجب أن تسود الأغلبية دائمًا، أم يجب تمكين الأقليات أحيانًا لعرقلة حكم الأغلبية أو التغلب عليه؟


(5) إذا كانت الأغلبية هي الغالبة عادة، فماذا تكون الأغلبية الصحيحة؟ غالبية المواطنين؟ أغلبية الناخبين؟ هل يجب ألا تضم الأغلبية المناسبة مواطنين أفرادًا ولكن مجموعات أو جمعيات معينة من المواطنين، مثل المجموعات الوراثية أو الجمعيات الإقليمية؟


(6) تفترض الأسئلة السابقة إجابة مناسبة للسؤال السادس والأكثر أهمية: لماذا يجب أن يحكم "الشعب"؟ هل الديمقراطية حقا أفضل من الأرستقراطية أم الملكية؟ ربما، كما يجادل أفلاطون في كتاب الجمهورية، فإن أفضل حكومة يمكن أن تقودها أقلية من الأشخاص الأكثر كفاءة - أرستقراطية من "الملوك الفلاسفة". ما الأسباب التي يمكن إعطاؤها لإظهار أن وجهة نظر أفلاطون خاطئة؟


(7) لا يمكن لأي جمعية أن تحافظ على حكومة ديمقراطية لفترة طويلة إذا كانت غالبية الدوموس - أو غالبية الحكومة - تعتقد أن شكلاً آخر من أشكال الحكومة كان أفضل. وبالتالي، فإن الحد الأدنى من الشروط لاستمرار وجود الديمقراطية هو أن نسبة كبيرة من الدوموس والقيادة تعتقد أن الحكومة الشعبية أفضل من أي بديل ممكن. ما هي الشروط، بالإضافة إلى هذا، التي تفضل استمرار وجود الديمقراطية؟ ما هي الشروط التي تضر بها؟ لماذا تمكنت بعض الديمقراطيات من الصمود، حتى خلال فترات الأزمات الشديدة، بينما انهار العديد من الديمقراطيات الأخرى؟


المؤسسات الديمقراطية


منذ زمن الإغريق القدماء، خضع كل من نظرية الديمقراطية وممارستها لتغييرات عميقة، كثير منها يتعلق بالإجابات السائدة على الأسئلة من 1 إلى 3 أعلاه. وهكذا، على مدى آلاف السنين، كان نوع الاتحاد الذي تمارس فيه الديمقراطية، القبيلة أو الدولة المدينة، صغيرًا بما يكفي ليكون مناسبًا لشكل من أشكال الديمقراطية عن طريق التجمع، أو "الديمقراطية المباشرة". بعد ذلك بوقت طويل، بدءًا من القرن الثامن عشر، عندما أصبحت الرابطة النموذجية هي الدولة القومية أو الدولة، أفسحت الديمقراطية المباشرة الطريق للديمقراطية التمثيلية - وهو تحول شامل للغاية، من منظور مواطن أثينا القديمة، حكومات الاتحادات العملاقة مثل فرنسا أو الولايات المتحدة ربما لم تظهر ديمقراطية على الإطلاق. استلزم هذا التغيير بدوره إجابة جديدة على السؤال 3: تتطلب الديمقراطية التمثيلية مجموعة من المؤسسات السياسية تختلف جذريًا عن تلك الموجودة في جميع الديمقراطيات السابقة. هناك تغيير مهم آخر يتعلق بالإجابات السائدة على السؤال رقم 2. حتى وقت قريب، كانت معظم الجمعيات الديمقراطية تقصر حق المشاركة في الحكومة على أقلية من السكان البالغين - في الواقع، أحيانًا بأقلية صغيرة جدًا. ابتداء من القرن العشرين، امتد هذا الحق ليشمل جميع البالغين تقريبًا. وفقًا لذلك، يمكن للديمقراطي المعاصر أن يجادل بشكل معقول بأن أثينا، لأنها استبعدت الكثير من البالغين من دوموس ، لم تكن حقًا ديمقراطية - على الرغم من اختراع مصطلح الديمقراطية وتطبيقه لأول مرة في أثينا. على الرغم من هذه التغييرات وغيرها من التغييرات المهمة، فمن الممكن لتحديد عدد كبير من الأنظمة السياسية المبكرة التي تضمنت شكلاً من أشكال "حكم الشعب"، حتى لو لم تكن ديمقراطية بالكامل وفقًا للمعايير المعاصرة.


أشكال ما قبل التاريخ من الديمقراطية


على الرغم من أنه من المغري الافتراض أن الديمقراطية نشأت في مكان وزمان معينين - يُعرف في أغلب الأحيان باسم اليونان حوالي عام 500 قبل الميلاد - فإن الأدلة تشير إلى أن الحكومة الديمقراطية ، بالمعنى الواسع ، كانت موجودة في عدة مناطق من العالم قبل فترة طويلة من القرن الخامس من المعقول أن نفترض أن الديمقراطية بشكل أو بآخر تنشأ بشكل طبيعي في أي مجموعة ذات حدود جيدة ، مثل القبيلة ، إذا كانت المجموعة مستقلة بشكل كافٍ عن سيطرة الغرباء للسماح للأعضاء بإدارة شؤونهم الخاصة و إذا كان عدد كبير من الأعضاء ، مثل شيوخ القبائل ، يعتبرون أنفسهم مؤهلين بشكل متساوٍ للمشاركة في القرارات المتعلقة بالمسائل التي تهم المجموعة ككل. تم دعم هذا الافتراض من خلال دراسات المجتمعات القبلية غير المتعلمة، والتي تشير إلى وجود حكومة ديمقراطية بين العديد من المجموعات القبلية خلال آلاف السنين عندما نجا البشر من الصيد والتجمع. بالنسبة لهؤلاء البشر الأوائل، ربما بدت الديمقراطية، كما كانت تمارس، النظام السياسي الأكثر "طبيعية".


عندما انتهت الفترة الطويلة للصيد والتجمع وبدأ البشر في الاستقرار في مجتمعات ثابتة، خاصة للزراعة والتجارة، بدت الظروف التي تفضل المشاركة الشعبية في الحكومة نادرة. شجع التفاوت الأكبر في الثروة والقوة العسكرية بين المجتمعات، بالإضافة إلى الزيادة الملحوظة في حجم المجتمع النموذجي وحجمه، على انتشار الأشكال الهرمية والسلطوية للتنظيم الاجتماعي. نتيجة لذلك، اختفت الحكومات الشعبية بين الشعوب المستقرة، لتحل محلها الحكومات القائمة على الملكية أو الاستبداد أو الأرستقراطية أو الأوليغارشية لآلاف السنين، والتي ظهر كل منها - على الأقل بين الأعضاء المهيمنين في هذه المجتمعات - على أنها الشكل الأكثر طبيعية للحكومة، ثم حوالي 500 قبل الميلاد، عادت الظروف المواتية للديمقراطية إلى الظهور في عدة أماكن، وبدأت مجموعات صغيرة قليلة في إنشاء حكومات شعبية. يمكن القول إن الديمقراطية البدائية أعيد اختراعها بأشكال أكثر تقدمًا. حدثت التطورات الأكثر أهمية في منطقتين من البحر الأبيض المتوسط ، اليونان وروما.


اليونان الكلاسيكية


خلال الفترة الكلاسيكية (التي تقابل القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد تقريبًا)، لم تكن اليونان بالطبع بلدًا بالمعنى الحديث بل مجموعة من عدة مئات من دول المدن المستقلة، ولكل منها الريف المحيط بها. في عام 507 قبل الميلاد، وتحت قيادة كليسينس، بدأ مواطنو أثينا في تطوير نظام الحكم الشعبي الذي سيستمر قرابة قرنين من الزمان. على السؤال 1، إذن، أجاب اليونانيون بوضوح: الاتحاد السياسي الأكثر ملاءمة للحكومة الديمقراطية هو البوليس، أو دولة المدينة. لقد أنذرت الديمقراطية الأثينية ببعض الممارسات الديمقراطية اللاحقة، حتى بين الشعوب التي لم تكن تعرف القليل أو لا شيء عن النظام الأثيني. وهكذا فإن الإجابة الأثينية على السؤال رقم 2 - من يجب أن يشكل الدوموس؟ - كانت مشابهة للإجابة التي تم تطويرها في العديد من البلدان الديمقراطية الحديثة في القرنين التاسع عشر والعشرين. على الرغم من أن الجنسية في أثينا كانت وراثية، وتمتد إلى أي شخص ولد لأبوين من مواطني أثينا، إلا أن العضوية في دوموس اقتصرت على المواطنين الذكور الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا أو أكبر (حتى 403، عندما تم رفع الحد الأدنى للسن إلى 20). نظرًا لقلة البيانات، يجب التعامل مع تقديرات حجم دوموس الأثيني بحذر. اقترح أحد العلماء أنه في منتصف القرن الرابع ربما كان هناك حوالي 100000 مواطن، و 10000 أجنبي مقيم، أو ميتيكس ، وما يصل إلى 150.000 عبد. بين المواطنين، كان هناك حوالي 30000 من الذكور فوق سن 18 عامًا. إذا كانت هذه الأرقام صحيحة تقريبًا، فإن الدومو يشكلون 10 إلى 15 بالمائة من إجمالي السكان. فيما يتعلق بالسؤال 3 - ما هي المؤسسات السياسية اللازمة للحكم؟ - اعتمد الأثينيون إجابة من شأنها تظهر بشكل مستقل في مكان آخر. كان قلب ومركز حكومتهم هو الجمعية (الكنيسة)، التي كانت تجتمع أسبوعيًا تقريبًا - 40 مرة في السنة - في بنيكس، تل غربي الأكروبوليس. تم اتخاذ القرارات بالتصويت، وكما هو الحال في العديد من الجمعيات اللاحقة، كان التصويت برفع الأيدي. كما سيكون صحيحًا أيضًا في العديد من الأنظمة الديمقراطية اللاحقة، فقد سادت أصوات غالبية الحاضرين والمصوتين. على الرغم من عدم وجود طريقة لمعرفة مدى قرب تمثيل الأغلبية في الجمعية لعدد أكبر بكثير من المواطنين المؤهلين الذين لم يحضروا، نظرًا لتكرار الاجتماعات وإمكانية الوصول إلى مكان الاجتماع، فمن غير المرجح أن تستمر الجمعية لفترة طويلة في اتخاذ قرارات غير شعبية بشكل ملحوظ. لقد كانت صلاحيات الجمعية واسعة، لكنها لم تكن بأي حال من الأحوال غير محدودة. تم وضع جدول أعمال الجمعية من قبل مجلس الخمسمائة، والذي، على عكس الجمعية، كان يتألف من ممثلين يتم اختيارهم بالقرعة من كل من 139 كيانًا إقليميًا صغيرًا، يعرف باسم demes، أنشأه كليسثينس في 507. عدد الممثلين من كان كل ديم متناسبًا تقريبًا مع عدد سكانه. أنذر استخدام المجلس للممثلين (على الرغم من اختيارهم بالقرعة بدلاً من الانتخاب) بانتخاب الممثلين في الأنظمة الديمقراطية اللاحقة. وهناك مؤسسة سياسية أخرى مهمة في أثينا كانت المحاكم الشعبية (dikasteria ) ، التي وصفها أحد العلماء بأنها "الأكثر جهاز مهم في الدولة ، إلى جانب الجمعية "، مع" سلطة غير محدودة للسيطرة على الجمعية والمجلس والقضاة والقادة السياسيين ". كانت المحاكم الشعبية مكونة من محلفين تم اختيارهم بالقرعة من بين مجموعة من المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عامًا ؛ تم اختيار المسبح نفسه سنويًا وأيضًا بالقرعة. المؤسسة هي مثال إضافي على المدى الذي كان من المتوقع أن يشارك فيه المواطنون العاديون في أثينا في الحياة السياسية للمدينة، مجموعة تعرف باسم الأربعمائة سيطرت على أثينا وأسست الأوليغارشية. بعد أقل من عام، أطيح بأربعمائة وأعيدت الديمقراطية بالكامل. بعد تسعة عقود، في عام 321، خضعت أثينا من قبل جارتها الأكثر قوة في الشمال، مقدونيا، والتي قدمت مؤهلات الملكية التي استبعدت فعليًا العديد من الأثينيين العاديين من دوموس. في عام 146 قبل الميلاد، تم القضاء على ما تبقى من الديمقراطية الأثينية على يد الرومان الفاتحين.


الجمهورية الرومانية


في نفس الوقت تقريبًا الذي تم فيه تقديم الحكومة الشعبية في اليونان، ظهرت أيضًا في شبه الجزيرة الإيطالية في مدينة روما. أطلق الرومان على نظامهم اسم rēspūblica ، أو جمهورية ، من اللاتينية rēs ، التي تعني الشيء أو الشأن ، و pūblicus أو pūblica ، أي الجمهور - وبالتالي ، كانت الجمهورية هي الشيء الذي يخص الشعب الروماني ، populus romanus. مثل أثينا، كانت روما في الأصل دولة مدينة. على الرغم من أنها توسعت بسرعة عن طريق الغزو والضم إلى ما هو أبعد من حدودها الأصلية لتشمل كل العالم المتوسطي وكثير من أوروبا الغربية، إلا أن حكومتها ظلت، في سماتها الأساسية، كحكومة دولة - مدينة كبيرة إلى حد ما. في الواقع، خلال الحقبة الجمهورية (حتى نهاية القرن الأول قبل الميلاد تقريبًا)، كانت التجمعات الرومانية تُعقد في منتدى صغير جدًا في وسط المدينة. من الذي شكل دوموس الروماني؟ على الرغم من منح الجنسية الرومانية بالولادة، إلا أنها مُنحت أيضًا عن طريق التجنس وعتق العبيد. مع توسع الجمهورية الرومانية، منحت الجنسية بدرجات متفاوتة للعديد من أولئك الموجودين داخل حدودها الموسعة. لأن التجمعات الرومانية استمرت في الاجتماع في المنتدى، ومع ذلك، فإن معظم المواطنين الذين لم يعيشوا في المدينة نفسها أو بالقرب منها لم يتمكنوا من المشاركة وبالتالي تم استبعادهم فعليًا من دوموس. على الرغم من سمعتهم بالتطبيق العملي والإبداع، وعلى الرغم من التغييرات العديدة في هيكل الحكومة الرومانية على مدار القرون، لم يحل الرومان هذه المشكلة أبدًا. بعد مرور ألفي عام، سيبدو الحل - انتخاب ممثلين للمجلس التشريعي الروماني - واضحًا (انظر أدناه معضلة ديمقراطية).


مع تكيفهم مع السمات الخاصة لمجتمعهم، بما في ذلك حجمه المتزايد بسرعة، أنشأ الرومان بنية سياسية معقدة للغاية وخصوصية لدرجة أن القادة الديمقراطيين اختاروا لاحقًا عدم تقليدها. استخدم الرومان ليس فقط مجلس شيوخ قوي للغاية ولكن أيضًا أربعة مجالس، كل منها يسمى comitia ("التجمع") أو concilium ("المجلس"). تألفت كوميتيا كورياتا من 30 كوريا، أو مجموعة محلية، من ثلاث قبائل أو قبائل قديمة. تتكون Comitia Centuriata من 193 قرنًا أو وحدات عسكرية؛ تم استخلاص Concilium Plebis من صفوف العامة، أو عامة الناس (عامة الناس)؛ وكانت Comitia Tributa ، مثل الجمعية الأثينية ، مفتوحة لجميع المواطنين. في جميع المجالس، تم عد الأصوات من قبل الوحدات (قرون أو قبائل) وليس من قبل الأفراد؛ وهكذا، بقدر ما كانت الأغلبية سائدة في التصويت، كان من الممكن أن تكون أغلبية الوحدات، وليس المواطنين. على الرغم من أنهم يمثلون بشكل جماعي جميع المواطنين الرومان، إلا أن المجالس لم تكن ذات سيادة. طوال فترة الجمهورية بأكملها، استمر مجلس الشيوخ - وهو مؤسسة موروثة من الحقبة السابقة للملكية الرومانية - في ممارسة سلطة كبيرة. تم اختيار أعضاء مجلس الشيوخ بشكل غير مباشر من قبل مجلس المائة؛ خلال النظام الملكي ، تم اختيارهم حصريًا من الطبقة الأرستقراطية المتميزة ، على الرغم من أنه تم قبول أعضاء بعض العائلات العامة في وقت لاحق خلال الجمهورية.


الجمهوريات الإيطالية من القرن الثاني عشر إلى عصر النهضة


"الأوليغارشية الدستورية"


بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476، انقسمت شبه الجزيرة الإيطالية إلى تجمعات من الكيانات السياسية الأصغر. بعد حوالي ستة قرون، في شمال إيطاليا، تطورت بعض هذه الكيانات إلى دول - مدن مستقلة إلى حد ما ، وافتتحت أنظمة حكم قائمة على مشاركة أوسع - وإن لم تكن ذات شعبية كاملة - وعلى انتخاب القادة لفترات محدودة من الزمن. في هذا الصدد، يمكن النظر إلى حكوماتهم على أنها سلائف على نطاق صغير من الأنظمة التمثيلية اللاحقة. ازدهرت مثل هذه الحكومات لمدة قرنين أو أكثر في عدد من المدن، بما في ذلك البندقية وفلورنسا وسيينا وبيزا، وبالاعتماد على اللاتينية بدلاً من اليونانية، أطلق الإيطاليون على دول المدن اسم الجمهوريات، وليس الديمقراطيات. على الرغم من أن العضوية في دوموس كانت في البداية مقتصرة بشكل أساسي على النبلاء وكبار ملاك الأراضي، في بعض الجمهوريات في النصف الأول من القرن الثالث عشر، كانت هناك مجموعات من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الدنيا - مثل الأثرياء الجدد والتجار الصغار والمصرفيين والحرفيين المهرة المنظمين في النقابات، والجنود المشاة بقيادة الفرسان - بدأوا يطالبون بالحق في المشاركة في الحكومة على مستوى ما. ولأنهم كانوا أكثر عددًا من الطبقات العليا ولأنهم هددوا (وأحيانًا نفذوا) انتفاضات عنيفة، فقد نجحت بعض هذه الجماعات. حتى مع هذه الإضافات، بقي دوموس في الجمهوريات جزءًا صغيرًا فقط من إجمالي السكان، حيث تراوح من 12 في المائة في بولونيا في القرن الرابع عشر إلى 2 في المائة أو أقل في البندقية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، حيث تم قبول الحكم. تم إغلاق طبقة النبلاء بشكل دائم خلال القرن الرابع عشر. وهكذا، سواء تم الحكم عليها وفقًا لمعايير اليونان الكلاسيكية أو تلك الخاصة بأوروبا والولايات المتحدة في القرن الثامن عشر وما بعده، لم تكن الجمهوريات الإيطالية ديمقراطيات. التوصيف الأكثر دقة الذي اقترحه المؤرخ لاورو مارتينز هو "الأوليغارشية الدستورية".


بعد حوالي منتصف القرن الرابع عشر، اختفت تدريجياً الظروف التي كانت تفضل وجود دول - مدن مستقلة ومشاركة أوسع في الحكومة - لا سيما نموها الاقتصادي والولاء المدني لسكانها. أدى التدهور الاقتصادي والفساد والخلافات الطائفية والحروب الأهلية والحروب مع الدول الأخرى إلى إضعاف بعض الحكومات الجمهورية واستبدالها في نهاية المطاف بالحكام المستبدين، سواء الملوك أو الأمراء أو الجنود.


معضلة ديمقراطية


كان الإغريق والرومان وقادة الجمهوريات الإيطالية روادًا في إنشاء الحكومات الشعبية، وكان فلاسفتهم ومعلقوهم يمارسون تأثيرًا هائلاً على الفكر السياسي اللاحق. ومع ذلك، لم يتم محاكاة مؤسساتهم السياسية من قبل المؤسسين اللاحقين للحكومات الديمقراطية في الدول القومية في شمال أوروبا وأمريكا الشمالية. كما أظهر توسع روما بالفعل، لم تكن هذه المؤسسات ببساطة مناسبة للجمعيات السياسية الأكبر بكثير من دولة المدينة، ويشير الاختلاف الهائل في الحجم بين دولة المدينة والدولة القومية إلى معضلة أساسية. من خلال الحد من حجم دولة المدينة ، يمكن للمواطنين من حيث المبدأ ، إن لم يكن دائمًا في الممارسة العملية ، التأثير بشكل مباشر على سلوك حكومتهم - على سبيل المثال ، من خلال المشاركة في مجلس. لكن الحد من الحجم يأتي بتكلفة: فالمشكلات المهمة - لا سيما الدفاع ضد الدول الأكبر والأكثر قوة وتنظيم التجارة والتمويل - ستظل خارج قدرة الحكومة على التعامل بفعالية. بدلاً من ذلك ، من خلال زيادة حجم دولة المدينة - أي من خلال توسيع منطقتها الجغرافية وسكانها - يمكن للمواطنين زيادة قدرة الحكومة على التعامل مع المشكلات المهمة ، ولكن فقط على حساب تقليل فرصهم في التأثير على الحكومة بشكل مباشر من خلال الجمعيات أو غيرها من الوسائل: استجابت العديد من دول المدن لهذه المعضلة من خلال تشكيل تحالفات أو اتحادات مع دول المدن الأخرى ومع الجمعيات السياسية الأكبر. لكن المشكلة لن تُحل أخيرًا حتى تطور الحكومة التمثيلية، والتي ظهرت لأول مرة في شمال أوروبا في القرن الثامن عشر.


نحو ديمقراطية تمثيلية: أوروبا وأمريكا الشمالية حتى القرن التاسع عشر


حتى القرن السابع عشر، تجاهل المنظرون الديمقراطيون والقادة السياسيون إلى حد كبير احتمال أن المجلس التشريعي قد لا يتكون من مجموعة كاملة من المواطنين، كما هو الحال في اليونان وروما، ولا من ممثلين يتم اختيارهم من قبل أو من قبل أوليغارشية صغيرة أو أرستقراطية وراثية، كما في الجمهوريات الايطالية. حدث انقطاع مهم في العقيدة السائدة أثناء وبعد الحروب الأهلية الإنجليزية (1642-1651)، عندما طالب المستويون وغيرهم من أتباع التزمت المتشدد بتمثيل أوسع في البرلمان، وسلطات موسعة لمجلس النواب في البرلمان، ومجلس العموم، والعالمية. حق التصويت للرجولة (انظر أدناه إنجلترا). كما هو الحال مع العديد من الابتكارات السياسية، نتجت الحكومة التمثيلية عن التخمينات الفلسفية بدرجة أقل من البحث عن حلول عملية لمشكلة بديهية إلى حد ما. ومع ذلك، فإن الاستيعاب الكامل للتمثيل في نظرية وممارسة الديمقراطية كان لا يزال على بعد أكثر من قرن.


التطورات الإقليمية


أوروبا القارية


حوالي 800 م ، بدأ الأحرار والنبلاء في أجزاء مختلفة من شمال قارة أوروبا في المشاركة مباشرة في الجمعيات المحلية ، والتي أضيفت إليها لاحقًا الجمعيات الإقليمية والوطنية المكونة من ممثلين ، تم انتخاب بعضهم أو جميعهم. في الوديان الجبلية لجبال الألب، تطورت هذه التجمعات إلى كانتونات تتمتع بالحكم الذاتي ، مما أدى في النهاية إلى تأسيس الاتحاد السويسري في القرن الثالث عشر. بحلول عام 900 ، كانت التجمعات المحلية للفايكنج تجتمع في العديد من مناطق الدول الاسكندنافية. في نهاية المطاف، أدرك الفايكنج أنهم بحاجة إلى جمعيات أكثر شمولاً للتعامل مع بعض المشاكل الأكبر ، وتم تطوير الجمعيات الإقليمية في النرويج والسويد والدنمارك. في عام 930 ، أنشأ أحفاد الفايكنج في آيسلندا أول مثال لما سيطلق عليه اليوم الجمعية الوطنية أو الهيئة التشريعية أو البرلمان - كل شيء. في القرون اللاحقة، تم إنشاء مؤسسات تمثيلية أيضًا في الدول القومية الناشئة النرويج والسويد والدنمارك وسويسرا وهولندا.


إنجلترا


من بين المجالس التي تم إنشاؤها في أوروبا خلال العصور الوسطى ، كان البرلمان الإنجليزي هو الأكثر تأثيرًا على تطور الحكومة التمثيلية. لم يكن نتاج تصميم أكثر من كونه نتيجة غير مقصودة للابتكارات الانتهازية، فقد نشأ البرلمان من المجالس التي دعا إليها الملوك لغرض معالجة المظالم وممارسة الوظائف القضائية. بمرور الوقت، بدأ البرلمان في التعامل مع الأمور المهمة للدولة، ولا سيما زيادة الإيرادات اللازمة لدعم سياسات وقرارات الملك. مع تفويض وظائفها القضائية بشكل متزايد إلى المحاكم، تطورت تدريجياً إلى هيئة تشريعية. بحلول نهاية القرن الخامس عشر، أظهر النظام الإنجليزي بعض السمات الأساسية للحكومة البرلمانية الحديثة: على سبيل المثال، يتطلب سن القوانين الآن تمرير مشاريع القوانين من قبل مجلسي البرلمان والموافقة الرسمية من الملك. ميزات مهمة أخرى لم تنشأ بعد ، ومع ذلك. سيطر النظام الملكي على الحياة السياسية في إنجلترا لعدة قرون بعد العصور الوسطى. خلال الحروب الأهلية الإنجليزية، التي قادها المتشددون المتطرفون من جانب واحد، تم إلغاء النظام الملكي وتم إنشاء جمهورية - الكومنولث - (1649)، على الرغم من استعادة النظام الملكي في عام 1660. وبحلول عام 1800 تقريبًا، ظهرت قوى مهمة، ولا سيما السلطات ذات الصلة لتعيين ومدة رئاسة الوزراء، انتقل إلى البرلمان. وقد تأثر هذا التطور بشدة بظهور الفصائل السياسية في البرلمان خلال السنوات الأولى من القرن الثامن عشر. أصبحت هذه الفصائل، المعروفة باسم اليمينيين والمحافظين، فيما بعد أحزابًا كاملة الأهلية. بالنسبة للملك والبرلمان على حد سواء، أصبح من الواضح بشكل متزايد أنه لا يمكن تمرير القوانين أو زيادة الضرائب دون دعم زعيم حزب المحافظين أو حزب المحافظين الذي يمكنه حشد أغلبية الأصوات في مجلس العموم. للحصول على هذا الدعم، اضطر الملك إلى اختيار زعيم حزب الأغلبية في مجلس العموم كرئيس للوزراء وقبول اقتراحات الزعيم لتشكيل مجلس الوزراء. أصبح وجوب استسلام الملك للبرلمان في هذه المنطقة واضحًا خلال أزمة دستورية في عام 1782 ، عندما اضطر الملك جورج الثالث (1760-1820) ، رغم إرادته كثيرًا ، لقبول رئيس الوزراء اليميني والحكومة - وهو وضع واعتبر ، بحسب أحد العلماء ، "انتهاكًا للدستور ، وهزيمة لسياسته ، وإهانة شخصية". بحلول عام 1830، أصبح المبدأ الدستوري القائل بأن اختيار رئيس الوزراء ، وبالتالي مجلس الوزراء ، المطروح على مجلس العموم ، راسخًا بقوة في الدستور البريطاني (غير المكتوب) ، ومع ذلك ، لم تكن الحكومة البرلمانية في بريطانيا نظامًا ديمقراطيًا بعد. بشكل رئيسي بسبب متطلبات الملكية، امتلك الامتياز حوالي 5 في المائة فقط من السكان البريطانيين فوق سن 20 عامًا. مدد قانون الإصلاح لعام 1832، الذي يُنظر إليه عمومًا على أنه عتبة تاريخية في تطور الديمقراطية البرلمانية في بريطانيا، حق الاقتراع إلى حوالي 7 في المائة من السكان البالغين (انظر قانون الإصلاح). سيتطلب الأمر مزيدًا من الإجراءات من البرلمان في أعوام 1867 و 1884 و 1918 لتحقيق حق الاقتراع العام للذكور وقانون آخر، سُن في عام 1928، لتأمين حق التصويت لجميع النساء البالغات.


الولايات المتحدة


في حين تم إثبات جدوى الحكومة التمثيلية من خلال تطوير البرلمان، أصبحت إمكانية الانضمام إلى التمثيل مع الديمقراطية واضحة تمامًا لأول مرة في حكومات المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية ثم في وقت لاحق في تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية. لقد فضلت الظروف في أمريكا الاستعمارية التطور المحدود لنظام التمثيل على نطاق أوسع من النظام المستخدم في بريطانيا العظمى. تضمنت هذه الظروف المسافة الشاسعة من لندن، مما أجبر الحكومة البريطانية على منح حكم ذاتي كبير للمستعمرات. وجود هيئات تشريعية استعمارية ينتخب فيها ناخبون ممثلون في مجلس واحد على الأقل؛ التوسع في حق الاقتراع، والذي شمل في بعض المستعمرات معظم الذكور البيض البالغين؛ انتشار ملكية الممتلكات، ولا سيما في الأرض؛ وتعزيز المعتقدات في الحقوق الأساسية والسيادة الشعبية، بما في ذلك الاعتقاد بأن المستعمرين، كمواطنين بريطانيين، لا ينبغي أن يدفعوا ضرائب لحكومة غير ممثلين فيها ("لا ضرائب بدون تمثيل"). حتى حوالي عام 1760، كان معظم المستعمرين موالين للوطن الأم ولم يفكروا في أنفسهم على أنهم يشكلون أمة منفصلة من "الأمريكيين". بعد أن فرضت بريطانيا ضرائب مباشرة على المستعمرات من خلال قانون الطوابع (1765) ، كانت هناك مظاهر عامة (وأحيانًا عنيفة) معارضة للقانون الجديد. في الصحف الاستعمارية، كانت هناك أيضًا زيادة حادة في استخدام مصطلح الأمريكيين للإشارة إلى السكان المستعمرين. ومن العوامل الأخرى التي ساعدت في تكوين هوية أمريكية متميزة، اندلاع الحرب مع بريطانيا عام 1775، والمشاق المشتركة والمعاناة التي تعرض لها الشعب خلال سنوات القتال العديدة، واعتماد إعلان الاستقلال عام 1776، وهروب العديد من الموالين إلى كندا وإنجلترا، والزيادة السريعة في السفر والتواصل بين الدول المستقلة حديثًا. إن إحساس المستعمرين بأنفسهم كشعب واحد، على الرغم من هشاشته، جعل من الممكن إنشاء كونفدرالية فضفاضة للولايات بموجب مواد الكونفدرالية في 1781-1889 وحكومة اتحادية موحدة بموجب الدستور في عام 1789. بسبب عدد السكان الضخم في البلاد الجديدة والحجم الهائل، كان من الواضح للمندوبين في المؤتمر الدستوري (1787) أن "شعب الولايات المتحدة"، كما أشارت إليهم الكلمات الافتتاحية في الدستور، يمكن أن يحكم أنفسهم في على المستوى الفدرالي فقط من خلال انتخاب الممثلين - وهي ممارسة كان المندوبون على دراية بها بالفعل، بالنظر إلى خبرتهم في حكومة الولاية، وأكثر من ذلك، تعاملاتهم مع الحكومة في بريطانيا. كانت الحكومة التمثيلية الجديدة بالكاد قائمة، عندما أصبح من الواضح أن مهمة تنظيم أعضاء الكونغرس والناخبين تتطلب وجود أحزاب سياسية، على الرغم من أن هذه الأحزاب كانت تعتبر خبيثة ومدمرة - "لعنة الجمهوريات "- من قبل المفكرين السياسيين والعديد من المندوبين إلى المؤتمر الدستوري.


 في نهاية المطاف، ستقدم الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة مرشحين للمناصب المحلية والولائية والوطنية وتتنافس بشكل علني وقوي في الانتخابات (انظر أدناه الفصائل والأحزاب)، وكان من الواضح أيضًا أن دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة تتطلب ممثلاً الحكومة في المستويات الأدنى - على سبيل المثال، الأقاليم والولايات والبلديات - مع سلطات محدودة في المقابل. على الرغم من أن حكومات الأقاليم والدول كانت بالضرورة تمثيلية، إلا أن التجمع المباشر للمواطنين في الاتحادات الأصغر كان ممكنًا ومرغوبًا فيه. في العديد من مدن نيو إنجلاند، على سبيل المثال، اجتمع المواطنون في اجتماعات، على النمط الأثيني ، لمناقشة المسائل المحلية والتصويت عليها. وهكذا، ساعد مواطنو الولايات المتحدة في تقديم إجابات جديدة على السؤال 1 - ما هي الوحدة أو الجمعية المناسبة داخل أي حكومة ديمقراطية يجب أن تُنشأ؟ - والسؤال الثالث - كيف يحكم المواطنون؟


ومع ذلك، فإن الإجابة الأمريكية على السؤال رقم 2 - من يجب أن يشكل دوموس؟ - على الرغم من أنها كانت متطرفة في وقتها، إلا أنها كانت وفقًا للمعايير اللاحقة غير مرضية للغاية. حتى مع توسيع حق الاقتراع على نطاق واسع بين الذكور البيض البالغين، فقد استمر في استبعاد شرائح كبيرة من السكان البالغين، مثل النساء والعبيد والعديد من السود المحررين والأمريكيين الأصليين. بمرور الوقت، ستُعتبر هذه الاستثناءات، مثل تلك التي كانت في الديمقراطيات والجمهوريات السابقة، غير ديمقراطية على نطاق واسع. ديمقراطية أم جمهورية؟


هل الديمقراطية هي أنسب اسم لنظام تمثيلي واسع النطاق مثل نظام الولايات المتحدة المبكرة؟ في نهاية القرن الثامن عشر ، ترك تاريخ المصطلحات التي تعني معناها الحرفي "حكم الشعب" - الديمقراطية والجمهورية - الإجابة غير واضحة. تم تطبيق كلا المصطلحين على الأنظمة المستندة إلى التجميع في اليونان وروما ، على الرغم من عدم قيام أي من النظامين بتعيين سلطات تشريعية لممثلين منتخبين من قبل أعضاء دوموس. كما هو مذكور أعلاه، حتى بعد توسيع الجنسية الرومانية خارج المدينة نفسها ومنع أعداد متزايدة من المواطنين من المشاركة في الحكومة بسبب الوقت والنفقات ومشقة السفر إلى المدينة، لم يتم استبدال نظام التجمعات الروماني المعقد أبدًا بـ حكومة نواب - برلمان - منتخب من قبل جميع المواطنين الرومان. أطلق الفينيسيون أيضًا على حكومة مدينتهم الشهيرة جمهورية، رغم أنها بالتأكيد لم تكن ديمقراطية.


عندما اجتمع أعضاء المؤتمر الدستوري للولايات المتحدة في عام 1787، كانت المصطلحات لا تزال غير مستقرة. لم يتم استخدام الديمقراطية والجمهورية بشكل متبادل إلى حد ما في المستعمرات فحسب، ولكن لم يتم استخدام مصطلح ثابت لحكومة تمثيلية "من قبل الشعب". في الوقت نفسه، كان النظام البريطاني يتحرك بسرعة نحو حكومة برلمانية كاملة. لو التقى واضعو دستور الولايات المتحدة بعد جيلين ، عندما كان فهمهم لدستور بريطانيا مختلفًا اختلافًا جذريًا ، لربما استنتجوا أن النظام البريطاني لم يتطلب سوى توسيع جمهور الناخبين لتحقيق إمكاناته الديمقراطية الكاملة. وبالتالي، ربما يكونون قد تبنوا شكلاً برلمانيًا من الحكومة. فقد شرعوا في محاولة غير مسبوقة كليًا لبناء حكومة دستورية لبلد كبير بالفعل ومتوسع باستمرار ، ولم يكن بإمكان واضعي الصياغة أن يكون لديهم فكرة واضحة عن كيفية عمل تجربتهم في التمرين. خوفًا من القوة التدميرية لـ "الفصائل" ، على سبيل المثال ، لم يتوقعوا أنه في بلد يتم فيه سن القوانين من قبل ممثلين يختارهم الشعب في انتخابات منتظمة وتنافسية ، تصبح الأحزاب السياسية بالضرورة مؤسسات ذات أهمية أساسية. نظرًا للارتباك الموجود حول المصطلحات، فليس من المستغرب أن يستخدم واضعو الصياغة مصطلحات مختلفة لوصف الحكومة الجديدة التي اقترحوها. بعد بضعة أشهر من تأجيل المؤتمر الدستوري، اقترح جيمس ماديسون، الرئيس الرابع للولايات المتحدة في المستقبل، استخدامًا من شأنه أن يكون له تأثير دائم داخل البلاد وإن كان قليلاً في مكان آخر. في " الفيدرالية 10 “، وهو واحد من 85 مقالة كتبها ماديسون وألكساندر هاملتون وجون جاي والمعروفين مجتمعين باسم الصحف الفيدرالية، عرّف ماديسون "الديمقراطية النقية" على أنها "مجتمع يتكون من عدد صغير من المواطنين ، الذين يجمعون ويديرون الحكومة شخصيًا "والجمهورية باعتبارها" حكومة يتم فيها مخطط التمثيل ". وفقًا لماديسون، "نقطتا الاختلاف الكبيرتان بين الديمقراطية والجمهورية، هما: أولاً، تفويض الحكومة، وفي الأخيرة، لعدد قليل من المواطنين المنتخبين من قبل البقية؛ ثانيًا، كلما زاد عدد المواطنين، واتسع نطاق البلد، الذي يمكن أن يمتد عليه الأخير ". باختصار، تعني الديمقراطية بالنسبة إلى ماديسون الديمقراطية المباشرة، والجمهورية تعني حكومة تمثيلية.


حتى بين معاصريه، كان رفض ماديسون تطبيق مصطلح الديمقراطية على الحكومات التمثيلية، حتى تلك القائمة على قاعدة عريضة من الناخبين، أمرًا منحرفًا. في نوفمبر 1787، بعد شهرين فقط من تأجيل المؤتمر، اقترح جيمس ويلسون، أحد الموقعين على إعلان الاستقلال، تصنيفًا جديدًا. كتب: "إن ثلاثة أنواع من الحكومات هي الملكية والأرستقراطية والديمقراطية. في النظام الملكي، تناط السلطة العليا بشخص واحد؛ في الأرستقراطية ... من قبل هيئة لم تتشكل على أساس مبدأ التمثيل، ولكن تتمتع بمركزها عن طريق النسب، أو الانتخاب فيما بينها ، أو بحق بعض المؤهلات الشخصية أو الإقليمية ؛ وأخيرًا ، في الديمقراطية ، فهي متأصلة في الشعب ، ويمارسها هم أو ممثلوهم ". بتطبيق هذا الفهم للديمقراطية على الدستور المعتمد حديثًا ، أكد ويلسون أنه "في مبادئه ، ... إنه ديمقراطي بحت: يتنوع بالفعل في شكله من أجل الاعتراف بجميع المزايا ، واستبعاد جميع المساوئ التي تكون عرضية على المعروف وأسس دساتير الحكومة. ولكن عندما نلقي نظرة شاملة ودقيقة على تيارات القوة التي تظهر من خلال هذه الخطة العظيمة والشاملة ... سنكون قادرين على تتبعها إلى مصدر واحد عظيم ونبيل ، الشعب. " في مؤتمر المصادقة على ولاية فرجينيا بعد بضعة أشهر ، أعلن جون مارشال ، رئيس المحكمة العليا الأمريكية المستقبلي ، أن "الدستور ينص على" ديمقراطية منظمة جيدًا "حيث لا يمكن لأي ملك أو رئيس أن يقوض حكومة تمثيلية". الحزب السياسي الذي ساعد في تنظيمه وقيادته بالتعاون مع توماس جيفرسون، المؤلف الرئيسي لإعلان الاستقلال والرئيس الثالث المستقبلي للولايات المتحدة، كان اسمه الحزب الجمهوري الديمقراطي؛ تبنى الحزب اسمه الحالي، الحزب الديمقراطي، في عام 1844.


بعد زيارته للولايات المتحدة في 1831-1832، أكد عالم السياسة الفرنسي ألكسيس دي توكفيل بعبارات لا لبس فيها أن الدولة التي لاحظها كانت دولة ديمقراطية - في الواقع، أول ديمقراطية تمثيلية في العالم، حيث كان المبدأ الأساسي للحكومة " سيادة الشعب ". وصل تقدير توكفيل لنظام الحكم الأمريكي إلى جمهور عريض في أوروبا وخارجها من خلال دراسته الضخمة المكونة من أربع مجلدات "الديمقراطية في أمريكا" (1835-40).


حل المعضلة


وهكذا، بحلول نهاية القرن الثامن عشر، تغيرت فكرة وممارسة الديمقراطية بشكل عميق. أدرك المنظرون السياسيون ورجال الدولة الآن ما رآه المستويون سابقًا، وهو أن الممارسة غير الديمقراطية للتمثيل يمكن استخدامها لجعل الديمقراطية عملية في الدول القومية الكبيرة في العصر الحديث. بعبارة أخرى، كان التمثيل هو الحل للمعضلة القديمة بين تعزيز قدرة الجمعيات السياسية على التعامل مع المشكلات واسعة النطاق والحفاظ على فرصة المواطنين للمشاركة في الحكومة، وبالنسبة لبعض أولئك الذين غارقون في التقاليد القديمة، كان الاتحاد لقد بدا التمثيل والديمقراطية اختراعًا رائعًا وعصريًا. في أوائل القرن التاسع عشر، أصر المؤلف الفرنسي ديستوت دي تريسي، مخترع مصطلح إيديولوجيا، على أن التمثيل قد جعل مذاهب كل من مونتسكيو وجان جاك روسو بالية، وكلاهما أنكر أن الحكومات التمثيلية أن تكون ديمقراطيًا حقًا (انظر أدناه مونتسكيو وروسو). كتب: "التمثيل، أو الحكومة التمثيلية، يمكن اعتباره اختراعًا جديدًا، غير معروف في زمن مونتسكيو. ... الديمقراطية التمثيلية ... هي الديمقراطية التي أصبحت عملية لفترة طويلة وعلى مساحة كبيرة من الأراضي." أعلن الفيلسوف الإنجليزي جيمس ميل في عام 1820 أن "نظام التمثيل" هو "الاكتشاف الكبير للعصر الحديث" الذي يمكن أن يتم فيه "إيجاد حل لجميع الصعوبات، التخمينية والعملية". بعد جيل واحد، استنتج ابن ميل، الفيلسوف جون ستيوارت ميل، في كتابه "اعتبارات الحكومة التمثيلية" (1861) أن "النوع المثالي للحكومة المثالية" سيكون ديمقراطيًا وتمثيليًا. تنبئ بالتطورات التي ستحدث في القرن العشرين، تضمنت الديمقراطية التمثيلية لدوموس ميل النساء.


إجابات جديدة على الأسئلة القديمة


حق التصويت


لم يكن التمثيل هو الابتكار الراديكالي الوحيد في الأفكار والمؤسسات الديمقراطية. وعلى نفس القدر من الثورية كانت الإجابات الجديدة التي قُدمت ، في القرنين التاسع عشر والعشرين ، لبعض الأسئلة الأساسية المذكورة سابقًا. يتعلق أحد التطورات المهمة بالسؤال الثاني - من الذي يجب أن يشكل الدوموس؟ في القرن التاسع عشر ، تم تخفيض متطلبات الملكية الخاصة بالتصويت وإزالتها في النهاية. كان استبعاد النساء من الدوموس موضع تحدٍ متزايد - ليس أقله من قبل النساء أنفسهن. ابتداءً من نيوزيلندا في عام 1893، منحت المزيد والمزيد من البلدان حق الاقتراع للمرأة وحقوقها السياسية الأخرى، وبحلول منتصف القرن العشرين أصبحت النساء أعضاء كاملين ومتساوين في الدوموس في جميع البلدان التي اعتبرت نفسها ديمقراطية تقريبًا - على الرغم من أن سويسرا رائدة في تأسيس حق الاقتراع العام للذكور في عام 1848، لم يمنح المرأة حق التصويت في الانتخابات الوطنية حتى عام 1971 (انظر حق المرأة في الاقتراع). على الرغم من أن الولايات المتحدة منحت المرأة حق التصويت في عام 1920 (من خلال التعديل التاسع عشر)، استمر استبعاد هام آخر لما يقرب من نصف قرن: تم منع الأمريكيين الأفارقة، بوسائل قانونية وغير قانونية، من التصويت وأشكال أخرى من النشاط السياسي، في المقام الأول في الجنوب ولكن أيضًا في مناطق أخرى من البلاد. لم يتم قبولهم فعليًا في الدوموس الأمريكي إلا بعد إقرار قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وتطبيقه بصرامة.


وهكذا، في القرنين التاسع عشر والعشرين، تم توسيع دوموس تدريجياً لتشمل جميع المواطنين البالغين. على الرغم من أن القضايا المهمة ظلت غير محلولة - على سبيل المثال، هل يحق للمقيمين الأجانب القانونيين الدائمين في بلد ما التصويت؟ - أصبح مثل هذا الدوموس الموسع شرطًا جديدًا للديمقراطية نفسها. بحلول منتصف القرن العشرين، لم يكن من الممكن تسمية أي نظام لا يشمل دوموس جميع المواطنين البالغين بأنه "ديمقراطي".


الفصائل والأحزاب


في العديد من الديمقراطيات والجمهوريات المدينة-الدولة، يتألف جزء من الإجابة على السؤال 3 - ما هي المؤسسات السياسية الضرورية للحكم؟ - من "الفصائل"، بما في ذلك المجموعات غير الرسمية والأحزاب السياسية المنظمة. بعد ذلك بوقت طويل، طورت الديمقراطيات التمثيلية في العديد من البلدان أحزابًا سياسية لاختيار المرشحين للانتخابات البرلمانية ولتنظيم الدعم البرلماني (أو معارضة) رئيس الوزراء وحكومته. ومع ذلك، في نهاية القرن الثامن عشر، واصل المنظرون السياسيون البارزون مثل مونتسكيو اعتبار الفصائل خطرًا عميقًا على الديمقراطيات والجمهوريات. كان هذا الرأي شائعًا أيضًا في المؤتمر الدستوري للولايات المتحدة، حيث جادل العديد من المندوبين بأن الحكومة الجديدة ستخضع حتماً لسيطرة الفصائل وإساءة استخدامها ما لم يكن هناك نظام قوي من الضوابط والتوازنات الدستورية.


وقيل إن الفصائل خطيرة لسببين على الأقل. أولاً ، الفصيل هو بحكم تعريفه مجموعة تتعارض مصالحها مع الصالح العام. كما قال ماديسون في " الفيدرالية 10 ": "من خلال فصيل ، أفهم عددًا من المواطنين ، سواء كانوا يمثلون أغلبية أو أقلية من الكل ، الذين يتحدون ويحفزهم دافع مشترك من العاطفة أو الاهتمام ، ضد حقوق المواطنين الآخرين ، أو المصالح الدائمة والمجمعة للمجتمع ". ثانيًا ، تُظهر التجربة التاريخية أنه قبل القرن الثامن عشر ، كان وجود الفصائل في الديمقراطية أو الجمهورية يميل إلى تقويض استقرار حكومتها. كتب ماديسون أن "عدم الاستقرار والظلم والارتباك الذي أدخلته الفصائل على المجالس العامة" كانت "الأمراض المميتة التي هلكت الحكومات الشعبية في ظلها في كل مكان". ومن المثير للاهتمام، أن ماديسون استخدم الخطر المفترض للفصائل كحجة لصالح اعتماد الدستور الجديد. نظرًا لأن الولايات المتحدة، مقارنة بالجمهوريات السابقة، سيكون لديها عدد أكبر من المواطنين ومساحة أكبر بكثير ، فإن تنوع المصالح بين سكانها سيكون أكبر بكثير ، مما يجعل تشكيل فصائل كبيرة أو قوية أقل احتمالًا. وبالمثل، فإن ممارسة سلطة الحكومة من قبل الممثلين وليس مباشرة من قبل الشعب من شأنه "تنقيح وتوسيع وجهات النظر العامة، من خلال تمريرها عبر وسيط هيئة مختارة من المواطنين ، الذين قد تدرك حكمتهم المصلحة الحقيقية لبلدهم بشكل أفضل.


أما بالنسبة للأحزاب السياسية، سرعان ما أدرك ماديسون - على الرغم من إيمانه بالضرر الجوهري للفصائل - أن الأحزاب السياسية في الديمقراطية التمثيلية ليست ممكنة قانونيًا وضرورية وحتمية فحسب، بل هي أيضًا مرغوبة. كانت ممكنة قانونًا بسبب الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور. كانت ضرورية من أجل هزيمة الفدراليين، الذين عارضوا سياساتهم المركزية ماديسون وجيفرسون والعديد من الآخرين بشدة (انظر الحزب الفيدرالي). لأن الأحزاب كانت ممكنة وضرورية على حد سواء، فسيتم إنشاؤها حتمًا. أخيرًا، كانت الأحزاب مرغوبة أيضًا، لأنها من خلال المساعدة على حشد الناخبين في جميع أنحاء البلاد وفي الهيئة التشريعية، مكنت الأغلبية من التغلب على معارضة الأقلية، وقد شارك في هذا الرأي المفكرون السياسيون في البلدان الأخرى التي كانت ديمقراطية فيها. أشكال الحكومة كانت تتطور. بحلول نهاية القرن التاسع عشر، كان من المقبول عالميًا تقريبًا أن وجود أحزاب سياسية مستقلة وقادرة على المنافسة هو معيار أساسي يجب أن تفي به كل ديمقراطية.


حكم الأغلبية، حقوق الأقليات، استبداد الأغلبية


كان الخوف من "استبداد الأغلبية" موضوعًا شائعًا في القرن السابع عشر وما بعده، حتى بين أولئك الذين كانوا متعاطفين مع الديمقراطية. وقيل إنه إذا أتيحت الفرصة، فإن الأغلبية ستدوس بالتأكيد الحقوق الأساسية للأقليات. كان يُنظر إلى حقوق الملكية على أنها ضعيفة بشكل خاص، حيث من المفترض أن أي أغلبية من المواطنين الذين يمتلكون القليل من الممتلكات أو لا يملكون أي ممتلكات قد تميل إلى انتهاك حقوق الأقلية المالكة. وقد شارك ماديسون ومندوبون آخرون في هذه المخاوف وأثرت بشدة على الوثيقة التي قاموا بإنشائها. هنا أيضًا، تغيرت وجهات نظر ماديسون بعد التفكير في الديمقراطية الأمريكية الناشئة ومراقبتها. في رسالة عام 1833، كتب، "يجب أن يرفع صوته ضد الإدانة الجارفة لحكومات الأغلبية باعتبارها أكثر الحكومات استبدادًا ولا تطاق. ... [لا] حكومة ذات جهاز بشري و يمكن أن تكون الإدارة البشرية مثالية ... أدت انتهاكات جميع الحكومات الأخرى إلى تفضيل الحكومة الجمهورية على أنها الأفضل بين جميع الحكومات، لأنها الأقل عيوبًا ؛ [و] المبدأ الحيوي للحكومات الجمهورية هو قانون الأحزاب ، إرادة الأغلبية ". تم تخفيف الخوف من الفصائل وتم التخلي عنه أخيرًا بعد أن أدرك القادة في مختلف البلدان الديمقراطية أنه يمكنهم إنشاء العديد من الحواجز أمام حكم الأغلبية غير المقيد ، والتي لن يتعارض أي منها بشكل واضح مع المبادئ الديمقراطية الأساسية. وبالتالي ، يمكنهم دمج قانون الحقوق في الدستور (انظر قانون الحقوق الإنجليزية ووثيقة الحقوق الأمريكية) ؛ تتطلب أغلبية ساحقة من الأصوات - مثل الثلثين أو ثلاثة أرباع - للتعديلات الدستورية وأنواع أخرى مهمة من التشريعات ؛ تقسيم السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية للحكومة إلى فروع منفصلة (انظر فصل السلطات) ؛ منح سلطة قضائية مستقلة سلطة إعلان عدم دستورية القوانين أو السياسات وبالتالي عدم وجود قوة القانون؛ اعتماد ضمانات دستورية لحكم ذاتي كبير للولايات أو المقاطعات أو المناطق؛ ينص بموجب القانون على لامركزية الحكومة للمجموعات الإقليمية مثل البلدات والمقاطعات والمدن؛ أو اعتماد نظام التمثيل النسبي ، والذي بموجبه تكون نسبة المقاعد التشريعية الممنوحة لحزب ما هي تقريبًا نفس نسبة الأصوات التي تم الإدلاء بها للحزب أو مرشحيه. في مثل هذا النظام التعددي، تتكون الوزارات من ممثلين من حزبين أو أكثر، مما يضمن احتفاظ الأقليات بصوت مهم في الحكومة. وعلى الرغم من استمرار الخلاف بين المنظرين السياسيين حول أفضل السبل لتأثير حكم الأغلبية في الأنظمة الديمقراطية، إلا أنه يبدو من الواضح أن الأغلبية لا يمكن أن تنتهك بشكل شرعي الحقوق الأساسية للمواطنين. كما لا يحق للأقليات منع إنفاذ القوانين والسياسات المصممة لحماية هذه الحقوق الأساسية. باختصار، لأن الديمقراطية ليست فقط نظامًا سياسيًا "للحكم من قبل الشعب" ولكن بالضرورة أيضًا نظام حقوق، فإن الحكومة التي تنتهك هذه الحقوق هي إلى هذا الحد غير ديمقراطية.


انتشار الديمقراطية في القرن العشرين


خلال القرن العشرين، ازداد عدد البلدان التي تمتلك المؤسسات السياسية الأساسية للديمقراطية التمثيلية بشكل ملحوظ. في بداية القرن الحادي والعشرين، اتفق المراقبون المستقلون على أن أكثر من ثلث الدول المستقلة اسميًا في العالم تمتلك مؤسسات ديمقراطية مماثلة لتلك الموجودة في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية والديمقراطيات الأقدم في أوروبا القارية. في سدس إضافي من دول العالم، فإن هذه المؤسسات، على الرغم من عيوبها إلى حد ما، قدمت مع ذلك مستويات عالية تاريخيًا من الحكومة الديمقراطية. إجمالاً، احتوت هذه البلدان الديمقراطية وشبه الديمقراطية على ما يقرب من نصف سكان العالم. ما سبب هذا التوسع السريع للمؤسسات الديمقراطية؟


فشل الأنظمة غير الديمقراطية


جزء مهم من التفسير هو أن جميع البدائل الرئيسية للديمقراطية - سواء من أصول قديمة أو حديثة - عانت من إخفاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية وعسكرية قللت بشكل كبير من جاذبيتها. مع انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، لم تعد الأنظمة القديمة للملكية والأرستقراطية والأوليغارشية شرعية. بعد الهزيمة العسكرية لإيطاليا وألمانيا في الحرب العالمية الثانية، فقد البديل الجديد للفاشية المصداقية بالمثل، كما كانت الشيوعية على النمط السوفيتي بعد الانهيار الاقتصادي والسياسي للاتحاد السوفيتي في 1990-1991. ساهمت إخفاقات مماثلة في الاختفاء التدريجي للديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية في الثمانينيات والتسعينيات.


اقتصاديات السوق


رافقت هذه التغييرات الأيديولوجية والمؤسسية تغييرات في المؤسسات الاقتصادية. مكنت الاقتصادات شديدة المركزية الخاضعة لسيطرة الدولة القادة السياسيين من استخدام وصولهم الفوري إلى الموارد الاقتصادية لمكافأة حلفائهم ومعاقبة منتقديهم. مع استبدال هذه الأنظمة بمزيد من اقتصادات السوق اللامركزية، انخفضت قوة وتأثير كبار المسؤولين الحكوميين. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الشروط التي كانت ضرورية للتشغيل الناجح لاقتصادات السوق ساهمت أيضًا في تطوير الديمقراطية: سهولة الوصول إلى المعلومات الموثوقة، ومستويات التعليم العالية نسبيًا، وسهولة التنقل الشخصي، وسيادة القانون. مع توسع اقتصادات السوق ونمو الطبقات الوسطى بشكل أكبر وأكثر نفوذاً، ازداد الدعم الشعبي لمثل هذه الظروف، وغالبًا ما كان مصحوبًا بمطالب لمزيد من الديمقراطية.


وضع اقتصادي صحي


ساهمت تنمية اقتصادات السوق في انتشار الديمقراطية بطرق أخرى أيضًا. مع تحسن الرفاه الاقتصادي لقطاعات كبيرة من سكان العالم تدريجياً، كذلك ازدادت احتمالية بقاء وازدهار المؤسسات الديمقراطية المنشأة حديثًا. بشكل عام، المواطنون في البلدان الديمقراطية التي تعاني من فقر مزمن أكثر عرضة لنداءات الديماغوجيين المعادين للديمقراطية الذين يعدون بحلول بسيطة وفورية لمشاكل بلادهم الاقتصادية. وعليه، فإن الازدهار الاقتصادي الواسع النطاق في بلد ما يزيد بشكل كبير من فرص نجاح الحكومة الديمقراطية، في حين أن انتشار الفقر يزيد بشكل كبير من فرص فشلها.


الثقافة السياسية


خلال القرن العشرين، استمرت الديمقراطية في الوجود في بعض البلدان على الرغم من فترات الأزمة الدبلوماسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية الحادة، مثل تلك التي حدثت خلال السنوات الأولى من الكساد الكبير. يُعزى بقاء المؤسسات الديمقراطية في هذه البلدان جزئيًا إلى وجود ثقافة من المعتقدات والقيم الديمقراطية المشتركة على نطاق واسع في مجتمعاتها. يتم اكتساب هذه المواقف في وقت مبكر من الحياة من الأجيال الأكبر سناً، وبالتالي تصبح جزءًا لا يتجزأ من آراء الناس عن أنفسهم وبلدهم والعالم. في البلدان التي تكون فيها الثقافة الديمقراطية ضعيفة أو غائبة، كما كان الحال في جمهورية فايمار الألمانية في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، تكون الديمقراطية أكثر ضعفًا، ومن المرجح أن تؤدي فترات الأزمات إلى العودة إلى نظام غير ديمقراطي.


الأنظمة الديمقراطية المعاصرة


أدت الاختلافات بين الدول الديمقراطية في التجربة التاريخية والحجم والتكوين العرقي والديني وعوامل أخرى إلى اختلافات كبيرة في مؤسساتها السياسية. فيما يلي بعض الميزات التي اختلفت فيها هذه المؤسسات.


الأنظمة الرئاسية والبرلمانية


في حين تم اعتماد نسخ من النظام الرئاسي الأمريكي بشكل متكرر في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأماكن أخرى في العالم النامي (حيث قام الجيش أحيانًا بتحويل المكتب إلى ديكتاتورية من خلال الانقلاب) ، كما قامت الدول الأوروبية بإضفاء الطابع الديمقراطي عليها تبنت نسخًا من النظام البرلماني الإنجليزي ، الذي استخدم كل من رئيس الوزراء المسؤول أمام البرلمان ورئيس الدولة الشرفي (الذي قد يكون إما ملكًا وراثيًا ، كما هو الحال في الدول الاسكندنافية وهولندا وإسبانيا ، أو رئيسًا يختاره البرلمان أو من قبل هيئة أخرى تُستدعى خصيصًا لهذا الغرض). والاستثناء الملحوظ هو فرنسا، التي جمعت في دستورها الخامس المعتمد عام 1958 بين نظامها البرلماني ونظام رئاسي.


الأنظمة الموحدة والاتحادية


في معظم الديمقراطيات الأوروبية والديمقراطيات الناطقة بالإنجليزية، تكمن السلطة السياسية في الحكومة المركزية، المخولة دستوريًا بتحديد السلطات المحدودة، فضلاً عن الحدود الجغرافية، للجمعيات دون الوطنية مثل الولايات والمناطق. تتناقض مثل هذه الأنظمة الوحدوية بشكل ملحوظ مع الأنظمة الفيدرالية، حيث يتم تقسيم السلطة دستوريًا بين الحكومة المركزية وحكومات الكيانات دون الوطنية المستقلة نسبيًا. الدول الديمقراطية التي اعتمدت أنظمة فيدرالية تشمل - بالإضافة إلى الولايات المتحدة - سويسرا وألمانيا والنمسا وإسبانيا وكندا وأستراليا. كما تتمتع الهند، الدولة الديمقراطية الأكثر تعدادًا للسكان، بنظام فيدرالي.


الأنظمة النسبية والفائز يأخذ كل شيء


الترتيبات الانتخابية تختلف اختلافا كبيرا. تقسم بعض الدول الديمقراطية أراضيها إلى دوائر انتخابية، يحق لكل منها الحصول على مقعد واحد في المجلس التشريعي، حيث يفوز بالمقعد المرشح الذي يفوز بأكبر عدد من الأصوات - ومن هنا تأتي الشروط أولاً بعد المنصب في بريطانيا والفائز يأخذ كل شيء الولايات المتحدة. كما يشير منتقدو هذا النظام، في الدوائر المتنازع عليها من قبل أكثر من مرشحين اثنين، من الممكن الحصول على المقعد بأقل من أغلبية صارمة من الأصوات (50٪ زائد واحد). نتيجة لذلك، فإن الحزب الذي يحصل على أقلية فقط من الأصوات في البلد بأكمله يمكنه الفوز بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي. تم تصميم أنظمة التمثيل النسبي لضمان التوافق الوثيق بين نسبة الأصوات المدلى بها للحزب ونسبة المقاعد التي يحصل عليها. مع استثناءات قليلة، تبنت الدول الأوروبية القارية شكلاً من أشكال التمثيل النسبي، كما فعلت أيرلندا وأستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية. تظل أنظمة الفائز يأخذ كل شيء في الولايات المتحدة، وكندا، وللانتخابات البرلمانية في بريطانيا.


أنظمة الحزبين والتعددية


لأن التمثيل النسبي لا يفضل الأحزاب الكبيرة على الأحزاب الصغيرة، كما يفعل نظام الفائز يأخذ كل شيء، في البلدان ذات التمثيل النسبي، هناك دائمًا ثلاثة أحزاب أو أكثر ممثلة في المجلس التشريعي، وحكومة ائتلافية (انظر أيضًا ائتلاف) من حزبين أو أكثر ضروري في العادة لكسب التأييد التشريعي لسياسات الحكومة. وهكذا فإن انتشار التمثيل النسبي يضمن بشكل فعال أن الحكومات الائتلافية هي القاعدة في البلدان الديمقراطية؛ الحكومات المكونة من حزبين فقط، مثل حكومة الولايات المتحدة، نادرة للغاية.


أنظمة الأغلبية والتراضي


بسبب الاختلافات في الأنظمة الانتخابية وعوامل أخرى، تختلف الدول الديمقراطية فيما يتعلق بما إذا كان يمكن سن القوانين والسياسات من قبل حزب واحد متماسك نسبيًا بأغلبية تشريعية، كما هو الحال عادةً في بريطانيا واليابان، أو بدلاً من ذلك تتطلب إجماعًا بين العديد من الأطراف ذات وجهات النظر المتنوعة، كما هو الحال في سويسرا وهولندا والسويد وإيطاليا وغيرها. يختلف علماء السياسة وغيرهم حول أي من نوعي النظام، الأكثرية أم التوافقي، هو الأكثر تفضيلًا. يجادل منتقدو الأنظمة التوافقية بأنهم يسمحون لأقلية من المواطنين باستخدام حق النقض ضد السياسات التي لا يحبونها، وأنهم يجعلون مهام تشكيل الحكومات وإصدار التشريعات صعبة للغاية. يؤكد المؤيدون أن الترتيبات التوافقية تنتج دعمًا عامًا أوسع نسبيًا لسياسات الحكومة وحتى تساعد على زيادة الشرعية والقيمة المتصورة للديمقراطية نفسها.


هنا مرة أخرى، يبدو أن المؤسسات السياسية الأساسية لأي بلد تحتاج إلى تكييفها وفقًا لظروفها الخاصة وخبرتها التاريخية. من المحتمل أن يكون نظام الأغلبية القوي لبريطانيا غير مناسب في سويسرا، في حين أن الترتيبات التوافقية لسويسرا أو هولندا قد تكون أقل إرضاءً في بريطانيا.


نظرية الديمقراطية


أفكار ديمقراطية من بريكليس إلى راولز


بريكليس


في خطبة جنازة عام 430 قبل الميلاد لأولئك الذين سقطوا في الحرب البيلوبونيسية ، وصف الزعيم الأثيني بريكليس أثينا الديمقراطية بأنها "مدرسة هيلاس". وأعلن أن من بين الصفات النموذجية العديدة للمدينة دستورها، الذي "يفضل الكثيرين بدلاً من القلائل. وهذا هو سبب تسميتها بالديمقراطية ". وتابع بريكليس: "إذا نظرنا إلى القوانين، فإنها توفر عدالة متساوية للجميع في خلافاتهم الشخصية؛ إذا كانت المكانة الاجتماعية، فإن التقدم في الحياة العامة يقع على عاتق سمعة القدرة، ولا يُسمح للاعتبارات الطبقية بالتدخل في الجدارة؛ ولا الفقر يمنع الطريق مرة أخرى. إذا كان الإنسان قادرًا على خدمة الدولة، فلا يعوقه غموض حالته. تمتد الحرية التي نتمتع بها في حكومتنا أيضًا إلى حياتنا العادية "


أرسطو


بعد قرن من الزمان، ناقش أرسطو الديمقراطية من حيث أن تصبح مؤثرة للغاية في الدراسات المقارنة للأنظمة السياسية. في صميم نهجه يكمن مفهوم "الدستور"، الذي يعرّفه بأنه "تنظيم مكاتب، يوزعها جميع المواطنين فيما بينهم، وفقًا للسلطة التي تمتلكها الطبقات المختلفة". ويخلص إلى أنه "يجب بالتالي أن يكون هناك العديد من أشكال الحكم بقدر ما توجد أنماط لترتيب المكاتب، وفقًا لتفوق واختلاف أجزاء الدولة". على الرغم من كونه واقعيًا على الإطلاق، فقد أشار إلى أن "أفضل [حكومة] غالبًا ما تكون بعيدة المنال، وبالتالي يجب أن يكون المشرع ورجل الدولة الحقيقي على دراية، ليس فقط بـ (1) ما هو الأفضل في النظرة المجردة، ولكن أيضًا (2) الأفضل نسبيًا بالنسبة للظروف ". يحدد أرسطو ثلاثة أنواع من التكوين المثالي - كل منها يصف موقفًا يسعى فيه من يحكم إلى الصالح العام - وثلاثة أنواع مقابلة من الدستور المنحرف - يصف كل منها موقفًا يسعى فيه من يحكم إلى تحقيق أهداف ضيقة وأنانية. يتم التمييز بين الأنواع الثلاثة للدستور، المثالية والمنحرفة، من خلال عدد الأشخاص المسموح لهم بالحكم. وهكذا فإن "حكم الفرد" هو الملكية في شكلها المثالي والطغيان في شكله المنحرف (انظر الطاغية)؛ "حكم القلة" هو الأرستقراطية في شكلها المثالي والأوليغارشية في شكلها المنحرف. و "حكم الكثيرين" هو "نظام حكم" في شكله المثالي وديمقراطية في شكله المنحرف.  لقد ساد مخطط أرسطو العام لأكثر من ألفي عام، على الرغم من أن تعريفه غير المتعاطف والمحير للديمقراطية - والذي ربما لم يعكس آراء معظم اليونانيين في عصره - لم يفعل ذلك. اتخذ أرسطو نفسه وجهة نظر أكثر تفضيلاً للديمقراطية في دراساته عن تنوع واستقرار وتكوين الحكومات الديمقراطية الفعلية. في ملاحظته أن "الحرية هي أساس الدولة الديمقراطية"، اقترح أرسطو وجود صلة بين أفكار الديمقراطية والحرية والتي سيتم التأكيد عليها بقوة من قبل جميع دعاة الديمقراطية اللاحقين.


لوك


بعد ما يقرب من عشرين قرنا من أرسطو، تبنى الفيلسوف الإنجليزي جون لوك العناصر الأساسية للتصنيف الأرسطي للدساتير في أطروحته الثانية عن الحكومة المدنية (1690).


على عكس أرسطو، كان لوك مؤيدًا لا لبس فيه للمساواة السياسية والحرية الفردية والديمقراطية وحكم الأغلبية. على الرغم من أن عمله كان تجريديًا إلى حد ما بشكل طبيعي وليس برنامجًا بشكل خاص، إلا أنه قدم أساسًا فلسفيًا قويًا للتنظير الديمقراطي والبرامج السياسية في وقت لاحق.


شرعية الحكومة


وفقًا للوك، في "حالة الطبيعة" الافتراضية التي سبقت إنشاء المجتمعات البشرية، يعيش الرجال "بعضهم على قدم المساواة دون خضوع أو خضوع" ، وهم أحرار تمامًا في التصرف والتخلص من ممتلكاتهم كما يرون مناسبًا. ضمن حدود القانون الطبيعي. من هذه المقدمات وغيرها، يستنتج لوك أن المجتمع السياسي - أي الحكومة - بقدر ما هو شرعي، يمثل عقدًا اجتماعيًا بين أولئك الذين "وافقوا على تكوين مجتمع أو حكومة واحدة ... حيث يحق للأغلبية التصرف وإبرام البقية." أصبحت هاتان الفكرتان - موافقة المحكومين وحكم الأغلبية - مركزية في جميع نظريات الديمقراطية اللاحقة. بالنسبة إلى لوك، فإنهما مرتبطان ارتباطًا لا ينفصم: "لأنه إذا كانت موافقة الأغلبية غير منطقية، يتم تلقيها، كعمل الكل، وتنتهي كل فرد؛ لا شيء سوى موافقة كل فرد يمكن أن تجعل أي شيء فعلًا كليًا: لكن مثل هذه الموافقة أقرب إلى المستحيل الحصول عليها ". وبالتالي لا تكون أي حكومة شرعية ما لم تتمتع بموافقة المحكومين، ولا يمكن تقديم تلك الموافقة إلا من خلال حكم الأغلبية.


بالنظر إلى هذه الاستنتاجات، من المدهش إلى حد ما أن وصف لوك للأشكال المختلفة للحكومة (يسميها "الكومنولث") لا يصف الديمقراطية صراحةً على أنها النظام الشرعي الوحيد. الكتابة في إنجلترا في ثمانينيات القرن السادس عشر، أي بعد جيل من انتهاء الكومنولث باستعادة الملكية (1660)، كان لوك أكثر حذرًا من هذا. ومع ذلك، فإن القراءة المتأنية للمقاطع ذات الصلة من الرسالة الثانية تُظهر أن لوك يظل مخلصًا لمبدأه الأساسي، وهو أن الشكل الشرعي الوحيد للحكومة هو ذلك المستند إلى موافقة المحكومين. يميز لوك بين الأشكال المختلفة للحكومة على أساس المكان الذي يختاره الناس لوضع سلطة سن القوانين. فئاته هي الفئات التقليدية: إذا احتفظ الناس بالسلطة التشريعية لأنفسهم، جنبًا إلى جنب مع سلطة تعيين أولئك الذين ينفذون القوانين، فإن "شكل الحكومة هو ديمقراطية مثالية". إذا وضعوا السلطة "في أيدي عدد قليل من الرجال المختارين، وورثتهم أو خلفائهم، ... فهذا يعني أنها أوليغارشية: أو في يد رجل واحد، ومن ثم فهي ملكية". ومع ذلك، فإن تحليله أكثر تخريبًا لأشكال الحكم غير الديمقراطية مما يبدو. مهما كان شكل الحكومة، فإن المصدر النهائي للسلطة السيادية هو الشعب، ويجب أن تستند جميع الحكومات الشرعية إلى موافقتهم. لذلك، إذا أساءت الحكومة إلى ثقتها وانتهكت الحقوق الأساسية للشعب - لا سيما الحق في الملكية - يحق للناس التمرد واستبدال تلك الحكومة بأخرى يمكنهم الموافقة على قوانينهم عن طيب خاطر. ومن الذي سيحكم ما إذا كانت الحكومة قد أساءت إلى ثقتها؟ مرة أخرى، لوك لا لبس فيه: على الناس أن يصدروا هذا الحكم. على الرغم من أنه لا يستخدم المصطلح، إلا أن لوك يؤكد بشكل لا لبس فيه على حق الثورة ضد الحكومة الاستبدادية. بعد أقل من قرن من الزمان، ترددت آراء لوك في الكلمات الشهيرة لإعلان استقلال الولايات المتحدة: نحن نعتبر هذه الحقائق بديهية، وأن جميع الناس خلقوا متساوين، وأن خالقهم منحهم حقوقًا معينة غير قابلة للتصرف، ومن بينها الحياة والحرية والسعي وراء السعادة. لتأمين هذه الحقوق، يتم إنشاء الحكومات بين البشر، مستمدة سلطاتها العادلة من موافقة المحكومين، وأنه كلما أصبح أي شكل من أشكال الحكومة مدمرًا لهذه الغايات، يكون من حق الشعب تغييرها أو إلغائها، وإنشاء حكومة جديدة، وإرساء أسسها على هذه المبادئ وتنظيم صلاحياتها في هذا الشكل، بحيث يبدو أنها ستؤثر على الأرجح على سلامتهم وسعادتهم.


إجابات على الأسئلة الأساسية


على الرغم من أن أفكار لوك كانت راديكالية - بل ثورية بهدوء - في عصره، فإن إجاباته على الأسئلة من 1 إلى 3 ستحتاج إلى مزيد من التفصيل، وحتى بعض التغيير، حيث استمرت نظرية وممارسة الديمقراطية في التطور. فيما يتعلق بالسؤال 1 - ما هو المناسب الرابطة التي يجب أن يتم من خلالها إنشاء حكومة ديمقراطية؟ - على الرغم من عمومية استنتاجاته، فقد قصد لوك بوضوح تطبيقها على إنجلترا ككل، ويفترض أيضًا على الدول القومية الأخرى. بعيدًا عن الآراء التي كانت لا تزال سائدة بين الفلاسفة السياسيين في عصره، اعتبر لوك - كما فعل المستويون - أن الديمقراطية لا تتطلب وحدة سياسية صغيرة، مثل دولة المدينة، حيث يمكن لجميع أعضاء دوموس المشاركة في الحكومة مباشرة. هنا مرة أخرى، كان لوك في طليعة تطوير الأفكار الديمقراطية. فيما يتعلق بالسؤال 2 - من يجب أن يشكل دوموس؟ - يعتقد لوك، مع كل شخص آخر تقريبًا عبروا عن رأيهم في هذه القضية، أن الأطفال لا ينبغي أن يتمتعوا بحقوق المواطنة الكاملة، على الرغم من أنه أكد أن الوالدين ملزمون أخلاقياً باحترامهم. حقوق الأطفال كبشر. مع عدم وجود حجة جوهرية تقريبًا، تبنى لوك وجهة النظر التقليدية القائلة بوجوب استبعاد النساء من الدوموس ، على الرغم من إصراره على احتفاظهن بجميع الحقوق الأساسية الأخرى. سيمر أكثر من قرن قبل أن يُفهم عمومًا أن "موافقة الشعب" تشمل موافقة النساء. على عكس رجال أثينا أو الأرستقراطية الذكور الصغيرة في البندقية، من الواضح أن رجال إنجلترا لا يستطيعون الحكم مباشرة في المجلس. في هذه الحالة، إذن ، فإن الإجابة على السؤال 3 - ما هي المؤسسات السياسية الضرورية للحكم؟ - يجب أن تتضمن استخدام الممثلين الذين يختارهم الشعب. ومع ذلك، على الرغم من أنه يبدو واضحًا أن حكومة لوك بالموافقة تتطلب التمثيل، إلا أنه قدم القليل من التوجيه فيما يتعلق بالشكل الذي قد يتخذه. ربما يكون هذا لأنه، مثل قرائه المعاصرين، افترض أن الديمقراطية وحكم الأغلبية سيكونان أفضل تطبيق في إنجلترا من خلال الانتخابات البرلمانية القائمة على امتياز الذكور البالغين.


المنظر السياسي الفرنسي مونتسكيو، من خلال تحفته روح القوانين (1748)، أثر بقوة على روسو المعاصر الأصغر سنًا (انظر أدناه روسو) والعديد من الآباء المؤسسين الأمريكيين، بما مونتسكيو


في ذلك جون آدامز وجيفرسون وماديسون. برفض تصنيف أرسطو، يميز مونتسكيو ثلاثة أنواع مثالية من الحكومة: الملكية، "التي يحكم فيها الفرد بقوانين ثابتة وراسخة"؛ الاستبداد، "حيث يوجه شخص واحد كل شيء بإرادته ونزوته"؛ والحكومة الجمهورية (أو الشعبية)، والتي قد تكون من نوعين، اعتمادًا على ما إذا كان "الجسم، أو جزء فقط من الشعب، يمتلك السلطة العليا"، فالأولى ديمقراطية، والأخيرة أرستقراطية. وفقًا لمونتسكيو، فإن الشرط الضروري لوجود حكومة جمهورية، سواء كانت ديمقراطية أو أرستقراطية، هو أن الأشخاص الذين تُقدم لهم السلطة العليا يمتلكون صفة "الفضيلة العامة"، بمعنى أنهم مدفوعون بالرغبة في تحقيق الصالح العام. على الرغم من أن الفضيلة العامة قد لا تكون ضرورية في النظام الملكي وهي غائبة بالتأكيد في الأنظمة الاستبدادية، إلا أنها يجب أن تكون موجودة إلى حد ما في الجمهوريات الأرستقراطية وإلى حد كبير في الجمهوريات الديمقراطية. من خلال طرح موضوع قد يتردد صدى صوته في " الفيدرالية10" لماديسون، يؤكد مونتسكيو أنه بدون فضيلة عامة قوية، من المرجح أن يتم تدمير الجمهورية الديمقراطية بسبب الصراع بين "الفصائل" المختلفة، حيث يسعى كل منها لتحقيق مصالحها الضيقة على حساب الصالح العام الأوسع.


دافيد هيوم


تم التأكيد بقوة على القوة التدميرية للفصائل من قبل الفيلسوف والمؤرخ الأسكتلندي ديفيد هيوم، الذي ربما كان تأثيره على ماديسون أكبر من تأثير مونتسكيو. لأنه من هيوم يبدو أن ماديسون قد اكتسب وجهة نظر حول الفصائل التي قلبت مسألة الرغبة في تكوين جمعيات سياسية أكبر - أي تلك التي تكون أكبر من دولة المدينة - على رأسها. لغرض تقليل الإمكانات المدمرة للفئوية، كما جادل هيوم وماديسون، فإن الحجم الأكبر هو الأفضل في الواقع، لأنه في الجمعيات الأكبر يجب على كل ممثل الاهتمام بتنوع أكبر في المصالح. من المحتمل أيضًا أن يكون ماديسون قد تأثر بهيوم عندما رفض في "الفيدرالية 10" مصطلح الديمقراطية لنوع الحكومة القائمة على التمثيل، مفضلاً بدلاً من ذلك تسميتها جمهورية.


روسو


عند المقارنة مع لوك، يبدو جان جاك روسو أحيانًا أكثر ديمقراطيًا راديكالية، على الرغم من أن القراءة الدقيقة لعمله تُظهر أنه، من نواحٍ مهمة، مفهوم روسو للديمقراطية أضيق من مفهوم لوك. في الواقع، في أكثر أعماله تأثيرًا في الفلسفة السياسية، العقد الاجتماعي (1762)، يؤكد روسو أن الديمقراطية لا تتوافق مع المؤسسات التمثيلية، وهو موقف يجعلها غير ذات صلة بالدول القومية (انظر الدولة). وهو يجادل بأن سيادة الشعب لا يمكن عزلها أو تمثيلها. كتب "فكرة الممثلين حديثة". "في الجمهوريات القديمة ... لم يكن للشعب ممثلون ... في اللحظة التي يسمح فيها الشعب لنفسه بأن يمثله، لم يعد حراً: لم يعد موجودًا." ولكن إذا كان التمثيل غير متوافق مع الديمقراطية، وإذا كانت الديمقراطية المباشرة هي الشكل الشرعي الوحيد للحكومة، فلا يمكن لدولة قومية في زمن روسو أو أي دولة أخرى أن يكون لها حكومة شرعية. علاوة على ذلك، وفقًا لروسو، إذا ظهرت جمعية سياسية صغيرة بما يكفي لممارسة الديمقراطية المباشرة، مثل المدينة الدولة، فإنها ستخضع حتماً من قبل الدول القومية الأكبر وبالتالي تتوقف عن أن تكون ديمقراطية. لهذه الأسباب وغيرها، كان روسو متشائمًا بشأن آفاق الديمقراطية. وكتب يقول: "إنه ضد النظام الطبيعي أن يحكم الكثيرون والقلة التي يجب أن تحكم". "لا يمكن تصور أن يظل الناس مجتمعين باستمرار لتكريس وقتهم للشؤون العامة." باعتماد وجهة نظر مشتركة بين منتقدي الديمقراطية في عصره، رأى روسو أيضًا أنه "لا توجد حكومة معرضة للحروب الأهلية والتحريض الداخلي كحكومة ديمقراطية أو شعبية". في مقطع يُستشهد به كثيرًا، يعلن أنه "لو كان هناك شعب آلهة، لكانت حكومتهم ديمقراطية. لذا فإن الحكومة المثالية ليست للبشر". على الرغم من هذه الاستنتاجات السلبية، يلمح روسو، في حاشية قصيرة (الكتاب الثالث، الفصل 15)، إلى أن الحكومات الديمقراطية قد تكون قابلة للحياة إذا انضمت معًا في اتحادات. بعد بضع سنوات، في مناقشة حول كيف يمكن لشعب بولندا أن يحكم أنفسهم، سمح ببساطة بعدم وجود بديل للحكومة عن طريق التمثيل. ومع ذلك، فقد ترك مشكلة الحجم أو الحجم المناسب للجمعيات السياسية الديمقراطية دون حل إلى حد كبير.


ميل


جادل جون ستيوارت ميل في عمله عن الحرية (1859) على أسس نفعية بأنه لا يمكن انتهاك الحرية الفردية بشكل شرعي - سواء من قبل الحكومة أو المجتمع أو الأفراد - إلا في الحالات التي يتسبب فيها تصرف الفرد في إلحاق الضرر بالآخرين. في صياغة مشهورة لهذا المبدأ، كتب ميل أن الغاية الوحيدة التي من أجلها يُبرر الجنس البشري، فرديًا أو جماعيًا، في التدخل في حرية عمل أي عدد منهم، هو حماية الذات. ... الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن أن تكون السلطة تمارس بحق أي فرد من أفراد المجتمع المتحضر، رغماً عنه، لمنع إيذاء الآخرين. مصلحته، سواء كانت مادية أو معنوية، ليست ضمانًا كافيًا، فقد قدم مبدأ ميل أساسًا فلسفيًا لبعض الحريات الأساسية الأساسية لديمقراطية فاعلة، مثل حرية تكوين الجمعيات (انظر أدناه الديمقراطية المثالية والتمثيلية)، وقوض شرعية القوانين الأبوية، مثل تلك التي تتطلب الاعتدال، والتي من وجهة نظر ميل تعامل المواطنين البالغين مثل الأطفال. في مجال ما أسماه حرية الفكر والنقاش، وهي حرية أخرى حاسمة للديمقراطية، جادل ميل، أيضًا على أسس نفعية، بأن القيود القانونية على التعبير عن الرأي غير مبررة أبدًا. وزعم أن "تضارب الآراء المعاكسة" جزء ضروري من بحث أي مجتمع عن الحقيقة. في عمل آخر، اعتبارات حول الحكومة التمثيلية (1861)، حدد ميل بطريقة واضحة ومتغلغلة العديد من السمات الأساسية للنوع الجديد من الحكومة، والتي لم تظهر بعد في أوروبا القارية وما زالت غير مكتملة من جوانب مهمة في الولايات المتحدة الأمريكية. في هذا العمل قدم أيضًا حجة قوية نيابة عن حق المرأة في التصويت - وهو الموقف الذي تجاهله أو رفضه جميع الفلاسفة السياسيين السابقين (جميعهم من الذكور بالطبع).


جون ديوي


وفقًا للفيلسوف الأمريكي جون ديوي، فإن الديمقراطية هي الشكل الأكثر تفضيلًا للحكومة لأنها وحدها توفر أنواع الحرية اللازمة لتطوير الذات الفردية والنمو - بما في ذلك حرية تبادل الأفكار والآراء مع الآخرين، وحرية تكوين الجمعيات مع الآخرين لمتابعة أهداف مشتركة، وحرية تحديد ومتابعة مفهوم الفرد للحياة الجيدة. ومع ذلك، فإن الديمقراطية هي أكثر من مجرد شكل من أشكال الحكم؛ كما يشير ديوي في كتابه الديمقراطية والتعليم (1916)، فهو أيضًا "نمط من الحياة المرتبطة" حيث يتعاون المواطنون مع بعضهم البعض لحل مشاكلهم المشتركة من خلال وسائل عقلانية (أي من خلال الاستفسار النقدي والتجربة) بروح مشتركة. الاحترام والنية الحسنة. علاوة على ذلك، يجب ألا يُنظر إلى المؤسسات السياسية في أي ديمقراطية، وفقًا لديوي، على أنها إبداعات مثالية وغير قابلة للتغيير لرجال دولة ذوي رؤية من الماضي؛ بل يجب أن يكونوا عرضة للنقد والتحسين باستمرار مع تغير الظروف التاريخية والمصلحة العامة.


تتطلب المشاركة في ديمقراطية كما تصورها ديوي عادات ذهنية نقدية وفضولية، وميلًا نحو التعاون مع الآخرين، وشعورًا بالروح العامة والرغبة في تحقيق الصالح العام. ولأن هذه العادات والميول يجب غرسها منذ الصغر، فقد ركز ديوي بشكل كبير على التعليم؛ في الواقع ، أطلق على المدارس العامة اسم "كنيسة الديمقراطية". كانت مساهماته في كل من نظرية وممارسة التعليم مؤثرة بشكل كبير في الولايات المتحدة في القرن العشرين (انظر أيضًا التعليم وفلسفة)، ولم يقدم ديوي سوى القليل من المقترحات الملموسة فيما يتعلق بالشكل الذي يجب أن تتخذه المؤسسات الديمقراطية. ومع ذلك، في كتابه الجمهور ومشكلاته (1927) وأعمال أخرى ، أكد أن الأفراد لا يمكنهم التطور إلى أقصى إمكاناتهم إلا في ظل ديمقراطية اجتماعية ، أو دولة رفاهية ديمقراطية. وفقًا لذلك، رأى أن الديمقراطيات يجب أن تمتلك سلطات تنظيمية قوية. كما أصر على أن من بين أهم ميزات الديمقراطية الاجتماعية حق العمال في المشاركة مباشرة في السيطرة على الشركات التي يعملون فيها، ونظراً لاهتمام ديوي بالتعليم، فليس من المستغرب أنه كان مهتمًا بشكل كبير السؤال عن كيفية فهم المواطنين للشؤون العامة بشكل أفضل. على الرغم من أنه كان مؤيدًا لتطبيق العلوم الاجتماعية في تطوير السياسة العامة، فقد انتقد بشدة المثقفين والأكاديميين والقادة السياسيين الذين رأوا عامة الناس على أنهم غير أكفاء والذين غالبًا ما دافعوا عن شكل من أشكال النخب الديمقراطية. وأكد أن الجمهور وحده هو من يقرر ماهية المصلحة العامة. ولكي يتمكن المواطنون من اتخاذ قرارات مستنيرة ومسؤولة بشأن مشاكلهم المشتركة، فقد اعتقد أنه من المهم بالنسبة لهم الانخراط في حوار مع بعضهم البعض في مجتمعاتهم المحلية. ألهم تركيز ديوي على الحوار كممارسة حاسمة في الديمقراطية لاحقًا المنظرين السياسيين لاستكشاف الدور الحيوي للتداول في الأنظمة الديمقراطية.


هابرماس


في سلسلة من الأعمال التي نُشرت بعد عام 1970، جادل الفيلسوف والمنظر الاجتماعي الألماني يورغن هابرماس، مستخدمًا مفاهيم مستعارة من فلسفة اللغة الأنجلو أمريكية، بأن فكرة تحقيق "إجماع عقلاني" داخل مجموعة حول مسائل تتعلق إما بالحقيقة أو القيمة يفترض وجود ما أسماه "حالة الكلام المثالية". في مثل هذه الحالة، سيكون المشاركون قادرين على تقييم تأكيدات بعضهم البعض فقط على أساس العقل والأدلة في جو خالٍ تمامًا من أي تأثيرات "قسرية" غير عقلانية، بما في ذلك الإكراه الجسدي والنفسي. علاوة على ذلك، سيكون الدافع الوحيد لجميع المشاركين هو الرغبة في الحصول على إجماع عقلاني، ولن يتم فرض قيود زمنية على المناقشة. على الرغم من صعوبة تحقيقه من الناحية العملية، إن لم يكن من المستحيل تحقيقه، يمكن استخدام موقف الكلام المثالي كنموذج للنقاش العام الحر والمفتوح ومعيار يتم من خلاله تقييم الممارسات والمؤسسات التي يتم من خلالها تحديد الأسئلة السياسية الكبيرة وقضايا السياسة العامة الديمقراطيات الفعلية.


جون رولز


منذ زمن ميل وحتى منتصف القرن العشرين تقريبًا، فعل معظم الفلاسفة الذين دافعوا عن المبادئ الديمقراطية ذلك إلى حد كبير على أساس الاعتبارات النفعية - أي أنهم جادلوا بأن أنظمة الحكم ذات الطابع الديمقراطي أكثر احتمالية من الأنظمة الأخرى لإنتاج قدر أكبر من السعادة (أو الرفاهية) لعدد أكبر من الناس. ومع ذلك، كانت مثل هذه التبريرات معرضة تقليديًا للاعتراض على أنها يمكن استخدامها لدعم أشكال الحكم غير المرغوب فيها بشكل حدسي والتي تتحقق فيها السعادة الأكبر للأغلبية من خلال الإهمال غير العادل لحقوق ومصالح الأقلية.


في نظرية العدالة (1971)، حاول الفيلسوف الأمريكي جون رولز تطوير تبرير غير عسكري لنظام سياسي ديمقراطي يتسم بالعدالة والمساواة والحقوق الفردية. إحياءًا لمفهوم العقد الاجتماعي، الذي كان خامدًا منذ القرن الثامن عشر، تخيل وضعًا افتراضيًا يتم فيه جعل مجموعة من الأفراد العقلانيين جاهلين بكل الحقائق الاجتماعية والاقتصادية عن أنفسهم - بما في ذلك الحقائق المتعلقة بالعرق والجنس والدين، والتعليم، والذكاء، والمواهب أو المهارات، وحتى مفهومهم عن "الحياة الجيدة" - ثم طلبوا تحديد المبادئ العامة التي ينبغي أن تحكم المؤسسات السياسية التي يعيشون في ظلها. يجادل رولز، من وراء "حجاب الجهل" هذا، أن مثل هذه المجموعة سترفض بالإجماع المبادئ النفعية - مثل "يجب أن تهدف المؤسسات السياسية إلى تحقيق أقصى قدر من السعادة لأكبر عدد من الأشخاص" - لأنه لا يمكن لأي عضو في المجموعة أن يعرف ما إذا كان ينتمي إلى أقلية قد يتم إهمال حقوقها ومصالحها بموجب مؤسسات مبررة على أسس نفعية. بدلاً من ذلك، سيقود العقل والمصلحة الشخصية المجموعة إلى تبني مبادئ مثل ما يلي: (1) يجب أن يتمتع كل فرد بدرجة أقصى ومتساوية من الحرية، بما في ذلك جميع الحريات المرتبطة تقليديًا بالديمقراطية؛ (2) يجب أن يحصل كل فرد على فرصة متكافئة للبحث عن مناصب ومناصب تقدم مكافآت أكبر من الثروة أو السلطة أو المكانة أو المنافع الاجتماعية الأخرى و (3) يجب أن يكون توزيع الثروة في المجتمع بحيث يكون الأقل ثراءً أفضل حالًا مما سيكون عليه في أي توزيع آخر، سواء كان متساويًا أو غير متكافئ. يرى رولز أنه في ضوء بعض الافتراضات حول الدوافع البشرية، قد يكون من الضروري وجود بعض التفاوتات في توزيع الثروة لتحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية. وبالتالي، من الممكن تخيل توزيعات غير متكافئة للثروة يكون فيها من هم أقل ثراءً هم الأفضل هذه المبادئ هي شكل من أشكال المساواة من الليبرالية الديمقراطية. وبناءً على ذلك، يُعتبر رولز المدافع الفلسفي الرائد عن دولة الرفاهية الرأسمالية الديمقراطية الحديثة.


"ديمقراطية مثالية"


كما لوحظ أعلاه، وجد أرسطو أنه من المفيد تصنيف الحكومات القائمة بالفعل من حيث ثلاثة "دساتير مثالية". للأسباب نفسها بشكل أساسي، يمكن أن يكون مفهوم "الديمقراطية المثالية" مفيدًا أيضًا في تحديد وفهم الخصائص الديمقراطية للحكومات القائمة بالفعل، سواء كانت دول مدن أو دول قومية أو جمعيات أكبر. أن مصطلح المثالي غامض. بمعنى ما، يكون النظام مثاليًا إذا تم اعتباره بمعزل عن، أو في غياب، شروط تجريبية معينة، والتي هي في الواقع موجودة دائمًا إلى حد ما. تُستخدم الأنظمة المثالية بهذا المعنى لتحديد ميزات النظام الفعلي الضرورية له ، أو ما هي القوانين الأساسية المسؤولة ، جنبًا إلى جنب مع العوامل التجريبية ، عن سلوك النظام في الظروف الفعلية. بمعنى آخر، يكون النظام مثاليًا إذا كان "الأفضل" من وجهة نظر أخلاقية. النظام المثالي بهذا المعنى هو هدف يجب على الفرد أو المجتمع السعي لتحقيقه (حتى لو لم يكن من الممكن تحقيقه بشكل كامل في الممارسة) ومعيار يمكن على أساسه أن تكون القيمة الأخلاقية لما تم تحقيقه أو لما هو موجود. يتم قياس هاتين الحالتين غالبًا. قد تكون الأنظمة المثالية بالمعنى الأول، ولكنها ليست ضرورية، مثالية بالمعنى الثاني. وبناءً على ذلك، فإن وصف الديمقراطية المثالية، مثل الوصف الوارد أدناه، لا يلزم أن يقصد به وصف نظام سياسي معين. في الواقع، تم تقديم مفاهيم مؤثرة عن الديمقراطية المثالية من قبل أعداء الديمقراطية وكذلك من قبل أصدقائها.


ملامح الديمقراطية المثالية


كحد أدنى، يجب أن يكون للديمقراطية المثالية الميزات التالية: المشاركة الفعالة. قبل اعتماد سياسة أو رفضها، تتاح لأعضاء دوموس الفرصة لإبداء آرائهم حول السياسة معروفة للأعضاء الآخرين. يتمتع أعضاء الدوموس بفرصة التصويت لصالح أو ضد السياسة، ويتم احتساب جميع الأصوات على أنها متساوية. أعضاء دوموس لديهم الفرصة، في غضون فترة زمنية معقولة، للتعرف على السياسة والسياسات البديلة المحتملة وعواقبها المحتملة. يقرر دوموس ، ودوموس فقط ، الأمور التي توضع على جدول أعمال صنع القرار وكيفية وضعها هناك. وبالتالي ، فإن العملية الديمقراطية "مفتوحة" بمعنى أن الدوموس يمكن أن يغير سياسات الجمعية في أي وقت. تضمين. يحق لكل عضو في دوموس المشاركة في الجمعية بالطرق الموضحة للتو.


الحقوق الأساسية.


تنص كل سمة من السمات الضرورية للديمقراطية المثالية على حق هو في حد ذاته سمة ضرورية للديمقراطية المثالية: وبالتالي فإن لكل عضو في دوموس الحق في التواصل مع الآخرين، والحق في أن يكون صوته محسوبًا بالتساوي مع أصوات الآخرين، الحق في جمع المعلومات، والحق في المشاركة على قدم المساواة مع الأعضاء الآخرين، والحق مع الأعضاء الآخرين، لممارسة السيطرة على جدول الأعمال. وبالتالي، فإن الديمقراطية تتكون من أكثر من مجرد عمليات سياسية. إنه بالضرورة نظام للحقوق الأساسية.


 


الديمقراطية المثالية والتمثيلية


في الديمقراطيات التمثيلية الحديثة، تتحقق سمات الديمقراطية المثالية، بقدر ما توجد، من خلال مجموعة متنوعة من المؤسسات السياسية. كانت هذه المؤسسات، المتشابهة إلى حد كبير في بلدان مختلفة على الرغم من الاختلافات الكبيرة في البنية الدستورية، جديدة تمامًا في تاريخ البشرية في وقت ظهورها لأول مرة في أوروبا والولايات المتحدة في القرن الثامن عشر. من بين أهمها بطبيعة الحال مؤسسة التمثيل نفسها، والتي يتم من خلالها اتخاذ جميع القرارات والسياسات الحكومية الرئيسية من قبل المسؤولين المنتخبين شعبياً، الذين يتحملون مسؤولية أفعالهم أمام الناخبين. المؤسسات الهامة الأخرى تشمل: انتخابات حرة ونزيهة ومتكررة. يجوز للمواطنين المشاركة في مثل هذه الانتخابات كناخبين وكمرشحين (على الرغم من إمكانية فرض قيود على العمر والإقامة). وحرية التعبير. يمكن للمواطنين التعبير عن أنفسهم علنًا في مجموعة واسعة من الموضوعات ذات الصلة بالسياسة دون خوف من العقاب.


مصادر المعلومات المستقلة. توجد مصادر للمعلومات السياسية لا تخضع لسيطرة الحكومة أو أي مجموعة بمفردها والتي يحمي القانون حقها في نشر المعلومات أو نشرها؛ علاوة على ذلك، يحق لجميع المواطنين البحث عن مصادر المعلومات هذه واستخدامها. حرية تكوين الجمعيات. للمواطنين الحق في تشكيل المنظمات السياسية المستقلة والمشاركة فيها، بما في ذلك الأحزاب وجماعات المصالح، وقد تطورت مثل هذه المؤسسات في أوروبا والولايات المتحدة في ظروف سياسية وتاريخية مختلفة، ولم تكن الدوافع التي غذتها هي نفسها دائمًا ديمقراطية. ومع ذلك، ومع تطورها، أصبح من الواضح بشكل متزايد أنها كانت ضرورية لتحقيق مستوى مرضٍ من الديمقراطية في أي جمعية سياسية كبيرة مثل الدولة القومية، والعلاقة بين هذه المؤسسات وخصائص الديمقراطية المثالية التي تتحقق من خلالها يمكن يمكن تلخيصها على النحو التالي. في جمعية بحجم دولة قومية، يكون التمثيل ضروريًا للمشاركة الفعالة ولسيطرة المواطنين على جدول الأعمال؛ انتخابات حرة ونزيهة ومتكررة ضرورية للمشاركة الفعالة والمساواة في التصويت؛ وحرية التعبير، ومصادر المعلومات المستقلة، وحرية تكوين الجمعيات، كلها ضرورية من أجل المشاركة الفعالة، ولناخبين مطلعين، ومراقبة المواطنين للأجندة.


الديمقراطيات الفعلية


منذ زمن أرسطو، أصر الفلاسفة السياسيون عمومًا على أنه لا يوجد نظام سياسي فعلي من المحتمل أن يحقق، إلى أقصى حد ممكن، جميع ميزات نموذجه المطابق. وهكذا، في حين أن مؤسسات العديد من الأنظمة الفعلية كافية لتحقيق مستوى عالٍ نسبيًا من الديمقراطية، فإنها تكاد تكون غير كافية لتحقيق أي شيء مثل الديمقراطية المثالية أو المثالية. ومع ذلك، قد تنتج مثل هذه المؤسسات تقريبًا مرضيًا للمثل الأعلى - كما يفترض أنها فعلت في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، عندما تم صياغة مصطلح الديمقراطية، وفي الولايات المتحدة في أوائل القرن التاسع عشر، عندما توكفيل ، مثل معظم الآخرين في أمريكا وغيرها ، دعت البلاد بلا تردد بالديمقراطية. بالنسبة للجمعيات الصغيرة من حيث عدد السكان والمساحة، يبدو أن المؤسسات السياسية للديمقراطية المباشرة هي الأفضل لتقريب المثل الأعلى لـ "حكومة من قبل الشعب". في مثل هذه الديمقراطية، يمكن للمواطنين أن يقرروا جميع الأمور ذات الأهمية للجمعية ككل. يتمتع المواطنون بفرصة مناقشة السياسات المعروضة عليهم وجمع المعلومات مباشرة من أولئك الذين يعتبرونهم على دراية جيدة، وكذلك من مصادر أخرى. يمكنهم الاجتماع في مكان مناسب - بنيكس في أثينا، أو المنتدى في روما، أو قصر الدوق في البندقية، أو قاعة المدينة في قرية بريطانيا الجديدة - لمناقشة السياسة بشكل أكبر وتقديم تعديلات أو تنقيحات.


 أخيرًا، يتم إصدار قرارهم في تصويت، حيث يتم احتساب جميع الأصوات بالتساوي، مع فوز الأغلبية، وبالتالي من السهل أن نرى لماذا يُعتقد أحيانًا أن الديمقراطيات المباشرة تقترب من الديمقراطية المثالية بشكل أقرب بكثير من الأنظمة التمثيلية، لماذا أصر أشد المدافعين عن الديمقراطية المباشرة في بعض الأحيان، كما فعل روسو في العقد الاجتماعي، على أن مصطلح الديمقراطية التمثيلية هو متناقض مع نفسه. ومع ذلك، فشلت مثل هذه الآراء في كسب العديد من المتحولين.


قيمة الديمقراطية


لماذا يجب أن يحكم "الشعب"؟ هل الديمقراطية حقا أفضل من أي شكل آخر من أشكال الحكم؟ على الرغم من أن الاستكشاف الكامل لهذه القضية يتجاوز نطاق هذه المقالة (انظر الفلسفة السياسية) ، فإن التاريخ - وخاصة تاريخ القرن العشرين - يوضح أن الديمقراطية تمتلك بشكل فريد عددًا من الميزات التي قد يعتبرها معظم الناس ، بغض النظر عن معتقداتهم السياسية الأساسية ، مرغوبة : (1) تساعد الديمقراطية على منع حكم المستبدين القاسيين والأشرار.    (2) الديمقراطيات التمثيلية الحديثة لا تخوض حروبا مع بعضها البعض؛ (3) تميل الدول ذات الحكومات الديمقراطية إلى أن تكون أكثر ازدهارًا من الدول ذات الحكومات غير الديمقراطية. (4) تميل الديمقراطية إلى تعزيز التنمية البشرية - كما تقاس بالصحة والتعليم والدخل الشخصي والمؤشرات الأخرى - بشكل كامل أكثر مما تفعله أشكال الحكومة الأخرى. كما يعتبر معظم الناس سمات أخرى للديمقراطية مرغوبة، على الرغم من أن البعض قد يعتبرها أقل أهمية من السمات 1 إلى 4 أعلاه: (5) الديمقراطية تساعد الناس على حماية مصالحهم الأساسية. (6) الديمقراطية تضمن لمواطنيها الحقوق الأساسية التي لا تمنحها الأنظمة غير الديمقراطية ولا تستطيع منحها؛ و (7) تضمن الديمقراطية لمواطنيها نطاقًا أوسع من الحريات الشخصية مقارنة بأشكال الحكومة الأخرى. أخيرًا، هناك بعض سمات الديمقراطية التي لا يعتبرها بعض الناس - منتقدو الديمقراطية - مرغوبة على الإطلاق، على الرغم من أن معظم الناس، عند التفكير، قد يعتبرونها جديرة بالاهتمام على الأقل: (8) فقط الديمقراطية توفر للناس أقصى فرصة للعيش في ظل قوانين من اختيارهم؛ (9) الديمقراطية فقط هي التي توفر للناس أقصى فرصة لتحمل المسؤولية الأخلاقية عن خياراتهم وقراراتهم بشأن سياسات الحكومة؛ و (10) فقط في الديمقراطية يمكن أن يكون هناك مستوى مرتفع نسبيًا من المساواة السياسية. على الرغم من هذه المزايا، كان هناك منتقدون للديمقراطية منذ العصور القديمة. ربما تكون أكثر التهم الموجهة إليهم ديمومة هي أن معظم الناس غير قادرين على المشاركة في الحكومة بطريقة هادفة أو كفؤة لأنهم يفتقرون إلى المعرفة الضرورية أو الذكاء أو الحكمة أو الخبرة أو الشخصية. وهكذا، جادل أفلاطون، كما أشرنا أعلاه، بأن أفضل حكومة ستكون أرستقراطية من "ملوك فيلسوف" والذين من شأن تدريبهم الفكري والأخلاقي الصارم أن يجعلهم مؤهلين بشكل فريد للحكم. إن الرأي القائل بأن الناس ككل غير قادرين على حكم أنفسهم لم يتبناه الملوك والحكام الأرستقراطيين فحسب، بل وأيضًا المنظرون السياسيون (وفي مقدمتهم أفلاطون) والزعماء الدينيون والسلطات الأخرى. كان هذا الرأي سائدًا بشكل أو بآخر في جميع أنحاء العالم خلال معظم التاريخ المسجل حتى أوائل القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين تم استخدامه في أغلب الأحيان من قبل معارضي الديمقراطية في أوروبا وأماكن أخرى لتبرير الأشكال المختلفة للديكتاتورية والحزب الواحد. قاعدة. لا شك في أنه سيكون هناك منتقدون للديمقراطية ما دامت الحكومات الديمقراطية موجودة. سيعتمد مدى نجاحهم في كسب مؤيدين وتعزيز إنشاء أنظمة غير ديمقراطية على مدى جودة مواجهة الحكومات الديمقراطية للتحديات والأزمات الجديدة التي من المؤكد حدوثها.


المشاكل والتحديات


في بداية القرن الحادي والعشرين، واجهت الديمقراطية عددًا من التحديات، كان بعضها مشاكل قديمة العهد، وبعضها الآخر من أصل أكثر حداثة.


عدم المساواة في الموارد


على الرغم من أن اقتصادات السوق اللامركزية شجعت على انتشار الديمقراطية، إلا أنه في البلدان التي لم يتم فيها تنظيم هذه الاقتصادات بشكل كاف، أنتجت هذه الاقتصادات في نهاية المطاف تفاوتات كبيرة في الموارد الاقتصادية والاجتماعية، من الثروة والدخل إلى التعليم والوضع الاجتماعي (انظر عدم المساواة في الدخل). ولأن أولئك الذين لديهم موارد أكبر يميلون بطبيعة الحال إلى استخدامها للتأثير على النظام السياسي لصالحهم، فإن وجود مثل هذه التفاوتات يشكل عقبة مستمرة أمام تحقيق مستوى مُرضٍ من المساواة السياسية. وقد تم تضخيم هذا التحدي خلال فترات الانكماش الاقتصادي التي تحدث بانتظام، عندما اتجه الفقر والبطالة إلى الزيادة.


الهجرة


بعد الحرب العالمية الثانية، زادت الهجرة إلى دول أوروبا الغربية وأستراليا والولايات المتحدة، سواء كانت قانونية أو غير شرعية، بشكل كبير. سعيا للهروب من الفقر أو العنف أو الاضطهاد في أوطانهم وعادة ما يفتقرون إلى التعليم، فإن المهاجرين في المقام الأول من العالم النامي يأخذون عادة وظائف وضيعة في صناعات الخدمات أو الزراعة. الاختلافات في اللغة والثقافة والمظهر بين مجموعات المهاجرين ومواطني البلد المضيف، بالإضافة إلى التصور السائد عادة بأن المهاجرين يأخذون الوظائف من المواطنين ويستخدمون خدمات اجتماعية باهظة الثمن، جعلت الهجرة قضية مثيرة للجدل في العديد من البلدان. في بعض الحالات، ساهمت المشاعر المعادية للمهاجرين في ظهور أو نمو الأحزاب والحركات السياسية الراديكالية، مثل الجبهة الوطنية في فرنسا، والجمهوريين في ألمانيا، وحركة الميليشيات ومختلف الجماعات العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة، وحليقي الرؤوس.


 الحركة في الولايات المتحدة وبريطانيا


 روجت بعض هذه المنظمات لمذاهب عنصرية أو فاشية جديدة معادية ليس فقط للمهاجرين ولكن أيضًا للحقوق السياسية وحقوق الإنسان الأساسية وحتى للديمقراطية نفسها. في أوائل القرن الحادي والعشرين، غذت المشاعر المعادية للمهاجرين إحياء الأحزاب والحركات الشوفينية في أوروبا الغربية وساهمت في الفوز الانتخابي لمرشح الرئاسة الأمريكية دونالد جيه ترامب في عام 2016.


الإرهاب


وقعت أعمال الإرهاب المرتكبة داخل البلدان الديمقراطية أو ضد مصالحها في أجزاء أخرى من العالم بوتيرة متزايدة ابتداء من السبعينيات. في الولايات المتحدة، وقعت هجمات إرهابية قليلة بشكل ملحوظ قبل تفجير عام 1993 لمركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك. أخطر عمل إرهابي منفرد في أي مكان، هجمات 11 سبتمبر 2001، دمرت مركز التجارة العالمي وقتلت حوالي 3000 شخص، معظمهم في مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة. رداً على مثل هذه الأحداث، وخاصة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر / أيلول، تبنت الحكومات الديمقراطية تدابير مختلفة مصممة لتعزيز قدرة الشرطة وغيرها من وكالات إنفاذ القانون على حماية بلدانها من الإرهاب. تضمنت بعض هذه المبادرات قيودًا جديدة على الحريات المدنية والسياسية للمواطنين، وبالتالي تم انتقادها باعتبارها غير دستورية أو غير متوافقة مع المبادئ الديمقراطية. في أوائل القرن الحادي والعشرين، بقي أن نرى ما إذا كان بإمكان الحكومات الديمقراطية تحقيق توازن مرضٍ بين الضرورات المتضاربة أحيانًا لضمان الأمن والحفاظ على الديمقراطية.


الأنظمة الدولية


في نهاية القرن الثامن عشر، واستجابة لمعضلة الحجم الموصوفة سابقًا، تحول تركيز كل من النظرية وممارسة الديمقراطية من الارتباط الصغير للدولة-المدينة إلى الدولة القومية الأكبر بكثير. على الرغم من أن حجمها المتزايد مكّن الديمقراطيات من حل المزيد من المشاكل التي واجهتها، إلا أنه لا تزال هناك بعض المشاكل التي لا تستطيع حتى أكبر ديمقراطية حلها بنفسها. لمعالجة هذه المشاكل، تم إنشاء العديد من المنظمات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وأبرزها الأمم المتحدة (1945)، ونما عددهم ومسؤولياتهم بسرعة خلال بقية القرن العشرين.


لقد شكلت هذه المنظمات اثنين من التحديات ذات الصلة للديمقراطية.


أولاً، من خلال تحويل السيطرة النهائية على سياسات بلد ما في منطقة معينة إلى المستوى الدولي، فقد قللت إلى حد مماثل من التأثير الذي يمكن أن يمارسه المواطنون على مثل هذه السياسات من خلال الوسائل الديمقراطية.


 ثانيًا، تفتقر جميع المنظمات الدولية، حتى تلك التي كانت مسؤولة رسميًا أمام الحكومات الوطنية، إلى المؤسسات السياسية ذات الديمقراطية التمثيلية.


فكيف يمكن جعل هذه المؤسسات ديمقراطية - أو على الأقل أكثر ديمقراطية؟


في إطار جهودهم في بداية القرن الحادي والعشرين لصياغة دستور للاتحاد الأوروبي الجديد - تم التخلي عنه في النهاية لصالح معاهدة لشبونة (2007) - وفي صراعهم المستمر مع معارضي الاتحاد الأوروبي ("المشككون في أوروبا") في مختلف البلدان، واجه القادة الأوروبيون هذين التحديين، بالإضافة إلى معظم الأسئلة الأساسية المطروحة أعلاه (انظر الأسئلة الأساسية). ما هو نوع الاتحاد المناسب لحكومة ديمقراطية في أوروبا؟ من هم الأشخاص أو الكيانات التي يجب أن تشكل دوموس الأوروبي؟ ما هي المنظمات أو المؤسسات السياسية المطلوبة؟ هل يجب اتخاذ القرارات بالأغلبية؟ إذا كان الأمر كذلك، بأي نوع من الأغلبية - أغلبية الأشخاص، من البلدان، من كل من البلدان والأشخاص، أو من أي شيء آخر؟ هل كل الشروط اللازمة لحكومة ديمقراطية مرضية موجودة في هذه الجمعية الضخمة والمتنوعة؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فهل سيكون النظام الأقل ديمقراطية مرغوبًا فيه أكثر؟


الانتقال والتوحيد والانهيار


بالنسبة للعديد من البلدان التي انتقلت إلى الديمقراطية في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، كانت المشاكل والتحديات التي تواجه الديمقراطية حادة بشكل خاص. تضمنت العقبات في طريق التوحيد الناجح للمؤسسات الديمقراطية المشكلات الاقتصادية مثل انتشار الفقر والبطالة والتفاوتات الهائلة في الدخل والثروة والتضخم السريع وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي أو انخفاضها. وعادة ما تفتقر البلدان ذات المستويات المنخفضة من التنمية الاقتصادية إلى طبقة وسطى كبيرة وسكان متعلمين جيدًا. في العديد من هذه البلدان، أدى تقسيم السكان إلى مجموعات عرقية أو عرقية أو دينية أو لغوية معادية، إلى صعوبة إدارة الخلافات السياسية بشكل سلمي. وفي حالات أخرى، أدى التدخل الحكومي المكثف في الاقتصاد، إلى جانب عوامل أخرى، إلى انتشار فساد المسؤولين الحكوميين. تفتقر العديد من البلدان أيضًا إلى نظام قانوني فعال، مما يجعل الحقوق المدنية غير آمنة إلى حد كبير ويسمح بانتهاك النخب السياسية والعناصر الإجرامية. في هذه البلدان، لم تكن فكرة سيادة القانون راسخة في الثقافة السياسية السائدة، وفي بعض الحالات بسبب الحرب المستمرة أو سنوات طويلة من الحكم الاستبدادي. من نواحٍ أخرى، لم تغرس الثقافة السياسية في هذه البلدان في نفوس المواطنين أنواع المعتقدات والقيم التي يمكن أن تدعم المؤسسات والممارسات الديمقراطية أثناء الأزمات أو حتى أثناء النزاعات العادية للحياة السياسية، وفي ظل هذه الظروف، من الممكن تمامًا أن إن الوتيرة غير العادية لإرساء الديمقراطية التي بدأت في القرن العشرين لن تستمر طويلاً حتى القرن الحادي والعشرين. في بعض البلدان، من المحتمل أن تظل الأنظمة الاستبدادية في مكانها. في بعض البلدان التي انتقلت إلى الديمقراطية، من المحتمل أن تظل المؤسسات الديمقراطية الجديدة ضعيفة وهشة. قد تفقد دول أخرى حكوماتها الديمقراطية وتعود إلى شكل من أشكال الحكم الاستبدادي. ومع ذلك، على الرغم من هذه المحن ، فإن الاحتمالات كبيرة أنه في المستقبل المنظور ستعيش نسبة كبيرة جدًا من سكان العالم ، في نسبة كبيرة جدًا من دول العالم ، في ظل أشكال ديمقراطية للحكم تستمر في التطور من أجل مواجهة التحديات القديم والجديد."  


بواسطة روبرت أ. دال، الأكاديمية البريطانية.