الرسالة الخامسة والستون: لماذا الحبّ؟/ فراس حج محمد



الخميس 28/10/2021

أسعدت أوقاتاً، وأتمنى أن تكوني بخير، كم كان مثيراً لمخيلتي عندما تحدثنا بالهاتف آخر مرة، وقد أخبرتني أنك للتو دخلت البيت، وأنك بحاجة إلى أن تغتسلي، كان مثيرا بالفعل هذا الحدث، أصبحت مخيلتي مكتنزة بالتصور الحيّ وأنت تحت الماء بكامل عريك الذي أشتهيه. آه لو تعلمين كم أشتاق أن أغلغل كلي في كلك الشهيّ.

يأخذنا الحديث بعيدا لنناقش الرسالة الرابعة والستين بعد أن أحجمت عن الرد عليها، وعلى سابقتها، بدعوى أن فيها تهديدا مبطناً. يا للتعاسة! أيهدد حبيب حبيبته؟ وكيف؟ إنه ليس حباً إن وقع مثل هذا التهديد. ربما لم يعجبك أنني أشتهيك، وأطلب ممارسة الحبّ معك، وتخافين ذلك، لماذا تخافين من الكتابة إلي وممارسة الحب معي؟ فهل ستجعلك الكتابة هامشاً وحواشي كما توقعت. إنك أهم متن في مشروع الكتابة فكيف تتحولين إلى حاشية هامشية. هل فعلا تحبين الحواشي والهوامش؟ لا أظن، فامرأة مثلك تمتلك كل تلك المقومات الفكرية والموهبة الشعرية والبحث والتقصي والجمال لن تكون هامشا أو حواشي. 

بدا لي أنك لن تدخلي في زاوية المرأة التي يستغلها الآخرون جنسيا من أجل الحصول على مكسب ثقافي أو مادي، لأنك محصنة تحصيناً قويا ضد هذا العفن المصابة به الساحة الثقافية، أعرف أن هذا الموضوع مقلق لكثيرات من الأديبات. إحداهن تعترض على إحدى المقالات التي أعرج فيها على هذه النقطة وأنني أعمم. 

لا أعتقد أنه يوجد امرأة مهما كان حظها من الجمال متواضعا أم فائق الحسن إلا وحاول أحدهم أن يتحرش بها جنسيا بالثقافة المفخخة بالجنس والعبارات المعبأة بالشهوة. لكن ليس كلهم تحقق له الأديبات رغبته. هذا الهاجس الذي عبرت عنه في حديثنا الأخير لن يصيبك منه شرر أو ضرر لأنك أنت كما أنت لست بحاجة الذكور في مثل هذا الوسط العفن. إنك مكتفية بذاتك وبمواهبك، بل كثيرون يحتاجون إلى ثقافتك وقلمك واهتمامك، فلا تظني أن جمالك "لعنة" بل إنه هبة ربانية لأنعم به، وأنا حبيبك الذي أنتظر مجيئك على أحر من الجمر.

أعتقد أنه قد حان الوقت لتفكري بالأمر الثاني الذي تخافين منه، فالحب لا يكتمل إلا بممارسة الجنس، وليس كما يرى الآخرون. هذه مسألة ملتبسة سبق وحدثتك عنها. الحب أولا، ثم الرغبة الجنسية ثانيا، فهل يحتاج الحب إلى الجنس ليؤكده، يبدو ذلك صحيحا، لذلك جاء السؤال لماذا يحدث الحب؟ أعتقد كما تعتقدين أنه سؤال كبير. هل نحب من أجل الجمال والجنس؟ وهل نحب من أجل القيم والروح؟ أظن أن العامل الحاسم في الحب ليس الجمال، لذلك لا علاقة للجمال بالرغبة في ممارسة الحب، وإلا لاشتهى الرجال كل امرأة جميلة يصادفونها. الحب شعور بالرغبة في الاتحاد والالتحام رمزيا مع الحبيب وبوابته الجسد. فلم يخلق الجسد على هذه الهيأة دون أن يكون له دور فيما هو أهم وأعقد وأجمل.

على أي حال فإن أفكاري واضحة تماماً وأنت تفهمينها جيدا، ولن يكون إلا ما ترغبين به، ليكون لهذا الفعل تجلياته الروحية التي تفيض توردا في الوجه ونشوة في الفعل والإحساس. ألا تشعرين بالرغبة لتكتملي معي؟ ألا تشتاقين إلى ذلك الفعل الحميم لتفعليه معي؟ أظن أنني صرت أقرب كثيرا مما تتخيلين إلى مثل هذا الفعل.

بعيدا عن هذا الاستطراد الذي- ربما- سيشعرك بالضجر، أخبرك أنني شبه غارق في موسم الزيتون، أساعد أحيانا في القطف، هذا الموسم يبدو وفيرا والحمد لله، سيكون الأمر مفرحا جدا إن استضفتك على أكلة "مسخّن" شعبية. سأكون سعيدا جدا، سترين قريتي ومكان عزلتي، وفوضويتي وكيف أعيش وأين أكتب. لن أخبرك أي شيء سترين ذلك بنفسك. أتمنى أن يعجبك هذا العالم شبه البدائي.

الحبيبة المجنونة والمشغولة دائماً، حدثيني إن استطعت، وتصدقي عليّ ببعض الوقت لأسمع صوتك على أقل تقدير، فالقليل منك يكفيني ويغنيني ويشبع خاطري ويجعلني منتشياً أكاد أطير من الفرح.

أحبك أيتها اللذيذة فلا تطيلي الغياب! أخاف أن يباغتك موعد السفر ولا تأتين، يا لحظي السيئ إذاً، لو بقي الوعد لغوياً  على الشفاه وعلى الورق.


عُرْسُ الشَّهَادَةِ والفِدَاءِ/ الدكتور حاتم جوعيه



      (  في الذكرى السنويَّة على مجزرة  " كفر قاسم "  )


الحقُّ  يُؤخذُ  لا   يَضِيعُ   هَبَاءَ        والفجرُ  يَسطعُ  يطرُدُ  الظلمَاءَ 

هذي    بلادي    فجرُنا   ومآلنا       وَجَنانُ  شعبي  لم  يزلْ  مِعطاءَ 

وترابُ أرضي من نجيعي مُخْصِبٌ        تبقى  الرُّبوعُ    َندِيَّة ً  خضراءَ 

زيتوننا صَانَ العُهودَ  ولم  يزلْ        رمزَ   الإباءِ     تشَبُّثا     وبقاءَ 

ما للمنازلِ والمَلاعبِ  قد غدَتْ        من  أهلنا   قفرًا   هُنا   وخَلاءَ 

واللاجئوُنَ على  المَواجعِ  والطوَى         تخذ ُوا الخيامَ  منازلا وَغِطاءَ 

وَمَضَتْ سُنونٌ  بعدَ عامِ  شَتاتِنا        نُسْقىَ اللَّظى ...أنَّى َنرُومُ عَزَاءَ  

يا  كفرَ قاسم  أنتِ عُنوانُ  الفدَا        ودمُ  البراءةِ  لم   يزلْ   وَضَّاءَ 

أهلوُكِ  صرحٌ  للمكارم ِ والعُلا        وبنُوكِ   كانوا  النخبة َ  النُّجَباءَ 

ما زالَ "شِدْمِي" قرشهُ مُتغطرسٌ        كم مثل " شِدْمِي" لا يباعُ حذاءَ 

يغتالُ وردَ الطُّهرِ دونَ  رَوَادِع ٍ       وَيثيرُ في هذي  الدُّنى البَغضَاءَ  

فالقاتلونَ     شهيَّة ٌ      همجيَّة ٌ        بدم ِ البراءةِ   خَضَّبُوا  الغبرَاءَ 

ومنَ الجَماجم ِ يصنعونَ عُروشَهُمْ          وتوَهَّمُوا  قد  أصبحُوا  عُظماءَ  

يا " كفرَ قاسم" فانظري لصمودِنا          وهتافنا    مَلأ   الدُّنى   أصْدَاءَ 

تيهي على الدُّنيا فخارًا واعلمي        ما ضاعَ هَدْرًا ما  بَذلتِ  سَخَاءَ 

يا روضةً تهبُ الأزاهرَ والنَّدَى        سَيظلُّ   فيضُكِ   ديمة ً مِعطاءَ 

فيك ِالحَجيجُ وأنتِ  قبلة ُ شعبنا         كنتَ المنارةَ ..كم  رفعتِ  لِوَاءَ 

خمسونَ لحنًا في ثراكِ  مُضَرَّجٌ         والوردُ أضحَى عَوْسَجًا  ودِماءَ      

خمسونَ بدرًا كم ْ أضاؤُوا أفقنا         خاضُوا الفِدَا.. نهَلوُا الرَّدَى شرفاءَ       

خمسونَ لحنا ً غُيِّبَتْ  تحت  الثَّرى         فبكىَ  الأحبَّةُ   أدمعًا   خرساءَ     

كم  من  نساءٍ أو  شُيوخ ٍ عُزَّلٍ         وبراعم   عاشُوا   هنا   سُعدَاءَ 

عادُوا منَ العملِ  الدَّؤوبِ وَكدْحِهِمْ          فاستقبلوا  الطُّغيانَ   والدُّخلاءَ  

قد  أمطرُوهُمْ   نارَ حقدٍ  أرْعَن ٍ      فرَصاصُ جُندِ الغدْرِ جاءَ  خَفاءَ 

حَصَدُوا الأحبَّة َكالسَّنابلِ  في الحقو       ل ِ...نجيعُهُمْ  صَبَغَ الرُّبى  حنَّاءَ 

حَصَدُوا البراءة َ والطفولة  ويحهُمْ        جعلوا    النُّجُودَ    مآتمًا   وبكاءَ 

هذي    دماؤُهُمُ    لمسكٌ   أذفرٌ       وتضوَّعَتْ  مِلْءَ  الزَّمانِ  شَذاءَ 

وقبورُهُمْ  تروى بفيض دموعِنا       قبلَ   الغمَائمِ   أنْ   تبلَّ    ثراءَ 

أضحَتْ مزارًا كالحجيج  لأهلِنا       نحنوُ  عليها ...  نُزهِقُ  الحَوْبَاءَ 

يا  "كفرَ قاسم" والكفاحُ طريقنا       خُضتِ  الكرامة َ سُؤدُدًا  وردَاءَ    

كنتِ الطليعة َ... بل ضحيَّة َغدرهِمْ        وصُمودُكِ   العَلنيُّ   كانَ  عَناءَ  

وتوَهَّمَ  المُحتلُّ   سوفَ   يُخيفنا       برَصاصِهِ    ونُهاجرُ    الأحياءَ 

نبقي لهُ  الأرضَ الطَّهُورَ وخصبها        خلفَ  الحُدودِ   سننتهي  غربَاءَ 

لكنَّنا     مُتشبِّثونَ    بأرضِنا ...       من  كفرِ  قاسم  هَدْيُنا   قد  جاءَ 

هذي   البلادُ   بلادُنا    ونعيمُنا        هيهاتَ   نتركُ    جنَّة ً    غنَّاءَ 

وتآمرَ الطغيانُ   ضدَّ  عُروبتي        مِصرُ  الكنانةِ   تكشفُ  الأنباءَ  

ولأجل ِ  تأميمِ   القناةِ    تكالبُوا        مُستعمرونَ   أتوا   هُنا   جبناءَ 

عُدوانهُم  في  مصرَ كانَ  مُبَرْمَجًا          فالغاصِبونَ     تحالفوا      شركاءَ 

في "بور سعيد "هَبَّ شعبٌ صامدٌ          بركانُ    مصر    زلزلَ    الحُلفاءَ 

عادَ  الغزاةُ  بخزيهِم  وبعارهمْ        أطماعُهُمْ  أضحَتْ هناكَ  خوَاءَ 

" وجمالُ " قائِدُنا  يظلُّ   مُخلَّدًا       والغارُ   كلَّلَ    هامَةً      َشمَّاءَ 

يا  كفرَ قاسم  أنتِ عنوانُ  الِفدَا        منكِ    انتظرنا   غلَّة ً   حَمراءَ 

أخفوا الجريمة كي تظلَّ دماؤُنا        هَدْرًا  تُرَاقُ ، وننحني  ضعفاءَ  

لكنَّ   شعبي  رغمَ   كلِّ   تآمر ٍ       كسَرَ  القيودَ  وطاولَ   الجوزاءَ 

قد هبَّ من وسط ِالرَّمادِ كماردٍ        بشُموخِهِ    قد   طاولَ    العَنقاءَ   

وأطلَّ  من  ليلِ المنافي  فجرُهُ        ومنَ   الخيامِ   لكم  أطالَ   نِدَاءَ  

تيهي افتخارًا يا فلسطينَ المُنى       وتألَّقي   فوقَ    الوجودِ     سَناءَ  

أنا مُنشدُ الأحرار صوتُ  كفاحِهمْ         وأرى   التَّحرُّرَ  َمطمَعًا   وهَناءَ  

ودمُ العروبة ِ فيَّ  يصرخُ  هادرًا          أنْ  لا  نساوم ...  فانبذ ُوا  العُمَلاءَ   

نحنُ  العروبة ُ   فجرُها  ونشيدُها         خُضنا   التحرُّرَ   وثبة ً   وفداءَ  

وبنا النِّضالُ  يهزُّ كلَّ  مسامع ٍ..      ُفقنا  الشُّعوبَ   بسَالة ً  ومَضاءَ   

وبنا طريقُ الحقِّ  أضحى مشرقا         بمسيرنا    لم    نحفلِ    الكأدَاءَ  

شعبي الذي بهرَالدُّنى بصمودِهِ        صَنعَ   المُحَالَ   وبَدَّلَ  الأجواءَ    

شعبي الذي هَزَّ  العوالمَ عزمُهُ        لن  يستكينَ   سيسحقُ   الأعداءَ  

قالوا : السَّلامُ  مآلنا   وملاذ ُنا        وبهِ    نُحَقِّقُ    مُبْتغًى    ورَجَاءَ  

لكنَّ  سِلمًا  جاءَ   دونَ  كرامةٍ        وبهِ   المهانة ُ  لن   يكونَ  غناءَ 

ما زالَ  شعبي  في المنافي لاجئا        يشكو  المذلَّة َ   غربة ً    وشقاءَ 

لا  كانَ سلمًا  فيهِ  يبقى نصفهُ        شطرًا    يئنُّ    مشرَّدًا    مُسْتاءَ  

فالشَّطرُ باق ٍ في العذابِ مُخيِّمٌ        والعالمُ    الوسنانُ   زادَ   عُوَاءَ   

وعَدوهُ .. يرجعُ كم كلام ٍكاذبٍ       شابَ  الزَّمانُ  ومزَّقَ  الإصغاءَ 

سيعودُ حتمًا رغمَ كيدِ وعيدِهمْ       ويبدِّدُ      الأهوالَ       والأنواءَ 

وَيُحَقِّقُ  الحلمَ   الجميلَ   بهمَّةٍ        والفجرُ  يبسمُ    ينشرُ  الأضواءَ   

سيعودُ للأرض التي حضنتْ  رُفا        تَ   جُدودِهِ    وسيجمعُ  الأشلاءَ 

سَيعودِ للحقلِ  الوديع ِ... لسهلهِ ،     ولنبعِهِ ...  للسفح ِ    زادَ   عَناءَ   

ويُشَيِّدُ  الصَّرحَ   المُهَدَّمَ  عنوة ً      يختالُ  في أرض ِ الجدودِ  ُروَاءَ 

طالَ البعادُ عنِ الأحبَّةِ  والحِمَى     وعلى  الحلولِ  لكم  نطيلُ   ثوَاءَ  

المجدُ للشَّعبِ  الذي  خاضَ الوغى       لا   يرهبُ   الطغيانَ   والأعداءَ 

لا يصنعُ  التاريخَ  غيرُ  رجالهِ       لم  يحفلوا   الأهوالَ    والأعباءَ 

فهويَّتي الأرضُ  التي هيَ أمُّنا       وهويَّتي   شعبٌ   يموجُ   عطاءَ  

وهويَّتي  تبقى   فلسطين   الفدا       بترابها   كم   تحضنُ   الشُّهداءَ   

يا   أمَّتي  فيكِ   المَآثرُ  والعُلا       خُضتِ الخطوبَ معَاركا  شَعوَاءَ  

وَتُعانقينَ   المجدَ  من  أطرافهِ        وَتُتسَدِّدِينَ    الطعنة َ     النجلاءَ 

نحنُ   السَّلامُ   شعارُهُ  ونشيدُهُ       نحنُ  الحمائمُ ... لا  نرومُ  عداءَ  

ولكمْ   مَدَدْنَا  للسَّلامِ   لهم   يَدًا       قطعوا الأيادي  شَوَّهُوا  الأسماءَ 

ثمَّ استباحوا  كلَّ  ما يحلوا لهم      والأرضُ صارتْ أختها  الخنساءَ 

فانقضَّ في  ليلِ  المنافي  شعبنا     خاضَ الحتوفَ وجلجلَ  الأرجاءَ    

بَهرَ  العوالمَ  عزمهُ   ونضالهُ       فرضَ  الإرادة َ...  حقَّقَ  الأشياءَ  

وأقامَ  دولتهُ   برُغم ِ  مكائدٍ ...      جزءًا    يضمُّ     بعيدهُ   الأجزاءَ  

رفعَ البنودَ" بغزَّة " وبكلِّ شبر ٍ      قد   تحرَّرَ ... أضرمَ   الرَّمضاءَ   

والقدسُ  موعدنا غدًا ، وبنودُنا       فيها    هناكَ     تعانقُ    الأنحَاءَ  

يا  كفرَ قاسم  أنتِ عنوانُ  الفدا      حق ٌّ  علينا   أن   نصوغ َ  رثاءَ 

شهداؤُكِ  الأبرارُ  فجرٌ  ساطعٌ        يبقونَ    في    وجدانِنا    أحيَاءَ 

جُرْحُ  الفلسطينيِّ   يبقى  نازفا       والغربُ  يصمتُ  خسَّة ً  ودَهاءَ   

والعالمُ  العربيُّ    يبقى   ساكنا       أنَّى    يُقاوم    أو   يصدّ    بَلاءَ  

كم   من   مآس ٍ  أرَّقتْ   أيَّامَنا       خُضنا الخُطوبَ عَصِيبةً عشواءَ  

كلُّ  المجازر  لم  تكلّ  نضالنا        نمشي على دربِ اللَّظى عظماءَ 

يا   كفرَ  قاسم  والكفاحُ  هويَّة ٌ       ونرى  الكرامة َ  سُؤدُدًا  وردَاءَ 

كنتِ  الطليعة َ  بعدَ عامِ  تشرُّدٍ      عَلَّمتِ    فينا   الكهلَ    والأبناءَ  

إنَّ   النضالَ   طريقهُ   لقويمة ٌ       ودماءُ  شعبي  لن   تضيعَ  هَبَاءَ 

يا  قلعة َ الأحرارِ  دومي  قبلة ً       للعربِ   تسمُو   روعة ً   وبهاءَ 

يا   قلعة َ  الشُّهداءِ  ألفُ  تحيَّةٍ        أرْسَيْتِ    للجيلِ    الجديدِ   بناءَ 


كفرقاسم: من لم يتعلم من "قرش شدمي" لن تنقذه المليارات/ جواد بولس



لو كنت مكان الوزير عيساوي فريج ، لاعتذرت، على الملأ، أمام النائبين أيمن عودة وعايدة توما - سليمان، وأمام زملائهما، النواب في القائمة المشتركة، وأمام عشرات آلاف المصوّتين للقائمة وداعميها. 

ليس من حق الوزير فريج، ممثل حزب ميرتس الصهيوني، في حكومة بينت- لبيد، أن يزايد على نوّاب القائمة المشتركة لأنّهم أصروا على تقديم اقتراح قانون يطالب دولة اسرائيل بالاعتراف بمجزرة كفر قاسم وبتحمّل المسؤولية على وقوعها؛ فأسلوبه الغاضب لم يزده احترامًا ، ولا تعابيره الفظّة والمستفزة، التي هاجمهم بها، رفعت من مكانته.       

في مثل هذا الاسبوع ، قبل 65 عامًا ، وتحديدًا في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1956، قتلت، بدم بارد، كتيبة مما يسمى "حرس الحدود الاسرائيلي" سبعة وأربعين مواطنًا عربيًا من سكان قرية كفر قاسم؛ وكان من بين ضحايا تلك المجزرة أطفال وشيوخ ونساء لم يقترفوا أي ذنب سوى أنهم وصلوا عند تخوم قريتهم وقت حظر التجوّل الذي لم يعرفوا به قبل مغادرة بيوتهم في ساعات الصباح. 

أذكر أننا كطلاب في كلية الحقوق في الجامعة العبرية في القدس ، تعلّمنا، قبل أربعين عامًا، عمّا حصل في ذلك اليوم في كفر قاسم؛ بيد أن المحاضر لم يسمّها مجزرة، ولم يبدِ أي تحفظ أو انتقاد "لجهاز العدالة" الاسرائيلي، الذي برّأ قضاتُه قائدَ المنطقة، المدعو يشكا شدمي، من تهمة القتل العمد وادانوه بتهمة " تجاوز الصلاحيات"، وحكموا عليه بالتوبيخ وبغرامة مقدارها قرش واحد؛ أصبح يعرف "بقرش شدمي" الذي اتخذه المواطنون العرب رمزًا للتعبير عن سخطهم على جهاز القضاء الاسرائيلي وعن مشاعرهم بفقدان الثقة بعدل الدولة تجاه مواطنيها العرب. لقد علّمونا في حينه أن الضابط الذي نفّذ أوامر قتل الابرياء تجاوز صلاحياته وذلك لان "راية سوداء" كانت ترفرف عليها وكانت، لسوادها، توجب رفضها وعدم الالتزام بها.  

لم أصطدم في الماضي مع الوزير عيساوي فريج، الذي اكن له احترامًا، ولا مع حزب ميرتس الذي ينتمي اليه منذ سنوات طويلة؛ وعلى الرغم من وجود اختلافات وخلافات سياسية واضحة بيننا، دأبتُ على التمييز بينهم وبين حزب العمل، وبينهم وبين سائر الاحزاب الصهيونية، لا سيما اليمينية منها والفاشية. أقول ذلك مقتنعًا بأن الحالة الهستيرية التي وقع الوزير فريج تحت تأثيرها وأدت الى هجومه غير المسبوق على نواب القائمة المشتركة، هي نتيجة للوضع غير الطبيعي الذي أفضى الى استوزاره طوعًا في حكومة يقف على رأسها زعيم متدين ويميني وتدعمها أحزاب يمينية عرف زعماؤها بمواقفهم العنصرية تجاه المواطنين العرب والعدائية الاستيطانية تجاه الفلسطينيين وأراضيهم .  

ما شاهدناه من على منصة الكنيست يوم الاربعاء الفائت كان في الواقع انعكاسًا لتلك الحالة السياسية الشاذة، التي اتوقع انها ستتكرر في المستقبل؛ وهي نفس الحالة التي دفعت، عمليًا، نواب الحركة الاسلامية، بعد قرارهم بدعم هذه الحكومة، للتصرف بعكس ما كان يتوقع منهم، أو بالتنكر التام لممارسات الحكومة ولخططها التوسعية في القدس وفي الاراضي الفلسطينية وتشجيعها لاقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الاقصى، وفي استمرار تنفيذ سياساتها العامة في معظم الميادين وفق المفاهيم السلطوية الصهيونية القديمة، التي يمكن ان نعبر عنها، مجازًا، بالاستعانة  "بقرش شدمي "وبرايته السوداء التي خرقتها العواصف والرياح، ولم يبق منها الا غبار الرصاص والأسى. 

لقد صرّح الوزير فريج بأن عرض القانون من قبل النائب عايدة توما للتصويت في قاعة الكنيست قد تم بغرض احراجه، وهذا الادعاء هو نفسه الذي لجأ اليه نواب الحركة الاسلامية عندما عارضوا مشاريع قوانين قدّمها نواب القائمة المشتركة واسقطوها بحجة الاستحراج أمام حلفائهم من احزاب اليمين. فهل علينا اذن أن نقبل، باسم ذلك الحرج، تهافت نواب الحركة الاسلامية ودعمهم المطلق لحكومة اسرائيل؟ أو أن نبرر للوزير فريج وغيره مثل تلك الانزلاقات واستعمال نفس اللغة  واتهامات اليمينيين بحق القادة العرب، لدرجة انه حاز على تصفيق العنصري ايتمار بن جبير؟

نعيش، نحن المواطنين العرب، في خضم أزمة حقيقية؛ وما نراه يتداعى أمامنا، منذ انتهاء عملية الانتخابات الاخيرة واقامة حكومة بينت -لبيد، بدعم من الحركة الاسلامية وحزب ميرتس، ما هي الا اعراض لتلك الازمة الخطيرة ولنتائجها.

واذا عدنا لقضية المجزرة في كفر قاسم، فسنجد انها قد حظيت عبر السنين بادانات شعبية ومؤسساتية اسرائيلية واسعة، وذلك بخلاف ما يدور من نقاشات داخل المجتمع الاسرائيلي حول مجازر اخرى نفذتها المنظمات الصهيونية، على اختلافها، بحق المواطنين الفلسطينيين في قرى ومدن عديدة خلال عامي 1947و 1948. ويكفينا ان نتذكر هنا خطوة رئيس الدولة السابق رؤوبين ريفلين، الذي قرر ، في العام 2014، مشاركة أهالي كفر قاسم في الذكرى الثامنة والخمسين للمجزرة، رغم تحذيرات مستشاريه، ووقف امام النصب التذكاري وأعلن : "جئت اليكم اليوم، كفرد من ابناء الشعب اليهودي، وكرئيس لدولة اسرائيل، كي اقف امامكم، عائلات الضحايا والجرحى، لأتألم معكم في هذه الذكرى".  لقد كان ريفلين الرئيس الاسرائيلي الاول الذي بادر بنفسه لزيارة كفر قاسم في ذكرى وجعها، محاولًا تضميد بعض من جرحها الذي ما زال مفتوحًا؛  فلماذا تغيب هذه الحقيقة عن نواب الاسلامية وعن وزراء ميرتس ؟ ولماذا لم يحاولوا اقناع حكومتهم بدعم القانون واغلاق واحدة من دوائر الدم الكثيرة في تاريخ السيرة والنسيرة الفلسطينية؟      

انني أسأل وأعرف الجواب؛ فنهج نواب الاسلامية الذرائعي وتحييد دور النائب مازن غنايم الوافد من احضان القومية التجمعية، ومهادنة حزب "ميرتس" لسياسة بينت-شاكيد، أو مقايضتهم مصلحة بمصلحة، سيتسببوا بتقويض شروط تعاقدنا التاريخية مع الدولة، والى تغييب احد اركان تلك الشروط، وهو دور هويتنا الجامعة وما ترتب ويترتب عليها من حقوق وواجبات في ترسيم حدود علاقتنا مع النظام السياسي المركزي. 

من المؤسف حقًا ان يسقط قانون مجزرة كفر قاسم في زمن حكومة مدعومة من نواب اسلاميين واحزاب "يسارية" وذلك ساعة اختارت فيه جريدة "هآرتس" ان تخصص افتتاحية عددها الصادر يوم الاربعاء الماضي تحت عنوان "اعتراف واعتذار وتعلم" وتختتمها بامنية قالت فيها : "الآن، مع التحالف الحالي في الكنيست، هناك فرصة لتصحيح الظلم التاريخي والاعتراف رسميًا بمسؤولية الدولة عن هذه الجريمة، والاعتذار الكامل والصادق لعائلات الضحايا ودمج قصة المجزرة في المناهج الدراسية ".  ولكن .. بينت وأمثاله، من أهل اليمين والعنصريين، يعرفون معنى اعتراف دولة اسرائيل بمجزرة واحدة، ويستشعرون ما قد يترتب على تحمّلهم الرسمي لمسؤوليتها، ولذلك، لأنهم يعرفون، أنهم سوف يستمرون بمحاولاتهم لاجهاض كل مبادرة من شأنها ان تغلق هذه الدائرة، وكيلا تفتح أخرى.

لم يتردد الرئيس ريفلين، في العام 2014 ولم يحرج مثل حرجكم اليوم، حين اعلن أمام العالم وقال: "ما حصل في كفر قاسم هو جريمة نكراء يتوجب علينا أن ننظر اليها مباشرة، ولزامًا علينا ان نعلّم الأجيال القادمة عن هذا الفصل العصيب وعن خلاصاته" .. هكذا قالها بدون تأتأة وبلا مناورات.

أما عندنا فمن لم يتعلم من "قرش شدمي" لن تنقذه الخطط الخماسية ولا المليارات.      

وأهيمُ حُبًّا / الدكتور حاتم جوعيه

 



   لقد أعجبني هذا  البيت من الشعر المنشورعلى صفحة  أحد الأصدقاء في الفيسبوك ، وهو :

(وأهيمُ  شوقًا إن  مرَرتِ  بخاطري    كهيامِ    أرضٍ    للسَّحابِ    الماطرِ)

  فنظمتُ هذا الأبيات  الشعريَّة ارتجالا ومعارضة له :


يا  وَحْيَ  إلهامي  وَمَرْتَعَ   ناظري     في الحُبِّ  قد أصبحتُ  أروَعَ  شاعرِ

الحُبُّ     عمَّدني     بنورٍ    طاهرٍ     مثلَ   الملاكِ    في   جمالٍ    ساحرِ

يومَ    التقينا   كان   احساسٌ    لنا      أنّا     التقينا     مُذ     زمانٍ     غابرِ

وأهيمُ    حُبًّا    كلَّ   خفقةِ    خافقٍ      يبقى    غرامُكِ     كالنّسيمِ    العاطرِ 

لكِ منزلٌ طولَ المدَى  في أضلعي      وَيظلُّ  ذكرُكَ  ساطعًا   في  خاطري

وجنانُ  روحي  في غيابِكِ  أقفرَتْ      تُحيينَ  روحي   كالسَّحابِ    الماطرِ

لولاكِ ما  شعَّتْ  نجومٌ  في  السَّمَا      ما   طارَ  طيرٌ  في   سماءِ   بيادري

أنتِ  الحبيبةُ   نورُ عيني   والمُنى      تبقينَ    أحلى   غادةٍ     في   ناظري 

فُقتِ     النساءَ    مكانةً     وَمَناقبًا       أنتِ   المليكةُ    فوقَ   عرشٍ   باهرِ  

شقراءُ   يا   ترنيمة  الأملِ  الجَمي      لِ ... وبهجةً    دومًا    لقلبٍ    حائرِ

سأظلُّ     أهواكِ     لآخرِ    نسمةٍ       أنتِ  الحبيبةُ   رغمَ    أنفِ   الزَّاجرِ

إنِّي   على   عهدي   لآخرِ   خفقةٍ       أبقى    الوفيَّ    وفي   زمانٍ   جائِرِ


الكتابة الابداعية – الايحائية في قصيدة (غناء عوسجة بدمعة كبرياء) للشاعرة سلوى علي – العراق/ كريم عبدالله

 


أنّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي القصيدة التي تتخلّى عن الوزن والقافية , تكون فقراتها النصيّة سلسة , وفي نفس الوقت صعبة الانقياد والكتابة , تعبّر عن هواجس النفس الدفينة , وعمّا يحدث في أعماق الروح , وتُثير المتلقي وتجعله يقف أمامها مندهشاً متحيّراً قلقاً , أنّها تُكتبُ على شكل كتلة واحدة وبدون تشطير أو ترك فراغات بين فقراتها النصيّة أو نقاط , وتكون طبيعتها شعريّة , حيث ينبعث الشعر الكثير مَنَ النثر الكثير , تُكتبُ بالجمل المتوالية والفقرات المترابطة فيما بينها , وتحتفظ  بخصوصيتها الشعريّة , وتبتعد كثيراً عن السرد الحكائي , تكون الكتابة فيها متواصلة , وتمتاز بكثرة الصور الشعريّة والمشحونة بزخم شعوري عاطفي شديد , هي المزاوجة ما بين النثر والشعر , والتشظّي الشعري , تبتعد كثيراً عن التشطير ولا تكتفي بالصورة الشعريّة المعهودة , كلّ جملة فيها هي عبارة عن سطر شعري , فهي ليست قصة أو مقالة , هي لا تمتلك ثيمة ولا تسلسل حكائي ولا حتى تطور حدثي , فقراتها النصّية تتتابع وتتوالى , وكذلك صورها الشعريّة الكثيرة , وما فيها من كمية مشاعر وأحاسيس مرهفة , قادمة مِنْ أعماق الذات الشاعرة , تحافظ على الرمزيّة الإيحائيّة والتكثيف اللغوي والصور الشعرية والأنزياحات , هي القصيدة التي لا تعتمد على توظيفات بصرية إيقاعية , التعبيريّة فيها تعني التقاط المعنى العميق والدفين وإظهاره بصورة شعريّة مذهلة , لغتها التعبيريّة تكون بلّوريّة ومن خلالها نستطيع رؤية العوالم الداخلية للذات الشاعرة .

في هذه القصيدة السرديّة التعبيريّة النموذجيّة / غناء عوسجة بدمعة كبرياء / , نجدها تشتمل على التضادية ابتداء من :

1-    نثرية الشعر ( النثروشعرية ) .

2-    شعرية السرد ( السرديّة الشعريّة ) .

3-    توصيلية الرمز ( الرمزيّة ) .

4-    تأثيريّة الكلام شعورياً واحساسيّاً ( التأثرية الشعورية ) .

5-    الادراك العميق باللغة ( التجريديّة ) .

فنحن أمام عناصر ذهنية للتعبير تتمثّل بالفكرة , وعناصر روحيّة تتمثّل بالعاطفة والجمال .  وبالعودة الى الوحدات التعبيرية لهذه القصيدة نجد هذه الحالة من التناغم ما بين الروح والعقل والجسد , فاللغة هنا وليدة منتجة نتيجة عشق الشاعرة للغة والتوسع والابحار في جماليتها وهذا ما نجده في هذه الوحدات التعبيرية نتيجة لقدرتها وشعورها العميق باللغة وهذا ينمّ عن تجربة كبيرة للشاعرة . فمن خلال الولوج الى عالم الشاعرة الشعري ومن خلال عنوانها المثير واللفت / غناء عوسجة بدمعة كبرياء / نجد العمق الشعري الظاهر والمتجلّي , فالعنوان عبارة عن وحدة تكوينية يشتمل على الرمزيّة والتعبيريّة والتجريديّة والايحاء والخيال الخصب في رسم هذه الصورة الفذّة , هنا تتجلّى بوضوح التأثرية الشعورية والايحائية والرمزيّة والتجريديّة , هذا العنوان ينفتح أفق من التأويل , فمثلا ترمز مفردة / غناء - يرمز الى صوت الذات الشاعرة ,/ عوسجة - هو الذات الشاعرة نفسها , / بدمعة - التأثير الشعوري الإحساسي , / كبرياء – الدراك العميق بالغة التجريديّة التعبيريّة , أنّها أغنية حزينة يتجلّى من خلالها الكبرياء , والعنفوان , والقوّة , هذه الذات الشاعرة – العوسجة الشجرة المغروسة في الأراضي الجافّة وما يعني من غربة وانفصال وتشظّي تقاوم البقاء والصمود رغم الجفاف وعدم وجود التربة الصالحة والأجواء الملائمة لنموّها , بدمعة – بوح تعبيريّ يدلّ على تحمّل الصعاب والحزن والمحن ومدى التأثير النفسي والجسدي وما تلاقيه من مشاق وصعوبات في الحياة , لكن رغم كلّ هذا فها هي الإنسانة والشاعرة المعتزّة بذاتها والحاملة لكلّ هذا الكبرياء والشموخ , هذه الكرامة التي هي من أعزّ ما يمتلكه الانسان ويصنع كيانه ويحفظ هيبته ووجوده وكرامته من الضياع , هنا يوحي لنا العوان وكذلك بقيّة القصيدة بمدى تمسّك الشاعرة بكرامتها وبعدم تفريطها بها , وبعدم التهاون والتنازل وتقديم الخسارات .

والان لنتناول قصيدة الشاعرة : سلوى علي , وبهدوء نتجوّل في رحابها وشموخها وجماليتها , فمثلا نقرأ / اوتارها ترياق شقاء / كيف تكون الاوتار ترياقاً للشقاء – هذه اللغة التجريديّة حيث تنقل لنا المشاعر والأحاسيس بدلاً عن المعنى المتعارف عليه , ثم نتدرج في بحر ابداع الشاعرة بهدوء وحذر شديد / يقطع الحبل السرّي لمشيمة تفاحة عذراء فائرة الروح بين مزارات شواطئ الملح في عراء خريفها بتلك الارض الراسخة فوق خطّ استواء الانغماس / , هنا نجد بانّ الكلام ليس كلاماً عادياً جميلاً فقط , وانما هنا تتجلّى عظمة اللغة المبهرة والعظيمة , والتي تتراوح ما بين التعبيريّة والتجريديّة , ومن بعيد توح بالكثير بالعاطفة الجيّاشة وجمال الروح , ثم / كلّما انجبت عوسج امرأة حنطّيّة عصافير كهلة فوق ربوة خرساء منَ اللمسة الاولى , تجمع رايات الاستسلام في حقبة مدينتها الحزينة تقضم خشخاش الدهشة بين أنياب الذئاب الادبيّة التي أخطأت مرادها / , هنا نجد الانزياحات اللغوية والانحرافات العظيمة في اللغة والابتعاد بعيداً عن السطحية والمباشرة , وكذلك نقرأ / تبكي ووحمة أزقّتها القديمة التصقت بجداول كرزها بين ثمالة الامزجة تتذوق الف خذلان وحفنة قرنفلات من حنظل / , نجد هنا التأثيرية الشعورية العنيفة تنبعث من بين طيّات هذا المقطع النصّي الفذّ , فهذا المقطع يمتلك طاقات شعورية عنيفة وتوصيليّة رمزية محبّبة وإيحائية عالية البوح والـتأثير , ثم نقرأ للشاعرة / تشقّ صدر الكلام , علّها تنقر حشود الاسئلة كلّما تفتّقت بوصلات الضمائر هامتها الراسخة وهي تبحث عن رغيف خبز بدمعة كبرياء خوفاً مِن الغواية / , هكذا تنهي صراعاتها النفسية ومكابداتها بهذا المقطع النصّي ولتقول لنا بإيحاء : أنّها ستبقى شامخة كالجبال الراسيات مرفوعة الرأس رغم قحط الغيوم وجفافها , تبقى باقية يرافقها الإباء والكرامة زادها رغم الفقر والعوز والحاجة , عزيزة النفس صلبة متماسكة رغم ذئاب الغواية التي تحدق بها من كلّ جانب وتحاول أن تنهشها , وليبقى الصراع محتدما ومفتوحا ومستمرأ من أجل الخير والسلام والمحبة والمحبة ضد جيوش الظلام وذئاب الطغيان والفقر والعوز . لقد استطاعت الشاعرة : / سلوى علي /  مِنَ التفنن والابحار عميقاً في عوالم اللغة التعبيريّة والتجريديّة يساعدها في ذلك خيالها الخصب ومخزونها المفرداتي والمعرفي , فاستخلصت كنوز هذه اللغة الدفينة وأستنطاقها بطريقة ابداعية مدهشة .


القصيدة :

غناء عوسجة بدمعة كبرياء

أوتارها  ترياق  شقاء ، یقطع الحبل السري لمشیمة تفاحة عذراء فائرة الروح بین مزارات شواطئ الملح في عراء خريفها بتلك الارض الراسخة فوق خط استواء الانغماس ، كلما أنجبت عوسج امرأة حنطية عصافير كهلة فوق ربوة خرساء من اللمسة الأولى ، تجمع رایات الاستسلام في حقبة‌ مدينتها الحزينة تقضم خشخاش الدهشة بین ٲنیاب الذئاب الأبدية التي ٲخطٲت مرادها. تبكي و وحمة ازقتها القديمة التصقت بجداول كرزها بین ثمالة الامزجة تتذوق الف خذلان وحفنة قرنفلات من حنظل. تشق صدر الكلام ، علها تنقر حشود الأسئلة كلما تفتقت بوصلات الضمائر هامتها الراسخة وهي تبحث عن رغيف خبز بدمعة كبرياء خوفا من الغواية.

..........

سلوی علي / السلیمانیة - العراق

لا يتسع النوم للأحلام/ حسن العاصي

 


1

قلوب العشّاق تسكنها عصافير الله

يحلّقون مثل الفراشات

فوق أغصان الضوء

يرقبون مقله الفؤاد

ترقص على أوتار الهوى

أين ترحل الطيور

إذ ما أغلق العاشق ضلوعه

وعلى أية نافذة

ستشدو شجوها الأليل

2

كيف يكون قلب الأم في زحمة التراب

حين يفترش الحجر دموع الضوء

وأي قبر يتسع لقبضة من نور

هل يتحول إلى أغصان من فضة

بعد الموت

قلوب الأمهات رحمة الله وإحسانه

وهي رضاه لمن يشاء

مسافة الخلاص

قلوبهن شفاعتنا

يوم يصير الناس جُثاً

وتحت أقدامهن

يفترش الفائزون الجنة

3

أن تأووا إلى النوم

ثمة حفّار لزفرة البحر

عندما يدعوكم الموسم للنوم

تنامون بغفلة ولا تصحون

يفتحون لكم فوهات التراب

ويشيّعكم الوقت المتعب

لا زمن للكفن

هذا مقام الروح عائدُ للوتر

لم يبق في النبض رمق

خلّان القلب حين يرحلون

ينامون

نظل وحدنا نرتدي أصابعهم

تظل أصواتهم أهزوجة في معاصمنا

وتصبح كل جهاتهم

رماحاً في عيوننا

4

متعبون مثل خطى تائهة

غرباء تهجرهم الموانئ

للريح معهم حكاية

تغيّرهم في كل فصل

تعطيهم لون القهر

حتى بهتت ملامحهم

تكاد أن تندثر

وعيونهم تتوسّد المسافات

على قارعة الجفاف

لا تحييها زخات المطر

أرواحهم الهزيلة

أضحت مرايا مسفوحة

حين أضنتهم الشدّة

خَبّئوا في أجنحة الطيور الراحلة

أسئلة التعب

5

لا يتسع النوم للأحلام

نطفو فوق الفراغ المغلق

نضرم وجهنا للغيمة الخضراء

لا أديم لهذا الأرق

غير أن غابة الليل رمق السهد

كلما أوينا إلى النعاس

لنعتلي أشرعة الجنون

يتخشب البساط

السودان على صفيح ساخن/ شاكر فريد حسن

  


منذ أن انتصرت الثورة في السودان العام 2019، لم تهدأ الدولة السودانية، وما زالت التفاعلات والتجاذبات والتباينات والصراعات على أشدها، بين المستويين العسكري والشعبي- المدني، وبين قوى الحرية والتغيير، التي انقسمت إلى قسمين: جماعة المجلس المركزي، وجماعة الميثاق الوطني، وقوى سياسية أخرى خرجت من الإطار العام وعلى رأسها يقف الحزب الشيوعي السوداني، ومجموعة من تجمع المهنيين. 

ورغم التناقضات والتباينات والاختلافات في المشهد السوداني السياسي والحراك الشعبي، هنالك اجماع بين الكل السوداني وهو تسليم القوى المدنية والشعبية مقاليد الحكم بدلًا من العسكر، وأن لا عودة لفلول النظام البائد السابق، مع التأكيد على ضرورة التغيير بالنضال السلمي ورفض العنف والتمسك بخيار الديمقراطية. 

ورغم قناعات القوى الوطنية والسياسية السودانية بأن فلول نظام البشير المخلوع ما زالت تعشش في أروقة وداخل المؤسسات الحكومية الأمنية والعسكرية، إلا أنها لا تقوى للعودة للحكم، لأن الشارع الجماهيري السوداني يرفض هذا الخيار جملة وتفصيلًا، وتلويح فلول الإخوان بالعصا والحزرة لن يفيد العسكر بأي شيء. 

ومع كل ذلك فإن الأزمة السودانية تتعمق أكثر، وهناك حديث عن خطوة انقلابية بالسودان، حيث احتجزت قوات العسكر رئيس الوزراء السوداني عبد اللـه حمدوك ووضعته رهن الإقامة الجبرية، بعد اعتقال عدد من الوزراء والمسؤولين، وقطع اتصالات الانترنت، وإغلاق مطار الخرطوم وتعليق الرحلات الدولية. 

وكانت الجماهير السودانية وقواها السياسية المختلفة خرجت للشوارع قبل فترة وجيزة مطالبة برفض حكم العسكر، وتسليم الحكم للمدنيين، والمطلب الشعبي استقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط في السودان تمثل جميع التيارات السياسية والقوى الشعبية. 

الغيوم ملبدة في سماء السودان ويكتنفها السواد، والبركان السياسي قادم، والسيناريوهات الآن مفتوحة على مصراعيها وعلى أكثر من مشهد. والسؤال: هل السودان قادر على تجاوز أزمته السياسية بأقل ثمن؟!!   

سيلفي مَعَ الوَطَنِ/ الأب يوسف جزراوي

  


١- 

كُلّمَا رأيتُهُ يبتسمُ

أقولُ فِي سرّي: 

أهذا العِراقُ؟!!.

فيجيبُني المهجرُ بمثَلٍ شهيرٍ:

يخلقُ مِنَ الشّبهِ أربعين!.

٢-

 بلادي ترقدُ

فِي صالةِ ولادةٍ قيصريّةٍ

فالولادةٌ مُتعسِّرةٌ!

الجميعُ كأبٍ ينتظرُ مولودًا بترقّبٍ...

والطّبيبُ كالشّعبِ 

فِي لظًى مِنْ أمرِهِ

بَيْنَ الحاويةِ والمحتوى! 

وَمَا كَانَ ذَلِكَ الجنينُ الوَلِيدُ

سِوَى طفلةٍ جَميلَةٍ

تُدعى تشرينَ!.

٢- 

أيَّتُها الغُربةُ 

النصُّ الَّذي يكتبُني لغيركِ

انتعلَ طريقًا مُغايرًا

وفرَّ مَعهُ القَلَمُ 

فكيف تودّينَ الاِنتِهاءَ إِليّ

وعقلي طردَكِ

 مِنَ البابِ الخلفيِّ لقلبي؟!.

تمهّلي قليلاً

دعيني أدقُ أسفينًا آخرَ

 في نعشِ اللّقاءِ.

 ٣- 

أيُّها النّهْرُ

أعلمُ أنّكَ انتظرتني طويلاً

مِنْ أجلِ سيلفي قصيرٍ

لَكِنّي ما عدتُ أرغبُ فِي المضيّ  إلَيْكَ!

فساقُ سيجارتي لا يسيرُ

لِنهرٍ بِضفةٍ واحدةٍ

لِذَا سأوقدُ سِيجَارةً عَلَى رُوحِ الّلقاءِ

وتَنَفَّسْ ما تبقى 

مِنْ أُوكْسِجِينِ وداعي!

فكُلُّ لقاءٍ فراقٌ

وَمَا مِنْ يَومٍ 

سألَ الفراقُ عَنِ التّلاقي.

٤- 

كُلّمَا لجمَ فيَّ التّرحالُ لُغةَ الصّلاةِ

 أُحدّقُ فِي السّماءِ وأصمتُ

لأنَّ اللهَ يعرفُ البقيّةِ...

٥- 

بَلدي 

ولأنّني إنكيدو زماني

أخشى عليكَ مِنْ نزالِ حاكمٍ

خشيةَ الجيادِ عَلَى الفارسِ!

٦- 

حِينَ يكونُ مزاجُ قلمي حسنًا 

أطلقُ سراحي للحَيَاةِ 

وأنسى العِراقَ لبرهةٍ!

٧-  

ألفتُ الفواجعَ فِي بَلدي 

وصرتُ كاتبًا لَهَا 

أتصيّدُ مآسيَ الهمِّ اليوميِّ

فِي بَلدٍ تُبللُّ الدّموعُ خديهِ...

حينًا أتلصّصُ عَلَى فواجعهِ بوجعٍ

وحينًا آخرَ أُطاردُها كأسدٍ جريحٍ

حَتَّى أمسى مذاقُ الوَطَنِ فِي فمي

مريرًا كالعلقمِ!.

٨-

حملتْني عربةُ الوَطَنِ 

إِلَى منفًى بعيدٍ

فأبيتُ وأنَا أكتبُ

مِنْ وراءِ قضبانِ الغُربةِ

إِلَّا أنْ أكونَ نوحَ القلمِ وأيّوبَ الكلمةِ

فِي سبيلِ عراقٍ

استوطنَ حُبُّهُ قَلْبِي 

يجولُ فِي ذاكرتي الموجوعةِ

ولا يُبارحُها أبدًا...

ولَكِنْ 

مَاذَا ينفعُ المغتربُ

لو انتشرَ فِي كُلِّ الأوْطَانِ

وخسرَ وطنَهُ؟!.

٩-

بلادي

كلانا‫ كالقمرِ!‬

‫ لنا وجهانِ‬

‫ أحدُهما مظلمٌ والآخرُ مضيءٌ!‬

كُلَّمَا تَقَوَّضَ كسوفُ أَحَدِنا

اِستَقَامَ بدرُ الآخَر!!.

١٠-

يَا الّلهُ

فِي التّاسعِ مِنْ نَيْسَانَ

كَذبُوا عَلَيْنَا أُكْذوبةً....

حَتّى صارَ الوَطَنُ

كَذبَةَ نَيْسَانَ!! 

١١-

أيُّهَا الوطنُ المَسْلُوبُ

لا تَبكِ عليَّ!

فَقَطْ تَذَكَّرْ

كَمْ مِنْ مرّةٍ وَكَمْ 

رفعوني قُرْبَانًا

 عَلَى مَذْبحِكَ!

كَفكفْ دمعَكَ

ولَا تفتّشْ عَنْ مفتاحٍ....

عقلي مغلقٌ بالشّمعِ الأحمرِ!

وَلَا تبحثْ عَنْ طريقةٍ

فَقَدْ دخلَ التّرحالُ فُؤَادي

مِنْ بابِ عقلي...

فَلَسْتُ أنَا 

مَنْ يَبْنِي عُشًّا فَوْقَ السَّحَابِ!

لِذَا لَا تَبكِ وَلَا تَنحَب...

يَوْمًا ستُشَفَى مِنّي.

١٢-

عام ٢٠٠٥ غازلتني الغُربةُ:

أعرفُكَ عَنْ بعدٍ

ولَكِنْ رُوحي تعرفُكَ عَنْ قربٍ

أوَلا يكفي التقاء روحينِ للتّعارفِ..

فعَلاَمَ تهابُ مِنّي؟!.

أجبتُها: ويحكِ

وَكَيفَ أهابُ وأنَا المَهِيبُ!.

ومِنْ حينِها طلّقَنيَ العِراقُ بِالثّلاثةِ

واكتفى مَعِي بالسّلفي!.


مِنْ ديوان ( سيلفي مع الوَطَنِ)

عَنْ دار ميزوبوتاميا

بغداد٢٠٢٠


الوجه الاخر للصراع العربي الاسرائيلي/ سري القدوة



في احدث عمليات السرقة في فلسطين يقوم بها وينفذها قطعان من المستوطنين تتمثل في سرقة ثمار الزيتون الفلسطيني تحت حماية جيش الاحتلال الاسرائيلي ويستغل بعضهم عدم استطاعة المزارعين الفلسطينيين الوصول إلى أراضيهم القريبة من المستوطنات والنقاط العسكرية المتمركزة على أراضيهم إلا بتصريح تحدد زمانه ومكانه سلطات الاحتلال الإسرائيلي إذ يهاجم المستوطنون أشجار الزيتون ويسرقون ثمارها كما حدث خلال الأيام الماضية في عدد من قرى الضفة الغربية المحتلة.

وزادت وتيرة سرقة ثمار الزيتون من قبل المستوطنين في قرية قريوت (جنوب مدينة نابلس) وهي قرية محاطة بالمستعمرات والبؤر الاستيطانية، وتتعرض بشكل دائم لاعتداءات من قبل المستوطنين حيث يعتدون على أراضيهم الزراعية وأشجارها وعلى المزارعين ويغلقون الطرق عدا عن مصادرة الأراضي .

اعتداءات المستوطنين تزايدت هذه الفترة حيث لا يكتفون بتكسير وحرق الأشجار بل إنهم أصبحوا يسرقون ثمار الزيتون من الأهالي وقد سرق مستوطنو «عيليه» المقامة على أراضي القرية عدداً كبيراً من أشجار الزيتون في منطقة الكرم غرب قريوت حيث اقام المستوطنون خيمة فوق أراضي المزارعين القريبة من المستعمرة بينما لم يتمكن الأهالي من التوجه إلى أراضيهم لقطف ثمار الزيتون ولم تسمح سلطات الاحتلال الى اصحاب المزارع بالوصول لها.

ودائما ما يجد المزارعون الفلسطينيون عدداً من أشجار الزيتون قد سرقت وقُطفت ثمارها وخاصة في اراض قريبة من المستوطنات كما حدث مؤخرا بالقرب من مستوطنة «جفعات رونيم» التابعة لمستوطنة «براخا» المقامة على أراضي جنوب نابلس وفي قرية بورين جنوب نابلس، تفاجأ أهالي القرية بسرقة أخرى نفذها مستوطنو بؤرة «جفعات رونيم» المقامة على أراضي المزارعين شرقي القرية ورصد المزارعون الفلسطينيون حسب ما نشرت وسائل اعلام فلسطينية سرقة أخرى نفذت في أراضي قرية الجانية غربي مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة حيث هاجم المستوطنون القادمون من مستعمرة «بيت رعنانا» المقامة على أراضي الفلسطينيين واعتدوا على الأشجار وسرقوا ثمارها .

المستوطنون يصلون الأراضي ومعهم معدات قطاف الزيتون ويأتون مع عائلاتهم في بعض الأحيان في إشارة إلى محاولتهم للسيطرة على الأرض وطرد أصحابها الأصليين منها وهنا لا بد من المجتمع الدولي تسجيل تلك الجرائم ورصد كافة هذه الاعتداءات والعمل على التدخل لتوفير الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني من تلك الاعتداءات .

لقد اقدمت عصابات المستوطنين على تحطيم واقتلاع عشرات اشجار الزيتون وسرقتها والتي يعود تاريخها لآلاف السنين وعملوا على نقلها الى المستوطنات ومن ثم أضرموا النيران ببقية الأشجار الواقعة في الاراضي الفلسطينية وهذه الاعتداءات التي يمارسها قطاع المستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال تتكرر وتحدث في كل عام مع بدء موسم الزيتون إذ اعتاد الأهالي على سماع خبر سرقة الزيتون لكنهم لا يستطيعون الوصول إلى هناك لحماية أراضيهم وأشجارهم بسبب تواجد الاحتلال ومنعهم من ذلك فضلا عن أن عملية السرقة ينفذها المستوطنون في خفية الليل كي لا يشاهدهم أحد ويلفتوا الانتباه .

المستوطنات الاسرائيلية أقيمت فوق الأرض الفلسطينية وهي الوجه الاخر للصراع بعد مصادرة وسرقت الارض من اصحابها الاصليين واستولت سلطات الاحتلال العسكري عـلـى الموارد الطبيعية والمياه وقطعت القرى الفلسطينية عن المدن وفي ظل هذه الممارسات لا بد ان تعمل الأمم المتحدة علي توفير الحماية للشعب الفلسطيني وان يتم اتخاذ إجراءات حقيقية لتدخل الفوري لوقف اعتداءات المستوطنين وحالة الفوضى التي خلفتها ممارسات الاحتلال الاسرائيلي.

الرسالة الثالثة والستون: الكتابة صنعة لكنّها صنعة مؤذية بالضرورة/ فراس حج محمد



السبت: 16/11/2021

صباحك الحبّ أيتها الرائعة الشهيّة في كلّ شيء، ها قد أتى المطر ولم تأتي، وتقولين قد بدأ العدّ التنازلي، ولمّا تحضري، ألم تعلمي أنّني منذ وعدك الأوّل باللقاء، وأنا أعدّ تنازليّاً؟ لكن لا شيء بعيد ما دام أنّه لا بدّ قادم. وها أنا أعود إلى مراسلتك بعد انقطاع طويل أملاً فيما تتوق له النفس وترجو.

كان الوقت كلّه حافلاً، ما زلت أكتبُ وبغزارة، أتأمّل كلّ شيء من حولي، وأحاول أن أجعل كلّها قابلة للكتابة، ربّما هذه هي مهمّة الروائيّين، لا مهمّة النقّاد أو الشعراء. على أيّ حال ثمّة أشياء حدثت تهمّ الكتابة، أحببت أن أطلعك عليها، وأوّلها: أنّني بانتظار خروج كتابي الثالث والعشرين من المطبعة "من قتل مدرّس التاريخ؟"، كتاب مختلف في موضوعه؛ إنّه يتناول ظاهرة الصحيفة سيّئة السمعة والصيت "شارل أبدو" واستفزازها المشاعر الدينيّة، فجمعت كلّ ما كتبته في هذه القضية ضمن هذا الكتيّب صغير الحجم، لأثبّت رؤيتي ووجهة نظري تجاه بعض القضايا المبدئيّة في الحياة. وما زلت منتظراً ديوان "وشيء من سرد قليل"، فما زال في المطبعة، ويستعصي على الخروج والانطلاق، لا أدري ما الذي يقيّده هناك!

في زيارتي الأخيرة لمدينة جنين للقاء مجموعة من كتّاب فلسطين المحتلّة عام 1948، ثمّة أمور مزعجة كثيرة، فقد اكتشفت خلال هذه الرحلة مهمّة جديدة للكاتب، أو لي أنا على الأقلّ، إنّ مهمّتي أن أوذي كلّ من عرفت، هكذا تقول لي امرأة غاضبة، لها بي صلة عابرة، أو على الأصحّ هي تقول إنّ صلتي بها صلة عابرة، تبعث لي برسالة "حقودة" بائسة تقطر سُمّاً، تقول في جزء منها: "أنت تلحق الأذى بكلّ من عرفك". يبدو أنّ كلامها صحيح نوعاً ما، فالكتابة تثير المتاعب والمصاعب، صديقة كاتبة أخرى، لها وجهة النظر ذاتها تعبّر عنها وهي تضحك بعد أن قرأت ما كتبته مؤخّراً منتقداً مجلّة ميريت الثقافيّة، وتقول: "يا لك من كاتب، لم توفّر أحداً، خِفّ عنهم يا زلمة". صديقتي هذه لم تصفني بالمؤذي لكنّ اعتراضها يحمل هذه الصفة. 

أظنّ أنّكِ أيضاً قد وقعت في هذه الورطة من الكتابة. تذكّري مثلاً كم مرّة جرّتك الكتابة للدفاع عن النفس أو أدخلتك في متاهات لا تدري كيف دخلتِها. ربّما الآخرون أحياناً يدفعونك لتكون مؤذياً.

الغريب أنّني شخص مؤذٍ، هكذا قال لي أصدقاء كثيرون، وهو نفسه السبب الذي جعل امرأة ما منذ سنوات تتركني إلى غير رجعة، بل وتكرهني كأنّني "لا شيء" كما قالت. الكتابة كانت سبباً في انفضاح أمرنا، وقد كان سرّاً، اكتشفَنا الفضوليّون بسرعة كبيرة، وصاروا يتابعون ما أكتب فيلمزونها بالحديث عنّي، فتزداد خجلاً أمامهم، ليتخلّق حقدها عليّ ليصبح هجراناً تامّاً غير جميل. هي الآن تعتبر نفسها ضحيّة من ضحايا كتابة كاتب مؤذٍ جدّاً. لذلك كثيراً ما تمنّت لي الموت في رسائلها العاجلة التي كانت تكتبها بين الحين والآخر.

المرأة الأخيرة التي أوقعتني في شركها سنة كاملة باسمها المستعار وهي تكذب عليّ وتمثّل أنّها تحبّني، أيضاً اتّخذت الموقف ذاته، فأنا مؤذٍ جدّاً بالنسبة لها، هكذا قالت لي في إحدى رسائلها المقتضبة قبل نحو ثلاثة أشهر. لقد غدت الكتابة عنها كتابة تجلب لها التعاسة، بل ربّما ساهمت في تقويض حياتها. تركتني من أجل أن تظلّ بسلام، ليس هذا هو تهديدها الأوّل، بل إنّها منعتني من أن أنشر نصوصاً كثيرة، وهدّدتني قائلة إنّك لن تراني ولن تسمع صوتي بعد ذلك لو نشرت ما كتبته، نشرت تلك النصوص متجاهلاً تلك التهديدات. أعتقد الآن وقد رحلت إلى غير رجعة أنّ معها بعض الحقّ، فقد كانت هي أيضاً امرأة مؤذية، وأنا كنت كاتباً مؤذياً.

هي ذاتها التي تعتقد أنّني "كاتب غير نبيل" لو قمت ونشرت ما بعثَتْه لي من رسائل، ولو حرفاً واحداً منها. سأقوم بنشرها بالتأكيد في الوقت المناسب في كتاب، فكل ما كتب لي فهو لي وهو من حقّي، وأتصرّف فيه كيفما أرغب وأشاء. لقد باتت على قناعة تامّة أنّ كثيرين يعرفون أنّها هي المقصودة في كتاباتي الأخيرة. لا أظنّ أنّ هناك شيئاً أثقل على النفس من امرأة كانت محبّة وتهدّد، لا أتصوّر امرأة شفّافة تحمل شيئاً من نزق البلطجيّة، وهذه خيبة كبرى وليست فقط مجرّد إحساس بالأذى. هذه المرأة أبعدها الخوف، والأولى أبعدها الكره، والنتيجة واحدة، هي الكتابة. كذلك أخاف أن تجبرك الكتابة على أن تبتعدي عنّي كالأخريات، فهل يحدث ألّا أراك نهائيّاً، وأظل منتظراً؟

لا تستغربي منّي هذا التوجّس، النساء اللواتي يتعرفن عليّ يبدين خوفهنّ منّي لأنّني مؤذٍ، سأكتب عنهنّ، وعن قصصهنّ معي أو مواقفهنّ، إحداهنّ لا تخاطبني إلّا بــ "الشرّير". تنبهني كثير من النساء ألّا أفعل وأكتب عنهنّ، إحداهنّ؛ امرأة جميلة ذات حكاية طريفة، تستلّ منّي وعداً مغلّظاً باليمين من أجل ألّا أكتب عنها. وعدتها ألّا أذكرها بخير أو بشرّ في أيّ نوع من أنواع الكتابة، فارتاحت واطمأنّت، وما زالت ترافقني إلى اليوم براحةٍ وهدوء بال. بل لقد صار بيننا أشياء مشتركة كثيرة، ومشروع كبير مفاجئ؛ لعلّه يرى النور قريباً. إنّه ليس مشروعاً كتابيّاً على أيّ حال، فالكتابة لن تأتي بخير أو جمالٍ أبداً.

ليس فقط النساء العاشقات من يشعرن بالأذى، الأصدقاء يرونني مؤذياً أيضاً، صديق آخر تتعرّض سيارته لحادثين وأنا معه برفقته؛ واحد أوّل النهار، والثاني آخر الرحلة. يكلّفه الحادثان بعض المال ويسبّبان له الإرباك في حياته الاجتماعيّة، أنا كنت سبب خسارته وإرباكاته، فلولا أنّه يحبّني ورافقني بناء على دعوتي له لم يكن ليحدث كلّ هذا. صديقي هذا لم يتحدّث معي بعد الحادثين، اكتفى بمراسلتي لأقرأ له ما يكتب. لقد قالها مازحاً وجادّاً: "أرأيت كيف الحبّ يجلب الأذى؟". لعلّه رأى أنّ في امتناعه عن التواصل معي بعض الراحة والبعد عن الأذى. تخيّلي لو أنّ سيارتك المسروقة سرقت وأنا برفقتك هل ستربطين هذا بذاك كما فعل صديقي؟

صديقي المقرّب يحاول أن يقول الشيء نفسه، لكن بطريقة أخرى، فالفولة لا تُبلّ بفمي، بمعنى أنّ كلّ شيء أسمعه أحوله إلى موضوع كتابيّ. الأمر مزعج مؤذٍ، هذا ما يريد أن يقوله لي صديقي، فهو دائماً حذر في الحديث معي، لأنّني سأقول كلّ شيء يوماً ما وأكتبه، ولذلك فأنا مصدر قلق وأذى له ولغيره من الأصدقاء.

على ما يبدو أنّني كاتب سيّئ الحظّ، وليس فقط عاشقاً سيّئ الحظّ، إن أتيتِ فلن أكون عاشقاً سيّئ الحظّ بالتأكيد، على الرغم من أنّني لست حقوداً ولا حسوداً، وأحبّ الخير لكلّ الأصدقاء، ربّما يعود كلّ ذلك إلى مغالطات الربط بين السبب والنتيجة، ولا أريد أن أفلسف الأمور، فقط أردت أن أخبرك كيف يتمّ التعامل مع بعض الأحداث، وكيف يتمّ تفسيرها.

رأي أصدقائي ومعارفي وأحبابي فيّ يثير حزني كثيراً إلى حدّ البكاء الداخليّ. نعم لقد صرت أبكي سرّاً في داخلي، كلّ من حولي من الأصدقاء يذكّرني كم أنا شخص سيّئ، أجلب الأذى، حتّى الزملاء، بعض الزملاء والزميلات يقولون عنّي أنّني شبهة وسُبّة، والبعد عنّي مكسب. فمن أتعامل معهم في العمل في مواقع كثيرة يعتقدون أنّني أيضاً على قدر كبير من الأذى.

في الحقيقة، أيّتها الحبيبة، لا أستطيع احتمال هذا الشعور الضاغط عليّ في أنّني شخص مؤذٍ، هذا شعور قاسٍ بالفعل. فكّرت في الاعتزال التامّ، لكنّني لا أستطيع؛ عملي يجبرني على أن أكسر طوق العزلة يوميّاً عن نفسي، لا أستطيع المكوث في المنزل دون عمل، ثمّة مسؤوليّات يلزمها أن أعمل، صرت أكثر صمتاً في العمل، لا أدخل في أيّ نقاش، لأنّ النقاش سيجعلني شخصاً مؤذياً. احتكاكات العمل جعلت منّي كائناً مزعجاً، مؤذياً. ربّما يلزمني إجازة طويلة؛ لا أرى فيها أحداً، ولا أحد يراني. كيف أوفّر هذه الفرصة؟ لا أدري. فكّرت في الانقطاع عن العالم واقعيّاً وافتراضيّاً، أغيّر أرقام الهاتف، بل لا أريد هاتفاً نهائيّاً، وأرغب في التخلّي عن كلّ ما يوصلني إلى الآخرين أو يوصلهم إليّ، وهذه أمنية قديمة ورغبة تلحّ عليّ منذ سنوات. فكّرت في التوقّف عن النشر، وليس عن الكتابة، لكن ثمّة ما يدفعني لأظلّ موجوداً. عندي هوس لا أعرف كيف أتخلّص منه، الأذى جزء من هذا الهوس. كثير من القرّاء يشتمونني؛ لأنّني أؤذيهم بأفكاري المتحرّشة الصادمة التي تجبرهم على خلع ملابسهم الداخليّة وتحسّس أعضائهم التناسليّة ليطمئنّوا على سلامتها وفاعليّتها، فأكسر حلقة الهدوء حولهم، وأنبش في أشياء يجب ألّا تنبش.

أشيري عليّ، ماذا عليّ أن أفعل لأجنّب الآخرين أذى الكتابة؟ هل كان أصدقائي على باطل ووحدي على حقّ أم على العكس تماماً؟ هل كلّ شيء صالح ليكون موضوعاً للكتابة؟ يريد أصدقائي أن يردّوني إلى المربّع الأوّل، إلى مقولة: "ليس كلّ ما يُعرف يقال"، بل ليس "كلّ ما يقال يفهم كما هو". ما رأيك؟

بالفعل أشعر بالتعب، وصرت أعاني من الصداع كثيراً وهذه هي حالتي وأنا اكتب لك الآن. أخاف أن أصاب بالأمراض المزمنة؛ نتيجة شدّ الأعصاب والتوتُّر الدائم. فهل الكتابة مجرّد صنعة أم أنّها صنعة مؤذية؟ تبدو الكتابة هكذا في حقيقة أمرها. كثير من الكتّاب تعرّضوا للضرب بسبب ما كتبوه، كدت أقع في هذا الفخّ منذ سنوات، فامتنعت عن الكتابة كي لا أضرب على أيدي الزعران والبلطجيّة، كما تعرّض يوماً ما أحد النقّاد إلى البلطجيّة الثقافيّة من أحد الكتّاب، فأرسل له من يؤذيه، لأنّ هذا الناقد كان مؤذياً فيما كتبه عن ذاك الكاتب البلطجي. 

سلسلة من الأذى تصنعها الكتابة. فيا لها من صنعة شرّيرة شيطانيّة، تفرّق المحبّين، وتوغر الصدور، وتجلب الأعداء، وتفسّخ عقود الأصدقاء وعهودهم، كثيرون غاضبون منّي بسبب هذه الكتابة، فمن تناولت كتبهم بالنقد ولم يعجبهم ما كتبت تفيض نفوسهم حقدا وغضباً عليّ، بل إنها لتفور في مرجلها، وتتمنّى ليَ العثرة والاندثار، ولا داعيَ لأعدّد لك الأسماء، فهي كثيرة ومزعجة.

هذه المسألة قد تدفع الكاتب ليمسي وحيداً يجترّ حزنه وألمه ووحدته، ويأكل أصابع الندم، فيموت بالسكتة القلبيّة دون أن يجد من يقول: "عليه رحمة الله". بل "الحمد لله لقد ريّحنا من شرّهِ وأذاه". 

لقد آن الأوان لأراجع نفسي وأصلح من أمرها، عليّ أن اختار بين الكتابة ومتطلّباتها وبين الراحة والهدوء. ولا أعتقد أنّ هذا القرار سهل، أو أنّني قادر على اتّخاذه- على الأقلّ- في المدى المنظور.

أراك قريباً كما وعدتِني، ولا تنسيْ فالمطر أتى ولم تأتي، وبدأتُ العدّ التنازليّ منذ أمد بعيد، منتظراً لحظة الصفر. أحبّك، فكم أنا مشتاق لاحتضانك، لعلّ المطر الخارجيّ يمطرنا بنشوته ولذّته ونحن معاً. فلا تخلقي عندي عقدة الشاعر نزار قبّاني، فأنا كذلك مثله: "أخاف أن تمطر الدنيا ولستِ معي/ فمنذ رحت وعندي عقدة المطرِ".


اندونيسيا .. سباق مبكر نحو قصر مرديكا/ د. عبدالله المدني



على الرغم من أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في أندونيسيا لن تجري قبل عام 2024 وهو موعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي "جوكو ويدودو" الذي لن يستطيع الترشح مجددا بحكم نصوص الدستور لأنه تولى الرئاسة لفترتين متتابعتين، فإن الجنرال المتقاعد "برابوو سوبيانتو" (69 عاما) قد بدأ فعلا الإستعداد لخوض المعركة أملا في أن يصل إلى قصر مرديكا الرئاسي هذه المرة بعد أن فشل في مرات سابقة.

والمعروف أن إسم سوبيانتو لم يغب عن الساحة السياسية منذ أن تمّت الإطاحة بوالد زوجته الديكتاتور السابق سوهارتو في ثورة شعبية عام 1998. صحيح انه غادر إندونيسيا إلى منفى اختياري لبعض الوقت بـُعيد الإطاحة بسوهارتو، خوفا من المساءلة لدوره في قمع انصار الديمقراطية وخطفهم وتعذيبهم مستخدما سلطاته آنذاك كرئيس لأركان الجيش، إلا أنه عاد إلى الواجهة بسرعة مع طموح لا حدود له للوصول إلى سدة الرئاسة. ومن آيات طموحه، الذي زرعه بداخله والده الزعيم الاقتصادي الوطني "سوميترو دوجوجو هادي قاسم"، أنه حاول ان يترشح للرئاسة في عام 2004  بإسم حزب غولكار الذي أسسه سوهارتو وحكم من خلاله البلاد لثلاثة عقود متواصلة، وبسبب فشله أسس حزبه السياسي الخاص في عام 2008 بدعم مالي من أخيه رجل الأعمال "هاشم دجوجو هادي قاسم". وبإسم حزبه الجديد (حزب حركة إندونيسيا العظمى) المعروف اختصارا بـ "غريندا" خاض انتخابات 2009 الرئاسية كنائب للرئيس في قائمة السيدة "ميغاواتي سوكارنوبوتري" زعيمة الحزب الإندونيسي الديمقراطي للنضال"، غير أن ميغاواتي خسرت تلك الانتخابات لصالح الجنرال سوسيليو بامبانغ يودويونو. لم تصبه هذه الخسائر بأي إحباط، فعاود المحاولة في انتخابات عامي 2014 و2019  الرئاسية التي خسرها في كلتا المرتين لصالح الرئيس الحالي جوكو ويدودو. لكن الأخير بعد توليه السلطة قرر إحتواءه فعينه وزيرا للدفاع في حكومته. ومذاك، وبسب منصبه، امتنع عن الإدلاء بأي تصريحات علنية عن خططه المستقبلية. غير أنه ظهر في 13 يونيو المنصرم في مقابلة خاصة منتشرة على اليوتيوب ليقول أن أي شخص محب لبلده قطعا سيترشح في الانتخابات القادمة والقرار النهائي سيكون للشعب لجهة الإختيار من بين المرشحون الكثر.

والحقيقة ان نتائج استطلاعات الرأي التي نشرتها الصحافة الاندونيسية مؤخرا تقول أن الانتخابات القادمة سوف ينحصر التنافس فيها بين ثلاثة مرشحين هم: سوبيانتو، وحاكم إقليم جاوة الوسطى "غانجر برانووو"، وعمدة جاكرتا ذي التوجهات الإسلامية "أنس باسويدان"، وأن من سيترشح باسم الحزب الحاكم حاليا (الحزب الديمقراطي الإندونيسي للنضال) سوف يستأثر بنسبة 26% من الأصوات. غير أن إستطلاعا آخر أفاد بأنه لو أجريت الإنتخابات اليوم لحاز سوبيانوا على أكثر من 34% من أصوات الناخبين مقابل 25.5% للمرشح برانوو، و 23.5% لباسويدان.

لم يصدر عن سوبيانو أية إشارة حتى الآن عن الجهة التي سيتحالف معها لتحقيق حلمه، فشغله الشاغل في هذه الفترة هو أن يلمع إسمه كوزير دفاع جدير بمنصبه، ومسؤؤل يعمل من أجل تعزيز قوة إندونيسيا العسكرية في مواجهة سياسات الصين التوسعية، بدليل كشفه عن صفقة بمبلغ 123 بليون دولار لتحديث الجيش، علما بأن الصفقة تعرضت لإنتقادات مريرة بسبب ضخامة قيمتها في وقت تحتاج فيه البلاد للأموال من أجل مواجهة تداعيات جائحة كورونا، ثم بدليل زياراته الخارجية المتكررة لشراء المقاتلات والفرقاطات والغواصات الحديثة. 

غير أن المراقبين لاحظوا مؤخرا تملقه لزعيمة الحزب الحاكم "ميغاواتي سوكارنوبوتري"، ربما في محاولة لإستعادة تحالف حزبيهما كما كان قائما في انتخابات عام 2004، حيث أن مثل هذا التحالف ضروري ليحقق سوبيانو أحلامه، بينما لايحتاج حزب ميغاواتي إلى أي تحالف لتقديم مرشح للإنتخابات بسبب سيطرته على 127 مقعدا في البرلمان المكون من 575 مقعد (يشترط الدستور نسبة 20% من المقاعد لأي حزب يريد المنافسة على منصب رئاسة الجمهورية). ومن دلائل تملق سوبيانتو لميغاواتي قيامه بنصب تمثال لوالدها الرئيس الأسبق سوكارنو في أرض وزارة الدفاع، ومنحها الدكتوراه الفخرية من جامعة الدفاع بجاكرتا.

وهكذا فإن تحالف سوبيانتو ــ ميغاواتي سيكون جسرا لوصول الأول لقصر مرديكا تحت قيادة الثانية، كما حدث بالنسبة للرئيس الحالي، خصوصا وأنه يحظى بتأييد واسع في وسط وشرق جاوة المكتظة بأكبر عدد من الاندونيسيين، لكن البعض يتخوف من عدم دعم الرئيس الحالي ويدودو لمسألة ترشيح حزبه لسوبيانتو، وتفضيله للمرشح برانوو. فإذا ما حدث هذا فإن ناخبين كثر من المعجبين بأداء الرئيس الحالي سوف يصوتون لخيار الأخير.

د.عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: أكتوبر 2021م


رقصات فراشة/ الدكتورة بهية أحمد الطشم

 



يوشّح القمر خمائل أمنياتي,

وأصرف العمر تحت شمس أحلامي.

يتمازج لدُن خيالي بحكمة عقلي,

وأمدّ لطموحي فراش الجهد اللاأرضي كي أشتري ذرة السّلام بقنطار من التبصّر...............

..........................

بتواضع الحروف: لست امرأة الهزائم,وغالباً ما ألعب مع الحياة لعبتها المجنونة,

وأمشي بين فخوخها بشجاعة عارمة,

فطموحي هو قائدي,

وبمقتضاه: أرقص على جِراحي رقصات فراشة تستميت للضوء......


رغبات ذاك الخريف: رغبات مكبوتة وأحلام قتيلة في واقع مرير/ فراس حج محمد



لم أقاوم نعاساً جريئاً صادماً بعد انتهائي من قراءة رواية "رغبات ذاك الخريف" للكاتبة الأردنيّة/ الفلسطينيّة ليلى الأطرش التي رحلت أمس الأحد 17/10/2021 عن عمر يناهز 73 عاماً، تلك الرواية التي لامست الأعصاب، فسرى فيها الخدر، فنفثت الوجع صارخاً بكلّ ذرّة من ذرّات جسمي المنهك المكدود بتعب الحياة وأحزانها، استسلمت للنوم لعلّي أتخلّص من تلك المشاعر الفادحة، وصحوت وأنا أهجس بالألم، فما زلت مسكوناً بمسٍّ فنّيٍّ روائيّ جميل على الرغم من فظاعة الحدث الروائيّ الذي خلّف وجعه سكاكين مغروسة في خاصرة الذكرى، من تولّهات "رغبات ذاك الخريف"؛ فللخريف حكايته الخاصّة معي أنا أيضاً.

لم أُخْفِ أنّ "رغبات ذاك الخريف" تمازجت مع آلامي التي أعيشها بكلّ ما حملت الحياة من شقاء وتعاسة ممتدّة عبر زمن روائيّ سبق عام 1948 بسنوات، وحتّى عام 2005، لتبدأ الرواية بنكبة فلسطين، وتنتهي بنكبة عمّان وتفجيرات الفنادق الثلاث "راديسون ساس" و"جراند حياة" و"ديزْ إنْ" على أيدي عصابات لم تفصح الرواية عن انتمائهم وأيديولوجيّتهم.

لم أستطع إلّا أن أرى آمالي وأحلامي مقتولة كلّها ككلّ أحلام وآمال الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج، كما هي آمال هؤلاء الشخوص الذين تحركوا في فضاء روائي مفتوح على وجع إنساني ووجودي قاتل وأليم، شخوص روائيّة وحقيقيّة، وحيوات كثيرة هدّها البؤس والتعب، أسر فلسطينيّة تغرّبت عن الوطن لتعيش مأساة اللجوء، وما عانته تلك الأسر في متاهات الغربة، وتحطّم أحلامها على صخرة الواقع السياسي الذي خذلها، فلم تعد تحلم بالعودة إلى فلسطين الوطن والأمنية، بل زاد تشرّدها وابتعادها أكثر لتنسى الوطن في غمرة الحياة ومصاعبها. 

يتناثر اليقين، ويغدو القلق والتلاشي سمة بارزة تقتل النفس وتعشّش فيها الأفكار الهروبيّة أو الاستسلاميّة الماجنة، فمن هارب إلى فضاء إلكتروني موهوم ليصنع حلماً متخيّلاً عبر محادثات التشات، إلى آخر منغمس في المباريات الرياضيّة أو الأغاني الماجنة والمسلسلات، وإمّا أن ترميه الآمال في أحضان الأحزاب الإسلاميّة التي تدغدغ المشاعر والعواطف عبر نصوص مؤوّلة، لتحقيق رغبات مكتومة في نفوس من يحرك وقودها من الشباب الباحث عن قطعة أمل يتمسك بها، وإمّا أن تجد ملجأها في ترّهات السحرة والمشعوذين عرباً وغير عرب، ليكتشف القارئ في النهاية أنّها لم تكن إلّا مجرّد حلقات متسلسلة مفضية لانعدام الأفق لصناعة جيل قادر على التغيير.

وتلامس الرواية كذلك أحلام شباب ضائعين في أوطانهم، يحلمون بتحقيق أماني بسيطة وأحلام متواضعة، فيهجرون الوطن على أمل أن يجدوا في بلاد الغربة منافذ لتحقيق تلك الرغبات الخريفيّة، فيسافر أحدهم إلى فرنسا والآخر إلى أمريكا، وإذا بالواقع قد تغيّر، فتنتكس الآمال وتتبعثر الأحلام، فتغيّر حياة الغربة وأسبابها الموضوعيّة المستجدّة مسار حياتهم، فغيث الصيدلاني الذي حلم بأن يكون عالم جينات وراثيّة مشهوراً ينتهي تاجر عقارات، فيغنى وينسى طموحاته العلميّة، فلا مكان لها في عالم تغيّرت معادلاته.

وأمّا موسى عبد الحميد، فإنّه لم يكمل حلمه بأن يصبح كوافيراً مرموقاً في باريس عاصمة الأناقة والجمال، فتنتهي به الآمال إلى التجارة كذلك، بعد أن عانى الأمرّين من مرارة التشرّد والاختباء كالجرذان خوفاً من الشرطة التي تلاحق العمّال غير الشرعيّين المقيمين في فرنسا، وليرتمي أخيراً في أحضان سيّدة فرنسيّة خمسينيّة ذات الأربعة أبناء فيحصل على الإقامة، ويظهر للعلن، وقد دفع ثمناً باهظاً؛ أحلامه وأمانيه.

وتتابع الرواية خيبات الأمل مع محاسن الطيرواي وزوجها الذي تزوّج عليها سكرتيرته، فتبوء أحلام محاسن بالفشل الذريع تجاه رجل أحبّته وباعت أهلها من أجله، ووقفت بجانبه، وجعلت منه رجلاً كما تقول الرواية، لتكون النهاية الطلاق البائن بينونة كبرى وكراهية مطلقة، ويزداد شقاء زوجها سامي محمود أيضاً عندما تموت زوجته الثانية "عطاف"، فيعود مرغماً من أجل أن يكمل مشوار الحياة ليتابع ولده وابنته، ولكن بعد أن خسر علاقته وحميميّته مع زوجة أحبّته حتّى النخاع.

وترسم الرواية فصلاً آخرَ للشقاء الإنساني، وهذه المرّة مع رجاء وزياد البستاني اللذين انتظرا يوم عيد الحبّ ليحتفلا معاً في أجواء بيروت الرومانسيّة، حيث الموت لهم بالمرصاد، فيكون عبث تفجير موكب رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري قاطعاً وحاسماً في القضاء على أن يتبادل المحبّون الهدايا، تلك الهدايا التي ظلّت محبوسة في الأدراج تنتظر وقتاً أجمل لترى النور، ولم يستسلما لما حدث، فيقرّر زياد التوجّه إلى عمّان لاحقاً برجاء ليخطبها، فيكون نزيل فندق "غراند حياة" الذي يترنّح تحت وقع تفجير آثم، فينتهي الحلم ويتبعثر مع أشلاء البشر الذين قتلوا بلا ذنب في تفجير لا يرحم.

ولعلّ من أكثر الحيوات شقاء إنسانيّاً حكاية عثمان وخديجة الزوجين السودانيّين اللذين جاءا إلى عمّان ليبحثا عن تحقيق حلم أن يكون لهما طفل، فتنهي الحياة وشقاؤها مسيرة الحلم على وقع التفجيرات الآثمة، فيطمعان بعد كلّ المعاناة من الغنيمة بالإياب، لتنتهي الرواية بجملة على لسان عثمان "كيف يمكن لطفل نحلم به أن يعيش في عالم مجنون كهذا؟"

نهاية طبيعية تنتهي بها رواية صوّرت بؤساً وتعاسة بشرية، متلوّنة الحكايات والأشخاص، ممتدّة في المكان والزمان؛ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً في ظروف مختلفة، لتلتقي كلّها عند نقطة ارتكاز واحدة هي: أنْ لا مكان لأحلام كبيرة أو صغيرة في هذا الواقع الكارثي، فالكلّ يفقد أحلامه وينأى عنها، وتزداد المسافة يوميّاً بين الشخص والحلم لينغرس أكثر في واقع أسود.

هذه هي "رغبات ذاك الخريف"، صوّرت الحياة بكلّ رغباتها، ولم تكن تلك الرغبات لتزهر، وكيف لها ذلك، وقد نبتت في صحراء الواقع في خريف ليس له آخر؟ رواية تفتش عن أمل فلا تجد له أيّ بارقة تلوح في الأفق، لم تجد سوى الموت لتنتهي به، فيكون الموت العبثي الكارثي الأعمى خاتمة فصول الرواية تلخيصاً لحياة البشر الذين يسيرون في دهاليزها منتظرين موتهم، وقد ماتت أحلامهم وجفّت خضرة أمانيهم، لا فرق عندهم إن ماتوا بمرض السرطان، أو قضوا نحبهم بالجوع أو بسبب تفجير، فلا مفرّ من أن يحيوا حياتهم، وليكن ما يكون.

أبدعت ليلى الأطرش في تصوير حيوات متعدّدة مرتكزة على بؤرة الفكرة الواحدة، وإن تعدّدت ألوان المصائب وأشكالها، ولكنْ يا ترى هل ستكون "رغبات ذاك الخريف" عاملاً مثبّطاً في معابثة الأمل والبحث عنه؟ فعلى الرغم من قوّة حقنة الألم إلّا أنّ نفوسنا ستنهض من كبوتها لتبحث عن أمل جديد نتنفسه كلّ صباح، فالحياة بلا أمل، وإن كان مصنوعاً بالوهم والتصوّر والخيال، حياة لا طعم لها فعلاً، فحياة مشدودة بحبل أوهام الأمل أفضل مليون مرّة من حياة نستسلم فيها لواقع أمرّ من العلقم، فلم نخلق في هذه الحياة إلّا لنهزم اليأس، ولو دفعنا أعمارنا ثمناً لذلك. فيتسلّل الأمل من بين ركام الموت، لتقرأ في الرواية هذه الفقرة: "في لحظات الكارثة أو الفاجعة يمسح العقل المحبّ كلّ احتمال ويبقي الحياة، لا يقبل بغير الأمل، ونجاة الأحبّة، ويرفض القلب إلّا الرجاء بالحياة، فينكر ويقصي غيرها في مواقف الموت".

===========

[*] صدرت الرواية عن الدار العربيّة للعلوم ناشرون، بيروت، الطبعة الأولى، 2011م.


يختنق ليل المدينة/ حسن العاصي



1

في صخب النهار

يركض الأطفال

مع ألعابهم

نحو حقول الرمّان

يثرثرون

مثل غراس صغيرة

في أصيص النهار

يتحسّسون ذيل الغيمة

كسوار من مطر

تبدو أكفهم الصغيرة

بمعصم الدهشة

يتثاءب الضوء بكسل

قبل أن يرحل

يهجع تعب الصغار

لتغفو قلوبهم

كما تخلد أوراق الحبق

للنوم

على صدر الزهرة

في النهار

بحور الندى

تتوسد أوراق السنديان

في النهار

يعلن الأولاد عصيانهم

كلما رمتهم المواسم

بما تخلّفه اسفل الشروخ

وتتوارى



2

الشرفات الخالية

تجهش من وحدتها

وتقيّدها الفصول

الأبواب صاخبة شوقاً

لقبضات للراحلين

قوس ألوان النافذة

مشرّع

على قزحية الحنين

المكان قلب حزين

شراع مبعثر

ووجع

يراود الجدران الباردة

على عتبات القحل

نرقب درب الغيوم

علّها تُبرعم

وجوه الأحبة




3

تُلقي العاصفة صوتاً

في صلب الوقت

ينجب حكاية

لا تشبه الريح

ينتظم وجه الكتاب

في وعد المرآة

ساد الراوي قومه

توحّدت فيهم

فصول الاسفار

قال لهم

مزّقوا

خرافة البحر الطائر

لكتم سر

أقراط العصافير



4

أزقة المدينة

تلتحف قلقها

منذ رمادية القدر

يفتح الحنين

أبواب الخريف باكراً

بعض من زهر الريح

لي

وما بقي من السور الشرقي

للحزن بيننا

يختنق ليل المدينة

وندف صباحها

تبدي الاحتضار

خلف كل باب

تخال عيون الناس

تخرج من أنوفهم

ويساقون

من الورع للخطيئة

هذه الأوصال استحالت أوطان



5

مثلما ينتظر الصغار

صباح العيد

تنتظره أمه

كل مساء

تُباغت ريح المنايا

خلخال الطيور

من الأعلى

لا مهرب

من المرايا المغلقة

لم ترى المسافة

مكث الضباب

على عيون الصباح

كانت تناديه

من حيث لا يرى

ويراها

من حيث لا يسمع

سألت عنه شال الغرباء

قبل أن

تظهر الفوهة الخضراء

فوق صفصاف القرية

تصعد منها

فراشة الله

تعالوا نُلَّقِن الغرب درساً في الديمقراطية والمسؤولية/ د. رائف حسين




هم، الاوربيون،  يولدون بعد تسعة اشهر من رحم أمهاتهن … هكذا يقول لنا أهل الطب ومشتقاته.

نحن، الفلسطينيون،  نولد ايضاً بعد تسعة اشهر من رحم أمهاتنا … هم ليسوا افضل منا … حتى الان نحن سواسيه. هم ليسوا متفوقين علينا بشيء.

هم، الاوروبيون، يذهبون الى المدرسه يتخرجون ويدرسون بالجامعه أو يتعلموا مهنة وينخرطون بالعمل السياسي والجماهيري.

نحن، الفلسطينيون،  ايضاً نذهب الى المدرسة ونتخرج او نتعلم مهنة وننخرط بالعمل السياسي … لكن لسنا مثلهم.

هم باردون في مشاعرهم ولا يحتفلون بالثانوية العامة بمفرقعات وهتافات وصياح … هم يحتفلون ببرودة بعشاء عائلي متواضع . بتخرج ابنائهم من الجامعات هم واقعيون ببروده… يحتفلون بكأس بيره وبهدوء بالتحصيل العلمي لابنهم … نحن نزغرد ونغني ونفرقع ونملىء الدنيا ضجيجا احتفالاً بالشهادة لا بالتحصيل… نحن لا نعير التفاصيل أهميه … نحن نركز على الحدث فقط. 

هم، الاوروبيون، ينخرطون بالعمل السياسي والجماهيري بعد قناعة بالبرنامج السياسي وبجدوى العمل الجماهيري.

نحن، الفلسطينيون، ننخرط بالعمل السياسي بالفطره والوراثه … نحن لا نأبه لصف الكلام النظري من برامج سياسيه واستراتيجيات مستقبلية … نحن نحمل مسؤولية استدامة التاريخ والميراث بعيداً عن الانانية الفردية الغير مسؤوله. الاب شيوعي، كما كان اب الاب … والابن في الحزب الشيوعي بالفطره مثل ابيه وجده … هذه استمرارية وجود ومسؤوليه عليا لمواجهة الانقراض.

عندنا نؤسس جمعية خيرية انطلاقاً من مسؤوليتنا عن دخلنا الشهري لاعالة عائلتنا واطفالنا معتمدين ايضاً بموقع سمعتنا بالمجتمع ونتحمل مسؤوليه حياتنا اليوميه ومركزنا الاجتماعي … هم ينخرطون بالعمل الاجتماعي عن انانيه لملىء الفراغ اليومي وعن سذاجة بانهم قادرون على التغيير. 

هم، الاوروبيون، ينخرطون بالعمل السياسي ويبذلون جهد كبير ويبذرون وقت ثمين على حساب عائلاتهم واطفالهم ليصبحوا يوماً ما مسؤولون. 

نحن، الفلسطينيون، واقعيون. ننخرط بالعمل السياسي على امل ان نتعرف على مسؤول ليساعدنا ان نصبح مسؤولون او لان الاب او الاخ او العم مسؤول فهذا يضمن لنا، دون جهد على حساب اطفالنا، ان نصبح مسؤولين. احيانا يكفي ان نمسح جوخ لمسؤول للتسلق على سلم المسؤوليه ونصعد عالياً. 

هم، لا يتحملون مسؤولية تجاه عائلاتهم واطفالهم …وتراهم يستقيلون من منصبهم المرموق بعد توجيه تهمه بسيطة لهم كاختلاس عشاء على حساب المال العام … او لاتهامهم بعدم تأديتهم لوظيفتهم كما يراها الشعب … عودهم ضعيف … ويسمونها ديمقراطية!

سياسيونا، لا تهمهم الهزات ولا الاتهامات … مع او بدون اثباتات، هم يتحملون مسؤولية شعب ومصير امة حتى ولو على حساب الديمقراطية والشفافية. هذا هو القائد المسؤول الذي لا يترك ساحة المعركة لسبب "ديمقراطي سخيف"• 

مسؤولينا يركبون سيارات مصفحة فخمة ويرافقهم مرافقين مسلحين ليحموهم من الشعب المتهور … يعملون هذا لانهم يتحملون مسؤولية الوطن.

السياسي الاوروبي المسؤول يسافر بالدراجة الهوائية والمواصلات العامه ودون مرافقين … هذا عدم مسؤولية وتواضع في غير مكانه. هم لا يعون كبر المسؤولية التي تلقى على عاتقهم. 

هم، الاوربيون، يجرون انتخابات داخلية باحزابهم وحركاتهم السياسية، دون مسؤولية عن استمرار الوجود والخط السياسي … تراهم يجددون قياداتهم كتجديد السيارات عند مسؤولينا … وكل هذا باسم التحديث وزيادة نفوذ الجيل الشاب ! يا لها من مغامرة وعدم مسؤوليه … شبابهم لا يتجاوز عددهم ربع السكان باحسن حال ونرى ان برلماناتهم تمتلىء بهذا الشباب المتهور المندفع … كل هذا باسم الديمقراطية. عندهم وزراء ورؤساء وزاره بالثلاثينات … هذا عدم احترام للموقع والوظيفه.

وزراءنا ورؤسائنا بالاحزاب والدوله والوزارات والجامعات عجائز بخبرة عاليه وتجربة عريقه … عليهم تلقى مسؤولية البناء الحديث والتحديث … عليهم تقع مهمة التجديد والتطوير. برلماناتنا مليئة بشيوخ وجنرالات ورجال بخبرات عشرات السنين … يعرفون من اين تؤكل الكتف … حتى لو كان كتف الشعب … لكنهم يعرفون.

هم، الاوروبيون، ينظمون انتخابات برلمانيه ومحلية بانتظام كل اربع او خمس سنوات ويبذرون المال العام على هذه الانتخابات باسم الديمقراطيه وحقوق المواطن … يا له من تبذير وهدر للمال العام … مال الشعب.

نحن، الفلسطينيون، لا نأبه لمثل هذه المسرحيات… رئيسنا يلغي الانتخابات للحفاظ على المال العام، ورؤساء احزابنا وقياداتنا تتحمل العبء وتبقى بمواقعها ومراكزها عشرات السنين للحفاظ على الاستمرارية بعيداً عن التهور وكذبة الديمقراطية… هم يدركون ان المثل الاعلى عندنا هو : اكبر منك بيوم ادرى منك بدهر … الشباب عليه ان ينتظر حتى يقوى عوده او ان يصبح اخاه او ابوه او قريبه مسؤول ليرثه … هذه هي المسؤوليه الهادئة. 

هم، الاوربيون، لا دين لهم ولا ايمان عندهم ولا يشكرون ربهم… لذا لا تراهم كل يوم احد بالكنائس يصلون بعامة الشعب … ولا تراهم يلقون وعظة صلاة الاحد. هذا تَكَّبُر وتعالي على الشعب والمواطن.

عنا الرئيس والوزير والمسؤول تراهم كل يوم جمعه بالصف الاول بالصلاة … بين ابناء شعبهم … وان دعت الحاجة لا يتعال رئيس وزرائنا بان يصبح خطيب صلاة الجمعه … هذه مسؤوليه تجاه الخالق والشعب. 

هم، يدعون فصل السلطات، التشريعية والتنفيذية والقضائية … كل منهم يغني على مواله وبهذا يتنصل الرئيس والوزير من مهمته امام الشعب.

عندنا لا يوجد هذا التهكم … رئيسنا مشرع ومنفذ وقاضي … ورئيس مخابراتنا يسهر على السلم العام بالقضاء على المشاغبين وتصفيتهم ليرتاح الشعب وينعم بالهدوء …  ويسهر مسؤول الامن على نقاء المجتمع من عديمي الاحترام للرئيس القائد ويكتم افواههم بالسجن والاعتقال او تسليمهم للعدو الغاشم … هذا مصير هؤلاء المصابين بشعوذة الديمقراطيه وسفاهة التغيير من الاسفل.

هم، الاوروبيون، ساذجون لا يعرفون قيمة المسؤوليه امام التاريخ والمستقبل فتراهم  يرسلون اولادهم الى المدارس الحكومية والجامعات الحكوميه العاديه … 

عندنا، نعرف ان ابن المسؤول وابن الوزير وابن الرئيس هم اعمدة المستقبل، وهم املنا الوحيد … هم وزراء ومسؤولي ورؤساء المستقبل لذا يرسلهم ابائهم الى مدارس خاصة والى جامعات اوروبيه وامريكية مرموقة … ونحن لا نأبه ان اطفال مسؤولينا تقلهم سيارات الامن والسيارات الفخمة للمدارس للحفاظ على سلامة القادة المستقبليين حتى ولو كان هذا الى حساب المال العام … كيف اذا سنبني قاده جدد دون عبء مادي وصرف اموال طائلة على هذه النخبه التي انعمنا بها القائد والوزير بجهد ليله من وقته الثمين؟ 

هم، الاوروبيون، لا يعرفون الاحترام للقائد المسؤول ويطالبونه بالاستقاله لاتفه الاسباب وان لم ينجحوا باقالته يعاقبه ابناء حزبه بعدم انتخابه … يا لها من قلة احترام للكبار العظماء

نحن، الفلسطينيون، نحترم رئيسنا ونبايعه … لا حاجة للعبة ديمقراطية وانتخابات ومسرحيات غربية غريبة عن تراثنا وعاداتنا وارثنا الحضاري … ابو بكر تمت مبايعته وعمر بن الخطاب تمت مبايعته … فكيف لا نبايع قائد مثل رئيسنا حفظه الله وادام عمره.

هم، الاوروبيون يولدون بعد تسعة اشهر … هكذا يقول اهل الطب ومشتقاته، بقي ان نسأل اهل الطب ومشتقاته ان كان هذا القانون يسري علينا ايضاً ؟ انا بدأت اشك باقوالهم ونظرياتهم .