أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق، التي جرت في العاشر من الشهر الجاري، فوز التيار الصدري بزعامة مقتدر الصدر بـ 73 مقعدًا، بعد أن كان يشغل 54 مقعدًا في البرلمان المنتهية ولايته، في حين تراجع تحالف الفتح الذي يعتبر المنافس الأقوى للتيار الصدري بصورة قوية وحادة جدًا، حيث حصل على 14 مقعدًا، بعد أن كان يشغل ما يقارب 50 مقعدًا، والشيء نفسه بخصوص تحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة كلّ من رئيس تيار "الحكمة" عمار الحكيم، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي كان يفاخر ويعد بإحداث نقلة نوعية وزيادة التمثيل، فقد حصلًا معًا على 4 مقاعد، علمًا أن تيار الحكمة كان ممثلًا بـ 16 مقعدًا، وكان للعبادي عدد مشابه. ومقابل ذلك نجح ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق المالكي برفع رصيده في هذه الانتخابات من 25 مقعدًا إلى 37 مقعدًا، وذلك يعني أن الصدر والمالكي أحرزا تقدمًا واضحًا في الساحة الشعبية والجماهيرية العراقية، وتمكن الحراك التشريني الذي مثلّته حركة امتداد من الحصول على 9 مقاعد في أول تجربة تنافس انتخابي له.
هذا وقاطع الحزب الشيوعي العراقي هذه الانتخابات، ليس لأنه يعارض العملية الانتخابية كممارسة ديمقراطية، وإنما لأنه مقتنع بعدم توفر الظروف التي تضمن أن تكون هذه الانتخابات ذات صدقية ونزيهة وعادلة، وتؤمن التمثيل الحقيقي لإرادة الشعب العراقي.
ولم يتوقع أحد أن تكون متغيرات في التمثيل وبهذا القدر في المشهد السياسي العراقي من خلال الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي شكلت نتائجها صدمات قوية جدًا لدى العديد من الأوساط الجماهيرية والنخب السياسية.
هناك حقيقة دامغة أن هذه الانتخابات وما أفرزته من نتائج لن تغير شيئًا في الواقع والمناخ السياسي العراقي، وإنما ستدفع إلى الأسوأ والأكثر خطورة وقداحة على مستقبل الوطن العراقي وشعبه، فرغم الخلافات والصراعات القائمة بين الأحزاب التي خاضت وشاركت في الانتخابات يجمعها استمرار نظام المحاصصة الطائفية الذي يشكل ركيزتها الثابتة لها ولوجودها وبقائها السياسي والحزبي. وهذه القوى هي صاحبة القدرة على التحكم بشؤون وأمور العراق وثرواته، وسن القوانين التي تخدم مصالحها ولجم كل القوانين التي لا تخدم مكتسباتها ومغانمها وأهدافها السياسية ومصالحها الحزبية.
إن الجماهير العراقية هدفها بالأساس ليس تغيير في النظام السياسي، وانما تغيير هذا النظام القائم على المحاصصة الطائفية الحاضنة للفساد ونهب ثروات البلاد بطرق وأساليب خداع يعجز الشيطان عن إدراكها.
ويبقى المطلب الشعبي بضرورة بناء الدولة العراقية المدنية الديمقراطية التعددية، وتحقيق طموحات الشعب العراقي وتطلعاته في الحرية والديمقراطية والاستقلال والكرامة والرخاء والتقدم الحضاري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق