عروس الذوق/ البروفسـور اميـل شـديـاق



 بمناسبة الزفاف الميمون لابنـة صديقي 

وأخي الشّاعر جورج منصور، ألهمني 

الشّـعـر هـذه الكلمـات النّابعـة من قلبي.


أَيَــــا كَنْــــــزَ الصَّـدَاقَــــــةِ وَالتَّغَنّــــي

أُهَنِّئُكُـــــمْ وَفيكُــــــمْ طَـــــابَ ظَنّـــــي 


وَكَـــــمْ كُنْـــــتُ أَوَدُّ بِــــذَاكَ عُـــــرْسٍ

لَـــوِ انّـــي حَـاضِــــرٌ فَـرِحـــاً أُغَنّـــي


وَلَكِنّــــــي ابْتِهَـاجـــــــاً وَاعْتِـــــــزَازاً

بِعُـــــرْسٍ فيـــــــهِ إِلْهَامــــي ائْتَمَنّـــي 


أُهَنِّئُــــكَ صَديقــــي وَهَـــــاكَ قَلْبـــــي

لَقَــــدْ طَـــــارَ مِــــنَ الأَفْـــرَاحِ مِنّـــي


لِيُهْـــدي لِلْعَــــرُوسِ أَحْلَـــــى شِــــعْـرٍ

طَهَـارَتُــــــــهُ حَنَـــــــانٌ لا تَجَنّـــــــي


عَسَــــاهُ الشِّـــعْـرُ يُرضيـــكَ صَديقــي

وَهَنّـــي العُـــرْسَ بِالقُصْــــدَانِ عَنّـــي


لأَنَّـــــكَ شَــــاعِــرٌ وَأَبُـوهَـــــا تَحْيَــــا

وَشِــعْـري دُونَ شِــعْـرِكَ فــي التَّـأَنّــي


لِـذَلِــــكَ جِئْــتُ فــي الأَشْـــعَـارِ حَتَّــى

عَــرُوسَ الــذَّوْقِ فــي الشِّــعْـرِ أُهَنّـــي


رويداً/ عباس علي مراد



رويداً رويداً

تتفتح براعم حبك

مزهوة بالوانها

تنشر نسيم عبيرها

تدفيءُ القلب

ينطلق في فضاء الرغبة

يجمع شهد اللحظات

حباً مقطراً

صافياً

تشتاقه الشفاه

لتروي صحراء عطشة

لقبلة

لعناق

يشفي الم الروح

وهذيان الجسد

رويداً رويداً

تتفجر براكين من الحب

تجلعني رماداً منثوراً

على عتبات الشوق الهائم

على قارعة الغربة والنسيان

في تيه الحياة

في تيه الحب

ويستقر

رويداً رويداً

في صدر لا يراوده الشك

ويسكنه يقين حبكِ

وينتظرك بلهفة العاشقين.


نتفة عن الراهب الفرنسيّ والعربيّة الفلسطينيّة/ ب. حسيب شحادة



جامعة هلسنكي

قبل سنتين توفي في القدس الراهب الكاثوليكيّ  الفرنسيّ يوحنان إليحاي (Jean Leroy, جان لاروا، ١٩٢٦-٢٠٢٠) المعروف بكتبه عن تعليم اللهجات الفلسطينيّة وإعداد المعاجم لها وكان آخرها: The Olive Tree Dictionary. A Transliterated Dictionary of Conversational Eastern Arabic (Palestinian), Minerva, Jerusalem, 2004. يضمّ هذا المعجم العربي الفلسطيني- الإنجليزي ٧٦٣ صفحة، العربيّة فيه مكتوبة كالعادة في الدراسات اللهجيّة الغربيّة بالرسم اللاتينيّ؛ فيه تسعة آلاف مادّة، سبعة عشر ألف عبارة وفهرس قوامه أربعة عشر ألف لفظة إنجليزيّة.  

يقال إنّ يوحنان إليحاي، كان أوّل من أقام مراسم العشاء الربّاني باللغة العبريّة في البلاد العام ١٩٥٦. له مساهمات في نقل الليتورجيا اللاتينيّة إلى العبريّة وخلق موسيقى كاثوليكيّة بالعبريّة.  عندما بلغ سنّ العشرين من عمره، سافر إلى لبنان في إطار الخدمة الوطنيّة، وأخذ بتدريس اللغة الفرنسيّة من ناحية، وشرع في تعلّم العربيّة  المحكيّة من الناحية الأُخرى. في العام ١٩٥٦ وصل إسرائيل، وسكن أوّلًا في رمات غان  فيافا فقرية ترشيحا في الجليل الغربيّ فحيفا فالعفولة  فالقدس منذ ١٩٨٦ حتى وفاته؛ حصل على الجنسيّة الإسرائيليّة في العام ١٩٦٠. 

للعربيّة الفلسطينيّة التي يتحدّث بها عرب الثمانية والأربعين وعرب الضفّة الغربية، علاقة وطيدة بالعبريّة الإسرائيلية، الشقّ الأوّل مند عام النكبة والشقّ الثاني منذ عام النكسة. وقد كرّس الراهب إليحاي جلّ وقته وجهوده في توثيق هذه العربيّة في الميدان من جهة، وبالتسجيل الصوتيّ من الجهة الثانية. في العام ١٩٧٧ نشر إليحاي معجمًا عربيًّا -عبريًّا، وفي العام ١٩٩٩ صدر عن وزارة الأمن الإسرائيليّ وقيست المعجمُ الجديد للعربيّة المحكيّة. 

وهذا المعجميّ المتجوّل في المدن والقرى العربيّة في البلاد، كان يستمع، يسجّل، يسأل، يلاحظ ويتقصّى. ومن الطرائف أو النهفات التي ذكرها أو حصلت عليها أذكر: 

يُروى عن إليحاي قوله: عندما يلتقي رئيس جمهوريّة لبنان برئيس حكومته فهما يتحدّثان بالعامّية، أمّا تلميذ الصفّ السادس فيكتب ملحوظة ما لصديقه في الصفّ بالفصحى (لا علم لي بما ورد في الشقّ الأخير من الجملة). ‬

سأل  إليحاي راويًا لبنانيًّا مُسنًّا: كيف تُسمّي مَن ظهرُه مقوّس فردّ: أحْدب، والمرأة؟ قال: حَدْبه، والجمع؟ عندها ردّ العجوز مندهشًا: لم أرَ أناسًا بهذه الهيئة مجتمعين. (في لهجتي، كفرياسيف بالقرب من عكّا، نستعمل: إمْحَرْدِب، إمْحَرِدْبِه، إمْحَرِدْبين،  إمْحَرِدْبات؛ في قاموس  شجرة الزيتون لإليحاي نفسه ذُكرت صيغة الجمع: حُدُب، hunchback. ‬هذه الرواية قد تذكّر بعض القرّاء المطلعين على التراث اللغويّ العربيّ، ببعض ما كان يسمعه النحويّون من الأعراب، الذين تحدّثوا بالعربيّة الفصيحة بالسليقة، مثل العبارة الشهيرة‪ ”‬أيشٍ هذا‪! ‬اختلفت جهتا الكلام“: ‬أنظر مثلًا: أبو الفتح عثمان بن جنّي، الخصائص، تحقيق محمد علي النجّار، ج‪. ‬١، بيروت: دار الهدى للطباعة والنشر، ط‪. ‬٢، ١٩٥٢، ص‪. ‬٧٦، ٢٤٢، ٢٤٩، ٢٥٠. 

بعد ذلك ּأراد إليحاي أن يعرف ماذا يسمّي العرب الـ  bubbles سائلًا ما اسم ما نراه يتمايل في قارورة الكازوز وجاء الجواب ”فقاقيع“، وأردف إليحاي مستفسرًا وما صيغة المفرد من تلك؟ دُهش الرواة من هذا السؤال وردّوا قائلين: من رأى واحدة منها، إنّها تظهر مجتمعة وبكثرة دوما. (في الأبحاث اللهجيّة الميدانيّة يفضّل عدم طرح مثل هذه الأسئلة المباشرة بل استقاء المعلومة من خلال المحادثة بدون أن يعلم الراي ما تريد).

ويضيف إليحاي قائلًا: توجّهتُ ذات يوم إلى بنّاء، كان يعمل في منطقة باب الجديد في القدس، وسألته ما اسم هذه الدائرة الكبيرة  الظاهرة في مركز ميزان الماء؟ أجابه البنّاء: هَوا!، وقد تبيّن لإليحاي لاحقًا أنّ هنالك كلمة ”فقيعة“. 

وعن تجربة أخرى، اختبرها إليحاي في مشواره الطويل في رصد اللهجات الفلسطينيّة وتوثيقها، نرى أنّّه أراد أن يعرف ماذا يقول الفلسطينيّون عن شلافشتوندي/Schlafstunde (حرفيًا: ساعة نوم أي: القيلولة)، استراحة الظهيرة المسماة siest بالفرنسيّة، فسأل امرأة عن معنى اللفظة فلم تدري عمّا يتكلّم، إذ لا وجود لاستراحة الظهيرة/القيلولة بشكل منظّم  في ثقافتها. عندها أخذ الراهب يصف لها بحركات اليدين ما يقصد، وعندها انتصبت قائمة وقالت ”آه، هذا ما يقومون به في الأديرة...“ (ثمة غرابة في الأمر، لماذا لغة الإشارة هذه والراهب يتكلّم العربيّة!)

في العربيّة لهجات كثيرة، ومن الممكن أحيانًا سماع أنماظ لفظ مختلفة للكلمة ذاتها في قرى مجاورة، وبالطبع في مدن متفاوتة. ذات يوم، أخذ إليحاي امرأة مثقّفة من أم الفحم لمساعدته في عمله المعجميّ فسألته: عن أيّة عربيّة تبحث؟ أفحماويّة أم مقدسيّة؟ يذكر أنّ إليحاي في معجمه يحاول الإتيان بالنمط اللغويّ المشترك لدى أغلبيّة الفلسطينيّين في البلاد؛ إنّه اختار مثلًا ”قبَداي“ في حين أنّ اللفظة الشائعة في العامّيّة العبرية في البلاد هي ”أبداي“، المقصود ”قبضاي“ من التركية Karadayi. ومتصفّح معاجم إليحاي يلاحظ تأثير العربيّة الكبيرَ على العامّيّة أو السلانچ العبريّ، على سبيل المثال: ”نقلة“  العربيّة صارت ”نَچْلة“ في العبريّة الدارجة و”شَقْفِه“ أي ”قطعة“ تلفظ  بالقاف أو الكاف أو الهمزة ومعناها ”امرأة/فتاة فاتنة“؛ والكلمة ”دَوَوين“ دخلت العبريّة العامّيّة بمعنى ”كلام فارغ“؛ و ”مْعَفّن“ أصبحت تعني ”كلمة ذمّ“ في العبريّة المحكيّة. 


اُنظر :

http://www.ruvik.co.il/%D7%94%D7%98%D7%95%D7%A8-%D7%94%D7%A9%D7%91%D7%95%D7%A2%D7%99/2006/03022006.aspx

http://www.almadar.co.il/news-13,N-63220,.html


على عتبات المحكمة العليا الاسرائيلية - سذج وحالمون/ جواد بولس

 


أصدرت المحكمة العليا الاسرائيلية في الأيام القليلة الماضية ثلاثة قرارات خطيرة، من شأنها أن تؤثر على مكانة المواطنين العرب داخل الدولة، وعلى حقوق الفلسطينيين في ظل سياسة الاحتلال الاسرائيلي وممارساته العدوانية عليهم وعلى ممتلكاتهم. لقد تطرقت القرارات إلى ثلاث قضايا هامة وعامة؛ فالاول، لم يعترف بحق ضحايا الاحتلال الفلسطينيين بالتعويض؛ والثاني أجاز من حيث المبدأ سحب الجنسية الاسرائيلية من مواطنين عرب يدانون بتنفيذ "عمليات ارهابية"؛  أما الثالث فشرّع البؤر الاستيطانية المقامة اغتصابًا واحتيالًا، على أراضي المواطنين الفلسطينيين.     

لقد صدرت القرارات تباعًا ولم تلق أية ردود فعل جدية من قبل الجمهور الواسع المتضرر منها مباشرة، وذلك رغم أنها تشكّل برهانًا دامغًا على تحوّل هذه المؤسسة من أداة قمع عنصري مموهة، إلى رأس حربة عارية تؤدي دورها في نحر العدالة وفي إطباق وتسهيل سياسات القهر والتمييز العرقي ضد المواطنين العرب في اسرائيل، وإلى معمل فتاوى يجيز لجيش الاحتلال ولسوائب المستوطنين الايغال في اعتداءاتهم اليومية على الانسان الفلسطيني الأعزل وتدمير ممتلكاته ونهب أراضيه.

 يتعبني أن أكتب مرّة أخرى عن عبثية هذه المحكمة/المقصلة؛ ويستفزني ما يسوقه قضاتها في تبرير عربدة سيوف إخوانهم وابنائهم وهي تهوي على رقاب الفلسطينيين المستضعفين الصابرين؛ ويقتلوني الف مرة عندما يتلون قراراتهم من أفواه صفراء ساخرة، وبنظرات ضفدعية، ثم ينسلّون من القاعة بعباءاتهم السوداء ويُبلعون كأنهم أطياف أرواح طينية صماء. فاليوم سوف أحدثكم عن قضية الاستيطان والسرقة " الحلال".

لقد أصدرت المحكمة العليا يوم الاربعاء الفائت قرارًا تراجعت بموجبه عن قرار سابق لها قضى بضرورة اخلاء البؤرة الاستيطانية "ميتسبي كراميم" الواقعة شمال شرق مدينة رام الله المحتلة، وذلك بعد أن أقرت، في حينه، رئيسة المحكمة العليا ان البؤرة الاستيطانية المكوّنة من 45 وحدة سكنية وتسكنها 54 عائلة، مقامة على أراض فلسطينية مملوكة من قبل مواطنين فلسطينيين. وأقرت كذلك بأن سلطات الاحتلال، ذات العلاقة بعملية بناء تلك البؤرة، تصرفت بسوء نية وبأساليب ملتوية لا يمكن قبولها وتسويغها وفق القانون.

قام المستوطنون ومنظماتهم الناشطة بتجنيد السياسيين اليمينيين، واقنعوا الوزير جانتس بالايعاز لمستشار الحكومة القضائي بتقديم طلب لاعادة مناقشة القضية أمام هيئة موسعة من القضاة؛ وهكذا كان. فشكّلت هيئة المحكمة من سبعة قضاة. وقف معظم الوزراء إلى جانب المستوطنين وفعّلوا ضغطًا على هيئة المحكمة؛ فانقسم القضاة بين أكثرية مكونة من أربعة قضاة قبلوا التماس المستوطنين وقرروا الغاء قرار المحكمة السابق، بينما تمسكت رئيسة المحكمة، ومعها قاضيان آخران، بموقفها السابق. لن أثقل عليكم بتفاصيل القرار ولا بمسوغاته العجائبية المستفزة؛ ولكن يجب أن نستوعب خطورته لأنه سيشكل سابقة قضائية من شأنها أن تعتمد من قبل المستوطنين ورعاتهم السياسيين في شرعنة جميع البؤر الاستيطانية السرطانية، الموصوفة جزافًا بالبؤر العشوائية، والمقامة على أراض فلسطينية مغتصبة بالقوة وبالحيلة وبالتآمر.

اننا نقف أمام مشهد كارثي ومقلق. قضاة في المحكمة العليا يناصرون قطعان المستوطنين ويشرّعون عمليات سرقاتهم لاراضي المواطنين الفلسطينيين الخاصة، بتسويغ قانوني قراقوشي وهزيل ومؤدلج سياسيًا؛ ويشهرون، عمليًا، دعمهم لمعسكر اليمين الفاشي، الذي تستطيع ميليشياته المضيّ بتنفيذ جرائمها بتغطية قضائية عليا. لقد أدانت هذا القرار منظمات يهودية تقدمية منها منظمة "يش دين" و "منظمة حقوق المواطن" اللتان أعلنتا أنه "سيجيز عمليات سرقة الأراضي الفلسطينية الخاصة من قبل المستوطنين، وذلك بما يتناقض مع القانون الدولي؛ وأنه سوف يستغل في المستقبل في عملية اغتصاب الأراضي الفلسطينية وتعزيز عملية الضم الاسرائيلي".  

كم كنا وما زلنا بسطاء وعاجزين عندما وقفنا وما زلنا نقف أمام هؤلاء القضاة. نخسر قضايانا ونتمتم : "اذا كان حاكمك ظالمك تشكي همك لمين ؟"

لمن؟ فلنسمع صراخ دم الطفلة ايمان الهمص في نفس المحكمة. 

رفضت المحكمة العليا في قرار اصدرته في الثاني عشر من شهر تموز/يوليو الجاري الدعوى التي قدمها والدا الطفلة ايمان الهمص، التي كان عمرها 13 ربيعاً عندما قتلها رصاص الجيش الاسرائيلي يوم 5/10/2004  قرب نقطة عسكرية في مدينة رفح. لا أعرف اذا ما زلتم تتذكرون تفاصيل تلك المأساة في خضم بحر الدم الفلسطيني؛ ولكن كيف أنسى مشهد البراءة وهي تعدم في وضح النهار وأمام عيون العالم العمشاء. كانت ايمان تحمل على ظهرها حقيبتها المدرسية وتمشي بالقرب من نقطة عسكرية إسرائيلية. كانت تحلم أن تصير فراشة، أو ربما كانت تغني "عصفور طل من الشباك" حين أطلق الجنود النار نحو ظهرها وانتظروا وهي تترنح كسنبلة وتحتضن التراب والدهشة. 

توجه الوالدان في البداية إلى المحكمة المركزية في مدينة بئر السبع، وطالبوا بحقهم في التعويض جراء عملية قتل ابنتهم المتعمد. رفضت المحكمة قبول دعوتهم معتبرة أن ما قام به الجنود هو "نشاط حربي" لا تنطبق عليه قواعد الاضرار المدنية حسب القانون الجائر الاسرائيلي. لم يستسلم الوالدان، فتوجها الى المحكمة العليا، على أمل أن يعترف قضاتها بجناية قتلة ابنتهم وبكونها ضحية بريئة لوحشية الاحتلال وجنوده. كان المشهد واضحًا والمعطيات كلها تدعم روايتهم وموقفهم؛ فكيف لهؤلاء الجنود أن يفترضوا أن طفلة تحمل حقيبة مدرسية على ظهرها، وتبعد عنهم قرابة مائة متر، تشكل خطرًا حقيقيًا يستوجب التخلص منه عن طريق قتلها وحسب. وهل يعقل أن تحمل طفلة بعمرها كمية كبيرة من المتفجرات على ظهرها وتقتحم بوابة النقطة العسكرية وتقترب كي تفجر نفسها بين الجنود؟ هذا علاوة على أن قائد النقطة العسكرية كان يجيد اللغة العربية، وكان قادرًا على تحذيرها قبل اطلاق الرصاص عليها.

لم تسعف الأهلَ كل هذه التساؤلات؛ ففي فقه البطل "رامبو" لا مكان للمنطق الآدمي، وفي عصر البارود لا عدل سوى عدل "محاكم التفتيش" "وفتاوى الملك". لقد تبنى القضاة الثلاثة قرار محكمة بئر السبع المركزية، ورفضوا ادعاءات محامي العائلة والتماس الوالدين. لم يفاجئني القرار؛ فهيئة المحكمة مكوّنة من قاضيين معروفين بيمينيّتهم سعت الوزيرة شكيد لتعيينهما في المحكمة العليا؛ إنما ما لم يكن متوقعًا هو إنضمام القاضية الثالثة لقرارهما؛ فرغم أنها كتبت: "ان المصابة هي فتاة صغيرة ولم يظهر منها عمليًا اي خطر ، خاصة بعد أن تبين، بأثر رجعي، أنها لم تحمل في حقيبتها سوى بعض الكتب" رفضت الدعوى مثل زميليها. لقد تم تعيين هذه القاضية قبل شهرين بالرغم من معارضة القوى اليمينية لها ومحاولات الوزيرة شكيد التي "اتهمتها " بالليبرالية، وبأنها متزوجة من شخص ينتمي للمعسكر " اليساري". لم تنجح شكيد باسقاط ترشيحها، فعُيّنت وتأمل الكثيرون منها أن تضخ في عروق المحكمة جرعات من انسانية وعقل ومنطق وعدل. كانت هذه القضية هي تجربتها الاولى كقاضية عليا، فتوقع البعض منها موقفًا منحازًا للحق وللعدل، ليس بمفهومه القانوني الجامد والعاقر، بل بكونه أحد تجليّات الروح الانسانية، وتعبيرًا عن الطهارة المغتالة في جسد ايمان.  

تأملنا فخاب الرجاء. لقد كنت شاهدًا على سقوط هذه المؤسسة في الظلمة، وكنت شاهدًا كذلك على المطر الفلسطيني وهو ينسكب على أدراجها من المآقي. لقد قتلت ايمان الهمص ولم يعاقب قاتلوها؛ لكنني أشعر، هكذا علمني أبي وحدسي، أن دمها سيبقى منثورا في كل قوس قزح وعلى خواصر "الشقائق"الحزينة؛ فالتاريخ يحفظ سجلات الطغاة؛ بيد أن النايات لا تنسى بحة الريح وهي تنقل أنفاس البراءة الذبيحة وتناهيدها.  لا أعرف كم من العرب تابعوا تاريخ "سيزيف الفلسطيني " وكيف مات في حضن السماء المدلل حلم وولد وعد وقمر ؛ ولا أتساءل عن ذلك من باب الاحراج أو العتب، بل كي أذكّر، أنفسنا أولًا واشقاءنا في الدم والنسب، بتاريخ جهلنا وادماننا السذاجة والحمق، منذ آمنا أن "الحياة بداهة" وكانت "بيوتنا كقلوبنا مفتوحة كالابواب ..كنا طيبين وسذّجًا، قلنا : البلاد بلادنا قلبُ الخريطة لن تصاب بأي داء خارجي، والسماء كريمة معنا.  ولا نتكلم الفصحى إلا لماما :في مواعيد الصلاة وفي ليالي القدر .. كنا طيبين وحالمين،  فلم نر الغد يسرق الماضي طريدته ويرحل".  

 ليتنا كنا أيها الدرويش وانتهينا .. فنحن ما زلنا: طيبين وجهلة وساذجين وحالمين، ولا نرى غدنا وهو يسرق ماضينا؛ أولم نقف معًا هناك، قبل الغياب، على تلك المحطة الخضراء نبحلق في المدى وننتظر ماضينا.

أمّا عن مواجع الجنسية وقرار المحكمة الثالث فلنا حديث قادم. 

المرأة الشجرةُ: في عيد ميلاد صوفي؛ امرأة من عطر وثورة/ فراس حج محمد



(1)

المرأة الخضراء كونٌ من معانٍ خَضِرَةْ

غضّة مثل الربيعِ معطّرة

مبرعمة الشفاه بضحكة محرّرة

ظلّ ظليل كالليالي المُقمرةْ

ذات معنىً وارفٍ

ذات روح خفرةْ

المرأة الخضراء عرّافة ممتدّة مقتدرةْ

مثل الأرض حنّاء التّراب

حانية مهديّة مثل روح الشّجرة

"أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا"

شموسها منتشرةْ

المرأة الخضراء برد وسلامْ

دفء وهيامْ

كلامها درٌّ

وصمتها ضوءٌ وزخرفةُ ولغزٌ واضطرامْ

اسْميّةُ المعنى المبجّلِ

سفرها هديُ السّماء النّضرةْ


(2)

هذه المرأة الشامخة مثل نخلةٍ في أرض العراقْ

العظيمة مثل أرزة في لبنانْ

الصبورة مثل زيتونةٍ في القدسْ

البريئة في اشتياق عناق مسيحها في فسحة المسرى

شاسعة كصوت فيروزَ يغسلُ لحنُها وجعَ الصّباحْ

الواثقةُ مثل نجمةٍ بين الغيومْ

مشرقة بين هذا الضباب الأسود المخيفْ

المهيبةُ مثل بحرٍ يحدّثها حكايته كلّما التقيا هنالكْ

القريبةُ مثل قطرةٍ على عنقودِ داليةٍ أمام البيتِ في تمّوز

الشاعرية مثل جملة في كتاب "النبيّ"

الخياليّة مثل حلم إخوة يوسفَ في رحلة التّزوّد بالقمحْ

الواقعيّة مثل رؤيا الرجل الصالح يعقوبْ

الشهوة المشتهاة الشهيّة في مدار الليل

يرتوي منها الرواءُ في عزّ السكونْ

حتّى افتضاض بكارة الضوءِ أعمدة انبلاج الوردِ

إيلاجُ الحياةِ إلى الحياةْ

الناجزة، المفتوحة الآفاق بعدُ

ولمّا تنهِ ما بدأته من سطر هنالك في الكلامْ

الصاعدةُ المعارجَ خطوة خطوة نحوها

لتنظر كي ترى في كلّ ذلك نفسها

فكأنّها اغترفت بيديْ ملاكٍ معانيَ وحيها

الشاربة من أيدي البتول "شربة لا تظمأ بعدها أبداً"

القارئة التراتيل في كلّ المحاريبِ

المعابدِ والكنائسِ والمساجدِ والصوامع والصلواتْ

والبِيَعِ الخصوصيّةِ

الخلواتِ والمعتكفاتْ

الكاتبةُ الغريبة في عوالمها

الجريئة في اجتياز النهر نحو الضفة الأخرى

لتعبرني وتعبر في أنايْ

وتعبر ما رأيتُ الليلةَ الماضيةْ

وأعبرها لأعيد لها الكتابة كلَّ يومْ

امرأة مثل وردةٍ وقامةِ حور

أعظم ما تكون عليه امرأة تبرّج نفسها للهْ

لتطيل عمر إلهها الممتدّ في شواطئها

كأنّ الله أعطاه الهبات الأزليّة

ستعيد ترتيب العالم بكلْمة حبّ

وتنسى أنّ هناك ما يمكن أن يدعوَ للحرب يوماً ما.

ما يفيضُ عن الفراغ/ صالح أحمد



يتثاءب الصّبحُ المسافِرُ نحوَ بسمَتِهِ ويَرضى

تستبشِرُ الأبوابُ: هذي الأمنياتُ بنا تعود

تمضي الحياةُ كأنما غُزِلَت على منوالِنا

صمتُ القِبابِ يرينُ فوقَ صدى الكلام

وتُمارِسُ الآثارُ مُتعَتَها الأثيرة :

تُذكي المَواجِعَ ..

تَحبِسُ الأنفاسَ في صَدرٍ تَعَشَّقَها ليغدُوَ مُلكَها 

والقلبُ يَحتَضِنُ الرّؤى..

وكأنَّما عاديّةً تبدو الصُّوَر 

والشّمسُ تُرسِلُ بسمَةً لمآذنٍ في القُدسِ كم صَبَرَت حَزينَة

الرّيحُ ترسمُ دَربَها نحوَ التِواءات الخُطوطْ..

الرّيحُ تعرِفُ مُشتَهى هَبّاتها...

الرّيحُ تعرِفُ مَن تَعرّي مِن بَراءاتِ الكَلام...

أبدًا... سَتَعتَصِرُ الزّحامَ من الزّحام

تبدو الخُطى عاديّةً في القدسِ لكن خلفَها تُخفي حُطام

طاحونَةُ الأوجاعِ في قدسي يدورُ بها العِتاب 

لم أستَطِع بعدُ التّخلُّصَ من جنوني والطّريقُ يغيبُ بي... 

ومِنَ الطّريق يُطِلُّ وجهٌ لم يَعُد لي... 

والدّربُ ليسَ سوى وجوهٍ لم تعُد لرؤوسها..

تَتَشابَهُ الأصواتُ حينَ تَغيبُ في نَفسَ الطّريق

الرّيحُ تعرفُ أين يمكِنُ أن يكونَ لها صدى.

تتكاثَرُ الأسماءُ، 

أرصُفُها على عتباتِ ماضٍ لم يعد مني،

وأمضي للفيافي صارخًا... 

كيما يعودُ الصوتُ أبلَغَ من حروفِ رسالَةٍ...

لن يستطيعَ الهُدهُدُ المنفيُّ أن يمضي بها،

لعيونِ نافذَةٍ تطلُّ على طريقٍ أقفَلَتها الرّيحُ ...

فانشَغَلَتْ، تحاوِلُ أن ترتّبَ ما يفيضُ عن الفَراغ.

ستظَلُّ تُقلِقُني كثيرًا...

تِلكُمُ الرّيحُ التي تختارُ نافِذَتي لتَقتَحِمَ المدينَة.

في القدس قومٌ يَصنَعون الحلمَ من وهَجِ الكَلام

أُلجِئتُ للصوتِ المعتّقِ في تعاريجِ الصّدى..

قالَ اعتَرف!

فمَحَضتُهُ جُرحًا يؤرّقُني، وأحلامًا كثيرة..

وصَدَقتُهُ خَبَرَ انتِظاراتي هُبوبَ الرّيحِ مِن صَحراءَ لم تفزَع أقاصيها...

ولم تَدمَغ بغيرِ سرابِها فَرَحَ الشّقِي..

قال اعترف!

ما من خلافٍ! أنّني في القدسِ أعرف مَن أنا..

ما من خلافٍ... قلتُ...

 وانتَصَبَ الطّريق..

الكلُّ مختلفًا بدا... 

الكلُّ مختلفٌ... وأعرِفُ مَن أنا:

زَمَنٌ تغرَّبَ عن حوادِثهِ..

رَماني شِلوَ رَحمٍ لم يكن يومًا لأمي...

فاعتَراني ما اعتراني...

أعشقُ الشّفَقَ الفَتِيَّ ...

أظنُّ أنّا مُدرِكونَ لرحلةِ الزّمن المسافِرِ عبرَنا...

وكمِ اعتَقَدنا أنّنا يومًا سنَخرُجُ من حدودِ الصّمتِ...

كي نَفدي الحكايَةَ بالحكايةِ!

وكتبتُ في سِفرِ الغروب:

يا أيها الليلُ احتضِنّي!

كي أكتّمَ ما تُريدُ القدسُ منّي !

لا لشيءٍ...

حيثُ أنّي بتُّ أدري أنّني والحلمُ قد كُنّا رَهائِن...

::::::: صالح أحمد (كناعنه) :::::::

جواب كما ينبغي/ ترجمة ب. حسيب شحادة



A Correct Answer

جامعة هلسنكي

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها كلّ من  إبراهيم بن سعد بن سعد المفرجي (أبراهام بن سعد بن سعد همرحيفي، ١٩٠١-١٩٨٤، من مسنّي الطائفة الحولونية، شمّاس، مرتل بارع جدا وشيخ صلاة وخليل بن شاكر بن خليل المفرجي (أبراهام بن يششكر بن أبراهام عمرحيڤي، ١٩٢٢-١٩٨٩، شيخ صلاة، شاعر وشارح للتوراة، نشر شرحًا كاملًا للتوراة بالعبرية السامرية) بالعبرية على مسامع الأمين (بنياميم) صدقة (١٩٤٤- )، الذي بدوره نقّحها، اعتنى بأسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٤٢-١٢٤٣، ١٦ تموز ٢٠١٧، ص. ٧٥-٧٧. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني. 

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحسني (بنياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).


’’أعمال شغب العام ١٩٢٩ في عيد الفِسح على جبل جريزيم

تعود هذه القصّة إلى نهاية عشرينات القرن الفائت في عهد الكاهن الأكبر إسحق عمران (عمرم، ١٨٥٥-١٩٣٢). أنا إبراهيم بن سعد المفرجي، أتذكّر الحادث وكأنّّه حصل اليوم قُبالةَ عينيّ، وكذلك الأمر بالنسبة لخليل بن شاكر المفرجي، الذي كان آنذاك ابن ستّ أو سبع سنوات لا ينسى ذلك أبدا. في اليوم ذاته كان عيد الفسح السامري. في تلك الأيّام سادت علاقات متوتّرة جدًّا بين اليهود والعرب. لم يمرّ يوم بدون حوادث سفك دماء لدى كلا الطرفين. ونحن ”علقنا بالنصّ“. في يوم قُربان الفسح كانت العشرات من اليهود بل والمئات أحيانًا تُقْبل من كافة أركان البلاد لمشاهدة  مراسيم القربان. 

ماذا فعل العرب؟ هنالك عل قمّة جبل جريزيم قبر للشيخ غانم أحد وزراء صلاح الدين الأيوبي. اتّخذ العرب لهم عيدًا باسم ”الشيخ غانم“، ومن اللافت للنظر أنّ هذا العيد الجديد كان يحلّ دائمًا في يوم قرباننا. دأب عرب نابلس  على الصعود إلى قبر الشيخ غانم، وفي طريقهم استُغلت المناسبة لمناوشات بينهم وبين اليهود الذين أتوا لمشاهدة قربان الفسح.

في السنة ذاتها، سنة ١٩٢٩ بلغتِ المناوشات أوجًا جديدا. ألقى كلّ طرف على الآخر الحجارة، حصلت اضطرابات شديدة لدرجة أنّ القوّة البريطانيّة الصغيرة، التي حضرت لتأمين احتفال القُربان، لم تتمكّن من السيطرة على كلا الجانبين. 

وقف الكاهن الأكبر إسحق بن عمران (عمرم) عند مدخل خيمته الكبيرة منتظرًا تهدئة الخواطر.

”وإلّا، سأتأسلم!“

ترأّس المجموعة العربية التي اشتركت في الاضطرابات حافظ أرى، الذي حرّض أصحابه على الاستمرار في استفزاز الضيوف اليهود. احتدمتِ الاضطرابات لدرجة أنّه كان لا بدّ من استدعاء أحد رؤساء الحمائل في نابلس، راضي النابلسي الذي حثّ أصحابَه على التهدئة. 

”يا كاهن، إنّي لا أرى أيّة إمكانية لتأدية قُربان فسحكم، أقترح عليكم من أجل إحلال السلام والوئام إلغاء القربان هذا العام. إنّ كلَّ هذه الاضطرابات، ما كانت لتحدث لولا قربان الفسح. عندها لما جاء اليهود إطلاقا “، قال راضي النابلسي. كلامه هذا صدم الكاهن الأكبر إسحق وأقاربَه، الذين تسمّروا هنيهة في أماكنهم ولم ينبِسوا ببنت شفة. وعلى حين غرّة، سُمع صوت الكاهن إبراهيم بن خضر (فنحاس) بن إسحق من ركن الخيمة يقول بجرأة:

”يا راضي النابلسي، إن لن يُسمح لنا بإقامة قُربان الفسح الليلةَ فإنّي أُحذّرك بأنّي سأعتنق الإسلام“! الآن جاء دور راضي النابلسي وأصدقاوه ليتلقوا الصدمة:

”ألهذا الحدّ إمكانية تأسلمكم سيّئة“؟ سأل راضي النابلسي بصوت مرتجف. لم يأتِ الجواب لأنّه لم يبق أيّ شكّ  لدى أي امرء في الردّ عليه. وفي الأثناء قبض البريطانيون على حافظ 


أخلاقيات التدريس ومسؤولية المربين/ ترجمة د زهير الخويلدي



مقدمة

"يتطلب البعد الأخلاقي للتدريس، أكثر من أي شيء آخر، ممارسة تربوية تتوافق مع القيم التي تدعي أنها تشتق منها. يجب على المعلم أن يتصور دوره ويطور نشاطه باعتباره "فاعلًا أخلاقيًا" حقيقيًا. يجب أن تتجنب علاقته بالطالب أي منطق للسيطرة - وأن تشهد على اهتمام أخلاقي حقيقي، ينطوي على الاحترام والعناية والاهتمام. يترجم هذا القلق إلى الاستخدام الأكثر حكمة للفصول الدراسية والمجتمع المدرسي لتعزيز القيم التي تتطلبها الديمقراطية في نهاية المطاف. تعتبر أخلاقيات المدرسة من الموضوعات التي تستحق عادةً الاهتمام الوثيق من جميع المعنيين بالتعليم الرسمي. بينما نشعر بالارتباك بشكل خاص في مواجهة التحولات العميقة التي نمنحها للتجربة، فإننا نشهد اهتمامًا مضاعفًا بالمسائل الأخلاقية بشكل عام والحاجة إلى إيجاد تعليم أخلاقي قوي في المدارس يضمن من خلال اتباع الأطفال حسنًا. الاندماج الاجتماعي. إن انتشار حالات الفساد في ديمقراطياتنا البرلمانية أو النزاعات المستمرة بين الأشخاص المنتمين إلى تقاليد ثقافية مختلفة هما مثالان جيدان، من بين العديد من الأمثلة الأخرى، للعوامل التي تجعلنا، نحن العاملين في المدارس، نولي اهتمامنا للقضايا الأخلاقية - ما يدفعني إلى تركيز تفكيري على المعلمين هو الموقف الذي، على الرغم من تكراره، إلا أنه يتركني في حيرة من أمري: كيف يمكن للشخص الذي يقوم بتدريس الأخلاقيات أن يظهر في سلوكه المهني، أمام الطلاب وزملائه في العمل بموقف غير أخلاقي للغاية؟ هذا النوع من الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم أساتذة في الأخلاق ويكتبون كتبًا حول هذا الموضوع، على الرغم من أنهم غير معتادين على تطبيق ما يكتبونه شخصيًا، موجود بالفعل. التفسير الوحيد الممكن هو، أولاً، أنهم يختزلون الأخلاق إلى سلسلة من التأملات العالمية حول الفعل البشري، وأخيراً، أنهم لا يعلمون الأخلاق. يبدو أنهم يخبرون طلابهم، "افعلوا كما أقول، لكن لا تفعلوا كما أفعل"، غير مدركين أن ما يحدث عادة هو عكس ذلك تمامًا. ينتهي الأمر بالناس بفعل ما رأوه يفعله وليس ما قيل لهم القيام به. تأتي قواعد السلوك التي يكتسبها الطلاب في المدارس مما يرون أنه يتم القيام به أكثر بكثير مما يتم شرحه لهم باستمرار.


المدرس كفاعل أخلاقي

من المؤكد أنه يمكن للمرء أن يكون لديه مفاهيم مختلفة لما يمكن أن يكون عليه التدريس، وبالتالي لما يمكن وما ينبغي أن تكون عليه الوظائف المهنية للمعلمين. ومع ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار التحديات التي تواجه النظم التعليمية حاليًا في جميع أنحاء العالم، فإن البعد الأخلاقي للممارسة التربوية يكتسب أهمية سيئة؛ هذا هو بالضبط ما يتم الحديث عنه كثيرًا مؤخرًا عندما نصر على ضرورة أن يصبح المعلمون محترفين عاكفين أو مفكرين نقديين. دون إنكار جانب تقني معين قائم على معرفة علمية أكثر أو أقل، فإن المعلم هو قبل كل شيء فاعل أخلاقي، شخص يمكن فهم عمله على أنه فن عملي حيث يكون البعد الأخلاقي أساسيًا. إذا اتبعنا تأمل توم الذي اقتبسناه للتو، فإن هذا البعد الأخلاقي لمهنة التعليم يظهر بطريقة واضحة في شكلين يتم اختبارهما، علاوة على ذلك، بطريقة متضاربة من قبل المعلمين. بادئ ذي بدء، يلتزم المعلم باستمرار باتخاذ قرارات بشأن الأشخاص الملموسين الموجودين في إطار محدد من العلاقات الاجتماعية وفي لحظة رئيسية في تطورهم الشخصي. في حين أنه من الصحيح أن بعض قراراته لا تتجاوز تلك التي يتخذها الفني الذي يحلل السياق ويبحث عن الوسائل التي ستمكنه من تحقيق أهداف محددة، فإن التفكير في هذه الأهداف وبالتالي تحديد أي منها يجب تحقيقه يعد أمرًا ضروريًا جزء من المهنة. من الواضح أن النظام التعليمي موجه بالأهداف، سواء كانت ضمنية أو صريحة، والتي تدافع عن نموذج الشخص ونموذج المجتمع. من الصعب التفكير في نشاط بشري يمكن فيه الفصل التام بين العقل التقني والعقل الموضوعي؛ في حالة التعليم، بالطبع، يتبين أن هذا مستحيل تمامًا وعندما نفترض هذا الفصل نقع في مناورة واضحة للإخفاء، فإننا ننخرط في الأيديولوجيا. يعتبر عمل المعلمين جزءًا من مجال العقل العملي، كما حدده أرسطو واتخذه ديوي في القرن العشرين، لعالم التعليم والتفكير.

ومع ذلك، فإن هذا الجانب من ممارستنا المهنية يثير إحدى المعضلات الأساسية التي يجب أن نواجهها ، وهي الحياد في التقييم. ربما لا يزال هناك شخص يعتقد أنه في التعليم يمكنك أن تكون محايدًا، ولكن عليك فقط أن تتذكر كل الأدبيات الموجودة في "المنهج الخفي" لكي تدرك بسرعة أن الحياد أمر مستحيل. وحتى أنه غير مرغوب فيه على الإطلاق لأنه تهاجم مباشرة المؤسسة التعليمية نفسها. لا يتعلق الأمر بالقيم التي ننقلها في التخصصات المختلفة فحسب، بل إن ما ننقله بالفعل في ممارستنا هو أكثر أهمية، إذا تذكر المرء ما قلناه في العرض الأولي للمثال. ما هو حاسم إذن ليس الرسالة بقدر ما هو الوسيلة، والقيم التي ندافع عنها في النهاية تتشكل من خلال التكوين المحدد، العلاقات الملموسة التي يتم تأسيسها في النظام التعليمي. لذلك لا مجال هنا للحياد من أي نوع. لم يكن هذا الموقف أكثر وضوحًا في أي وقت مما كان عليه عندما يقوم المعلمون بتقييم الطلاب. يعد وضع العلامات والتقييم أحد أكثر أنشطة النظام التعليمي ضعفاً من الناحية الأخلاقية والتي يتعين على الشخص القيام بها. ليس هذا كل ما يتضمنه نظام التقييم ضمنيًا في إنشاء التسلسلات الهرمية ومقارنة الأشخاص، أو تحديد الاحتمالات المتاحة للطالب عند اختيار حياته المستقبلية. والأهم من ذلك أن الطالب يرى التقييم على أنه قيد دائم يعيق قدرته على التدخل والدفاع عن وجهة نظره الخاصة في عملية التعلم. قد تكون بعض الأفكار التي نشرها هيجل والتي تصف ديالكتيك السيد والعبد مناسبة تمامًا لوصف تأثير التقييم على العلاقة. على أي حال، فإن النموذج الهيغلي ليس الأكثر إثمارًا في التفكير بشكل صحيح في العلاقة بين الطلاب والمعلمين. الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو وجهة النظر التي قدمها ليفيناس. من ناحية، بقدر ما يكون اقتراحه الأخلاقي نقطة انطلاقه الاعتراف بالآخر، الذي تتطلب نظراته استجابة مني وتضعني في موقف معين من التبعية. إن هشاشة الطالب الحقيقية، ودونيته الواضحة في المعرفة والسلطة، تبرز فقط، إن أمكن، حالة الرهينة هذه للآخر الذي لا أستطيع، بأي حال من الأحوال، التلاعب بالتبديل، وهو شرط يسلط الضوء على الجذور العميقة للسلوك الأخلاقي. وبالتالي، فإن السلوك الأخلاقي الوحيد الممكن للمعلم تجاه تلميذه هو التعاطف والاهتمام والمودة؛ لها غرضها الخاص: أن يتمكن الطالب من الاستغناء عن المساعدة التي قدمها له في عملية نضجه الشخصي. من ناحية أخرى، فإن عدم التناسق بين التلميذ والمعلم مصحوب باعتراف التلميذ بسلطة المعلم؛ سوف يتم إبراز هذه السلطة إذا تم تجريدها من كل قوة قسرية وتعزيز الاعتراف العقلاني من قبل الطالب أنه بدون هذه السلطة ليس لديه إمكانية للنجاح في أن يكون هو نفسه. وبنفس الطريقة، تؤكد سيمون فايل أن الأولوية هي الواجبات وليس الحقوق أبدًا ؛ مرة أخرى ، يشير عدم التماثل بين الطالب والمعلم إلى أنه في علاقاته ، يكون المعلم قبل كل شيء شخصًا يجب أن يسترشد نشاطه بواجباته تجاه الطالب ، بينما لا يمكن حماية هذا الأخير بشكل مناسب إذا كانت حقوقه لها الأسبقية ، حتى لو لم يكن أيًا من عليهم أن يتخلوا عن الجانب الثاني.


الصعوبات التي يجب التغلب عليها

الصعوبة الأولى هي الغياب التام للتدريب الأخلاقي لأولئك الذين يخططون للتدريس. يوجد عدد قليل جدًا من مدارس تدريب المعلمين التي تقدم دورات تدريبية في الأخلاقيات لطلابها. يبدو أن الجميع يعتقد أن الأخلاق شيء نمتلكه بشكل أو بآخر وأن الموضوع لا يستحق اهتمامًا خاصًا في المدارس. وهذا بلا شك خطأ فادح. نحن لا نعرف أن الأخلاق هي مجال محدد تمامًا، وله أدواته المفاهيمية الخاصة لتحليل المشكلات، والتي لا يمكن اكتسابها إلا في إطار مناقشة المشكلات الأخلاقية. نحن أيضًا غير مدركين أننا نجد مجموعة كاملة من المشكلات الأخلاقية مرتبطة بالممارسة التعليمية، والتي يوجد لعلاجها بالفعل مجموعة وعدد كبير جدًا من التجارب التي يجب أخذها في الاعتبار إذا كنا لا نريد عدم إعادة الاكتشاف باستمرار العالم. في هذا المجال من تدريب المعلمين، توجد بالفعل خبرات قيمة للغاية. بالتأكيد يجب أن يكون هذا التدريب متسقًا مع المتطلبات التي سأذكرها في النقطة الأخيرة، لأن المعلمين ينتهي بهم الأمر أيضًا إلى فعل ما رأوه في مدارسهم التدريبية، وليس ما قيل لهم إنه يجب القيام به.

هناك عقبة ثانية، أصعب بكثير في إدراكها، وجودها في السياق الثقافي الذي نتطور فيه منتشر. كما قلت سابقًا، يجب البحث عن جذر البعد الأخلاقي للمعلم في مزيج مناسب بين قبول الواجب تجاه الآخر، أي الطالب، والاهتمام أو الرعاية التي يتطلبها هذا الآخر مني؛ وهذا يرقى إلى القول بأنه في ممارستها يجب أن يتقارب اتجاهين يفشلان حاليًا في إيجاد أرضية مشتركة للتعاون، وهذا يميل أكثر نحو أخلاقيات تتمحور حول صياغة مجردة إلى حد ما لمجتمع الحوار، والتي تريد إعادة اكتشاف قيم المجتمع، منطق القلب. يختبر الأساتذة هذا الصراع بين الاتجاهين، وهو صراع حاضر في المجتمع، ويجدون صعوبة بالغة في وجود نقاط مرجعية صلبة ترشدهم في عملهم. بل إن الأمر الأكثر خطورة بالنسبة لهم أن يجدوا أنفسهم منغمسين في مجتمع أصبح يضعف بشدة أي أخلاق قائمة على الواجب ويصر فقط على ضرورة التطور الشخصي الفردي. في منطق السيادة للفردانية، ليس من السهل إعادة بناء متطلبات الواجب؛ لا يمكن تحديد كونك محترفًا مبدعًا وناقدًا إلا جزئيًا من خلال مشروع يركز على الإنجاز الشخصي للفرد. يمكن أن يكون مبدأ المسؤولية وسيلة لإرساء أسس عمل المعلمين، لكنه لا يبدو راسخًا بما فيه الكفاية.


الأشكال المحددة لهذه الممارسة الأخلاقية

في الوقت الحاضر، من المؤكد أنه من الضروري حقًا أن يكون لديك أعصاب قوية لممارسة كعامل أخلاقي في المدرسة. ومع ذلك، يبدو، كما قلت سابقًا، أن العملية لا مفر منها وأن التطرف في هذا المشروع يمكن أن يساعدنا في فهم سبب زيادة عدد المعلمين الذين يعانون من الاكتئاب بشكل كبير. ومع ذلك، من الممكن تناول بعض المبادئ الأساسية لتوجيه النشاط الأخلاقي للمعلمين في المدرسة. سأقدمها من خلال اجتياز ثلاث دوائر متحدة المركز، والتي لا يمكن فصلها إلا بشكل تحليلي.


الفصل كمجتمع بحثي

الجوهر المركزي للعلاقة التربوية هو ما يظهر في الفصل، عندما يجد الشخص نفسه كل يوم مضطرًا للتعامل مع مجموعة من الطلاب. لا نقصد أن نقول إن الفصل يجب اعتباره عنصرًا منفصلاً عن البقية، لكنها لحظة مركزية في عملية أوسع تتدخل فيها الهيئات خارج المدرسة والمدرسة نفسها - حتى ككل. يتم تحديد المحور الأساسي للموقف الأخلاقي للمعلم من خلال ما وصفته من قبل، بالاعتماد على أفكار من ليفيناس، مثل ديالكتيك الانتباه والاعتراف. الطالب دائمًا شخص لا يمكن التلاعب به بأي شكل من الأشكال، وعلينا أن نتعامل معه بأكبر قدر من المودة، ونوفر له الأدوات والمعرفة التي تسمح له ببناء هويته الخاصة. يأخذ هذا الموقف معناه الكامل عندما نفهم أن الهدف النهائي للعملية التعليمية بأكملها هو الحصول على أن الطالب يمكنه الاستغناء عن المعلم، من خلال التغلب على عدم التماثل الذي كان يميزهم في البداية. ولن نصل إلى هذه النقطة أبدًا إذا لم يكن هذا الاستقلالية للطالب موجودًا منذ اللحظة الأولى. يجب أن يتعلم المعلم أيضًا الحوار مع طلابه، وقبول عملية التفاوض التي تؤثر على المحتوى وكذلك الإجراءات والدرجات. من الضروري العمل بشفافية مطلقة؛ منذ البداية، يجب أن يشرح لتلاميذه بوضوح الأهداف التي يجب تحقيقها، وكيف سيتم تحقيقها وما هي المعايير التي سيتم استخدامها لتقييم عملية التعلم. ولكن، بعد أن تم ذلك، يجب أن يعترف بمناقشة اللحظات الثلاث، وقبول وجهة نظر الطالب وإدخال التعديلات التي من شأنها أن تكون ضرورية وستدعمها الأسباب التي يتم الكشف عنها والدفاع عنها علنًا. حتى إذا كان القرار النهائي لا يعتمد على الطلاب، ولا في بعض الأحيان على المعلمين، فإن هامش المناقشة أوسع بكثير من ذلك المعترف به عمومًا من قبل المعلمين المرتبطين جدًا بمنصبهم في السلطة والامتياز. وينطبق الشيء نفسه على التصنيفات، التي يعتبر تخصيصها مسؤوليتنا في النهاية في ممارستنا المهنية؛ لأنها جزء من مجال التفسير، على الرغم من أنها تستند إلى معايير عقلانية، حتى المعلم لا يمكنه تحمل الحق في الحصول على التفسير الوحيد الممكن. إذا كنت، كما قلت في البداية، أتحدث عن أخلاقيات الأساتذة الملتزمين بجدية بالديمقراطية، فإن التخلي عن أي منصب قضائي لا يتعلق فقط بالتخلي عن رئيس المحكمة والسعي لتجنب أي نزاع. من الضروري أيضًا ممارسة ديناميكية التعاون في الفصل الدراسي نفسه بحيث يصبح نوعًا من مجتمع البحث حيث تنتقل عملية التعلم ليس فقط من الطالب إلى المعلم، ولكن أيضًا من طالب إلى آخر. يتعلق الأمر باكتشاف أن الطلاب يمكنهم التعلم من أقرانهم وأن عملية المعرفة تتم داخل مجتمع جاهز للحفاظ على حوار صارم يهدف إلى البحث عن الحقيقة. إنه أيضًا مفهوم مركزي في اقتراح باولو فرايري التربوي: لا أحد يعلم أي شخص، فالبشر يتعلمون في المجتمع. كل ما عليك فعله هو دخول فصل دراسي وتعديل تخطيط الجداول للتحقق من التغيير في موقف المعلمين الذي تتطلبه ديناميكية التعاون هذه. عندما يجلس جميع الأشخاص في الغرفة، الطلاب والمعلم، في دائرة ويرى كل منهم وجهه، ويتم التخلص من الوجود المادي للمكان المتميز الذي يشغله المعلم، يختلف نوع العلاقات التي يتم الحفاظ عليها في الفصل في كل مرة. أن التغيير لا يقتصر على ترتيب الجداول.


المؤسسة كمجتمع بحثي عملي وعادل

ما يحدث في الفصل الدراسي هو جزء مهم فقط من عملية تعليمية أكبر بكثير. يجب أن يتجاوز الموقف الأخلاقي للمعلمين الفصل الدراسي، لأنه سيكون من غير المجدي تقليل ممارسة التفكير إلى بضع لحظات لا يمكن فهمها دون ربطها بعملية أكبر بكثير. إذا كانت لدينا رؤية عالمية للتعليم كمهنة ، فيبدو أنه من الضروري النظر إلى المؤسسة في بُعد مزدوج: مكان يعمل فيه المرء مع زملائه الآخرين في مهمة مشتركة ومساحة حيث يتم تحديد العلاقات بين الطلاب والمعلمين. من المؤكد أن السلطات الإدارية، على عكس تصريحاتها، تميل باستمرار إلى تقييد استقلالية المؤسسات، من خلال تعزيز المفهوم الهرمي للنظام التعليمي حيث يتم تقليص دور المعلم إلى دور فني بسيط يطبق التوجيهات، دون تفكير. الكثير حول هذا الموضوع، وحيث يُطلب من قادة المدارس مراقبة التطبيق الصحيح للقانون. يجب أن تكسر الممارسة التعليمية المدروسة هذه الديناميكية، وتشجع الاستقلالية والإدارة الذاتية للمؤسسات قدر الإمكان، بحيث يتحمل الجميع المسؤولية ويوافق على مناقشة ليس فقط الوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف، ولكن أيضًا الأهداف نفسها. لا يمكن تبرير نقل المسؤوليات إلى شخص آخر، أو التهرب منها بحجة مقتضيات القانون. اليوم، عندما يعمل عدد كبير من المعلمين في المدارس العامة وبالتالي هم موظفون مدنيون، فإن تبني أخلاق البيروقراطية، التي وصفها ماكس فيبر جيدًا، هو هجوم مباشر على مفهوم الممارسة التعليمية التي أدافع عنها في هذه السطور.


المؤسسة كمساحة للتحول الاجتماعي

نظام التعليم ليس كيانًا منعزلًا، إنه جزء أساسي من أداء المجتمع الذي نعيش فيه. يجب أن تأخذ أخلاقيات المعلمين أيضًا متطلبات الدور الاجتماعي الذي تلعبه المدرسة. هذا هو السبب في أننا لا يجب أن نختصر التعليم إلى عملية نفسية أو تربوية، بل نتقبل بشكل كامل بعده الاجتماعي والسياسي. الكثير مما قلته له نقطة انطلاقه في هذه المشاركة السياسية والمتطلبات الأخلاقية التي حددتها هي نتيجة التفكير النقدي في دور المدرسة. بعيدًا عن تحويل المدرسة إلى مجال بامتياز من التكامل الاجتماعي، يجب على المعلمين الاضطلاع بدورهم في تنشيط المجتمع الذي ينتمون إليه، مثل المثل العليا للمدرسة الجمهورية في فرنسا، أو تلك الخاصة بـ مؤسسة التعليم المجاني والعقلاني المدارس في إسبانيا. وهذا يتطلب، من بين أمور أخرى، أن يختار المعلمون بوضوح نظام التعليم للأشخاص الأكثر حرمانًا، ومحاولة عدم تغيير مساهمة المدرسة بحيث يكون لجميع الطلاب نفس الفرص في تطوير قدراتهم إلى الحد الأقصى، في بلاغة خالصة خالية من المضمون. من السهل جدًا تكريس انتباه المرء للطلاب الذين يظهرون أكبر نزعة للتعلم، أو لأولئك الذين يمتلكون أكبر قدر من القدرات للتقدم في دراساتهم. لا يمكننا أن نكون ساذجين بما يكفي لننسى أن هذه التصرفات والقدرات هي إلى حد كبير نتيجة للظروف الاجتماعية التي يعيش فيها طلابنا. إذا لم نوجه جهودنا نحو الطلاب الآخرين، فإننا نواجه مخاطرة واضحة: المدرسة، بدلاً من أن تكون مجالًا للتقدم الشخصي والاجتماعي، ستصبح مجالًا لتوحيد وإضفاء الشرعية على عدم المساواة الموجودة بالفعل في مجتمعنا. إنني قلق للغاية من أن ينتهي النقاش الحالي حول جودة التعليم إلى عودة هذه القدرة التمييزية التي يمكن أن تتمتع بها المدارس. وبنفس الطريقة، أشعر بقلق شديد من فكرة أنه في بعض المقترحات الخاصة بالاهتمام بالتنوع والتعليم الشامل، ينتهي الأمر بالنظام إلى الحكم على الطبقات الاجتماعية الأكثر حرمانًا بعدم القدرة على الخروج من حالة العجز الثقافي لديهم. يجب أن نكرس أنفسنا أكثر لمن لديهم القليل، لا أن نتركهم حيث هم، ولكن لمساعدتهم على تطوير كل ما لديهم بداخلهم.


خاتمة

قد تؤدي القراءة السريعة لما كتبته للتو إلى شعور القارئ بأنني أطلب الكثير من المعلمين. ليس هناك شك في أن مهنة مثل التدريس متطلبة للغاية ولدى منظمة الصحة العالمية سبب يجعلها من أخطر الأنشطة. ومع ذلك، فإن قصدي هو عكس ذلك تمامًا. أنا مقتنع تمامًا بأنه سيكون لدينا فقط إمكانية إنجاز عملنا وأيضًا إيجاد رضا عميق فيه مما سيساعدنا على مواجهة المشاكل العديدة التي تطرحها الممارسة التعليمية في ظروف أفضل، إذا أخذنا مهنتنا بجدية. الطريقة الأكثر صحة وإرضاء لمواجهة مشكلة هي أن تكون على دراية بالمشكلة المطروحة، كل ما قلته يمكن تلخيصه بكل بساطة. التعليم / التدريس هو في جوهره نشاط أخلاقي ويجب الحفاظ على هذا البعد الأخلاقي قدر الإمكان. من ناحية أخرى، فإن الطريقة المعقولة الوحيدة لمشاركة طلابنا القيم الأساسية التي نؤمن بها هي أن نظهر من خلال ممارستنا اليومية أن هذه القيم لا تشكل أخلاقًا رخيصة يمكننا التعايش معها بسهولة؛ إنها مهمة جدًا لدرجة أننا بدلاً من التحدث عنها، نفضل إظهارها في نشاطنا اليومي. إنها الطريقة الوحيدة بالنسبة لنا للحصول على المصداقية التي بدونها يتدهور وضعنا كأسياد بشكل لا يمكن إصلاحه."

بقلم فيليكس جارسيا موريون ، أستاذ الفلسفة ، مدريد ، إسبانيا

المصدر:

Félix Garcia Moriyón, « L’éthique des professeurs », Revue internationale d’éducation de Sèvres, 05 | 1995, 87-94.

رسائل من القدس وإليها ما بين الواقع والذات/ زياد جيوسي


   كتاب جميل حمل اسم "رسائل من القدس وإليها" يعيدنا الى أدب الرسائل التراثي؛ فكان الكتاب ويضم بين دفتيه مئة واثنان وثمانون صفحة من القطع المتوسط من اصدار مكتبة كل شيء في حيفا، يقع في تصنيف أدب الرسائل وهو تصنيف قديم ومعروف من تصنيفات الأدب يعود للقرنين الثالث والرابع للهجرة، وفي المرحلة الحالية من النادر أن نراه وإن بدأ العودة في إطلالات خجولة وخاصة مع تغير وسائل التواصل والمراسلات، فجاء هذا الكتاب ليعيد للحياة هذا التصنيف الأدبي المتميز، ولعل ما يستحق الاهتمام في هذه الرسائل المتبادلة إضافة لمحتواها بين الكاتب الشيخ جميل السلحوت والكاتبة صباح بشير هو مسألتان: الأولى هو الفارق الزمني بالعمر بينهما وهذا يجعل لكل مرحلة عمرية أفكارها المختلفة عن أفكار المراحل العمرية الأخرى، فالشيخ السلحوت مواليد 1949م ولا اعرف متى ولدت الكاتبة صباح وإن قدرت عمرها في الأربعينات حيث بدأت الرسائل عام 2010م بين تواصل وتقطع، وكان لها عدة أعوام تعمل بمؤسسة بالقدس بعد تخرجها، وفي دبي كانت ابنتها بالجامعة معها، والمسألة الثانية هي المكان حيث أن الكاتبين من نفس المكان وهو القدس ومن جبل المكبر وهذا يجعل المشاهدات والأحداث المعاشة  في المكان متشابهة، علما أن الكاتبة خرجت من القدس الى دبي وعملت فيها فترة وعادت ثم انتقلت الى لندن وجورجيا ومن ثم تونس فحيفا فتأثرت بتنقلها وتجوالها، ورغم الفارق الزمني بالعمر إلا أنه يلاحظ التقارب الكبير بوجهات النظر. 

   هذه الرسائل السلسة والتي ابتدأت منذ عام 2010م جالت بنا بأسلوب سلس ولغة مبسطة بين الواقع في مجتمعاتنا في الماضي والحاضر، وركزت بشكل أو آخر على معاناة شعبنا تحت الاحتلال بشكل عام والقدس بشكل خاص، وعما يقوم به الاحتلال من تهويد للقدس واستباحة الأقصى الشريف والاستيلاء على مساحات في حي الشيخ جراح إضافة للأحياء الأخرى كما في سلوان من أجل تهويد هذه الأحياء، وعزل القدس عن محيطها العربي الفلسطيني من أجل العمل على تفريغها وإبعاد ابناء الوطن عنها، وكيف يطوقون البلدة القديمة بالقدس وكل ذلك كان من نتائج اتفاق اوسلو سيء الصيت والسمعة وبدعم من الحكومات الإمريكية والحكومات المطبعة من عبيد الأمريكان ومقاعد الحكم في عالمنا العربي، وتشير لعشق القدس وإن كل من يغادرها بسبب ظروف اقتصادية أو أسباب أخرى لا يستطيع البقاء في الغربة فيعود اليها تاركا الغربة والشتات ليجدد عشقه المقدسي،  

   وأشارت الرسائل لدور الأب المثقف على تنشئة أبناء مثقفين كما تحدثت صباح بشير عن والدها المدرس ودوره في حياتها وانشاء مكتبة منزلية، بينما قارن الكاتب الشيخ جميل السلحوت وضعه مقارنة بوضعها حيث كان ابويه أميين ولكنه تعب على نفسه حتى أسس ندوة البيت السابع وكان صاحب الفكرة ونشأت وأصبح لها دورها بالتعاون مع مجموعة من المثقفين إضافة للزخم الكبير من الكتب الورقية، ،كما اشار الكاتب الى بعض العادات في مجتمعنا ومنها عدم ترك القادم من السفر ليرتاح فيأتيه الزوار وهو في غاية الارهاق والتعب ويحتاج للراحة، وعن السلوكيات التي تصاحب جنازات الشهداء ونعيهم وفي بيوت العزاء وعن انتشار ثقافة الجهل بين الناس. 

  وعن معاناة الكاتب مع الجهلة والذين يهاجمون كتابا على اسمه بدون أن يفهموا الاسم ولا يقرأون المحتوى، وعن الواقع الثقافي بالوطن وانحسار القراءة مقارنة بالماضي،وبيع بعض المثقفين والكُتاب ذممهم وانحرافهم عن الانتماء الوطني،حجم الاصدارات تحت بند الأدب مما يؤدي إلى انهيار ثقافي وهذا فعليا ما بدأنا نلمسه الآن، وكذلك المسابقات التي تجريها وزارة الثقافة ودروع التكريم من مؤسسات غير موجودة في الواقع لأعمال لا تستحق وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنا شخصيا أعرف كاتبة وكاتب يحترفون اختراع هذه التكريمات ويدفعون تكاليفها وزيادة كي ينشروا عن أنفسهم انهم كرموا، فهل معقول أن تكرم كاتبة في أنحاء العالم بما يزيد عن سبعين مرة خلال عدة أعوام؟؟ إضافة لشخصين يمنحون شهادات دكتوراة فخرية وهم لم يحصلوا الشهادات الجامعية أصلا، علما أن الدكتوراة الفخرية لا تمنح الا من جامعات رسمية وضمن شروط ليست سهلة، والأدهى ما لمسته أن بعض من اولئك الممنوحين هذه الشهادت أصبحوا يضعون حرف د. قبل اسمائهم استنادا لهذا الوهم، اضافة للفضائيات ودورها التخريبي للثقافة ونشر ثقافة "الهبل" كما اشار الكاتب. 

   المرأة نالت نصيبها من الحديث بين معاناة ارث قديم ما زال يلقي بظلاله على الحاضر بحكم العادات التي كما اشار الكاتب أنها أقوى من القوانين، وبين معاناة ما زالت تعانيها المرأة حاليا، وإن كان لا يمكن محاكمة مجتمع كان الجهل يلعب دورا كبيرا فيه اضافة للأمية وقلة التعليم بمنظور جيل جديد من النساء يندر أن لا تكون فيه امرأة غير متعلمة. 

   كان من الممتع الحديث المتبادل عن كتابات كل منهما فأبدت الكاتبة ملاحظات على رواية للكاتب وتحدث الكاتب عن مقالات الكاتبة ورأى أنها تبشر بولادة روائية جيدة، كما تحدث عن اصداراته الأدبية والتي أتيح لي الإطلالة على بعض منها وجيد انه تقبل النقد من الكاتبة، أما الكاتبة صباح بشير فمعظم ما قرأته لها كان قراءات عن روايات بشكل خاص، والكاتبة أشارت أكثر من مرة عن مشروع رواية لها تأمل أن تصدر قريبا، ولا أعلم ان صدرت أم لم تصدر بعد لكني بالتأكيد أنتظرها. 

    كانت الرسائل تحمل بعضا من السيرة الذاتية لكل منهما مما أتاح للقارئ أن يعرف بعض المسائل عن مسيرة كل منهما وعن التجربة النضالية للكاتب جميل السلحوت.. وكذلك نجد الحديث امتد الى ما يسمى الربيع العربي وأيضا جائحة الكورونا ووجهات النظر فيها ونظرة الناس لهذا الوباء بين مرض وبين مؤامرة وبين مفهوم خاطئ للقضاء والقدر والأخذ بالأسباب من اجراءات وقائية، إضافة لما ابداه الكاتب من قلق على مستقبل ومستوى الطلاب بسبب انقطاعهم عن التعليم الوجاهي والاتجاه للتعلم عن بعد بسبب الجائحة، إضافة للقوانين التي تصدر وتهدف إلى تخريب عقلية الطلبة وممارساتهم في المدارس، وهذا أدى إلى نوع من الانفلات الاجتماعي فازدادت عمليات القتل اضافة للقتل الذي يطلق عليه زورا القتل من أجل الشرف والمشاكل المجتمعية المنتشرة بما فيها تناول المخدرات والتي يسهل الاحتلال وصولها للأطفال والشباب،إضافة للعديد من السلوكيات المجتمعية المنفلتة عن الذوق والأخلاق وانتشار الفساد. 

  من الجميل الجولات مع بوح الأمكنة التي أضافت للكتاب أدب الرحلات، فكان جولات الكاتبة بين أنطاليا التي زارتها لحضور مؤتمر اعلامي، وأبدت ملاحظات على سلوك بعض الصحفيين الشباب في حفل عرض أزياء ووصفت العديد من الأمكنة في جولاتها هناك التي تمتعت بها مثل البلدة القديمة والبرج الروماني والمتحف الأثري والمسرح الروماني والشلالات والشواطئ، ومارست متعة التسوق التي تعشقها النساء، وكذلك الأمكنة في جورجيا وتجوالها في حيفا والحديث الممتع عن علاقتها بالبحر والغروب، وكذلك عن دبي وأبو ظبي والامارات الأخرى التي زارتها والتي أتيح لي زيارتها مرتين من خلال دعوات لي مرة لحفل توقيع ومرة لمحاضرة عن التراث في معرض الشارقة للكتاب. 

   وكان حديث الكاتب عن المجتمع الامريكي وما اسماه بالحضارة الامريكية التي نهضت على اكتاف المهاجرين من اوروبا ومن دول عديدة وايضا الزنوج والأسيويين باستثناء أهل أمريكا الأصليين من الهنود الحمر الذي جرت عملية ابادة لهم من ذوي اللون الأبيض والذين ما زالوا يمارسون عنصريتهم رغم أن الدستور يمنع ذلك. 

   وكانت الاشارة لطبيعة الشعب الامريكي مهمة وخاصة عدم اهتمامه بالشؤون السياسية تاركا ذلك للحكومات، وكذلك التفاوت الطبقي داخل المجتمع، والاشارة للجالية العربية كانت مفصلة ودقيقة ومهمة وخاصة فئة الطلاب منهم، ولعل تكرار الزيارات التي بلغت ستة عشر مرة منذ عام 1984 اتاحت للكاتب النظرة الدقيقة للمجتمع الأمريكي وللجالية العربية فيه، كذلك التحدث عن الأمكنة وخاصة حدائق الحيوان ومناطق الطبيعة كما شلالات نياجرا وغيرها كان يحمل روح أدب الرحلات، والكاتب كان في رسائله يفصل بين الحكومات والشعوب مثل بريطانيا وفرنسا اضافة لأمريكا أيضا، وفي نفس الوقت لم يغفل الحديث عن الأمكنة في وطننا المحتل وعن ما آل اليه وضع رعاة الأغنام من دمار اقتصادي بعد أن كانوا يملكون ثروة حيوانية ضخمة قبل الاحتلال، لتصبح أوضاعهم في غاية السوء بعد الاحتلال وطردهم من المراعي ومصادرتها مما أدى لتدمير الثروة الحيوانية، وأيضا تحدث عن الكثير من مناطق الوطن ومعاناة المواطن في التجوال وأنا شخصيا تعرضت لعدة مشكلات مع جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه في بعض من جولاتي التوثيقية بالقلم والعدسة لمناطق الوطن، ومن خلال المقارنة حول ما ورد في الكتاب حول الرحلات نرى أن الكاتب تمكن من الحديث عن الأمكنة بقدرة أكبر من الكاتبة، ولعل ذلك عائد للتجربة الطويلة في التجوال للكاتب اضافة أنه سبق أن صدر له كتاب عن أدب الرحلات. 

   وجيد ما اورده الكاتب الشيخ جميل السلحوت عن دور مؤسسات "الأنجزة" التي تكاثرت كما الفطر في بلادنا بدعم اوربي ودور تخريبي وممارسة الفساد والثراء على حساب حقوق المرأة، إضافة لمعاداة المرأة للمرأة، وأيضا الفهم المغلوط للدين، وهذا ما أثلج قلبي لما اراه والمسه لدور هذه المؤسسات التخريبي المغطى بقشرة من عسل، وفعليا كان لهذه المؤسسات دور كبير في تخريب البلدان العربية تحت شعار الربيع العربي والذي لم يكن أكثر من وبال على رؤوس العرب. 

   كتاب ممتع بين التوثيق لمرحلة نعيشها وتشكل مرجعية لأجيال لم تعش ما عشناه بعد، وما بين سيرة ذاتية وإن كانت مختصرة فلم تطغ على الكتاب، وجولات ممتعة في أنحاء العالم وثقت بأدب الرحلات وهو من الأدب الذي ما زال يجد الاهتمام به، وأراء جميلة قد نختلف مع بعض وإن كنا سنتفق مع غالبيتها، فكانت هذه الرسائل تمثل فعليا العنوان "رسائل من القدس وإليها"، فالقدس كانت في هذه الرسائل المسرح الأساس من بين المسارح الأخرى التي جرى الحديث عنها، ومن الجميل أن فكر الكاتبان بنشر هذه الرسائل الأدبية والاجتماعية والسياسية كي لا تبقى حبيسة القمقم، فكان لهذا النشر اضافة جميلة للأدب العربي ولأدب الرسائل هذا الأدب النثري الجميل والرائع، فأعادتنا الرسائل بأسلوب عصري إلى بعض من تراثنا الأدبي قبل قرون طوال بلغة متمكنة وقوية وبدون تعقيدات لغوية خرجت من الخاص إلى العام فكانت رسالة مقدسية فلسطينية بإمتياز. 


أستراليا: موريسن وسنوات من التضليل والخداع/ عباس علي مراد



رئيس الوزراء السابق سكوت موريسن الذي خسر الإنتخابات الفيدرالية في أيار الماضي يقول: "لا تثقوا بالحكومة". ففي خطاب له في إحدى كنائس مدينة بيرث الأسبوع الماضي دعى موريسن وشجع المصلين إلى وضع إيمانهم بالله بدلاً من الحكومة.

"وقال:" نثق به، نحن لا نثق في الحكومات. نحن لا نثق في الأمم المتحدة ، والحمد لله 

وعن هزيمة الائتلاف في الإنتخابات ، قال للجمهور إنه يعتقد أن الله لديه خطة له واضاف ان الله يحبه وهو ما زال يؤمن بالمعجزات.

لست بوارد مناقشة الجانب العقائدي أو المسألة الإيمانية عند سكوت موريس لأن هذه العلاقة شخصية بين الخالق والمخلوق، فالمخلوق يتقرب إلى خالقه عبر عقائد ومفاهيم دينية، أخلاقية وإنسانية يرى فيها المرء 

أنها الطريق الأمثل إلى النجاة في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة، وهذا ما قد ينعكس في تصرفات الانسان.

ليكن كلامكم نعم نعم لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرير(مت 37:5)

هذا ما جاء في الإنجيل، وهنا مربط الفرس في الموضوع، سكوت موريسن الذي قال انه لا يؤمن بالحكومة او بالأمم المتحدة هذا حقه كحق أي إنسان.

موريسن الذي دخل الندوة البرلمانية عام2007  وشغل عدة مناصب وزارية حتى وصل إلى أعلى منصب تنفيذي في البلاد وتبوأ سدة رئاسة الحكومة منذ العام 2018 عندما انقلب على رئيس االوزراء انذاك مالكوم تيرنبول. 

اذاً، لدى موريسن طموحاته السياسية وهذا حقه، ولكن هل هذا الطموح يبرر ما قام به بتضليله المواطنين كل هذه السنوات؟

نعرف كيف حصل موريسن على ترشيح الحزب له بعد الإنقلاب على مايكل طوق عام 2007 الذي كان قد فاز بالإنتخابات الحزبية للترشح كممثل لحزب الأحرار عن مقعد كوك. عمل موريسن على تشويه صورة طوق الذي قال:" ان موريسن كان حازماً وصريحاً بأن مرشحاً من أصل لبناني ويعتقدون انه مسلم لا يمكنه شغل منصب كوك خاصة بعد أعمال الشغب في كرونولا". نفى موريسن تلك المزاعم، يبدو انه كان يعتقد بأن الإرادة الإلهية كلفته بهذه المهمة وحصلت المعجزة.

كما تقدم يعتقد موريسن أن الله اختاره  وأن الله لديه خطة له وأن الله يحبه وهو ما زال يؤمن بالمعجزات.

اذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يستقل موريسن من منصبه النيابي بعد خسارته الإنتخابات الأخيرة ويتفرغ للترويج لما يعتقد أنه مكلف به خارج النظام السياسي؟!

موريسن كان أحد الأسباب التي ادت إلى خسارة الائتلاف (الاحرار- الوطني) الإنتخابات كما أدت إلى تدمير حزب الأحرار وحولته إلى هيكل عظمي سياسي بسبب السياسات والمقاربة التي اتبعها سواء داخل الحزب أو في إدارة البلاد والحكومة، من هذه السياسات تلك المتعلقة بقضايا البيئة والطاقة وإقامة مفوضية فعالة لمكافحة الفساد والبنى التحتية ومكافحة حرائق الغابات ومقاربته الأولية في معالجة أزمة وباء الكورونا  والهجرة حيث الإهمال الملفت للنظر بوجود 300000 الف طلب لمقيمين على الأراضي الاسترالية بموجب تأشيرات مؤقتة ينتظرون دراسة ملفاتهم من أجل تغيير وضعهم والحصول على تأشيرات طويلة الأجل او الإقامة لم توليها حكومة موريسن اي اهتمام، هذا عدا عن عشرات اللاجئين الذين ما زالوا عالقين في جزر الباسفيك او في مراكز احتجاز في البلاد وغيرها الكثير من القضايا. 

اذا كان موريسن لا يثق بالحكومة ولا بالأمم المتحدة فلماذا خاض الإنتخابات واستعمل الحيل السياسية وضغط على موظفي وزارة الداخلية للإعلان عن اعتراض مركب للاجئين السيرلنكيين أثناء الحملة الإنتخابية واستعملها ورقة دعائية أثناء قيام حكومته بتصريف الأعمال إضافة الى ارسال رسائل نصية لهواتف المواطنين تبلغهم بعملية الاعتراض، ولماذا كان يعترض في السابق عند سؤاله عن هذا الموضوع ويقول: " لا نعلق على مواضيع تتعلق بأمن الحدود" فما عدى مما بدى ؟

موريسن وأثناء الحملة الإنتخابية قال انه سوف يتغير وسيغير من أسلوبه وشخصيته السياسية ، وألقى باللوم على الوباء في إظهار عيوبه الشخصية التي برزت بشكل مؤلم. وقال "أنا مثل طبيب أسنان، قد لا تحبني ولكنك تحتاجني، وأنا أعلم أن الأستراليين يعرفون أنني يمكن أن أكون مجرد جرافة عندما يتعلق الأمر بالمشاكل وأظن أنكم تعلمون ذلك أيضًا".

رئيس الوزراء أنطوني البانيزي انتقد تصريحات موريسن وقال:" ان استخدام لغة المؤامرة غير منطقية وان تصريحاته مدهشة، كنت اعتقد انه كان لهذا الرجل شرف عظيم بقيادة الحكومة كرئيس للوزراء، وما قاله موريسن يقدم بعض التفسير ربما لأنه لم يديرالحكومة بجدارة وخذل  الشعب الأسترالي حسب رأيي، وهذا واضح في ما قاله في لحظة صراحة بأنه  لا يؤمن بالحكومة".

لاقت تصريحات موريسن ردود فعل كتّاب، صحافيين ومعلقين سياسيين مستغربة هذا الموقف، ورفض زملاء موريسن في حزب الأحرار التعليق على كلام زعيمهم السابق.

عفواً سكوت موريسن لقد ولى زمن المعجزات والتضليل والخداع والاستهتار، وبعدما ادرك الأستراليون عبثيتك وعجرفتك وخوفاً على مستقبل البلاد قالوا كفى.

أخيراً، بقي عليك أن تستقيل من البرلمان وتتفرغ لما تعتقد انه الأفضل، وتفسح المجال امام نائب اخر ليخدم سكان منطقة كوك التي تمثلها في البرلمان، فهل ستقدم وتتخذ قرار الإستقالة ام انك تجد انه ليس من السهل التخلي عن معاش يزيد عن 250 الف دولار سنوياً قد لا يأتي بمعجزة من المعجزات التي تؤمن بها! 


سدني


وقفة عابرة على عتبة الكنيست/ جواد بولس



لقد حسمت ، على ما يبدو، القائمة الاسلامية الموحّدة قرارها بخوض الانتخابات القادمة للكنيست الاسرائيلية، لوحدها، من دون أن تحاول فحص امكانية وجود أية فرصة للانضمام إلى تركيبة القائمة المشتركة؛ وهما القائمتان العربيتان الوحيدتان اللتان ستخوضان الانتخابات مع حظوظ واقعية لعبور عتبة الحسم والفوز  بأربعة أعضاء كنيست، في حالة القائمة الموحدة، وبأكثر من ذلك في حالة القائمة المشتركة. لقد كان هذا القرار متوقعًا ومتوافقًا مع ما كان يصرح به رئيس هذه القائمة الدكتور منصور عبّاس وهو مدعوم من قبل مجلس شورى الحركة الاسلامية الحاضنة الشرعية للقائمة وراعيتها. 

بالمقابل ما زال أقطاب القائمة المشتركة، وهم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، وحزب التجمع، والحركة العربية للتغيير ، يتباحثون حول مصير قائمتهم وشكلها، في أجواء تتجاذبها نزعات المناورة حينًا والتطمينات حينًا آخر وتأكيدهم على أنهم لا يتعاطون مع قضية محاصصة المقاعد في هذه المرحلة، بل انهم يحاولون التوصل إلى أفضل التفاهمات حول أمور أكثر جوهرية من شأنها أن ترضي جمهور الناخبين وتقنعهم بضرورة المشاركة في عملية الانتخابات ودعم قائمتهم. 

على الرغم من أن الصورة التي تتحرك أمامنا على مسرح السياسة الاسرائيلية تبدو مشابهة لتلك التي كانت موجودة قبل عام وفي جميع الجولات الانتخابية التي تكررت منذ ثلاثة أعوام؛ إلا أنني اعتقد بأننا نقف أمام مشهد مغاير وفي مرحلة مصيرية بكل ما يتعلق بطبيعة الأحزاب اليهودية وهوياتها وبرامجها السياسية، التي سيعملون، من داخل الكنيست، على تطبيقها في المستقبل القريب؛ ويكفي، كي نفهم خطورة ما نحن مقدمون عليه، أن نقرأ عن قوة حزب سيجمع بين النائبين اليمينيين المتطرفين بن جبير وسموطريتش وتوقع استطلاعات الرأي بأن يحصلا على ثلاثة عشر مقعدًا.

أمّا على ساحات المجتمع العربي فستكون هذه الانتخابات حاسمة كذلك بالنسبة للقائمتين المشاركتين ولحزب الممتنعين العازفين عن المشاركة في العملية الانتخابية. فالحركة الاسلامية ستخوض أهم امتحاناتها وتحدياتها السياسية حين ستطلب مجددًا من المواطنين منح نهجها الذي اختارته في الكنيست السابقة، الثقة والدعم وتمكينها من عبور نسبة الحسم؛  وهذا سيعني، كما صرّح قادتها، مضيّها في ترسيخ مفهومها الخلافي لمعنى المواطنة الاسرائيلية، وانضمامها مرة أخرى للائتلاف الحكومي، إلا إذا لن يقبلها المؤتلفون في الحكومة الجديدة. وهذا احتمال وارد في حالة انتصار الأحزاب اليمينية الفاشية وتوليها مهمة تركيب الحكومة القادمة، وهي تعتبر الدكتور منصور عباس عدوًا متساويًا مع سائر زملائه النواب وجميع المواطنين العرب في اسرائيل.

 ومن جهة أخرى قد تكون هذه الجولة الانتخابية هي آخر فرص القائمة المشتركة لتطوير مغازي تجربتها والتعاطي بمسؤولية مع الثقة التي منحها لها الناخبون، وتحويل وحدة مركباتها من مجرد وسيلة تكتيكية تضمن نجاح الثلاثة أطراف في الانتخابات، الى صيغة عمل سياسي أكثر عمقًا قادر على تأطير المجتمعات في قرانا ومدننا العربية وراء حالة "جبهوية" جامعة وقادرة على النمو وعلى استنفار رغبات المواطنين السياسية واستعادتها للانخراط الفاعل بشكل ايجابي وصحيح ومؤثر. 

وعلى الرغم مما تواجهه القائمة المشتركة من انتقادات، تكون صحيحة أحيانًا، ومن تهجمات مغرضة على الأغلب، نستطيع تسجيل عدة ملاحظات ايجابية حول نشاط وأداء أعضائها داخل الكنيست وخارجها؛ فمشاهد تصديهم لنواب اليمين العنصريين بثبات وباصرار  ومواجهتهم للتشريعات العنصرية بكرامة وبعنفوان اثبت أن ساحة الكنيست تشكل أحد ميادين الصراع الهامة وحلبة نضالية يجب استغلالها والبقاء فيها. لا يختلف عاقلان على أن العمل السياسي الوطني في الظروف السياسية الهمجية التي تسود شوراع وفضاءات اسرائيل وفي الكنيست تحديدًا، أصبح معقدًا وخطيرًا وسيزيفيًا إلى حد بعيد؛ ومع ذلك رأينا كيف دافع نواب المشتركة عن معتقداتهم السياسية دون مهادنة أو تفريط وحاولوا التواجد في معظم نقاط التماس، ومع معظم ضحايا القرارات الرسمية والقضائية الجائرة. لست ناطقًا باسم القائمة المشتركة ولا باسم أعضائها، لكنني أحاول، ونحن على أعتاب معركة طاحنة، أن أنصف ما فعله نوابها  في ظروف مستحيلة وحرصوا على تمثيل ناخبيهم بأمانة وباخلاص.  

سيبقى التحدي الكبير في وجه القائمتين، الاسلامية الموحدة والقائمة المشتركة، هو اقناع المقاطعين بضرورة اشتراكهم في الانتخابات؛ مع أنني اعتقد بأن المنافسة بينهما قد تكون عاملًا في زيادة نسبة المصوتين، خاصة اذا استطاعت القائمتان عرض الفوارق المفاهيمية العميقة بينهما ومعنى حسم المواطنين بين النهجين وتأثير ذلك على وجودنا في الدولة مستقبلًا. وهنا لا بد من الاشارة الى ان اللجوء الى لغة التشهير الشخصي والتخوينات المباشرة، بين قادة ومصوتي القائمتين لا يسعف الحالة ولا يساعد  على تحقيق هدف القائمتين باقناع الناس للذهاب الى الصناديق وذلك بخلاف المحاججة المطلوبة وانتقاد المواقف الشرعي والواجب.   

يجب على مركبات القائمة المشتركة انهاء مباحثاتهم الداخلية بسرعة قصوى وعرض قائمتهم وبرنامجها السياسي على الناخبين؛ فضرورة اشاعة اجواء الوحدة والوضوح السياسي ستشكل عاملًا في اقناع مجموعات كبيرة من الناخبين المترددين أو المستائين. وان كان هذا هو مطلب الساعة، فالتوصل إلى حالات رأب الصدع ولم الشمل داخل مؤسسات الأحزاب نفسها لا يقل أهمية عن ذلك. 

نحن أمام خيارات صعبة؛ وقد تكون هذه آخر تشكيلة لكنيست إسرائيل حيث يستطيع فيها النائب أحمد الطيبي مثلًا، أو أحد زملائه في القائمة المشتركة، بصفته رئيس جلسة، أن يأمر حرس الكنيست بطرد وزير عنصري يهودي من منصة الخطابة واخراجه بالقوة من القاعة؛ أو أن يصرخ النائب أيمن عودة أو سامي أبو شحادة في وجه النواب الفاشيين بكل صرامة وحزم وعزة وكرامة.

قد تكون هذه المرة الأخيرة التي سيتسنى فيها للمواطنين العرب انتخاب ممثلي هذه الأحزاب والحركات السياسية والدينية بشكل حر ومباشر . وللتحقق مما أقوله أرجو أن يسمع ويدقق الجميع بما يصرح  به قادة تلك المجموعات الفاشية وما تتوعد أن تفعله، مع أعداء الدولة، من داخل الكنيست وخارجها.   

نحن مليونا مواطن عربي في إسرائيل، ونملك خيارات نضالية قليلة، معظمها صعب ومكلف، خاصة في الظروف التي تواجهنا وتعيشها مجتمعاتنا المحلية  نتيجة للواقع السياسي الخطير داخل اسرائيل، والذي يحيطنا داخل الدول الشقيقة أو تلك البعيدة عن أحلامنا وهواجسنا. انها فرصتنا الحاضرة، فخيار النضال السياسي البرلماني هو أحد هذه الخيارات وأكثرها اتاحة فيجب ألا نتنازل عنه وألا نهمله.       

الأُعجوبة في المظلّّة/ ترجمة ب. حسيب شحادة



The Miracle in the Succah/Tabernacle

جامعة هلسنكي

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها راضي بن الأمين صالح صدقة الصباحي [رتسون بن بنياميم تسدكه هصفري، ١٩٢٢-١٩٩٠، أبرز مثقّف سامري في القرن العشرين، مُحيي الثقافة والأدب السامريين في العصر الحديث، خبير بقراءة التوراة، متمكّن من العبريّة الحديثة، العربيّة، العبريّة القديمة والآراميّة السامريّة. جامع تقاليد قديمة، مرنِّم/ شمّاس، قاصّ بارع، كاتب أصدر حوالي ثلاثين كتابًا، وهي مصدر لكتّاب ونسّاخ معاصرين، شاعر نظم قرابة الثمانمائة قصيدة، تعلّم منه باحثون كُثر عن التراث السامريّ؛ سمّاه المرحوم زئيڤ بن حاييم (١٩٠٧-١٩١٣)، أعظم باحثي الدراسات السامريّة في عصرنا ”أستاذي ومرشدي“] بالعبريّة على مسامع  ابنه الأمين (بنياميم)، الذي نقّحها، اعتنى بأسلوبها ونشرها في الدوريّة السامريّة أ. ب.- أخبار السامرة، عدد١٢٥٠، ١٥ أيلول ٢٠١٧، ص. ٤٥-٥٧. هذه الدوريّة التي تصدر مرّتين شهريًّا في مدينة حولون جنوبيّ تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديّات: العبريّة أو الآراميّة السامريّة بالخطّ العبريّ القديم، المعروف اليوم بالحروف السامريّة؛ العبريّة الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوريّ، أي الخطّ العبري ّ الحاليّ؛ العربيّة بالرسم العربيّ؛ الإنجليزيّة (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسيّة والألمانيّة والإسبانيّة والبرتغاليّة) بالخطّ اللاتينيّ. 

بدأت هذه الدورية السامريّة في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامريّ في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامريّ موزّعين على مائة وستّين بيتًا تقريبا، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامريّة، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدوريّة ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحسني (بنياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).


”إبراهيم بن مفرج (مرحيب) صدقة الصباحي (هصفري)

سكن في عام ١٩١٢ في المنشية في يافا، إنسان تقيّ ورِع، هو إبراهيم بن مفرج صدقة من آل الصباحيّ. وقد عُرف عنه أنّه مِضْياف لا محاباةَ عنده ولا يعرف الخوف، لأنّ الله كان في عونه وحماه من كلّ الأعداء الذين نووا مضايقته.

أحبّ كلُّ الجيران والأقرباء إبراهيمَ، وكانوا يُرسلون له الهدايا من وقت لآخرَ، بمناسبة عيد أو فرح عائليّ. كما دأب على زيارته وُجهاءُ من أماكن نائية للتعرّف عليه واستشارته، إذ اعتبروه حُجّة في شؤون الدين والشريعة. وكان إبراهيم ينظُم شعرًا دينيًا ومديحًا للخالق الأعلى، ليُغدق نِعمَه على طائفة السامريّين الصغيرة ويُكثر من عددها.

مضت أيّام الغُفران وتطهّرت نفس الإنسان، كي تشترك في فرح الأعياد. أقام إبراهيم مِظلّة رائعة الجمال بين جدران بيته من حيث الأغصانُ والفواكه. وكلّ من دخل هذه المِظلّة الجميلة والمباركة كان يُسبّح الباري الذي خلق بحكمته عبادَه.

وتُطلق طائفتنا على السبت الواقع ضمن سبعة أيّام عيد العُرش اسمين: سبت جنّة عدن من جهة، وسبت عيد العُرُش من الناحية الأخرى. وفي هذا السبت زار ثلاثة من اليهود المتديّنين/الحسيديم المقدسيّين بيتَ إبراهيم لطرح أسئلة تتعلّق بشرائع التوراة وللتمتّع ببهاء مِظلّته. 


الأسئلة والأُعجوبة

دخل المتديّنون المظلّة، طرحوا تحيّة ”كلّ شيء حصل بكلامه“، جلسوا على البُسُط المفروشة على المصطبة، وتناولوا ممّا على المائدة من طعام وشراب. بعد ذلك سألوا إبراهيم: بناء على ماذا تُقيم مظلّتك بين جدران البيت وليس في الخارج؟ أجابهم إبراهيم: أوّلًا، كنّا نقيم عُرُشَنا خارج البيوت، وعندما كثُرت أعمال الشغب والمجازر ضدّ السامريّين، انزوى أبناء السامريّين في بيوتهم؛ ومنذ ذلك الحين، بدأنا بإقامة المظال في البيوت.

لم يكتف المتديّنون بهذا فسألوا - ألا تُمَسّ قدسيّةُ المِظلّة المقامة بين جدران البيت؟ ردّ عليهم إبراهيم ببشاشة: انتظروا قليلًا لأُثبتَ لكم أنّ القُدسيّة لا تُمَسّ؛ ها لكم العلامة؛ أقرأُ الآية ”إسمع يا إسرائيل“ ثمّ مزمور لعيد العرش وستتحرّك أغصان المظلّة وفواكهُها فورا. وعند توقّفي ستتوقّف حركتها؛ ولكن لديّ شرط واحد: أَغْلقوا باب غرفة المظلّة وجميع نوافذها. 

قام المتديّنون للحال بتنفيذ طلب إبراهيم. وحالًا استهلّ بتلاوة الآية وبمزمور العُرش؛ وللحال تحرّكت أغصان المظلّة وفاكهتها. خوفٌ شديد انتاب المتديّنين، سقطوا أرضًا ولم يقووا على النهوض خشية من مجد الله الذي حلّ على المظلّة. 

أنهى إبراهيم نشيده، فسكنت أغصان المظلّة وفاكهتُها وعادت كما كانت من قبلُ. شعر المتديّنون أنّ عبئًا ثقيلا قدِ انزاح عن كاهلهم، خرجوا خارج المظلّة لاستنشاق الهواء، لأنّهم أحسوا بضيق شديد غشيهم. 

شكر إبراهيم اللهَ الذي أغدق عليه بنعمه، وأعطاه علامة كما طلب“.


وأجمَلُ الوَصلِ/ الدكتور حاتم جوعيه

     


  

   لقد أعجبني هذا  البيت  المنشور على صفحة  أحد الاصدقاء في  الفيسبوك : 

 وأعذبُ الوصلْ وَصلٌ كنتَ تحسبُهُ    من  المحالِ  فأضحَى  صدفة   قدرَا

     فنطمتُ هذه الأبيات من الشعر ارتجالا  ومعارضة  له :


بالحُبِّ نرقى نطالُ الشّمسَ والقمرَا     الرّوحُ  تسمُو  ويبقى عُمرُنا  نضِرَا

بالحُبِّ   قد  نبلغُ  الغايات  أجمعها     ونطردُ   الهمَّ    والشّدَّاتِ   والكدرَا 

يا  رُبَّ  يوم  أتتْ  بُشراهُ  مُشرقة     يوم  الهنا  فيهِ  نلتُ النّصرَ والظفرَا 

وأجملُ الوَصلِ  وَصلٌ  مع  أحبَّتِنا     الكونُ  يُشرقُ ،  فيهِ   نشكرُ  القدَرَا 

إنَّ   الحياةَ  مع   الأحبابِ  بهجتُنا     العيشُ طابَ وقد أضحَى النَّوى خبَرَا


لماذا تضيقُ آفاقِ الفكرِ العربيِّ ورؤاه؟/ آمال عوّاد رضوان



  بلغَني سؤالُهُ مُستفسِرًا عن معنى الكتابة، كوْني شاعرةً وأديبةً في ظلِّ الاحتلال، وتبادرَ لروحي قوْلُ جيفارا: "أحسُّ على وجهي بألمِ كلِّ صفعةٍ تُوجَّهُ إلى كلِّ مظلومٍ في هذه الدّنيا، فأينما وُجدَ الظلمُ فذاك وطني، وإنَّ الطريقَ مظلمٌ حالِكٌ، فإذا لم نحترقْ أنتَ وأنا فمَن سينيرُ لنا الطريق"! 

    وكأنّ بلادَنا المحتفلةَ بأعيادِ استقلالِها الوطنيّةِ تتمتّع بهُويّةِ الحُرّيّة! 

     وكأنّ الوجودَ العربيَّ بمعظمِ مُكوّناتِهِ مِن لغةٍ وثقافةٍ وسيادةٍ وثرواتٍ واقتصادٍ مُهدّدٌ كيانهُ المستقبليّ مِن قِبلِ قوى عظمى! 

    أو كأنّنا نعملُ بالمقولةِ المأثورةِ: "نموتُ واقفينَ ولا نموتُ راكعين"!

    أو كأنّنا نرفعُ قوْلَ لنكولين شعارًا: "اِنهضوا أيّها العبيدُ، فإنّكم لا ترونَهم كبارًا، إلّا لأنّكم ساجدون"؟ 

    أيننا مِن مفهومِ الحُرّيّةِ والاحتلالِ العسكريّ؟ 

   وماذا عن الاحتلالِ الفكريِّ وزعزعةِ الإيمانِ، وخلخلةِ الثوابتِ الفكريّةِ، وخلْقِ الفوضى والفتنةِ بينَ عناصرِ الشعبِ الواحد؟ 

   كيفَ نفسّرُ تبعيّةَ دوُرِ الإعلامِ والدعايةِ كقوى مُحرِّكةٍ في الاحتلالِ النفسيِّ وبثِّ سمومِها المُغرية؟ 

    هناكَ حركاتٌ مصطنعَةٌ تدّعي الاعتدالَ والعدلَ، تُوجّهُ عقاربَها باتّجاهِ الاحتلالِ ضدَّ الروحِ والضمير، وإنّي لأسمعُ صوتَ جبران خليل جبران: 

"إنّ الأمّةَ المستعبَدةَ بروحِها وعقليّتِها، لا تستطيعُ أن تكونَ حُرّةً بملابسِها وعاداتِها"!

 إذن؛ مَن يُساندُ الحقَّ إلّا أهلُهُ، ووعْيُ أمّةٍ لا تتوانى ولا تتهاونُ في حقِّها وحُرّيتِها ولا بخلطِ أوراقِها؟ 

ألم يقلْ نيلسون منديلا: 

"الحُرّيّةُ لا تُعطى على جرعاتٍ، فالمرءُ إمّا أن يكون حُرًّا أو لا يكون، والجبناءُ يموتونَ مرّاتٍ عديدة قبلَ موتِهم، والشجاعُ لا يذوقُ الموتَ إلّا مرّة واحدة"! 

    إذًا؛ لماذا تتّسعُ آفاقُ المطامعِ الغربيّةِ بشرقِنا؟

     ولماذا تضيقُ آفاقِ الفكرِ العربيِّ ورؤاه؟

   عشراتُ النداءاتِ المستغيثة تصلُني، للتضامنِ والإفراج عن مفكّرينَ وإعلاميّينَ وشعراءَ وأدباءَ أطلقوا أصواتَهم المجروحةَ للحُرّيّة، فأُطبِقَ عليها وعليهم في السجونِ والتعتيم والإعدام والتهجير، فكيفَ تنيرُ هذهِ الأصواتُ العقولَ والنفوسَ والوجودَ والكيانَ والهِممَ إنْ شُلّتْ هذهِ الألسُنُ؟ 

    وما أدراكَ ما الكتابة؟ 

   الكتابةُ طائرٌ خرافيٌّ تُشكّلُهُ فوضويّةُ الواقعِ، يُمارسُ طقوسَهُ الغريبةَ، يسبحُ ويغوصُ في لججِ الخيالِ، لينتزعَ مِن أعماقِهِ محاراتِ آمالٍ، يُحلّقُ بها إلى سمواتِ الحلمِ، فيزرعُها نجومًا وضّاءةً في عتمِ ظروفٍ كالحةٍ، مغموسةٍ بأرَقِ الهمِّ الفرديِّ والجماعيِّ. 

    الكتابةُ ألبومٌ كبيرٌ للوحاتٍ مرسومةٍ بالكلماتِ، تشهدُ على بيئتِها وعصرِها وحضارتِها وثقافتِها، تحملُ بثيماتِها وتصوّراتِها وآمالِها اللامتناهيةِ رسالةً ساميةً ومؤثِّرةً وإيجابيّةً..

   الكتابةُ تتركُ بصماتِها محفورةً على جباهِ المقاماتِ، بَعْدَ انتشالِها من حُفَرِ الرمالِ المتحرّكةِ المردومةِ بقشٍّ مفخّخٍ، فتجوبُ بها آفاقًا لِتَحُطَّ في نفسِ المتلقّي، تهزّهُ وتُذهلُهُ، حينَ تُناغمُ أوتارَ قلبِهِ وإيقاعَ عقلِهِ.

 ولكن؛

    ما معنى أن تكونَ رهينًا في بلدِكَ ومحاصَرًا في أرضِكِ، لكنّكَ حرٌّ طليقٌ بفكرِكَ، تقضمُكَ الغربةُ، وتؤطّرُكَ في صناديقِ الاتهامِ السوداءِ؟

      ما معنى أن تخضع لدينونةِ العدوِّ المحتلِّ من ناحيةٍ، ولرفضِهِ لكَ بشتّى وسائِلِهِ وبأبعادِها من أجل تهجيرِكَ، ومحاربتِهِ إيّاكَ بتجزئتِكَ وشرذمتِكَ بمسمّياتٍ تتعدّدُ، وبطمْسِ معالمِكَ العربيّةِ الموحِّدةِ لكلِّ الفئاتِ؟

    وما معنى أن تواجهَ دينونةَ أخيكَ العربيِّ مِن ناحيةٍ أخرى، ويتّهمكَ بالتخلّي عن ملامحِكَ وهُويّتِكَ الفلسطينيّةِ، طالما أنّكَ أُرغِمْتَ على حَمْلِ جوازٍ إسرائيليٍّ، يُرضخُكَ للقوانينِ والشروطِ الإسرائيليّةِ والمواطنةِ الجزئيّةِ كعربيٍّ في دولةٍ يهوديّة؟

    وها أنتَ المكبّلُ بسلاسلَ من أسئلةٍ لزجةٍ تدورُ محاورُها على ذاتِها: 

      مَن أنا.. وإلى أينَ أسيرُ وأُسَيَّرُ؟

      كيفَ أتحدّى وأُجابهُ مشاقَّ ووعورةَ الدروبِ المرسومةِ؟ 

       كيف لا يسلبُني الهروبُ مِن هذا المَسيل؟ 

      هل هناكَ مِن خيارٍ أمامي سوى الهجرةِ والرحيلِ إلى بلدٍ آخر؟ 

      وإن بقيتُ في الوطن، هل سيتمكّنونَ من أن يخلعُوا عنّي ثوبيَ العربيَّ، ويُلبسوني ثيابَهم المفصّلةَ لي بمقاساتِهمِ وألوانهم؟ 

     هل أخضعُ للذوبانِ والتلاشي والاضمحلالِ كما يُخطَّطُ لي؟ 

     وهل إخوتي مَن يعيشونَ الشتاتَ على مضضٍ، أفضلُ حالًا منّي أنا الراسخُ اللاجئُ في بيتي وبلدي؟ 

     وكيفَ أثبتُ أنّي ابنُ هذه الـ فلسطين ولستُ لاجئًا فيها؟

      لأكونَ كاتبًا ينبغي أن أتماهى مع الهمّ العامّ والخاصّ، لأثبتَ أنّي أحملُ جوازًا وهُويّةً إسرائيليّةً رغمًا عنّي، وأنّ هذا الأمرَ لا يُلغي البتّةَ انتمائيَ الشديدَ إلى جذوري وحضارتي الفلسطينيّةِ الراسخةِ رغمَ كلِّ الجفافِ والتجفيفِ، ورغم محاولاتِ التخنيقِ والتقديدِ والتحجيمِ، واستخدامِ لغةِ التهجيرِ بشتّى لهجاتِها الملغومةِ..

     ففي أيّة محكمةٍ عادلةٍ يُثبتُ عنادي وصمودي وإصراري في صراعي المرير، أنّي بريءٌ من دمِ هذا التاريخ المفخّخِ؟ 

  ما هي البراهينُ والدلائلُ من أجلِ تثبيتِ حقّي الشرعيِّ والإنسانيِّ؟ 

  ولماذا أظلُّ أنا الفلسطينيُّ مُلزَمًا ومتأهّبًا للدفاعِ عنّي؟ 

    ويظلّ هوَسٌ لا يَخبو يؤرّقُني على مدى الصحوةِ:

    هل تنجحُ أجيالُنا القادمةُ في متابعةِ مشوارِ الهمِّ العامِّ، أم أنّ الهمَّ الخاصَّ قد يقودُها إلى مقولةِ "أسألُكَ يا ربُّ نفسي"، فتخضع للتهجيرِ أو التذويب؟ 

    كيف يمكننا تفادي الهواجسِ المرعبةِ والتصدّي لها؟

    أسئلةٌ قائمةٌ قاتمةٌ تتأرجحُ ما بينَ زوايا حادّةٍ ومنفرجةٍ، ممزوجةٌ بفكرٍ وأحاسيسَ متألّمةٍ وفلسفةٍ متأمّلةٍ بالخلاصِ والفرجِ، نسكبُها بقوالبَ إبداعيّةٍ وتصنيفاتٍ أدبيّةٍ متعدّدةٍ، توصلُ عصافيرَ النفسِ الضالةَ إلى أعشاشِها الآمنةِ مؤقّتًا، والتي ترقى أعماقَ الكونِ الكثيفةِ بتفاصيلِهِ المتناقضةِ وخيوطِهِ المتشابكةِ، وفَكِّها ونَسْجِها، وسَبْكِها في أُطرٍ فنّيّةٍ صاخبةٍ صامتةٍ، ناطقةٍ خرساءَ، لكنّها أبدًا ليستْ عمياءَ فاقدةً اتّجاهاتِها، فهي هادفةٌ وليستْ عبثيّةً. 

    اليومَ علا الصوتُ.. قويَ صداهُ.. تخطّى الحدودَ المفروضةَ بفضلِ النتّ، فصارَ مُتنفّسًا حقيقيًّا فكريًّا وأدبيًّا واجتماعيًّا، إن لم يكنْ حضورًا بالجسدِ، يوصلُ الرسائلَ للخارجِ القريبِ البعيدِ، وتبادل وجهاتِ النظر وتفهّمها لظروفٍ تلاصقُ الوجعَ.

    الكاتبُ إنسانٌ أوّلًا وأخيرًا، موهوبٌ مُطّلعٌ، يتحلّى ويتزيّنُ بكلُّ ما تحملُهُ حضارتُهُ وتاريخهُ مِن جمالٍ وصِدقٍ وأمانةٍ وإخلاصٍ، يتماهى مع كلِّ العناصرِ التي تُعزّزُ كيانَهُ الإنسانيَّ في ذاتِهِ ومجتمعِهِ، ليعكسَ مرآتَهُ الحقيقيّةَ الداخليّةَ بألقِها وجاذبيّتِها، ويبذرَ فكرَهُ وحِسَّهُ في نفوسِ قرّائهِ، لمتابعةِ واستمراريّةِ الثقافةِ والهُويّة! 

    الكتابةُ رحلةُ تأمُّلٍ هاربةٌ مِن حصارٍ قسريٍّ غيرِ مسلَّمٍ به، إلى أبعدِ مدى ممكن، للاطّلاعِ على ما يجولُ فيما وراءَ القضبانِ والجدرانِ، وبالتّالي تحويلِها للغةٍ فنّيّةٍ إبداعيّةٍ أدبيّةٍ، مِن أجلِ معالجةِ أمورٍ قابلةٍ للتّخلخلِ، ومن ثمَّ إعادةِ التوازنِ الناجعِ إلى الكيانِ الوطنيِّ والإنسانيِّ بقيَمِه الإيجابيّةِ الراقيةِ البنّاءةِ، فعسانا وعساهم نردّدُ دعوةَ طاغور: 

    "يا ربّ، لا تجعلْني أَتَّهمُ مَن يُخالفُني الرأيَ بالخيانةِ".

رجلان لسرير واحد وقصص أخرى قصيرة جدّا / حسن سالمي



صروف

      كلّما التقينا تأمّلتُ بطرف خفيّ تورّد وجنتيه، وقامته الممشوقة، ووسامته التي تقع في قلب الأنثى فتذيبه... تمنّيته لو كان لي. بيد أنّه في عصمة امرأة أخرى مثلما أنا في عصمة رجل آخر...

    بعد فترة صدمني منظره، فكأنّما مسّته عصا ساحر شرّير...

وسمعته يقول للذي يستوقفه من معارفه:

"آه... اجتمع علي عدوّان... الخبيث والكيماوي!" 


رجلان لسرير واحد

    كان معها في قوّة مائة حصان... ومع ذلك لم تكن تريحها نظراته الغامضة ولا ابتسامته المبهمة.. شعرت بأنّ شيئا ما فيه تبدّل رغم إقباله عليها بنهم... 

    بعد رحلة الحبِّ تلك نهض ورمى على وجهها ورقة نقديّةً زهيدةً وانصرف مقهقها... 

"لماذا عاملني كعاهرة. ألست زوجته؟"

وجاءها الجواب برنّة من هاتفها... إنّه هو... وشعرت بالأرض تهوي بها وهي تتصفّح صورها الفاضحة مع رجل آخر...


الزّيــــــــــــف

    كانت أجمل ليلة في حياته.. رقص كثيرا وشرب كثيرا.. إنّها ليلة العمر بحقّ... وهو يختلي بها في غرفتهما لأوّل مرّة راح يتأمّلها مبهوتا وعيناه تبرقان...

وراحت تتخفّف من فستان العرس. وشيئا فشيئا أخذت تقاسيم وجهه تتبدّل من الانبهار، إلى الحيرة، إلى الصّدمة. رآها تطرح شعرا طالما فتنته به، ورموشا كانت أَحَدُّ عليه من السّيف...

واستمرّت تطرح وتطرح... صرخ في مرارة:

"هاه..  كُفّي وإلّا...!"    


بذرة النّـــــــور

       وكان لا بدّ ككلّ ليلة أن أنام على صوت جاري الخشن وهو يغنّي ويسبّ ويشتم وينادي على زوجته وبناته وأولاده...    

    سمعته يتجشّأ كثيرا، ويتقيّأ كثيرا بعد أن قضى اللّيل كلّه يعبّ من "القيشم" ما يُسكِرُ قبيلة بأكملها... 

    وارتفع صوت آذان الفجر من مئذنة قريبة فنزلت عليه السّكينة لحظة، ثمّ سمعته يلهث داعيا بصوته الخشن المثقل بالشّراب: "اللّهمّ..." 

"أين وضَعْتِ السّجّادة يا بِنت ال...؟!"