إنَّ المُتيَّمَ يكشفُ الأسرار/ الدكتور حاتم جوعيه



   لقد أعجبني هذا البيت من الشعر المنشور على صفحة  أحد الاصدقاء في الفيسبوك :  

( وأرى  جمالكِ  فوقَ   كلِّ  جميلةٍ     وجمالُ  وجهِكِ   يخطفُ  الأبصارَا )


    فنظمتُ هذه الأبياتُ الشعريَّة ارتجالا ومعارضةً  لهُ :

إنِّ     المُتيَّمَ     يكشِفُ    الأسرارَا       يبقى     هواهُ       مُعلنًا     وَجهارَا 

وأنا  المُحِبُّ   وراءَ  خطوِكِ  سائرٌ       لكِ سوفَ أكتُبُ ، للمدى ، الأشعارا 

يا نورَ  عيني أنتِ  روحي  والمُنى       ولكم    أطلتُ    لأجلِكِ     الأسفارَا

الحُبُّ     يأخذني    لحُلمٍ      رائع ٍ       في    بحر  عشقكِ   أتقِنُ   الإبحارا

شقراءُ   أنتِ    حبيبتي   وعشيقتي       وَلأجلِ   حُبِّكِ    أركبُ    الأخطارَا 

وأرى  جمالكِ  في الوجودِ  مُمَيَّزًا        يا  وَيْحَ  عقلي  في  غرامِكِ   طارَا

وجمالُ  وجهِكِ   قد  غدا  أسطورةً       وَبهاءُ    سحرِكِ    يُبهرُ    الأنظارَا

كالشَّمسِ  أنتِ   بسحرِهَا  وَسنائِهَا       وَشُعاعُهَا    قد    يخطفُ   الأبصارا

أنتِ  التي  قيَّدْتِ  قلبي  في  الهوى       وَجعلتِ    حولهُ     هالةً     وإطارا 

أنتِ    الحياةُ    بحُسنِهَا    ونعيمِهَا       وأرى  الحياةَ   بدون  وصلِكِ   نارا

يا   مرفأ  الأحلامِ  .. مُنية  عاشق ٍ       تبقين       دومًا      قِبلةً      وَمنارَا

الحُبُّ    إكسيرُ   الحياةِ    وَنورُهَا       يعطي   الجمالَ    يُطوِّلُ    الأعمارَا

نحنُ  المَحبَّةُ      للمدى    أنشودةٌ       ونظلُّ   رمزًا   في  الهوَى   وَشعارا

نعطي  المحبَّة  والسلامَ   وَعطرَهُ       وَيظلُّ      دومًا     وَردُنا    مِعطارَا 

أنا  في  طريقِ المجدِ  أبقى  سائرًا      واجهتُ  وحدي  المَوجَ  والإعصارَا

الغارُ     كلّلني     وقبَّلَ     هامتي      كم    زادَ   عزمي   للعُلا    إصرارا


التجريد اللغوي في قصيدة الشاعرة السوريّة: نوّار أحمد الشاطر- عراء التيه/ كريم عبدالله


يقول  كاندنسكي : من بين جميع الفنون فأنّ التجريدية أصعبها , أنّها تتطلب أن تكون رساماً وعالي الحساسية والأدراك بالألوان والتراكيب وان تكون شاعراً حقيقياً , والشرط الأخير اساسي .

نحن نستخدم اللغة من اجل إيصال معنى معين وواضح ومفهوم الى المتلقي , فهي تعتبر ( اللغة ) أداة توصيلية , ولكننا في القصيدة التجريديّة نقوم بتجريدها من هذه الخاصية , لنقوم بشحنها بزخم شعوري عنيف, وإحساس عميق, وبطاقات تعبيريّة, وعمق فكري, والنفوذ في الوعي , ففيها لا نرى الشخوص والأشكال , فنحن لا نرى سوى المشاعر والأحاسيس المنقولة لنا عبر هذه اللغة , أنّها تبتعد كثيرا عن خاصيتها التوصيلية ومنطقيتها , أنّ اللغة هنا تكون أشبه ما يكون بالألوان التي تزيّن وتلوّن اللوحة , المقاطع النصّية هنا عبارة عن كتل شعورية حسّية , فكلما يزداد تجريد اللغة كلّما قلّت التوصيلية فيها , مما يؤدي الى حدوث التجريد التامّ , فتكون المفردة عبارة عن وحدة جمالية شعوريّة حسّية تتخلّى عن خاصية التوصيل المعرفي . التجريديّة هي الشعور العميق والنفوذ الى جوهر الأشياء .كما في هذا القطع النصّي:

صرير أبواب الذاكرة لا ينام أبداً ، عويل الدموع يفتك بمفاصل الصمت ،من الصعب جداً إقناع قلب  يقتات على صوتك بأن يكف عن البكاء .

فهنا نلمس مقدرة الشاعرة على تجريد لغتها, وتجعلنا نستشعر بكتل حسّية ملوّنة المشاعر والأحاسيس المرهفة ابتداءً بصرير الأبواب إلى عويل الدموع في مفاصل الصمت, وإلى قلب عصي عليه أن يقتنع ويقتات على صوت الذات الأخرى , طلباً ورجاءً بأن يكفّ عن البكاء, نرى بوضوح مقدرة الشاعرة على النفوذ إلى جوهر الأشياء- المفردات بعدما نزعت عنها خاصيتها التوصيلية , وجعلتها قادرة على نقل المشاعر والأحاسيس .

وكما قلنا أنّ ما يميّز الكتابة التجريدية هو تقليلها الاعتماد على توصيلية الكلمات ومنطقيتها , أنّها تعتمد على ثقل الكلمات الشعوري وزخمها الإحساسي وطاقتها التعبيرية , أنّ اللغة التجريدية تصل الى المتلقي قبل ان تصل اليه المعاني , فيدرك المتلقي النظام الشعوري والإحساسي قبل التوصيلة , وكما في هذا المقطع النصّي الجميل:

سنام الشوق نما في عراء تيهي ، أشواقي مضت كعاشقة أظمأها الحب تلاحق صهيل سرابك في قوافل الحلم والأمل يتشربها حتى أخر قطرة وهم .

اضافة إلى الأنزياحات اللغوية في لغة الشاعرة , هناك نتلمس رذاذ لغتها التجريدية حين ينمو سنام الشوق في عراء التيه, والأشواق تمضي كعاشقة أظمأها العشق والهيام ,وتتركنا الشاعرة نلاحق قوافل لغتها الغضّة المشبعة بطاقة الحنين , مما يجعل المتلقي يقف حائراً متسائلاً: ما الذي تعنيه الشاعرة ؟! أنّ اللغة التجريدية تحتاج إلى متلقي حاذق يجيد قراءة هذه اللقاء , ويغور عميقاً بين مقاطعها النصيّة من أجل أن يعود محملاً بكمّ هائل من المشاعر الملوّنة والأحاسيس المرهفة.

أنّ اللغة تعتمد على نقل الإحساس والشعور , فتتجلّى هذه المشاعر والأحاسيس دون خاصيتها التوصيلية والمحاكاة والمعنى . أنّ المفردات في اللغة التجريدية لا تحكي عن معان , وإنما تحكي عن ثقل شعوري وعاطفي واحساسي , أنّها مفردات ملوّنة بالشعور وليس بالتوصيل , يجب على الشاعر التجريدي أن يدرك الأدراك القوي بالبُعد الإحساسي والشعوري للكلمات والمعاني , وان يقتنص اللحظة الشعورية العميقة والقويّة . لا يمكننا ان نتصور المفردات دون قصد او تعبير عن شيء ما , لذا اعتقد الكثير بأنّ الكتابة باللغة التجريدية هي كتابة هذيانية ورمزية مغلقة ودون معنى واضح , ربما هذا المعتقد صحيح الا أنّها ليست كذلك , كونها لغة تنطلق من العوالم العميقة والشعور العميق وهذا مهم جداً أن يظهر أثر ذلك في اللغة وتؤثّر في نفس المتلقي , وكما في هذا المقطع المدهش:

بعثرني الغياب…لم أعد إلا هشيم حياة تذروه رياح الآهات ،فلا واحة تحتضن تشتتي ولا مرجاً ترعى فيه خيول لهفتي السارحة على بساط الخيبة .

نلاحظ هنا أنّ اللغة لا يمكن أن تكون هذاءات أو طلاسم, أنما هي لغة مثقلة بالهمّ الإنساني, والتشظّي, والخيبة, هي عبارة عن كُتل من الهموم ,والتشتت , واللهفة, وكأننا أمام لوحة تعبّر بصدق عما في أعماق الذات الشاعرة , دون أن نلمس منها توصلية في المعاني.

الكتابة التجريدية لا تكون الاّ بلحظة شعورية عميقة وقوية وبإدراك إحساسي كبير للمعاني, وبتجلّي تلك اللحظة الشعورية ,وذلك الثقل الإحساسي في الكتابة , حيث يتجلّى الثقل الإحساسي للكلمات, وإيصال اللحظة الشعورية العميقة والقوية , ففي التجريدية تصبح الكلمات الواناً ,والعبارات لوحات ,والنصوص مهرجانات .

لم يعد في العمر متسع  للأوجاع ، جراح الروح أدمت أوجه البواح ،سأستعيد نفسي منك ،وأطلق سراح قصائدي من سجن معانيك ،حكايتنا خنقها اليباب ،قلبي اليتيم سأكفل شجون أحزانه وأهدهدها في جنة النسيان .

وهكذا تشعّ اللغة التجريدية , وتبعث في روح المتلقي صوراً من الجمال تتلألأ مشرقة حين تنعتق القصيدة من سجن مفهومها التوصيلي, وتتخلّى عن خاصيتها التوصيلية على حساب نقل المشاعر والأحاسيس , صوراً ملوّنة برّاقة.


القصيدة:


عراء التيه

صرير أبواب الذاكرة لا ينام أبداً ، عويل الدموع يفتك بمفاصل الصمت ،من الصعب جداً إقناع قلب  يقتات على صوتك بأن يكف عن البكاء .

سنام الشوق نما في عراء تيهي ، أشواقي مضت كعاشقة أظمأها الحب تلاحق صهيل سرابك في قوافل الحلم والأمل يتشربها حتى أخر قطرة وهم .

بعثرني الغياب…لم أعد إلا هشيم حياة تذروه رياح الآهات ،فلا واحة تحتضن تشتتي ولا مرجاً ترعى فيه خيول لهفتي السارحة على بساط الخيبة .

 لم يعد في العمر متسع  للأوجاع ، جراح الروح أدمت أوجه البواح ،سأستعيد نفسي منك ،وأطلق سراح قصائدي من سجن معانيك ،حكايتنا خنقها اليباب ،قلبي اليتيم سأكفل شجون أحزانه وأهدهدها في جنة النسيان .


 نوّار أحمد  الشاطر

انهم مجرد شهود/ بن يونس ماجن




يا ترى

من يقودهم الى الرشد

انهم مجرد شهود

صم بكم عمي 

خونة العهود

انهم مجرد عبيد

لآل صهيون 

ينفذون اوامرالسيد العنيد 

رغم انه رعديد


البعض يصلي 

على الاسفلت الساخن

والبعض الآخر

يصلي فوق القباب

وحاكم عربي

يمشي خلال النوم

وهو جاثم على الرقاب


فلسطين المنكوبة

منذ سبعة عقود

وحكام عرب

على وشك الانقراض

فقدوا مصداقيتهم

وانتهت مدة صلاحيتهم

وعفا عليهم الزمن

وسينتهي بهم الامر في مزبلة التاريخ

وسيعاد تدوير شواهد قبورهم

من جديد


ثمة محتل جبان حاقد

ومطبع مضبوع

وشعب عربي متواطئ وخائن

وجندي عربي مترهل

لم يضغط يوما

على زناد 


هل حقا عندنا حكام عرب

أم دمى من خشب

ما أتعس الحاكم 

الذي ينام قرير العين

ويتحكم في رعيته

بالرموت كنترول

بناء على الطلب الامريكي المستبد


انهم مجرد شهود

وجنودهم الكسالى

لا يقولون شيئا

ولا يبصرون

عقولهم جامدة

من فرط الخمول

في ثكنات آيلة للسقوط   

وارجلهم مقيدة

وبنادقهم العتيقة

ملتفة حول اعناقهم

حتما ستكون عليهم شهيدا

في ذلك اليوم الموعود


ـ30 مارس يوم الأرض، والدم المباح اليوم أكثر/ رحال لحسيني



اليوم 30 مارس 2024 تحل الذكرى ال 48 ليوم الأرض، يوم الهبة الفلسطينية الخالدة في 30 مارس 1976 ضد مصادرة سلطات الاحتلال وقواته لألاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية (الدونم 1000 متر مربع) في الملكية الخاصة لأهلها والمشاعة بينهم في الخليل المحتل، مما دفع بهم إلى إعلان الإضراب العام ومسيرات احتجاجية تتجه من الخليل إلى النقب، الأمر الذي تمت مواجهته بقمع عنيف أسفر عن سقوط ستة فلسطينيين شباب إلى جانب مئات المصابين والمعتقلين.

ومنذ ذلك التاريخ تم تخليد أسماء هؤلاء الشهداء وأعمارهم وصورهم وبلداتهم في ذاكرة الشعب الفلسطيني وتراثه النضالي والأدبي والفني. وهم:

- خديجة قاسم شواهنة، 23 سنة،

- خير أحمد ياسين، 23 سنة،

- رجا حسين أبو ريا، 23 سنة،

- خضر عيد محمود خلايلة، 24 سنة،

- محسن حسن سيد طه، 15 سنة،

رأفت علي زهير، 20 سنة.

وقد كانت هذه الهبة الشعبية فارقة في مسار النضال الفلسطيني الحديث، لاعتبارها الأولى من نوعها بهذه القوة والحجم منذ النكبة، سنة 1948، بعدما ساد شبه اعتقاد بأن الفلسطينيون قد قبلوا بالاحتلال أو لم يعودوا قادرين عن التعبير عن رفضهم له ومقاومته. 

***

ولذلك تقريبا، تم تكريس هذا الحدث النضالي البارز يوما وطنيا للأرض، يجري الاحتفال به سنويا من طرف الفلسطينين بمعية أحرار العالم.

يتذكرون ويذكرون فيه الضمير الإنساني العالمي والمنتظم الدولي باستمرار سلب أرض من أهلها، والتأكيد على تشبثهم باستعادة وطن مختطف ومحتل مهما طال الزمن.

* * *

ومرة أخرى... وبمناسبة هذه الذكرى المجيدة، يواصل هذا الشعب المكافح نضاله اختيارا واضطرارا لاستعادة أرضه وحريته وإنجاز دولته الوطنية المستقلة على غرار باقي شعوب العالم.

فإذا كانت ذكرى سلب بعض الأراضي وسقوط بضعة شهداء لم تمت، واستمر هذا الشعب في مقاومته من أجل حقوقه المشروعة، فكيف سيكون الحال مع سقوط آلاف الشهداء، بعدهم وقبلهم، في صفوفه، وأكثرهم لازالوا يسقطون جراء الفظاعات المرتكبة اليوم في غ... زة وخارجها في كل تراب فلسطين.

الأرض لن تموت، والقضية لن تموت، يتم تسليمها من جيل إلى جيل مهما بلغت التضحيات وتواطأ العالم على أرواح أطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها وترابها المقاوم.

المجد ليوم الأرض الخالد 

ولهذا الشعب الأبي الصامد.



جدارية محمود درويش بين قراءتين/ فراس حج محمد



"انتهت القراءة الأولى الساعة 7:45 مساء يوم الاثنين 19/6/2000" هذا ما كنت كتبته في الصفحة الفارغة مع توقيع اسمي الثنائي (فراس عمر) نهاية ديوان محمود درويش الجدارية. كان من عادتي أن أكتب في ذيل الكتب المقروءة متى أنهيت قراءتها، إلا أن ما لفتني إلى ملاحظتي هو أنني وصفتها بالأولى. هل كنت أفكر في ذلك الوقت أنني سأعود إلى الديوان ثانية؟ لم أعد إليه إلا بعد أكثر من ثلاث وعشرين سنة! 

بقي الكتاب على رف المكتبة بين كتب درويش الأخرى، إذ لم يحدث لي أن أعدت قراءة كتاب قراءته، إلا المصحف الشريف، أما ما عدا ذلك فقراءة أي كتاب تغني عن قراءته مرة أخرى، نظرا إلى أنني لا أتعلق بكتاب ما تعلقا مرَضيا مهما كان الكتاب، ولم يحدث أنْ قلت إن هذا أفضل كتاب قرأته، ويا ليته لم ينته! ولا أنصح الآخرين بقراءة أي كتاب قرأته، فالكتاب قرئ وانتهى، وتبقى الملاحظة التي أكتبها وما علق في ذهني من الأفكار كل ما يتصل بهذه القراءة من أدلة. أظن كذلك، وهذا لي وحدي، أنه لا كتاب يستحق أن تقرأه مرتين، فما الجديد الذي ستلقاه؟ 

بعيدا عن نظريات القراءة والتلقي، فإن هذه مسألة أخرى، إذ قد تعيد قراءة جملة، فيتكون عندك فهم لها في مرحلة ما، ثم يتبادر إلى ذهنك معنى محتمل آخر بفعل ظروف معينة، كما حدث مع جملة غسان كنفاني وسؤاله العابر للأفهام "لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟" وأمثلة كثيرة من آيات القرآن الكريم التي فهمت على وجه ما في زمن ما ثم تغير المعنى المدرك. لم أفكر بالكتب التي قرأتها على هذا النحو. كنت أقرأ دون أن أكتب، ثم أخذت أكتب حول ما أقرأ، ثم أكتب دون أن أقرأ.

دفعتني هذه الملحوظة أن أكتب مرة أخرى أسفل الملحوظة السابقة "القراءة الثانية الساعة 11:49 مساء يوم الأربعاء 23/3/2024، ولم أوقع اسمي كما وقعت المرة السابقة. لقد اختفى اسمي الثنائي الآن ليحل محله اسم آخر ثلاثيّ التركيب بفعل غواية التأليف والنشر. 

ولكن، هل سأعود إلى قراءة ثالثة للديوان؟ لست أدري. إحساس يقول لي ربما لأنني أيضا وقعت تحت تأثير الحدس المستقبلي الغامض عندما وصفت القراءة بأنها "ثانية"، ويستدعي هذا العدد الترتيبي أن تكون هناك ثالثة ورابعة وخامس، أو على الأقل ثالثة، وإلا كما علمتنا اللغة العربية علينا أن نقول القراءة الأخرى، قراءتان اثنتان لا ثالث لهما، كما هو ربيع الأول والآخر وجمادى الأولى والآخرة، وكما هي الحياة الدنيا (الأولى) والحياة الآخرة، لا اعتبار لحياة أخرى مزعومة تسمى "حياة البرزخ"، فهي محسوبة على الآخرى وليس على الدنيا، أو أنها غير موجودة أصلاً، وهذا ما أرجحه كما جاء في أدلته التفصيلية في موقعه، وبالتأكيد فإن هذا ليس هو موقعه لأشرحه.

لا أستطيع أن أطبق على نفسي مقولات نظريات التلقي والقراءة المتعددة لهذا النص، لأنني لا أدري ما الذي اختلف عليّ وفيّ بسبب قراءة الديوان مرتين في زمنين مختلفين، ولا أدري ماذا كان يمثل لي الديوان أول أن قرأته والآن اختلف. المسألة تدور في فلك العبث، إنما هو كتاب قرأته حينها لأنه كتاب جديد للشاعر محمود درويش الذي قرأت كل شعره ونثره وكثيرا مما كُتب حول أدبه، ودرسته قبلها في رسالة الماجستير، ولم يكن حينها عندي أي كتاب سوى بحث الرسالة المخطوط، وما زال مخطوطاً، ولعله سيظل مخطوطاً. 

ما أستطيع طرحه هنا وأستطيع الإجابة عنه؛ سؤال: لماذا قرأت الديوان من جديد؟ قرأت الديوان في غمرة الإعداد لكتاب جديد أدرس فيه نماذج متعددة من النصوص الشعرية والسردية والأعمال الدرامية، بلغت عشرة أعمال، أخضعها كلها للبحث البنيوي لمعرفة ما فيها من عناصر ثقافية متأثرة بها، مما يقع عند الكتاب في العادة، وأصبح ظاهرة في الدراسة، بل موضة لم يسلم منها ناقد أو دارس أو كاتب، وخاصة في النقد البنيوي، والنقد الثقافي، لذلك عدت إلى الكتاب لأقرأه قراءة لا تقع ضمن شروط قراءة "المستمتع" بل تحت التفتيش عن "الصناعة" التي شكلته، ليظهر بهذه الصورة. قراءة أفقدتني الإحساس بلذة الشعر واللغة. ربما هنا تتدخل نظريات التلقي التي تتفهم الغرض من القراءة وأهدافها. القراءة تفصح عن نفسها أنها ليست بريئة إطلاقا من سوء النية والانتهاك للنص وما بعد النص وما قبله.

كانت نتائج هذه القراءة مذهلة؛ القراءة الأولى كانت صامتة، لم أمرر قلما أو أخطّ سطرا أو أكتب ملحوظة على هوامش الصفحات، وبقي الديوان أنيقا ونظيفاً والنص مشعّاً برّاقاً، حتى الملحوظة الخاصة بتاريخ القراءة الأولى استخدمت لكتابتها قلم الرصاص. هل كنت أحترم الكتب أكثر في تلك المرحلة؟ ربما، هو شيء أكبر من الاحترام؛ فليس من حقك أن تعبث بأي كتاب بمثل هذه الخربشات العابرة.

في القراءة الثانية الفاقدة للذة الاستماع بالشعر وباللغة، كانت لأغراض البحث، صحيح أن ما هو مشترك بين القراءتين هو أن الديوان قرأته في كل مرة في جلسة واحدة، في الأولى لم أخرج خارج الديوان، وفي الثانية ظللت أخرج والديوانَ إلى الآخرين السابقين له وأعرض عليهم درويش ومقولاته، وأقول: هنا مر آخر من قبل درويش، فأعاد النص كلامهم واستعاره، وأحيانا حطّمه وأحيانا بدله، وأحيانا قلّده، وأحيانا تمرد عليه.

في هذه القراءة امتلأت الصفحات بالخطوط والخربشات المكتوبة بقلم الحبر، وغصّت بالاستحضارات لكتب الآخرين ومقولاتهم، الوجوديين، والصوفيين والشعراء والمفكرين والفلاسفة، واستحضرت المقولات الشعبية، والنصوص الدينية القرآنية والتوراتية والنبوية. كنت أسعى إلى تعرية النص والكشف عما وراءه من نصوص، ليصبح الكتاب كارثيا، ويصدق فيه ما كنت سجلته عن نفسي "أن أي كتاب أقرأه لا يصلح لذي قارئ بعدي" من كثرة هذه "الخربشات". وهي عادة اعتدت عليها بعدما أصبحت مؤلفاً. فنادرا ما يظل الكتاب سليما معافى وهو بين يديّ. لذلك ربما من أجل هذا لا أستطيع قراءة الكتب الإلكترونية إلا في الضرورة القصوى، لأنها تحرمني متعة الخربشة على جسد النص، فيظل أعلى مني، ولا أتمكن من ركوبه والسيطرة عليه تماماً، فتزوغ مني أفكاره وأتوه، فلا أدري أين ذهبت بوصلتي الهادية.

بدا لي أن درويش بعد هذه "المكنكة" النقدية "حطّاب" لغة وثقافة أكثر منه شاعراً؛ جديده قليل ونادر، لكنه ذو اطلاع ومعرفة، ويصحّ فيه ما كنت قلته عن أدبائنا أنهم في الغالب "نصوصيون"، على الرغم من أن هذه الصفة قد تقرّبهم إلى أنهم "لصوصيون" أو "متلصصون"- في أحسن الأحوال- على الآخرين، يطلون عليهم من شرفات الكتب، فيسرقونهم دون إذن!

أهم ما قالته لي القراءة الثانية أن البراءة من دم النصوص السابقة شيء نادر الحدوث، بل ربما عدّ النقاد أنه أمر لازم، فليس سهلا أن تكتب من فراغ الفكرة أولا، ناهيك عن فراغك من أساليب الآخرين وتعبيراتهم وأطرهم العامة التي قرروها، وعرفت في عناصر الشكل الفني المكونة للجنس الأدبي.

أظن أن من واجب الكتابة اللاحقة تحطيم كل كتابة سابقة ذات صلة، وجعلها ركاماً، لا ملامح لها، لإعادة استخدام هذا الركام مرة أخرى، وإلا فإن النتيجة نص فيه من لحم النصوص الحية وروحها الشيء الكثير ما يفقد النص الجديد شخصيته الإبداعية، ويجعله معلّقا بالآخرين تعلّق ضرورة ووجود، وهذا ما لا تقوله أصول صنعة الكتابة، بل إن التحرر من الآخرين شرط أي إبداع حقيقي، وليس الإقامة في النصوص على نحو يجعل الكاتب أسير مقولاتها وأهدافها وشروط كتابتها الأولى.

طرحت ذات مرّة سؤالاً؛ "هل قتلتَ يوماً شاعراً كبيراً؟"، وقررت فيه أنه إذا أردت أن تكون شاعرا، عليك أن تفعلها، وتقتل شاعرا كبيرا، وحددت لذلك ثلاثة شعراء: أدونيس، ونزار قباني، ومحمود درويش، إنما ما قالته لي القراءة الثانية للجدارية أن درويشاً أتى بكثير من الشعراء وغير الشعراء وأحياهم في قصيدته، وأجلسهم على مقاعد حجبت صورته، أو كادت، فهل كنت مخطئاً في ما توصلت إليه من نتائج لهذه القراءة؟ وهل أفلحت القراءة الثانية للجدارية أن تقضي على القداسة أيضاً وليس على المتعة فقط؟


مقابلة مع أكسل هونيث حول الفلسفة الاجتماعية والنظرية الاجتماعية/ ترجمة د زهير الخويلدي



الترجمة:



سؤال إيمانويل رينو:

لقد أعطت نظرية مدرسة فرانكفورت النقدية في الستينيات والسبعينيات، وحتى مع نظرية العمل التواصلي ليورغن هابرماس (1981)، أهمية كبيرة للنظرية الاجتماعية. كيف يمكنك تحديد مشاريع النظرية الاجتماعية التي تم تطويرها وتنفيذها خلال هذه العقود من قبل تيودور أدورنو ويورغن هابرماس على وجه الخصوص؟ وكان لهذه المشاريع، من بين أمور أخرى، وظيفة التغلب على فصل الفلسفة عن العلوم الاجتماعية. هل حققوا ذلك؟


جواب أكسل هونيث:

أنت على حق تماما. خلال هذه الفترة، كان أحد الافتراضات الأساسية هو أن المشروع الشامل للنظرية النقدية يجب أن يرتكز على نظرية اجتماعية قوية. ومع ذلك، في رأيي، فإن النظرية الاجتماعية التي كانت مفترضة مسبقًا في كتابات أدورنو عانت من غياب النظر في العمليات التواصلية التي يستطيع الفاعلون من خلالها تحقيق فهم متبادل للمعايير التي تحكم تفاعلاتهم - وقد سعيت إلى إظهار ذلك في الفصول الأولى من كتابي "نقد السلطة" الذي تُرجم للتو إلى الفرنسية. أعتقد أن هذا "العجز السوسيولوجي" للنظرية الاجتماعية لمدرسة فرانكفورت قد استوعبه بالفعل هابرماس عندما ألهمه التقليد المعياري لإميل دوركهايم وتالكوت بارسونز لبناء نظريته الاجتماعية الخاصة. ولا أزال أعتقد أن نظرية الفعل التواصلي، رغم حدودها وأخطائها، تشكل المحاولة الواعدة لتأسيس نظرية اجتماعية يمكن أن تخدم طموحات النظرية النقدية. يتم التقليل من أهمية هذا الكتاب بشكل غير عادل اليوم على الرغم من أنه يستحق اعتباره مساهمة في النظرية الاجتماعية لا تقل أهمية عن تلك التي قدمها إميل دوركهايم وماكس فيبر وتالكوت بارسونز.


سؤال إيمانويل رينو:

 نقد السلطة، الذي ذكرته للتو والذي يشكل كتابك الأول، صدر عام 1985 في طبعته الأولى. لقد تدخل في سياق لا تزال فيه المناقشات المتعلقة بالنظرية الاجتماعية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لأولئك الذين يدعون أنها نظرية نقدية. لقد طورت نظريتك في الاعتراف في السنوات التي تلت ذلك، وهي السنوات التي بدأت خلالها النظرية الاجتماعية تفقد جاذبيتها. هل يمكنك العودة إلى هذا السياق الجديد وحالة المناقشات المتعلقة بالنظرية الاجتماعية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات؟


جواب أكسيل هونيث:

 في الواقع، بعد وقت قصير من نشر كتابي "نقد السلطة"، بدأ الاهتمام بالنظرية الاجتماعية في الانخفاض بين جيل جديد من المنظرين النقديين - باستثناء نانسي فريزر، وكذلك، على الأرجح، جان كوهين وأندرو أراتو. الذين انخرطوا بعد ذلك في كتابة أعمالهم المهمة حول المجتمع المدني (المجتمع المدني والنظرية السياسية، 1992). إن ما يفسر الاختفاء البطيء للنظرية الاجتماعية من مشهد النظرية النقدية هو بلا شك الوعي المتزايد بالحاجة إلى توفير أساس معياري أكثر صلابة وقوة لنواياها النقدية. إن الاهتمام المتزايد بالأسس المعيارية للنقد، والذي اتخذ أساسًا شكل دمج بعض عناصر نظرية العدالة لجون راولز، كان له تأثير في التشكيك في الاعتقاد بأن النظرية الاجتماعية هي التي أسست النظرية النقدية. إن ما أعنيه بالنظرية الاجتماعية، أي تحليل ما يفسر التكامل الاجتماعي في مرحلة تاريخية معينة، قد تم استبداله بدراسة المبادئ المعيارية التي يمكن أن تكون بمثابة معايير للنقد الاجتماعي. وكانت "الخطيئة الأصلية" لهذا الجيل الشاب من المنظرين النقديين هي الاعتقاد بأنه لم يعد من الضروري دراسة الطريقة التي يتم بها تنظيم ما يسميه راولز "البنية الأساسية" للمجتمع من خلال الآليات المؤسساتية. ومن هنا اختفاء الحاجة إلى نظرية اجتماعية تعمل على تطوير تحليل منهجي للتغيرات الهيكلية للمجتمع الرأسمالي. عندما كتبت "النضال من أجل الاعتراف" (1992)، كانت نواياي على وجه الخصوص هي محاربة هذا الاتجاه من خلال الاستيلاء على عناصر النظرية الاجتماعية المستمدة من هيحل - هيجل الذي هو "عالم اجتماع" أفضل بكثير من كانط، الذي ألهم التحول المعياري.


سؤال إيمانويل رينو:

كيف يمكننا أن نصف ما الذي يجعل النظرية الاجتماعية التي تم تطويرها في كتاب "النضال من أجل الاعتراف" محددة؟ هل يمكن أن نذهب أبعد من ذلك ونقول إن أحد أهداف هذا الكتاب كان تطوير نوع جديد من النظرية الاجتماعية، يختلف عن النظريات الاجتماعية لعلماء الاجتماع مثل تالكوت بارسونز أو أنتوني جيدينز، وكذلك عن نظريات فلاسفة مثل ثيودور أدورنو ويورغن هابرماس؟


جواب أكسل هونث:

 لا أعتقد أنني أشرت إلى الأعمال السوسيولوجية التي ذكرتها كبدائل لما كنت أهدف إليه عندما طورت كتاب "النضال من أجل الاعتراف"، ولكن في الواقع، من خلال تعبئة الفكرة الهيحلية حول النضال من أجل الاعتراف، سعيت لبناء نوع جديد من النظرية الاجتماعية التي يمكن أن تكون مرة أخرى بمثابة الأساس، وبطريقة جديدة، للنظرية النقدية. ولتحقيق هذا الهدف، كان علي أن أتناول الأطروحة المركزية ما يسمى بالتقليد الاجتماعي المعياري، أي أطروحة دوركهايم، وبارسونز، وهابرماس، يجادل ثلاثتهم بأن التكامل الاجتماعي ممكن فقط إذا تم الاتفاق على معايير مشتركة. ما كنت بحاجة إلى إضافته إلى هذا التقليد الراسخ بالفعل يتكون من عنصرين، كلاهما جاء من النظرية الاجتماعية الموجودة ضمنيًا عند هيجل. أولاً، كان علي أن أفهم التكامل الاجتماعي، ليس فقط كحقيقة لإيجاد اتفاق مشترك بشأن القواعد التنظيمية، ولكن أيضًا كعملية يتمكن خلالها الأفراد من منح بعضهم البعض بشكل متبادل وضعًا معياريًا يتطلب من كل منهم تقييد حريته الخاصة. وبهذا المعنى، فإن التكامل الاجتماعي يتكون دائمًا من إنشاء روح مشتركة يمكن من خلالها للمشاركين في التفاعلات أن يعتبروا بعضهم البعض مؤهلين للمشاركة في تحديد الطريقة التي ينبغي بها فهم القواعد التي تنظم المجال الذي نتفاعل فيه.

 العنصر الثاني الذي كان علي أن أضيفه، وهو الأهم، يرجع إلى حقيقة أن عملية التكامل الاجتماعي هذه هي دائمًا بالضرورة موضوع نزاع بين المجموعات الاجتماعية المختلفة، إلى الحد الذي تقدم فيه هذه المجموعات دائمًا مفاهيم جديدة لمفهومها. كيف يمكن تفسير هذه المعايير بشكل أفضل، والقيام بذلك وفقًا لاحتياجاتها ورغباتها واهتماماتها الجديدة. يمكننا القول أنه لا يوجد اندماج اجتماعي دون صراع، لأن هناك صراعًا دائمًا حول مخططات الاعتراف الاجتماعي التي يقوم عليها التكامل الاجتماعي. لصياغة مقاصدي في جملة واحدة، أود أن أقول إنني أردت استخدام موضوعات هيجلية لتطوير نظرية اجتماعية يتم فيها تقديم عملية التكامل على أنها صراعية، بحيث تصبح مقولة "الصراع" مقولة أساسية للأنطولوجيا الاجتماعية. فيما يتعلق بالاستراتيجية المنهجية التي طبقتها في كتابي "النضال من أجل الاعتراف" لتحديد الأنواع الرئيسية للأطر الاجتماعية للاعتراف، يمكننا القول بلا شك إنني اعتمدت نهجًا يستخدم "الأنماط  المثالية" الفيبريية و"التوازن التفكيري" الرولزي: إنه من خلال المضي قدمًا. ذهابًا وإيابًا بين حدسنا المعياري، ونتائج التحقيقات التجريبية والبحث التاريخي الذي سعيت إلى تصميم ثلاثة أطر للاعتراف المتبادل والتي اعتقدت أنها ستكون مرتبطة بشكل مشترك بتطور الاستقلالية أو الهوية الشخصية. كان العيب الرئيسي في هذا المنهج هو أننا لم نتمكن حقًا من تحديد ما إذا كانت أطر الاعتراف هذه تتمتع بمكانة تاريخية أو أنثروبولوجية، ولا مدى دقة فهمها، وما إذا كانت قد ساهمت في تشكيل الهوية أو في أشكال محددة من الحرية. ومع ذلك، فإن هذه العواقب الإشكالية لا تنتقص من أهمية المنهج الذي يقوم على تحديد هذه الأشكال من الاعتراف في العلاقة بين الحدس المعياري المبني على قناعات أخلاقية، من ناحية، ونتائج البحث التجريبي من ناحية أخرى في التخصصات العلمية المناسبة في هذا السياق. وما زلت أعتبر هذا المنهج ذا صلة عندما يتعلق الأمر ببناء نظرية اجتماعية، وفي قانون الحرية (2011)، واصلت تنفيذه أثناء تصنيفه تحت مفهوم "إعادة البناء المعياري".


سؤال إيمانويل رينو:

لقد تم حشد نظريتك للاعتراف في الأبحاث التجريبية في مختلف العلوم الاجتماعية، وليس فقط في الأبحاث متعددة التخصصات التي سعيت إلى تعزيزها كمدير لمعهد فرانكفورت للأبحاث الاجتماعية. كيف تصف طبيعة وأشكال ونطاق هذه الاستخدامات التجريبية المختلفة لنظريتك في الاعتراف؟


جواب أكسل هونيث:

منذ البداية، تم استخدام فكرة صراعات الاعتراف الدائم بطرق متعددة ضمن الأبحاث التجريبية، بدءًا من الدراسات الدقيقة حول العواقب النفسية لحرمان الاعتراف إلى الأبحاث المتعلقة بسلوك المجموعات التي تتعرض لأشكال الاعتراف غير المتماثل، من خلال تحليل ما يُفهم على أنه أشكال مشروعة للاعتراف المتبادل (على سبيل المثال في مجال العمل). نظرة عامة مفيدة، وإن كانت جزئية، على نوع البحث التجريبي الذي يمكن إجراؤه باستخدام نموذج الاعتراف، مقدمة في المجلد الجماعي الذي حرره شين أونيل ونيكولاس سميث في  كتاب تحت اشرافهما عنوانه نظرية الاعتراف كبحث اجتماعي. التحقيق في ديناميكيات الصراع الاجتماعي، باسينجستوك، بالجريف ماكميلان، 2012.

 لقد كنت أطمح دائمًا وآمل أن تكون النظرية الاجتماعية التي تتمحور حول الصراعات والصراعات المتعلقة بالأشكال المشروعة للاعتراف الاجتماعي قادرة على إلهام الكثير من الأبحاث التجريبية، لأنه بدا لي دائمًا أنها تقدم تفسيرًا مهمًا للحركات الاجتماعية والانحراف والمعاناة الاجتماعية وحتى. ردود الفعل السياسية المناهضة للديمقراطية. لقد تعلمنا بالفعل من المؤرخين إلى أي مدى يمكن أن تؤدي المشاعر الجماعية لإنكار الاحترام أو الاعتراف إلى أحداث اجتماعية مهمة - فكر في الحركة النازية في ألمانيا، أو السلوك التصويتي للطبقة العاملة البيضاء اليوم في الولايات المتحدة، أو لإثارة والمثال الأكثر إيجابية هو حركة الحقوق المدنية في هذا البلد نفسه منذ حوالي خمسين عامًا. كل هذا يجب أن يشكل تشجيعاً للبحث التجريبي الذي تقوم به العلوم الاجتماعية فيما يتعلق بديناميكية النضال من أجل الاعتراف على مستوى السلوك الفردي والجماعي.


سؤال إيمانويل رينو:

بمعنى ما، ينتمي «الحق في الحرية» بشكل أكثر وضوحًا من «النضال من أجل الاعتراف» إلى نوع «النظرية الاجتماعية». ما هي الخصائص الرئيسية لنوع النظرية الاجتماعية التي يقترحها هذا الكتاب؟ ما هي الاستمرارية والابتكارات مقارنة بالنضال من أجل الاعتراف؟


جواب أكسل هونيث:

أوه! هذا سؤال كبير يصعب علي الإجابة عليه في بضع جمل. أول شيء يجب أن أقوله هو بلا شك أنني توجهت أكثر نحو هيجل النضج، أي مبادئ فلسفة القانون، دون أن ننحي جانبًا إصراره الأولي على البعد الصراعي للاعتراف المتبادل. وقد أنتج هذا التوجه الجديد تحولين في بنية نظريتي الاجتماعية.

أولاً، أرى الآن بشكل أكثر وضوحاً أن الاعتراف المتبادل يتم إضفاء الطابع المؤسسي عليه دائماً ضمن أطر مستقرة للسلوك والعقوبات. بل ويمكن القول إن العديد من مؤسساتنا الأكثر أهمية هي إضفاء الطابع المؤسساتي على طرق معينة للاعتراف ببعضنا البعض - بشكل متماثل أو غير متماثل، على قدم المساواة أو غير متساو.

 هذا التحول الأول يرافقه تحول آخر، وذلك لأن الاعتراف المتبادل يرتبط دائمًا بالوضع المعياري الذي نمنحه لبعضنا البعض، أو، بكل بساطة، يرتبط دائمًا بنوع الحرية التي نمنحها. منح لبعضهم البعض. في عملي السابق حول الاعتراف، كما ذكرت سابقًا، كان هناك نوع من التردد فيما يتعلق بطبيعة ما نعترف به في الآخرين عندما نمنحهم الاعتراف: هل كان ذلك نوعًا من الهوية الشخصية أم نوعًا من الحرية؟ اختفى هذا الغموض لأنني عندما توجهت بشكل أكثر حزما إلى مبادئ فلسفة الحق، أصبح أكثر وضوحا بالنسبة لي أن ما هو على المحك في الاعتراف - أي الاعتراف بآلية عملية ندمج بها بعضنا بعضا في المجتمع - هو الإسناد وهو شكل من أشكال الحرية للآخرين.

 قادني هذان التحولان إلى نتيجة مثيرة للاهتمام، وهي أن هناك العديد من أشكال الاعتراف في النظام الاجتماعي بقدر ما توجد مؤسسات ننسب فيها أشكالًا محددة من الحرية الفردية لأنفسنا. وسنرى عند قراءة حق الحرية أن هذا الاستنتاج أجبرني على التمييز بين خمسة أشكال للاعتراف بدلاً من الثلاثة التي تميزت في البداية: الاعتراف بالاحترام القانوني، والاحترام الأخلاقي، والأشكال الثلاثة للاعتراف الممنوح بطرق مختلفة في المؤسسات. "الأخلاق"، و"الاتيقا" والعلاقات الشخصية، و"اقتصاد السوق" و"المجال الديمقراطي". هذا التمييز الأكثر تعقيدًا سمح لي أيضًا بالتغلب على الصعوبة التي واجهتها في عملي السابق، وهي عدم القدرة على التمييز بشكل كافٍ بين الاحترام القانوني والاحترام الأخلاقي، وهو تمييز ضروري مع ذلك إذا أردنا أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أننا كأعضاء أكفاء في مجتمعاتنا، نفرق يوميًا وروتينيًا بين واجباتنا تجاه الأشخاص الاعتباريين وواجباتنا تجاه الأشخاص الاعتباريين: في الحالة الأولى، يمكننا اعتبار الآخرين فاعلًا استراتيجيًا لا تهم دوافعهم الشخصية؛ وفي الحالة الثانية، نحن مضطرون إلى اعتباره شخصًا تهمنا نواياه وأفكاره الشخصية. ولذلك نرى أن إعادة التوجه نحو مبادئ فلسفة الحق قد أدى إلى عدد كبير من التغييرات المعمارية في نظريتي الاجتماعية. لكن المنهجية التي سمحت لي بتحديد هذه الأشكال الخمسة المختلفة للاعتراف هي تقريبًا نفس المنهجية التي تم تطبيقها في كتاب "النضال من أجل الاعتراف"، وهي المنهجية المتمثلة في التأرجح ذهابًا وإيابًا بين البديهيات المعيارية المشتركة على نطاق واسع والنتائج التجريبية من أنواع مختلفة من الأبحاث. في كتاب الحق في الحرية، أشرت بشكل أساسي إلى التاريخ المفاهيمي، وإلى علم الاجتماع التاريخي، وأضفت، كمصدر يمكن أن يساهم في "إضفاء المثالية" على النتائج التجريبية، النصوص الأدبية التي تتمتع بـ "حساسية عالية للتغيرات غير المحسوسة في طرق الحياة". التي نرتبط بها مع بعضنا البعض. وأعتقد أن هذا المنهج هو أحد أفضل الطرق للتغلب على طلاق الفلسفة وعلم الاجتماع من أجل تطوير نظرية اجتماعية معيارية يمكن الاعتراف بصحتها. يتألف هذا المنهج من الانطلاق من البديهيات المشتركة المتعلقة بالمعايير التي تنظم عالمنا الاجتماعي، ومقارنة هذه البديهيات مع النتائج التجريبية لمختلف مجالات البحث ذات الصلة بالمسألة قيد النظر، ومن خلال التنقل ذهابًا وإيابًا بين هذين المصدرين للمعرفة. مما يؤدي إلى أفكار جديدة ودقيقة تتعلق بالطريقة التي يتشكل بها عالمنا الاجتماعي.


سؤال إيمانويل رينو:

تبدو فترة السبعينيات من القرن العشرين، عند النظر إلى الوراء، باعتبارها العصر الذهبي للنظرية الاجتماعية، بما يتجاوز المناقشات الداخلية داخل نظرية فرانكفورت النقدية. في سياق مستقطب بالنقاش مع الماركسية والبنيوية، ظهرت العديد من المنشورات المهمة لمؤلفين مختلفين مثل كورنيليوس كاستورياديس، وأنتوني جيدينز، ونيكلاس لوهمان، ويورغن هابرماس. وبالمقارنة، يمكننا أن نتحدث عن تراجع الاهتمام بالنظرية الاجتماعية. هل ينبغي لنا أن نرى في هذا تأثير التحولات النموذجية (التي كان من شأنها أن تؤدي إلى نوع من استبعاد فكرة النظرية الاجتماعية) أو التحولات المؤسساتية (التخصص الفرعي في الفلسفة والعلوم الاجتماعية على وجه الخصوص)؟ أم ينبغي تفسيره من خلال الوعي بأن المشكلات المعرفية تؤثر على مشروع النظرية الاجتماعية ذاته وتثير التساؤل حول أهميتها؟


جواب أكسل هونيث:

 أنا أتفق تمامًا مع ملاحظتك: يبدو أن الاهتمام بالنظرية الاجتماعية قد اختفى تمامًا تقريبًا اليوم. لا شك أن هناك أسباباً عديدة وراء فقدان الاهتمام هذا، فهي مذهلة بقدر ما هي ضارة، وبعضها أكثر وضوحاً من غيرها. ولا شك أن أحد هذه الأسباب هو زيادة التخصص في هذين التخصصين من الفلسفة وعلم الاجتماع. لقد فصلت الفلسفة نفسها عن أي تصور للمجتمع، من خلال التخصص إما في دراسة اللغة، أو في دراسة "الذهن" (العقل)، أو في دراسة التكوين الداخلي لـ "المعيارية". أما بالنسبة لعلم الاجتماع، فقد أضعف مفاهيمه عن المجتمع من خلال التركيز بشكل أساسي على الدراسة الكمية لانتظام (أو مخالفات) السلوك الاجتماعي. إذا قارنا الوضع الحالي مع الوضع قبل خمسين أو مائة عام، فإن الخلاف واضح: ماكس فيبر، فرديناند تونيس، كلود ليفي شتراوس، جان بياجيه، ويورغن هابرماس، على وجه الخصوص، بدأوا جميعًا كفلاسفة أو لهم اهتمامات فلسفية ثم حاولوا ترجمة أسئلتهم الفلسفية إلى أسئلة يمكن الإجابة عليها في الدراسات الاجتماعية أو الأنثروبولوجية أو النفسية، لكنهم لم يغبوا أبدًا عن اهتماماتهم الفلسفية الأولية. سيكون من الصعب اليوم العثور على العديد من علماء الاجتماع الذين يكون لـ "سؤالهم" أو "مشكلتهم" الأولية أصل فلسفي. والقاعدة هي بالأحرى البدء من المشكلات المحددة مسبقًا من خلال انضباطهم دون محاولة ربطها بأسئلة أكثر عمومية مثل "من نحن؟"  أو "ما هو المجتمع الذي نعيش فيه؟ ". أبعد من هذا العامل التأويلي الأول، أي التخصص المتزايد في المجالين المعنيين بشكل خاص بالنظرية الاجتماعية، يمكننا بلا شك تحديد مشكلة أكثر جوهرية، والتي يمكن وصفها بأنها "معرفية": يبدو أنه من الصعب بشكل متزايد فهم مدى "الفلسفة" "إن المادة" - الفكر والأخلاق والأعراف - "يتم إنتاجها" اجتماعيا، وأن دراسة هذه المادة تتطلب الانخراط في تحليل آليات الإنتاج الاجتماعي. وبعبارة أخرى، كلما اتسعت الفجوة التي تفصل بين المتعالي والتجريبي في تحليلاتنا للعالم، كلما تعاظمت الصعوبات في إقامة الجسور بين الفلسفة وعلم الاجتماع. وهذا، بمعنى ما، هو أحد نتائج السيادة الكانطية على الفلسفة المعاصرة، والتي لعبت دوراً في اختفاء الجهود الرامية إلى تأسيس نظرية اجتماعية ذات محتوى فلسفي. حتى كان على دوركهايم، الذي انطلق في البداية من مشكلات كانطية لا يمكن إنكارها، أن يصبح هيجليًا، حتى لو لم يكن ذلك عن قصد بالتأكيد، لينجح في الإجابة على الأسئلة التي طرحها على نفسه (كيف نفهم عمل الالتزامات تجريبيًا؟) من خلال تطوير نظريته الاجتماعية.


سؤال إيمانويل رينو:

هل يمكن التغلب على المعوقات التي تواجه مشاريع النظرية الاجتماعية اليوم؟ كيف يمكن للفلسفة وعلم الاجتماع الاستفادة من تجديد النظرية الاجتماعية؟ وبعبارة أخرى، هل تلبي النظرية الاجتماعية حاجة وما هو مستقبلها؟


جواب أكسل هونيث:

 إن استجابة النظرية الاجتماعية للحاجة أمر لا جدال فيه في رأيي. ولا ينطبق هذا فقط على النظرية النقدية بجميع أنواعها، حيث يكون عجز النظرية الاجتماعية ضارًا بشكل خاص كما يمكننا أن نرى عند قراءة التشخيصات التاريخية السطحية التي أصبحت رائجة اليوم، أو حتى في المحاولات الغريبة لربط ما بعد البنيوية مع الأخلاق المثالية وغير الموضعية (على سبيل المثال في الكتابات المتأخرة لجوديث بتلر). من شأن نظرية اجتماعية راسخة، ويبدو لي أن أحدث مثال عليها هي نظرية الفعل التواصلي لهابرماس، أن تساعدنا على التخلص من هذه التطورات المؤسفة في النظرية النقدية التي يتم فيها تعميم الملاحظات السريعة أو العرضية بطريقة متسرعة ومتسرعة. بطريقة خاطئة، في حين يتم ملء العجز المعياري للنظريات عن طريق الاقتراض من الأخلاق التأملية. وعلى نطاق أوسع، تستجيب النظرية الاجتماعية لحاجة في الفلسفة والعلوم الاجتماعية. وعلى وجه الخصوص، أعتقد أن الأخلاق والفلسفة الأخلاقية ستكونان في وضع أفضل إذا بدأتا بدراسة كيفية فرض المعايير في المجتمع، وهي مهمة لا يمكن إنجازها إلا من خلال نظرية اجتماعية سليمة. وأعتقد أيضًا أن بعض التخصصات الفرعية للعلوم الاجتماعية ستستفيد بشكل كبير من النظرية التي من شأنها أن تساعدهم على فهم أفضل لموقع "موضوع" بحثهم ضمن العمليات المختلفة لإعادة الإنتاج الاجتماعي. أعتقد أنه من المستحيل عدم التأكيد على الحاجة إلى النظرية الاجتماعية اليوم، عندما تكون المصادر الاجتماعية لطرق تفكيرنا ونقاشنا وتداولنا الأخلاقي واضحة للغاية. وبشكل أكثر عمومية، مع وجود نظرية اجتماعية يمكنها أن تطلعنا على تكوين وعمل "البنية الأساسية" لمجتمعاتنا، فمن الممكن أن نطرح بطريقة مناسبة الأسئلة الأكثر إلحاحًا في عصرنا....


المصدر


Axel Honneth et Emmanuel Renault, « Philosophie sociale et théorie sociale  », Sociologie [En ligne], N° 1, vol. 9 |  2018, mis en ligne le 01 juin 2018, consulté le 22 mars 2024. URL : http://journals.openedition.org/sociologie/3410


Philosophie sociale et théorie sociale

Dans les années 1960 et 1970, et jusqu’à la Théorie de l’agir communicationnel de Jürgen Habermas (1981), la théorie critique francfortoise a donné une grande importance à la théorie sociale. Comme...

journals.openedition.org

يَسُوعُ الفِدَاء/ الدكتور حاتم جوعيه



(   قصيدة ٌ نظمتها  بمناسبة  عيد  الفصح  المجيد )  


يا   إلهَ   الِفدَا   وحُلمَ   الوجُودِ        جئتَ  بالحُبِّ  والسَّلامِ   الوطيدِ  

جئتَ نورًاعلى الخلائقِ  تزهُو        أنتَ   فردوسُ  حُلمِنا   المَنشودِ 

يا   يَسُوعي  الحَبيبَ  أنتَ رجائي       وعزائي  في  كلِّ  خطبٍ  شديدِ 

يا  يسوعَ الخلاصِ  أنتَ انطلاقي         وانبعاثي  ومن   رُكامِ   الجُمودِ 

يا  يسُوعَ الفداءِ  فيكَ  انعتاقي        من  جحيمِ  الدُّنى   ونيرِ   القيُودِ  

قد   رأيناكَ   مَنبَعًا   لخَلاص ٍ        ومَنارًا   على    مُحَيَّا    الوجُودِ 

أنتَ فجري ومَبْعَثِي وانطلاقي        وَمُنى الرّوح ِ بعدَ طولِ  الهُجُودِ  

يومَ   ميلادِكَ  المَلائِكُ   َغنتْ         بترانيم       عذبةِ        التغريدِ  

ترسِلُ الشَّدْوَ كلَّ  لونٍ  ولحن ٍ        يتهادَى  فوقَ   الذُّرَى   والنجُودِ       

تتغنى:" قدُّوسُ .. قدُّوسُ .. قدُّو      سُ " ... إلهُ الوَرى وربُّ الجنودِ  

ثمَّ  جاءَ الرُّعاة ُ من كلِّ صوبٍ       سمعُوا البُشْرَى من ملاكٍ  مجيدِ  

كانَ  في مذوَدٍ  وفي  بيتِ لحم ٍ      حَمَلُ الرَّبِّ… مُدْرَجًا في المُهُودِ 

كانَ عيدًا لهُم  وَبُشرى خلاص ٍ      وغدا    للأكوانِ   أرْوَع     عيدِ   

وَمَجُوسٍ   أتوا  بأغلى  الهدايا        إنَّهم  جاؤوا  من   مكانٍ    بعيدِ  

فاستدَلُّوا   على   الإلهِ    بنجمٍ        شعَّ  كالشَّمسِ  في سماءِ الوجُودِ   

فبميلادِكَ    العِبَادُ    استنارَتْ        وَمَشَتُ ، في الهُدَى ، بعَهْدٍ جديدِ  

فسلامٌ   عَليكَ   يا   حَمَلَ  الله         ويا     مَنْ     كلَّلتنا     بالسُّعُودِ   

وسَلامٌ   عليكِ    أيَّتُها   العَذرَ        اءُ ... ما  زلتِ  خيرَ  أمٍّ    َولوُدِ 

يا  إلهَ  الأمجاد ..ربَّ المعالي        وَمَنارَ   الدُّنى     لكلِّ     العُهودِ  

قد قسَمْتَ التاريخَ شطرينِ ، والكوْ   نُ  تسامَى  في  ظِلِّ  عهدٍ  جديدِ   

إنَّ   تقويمَكَ  المُباركَ  قد  صَا         رَ   مَنارًا  ودربَ   كلِّ   رشيدِ  

وخلاصُ  النفوسِ   فيكَ   يقينٌ        وانعتاقُ  الأسرى  وكلِّ   العبيدِ   

لا  سُجُودًا  لغيرِ  شخصِكَ  يبقى     لكَ طابَ الفدَاءُ ..طابَ  سُجودي 

يا   إلهً   فيهِ   لقد  لخِّصَتْ   كلُّ      الرِّسالاتِ     للطريقِ    الحميدِ 

جئتَ للأرضِ  كي  تُقيمَ  سَلامًا       وخَلاصًا  فاجتزتَ  كلَّ السُّدودِ   

فرسالاتُ    الأنبياءِ    لقد    أكْ       مَلتهَا ... قد أتممتَ  كلَّ الوعُودِ  

قد نشرتَ  الوئامَ  في كلِّ أرض ٍ      وكسَوتَ العُراة َ  أسمَى  البُرُودِ  

وَسَقيتَ   العِطاشَ    ماءَ   حيَاةٍ       وَهَدَيْتَ   الجميعَ   نحوَ  الوُرُودِ  

أنتَ    عَلَّمتنا    المَحَبَّة َ    بذلٌ        دونَ  أخذٍ  تبقى  وَدُونَ   حُدُودِ  

والذي   جئتهُ   صادقٌ   وقويمٌ         وسيبقى  مدَى  الزَّمان ِ  الكنودِ  

وتحَدَّيتَ طغمة َ البَغي  مع  إبْ       ليسَ .. لم تحفلْ للرَّدَى والوَعيدِ 

واحتضنتَ الصَّليبَ دونَ انحناءٍ      دمكَ   الغالي   قد  بَذلتَ   بجُودِ   

لم  تقاومْ   وأنتَ   ربُّ  البرايا        كي  يَتِمَّ  المَكتوبُ  منذُ  الجُدُودِ  

ولقد  قُمْتَ  من  ضريحِكَ  رَبًّا        لخلاصِ  النفوسِ   بعدَ   الرُّقودِ 

فغسَلتَ النفوسَ من  دمِكَ  الطا     هِر ِ، نبعَ الخلاص ، بعدَ الصُّعُودِ  

يا  شهيدًا  نجيعُهُ  خضَّبَ الأكْ       وَانَ ... مُنذُ  الوجودِ  خيرُ  شهيدِ  

وَصَليبُ الفداءِ  ما  زالَ  رمزًا       لعذابِ  الشُّعُوبِ ... بل  للصُّمُودِ   


"يا صليبَ المَسيح ِ ألقاكَ  ظِلا ًّ "    فوقَ    شعبٍ    مُكبَّلٍ    بالقيودِ    

منكَ يرجُوالخلاصَ ..هلْ مِنْ مُجيبٍ      والصَّدَى تاهَ  في الفضاءِ المَديدِ 

كم     بلادٍ    دَاهَمتهَا   خطوبٌ      وشعوبٍ    تحيا    بذ ُلٍّ    شديدِ  

ونفوس ٍعَطشى إلى الحَقِّ  ترنو      وجياع ٍ    لنيلِ    عيش ٍ   رغيدِ  

ألفُ  طوبَى  لهم ... لكلِّ   ذليلٍ       ينشدُ الرَّبَّ  في  دُموع ِ السُّجودِ  

يا  إلهً  صُلِبتَ  من  دونِ  ذنبٍ       كيْ  تعيدَ  الحياةَ   بعدَ   الهُجُودِ 

كي يكونَ الخلاصُ للناسِ  طرًّا       دونَ  تمييز ٍ  فوقَ   كلِّ  صعيدِ  

وتعودُ   الآمالُ    بعدَ    ضياع ٍ      والمفاهيم ُ     للنطاقِ      السَّديدِ  

أنتَ   قُمتَ  من  ضريحِكَ  رَبًّا       لخلاصِ  النفوسِ  رُغمَ الجحُودِ 

دمُكَ    الطاهرُ    النقيُّ    لنورٌ       حَرَّرَ  الخلقَ  من  جحيمِ  الوقيدِ  

سَتدينُ   الأكوانَ   يومَ   نشور ٍ       يومَ بعثِ الأمواتِ..  مَنْ في اللحودِ  

يومَ  تجثُو  لكَ  المُلوكُ  جميعًا        ينحني  الخلقُ  من عبيدٍ  وصِيدِ  

لا خلاصًا  سوى صليبكَ  يبقى        يا  رجاءً    لنيلِ   كلِّ   الوعُودِ  


وجدوا في الضريح رأس عجل/ شوقي مسلماني

 


(عبرة)

اشترى بيتاً كبيراً، فارغاً تماماً، سوى من "بيانو" كبير، ضخم، في ركن. كان ثقيلاً، قديماً، وتبدو له هيبة. وهَبَهُ لأحدهم لقاء "أخْذِه من هنا". فحمله مع معاونَين. وتبيّن فيما بعد، كما روى لي صديق، وفي روايته، تحت أي ظرف، عبرة، أنّ بيانو أخينا تراثي، ثمنه يفوق أضعاف ثمن البيت، ولإمتلاكه يوماً وقعت أحداث دامية في بلاد مجنونة ذهب ضحيّتها كثيرون، لينتهي، ولا أحد يعرف كيف، عند من لا يعرف له قدراً أو قيمة. 


(حبيبان) 

أبوها فلاّح دخل "العسكريّه المصريّة" يافعاً، وفي مرّة، وهو في السوق، رأى صبيّة بصحبة من تبدو أنّها أمّها، وبالحقّ هو رأى فقط ظهرها وطرفاً من شعرها، وعشقها، ووجّه أهله إلى بيتها، وطلبها للزواج، هكذا من دون أن يرى وجهها، هو فقط تبعها يومها حتى بلغتْ بيتها، ولأسباب تطول لها علاقة بالعادات والتقاليد المحافظة. ولمّا رأى وجهها أحبّها أكثر وأكثر. مرّة لم يستيقظ، صار عمره 60 عاماً، حاولت زوجته، والدة المطربة الشعبيّة المصريّة المحبوبة الجميلة "أمينة"، أن توقظه. لقد مات. فقدتْ زوجته ـ حبيبته النطق من هول الصدمة ثلاث سنوات، وكانت إذا تحدّثت تتحدّث كالأطفال، ثلاث سنوات، وماتت. 


(الوسيلة) 

سأله إذا الحياة ستفنى؟، أجاب: "لم تعد المسألة يا صديقي الجاهل ما إذا الحياة ستفنى، بل المسألة هي أنّهم عرفوا الوسيلة". 


(حريق تاكسي) 

فريق كرّة سلّةٍ ربح، وفرِح جمهورُه ورقص، وكانت سيّارة أجرة ـ تاكسي في الشارع. ضرب أحد الجمهور سطح السيّارة بقميصه المجدول منتشياً، وتقدّم آخر وكتب إسم فريقه الرابح على غطاء المحرّك، وثالث، وفجأة، ركل جانبها، وهجمت مجموعة وهزّتها، وصعدوا عليها وحطّموا زجاجها، وأحدهم اقترح إضرام النار فيها، ففعلوا، والتقطوا لبعضهم صوراً بالموبايل. فما بدا لا شيئ صار عين المؤسف. كان صاحب التاكسي قد فرّ إلى الرصيف المقابل هلعاً، وطوال الوقت ينظر عاجزاً عن عمل شيئ. بسرعة تتطوّر الأمور، واحترقت السيّارة عبثاً. 


(فضل عبد الحي) 

مصر العظيمة حالها من أصعب إلى أصعب، قال صديقي المسرحي الراحل فضل عبد الحي مرّة، وسألته أن يتوسّع: "كيف"؟، قال واضحاً وضوح الشمس في رابعة نهار صحراوي: "ممنوع فيها بعدُ كتاب "ألف ليلة وليلة" وفشل فيها فشلاً ذريعاً فيلم "غاندي". 

 

  (رأس عجل) 

الشيخ المصري "أبو سْريع" مقامه في منطقة "العين" ـ محافظة السويس، يزوره الكثيرون تبرّكاً وقضاءً للحوائج، وله سلّة نذورات تمتلئ بمليون جنيه سنويّاً وأكثر، وتتقاتل سنويّاً عليه قبيلتان، تدّعي كلّ منهما أنّ المقام هو لها، فهو في أراضيها، وبالتالي هي الأحقّ برعايته وخدمته منفردة. وأخيراً، ومنعاً من استمرار التصادمات والمواجهات، اجتمعت قبائل المنطقة، وقُضي أن يُنقل المقام إلى ناحية محايدة، وتتساوى القبيلتان في خدمته وتتقاسمان نذوراته. وفُتح الضريح، لنقل الجثمان ـ جثمان صاحب المقام والكرامات والخوارق والمعجزات ـ الشيخ أبو سْريع، إلى المنطقة المحايدة، تفاجأوا، وجدوا فيه فقط: "رأس عجل".    

  

 (الدرس) 

حتماً "شيء ما فاسدٌ في مدينة سيلينا". يُقطع رأس تمثال أبي العلاء في معرّة النعمان بسوريا بأيدي ظلاميّين و"الثوّار" الذين قائدهم قال بوجوب استغلال هبوب الرياح الغربيّة الحضاريّة، التي لن تأخذهم إلى الغرب، وستفقدهم الشرق بحكم طبيعتها الإمبرياليّة، يصمتون كما يجب؟.   


(تكرديد) 

"ترديد تكرديد"، بالفارسيّة: أي "هاي، يا أنتم الجماعة الذين تقولون ولا تفعلون"، أو: "هاي، بعضكم مسلم ولم يدخل الإيمان قلبه" ـ ترديد عرب تكرديد. 


(الخوارج) 

شعار الخوارج قرآن كريم: "الذين استجابوا لربّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم". وإذا شئت ما ورد في كتاب "الملل والنحل" لأبي الفتح الشهرستاني أنّهم لم يجوّزوا أن تكون الإمامة في قريش وحدها. 


(وأخيراً) 

يشبّهون الصهيونيّة مخطئين، وأخيراً كثيراً، مرّة بالفاشية ومرّة بالنازيّة، وكأنّهم لم يبلغهم  مقال الكاتب والمثقّف المناضل د. حسن حمادة أنّ الفاشية والنازيّة مظهران قليلان جدّاً من مظاهر الصهيونيّة ـ رأس كافّة أشكال العنصريّة، القهر والإجرام. 

Shawkimoselmani1957@gmail.com 



العرب في اسرائيل، بين محنة حاضرة ونعمة مشتهاة/ جواد بولس



 سأبدأ مقالتي بقصة كان قد رواها لي المهندس الزراعي الراحل عبد الرحمن النجاب ابن قرية جيبيا من قضاء رام الله قبيل رحيله عام 2018 .  كان عبد الرحمن النجاب من اوائل خريجي  مدرسة "خضوري" الزراعية وأحد أبرز الطلائعيين التقدميين في تطوير علم الزراعة في فلسطين منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى وفاته عن عمر ناهز الخامسة والتسعين عامًا. والقصة تتحدث عن ضابط بريطاني كان مسؤولا في مدرسة "خضوري" زمن الانتداب البريطاني على فلسطين؛ كان يعمل لديه في القسم طبْاخ مصري. بلغ الضابط بان هذا الطباخ كان نمامًا وثرثارًا ويكثر من انتقاد الانكليز وممارساتهم ضد العرب. استدعى الضابط طباخه وبدل ان يعاقبه قرر نقله الى سلك الشرطة وراح يعجل في ترقياته الى ان بلغ رتبة شاويش وعندها قرر طرده من العمل. تساءل الناس وتعجبوا من موقف الضابط، فاجابهم : لو طردته وهو يعمل طباخًا لوجد بسهولة الفرصة ليعود الى مهنته كطباخ،  اما اليوم فلن يجد من يشغله شاويشًا، وفي نفس الوقت لن يرضى بالعودة للعمل طباخًا، فنفسه،  بعد ان ذاقت نعمة ان تكون شاويشا، ستأبى ان يعود الى المطابخ. انه خبث المستعمرين منذ مئات السنين وعلاقتهم برعاياهم وابقاؤها متوترة بين محنة حاضرة دومًا، ونعمة موهومة ومتأرجحة. فهل تغيرت احوالنا نحن اهل فلسطين عبر السنين؟  ربما !  

نشر قبل يومين نبأ افاد بان الجامعة العبرية تراجعت عن قرارها بتعليق عمل بروفيسور نادرة شلهوب كيفوركيان,  وموافقتها على عودتها لمزاولة كافة مهامها في الجامعة على الفور. وجاء القرار في اعقاب جلسة عقدت يوم الاربعاء الفائت بمشاركتها ومحاميها مع ادارة الجامعة العبرية ممثلة بعميدها بروفيسور "تمير شيفير".

لم ينل هذا الخبر في الاعلام العربي الاهتمام الجدير به؛ فاعلانه تم على موجة خافتة وخجولة وعلى طريقة البيانات الثورية المقتضية، علمًا بأن قضية البرفيسور نادرة شلهوب كيفوركيان تحولت في الشهر الماضي الى قضية رأي عام ليس داخل اسرائيل وحسب، بل في محافل دولية عديدة . 

قد يكون السر وراء هذا التباين بين الضجة الكبيرة والمباركة التي واكبت عملية فضح موقف الجامعة العبرية في البداية، وبين الكشف، في النهاية، عن هذا الانتصار بوشوشة وادعة، قابعا في التنافر والتوتر الدائمين بين شعورين/ حالتين ما زال المواطن العربي في اسرائيل يعيش تحت وطأتهما وهما : الشعور بالمحنة والرغبة بالنعمة ؛ فمعظم المواطنين لا الاكاديميون وحسب يقضون لياليهم وهم يتأرجحون بين تينك المنزلتين، ويتخذون قراراتهم في النهاية، على الاغلب، وفقا لمصالحهم الشخصية. 

لقد بررت ادارة الجامعة، حينها، قرارها المذكور بحجة ادلاء المحاضرة نادرة شلهوب  بتصريحات تحريضية ضد اسرائيل التي ترتكب الجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية في غزة، وبأنها شككت بالادعاءات الاسرائيلية حول قتل الاطفال واغتصاب النساء خلال الهجمة التي نفذتها عناصر حركة حماس في السابع من اكتوبر المنصرم. حاولت ادارة الجامعة الدفاع عن قرارها وتمسكت به مؤكدة ان ما دفعها لاتخاذه ليست تصريحات ورأي نادرة شلهوب حيال الجرائم ضد الانسانية التي تنسبها لاسرائيل في غزة، ولا رأيها في قضية الابادة الجماعية، بل انكارها العلني لقضيتي قتل الاطفال واغتصاب النساء في السابع من اكتوبر وعدم وقوفها مع الضحايا. 

موقع "كان "بالعبري تطرق لقرار اعادة نادره شلهوب بخبر نشر مساء الاربعاء الفائت واكد فيه على ان ادارة الجامعة اتخذت هذا القرار بعد "أن اوضحت البروفيسور انها كباحثة نسوية نقدية تصدق اقوال جميع الضحايا ولا تشكك باقوالهن ، واوضحت كذلك انها لم تنكر حقيقة تنفيذ افعال الاغتصاب كجزء من هجمة حماس",  وعلى ضوء هذا التوضيح فقد تمت اعادتها الى صفوف الجامعة. بينما نشرت جريدة هآرتس في نفس اليوم خبرا مفاده "ان بروفيسور نادرة شلهوب كيفوركيان ستعود للتعليم بعد ان اوضحت انها لا تشكك بحقيقة وقوع اعتداءات جنسية في هجمة السابع من اكتوبر" . 

نحن نعرف مدى مصداقية الاخبار التي تنقلها وسائل الاعلام العبرية بشكل عام، لا سيما في هذه الايام، حيث نرى كيف تجندت معظم تلك الوسائل والمنصات الاخبارية كابواق دعائية رخيصة وخطيرة لنشر الاكاذيب وللتلفيق وللتغطية على الجرائم التي ترتكب في غزة وللتحريض على كل من يقف ضد الحرب ويطالب بايقافها الفوري. ولاننا نعرف هذه الحقيقة، ولاننا بصدد قضية ذات أبعاد واسقاطات عامة وهامة كانت استحوذت على اهتمام الرأي العام، كان من الضروري ان نسمع من بروفيسور نادرة شلهوب تفاصيل لقائها مع عميد الجامعة، فما نشر حوله كان تلغرافيا وترك مساحات للتأويل وللغصة .

لقد سمعت في البداية خبر اعادة البروفيسور نائلة شلهوب لعملها من صديق قابلته مساء الاربعاء الفائت. لاحظت انه كان غاضبًا لحظة وصوله الى لقائنا في احد مقاهي الناصرة؛ وعندما استفسرت منه عن سبب غضبه افادني بان مذيعا في احدى محطات الراديو العبرية كان يعلن نبأ اعادة المحاضرة العربية الى عملها في الجامعة العبرية متبجحًا انها اعتذرت عن اقوالها السابقة وتراجعت عنها امام عميد الجامعة. واضاف صديقي: اذا كان هذا الخبر صحيحًا فما قامت به  يعتبر تراجعًا عن موقفها المبدئي المحق، وصفعة في وجوه حملات التضامن والمتضامين، فالقضية وان كانت في البداية شخصية تبقى في النهاية قضية عامة.  

لم نعرف تفاصيل ما حدث في تلك الجلسة، لكننا لاحظنا بأن ما نقله موقع " كان" كان شبيها لما نقله بيان صدر باسم البروفيسور من جهة محاميها، مع  وجود بعض الفوارق والنواقص في المعلومات التي أدت الى نشر روايتين مختلفتين ومتناقضتين . فوفقا للرواية التي نقلتها المواقع العبرية فهمنا بان البروفيسور تراجعت عن انكارها لعمليات اغتصاب النساء في السابع من اكتوبر بطريقة رضيت بها ادارة الجامعة، بينما فهمنا من الرواية الثانية بان ذراع الجامعة قد لوي وانه تم الانتصار على قرارها الفاشي وذلك لان البروفيسور نادره شلهوب اكدت على مواقفها ازاء ما تقترفه إسرائيل في غزة وطالبت بعدم معاقبة الطلاب الذين آزروها واكدت كذلك على انها "كباحثة نسوية نقدية، على موقفها الاخلاقي والاكاديمي الذي يحرص على قبول روايات النساء ضحايا الاعتداءات الجنسية بغض النظر عن قومية النساء وجنسياته". وهو نص مشابه لما جاء في خبر موقع "كان" لكن سياقه في وقائع الجلسة بقي غير مؤكد فبقيت الحقيقة اسيرة عند من حضر وشهد الجلسة ورهينة عند من يجيد التأويل ومن يُعمل خياله. فهكذا نحن يا دنيا، نحيا، كعرب في الداخل، بين كر وفر ونمضي نحو غدنا المجهول.

طال النقاش بيننا فعرجنا خلاله على اوضاع الاكاديميين العرب في الدول العربية وعلى هوامشهم في التعبير عن ارائهم ومعارضة حكامهم المستبدين، وحاولنا ان نضع حدود معادلة حرية المواطن العربي في ابداء رأيه المعارض لسياسات الحكومة وممارساتها في السياق الاسرائيلي الراهن، والعلاقة بين ضرورة تمسك الفرد بموقفه المبدئي باسم الدفاع عن الرأي وعن حقوق مجتمعه، وبين اختياره للنجاة الشخصية واعتبارها انجازا ونصرا. ثم عدنا الى مواجع واقعنا ويقيننا بان هذه الحادثة سوف تنسى سريعا كما نسيت معظم قضايا الضحايا العرب الذين لم ينجحوا في اقناع مؤسساتهم باعادتهم للعمل بعد ان طردوا أو لم يرغبوا في السعي وراء ايجاد مخرج توافقي يتيح عودتهم الى امكنة عملهم. وضحكنا بوجع على قصة الطباخ المصري وخبث المستعمرين، وقلنا: هكذا نحن يا دنيا، عرب مثل باقي العرب، نعيش بين هاويتين : محنة حاضرة ونعمة مشتهاة ومتأرجحة، فلا يلومن احد ضحية تفتش عن نجاتها.  

التابو والرمز في قصيدة الشاعرة السورية : مريم مصطفى- نداء هادئ/ كريم عبدالله


للدين رجال يحرسونه ... وللسياسة رجال يخوضون في مستنقعاتها ... ولجسد المرأة رجل كالمِبرد .

غالباً ما تستخدم الذات الشاعرة الرمز في تجربتها الشعرية في محاولة منها لإيصال المعنى الذي تودّ إيصاله إلى المتلقي ,وذلك من خلال مفردة أو عبارة أو شخصية أو حتى مكان ما , فكل رمز له دلالاته التي من خلاله تجعل للنصّ الشعري مساحة واسعة من التأويل , وتعدد القراءات .

كل انسان لديه حاجات اساسية يحاول اشباعها بالطريقة التي تسبب له الاطمئنان ,والراحة النفسية, والاستقرار الفكري والنفسي , وتتدرج هذه الحاجات حسب / هرم ماسلو* / من الحاجات / الفسيولوجية / الاجتماعية / الحاجة للتقدير / والحاجة لتحقيق الذات , فأي تقصير بعدم اشباع هذه الحاجات سوف تظهر على سلوك الانسان . ويمكن التعبير عنها بطرق مختلفة كـ / الرسم / الموسيقى / الادب ,ومنه الشعر وغيرها . ان الانسان بحاجة الى اشباع حاجاته الاجتماعية / العلاقات العاطفية / العلاقات الاسرية / اكتساب الاصدقاء , وفي حالة عدم تحقيق واشباع هذه الحاجات يصبح عرضة للعزلة والاكتئاب والقلق , وهذه كلها منغصات تقلق الانسان ,فيقوم بعملية تنفيس لهذه الضغوط ,والازمات, بالطرق التي يراها مناسبة ومتوفرة , هذه الازمات والضغوطات النفسية تترافق مع حدوث ازمات تعمّ البلد كالحروب مثلا, هنا يحاول الاديب الذكي والمبدع ان يترجم لنا مشاعر الاخرين بأسلوبه الخاص, وبتجربته في مجال ممارساته الكتابية وثقافته ,فيبعث لنا رسالة تتجلّى فيها رساليته الانسانية والجمالية في كتاباته .وهذا ما بدا واضحاً في قصيدة الشاعرة: مريم مصطفى .

وعلى العموم , فأنّ القصائد التي تكتبها المرأة الشاعرة, تبقى معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمان والسعادة , تبثّ فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , في محاولة منها كي تزيح عن كاهلها ثقل الهموم وسطوة اللوعة , فهي تحاول أن تجسد في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق , من أجل أن تمنح المتلقي دهشة عظيمة يروّي ذائقته, وتحرّك الاحساس لديه . وتظلّ زاخرة بالمشاعر ,والاحاسيس العذبة, ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتها الفسيولوجية والسايكولوجية ,كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها ,فينعكس كلّ هذا على مفرداتها ,وعلى الجوّ العام لقصائدها , فتصبح المفردة تمتلك شخصية ,ورقّة ,وعذوبة, وممتلئة بالخيال ,وبجرسها الهامس, وتأثيرها في نفس المتلقي , فتمتاز بالصفاء والعمق ,والرمزية المحببة, والخيال الخصب, والمجازات ,ومبتعدة جدا عن المباشرة والسطحية , فهي عبارة عن تشظّي ,وتفجير ,واستنهاض ما في اللغة من سطوة , كل هذا تستخدمه بطريقة تدعو للوقوف عندها ,والتأمل ,واعادة قراءتها لأكثر من مرّة ,لتعبّر عن واقعها المأزوم ,وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلها الحياتية, والتزاماتها الكثيرة.

 استطاعت الشاعرة :مريم مصطفى في قصيدتها المعنونة: نداء هادئ .ان تخطّ  لها طريقاً واضحاً, وتتحدّى كل الصعاب ,وترسم لها هويّة واضحة الملامح.

تبدأ القصيدة بهذا النداء الهادئ الذي يدلّ على الهدوء الذي يرقد تحته الاضطراب والهياج والثوران , وكأنّ الذات الشاعرة تكتم هديراً وجيشان في أعماقها, ولكن لماذا لماذا كلّ هذا الهياج ؟!

يمكننا أن نقسّم القصيدة الى ثلاثة مقاطع , أو ثلاثة ضمائر , الضمير الأولى / أنا / , حين تبدأ القصيدة بـ / البارحة /سرقتني الطرقُ البعيدة /سرتُ وراءَها أرقبُ تأوهات النهار /كان البريق مجدولاً بصرير جميل. هنا نجد الذات الشاعرة وهي تسترجع أحلامها التي سرقتها تلك الطريق البعيدة المؤدية الى خلاصها من تأوهات لازمت نهاراتها المتكررة, وهي ترنو الى ذلك البريق المجدول في الأفق .

ثم يتحول الضمير/ أنا / الى الضمير / هي / من خلالها استخدام الرمز وتحريك شخصية/ زليخة/ داخل النسيج الشعري , من خلاله منحه هذه الحركية الزمنية , واستحضارها على أرض الواقع , فها هي هي تقول / ها أنا أتبع نبضَ زليخة مرّةً أخرى /أعانق المسافات بوجعٍ يتيم /تكوينه... حمّى الفقد . هنا يتبارد الى أذهاننا قصة العشق والغرام عند زليخة, وحين تتبع الذات الشاعرة نبض قلب زليخة المفعم بكلّ هذا الزخم العنيف واللهفة والتولّه والهيام , ندرك حينها محنة الشاعرة وهي تحاول أن تكتم هذا العشق , والصراعات النفسية التي تستعر في أعماقها , وهنا يتواجد الضمير الثاني / هو / في نسيجها الشعري , فنجده متمثّلاً في / تمارس عينه سلطة حاكم /حاكم من زمن آخر / يلوّن أحلام الغيم / ربّما يمطر قرنفلاً / وربّما يمطر أنيناً / يخدّر الروح الشقية .

هنا يتجلّى لنا / الحاكم / صاحب السطوة والطغيان والتسلّط , وليّ الأمر, والذي لا يردّ له أمر , أنّه سلطان الهوى والعشق, والمعشوق الذي ملك قلب الشاعرة .

حين يدخل العشق في قلوب العشّاق , تنقاد اليه القلوب طائعة , وتزهر بالقرنفل , وينبعث منها عطر النرجس , وتشرق شمس الأمل فيها بعدما غابت طويلاً.

فالذات الشاعرة تريد أن تبوح بما في أعماق قلبها , وتكشف نوازع روحها , وتصرّح بحاجتها الفسيولوجية , وأن تعلن عن حريتها في الاختيار , ورسم  الطريق الذي تريد , ولكن , خشية أن تُتهم وترجم , حاولت أن تتخفى وراء شخصية / زليخة/. لكن الذات الشاعرة تعيش حالة من القلق , والصمت الذي يبوح بالكثير من الكلام, والأمنيات الملوّنة , منتظرة من هذا / الحاكم- العاشق/ أن يبعث فيها الحياة مرة أخرى, ويلون الأحلام , ويمطر قرنفلاً , وقد يمطر أنيناً ! ليبعث في الروح المتعبة السكينة والطمأنينة, ليزهر قلبها , وتتفتح أزهار الفرح فيه, وتتدفق ينابيع العشق دون خوف .  

ثم تعود الذات الشاعرة من خلال الضمير / أنا / قائلة / أعانق  أنفاس الغابرين , أصلّي صلاة المكلومين . تعانق أنفاس الذين مضوا من قبل, أنفاس العشّاق الحقيقين , الذين بذلوا كلّ شيء من اجل المعشوق , وضحّوا بكل شيء من أجل العشق. أنّ وجع العشق وجع آخر يحزّ في قلب المعشوق, ويجعله ينزف بغزارة , كم هي هشّة روح العاشق من فرط اشتياقها إذا ما اصبحت رؤية المعشوق حلماً! لكن العاشق يبقى بذاك الاتصال الروح بينه وما بين المعشوق, صلاة لا تعرف الرياء , صلاة  المكلومين لا يبالي بقسوة الوجع البريء!

ليس اعتباطاً ذكر بعض المفردات في نسيج الشاعر ما لم يرمز من ورائه الى دالة معينة , وعندما يعجز عن التصريح عن هذه الدالة , يلجأ الى استخدام الرمز , والتمويه . ربما كل هذا قاد الذات الشاعرة الى الاكثار من العبادة والخلوة مع النفس في محاولة تطهير النفس .

وبعد ذلك يتجلّى لنا الضمير / أنت / من خلال هذا النسيج الشعري التالي/ خذ بيدي أيّها المزروعُ رياحين في موائد ذاكرتي / أيّها الغافل عن نداءاتي تمهّلْ /خذني إليك: ربيعاً شائكاً... نرجسياً /خذني إليك تراتيل صبح مخملية /خذني إليك . حيث النداءات المتكررة / أيّها / خذني/ خذني/ خذني/ , الى الذات الاخرى الغافلة عن نداء الذات الشاعرة, المزروعة عميقاً في ذاكرتها, من خلال هذا المقطع نعود مرة أخرى الى / زليخة / المبتلية بالعشق , والهيام, والرغبة, وهذا الاصرار والإلحاح في طلب الاخذ على شكل / ربيعاً شائكاً/ أو / نرجساً / أو تراتيل صبح مخملية/ .

وتتختم الشاعرة : مريم مصطفى قصيدتها ونداءاتها بـ / أيّاك لم اعد تلك الشقيّة /روحي تهادن حبر محفظتي الأبيّة/ معلنة التوبة , والتطهر من دنس العشق , ها هي تعود خالصة مطهّرة لوجه الحبيب المنتظر, تكتم بين جنبات روحها قصة عشق طاهر , وقلب نقيّ زاخر بالمحبة والتقى والبراءة .

أننا أمام قصيدة صوفية طافحة بالعشق , واللوعة , والصمت , والانتظار, أنها قصة العاشق في زمن قلّ فيه العشّاق الأوفياء, وتحول كلّ شيء فيه إلى سلعة حتى العشق.


القصيدة:

نداء هادئ

البارحة

سرقتني الطرقُ البعيدة

سرتُ وراءَها أرقبُ تأوهات النهار

كان البريق مجدولاً بصرير جميل

ها أنا أتبع نبضَ زليخة مرّةً أخرى

أعانق المسافات بوجعٍ يتيم

تكوينه... حمّى الفقد

تمارس عينه سلطة حاكم

حاكم من زمن آخر

يلوّن أحلام الغيم

ربّما يمطر قرنفلا

وربّما يمطر أنيناً

يخدّر الروح الشقية

أعانق أنفاس الغابرين

أصلّي صلاة المكلومين

خذ بيدي أيّها المزروعُ رياحين في موائد ذاكرتي

أيّها الغافل عن نداءاتي تمهّلْ

خذني إليك:

 ربيعاً شائكاً... نرجسياً

خذني إليك تراتيل صبح مخملية

خذني إليك

أيّاك لم اعد تلك الشقيّة

روحي تهادن حبر محفظتي الأبيّة

...

مريم مصطفى


* هرم ماسلو: هرم موسلو هو نظام هرمي يستخدم لتوضيح التسلسل الهرمي في الاحتياجات البشرية والتحفيز. يعرف أيضًا بـ "هرم الاحتياجات البشرية"، وهو مفهوم تم تطويره بواسطة عالم النفس الأمريكي أبراهام ماسلو.

كوابيس/ د. عدنان الظاهر

 


إرَباً إرَبا

أقطعُ أنفاسي جريّا

بحثاً عنّي بين رِكامِ الزمنِ المُتفلِّتِ أرسانا

هذا حتفي

خَلَلٌ في حفلةِ وَهْمِ

ما هذا ؟ ... عفوا

هذا غَضبُ الترحالِ ومَن شافَ وأغضى

لا أرنو لا أبسطُ عيني للرائي

يصبرُ يحدو يدنو 

ويمدّدُ جسراً من حبلٍ للوصلِ

يعبرهُ جيلٌ يتخشّبُ أقداما

مِصباحاً مكسوراً ضِلعا

دمعٌ فيهِ ودماءٌ تجري من تحتِ القُضبانِ

ذِكراها ذِكرى ما سمعَ المحزونُ بلا حُزنِ

أَفَلمْ يصمتُ همُّ النائمِ في وهمِ الحُلْمِ

وأسيرُ العدِّ يُبشّرُ بالوعدِ

وعدِ الكاسرِ بالمكسورِ وثأرِ القصفِ بنارِ الصدِّ

لا أبصرُ إلاّ أشباحاً تبلى ورسوماً أكفانا

ونيوباً تنقضُّ تِباعا

وبيوتاً تتهاوى سَقْفاً سقْفا

أخفضُ رأسي أخشى سوطاً في الصوتِ

والجنُّ جنينُ قصيرِ الأبعادِ

والطيفُ السالفُ يمشي مُختالا

حتفُكَ هذا أمْ حتفي ؟

نِصفكَ هذا أمْ نِصفي ؟

الموتُ المحضُ تبادلُ قصِّ الأعناقِ

يتخفى لا يُخفي حفرَ الأنفاقِ

مشنوقاً يتدلّى أجراساً سوداً أعناقا 

يتأرّجحُ بين الجنِّ وسوءِ الظَنِّ

يضعُ الفأسَ بأُمِّ الرأسِ

يركبُ ريحَ الضاربِ خيلاً سوطا.

ياحليوه يالمسيب ياحنينه يالمسيب/ فاضل البياتي

 



عندما اتغزل في هذه القصيدة الشعبية الغنائية الجميلة بمدينة المسيب العراقية الحبيبة فإنني اتغزل بكل المدن العراقية الحبيبة في وطني العراق الحبيب

                                                         ¤   

ياحليوه يالمسيب ياحنينه يالمسيب 

 ياوردة الحب السعيدة الزاهيه 

بارض عراقنا الطيب والحبيب

             ¤¤

ياحليوه يالمسيب ياحنينه يالمسيب 

 يالمسيب كل زمانج خير وبصفاء وبهناء 

وانتي جيران العزيزة المقدسة كربلاء

             ¤¤

ياحليوه يالمسيب ياحنينه يالمسيب 

 كل زيارة للضريح الطاهر لأولاد مسلم بالمسيب

الروح تفرح والأمل الحلو يصبح أگريب

             ¤¤

ياحليوه يالمسيب ياحنينه يالمسيب 

 من سنين وسنين

طبع المسيباوي الوفه والحنين

 والمحبه للعراق

ولاهله واخوته مايعوف ولا يسيب

                                                          ¤¤

 من سنين وسنين 

 ياحبيبه يالمسيب مثل الشمس تضوين 

 لاغاب الضوه عندج ولااتغيب. 

            ¤¤

 يامسيباويه ياعشگي الاولي 

 سنين وسنين غنينا سوه 

واني وانتي نعبر كل يوم جسر المسيب 

جسر عشگنا الأولي باقي شباب وأبد مايشيب    

أنا للأمجادِ/ الدكتور حاتم جوعيه



( هذه القصيدة قديمة كتبتُها في بداياتي الأولى وأنا لم اتجاوز ال 20  عاما وأنشرها الآن لأول مرة مع بعض الإضافات  ) .

أنا        للأمجادِ       غُنوَهْ         عزَّتي         أكبرُ      ثروَهْ

في    طموحي    وانطلاقي         تتلاشَى       كلُّ         هُوَّهْ 

فوقَ   هامِ    النَّجمِ    أخطُو         إنَّني        رمزُ        الفُتُوَّهْ 

فاقَ      شعري      المُتنبِّي         وَستبقى       لي       النُبُوَّهْ 

واختفى      كلُّ        لسانٍ         يقطعُ      الشُّعرُورُ     لغوَهْ

كلُّ       شُعرور       حقير         فلهُ      الصَّفْعَاتُ      رقوَهْ 

شعريَ     الإبداعُ      فيهِ          وَيناجي     الصَّبُّ    شَجْوَهْ

وعذارى    الشعرِ    جذلى         والأماني    ازدَدْنَ    صَبوَهْ 

وَسُلافي      من      عناقيدِ         الدَّراري      كلَّ        ندوَهْ  

شيَّعَ     الأحرارُ      دربي          لطريقِ      الفجرِ      قُدوَهْ

في      لوائي    كلُّ     حُرٍّ          ما     لهُ      عنِّيَ     جفوَهْ

أحملُ      الشَّمسَ     بكفّي          ويشُوبُ      الدَّهرَ     غفوَهْ

تزدَهي     أزهارُ   عُمري          وَيُطيلُ      الكونُ      شَدوَهْ


أسقنِي     فنجانَ       قهوَهْ          فلها    في    الجسمِ    نَشْوَهْ

" حاتمٌ  "    يعشقُهَا    يشْ          رَبُهَا     في     كلِّ     خلوَهْ

في   هواهُ    الغيدُ    هامَتْ          كلُّ       حسناءٍ      وَحُلوَهْ

ملكُ       الشّعرِ      سيبقى          هُوَ    دومًا    فوقَ    ذروَهْ

قصب   السَّبقِ    لقد    حَا           زَ ... ولا    يعرفُ    كَبْوَهْ

صنعَ      التاريخَ      بجُهدٍ           وبإقدامٍ     ....        وَقُوَّهْ

هُوَ        يمضي      وَيُعلّي          دائما       للحقِّ       جذوَهْ

هُوَ        رمزٌ       للمعالي          يهرعُ     الأحرارُ     نحْوَهْ 

قُدوةً    صارَ    لأهلِ    الْ          خيرِ  .. يحذُو  الكلُّ   حَذوَهْ 

ينشُرُ       الحُبَّ  ،    بعيدٌ          دائمًا     عن     كلِّ    هَفوَهْ

صائِنًا       للعهدِ      يبقى          حافظًا       معنى     الأخوَّهْ

فارضَ  الوِدِّ   على   الكلِّ           بلينٍ         لا         بقسوَهْ

ولهُ      التَّبجيلُ     والحُبُّ          وإقبالٌ                وَحَظْوَهْ

وتبنَّى        كلَّ         إبدا          ع ٍ ،    لهُ     نعمَ      الأبُوَّهْ  

فيهِ     يزهُو   كلُّ    زرعٍ           هُوَ    من    يُعطي    نُمُوَّهْ

وَيُرَوِّي     الوردَ      دومًا          وَيُطيلُ     الوردُ      زهوَهْ

إنَّهُ       والمجدُ       صنوا          نِ   يُلاقي  الصّنوُ   صنوَهْ

بيتُهُ         للجودِ       مفتُو          حٌ ..   تُلبَّى    كلُّ     دَعوَهْ

هُوَ      نبراسُ      الغلابى          وَلهُمْ      درعٌ       وَعُزوَهْ 

خاضَ     أهوالَ    الرَّزايا          وَلهُ        مليونُ       غزوَهْ 

سيفهُ       يبقى       صقيلا          للعُلا     من    دونِ    نَبْوَهْ

طلقَ       الدنيا        ثلاثًا          غيرُهُ          ينشدُ       لهوَهْ

لجمالِ     الرُّوحِ      يصبُو         لا       لأسمالٍ       وَنزوَهْ 

وَيرى   في   الحُبِّ    أنوا          رًا    وَطُهرًا    ليسَ   شَهْوَهْ

غيرُهُ      باعَ       ضميرًا          في   الخنا    يقبلُ     رَشْوَهْ

ذاكَ   في   التّطبيع   يهوِي         وَعلى      عينيْهِ       غشوَهْ

في       انحطاطٍ    وسيبقى        لعدوِّ         الحقِّ      جَرْوَهْ 

والذي      يَسْمُو         إباءً        سيرى    في    الذلِّ    نعوَهْ

يَقِضٌ     في     كلِّ     أمر        غيرُهُ        تأتيهِ        سهوَهْ

فتحدَّى      طغمةَ       التط        بيعِ      لم     يترُكْ     غُلُوَّهْ 

وأبيٌّ       يرفضُ       الذلَّ        ولم        يُخفِضْ       سُمُوَّهْ   

وتحدَّى     الهولَ      والموْ        تَ     ولم     يَرهَبْ    دُنُوَّهْ

أرْيَحِيٌّ       رمزُ       فخر         ثمَّ          إقدامٍ        وَنخوَهْ   

وَلأجلِ     الحقِّ     يمضي         هُوَ     يُملِي     كلَّ     فجوَهْ

ناصرُ    المسكينِ      دومًا          عكَّرَ       الأوغادُ     صفوَهْ

إنَّهُ     مع     كلِّ      شعبٍ         لوَّثَ      الطاغوتُ     جَوَّهْ

إنَّما        العيشُ       كفاحٌ         صرحُهُ       يَحمِي     عُلُوَّهْ 

وبهِ      الأوطانُ      تزهُو         سيُقوِّي       كلَّ       عُروَهْ

شعرُهُ      للأهلِ      والأوْ         طانِ    يُعلي    كلَّ    سَرْوَهْ

شعرُهُ      وجدانُ      شعبٍ        ... ولأطفالٍ            ونسوَهْ

ولِشيخٍ                 يتلظّى         يبتغي      الظلّامُ       مَحْوَهْ

لبيوتٍ    قد    دُمِّرَتْ   من         تحتِهَا     الأشلاءُ      نَضْوَهْ 

والثكالى   ...كلُّ     مَوتُور         لم  يروا  في العيشِ  ضرْوَهْ

في   حصارٍ   منعُوا   عَنْ         هُمْ     طعامًا .. كلَّ    عطوَهْ

أوْغلَ     الباغونَ       قتلا         أوجدُوا      للقتلِ        فتوَهْ

عالمٌ       أضحَى     حقيرًا         ليسَ    منهُ      أيُّ    رَجْوَهْ

عالمٌ    في    صمتِهِ    وال         ظلمُ     كم      زادَ     عُتُوَّهْ

كلُّ    شبر    طالهُ   القَصْ          فُ    وَهُزَّتْ    كلُّ    ربوَهْ

وَيُغنِّي                  لسلامٍ          لا       لعُدوان      وَسَطوَهْ

شعرُهُ     وجدانُ      شعبٍ         يبتغي      المُحتلُّ      مَحْوَهْ

إنَّ         للتحريرِ       بابٌ         بدَمٍ          يُفتحُ        عُنوَهْ  

وإليهِ     قد     مَشَى     كلُّ         جسُور      ألفَ       خطوَهْ 

وَمشى      كلُّ           أبيٍّ          كلُّ     شبلٍ  .. كلُّ     لبوَهْ

طالَ       للفجرِ      انتظارٌ         بعدَ   نومٍ   عصرُ   صَحْوَهْ