متعهدو حمامات الدم الصهيونية/ صبحة بغورة

           


             

منذ أن دس الغرب بالقوة كيانا غريبا مشوها وسط شعوب عاشت في سلام آمنة في أراضي الحضارات ومهد الديانات بدأ الدهماء في محاولة نسج خيوط خبثهم بترويض الكيان الدخيل لتمكينه من تنفيذ مؤامراتهم لكبح شعوب الثورات ولإحكام السيطرة على أراضي الثروات.


ظل امتلاك القوة العسكرية مبدأ أساسي للكيان الدخيل كمسار ثابت لنهج حياة لا بديل عنه مهما تعاقبت السنون  يتلخص في امتلاك ناصية التخويف والترهيب بالقوة المسلحة، وذلك على خلفية علمه أنه كيان مغتصب لا يستحق ما منحه له من لا يملك بتواطؤ عالمي، إذن هو كيان يستند مطمئنا إلى قواعد وحلفاء يدعمونه ماليا وماديا وعسكريا وسياسيا .. ويوفرون له بكل السبل المتاحة الشرعية وغير الشرعية المنعة والتمكين والحماية, ويفتحون له أبواب العلم والتكنولوجيا المتقدمة لتعزيز وتطوير قدراته العلمية لإحداث التفوق الحضاري على جيرانه من كل الجهات.

لم يكن كل هذا كافيا لكبح جماح الإجرام الذي يسري في عروق المغتصبين الدخلاء، فالقيام بين الفينة والأخرى بعمل عسكري ناجح ومحدود مفيد لرفع الروح المعنوية والحفاظ على الجاهزية القتالية في كل وقت وفي كل حين، وفي ذلك أيضا رسالة ردع يراد لها أن تكون عميقة المعني بليغة المبنى، فهم يؤمنون بأن من واجبهم قمع وإذلال كل من ليس " مختارا " إنها عقيدة ثابتة لا سبيل لتغييرها.

الغرب راض تماما بما تحقق، وسيكون سعيدا لو أنه تم اختبارالقدرات العسكرية في الميدان الحقيقي للمعارك وفي ساحات القتال بشكل منتظم ! الحرب هي المحك الحقيقي لاختبار كفاءة الأسلحة وقوة خصائصها، وأمر تبرير اندلاعها لا يحتاج لكثير عناء،  فأي طرف يمكنه أن يفعل ما يريد وقت ما يشاء وأن يختلق السبب لتبرير فعله ومن ذلك اختبار قبضة القوة مع الدول المحيطة بالكيان المختلق والمعادية له من خلال تحركات عسكرية حدودية استفزازية واشتباكات مسلحة تحقق الهدفين معا : متعة ممارسة القتل ،ونشوة تأكيد الغلبة .

لقد كان داعمو الكيان الدخيل أوفياء له في جميع المحافل العالمية فأطلقوا يده للعبث بأمن البلاد ومصير الشعوب، ويبدو أن الصهاينة تأكدوا من حقيقة أمر البعض من الجوار كونهم أصواتا إعلامية قوية فقط  لم يتمكنوا من محاولة إظهار رد الفعل الكافي للانتقام  والشافي لجرح الكرامة ، لقد حقق الكيان حديثا الغلبة بشكل حاسم على الأنف والعيون الأربعة ، والآن هو يقف مكابرا على عتبة تقدير قيمة معظمهم بعدما قاس وزنهم ، ولا يبق له سوى تحدي واحد  لن يهدأ حتي يقف الغرب أولا على حقيقة أمره الغامض عليهم منذ سنين حتى اليوم، هذا في انتظار تلقيه الأوامر والضوء الأخضرمن متعهدي دعم حمامات الدم، الأمر ليس بالهزل وطبيعة التحركات الجارية والاتصالات القائمة موسومة  بمنتهى الجدية وبالغ الحذر.

فَراشةٌ على صَدرِ مِصباحٍ/ جورج عازار

  


أنا ضوءُ المِصباحِ

يا فَراشتي 

فمن حُدودي لا تقتربي

وعلى مَشارفِ الخَطرِ 

أبداً لا تَحُومي

تَعالَي حين أخبو 

أو عندما يعتريني وَهَنٌ

أو رُبَّما حينما يراودني النُّعاسُ

أنا على جناحيكِ السَاحرين 

خطرٌ

في حُضني جمرٌ ونارٌ

وموتٌ وفناءٌ

رَقَصاتُك تُسيلُ لُعابي 

فلا تُكثِري من فنونِ إغرائي

إن دَنَوتِ

 أخشى أن تَختلَّ كُلُّ مَوازيني

ويَعتري بوصِلتي النِّسيانُ

لا تُبعثري أدراجَ الرِّياحِ 

كُلَّ ابتهالاتي 

ولا تَطمَعي في رَباطةِ جَأشي 

ولا في بَريقِ أحداقي

أنا لَكِ المَوتُ الزُؤامُ

 والبعدُ عني هو الحَياةُ

أنا الأضَّدادُ في دُنيا الخَياراتِ

حلوٌ ومرٌ

عِشقٌ وكُرهٌ

حصيفةً كُوني 

فسذاجةٌ أن تُجازفي 

في لُعبةِ المغامراتِ

غازلي كُلَّ الزُّهورِ

وارتاحي فوقَ كُلِّ الأغصَانِ

وتُراقَصي أمامَ عتباتِ السُّلطانِ

وداعِبي جَدائِلَ الأميراتِ 

في القُصورِ

ولَكِن حَذارِ 

أن يُثيرَ غَرائِزُك لَمَعاني

فالدُّخولُ إلى حُجراتي 

أَسْرٌ من غير إطلاقِ سَراحٍ

مشروطٍ أو بغيرِ شروطٍ

هل رأيت أحداً

من العُشَّاقِ

يَتضَرُّعُ إليكِ 

من أجل أن تَرحلي

ويناشدُكِ مُتوسلاً أن تَهجُري؟

أنا الوَلُوعُ الماقِتُ

والهائِمُ الباغضُ

أنا الفَخُّ لأَمالِكِ

 وأنا الشَّركُ لأَحلامِكِ

هُمُودي هو الكَمينُ

وسَكينَتي لَونُ المَكيدةِ

نامي في عُيونِ القَمرِ

أو فوقَ وسَائِدِ السُّحُبِ

ولَكِن أبداً لا تَختَبِري

 سِعَةَ صَدري

فتُطيحُ بِرِقَّةِ جَناحَيكِ

ذاتَ مرةٍ

 ثُورةُ غَضبي


ستوكهولم السويد


حول خطاب فوز باسم خندقجي بالبوكر 2024- ملاحظات أولية/ فراس حج محمد

 


لا شك في أن فوز الروائي باسم خندقجي بجائزة البوكر لعام 2024 له دلالاته التي تقرأ في سياق ما يجري في فلسطين، من مقتلة عظيمة يمارسها المحتل علينا كل يوم، فيستشهد العشرات منا يوميا، ويوميا تتكثف المعاناة أكثر وأكثر، حتى يصبح البقاء على قيد الحياة والاستمرار في العيش معجزة أو خيالا أو شبه أسطورة، في غزة تحديداً. ولذلك بادرتُ بإرسال رسالة عبر الواتسآب لأخيه يوسف مهنئا ومباركا ومستبشرا بقرب خروجه إلى فضاء الحرية: "مبارك لباسم الذي تجلى بدرا في سماء الحرية... لعلها بشرى التحرر قريبا". وأعلنت على صفحتي في الفيسبوك الخبر فكتبت: "باسم خندقجي حرّا في سماء بلا حدّ... مبارك، وإلى الأمام، السجن لن يقف حدا لأن تكون موجوداً".

إن منح الأسرى الكتاب جوائز- وهم يستحقونها فنيا- لهو أمر بالغ الاهتمام، وقد أحسنت لجنة جوائز فلسطين لهذا العام أن منحت أيضا الأسير الكاتب كميل أبو حنيش جائزة فلسطين للدراسات الاجتماعية والعلوم الإنسانية عن كتابه المهم "الكتابة والسجن"، للفائز وكتابه هنا أيضا دلالة مركبة. 

عليّ أن أقرّر أن وجود المبدع الفلسطيني على خريطة الأسماء المتداولة إعلاميا لهو نوع من التحقق الوجودي وإعادة تثبيته في ظل هذه الهجمة الشرسة على الكيانية السياسية للفلسطيني التي تطال وجوده السياسي والثقافي ومن ثَم الإنساني، كواحد من البشر يستحق أن يعيش كبقية الناس، آمنا في سربه، معافى في بدنه، مالكا قوت يومه، مكونة لأسرة، وراعيا لأبنائه. وينجح الفلسطيني دائما في تثبيت هذا الحق وهو يمارس عمله الثقافي وبجدارة واستحقاق، بالأمس تفوز الكاتبة الفلسطينية إيزابيلا حماد بجائزة أسبن ووردز الأدبية، وقبلها عدنية شبلي، بل إن الوصول إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر أمر في غاية الأهمية لباسم وللكاتب أسامة العيسة.

مع وصول هذين الكاتبين للقائمة القصيرة ترددت كثيرا القضية الفلسطينية وأعيد طرح الأسئلة الجوهرية التي ينطلق منها الإبداع الفلسطيني، لا سيّما أن كلا الكاتبين (خندقجي والعيسة) كتبا في صلب القضية، ومن يقرأ الروايتين سيرى أسئلة الصراع على فلسطين حاضرة وبقوة، كل بطريقته وأدواته وتقنياته السردية المختلفة والمتنوعة.

هذا الحضور للقضية في الروايتين قابله تغييب كبير للقضية في الفيديوهات المعدة مسبقا عن الروايات الست، ومنها روايتا باسم وأسامة، وأشد ما غيبت القضية الفلسطينية في الحديث عن باسم، بلغة وخطاب لا يقول الحقيقة لا بوضوح ولا بغير وضوح. تشعر أن الفيديو يتحدث عن غائب ومغيب في دهاليز مجهولة لا أحد يعرف عنها شيئا أشبه بغيبة صاحب الرجعة الإمام الثاني عشر حسب المعتقد الشيعي. 

تتابع هذا خلال إعلان الكاتب نبيل سليمان- بوصفه رئيس لجنة التحكيم لهذا العام- عن رواية باسم خندقجي قدمها بطريقة ملتوية. مستخدما كلمات ومصطلحات عامة؛ التحرر، العنصرية، الآخر، العالم، ولم تمس "قداسة" الاحتلال بأي غبار، حتى رنا إدريس ممثلة دار الآداب البيروتية، ناشرة الرواية، ارتجلت كلمة قصيرة بعد إعلان الفوز وذكرت على استحياء أن الروائي باسم ساندته أسرته طوال (21) عاما من السجن. شخصيا شعرت أنها تقولها وهي خائفة، وتشعر بشيء من الحرج، وكأن الأسير ليس مناضلا ومقاوما وابنا لحركة وطنية تناضل للدفاع من أجل حرية الوطن والإنسان، وإنما مجرد سجين، أين؟ ولماذا؟ لا يقول خطابها المرتجف شيئاً.

أظن لو أنّ الإمارات تريد لقضيتنا الخير، لعبّرت بوضوح عن أن باسما أسير فلسطيني يمارس الاحتلال أفظع صور التعذيب والتنكيل بحقه وبحق أكثر من عشرة آلاف فلسطيني أسرى. هؤلاء الأسرى الذين أصبح باسم من هذه اللحظة يمثلهم جميعا، ويمثل قضيتهم، ولا يمثل ننفسه فقط، ولا يمثل كتابته فقط، بل يمثل كل الإبداع الفلسطيني، وخاصة ذلك الإبداع الخارج من رحم المعتقلات المقفلة بوجه العالم، فأصبحوا مقطوعين عن العالم بقرار من كائن عنصري وجد نفسه بغفلة من الزمن يحمل رتبة وزير أمن داخلي، لينكل بالأسرى، ويعربد ويسلح المستوطنين، ويبارك عمليات القتل اليومي ضدنا.

لو كانت الإمارات فعلا- إن أحسنا النوايا- تريد خدمتنا بتطبيعها المهين مع الاحتلال، لجعلت من فوز باسم خندقجي فرصة للتشنيع على جرائم الاحتلال في غزة والقدس وعموم الأراضي الفلسطينية، لا سيّما وأنّ رواية أسامة العيسة تحمل اسم "سماء القدس السابعة". وكم كان مفيدا جدا لو حطمت الجائزة بعض قواعدها من أجل نصرة شعب مظلوم، فتربط بين الروايتين "قناع بلون السماء" و"سماء القدس السابعة" لما لهما من تشابه خارجي على الأقل في العنوان، فمفردة السماء حاضرة في كلتا الروايتين، وتمنح الجائزة مناصفة لهذين الكاتبين اللذين يمثلان قضية عادلة، سياسيا وإنسانيا، والروايتان باعتراف لجنة التحكيم تستحقان، ككل الروايات الأخرى المشاركة. فلو أخذ القرار بالإجماع على أن تعطى الجائزة لفلسطين ممثلة بالكاتبين لكان للأمر وقعه الذي سيكون أجمل وأعلى شأناً.

بالتأكيد لا تتحمل لجنة التحكيم هذا الإخراج السيئ للفوز بخطاب هزيل، حتى نقديا، بل إن من يقف خلف الجائزة هم من "فكر وقدر" "ثم فكر وقدر" ليكون الخطاب فيه هذا القدر من البلاهة وعدم الإقناع، بل وإثارة الاشمئزاز والقرف وهو يخرج بهذه الصورة البائسة. هذه الصورة تؤكد موقفي الرافض للمشاركة في كل جوائز دول التطبيع مع الاحتلال، فإنها والله لا تعطى الجوائز إلا بثمن وتدبير سياسي صار معروفا ومدركاً، فهل كان فوز رواية "قناع بلون السماء" ثمنا لدماء أهل فلسطين، وغزة على وجه الخصوص؟ كما بادرت زميلة وكتبت لي معلقة على هذا الفوز الذي لن يفسر إلا بهذه الكيفية؛ لأن الخطاب يقول هذا، وليس لأن باسما لا يستحق الفوز فنيا، بل إنه من أنضج الكتاب خارج السجن وداخله، وأقول ذلك وقد تابعته منذ عمله الأول وحتى آخر عمل. فمسألة الاستحقاق لا خلاف عليها إنما طريقة  الاحتفاء بهذا الحق، هنا تكمن المشكلة، بل قل المعضلة.

إن باسما ومعه أكثر من (130) كاتبا أسيرا في سجون الاحتلال الصهيوني، يهربون إبداعاتهم كما يهربون نطفهم لعلهم يظفرون ببعض حياة، في كتاب أو بولد قد يموتون في الأقبية المظلمة دون أن يتحسس أحدهم شعر رأسه، كما فعلوا بوليد دقة (أبو ميلاد)، وقصته ومآلاتها تحكي الحكاية كلها. فلا داعيَ لإعادة سردها

لا يوصف هذا الخطاب- خطاب الإعلان عن باسم خندقجي فائز بالبوكر- إلا أنه خطاب يرضي الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى يرضي بعض السذج بسلوك الإمارات الداعم لفلسطين، إنهم بهذا العمل لم يدعموا فلسطين بل غيبوها، وضبّبوا الزجاج، بل هشموه، لتتهشّم صورة الفلسطيني المناضل، إنه خطاب الجبان، في الوقت الذي يصنع الشباب الأمريكي والأوروبي خطابه الأقوى عبر تصديه لكل هذا الجبروت العالمي المتمثل بالكيانات الثلاث: الكيان الغاصب، وأمريكا، وبريطانيا، ومن دار بفلكها من أنظمة ودول، ففي الوقت الذي يصمت فيه النظام العربي الرسمي وأدواته الثقافية المنافقة، تصدح بالحرية ملايين الحناجر في العالم. هذا هو الخطاب الذي نحتاجه الآن، وليس الستين ألف دولار الذي ستتقاسمها الدار مع أهل باسم، وينفضّ السامر.

رجاء لا تطبّلوا للجوائز ولا تمدحوها فوالله إنها لرشوة على الوطن، وثمة أشياء غير هذه، لا يحسن بالمرء أن يقولها، لعل الحظ يسعفه ليعلن عنها في ما تبقى له من عمر، فالمسألة معقدة وليست بهذه البساطة، كما قد يظن بعض الحالمين الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم!


دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين/ د. حسن العاصي



التجريد الصارخ من الإنسانية


الجزء الأول

صدرت مؤخراً دراسة جديدة ترصد مواقف أربع دول أوروبية تجاه اللاجئين والمسلمين، اشتملت عينات من جمهورية التشيك، والمجر، وإسبانيا، واليونان. سأستعرض في الجزء الأول نتائج الدراسة في التشيك والمجر، على أن أستكمل نتائج الدراسة في الجزء التالي.

في عام 2015، سعى أكثر من مليون شخص إلى الهروب من الصراعات في سوريا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط عن طريق اللجوء إلى أوروبا. وكانت القوارب، التي غالباً ما تكون محملة بما يتجاوز طاقتها، تنقل معظم هؤلاء اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط من تركيا وشمال إفريقيا، إلى اليونان. ومع تسارع الهجرة، سرعان ما أُطلق عليها اسم "أزمة اللاجئين". واستجابت الحكومات الأوروبية بطرق متنوعة. وفتحت بعض البلدان، مثل ألمانيا، أبوابها أمام اللاجئين، في حين اتخذت بلدان أخرى مواقف متشددة مناهضة للاجئين، حيث أقرت الدنمارك قوانين مفرطة في مكافحة اللاجئين تسمح بمصادرة الأشياء الثمينة لطالبي اللجوء، وأقامت المجر سياجا بطول 175 كيلومترا على طول حدودها الجنوبية، وإطلاق حملة خدمة عامة واسعة النطاق لتثبيط توطين اللاجئين المسلمين. وسخر بعض المعلقين من ردود الفعل القاسية تجاه اللاجئين خلال الأزمة، مشيرين إلى أن العداء تجاه اللاجئين يعكس وجهة نظر غير إنسانية للمسلمين لدى الكثيرين في أوروبا. وأضفت تصريحات العديد من الساسة الأوروبيين مصداقية على هذا المنظور. وفي استجابة للأزمة، أشار "ديفيد كاميرون" David Cameron إلى اللاجئين على أنهم "سرب"، وأشار "يانوش كوران ميكا" Janusz Koran Mika العضو البولندي في البرلمان الأوروبي، إلى "غزو القمامة البشرية"، و"زولت باير" Zsolt Baer مؤسس الحزب الحاكم في المجر. نشر حزب فيدس افتتاحية تشير إلى "جحافل" المهاجرين على أنهم "وحوش برية" و"قمل". وتشير هذه التصريحات إلى أن اللاجئين المسلمين يُنظر إليهم - على الأقل من قبل بعض الأوروبيين - على أنهم أقل من إنسان كامل. ولكن ما مدى شيوع وجهة النظر هذه وتبعاتها وقابليتها للمقارنة في مختلف أنحاء أوروبا؟


تجريد المسلمين من إنسانيتهم

لقد ثبت مؤخراً أن التجريد الصارخ من الإنسانية يتنبأ بالمواقف والسلوكيات السلبية للجماعات الخارجية. تمت دراسة التجريد الصارخ من الإنسانية للاجئين المسلمين خلال "أزمة اللاجئين". للإجابة على هذا السؤال الهام قام الباحثان "إميل برونو" Emile Bruneau من جامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania، و"نور كتيلي" Nour  Kteily من جامعة نورث وسترن Northwestern University بإنجاز دراسة مهمة شملت عينات كبيرة في أربع دول أوروبية: جمهورية التشيك (1,307)، والمجر (502)، وإسبانيا (1,049)، واليونان (1,049)، واليونان (1,307). = 934).


تشير نتائجنا إلى أن التجريد الصارخ من إنسانية اللاجئين المسلمين هو:

 (أ) سائد بين الأوروبيين، و(ب) يرتبط بشكل فريد بالمواقف والسلوكيات المناهضة للاجئين، بما يتجاوز الأيديولوجية السياسية والتحيز، وله أهمية خاصة في التعاطف مع أزمة اللاجئين. ونجد أيضاً أن التجريد الصارخ من الإنسانية للاجئين المسلمين أعلى بكثير وأكثر ارتباطاً بالسلوك بين الجماعات في دول أوروبا الشرقية (خاصة جمهورية التشيك) مقارنة بإسبانيا واليونان. من خلال دراسة مجموعة من الأهداف الخارجية غير اللاجئين، توضح النتائج أيضاً أن التجريد الصارخ من الإنسانية ليس مجرد تحيز عرقي محض: في حين أن الأفراد عبر السياقات يشعرون بدفء تجاه مجموعتهم أكثر من أي شخص آخر، فإنهم يصنفون العديد من المجموعات الخارجية ذات المكانة العالية على أنها "متطورة" بشكل متساوٍ أو أكثر اكتمالًا. ومتحضرة من المجموعة. يوسع البحث الفهم النظري للتجريد الصارخ من الإنسانية، ويشير إلى أن التجريد الصارخ من الإنسانية يلعب دوراً مهماً ومستقلاً في رفض اللاجئين المسلمين في جميع أنحاء أوروبا.

بالرغم من أن هذه الدراسة ليست الأولى التي تدرس التجريد من الإنسانية بما في ذلك تلك الدراسات التي تستهدف مجموعات اللاجئين. لكن هناك العديد من السمات المهمة لهذه الدراسة لتمييزها عن الأبحاث السابقة حول العداء ضد اللاجئين، وهي:

(1) التركيز على التجريد العلني (مقابل الأكثر دقة) من الإنسانية.

 (2) الاستخدام (وأين) ممكن، مقارنة) لعدة عينات من المجتمع الكبير في جميع أنحاء أوروبا خلال نقطة زمنية فريدة عندما تأثرت بشكل مباشر بـ "أزمة" اللاجئين الحادة.

 (3) فحص السلوك الفعلي.

 (4) فحص التجريد من الإنسانية الذي لا يقتصر فقط على المواقف السياسية والعاطفية.

 على الرغم من أن النظريات المبكرة حول تجريد اللاجئين من إنسانيتهم ركزت على تمثيلاتها الأكثر وضوحاً والصارخة على التحيز، إلا أن الأبحاث التجريبية حول تجريد اللاجئين على مدى العقود العديدة الماضية قد بحثت في المقام الأول في تجريد اللاجئين من إنسانيتهم بصورة أكثر دقة عبر السلوك اليومي. على سبيل المثال، أظهر أحد الفروع البارزة لهذا البحث أن الناس لديهم ميل إلى إسناد عدد أقل من المشاعر والصفات "الخاصة بالإنسان" للتفوق على الآخرين.

على سبيل المثال، وُجد أن بعض الأفراد الذين نسبوا عدداً أقل من المشاعر الإنسانية إلى الناجين من إعصار كاترينا يتفوقون على المجموعة بتجريد الآخرين من الإنسانية، أي جعلوهم دون المستوى الإنساني، وكانوا يعتزمون مساعدتهم بشكل أقل. كما تمت ملاحظة أن الإيطاليين الذين أنكروا عن الهايتيين السمات الإنسانية الفريدة عبروا عن عدم استعدادهم للمساعدة بعد الأزمة الإنسانية.  وتمت الإشارة إلى أن الأتراك الذين يتم وصفهم بكلمات غير إنسانية يتعرضون للتمييز بقوة أكبر من أولئك الموصوفين بكلمات إنسانية أو بكلمات لا علاقة لها بالإنسانية.


التجريد الخفي من الإنسانية

أظهرت الدراسات السابقة (التي اكتملت قبل أزمة اللاجئين) أن الأوروبيين الذين حرموا اللاجئين المسلمين من إنسانيتهم من خلال حرمانهم من المشاعر الإنسانية المحددة كانوا أكثر عرضة لمعارضة هجرة المسلمين إلى أوروبا. توضح الدراسات السابقة أن التجريد الخفي من الإنسانية له دور يلعبه في استجابات الناس للاجئين. ومع ذلك، فإن التصريحات التي أدلى بها الزعماء الأوروبيون في السنوات الأخيرة تشير إلى أن التجريد من الإنسانية الذي يمارسه جزء من السكان الأوروبيين قد يمتد إلى ما هو أبعد من التصورات الدقيقة وغير الواعية إلى التعبيرات العلنية والصارخة. ويبدو أن التمييز بين التجريد الصارخ والخفي من الإنسانية له أهمية كبيرة، حيث تشير الأبحاث الحديثة إلى أنهما بنيان منفصلان بتأثيرات مختلفة.

في الواقع، فإن هذين الشكلين من أشكال التجريد من الإنسانية التي تم تقييمها بين الأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين والهنغاريين تجاه مجموعة من المجموعات المستهدفة (على سبيل المثال، العرب والمسلمين والغجر) لا يرتبطان إلا بشكل ضعيف، والتجريد الصارخ من الإنسانية هو الهدف. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن الدرجة التي يتم بها تجريد العرب والمسلمين والمهاجرين المكسيكيين من إنسانيتهم بشكل صارخ تتنبأ بدعم سياسات مكافحة الإرهاب العدوانية.

إن تدابير التجريد من الإنسانية، والتي تميل إلى أن تكون لها تأثيرات أضعف وأقل اتساقاً بالنظر إلى أن التجريد الصارخ من الإنسانية يرتبط بقوة بأنواع المواقف العدائية التي قد تكون ذات صلة بشكل خاص باللاجئين في الأزمات (على سبيل المثال، منع دخول اللاجئين، وعزل اللاجئين داخل أماكن ضيقة)، من المهم توسيع نطاق فحص التجريد من الإنسانية إلى ما هو أبعد من الخفي والضمني إلى ما هو أكثر وضوحاً وعلنية. في البحث الحالي، تم استخدام تدابير تم التحقق من صحتها لفحص التجريد الصارخ من إنسانية اللاجئين المسلمين خلال أزمة اللاجئين عبر مجموعة من البلدان الأوروبية (جمهورية التشيك، واليونان، وإسبانيا، والمجر)، باستخدام عينات مجتمعية كبيرة، وتم فحص كلا من المواقف والسلوك. لقد فُحصت المساهمة الفريدة للتجريد الصارخ من الإنسانية في المواقف والسلوك بين المجموعات بالتنسيق مع مجموعة من المتنبئين الآخرين. تضمنت الأعمال السابقة لتقييم الارتباط الفريد بين التجريد من الإنسانية والنتائج بين المجموعات تدابير تنبؤية متوازية للتوجه الأيديولوجي - بما في ذلك التوجه نحو الهيمنة الاجتماعية، والسلطوية اليمينية، والمحافظة السياسية، بالإضافة إلى مقاييس التحيز. وتم في البحث الحالي تضمين مقاييس المحافظة السياسية والتحيز العاطفي أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، والجديد في البحث الحالي، تم ملاحظة المدى الذي يتنبأ فيه التجريد الصارخ من الإنسانية بنتائج التحكم في التعاطف. مثل التحيز والمعتقدات الأيديولوجية ذات الميول اليمينية.


ضعف التعاطف مع اللاجئين

 كان الفشل التعاطفي ظاهراً على نطاق واسع في الصراع بين المجموعات. وهناك سبب وجيه لذلك، أعتقد أن التعاطف قد يكون ذا أهمية خاصة خلال أزمة إنسانية حادة مثل تلك التي يتناولها البحث: العديد من الصور المنبثقة عن أزمة اللاجئين، بما في ذلك تلك التي تتضمن نداءات مباشرة للمساعدة، تصور أفراداً في ظروف يائسة أثناء فرارهم من الفظائع في وطنهم، والعديد من الصور تمت مشاركتها مع القصص على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ربما لا يوجد مثال أكثر إثارة للدهشة من صورة إيلان كردي - الصبي السوري البالغ من العمر عامين، والذي تم تصوير جثته على أحد الشواطئ التركية بعد أن غرق أثناء محاولته الهروب من سوريا إلى أوروبا. أثارت صور الكردي موجة من التعاطف في جميع أنحاء العالم، والتي تجسدت في زيادة التبرعات الخيرية بمقدار عشرة أضعاف في الأسبوع الذي تلا نشر صورته. لذلك فكر الباحثان في أن التعاطف سيكون أمراً مهماً متنبئاً للتحكم فيه عند فحص التأثيرات الفريدة للتجريد الصارخ من الإنسانية على النتائج بين المجموعات.

من الناحية المدنية، تم إدراج في تحليلات البحث الانحدارية مقاييس سمة القلق التعاطفي (الميل إلى الشعور بالتعاطف تجاه الآخرين) وسمة تبني منظور الميل إلى تبني منظور الآخر.

في السياقات بين المجموعات، يرتبط الاهتمام التعاطفي بقوة بالإيثار، حتى تجاه الآخرين، وقد تبين أن اتخاذ المنظور يقلل من الصور النمطية ويقلل من المحسوبية داخل المجموعة.  لقد ثبت أيضاً أن التعاطف يرتبط بأشكال خفية من التجريد من الإنسانية عند التفاوض على الصراع بين المجموعات.

عند النظر في المساعدات الإنسانية. في الواقع، فإن تأثير تجريد الإيطاليين من إنسانيتهم الخفية للهايتيين على عدم رغبتهم في المساعدة بعد حدوث أزمة إنسانية تم تفسيره بالكامل من خلال الارتباط بين التجريد الخفي من الإنسانية والتعاطف. لقد قامت الأبحاث السابقة إلى حد كبير بقياس تعاطف الدولة تجاه مجموعة خارجية، وتصور التجريد من الإنسانية كمقدمة لتجاوز التعاطف.

 في البحث الحالي، تم استخدام بدلاً من ذلك مقاييس تعاطف السمات. نظراً لأن مقاييس السمات تعتبر بشكل عام خصائص شخصية قابلة للانعكاس، فقد تم وضع تصور صارخ للتجريد من الإنسانية والتعاطف كعمليات نفسية متوازية تؤثر على النتائج. إن مشاعر التجريد من الإنسانية هي أنها صريحة جداً لدرجة أن الناس قد يستخدمونها مجرد انعكاس لكراهيتهم الشديدة لمجموعة أخرى. تظهر الدراسات السابقة أن مقياس الصعود للتجريد الصارخ من الإنسانية وتقييمات مقياس الحرارة للشعور يرتبطان بقوة مع بعضهما البعض. وفي الوقت نفسه، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن التجريد الصارخ من الإنسانية والتحيز يمكن أن يكونا مختلفين من الناحية المفاهيمية. على سبيل المثال، قد يكره الناس مجموعة خارجية، ولكنهم ما زالوا يعترفون بالتقدم العلمي والتقني الذي حققته تلك المجموعة، أو مدى تطور ثقافتهم أو نظام حكومتهم. على العكس من ذلك، قد يشعر الأفراد بالدفء تجاه مجموعة أخرى حتى عندما ينظرون إليهم على أنهم بدائيون نسبياً.


علاقة التحيز بالتجريد من الإنسانية

حتى عندما يتوافقان، يمكن أن يتنبأ التحيز والتجريد من الإنسانية بالنتائج لأسباب مختلفة: على سبيل المثال، إذا كان شخص ما ينظر إلى اللاجئين على أنهم متوحشون وعدوانيون ويفتقرون إلى الأخلاق، وهي السمات الأساسية للتجريد الصارخ من الإنسانية، فقد يساعد ذلك في تفسير رغبتهم في منعهم من دخول البلاد (أي الحد من أي تهديد جسدي متصور)، بما يتجاوز مستوى كراهية شخص ما للاجئين. وبالمثل، يمكن للأفراد أن يسعوا إلى تجنب دخول مجموعة أخرى لا يحبونها، حتى لو لم يرونهم بالضرورة أقل إنسانية - ربما، على سبيل المثال، لأنهم ينظرون إلى قيمهم على أنها مختلفة (إذا كانت شبيهة بالإنسان بنفس القدر)، وشعروا أنهم سيضعون قيماً مختلفة، أو إجهاد لا مبرر له على المجموعة، أو ببساطة لم ينظروا إليهم كمجموعة تتوافق معها مصالحهم.

 في الواقع، أظهرت الدراسات السابقة أن التجريد الصارخ من الإنسانية والتحيز العاطفي يتنبآن بشكل مستقل بنتائج بين المجموعات مماثلة لتلك التي تم النظر فيها في الدراسة الحالية. على سبيل المثال، في البحث الحالي، سعى الباحثان لمزيد من التنظير حول التمييز بين التجريد الصارخ من الإنسانية والتحيز بطريقتين: أولاً، قاما بالتحقق مما إذا كان التجريد من الإنسانية والتحيز يتنبأ بشكل مستقل بالمواقف والسلوكيات تجاه اللاجئين (مع الأخذ في الاعتبار أيضاً سمة التعاطف والمحافظة السياسية). تم قياس تقييمات التجريد من الإنسانية والشعور بمقياس حرارة في كل عينة تجاه مجموعة واسعة من المجموعات المستهدفة لاختبار ما إذا كان التجريد الصارخ من الإنسانية وتقييمات التحيز عبر المجموعات قد تتباين. على وجه التحديد، كان هناك اعتقاد أن الأفراد من المرجح أن يشعروا بتحسن. والجدير بالذكر أن بعض الأبحاث قد فحصت التحيز العاطفي كوسيط لتأثيرات التجريد من الإنسانية على مقاييس النتائج. على الرغم من أنه من المعقول التأكيد أن رؤية مجموعة على أنها أقل من البشر يمكن أن تؤدي إلى الكراهية، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى التأثير على السلوك.

كان الهدف الأساسي لهذا البحث هو توثيق الدور الفريد للتجريد الصارخ من الإنسانية في الرفض السلوكي والمواقفي للاجئين خلال "أزمة اللاجئين" في أوروبا. ومع ذلك، نظراً لأن عينات المجتمع الكبيرة تضمنت جميعها بعض التدابير المشتركة، وتم جمع ثلاث من العينات الأربع خلال نفس النافذة الزمنية، فقد انخرط الباحثان أيضاً في مقارنات عبر وطنية حيثما كان ذلك ممكناً ومناسباً على الرغم من أن الأبحاث السابقة عبر الوطنية في أوروبا لم تقم بذلك. تظهر دراسة التجريد من الإنسانية، واستطلاعات بيو العالمية، والمسح الاجتماعي الأوروبي، ودراسة القيمة الأوروبية، والمقاييس الأوروبية نفس النمط الواسع: مستويات عالية مماثلة من التحيز والعداء تجاه المسلمين والمهاجرين في جمهورية التشيك والمجر واليونان، مع مستويات أقل بشكل ملحوظ في إسبانيا على سبيل المثال. وبالنظر إلى هذا البحث السابق، كان من المتوقع أن تظهر إسبانيا عداء أقل للاجئين من جمهورية التشيك وهنغاريا. والتوقعات بالنسبة لليونان كانت أقل وضوحاً.

فمن ناحية، استقبلت اليونان ما يقرب من 80% من أكثر من مليون لاجئ وصلوا إلى الشواطئ الأوروبية عن طريق البحر في عام 2015، وهذا التدفق الهائل من "الغرباء" يمكن أن يولد مستويات من التهديد الرمزي والواقعي أكبر مما كانت عليه في التشيك والمجر، حيث كان تدفق اللاجئين أقل بكثير. وقد يؤدي مثل هذا التهديد إلى إبقاء مستوى التجريد من الإنسانية والتحيز مرتفعاً (أو أعلى) بين اليونانيين كما هو الحال بين المجريين والتشيك. ومن ناحية أخرى، هناك عاملان على الأقل قد يؤديان إلى انخفاض مستوى التجريد من الإنسانية والتحيز الصارخ بين اليونانيين عما لوحظ في المجر وجمهورية التشيك.

كانت سياسات الحزب الحاكم اليوناني اليساري أكثر تأييداً للاجئين من المواقف العلنية المناهضة للاجئين التي اتخذها القادة في كل من المجر وجمهورية التشيك (والحكومة اليونانية السابقة؛ بساروبولوس، 2015). وبما أن الدراسات السابقة تشير إلى أن سياسات التكامل السخية توفر إشارة معيارية للسكان تقلل من المواقف المناهضة للمهاجرين، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض مستويات التجريد من الإنسانية والتحيز في اليونان مقارنة بالمجر وجمهورية التشيك. ثانياً، أتاح القرب الوثيق للمواطنين اليونانيين من اللاجئين فرصاً أكبر للاتصال المباشر وغير المباشر، وهو ما ظهر في العديد من السياقات أنه يقلل من التحيز. وبالتالي فإن مستويات التجريد الصارخ من الإنسانية والتحيز في اليونان مقارنة بالمجر وجمهورية التشيك - وكذلك مستويات هذه البلدان مقارنة بإسبانيا - كانت ذات أهمية خاصة في التحليلات العابرة للحدود الوطنية.


التشيك هي الأسوأ

تم تقييم التجريد الصارخ من الإنسانية باستخدام مقياس الصعود، حيث استخدم المشاركون أشرطة التمرير للإشارة إلى مدى "التطور والتحضر" الذي نظروا إليه في كل مجموعة من المجموعات المستهدفة المدرجة في مقياس التحيز. تم عرض المجموعات بترتيب عشوائي عبر المشاركين، وتم تقديم الإجابات على مقياس 4 بالنسبة لهذه الدراسات وجميع الدراسات اللاحقة، وتمت الترجمة للمجموعة المستهدفة الرئيسية: "اللاجئون المسلمون". تم توجيه المترجمين لاستخدام الترجمة التي كانت مفهومة بشكل شائع في البلد المستهدف، بدلاً من الترجمة الحرفية.

في جمهورية التشيك تم حساب التجريد النسبي من الإنسانية لكل مجموعة عن طريق طرح تصنيف صعود المجموعة المستهدفة من تصنيف صعود التشيك (أي، داخل المجموعة)، بحيث تشير الدرجات الأعلى إلى قدر أكبر من تجريد المجموعة الخارجية من إنسانيتها. تم تقييم دعم السياسات من خلال تزويد المشاركين بأربع سياسات كانت تجري مناقشتها في جمهورية التشيك في وقت إجراء الاستطلاع: على سبيل المثال، "لا ينبغي لنا أن نخاف من استخدام العنف إذا لزم الأمر لإبعاد المسلمين عن جمهورية التشيك". تم إجراء التقييمات على مقياس مكون من 5 نقاط مثبت على 1 ('أوافق بشدة') و5 ('لا أوافق بشدة').

 تم تقييم دعم اللجوء على النحو التالي: "في العام الماضي، من بين 330,000 شخص من الأغلبية المسلمة من بين الدول التي طلبت اللجوء في الاتحاد الأوروبي، تم منح 460 شخصاً حق اللجوء في جمهورية التشيك. هل تعتقد أن هذا الرقم مرتفع جداً، أو صحيح، أو منخفض جداً؟

 تم تقديم الإجابات على مقياس مكون من 5 نقاط، مثبتاً عند -2 ("يجب أن نقبل أقل بكثير من 460 سنويًا") و+2 ("يجب أن نقبل أكثر بكثير من 460 سنويًا"). قم بالتوقيع على التماسات اللاجئين. للحصول على مقياس للسلوك تجاه اللاجئين، قُدم للمشاركين فرصة التوقيع على عريضتين حول اللاجئين المسلمين. وعلى وجه التحديد، ما يلي: "بما أننا نجمع معلومات من عينة تمثيلية من التشيك، فإننا نخطط لتسليم هذه الردود الأخيرة إلى الحكومة التشيكية للنظر فيها في صنع السياسات. يرجى إعلامنا إذا كنت ترغب في احتساب صوتك لصالح (أو ضد) الالتماسات التالية: (1) "يجب أن نستثمر المزيد من الأموال والموارد لدعم اللاجئين الذين يفرون من الحرب والمصاعب ويأتون إلى حدودنا" (مؤيدون للاجئين) و (2) الاستيلاء على أصول المهاجرين واللاجئين المسلمين لدفع تكاليف إقامتهم في جمهورية التشيك (مناهضة للاجئين).

أبلغ المشاركون عما إذا كانوا يريدون احتساب أصواتهم لصالح الالتماس (بالرمز 1)، أو ضد الالتماس (بالرمز -1)، أو عدم احتساب أصواتهم (بالرمز 0). كان الارتباط الصفري بين هذه العناصر منخفضاً (r = -.26)، لذلك تم فحص كل منها على حدة. وكان هناك مقياس صارخ آخر للتجريد من الإنسانية يعتمد على سمات السمات المفرطة المدرجة في المسح؛ تم الإبلاغ عن النتائج باستخدام هذا الإجراء في التحليلات التكميلية.

بالنسبة لهذه الدراسة والدراسات التالية، تم تضمين التدابير في المسح الشامل لأغراض تتجاوز البحث الحالي. تمت ملاحظة تجريد كبير من الإنسانية على المستوى المتوسط للاجئين المسلمين، الذين تم تصنيفهم على أنهم أقل بما يزيد عن 37 نقطة على مقياس الصعود من التشيك. تم تجريد اللاجئين المسلمين من إنسانيتهم أكثر من جميع المجموعات الأخرى


 باستثناء المسلمين والغجر.

أفاد المشاركون أيضاً بمعارضة قوية للاجئين في جميع التدابير. على سبيل المثال، عندما سُئل عما إذا كان منح جمهورية التشيك حق اللجوء لـ 460 لاجئاً مسلماً في العام الماضي منخفضاً جداً أو مرتفعاً جداً، كانت الإجابة النموذجية (التي قدمها 49.4% من المشاركين) هي "يجب أن نقبل أقل بكثير من 460 لاجئاً سنوياً". بالإضافة إلى ذلك، وقع أكثر من ضعف عدد المشاركين على العريضة التي تؤيد العنف ضد اللاجئين لحماية الحدود مقارنة بالموقعين على العريضة التي تعارض هذا العنف.

وقع معظم الأشخاص على العريضة ضد تقديم المزيد من المساعدات للاجئين (464) شخصاً مقارنة بالتوقيع لصالح تقديم المساعدات 189)).

قام الباحثان بعد ذلك بفحص ما إذا كانت هذه المواقف والسلوكيات المناهضة للاجئين كانت مرتبطة بشكل فريد بالتجريد الصارخ من إنسانيتهم اللاجئين المسلمين، والسيطرة على التحيز (تقييمات مقياس حرارة الشعور) والتركيبة السكانية (العمر والجنس). وكما يتبين فإن التجريد الصارخ من إنسانيتهم للمسلمين كان مرتبطاً بقوة وبشكل فريد بكل من مقاييس النتائج، كما كان الحال مع التحيز. تضمنت الدراسة 1مقياساً بديلاً للتجريد من الإنسانية (التجريد الصارخ من الإنسانية على أساس السمات)، بالإضافة إلى المتغيرات الديموغرافية الأخرى مثل التعليم، التي يمكن إدراجها كمتغيرات مشتركة.

 ظلت النتائج متشابهة (مع التجريد الصارخ من الإنسانية والتحيز الذي يتنبأ بشكل مستقل بجميع النتائج) عندما تم استخدام مقياس التجريد من الإنسانية القائم على السمات بدلاً من مقياس الصعود (عندما تم تضمين التعليم والحالة الاجتماعية والاقتصادية كمتغيرات مشتركة إضافية، و/أو عندما تم استبعاد جميع المتغيرات المشتركة من التحليلات. وهكذا، كانت نتائج الدراسة متسقة مع النتائج السابقة.

 في توضيح أهمية التجريد من الإنسانية في مكافحة العداء للاجئين، وتوسيع نطاق هذا البحث من خلال توضيح العلاقة الفريدة بين التجريد الصارخ من الإنسانية وكل من المواقف والسلوك الموجه نحو اللاجئين المسلمين باستخدام مقياس تم التحقق منه من التجريد الصارخ من الإنسانية في عينة مجتمعية كبيرة تمثل المجتمع التشيكي على نطاق واسع (عبر مجموعة من المعايير) أثناء التدفق الحاد للاجئين. للبقاء متسقين مع الدراسات الأخرى، قام الباحثان بإدراج المتغيرات الديموغرافية فقط كمتغيرات مشتركة تم قياسها أيضاً في الدراسات (العمر والجنس)، وليس تلك التي كانت فريدة من نوعها للدراسة. عندما تم تضمين المتغيرات المشتركة الإضافية هنا، ظلت النتائج متشابهة.

أخيراً، تسلط هذه النتائج الضوء على التمييز بين التجريد الصارخ من الإنسانية والتحيز "المجرد" من خلال إظهار أنه على الرغم من أن التشيكيين أبلغوا عن تحيز كبير تجاه المجموعات الخاصة بهم، إلا أنهم لا يجردون جميع المجموعات الأخرى من إنسانيتهم بالنسبة للتشيك. على وجه التحديد، صنف التشيكيون الألمان بدرجة 89.9 على أنهم "متطورون ومتحضرون" تماماً مثل التشيك .90.43.على الرغم من التقييم أظهر جميع المجموعات (بما في ذلك الألمان) انخفاضاً ملحوظاً في الدفء باستخدام مقياس حرارة الشعور بالتحيز.


السياسة المجرية المخزية

 المجر، والتي كانت بمثابة نقطة اشتعال لأزمة اللاجئين، حيث أطلقت الحكومة المجرية حملة كبرى مناهضة للهجرة من خلال نشر سلسلة من اللوحات الإعلانية في جميع أنحاء البلاد والتي كانت تستهدف المهاجرين ظاهرياً (على سبيل المثال، "إذا أتيت إلى المجر، فلا يمكنك سرقة وظائفنا"). قامت المجر أيضًا ببناء سياج على طول حدودها الجنوبية، تم بناؤه خصيصاً لإبقاء اللاجئين خارج البلاد، ومنعت نقل اللاجئين عبر البلاد عبر نظام السكك الحديدية. إلى جانب التعليقات رفيعة المستوى للقادة المجريين التي تجرد اللاجئين المسلمين من إنسانيتهم. بدت النخب السياسية في المجر مشجعة بشكل خاص لنزع الإنسانية والعداء ضد اللاجئين. ومن ناحية أخرى، لوحظ أيضاً تدفق للقلق في هذا الوقت حول العالم. رداً على العديد من الصور المروعة للاجئين الذين يغرقون أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، بما في ذلك صورة إيلان الكردي. لذلك اعتقد الباحثان أن الميل نحو التعاطف سيكون من المهم أخذه في الاعتبار.

 وتم تقييم دعم السياسات المناهضة للاجئين من خلال تزويد المشاركين بأربع سياسات تمت مناقشتها خلال "أزمة" اللاجئين في أوروبا: على سبيل المثال، "يجب علينا تقليل عدد اللاجئين بشكل كبير" حجم المساعدات التي نقدمها للاجئين من أجل ردعهم عن محاولة القدوم إلى بلادنا”. تم إجراء التقييمات باستخدام أشرطة التمرير المثبتة عند 0 ("أعارض بشدة") و100 ("أؤيد بشدة") اللجوء. من أجل التقييم المباشر لعدد اللاجئين المشاركين الذين قد يكون المشاركون على استعداد لقبولهم في المجر، طرحنا ما يلي: "من بين ما يقدر بـ 1.000.000 من اللاجئين الذين يمكنهم الوصول إلى أوروبا هذا العام، كم عدد الأشخاص الذين تعتقد أن المجر يجب أن تمنح حق اللجوء لهم، مما يسمح لهم بالعيش هناك بشكل دائم؟ (النطاق: 0 - 100000)" بسبب النطاق الكبير من الاستجابات المحتملة، تم تحويل النتائج إلى سجل. المسافة الاجتماعية. تم تقييم المسافة الاجتماعية من خلال مطالبة المشاركين بالإبلاغ عن مدى اتفاقهم بقوة مع 5 سيناريوهات تضعهم في تقارب اجتماعي مع اللاجئين (على سبيل المثال، "سيزعجني إذا انتهى ابني أو ابنتي بالزواج من لاجئ مسلم"). تم إجراء الردود باستخدام أشرطة تمرير غير محددة مثبتة عند 0 ("لا أوافق تمامًا") و100 ("أوافق تمامًا") الرد على الظلم.

لدراسة كيفية استجابة المجريين للظلم الذي ارتكبته مجموعتهم تجاه اللاجئين، قُدم للمشاركين قصة إخبارية عن شخص مجري قام بتوزيع عصير برتقال ممزوج بملين للاجئين المسلمين المحتاجين، وتغريدة تشيد بالعمل الذي حصل على أكثر من 2500 "إعجاب". لقد طلبنا من المشاركين الإبلاغ عن مقدار الغضب والشعور بالذنب والعار الذي شعروا به باعتبارهم مجريين على أشرطة تمرير غير مميزة مثبتة عند 0 ("لا شيء على الإطلاق") و100 ("كثير"). أظهر العمل السابق أن المشاعر الجماعية مثل الغضب والشعور بالذنب والعار رداً على الأفعال الخاطئة داخل المجموعة تحفز السلوك المؤيد للمجتمع عبر حدود المجموعة.

على الرغم من أنه يمكن اعتبار هذه المشاعر بمثابة بنيات منفصلة، إلا أن الاستجابات عبر العناصر الثلاثة كانت مرتبطة بقوة، وتم حساب متوسط الألم لإنشاء مقياس للحصول على الاستجابات المتوسطة والارتباطات ذات الترتيب الصفري لجميع المقاييس.  وكما هو الحال في جمهورية التشيك، فقد تم تجريد اللاجئين المسلمين من إنسانيتهم بشدة في المجر، حيث تم تصنيفهم بأكثر من 25 نقطة تحت المجموعة على مقياس الصعود.

أبلغ المشاركون أيضًا عن تحيز كبير تجاه اللاجئين، حيث صنفوهم على مقياس حرارة الشعور أقل بما يزيد عن 40 نقطة من المجموعة. بالنسبة لمقاييس النتائج، كان المجريون على استعداد لاستقبال ما متوسطه 13,827 لاجئًا

تمشيًا مع التوقعات، كان تجريد اللاجئين المسلمين من إنسانيتهم مرتبطًا بشكل كبير (وإن كان ضعيفًا) سلبًا مع سمة القلق التعاطفي. وارتبط التجريد الصارخ من الإنسانية بقوة مع كل من التحيز ومع الأيديولوجية السياسية بشكل فريد بجميع مقاييس النتائج (بما في ذلك المواقف والسلوك).

عند فحص تصنيفات التجريد الصارخ من الإنسانية والتحيز تجاه المجموعة بالنسبة لكل مجموعة من المجموعات الخارجية المستهدفة، وجد الباحثان أن المجريين، مثل التشيك، لم يجردوا الألمان من إنسانيتهم مقارنة بمجموعتهم. من ناحية أخرى، وتماشياً مع المشاركين التشيكيين، أبلغ المجريون عن مستويات كبيرة من التحيز تجاه جميع المجموعات (بما في ذلك الألمان) مقارنة بالمجموعة الداخلية.

كان التجريد من الإنسانية (والتحيز تجاه) اللاجئين في المجر مرتفعاً، وكان هذا التجريد الصارخ من الإنسانية مرتبطاً بشكل فريد بجميع النتائج. كما هو الحال أيضاً في العينة التشيكية، أبلغ المجريون عن إعجابهم بالمجموعات الأخرى بدرجة أقل بكثير من المجريين، على الرغم من تصنيف الألمان على أنهم "متطورون ومتحضرون" على حد سواء. وعلى الرغم من الرؤى التي ولدتها الدراسة، فقد اقتصرت هذه النتائج على أوروبا الشرقية، حيث ينتشر التحيز وكراهية الأجانب بشكل عام بصورة مرتفعة جداً مقارنة بأجزاء أخرى من أوروبا.

أمُّ اللغاتِ/ الدكتور حاتم جوعيه



  - بمناسبة يوم اللغة العربيَّة  -


       لقد أعجبني هذا البيت من الشعر لأمير الشعراء أحمد  شوقي في اللغة العربية  وجمالها:

( إنَّ  الذي  ملأَ   اللغاتِ   محاسنًا      جعلَ  الجمالَ   وَسرَّهُ   في   الضَّادِ )

    فنظمتُ أنا هذه الأبيات الشعريَّة ارتجالا ومعارضةً  له  :


إنِّي     المُتيَّمُ     عاشقٌ      للضَّادِ         لغةُ   السَّما    يسمُو   بها   إنشادي

لغةُ   التَّخاطبِ   والفنونِ  جميعهَا         لغةٌ       ستبقى     مَنهَلَ     الرُّوَّادِ

لغةٌ     مُقدَّسةٌ     تهادَى    نورُهَا        إيقاعُهَا       بردٌ     على     الأكبادِ

لغةٌ  بها الحقُّ  القويمُ  قدِ  ازدَهَى         والفجرُ  يسطعُ   من   خلالِ   سوادِ

هيَ   مجدُنا   ومنارُنا    وَسُمُوُّنا          وَمآثرُ         الأجدادِ        والأحفادِ

لغةٌ     تُوَحِّدُ     صَفَّنا     وكياننا         والكلُّ   ينهضُ    بعدَ   طولِ   رقادِ

وجنائنٌ    تزهُو    بُعَيْدَ    ذبولها         أجواؤُنا     تصفُو    منَ      الأحقادِ

أمُّ    اللغاتِ   بسِحرِهَا    وَبهائِهَا        الكونُ   يُسْحَرُ    في  جمالِ    الضَّادِ

لغةُ   المَحبَّةِ   والتَّسامحِ   والنّدَى         تبقى    مدى    الأجيالِ      والآمادِ 

أمُّ  اللغاتِ  لدى الشُّعوبِ  تمجَّدَتْ        كم  عاشقٍ   فيها   وكم   من   صادِ

كلُّ  اللغاتِ   أمامَهَا   لقدِ   انحَنتْ       وتناثرَتْ         كتناثرِ       الفرصادِ

لغةُ    التّجدُّدِ    والتّطوُّرِ    دائمًا         لا .. لم   تكن   في  القيدِ   والأصفادِ

الضّادُ تسطعُ  في  يراعي  دائما         وتتيهُ     في    حللٍ    من     الأبرادِ

وأنا  العروبةُ  صوتُهَا   وَنشيدُهَا        شعري    يُعيدُ     روائعَ      الأمجادِ

ووَهَبْتُ   عمري   كلّهُ   لقضيَّتي        الكلُّ     يشهدُ     ثورتي     وجهادي

وعلى  جفونِ النجمِ  رَفَّتْ  رايتي       وبكلِّ     مرتفعٍ      صهيلُ    جيادي 

فمِنَ المحيطِ إلى الخليجِ  لقد رَووا        شعري        وبالإقبالِ      والإسعادِ

أنا   شاعرُ الشعراءِ  دونَ  مُنازعٍ        شعري     وفنّي      كلُّهُ      لبلادي

أنا  حارسُ  اللغةِ  الجميلةِ  عندنا        من      مَنهجِ     الأشرارِ   والأوغادِ

لم   تستطعْ  كلُّ  الدُّنى  تزيفَ  تا       ريخي     وطمسَ     مآثر    الأجدادِ

وَهُمومُ    شعبي    إنّني   واكبتُها       طول    الزّمانِ    بمُهحتي    وفؤادي

سيظلُّ   شعري   للدُّهورِ   مُخلّدًا       نبراسَ     هَديٍ      للدُّنى      وَرَشادِ


شعراء أرادوا أن يغيروا العالم/ بن يونس ماجن

 


نشرات الاخبار الثقافية

التي استجلبها الشعراء

من مسافات ضوئية نائية

وحولوها الى مسائل حسابية معقدة

كانت غير قابلة للحل والتخمين

في نظرالشعراء الذين 

ارادوا أن يغيروا العالم


بعض الاحيان

الارض لا تعرف كيف تدور

حول قصائدهم

التى خرجت طازجة

من مطفأة السجائر

واعقاب مستميتة  

رديئة الانتاج


يا ترى مالذي تقوله مشاعرهم الكاذبة

التي ترفضها القلوب

وتهمس بها العيون المخاتلة؟

فاقدوا الذاكرة

يطلقون النار على اوهامهم

وتسافر في رؤوسهم

قصائد وطلاسم عن قضايا تافهة                           

عالمهم لا يحتاج الى شيء

فهم فقراء أغنياء سعداء

              

ما رايكم ايها الشعراء

لو نرسم اشباح الموتى

على شواهد قبورهم

ما دامت المقابر مزدحمة

بأموات تعرج نحو المراقص الليلية


ليس ضروريا ان أتحدى العالم

من وراء النظارات الشمسية

وانا غير مستعد

للسير في جنازات الشعراء

الذين يغرقون الفراهيدي في بحورهم

ويطردون افلاطون من مدينتهم

ويتصرفون كأن ليس هناك في غزة ابادة جماعية


معظم الشعراء مصابين بالفشل ولا أقول الشلل

مثلهم كمثل الحكام العرب

يمضون ساعات يتسكعون ولا يكترثون بما يجري 

في قطاع غزة 

وفي احلامهم الوردية

يفترسهم كابوس المذابح الفلسطينية


ولأني شاعر لا افهم لغة الابداع

ماذا سأفعل  بقصائد مرتبكة الهذيان

مكسرة الاجنحة

لا تطيرولا تغرد

لها صدى مبحوح

وعفوية المزاج

خطت حروفها بالذكاء الاصطناعي


كل ما اطلبه من الشعراء

ان يساعدونني على دفن النفايات النووية

في قصائدهم 

و تنظيم طقوس السير في جنازاتهم 

 حتى عدسات نظارتي الطبية

لم تعد تحميني من الضوء والحول والانعكاسات


غير اني احتاج الى نوع خاص

من المواعيد المؤجلة

لكي اعيد ترتيب

دقات ساعتي اليدوية

بتقنيات رقمية

وانا جالس على مقعد خشبي

تحت ظل شجرة منسية

كوابيس/ د. عدنان الظاهر



إرَباً إرَبا

أقطعُ أنفاسي جريّا

بحثاً عنّي بين رِكامِ الزمنِ المُتفلِّتِ أرسانا

هذا حتفي

خَلَلٌ في حفلةِ وَهْمِ

ما هذا ؟ ... عفوا

هذا غَضبُ الترحالِ ومَن شافَ وأغضى

لا أرنو لا أبسطُ عيني للرائي

يصبرُ يحدو يدنو 

ويمدّدُ جسراً من حبلٍ للوصلِ

يعبرهُ جيلٌ يتخشّبُ أقداما

مِصباحاً مكسوراً ضِلعا

دمعٌ فيهِ ودماءٌ تجري من تحتِ القُضبانِ

ذِكراها ذِكرى ما سمعَ المحزونُ بلا حُزنِ

أَفَلمْ يصمتُ همُّ النائمِ في وهمِ الحُلْمِ

وأسيرُ العدِّ يُبشّرُ بالوعدِ

وعدِ الكاسرِ بالمكسورِ وثأرِ القصفِ بنارِ الصدِّ

لا أبصرُ إلاّ أشباحاً تبلى ورسوماً أكفانا

ونيوباً تنقضُّ تِباعا

وبيوتاً تتهاوى سَقْفاً سقْفا

أخفضُ رأسي أخشى سوطاً في الصوتِ

والجنُّ جنينُ قصيرِ الأبعادِ

والطيفُ السالفُ يمشي مُختالا

حتفُكَ هذا أمْ حتفي ؟

نِصفكَ هذا أمْ نِصفي ؟

الموتُ المحضُ تبادلُ قصِّ الأعناقِ

يتخفى لا يُخفي حفرَ الأنفاقِ

مشنوقاً يتدلّى أجراساً سوداً أعناقا 

يتأرّجحُ بين الجنِّ وسوءِ الظَنِّ

يضعُ الفأسَ بأُمِّ الرأسِ

يركبُ ريحَ الضاربِ خيلاً سوطا.

مدى وجاهة تأويلات مارتن هيدجر للفلسفة الكانطية/ د زهير الخويلدي



الترجمة


"دائمًا ما يكون وضع شخص ثالث يشهد حوارًا غير مريح. ومن خلال عدم المشاركة، فإنه يضطر إلى تسجيل حركة الكلمات فقط. أحيانًا يتفق مع أحد المحاورين، وأحيانًا مع الآخر، ومن هناك يأتي الانطباع بأننا نتناقش حول موضوع مشترك. ولكن مع مرور الوقت يؤدي إلى الارتباك، فهو مجبر على إدراك أن كلمات أحدهما لا يمكن سماعها إلا في صمت الآخر. ومن خلال فرض الصمت والكلمات، فهي التي تدعم الحوار. ثم يبقى متسائلا عما إذا كان للسؤالين مقياس مشترك غير هذه اللغة التي يعبر بها كل منهما عما يفرقهما. ويصبح الاستماع إلى الطرف الثالث بمثابة انقطاع للحوار، باسم العودة إلى الرسالة. يتناسب كتاب هنري ديكليف مع هذه الحركة. لكن هذا لا يعني بالنسبة لهذا المؤلف أن العقيدة الكانطية يجب أن تسود بأي ثمن. سيبقى مصدر إلهام هيدجر الرئيسي طوال استعراضه، مع الحفاظ عليه بدقة معينة. المؤلف وحده هو الذي يسعى لإظهار كيف يمكن تقديم هذا الإلهام بشكل أكثر ومختلف من خلال نصوص كانط الأخرى، والتي يتم أخذها بعين الاعتبار في علاقاتها الداخلية. وذلك لأن ثلاثة اهتمامات أساسية تبدو مشتركة بين هيدجر وكانط: لقد شككا في فكرة الفلسفة ذاتها، وكانا مهتمان باستعادة معينة للميتافيزيقا وأرادا التفكير في التناهي. لكن المؤلف لاحظ بالفعل أن هذه المواضيع الثلاثة لا يمكن أن تجد أسماء أخرى لا تزال مشتركة بين الفيلسوفين. وذلك لأنه في تماسك أعمال كانط وهيدجر، تتلقى هذه المواضيع صياغة مختلفة تمامًا. وإذا كان هيدجر يسعى جاهدا لإخفاء هذا الاختلاف، فذلك لأنه يمتلك وجهة نظر خاصة للغاية لجميع أعمال كانط. ومع ذلك، في مناسبات مختلفة، بالفعل في بداية قراءته لكانط، يؤكد هيدجر أن تأويله يجب أن يفهم العمل بأكمله، ويجعل وحدته الداخلية واضحة. لكن أول جهد كبير له لتقديم النقد كمحاولة لتأسيس الميتافيزيقا يشير إلى الجزء الأول من نقد العقل الخالص. وفي وقت لاحق سوف يرغب في توسيع هذا التأويل من خلال إسقاط النتائج على أعمال كانط الأخرى. لكنه بالتالي يتجاهل التقسيم الأساسي للنقد الثلاثي. ونتيجة لذلك، فإن التطور الذي يمكن أن يحدث في فكر هيدجر، والذي يجب أن تستجيب له الإحياءات المختلفة لقراءته لكانط، لم يؤت بثماره حقًا. وتبقى القراءة محصورة في افتراضات النقد الأول، دون أن تكون قادرة بعد ذلك على افتراض الفرق بين النظري والعملي، الذي قدم مع ذلك مدخلا آخر إلى المثالية المتعالية كمحاولة جديدة لتأسيس الميتافيزيقا. بالنسبة لديكليف، لا يوجد بالتالي تقدم تدريجي للفكر الهيدجري حول كانط. ولكن بقدر ما ينبغي أن تعكس التكرارات المختلفة للقراءة تغييرًا في المنظور، فإن ديكليف سيعترف بأن فكر هيدجر هنا أيضًا لن يقترب إلا من أصله ويقيس مسافاته الخاصة. بالنسبة للمؤلف، لا يوجد "منعطف" في الفكر، لكن "المنعطف" يشكل دائمًا، منذ البداية، ديناميكية الفكر. «وبناءً على ذلك، ينبغي اعتبار هيدجر منذ البداية « في الطريق إلى اللغة »؛ لقد استجاب المفكر، الذي استولى عليه سر الوجود، لدعوته بالسعي دائمًا إلى افتراض ضرورة الوجود للتجاوز والاصغاء، بلغة لا تتوقف عن العمل، إلى قصور القول والتفكير. ولكن على وجه التحديد لأن كلماته في كل مكان تميل إلى التعبير عن وجهة نظر الوجود، فإن هذا المفكر يجب أن يعطي البحث التاريخي انطباعًا بأنه كثيرًا ما يغير وجهة نظره" (2). قبل متابعة حجة المؤلف بالتفصيل، ينبغي إبداء تحفظ معين. وذلك لأن المؤلف يقترب من كانط من خلال هيدجر: حيث يتم تلخيص فكرة هيدجر والتعليق عليها. ومن هناك يوسع اتجاهات معينة لهذا الفكر، ليواجهها فيما بعد بنص كانط. لن نتساءل هنا عما إذا كان فكر هيدجر يُعاد إنتاجه بأمانة دائمًا. سواء كان كانط أو هيدجر، فإن الأرثوذكسية مرجعية مستحيلة ولا يمكن أن تكون لها قيمة كحجة. لكننا نلاحظ بسرعة، بعد توضيح بعض أوجه عدم التوافق بين قراءة هيدجر لكانط ونص الأخير، أن المؤلف لديه دائمًا فكرته الخاصة حول هذه المسألة، وأنه في أعماقه يدافع عن كانط ضد هيدجر. فقط لأن الحوار بين الفيلسوفين لا يمكن أن يستمر، فإنه سوف يزدهر تدريجياً. تظهر هذه الأطروحة بوضوح في الجزء الثالث من كتاب " نقد العقل المحض". وسيسبقه جزء أول عن «كانط والزمن» وجزء ثانٍ عن «كانط والوجود». لكن يقوم المؤلف أولاً بفحص الوثائق المتعلقة بالتحقيق وأهميتها العامة. لقد أتاحت المقدمة بالفعل الفرصة لبعض التعليقات المحبطة حول العلاقة بين الفلسفة وتاريخ الوجود أو بين التفكير والتاريخ. إن العلاقة الخاصة بين التاريخ وتاريخ الوجود كما يتصورها هيدجر، والتي تمر عبر المفكر، ستسمح للمؤلف بالتساؤل عما إذا كان هيدجر، في كل الأمور، ليس أكثر هيجلية من أسئلته الشائعة، حيث يريد كانط أن يجعلها مسموعة. لأنه من المهم بالنسبة للمؤلف أن يكون صراع الملكات عند كانط مختلفا عن الميتافيزيقي المتردد في العمل التحليلي الذي يكتشفه لنا هيدجر خلال السنوات التي يمتزج فيها تاريخ الوجود بشكل جيد بالنسبة له مع أفكار التاريخ التي تهيمن على الوجود. كان التمييز بين النظري والعملي بالنسبة لكانط بمثابة دفاع أكثر ضمانًا ضد أيديولوجية السلطة. إنه موضوع سيعود في نهاية العمل والذي سيريد تأويل ديكليف أن يعطيه الوزن الكامل لما يتردد في فحص الوثائق قبل الترتيب الزمني لنشر أعمال هيدجر، ليجمعها أخيرًا في أربع فترات إيقاعية (3) ينتج تعاقبها أي تغيير أقل من نضج المنهج. ويشير المؤلف إلى أنه يمكن اعتبار هذه الفترات وفقا لمخططين متكاملين، "الأول الذي يميز فترة ما قبل المنعطف وفترة ما بعده، أي انقلاب علاقة الفكر بالوجود، - والثاني الذي يميز ثلاثة درجات لا بد من تعاقبها: تحقيق الذاتية، وفكر العدم، وفكر الوجود" (4). في الواقع، سينتهي به الأمر إلى تفضيل المخطط الثاني تمامًا، وهو تحديد موقع "المنعطف" في قلب الفكر. في الجزء الأول «كانط والزمن» يبين المؤلف كيف تسعى قراءة هيدجر إلى الكشف عن الانسحاب الكانطي ونسيان الوجود في رفض الذات العقلانية في مواجهة الزمانية. بادئ ذي بدء، يريد هيدجر في الفقرتين 43 و64 من كتابه "الوجود والزمان" أن يُظهر أنه في عبارة "أنا أفكر" الكانطية، لا يتم ادراك بأي شكل من الأشكال الأساس الأنطولوجي لعلاقة الأنا بموضوعاتها الفكرية، وبالتالي فإن دحض الأنا المثالية لا تتجاوز الافتراضات العقلانية. يجيب ديكليف هنا بأن هيدجر يمرر في صمت إحدى سمات "أنا أفكر" الأساسية بالنسبة لكانط، وهي مثاليته. وهكذا فإن هيدجر يشبه على عجل وجود "أنا أفكر" بـ "اللاوجود" (5). ومن خلال إعادة النظر في النصوص الثلاثة التي أشار إليها هيدجر، يكتشف المؤلف على العكس من ذلك أن البرهان الكانطي ينطلق من واقع التجربة الداخلية، يبين أن ارتباط التمثيل والزمن داخل هذه التجربة يظهر الحالة الأنطولوجية للفهم الأنطولوجي للإنسان كونه في هذا العالم"(6). في مقدمة كتاب «الوجود والزمان»، حيث نرى أنه «يتبنى» بالفعل وجهة النظر الأولى لكانط، يريد هيدجر أن يوضح لماذا يتطلب مشروع تدمير الميتافيزيقا التقليدية شرحًا مع كانط. المنطق المتعالي يعتبر العلم ليس كحقيقة بل كسلوك بشري. لكن، من خلال الإصرار على هذا النطاق من المنطق المتعالي، ألا يجب على هيدجر أن يدرك أنه في المنطق المتعالي، يجب أن تكون فكرة الوجود في العالم، بطريقة أو بأخرى، موجودة بالفعل؟ هذا ما تم رفضه في المادتين 43 و64 صراحة. لكن هذه المقدمة تقدم تعميقًا آخر لتفكير هيدجر. يشير تأويلها إلى أنه في التحليل، وهي خطوة أساسية على طريق نسيان الوجود، فإن عقيدة التخطيط تجعل من الممكن إلقاء الضوء على ما أسماه كانط غموض الطبيعة البشرية، باعتبارها المكان الذي يختبئ فيه المرء في السماح لنفسه بأن يلمح مسألة الوجود. إذا كان كانط غير قادر على درء هذا الغموض، فذلك لأن مفهومه للظاهرة لم يكن ملائما لها. لكن هيدجر بسط هذه الفكرة الكانطية للظاهرة إلى أقصى الحدود، في حين أن نطاقها الحقيقي لا يمكن تحديده إلا على مستوى الديالكتيك حيث يأخذ التمييز بين الظاهرة والنومان مداه الكامل. في كتاب كانط ومشكلة الميتافيزيقا، اكتشف المؤلف مفهومًا أكثر دقة للظاهرة. ومن خلال كتاب كانط سوف يتابع موضوعين أساسيين بالنسبة له: العلاقة بين الذهن والحساسية، ومن ناحية أخرى، ذاتية الذات. وفق مقصد هيدجر، يجب تدمير اتحاد الذهن والحساسية في الحكم القبلي التركيبي حتى يمكن إعادة الملكتين إلى أساسهما، الذي هو أصل وحدتهما واختلافهما. إذا كان الحكم القبلي التركيبي يمثل بالنسبة لكانط المشكلة حقًا، فإن الذهن يجب أن يدور بالكامل حول اكتشاف الخيال المتعالي. إن الحكم القبلي التركيبي هو الإمكانية المتعالية للذات بقدر ما يتم إعادته إلى الخيال المتعالي كمكان للتعالي ولإمكانية ظهور الظاهرة. هنا يتداخل مفهوم الظاهرة مع تحليلات "الوجود والزمان"، حقيقة الظاهرة التي تتكون من لعبة الظهور ذاتها حيث يُعطى الوجود ويُرفض. يسمح لنا الخيال المتعالي بالتعبير عن ديناميكيات تناهي الذات، لأنها تدعى من قبل الكائن الذي لا يستطيع أن يعطيها اسما، تكتشف نفسها بين الكائنات على أنها هذا الحضور الذي يعطي الغياب اسمه. إن معرفة الكائنات هي من أجل فهم الوجود لذاته باعتباره تناهيًا. ومن ثم ينبغي لمذهب التخطيط أن يسمح لقارئ كانط بإلقاء نظرة خاطفة على التضامن الأصلي بين الحساسية والذهن، والذي يسمى الحدس الأصلي. في الظهور الأخير، ما سيظهر، يتم تنظيمه "تخطيطيًا". في الخيال المتعالي يكون البصر المعطي والشامل لكل ما يظهر هو الزمن. وهذا الأخير يمثل الاسم العام للتناهي والتعالي، وهو أصل الخيال ونتاجه. فهل اكتسبنا بذلك فهمًا أكثر جوهرية لجهود كانط الفلسفية وإدراجها في تاريخ الوجود؟

إن تأويلات هيدجر حول "رفض" كانط، وتردده في إيجاد الزمن في قلب موضوع المنطق، معروفة جدًا. بالنسبة إلى هيدجر، الخيال المتعالي والتخطيط هما اسمان لنسيان الوجود في الفلسفة الكانطية. وبينما يأخذ المؤلف هذا النطاق من التأويل الهيدجري في الاعتبار، إلا أنه لا يصر عليه أكثر من ذلك. في الواقع، هناك تضمينًا مزدوجًا بالنسبة له في مثل هذا التركيز على الخيال المتعالي ، والذي يبدو من الصعب التوفيق بينه وبين المكانة التي تشغلها نظرية التخطيط في نقد العقل الخالص. ويرجع ذلك من ناحية إلى التفسير الصارم للتخطيط ومفهوم الزمن المدمج في فهم الظاهرة، ومن ناحية أخرى إلى ذاتية الذات المختزلة إلى التناهي. بالنسبة لديكليف، لا يمكن للزمن وحده أن يدعم التخطيط، تمامًا كما لا يمكن رؤية وظيفة التخطيط في نقد العقل الخالص بالكامل في الخيال المتعالي. لقد رفض التأويل الهيدجري مفهوم الشيء في ذاته، ليعيد معناه المحدود إلى داخل الظاهرة (الفهم الأنطولوجي للدازاين). وهكذا، فإن أي توازي ضروري للمؤلف، للمفهوم الخالص للذهن الذي يمكن تخطيطه، ومفاهيم العقل الخالصة التي من المستحيل "تحقيقها"، يضيع لصالح تخطيط يُفهم على أنه "الأصل والأصيل للتصور الصحيح" (7). ومع ذلك، عند كانط، "من خلال الاعتراف بأن زخم المفاهيم النظرية يتجاوز التخطيط الحسي، يعترف هذا المذهب أيضًا بحداثة المشكلات المطروحة، مع ظهور الحرية في التجربة، والتجربة وواجب الإيمان العقلاني" (8). "ما أراد كانط أن يجعل من المستحيل من خلال نظريته في التخطيط هو الادعاء بتأويل الحاجة الميتافيزيقية من خلال مفاهيم المنطق وحده أو من خلال عفوية الكوجيتو الخالد. لكنه لم يرد أن يستبدل القوة التعسفية لهذه المفاهيم الفارغة بمطلقية الزمانية التي من شأنها أن تعطي الفكر نفسه كعلامة على محدوديته"(9). وهكذا فإن التأويل الهيدجري، الذي يقلص الفجوة بين الظاهرة والشيء في ذاته، يعيد، في السعي وراء نفس الحركة، كل معنى مفهوم العقل كقاعدة لتركيب الظواهر، إلى وظيفة العقل قاعدة صورة تم تعيينها مسبقًا للمخطط. في مقابل هذا التصور عن ذاتية الذات التي تتكشف في نفسها ولنفسها، وهو التناهي الذي يتجاوز الجسد نفسه، يقترح المؤلف ما يشكل بالنسبة له الاهتمام الميتافيزيقي الحقيقي لكانط، لوصف المتعالي كفكرة، أو كفكرة هدف لا شيء. إن ذاتية الذات، في الفضاء النظري لنشرها، لا تهدف إلى أي شيء، وعلى هذا النحو، تفتح الأفق الذي يجب أن يقع فيه شيء ما (10). لكن قراءة هيدجر لم تكن قادرة على دمج نظرية الأفكار هذه في التحليلات المؤدية إلى الزمن، وهذا الوضوح الذي يمكن رؤيته في الكانطية. إن السؤال عن كانط والزمن يجب أن يُطرح في سؤال عن كانط والفلسفة، والذي لا يمكن الإجابة عليه في حد ذاته إلا في سؤال عن كانط والوجود. لكن في هذه الأثناء، فإن قراءة عمل كانط في تاريخ الوجود تكتشف نفسها، كقراءة، "على الطريق" نحو الوجود في التاريخ. إن المسافة التي تفصل بين كتاب "الوجود والزمان" وكتاب "كانط ومشكلة الميتافيزيقا" من جهة، ومن جهة أخرى، "رسالة في الإنسانية"، و"مقدمة الميتافيزيقا"، و"مبدأ العقل"، جعلت مؤلفها يلاحظ ذلك ويكتشف التأويل لافكره الخاص باعتباره ينتمي إلى التاريخ، وهو ما يتم توضيحه بالعلاقة بين فكر الوجود واللغة (11). إن البحث عن اللاّفكر يستجيب لضرورته الخاصة، ولم يعد له علاقة كبيرة بالمؤلف، الذي لا يهتم به إلا كذريعة. تصبح هذه الملاحظات المنهجية حاسمة بالنسبة للفكر الذي يريد تعريف نفسه بالكامل كطريقة، كطريق للتفكير، والذي يعتبر الفكر بالنسبة له طريقًا نحو دعوته الخاصة. ومن ثم، فإن إدخال الفكر الكانطي في مثل هذا التساؤل قد تناوله وشرحه هيدجر من خلال موضوع الشيء. بالنسبة إلى هيدجر، نجد التأثير الديكارتي وتأثير الفكر الرياضي في قلب ما يحدد الفعل النقدي، أي الاستيعاب بين العقل والوجود، والذي بموجبه تعني الشروط القبلية لإمكانية الذات أن الفكر يفترض الوجود للكائن ككائن للذات. وهكذا، فإن النقد الكانطي، بعيدًا عن أن يقتصر على مسألة مكانة العلم، يشكك في وجود الشيء ويعرف الحكم على أنه هذا الاستيعاب بين الذات والموضوع. لكن تساؤله لا يصل إلى حد الدعوة إلى الوقوف وراء فكرة الفكر كموقف. إذا كان الفكر الهيدجري بهذا الفهم يقترب من دعوته الخاصة، ألا يكون ذلك على حساب الابتعاد عن كانط؟ يعترف ديكليف، ضمنيًا حتى الآن، بمبدأ التأويل الذي هو استجابة لنداء الوجود كما يُسمع في تاريخ الفلسفة. بالنسبة له فقط، تم تسليط الضوء هنا على حساب خسارة كبيرة جدًا لرسالة كانط(12). في الواقع، تم اختزال العقل الخالص إلى الذهن، ويُفهم هذا الأخير على أنه ملكة الحكم، وهذه الاستيعابات هي التي تسمح لهيدجر بتركيز المشكلة على مسألة الشيء. ولكن هذا لا يقلل من أهمية التمييزات الكانطية. أليس في نقد ملكة الحكم على وجه التحديد أن كانط يريد أن يذهب إلى ما هو أبعد من حصرية الطابع الموضعي للعقل؟ وفاءً للمشروع الهيدجري نفسه، كما صيغ في بداية قراءته لكانط، المتمثل في الاهتمام بوحدة النقد الثلاثي، يدرس ديكليف فكرة الوجود على مستوى الجدلية ونقد الفكر في القدرة على الحكم ويعيد لهذا الغرض التمييز بين الذهن والعقل. إذا تم فهم كائن الذهن كموقف، وإذا كان يجب اختزال الفرق بين الإمكانية والواقع إلى التمييز بين الحساسية والذهن، فإن الفكر التفكيري للعقل يشهد على علاقة أخرى بين الذات وموضوعها. في الجدلية وفي عمل الأفكار، توجد أسئلة العقل. حتى لو كان الكائن في نقد ملكة الحكم يحمل اسم الله، فإنه لا يتم التفكير فيه بشكل نقدي أبدًا، ويكون الحكم "كما لو" مختلفًا تمامًا عن الحكم الممكن للذهن. "لأن التساؤل الخاص بالحكم التأملي يُلزمنا بالنظر في وجود الطبيعة في أفق واجب الوجود، وقياس عدم كفاية الوجود الذي يطرحه الذهن، وجود الطبيعة، عندما يتعلق الأمر بالاقتراب و ترك الوجود نفسه يقترب (13). لكن قبل أن يفحص نتائج هذه الأطروحة بالتفصيل، سيجمع المؤلف مرة أخرى عناصر أطروحة هيدجر عن كانط حول مفهوم الوسط، "الوحدة العلائقية للوجود، ووجود الكائنات ووجود الوجود الإنساني" (14). يقدم الزمن الوسط نفسه كزمن، باعتباره "يفكر" متعاليًا ويؤسس أي علاقة من الذات إلى الشيء، وكدائرة منطقية تدين بشكل قاطع، بمنطق خالص، والميتافيزيقا العقلانية. إن التفكير في كينونة الإنسان يمكن أن يتجاوز الحدود التي وضعها له إطار الأنثروبولوجيا. لكن ألم يكن من الضروري، أكثر مما فعل هيدجر، تسليط الضوء على العلاقة بين الوسط ودور الأفكار كمبادئ توجيهية للمسلمات؟ لذا فإن أساس ماهية الميتافيزيقا بالنسبة لكانط يجب أن يتم البحث عنه أكثر في الوسط المفهوم كأفكار للعقل. إن الطريقة التي يريد بها هيدجر دمج قراءته للديالكتيك مع النتائج الأولية سوف توضح مرة أخرى، وفقا للمؤلف، إلى أي مدى تعتبر قراءة هيدجر عميقة ولكنها تظل غير كافية. بالنسبة إلى هيدجر، فإن العالم باعتباره مثالًا متعاليًا عند كانط هو بينهما، وهو اختلاف أنطولوجي (15). ومع ذلك، فإن العالم لا يمكن أن يدل على العدم الماهوي للتعالي إلا إذا كان مرتبطًا بإمكانية التجربة وبالمثالية المتعالية. لكن أهمية المثالية المتعالية هي على وجه التحديد اهتمام العقل التأملي بالدازاين. على هذا النحو، يرى كانط أن هذه الفكرة لا يمكنها أبدًا أن تغطي حركة التعالي، ولكنها تشير، على أنها لا شيء، إلى عدم ملاءمتها الضرورية. وبهذا المعنى، يخلص ديكليف إلى أن اسم الوجود في الكانطية يفضل أن يكون "مصدر اهتمامات العقل". بعد ذلك تستمر قراءة هيدجر للديالكتيك في رغبته في إعادة اكتشاف مسألة التفكير وفق مصطلحات التحليلي. لكن بالنسبة لكانط، لا المبدأ الأساسي لإمكانية التجربة، ولا الطبيعة المفهومة بالمعنى الهيدجري كفكرة عن العالم، كافية للسماح لنا بإلقاء نظرة خاطفة على المتعالي. «إن العقل العملي وحده، أي الحرية في ظل رقابة فكرة العالم والفكر في ظل قانون الواجب، هو الذي يجعل التناهي حاضرًا بطريقة تجعل لا شيء من اختلافه يظهر كغياب يظهر فيه التناهي يمكن أن يعني: "ماذا سيكون لو لم يكن الله موجودًا؟"" (16). كما يعترف ديكليف أنه بهذا يعين كانط التعالي الذي يشير إلى شيء آخر غير تناهي الكائن، وبالتالي يعترف بأن "الوجود" هو في قلب التساؤل الكانطي. ولكن على عكس هيدجر الذي يتوقف أمام الديالكتيك ولا يستطيع أن يقرأ في الأخير سوى اعتماده على المقال التأسيسي في التحليلي، يؤكد ديكليف أنه في الديالكتيك نصل إلى التساؤل الكانطي الصحيح الذي يجب أن يكون طوال العمل بأكمله ويجب حمايته من تأثير الميتافيزيقا التقليدية. ولكن ماذا تعني الميتافيزيقا والفلسفة إذن بالنسبة لكانط؟ لا تستطيع الأنطولوجيا ولا الميتافيزيقا المتخصصة تقديم الإجابة هنا. لأن «ما يسميه هيدجر فهم الوجود في الإنسان هو في الأصل، عند كانط، مطلب أخلاقي» (17). هنا إذن السؤال "الميتافيزيقي" الخاص بكانط: ما هو الانسان الأخلاقي والعقلاني؟ إن الجدل المتعالي، بعيدًا عن التطابق في تمفصله مع المجالات التقليدية للميتافيزيقا المتخصصة، يتعلق بالكامل بهذا السؤال الشامل الرابع ("ما هو الإنسان") الذي رفض هيدجر أي وصول إليه (18). وهكذا يهدف النقد إلى تأسيس الأنطولوجيا على الأنثروبولوجيا "العملية". "يعتقد الثاني (كانط) أننا لم نكشف عن إمكانية وجود مسألة الوجود عندما قمنا ببساطة باختزال ماهية الوجود الإنساني إلى السماح للكائنات غير الموجودة بالإنسان في مجمله. وفقًا لكانط، يجب علينا أن نذهب إلى حد الاعتراف بالتناهي، قبل أي "ميتافيزيقا للأخلاق"، بواجب أن نكون "أخلاقيين". وهذا التناهي الماهوي وحده هو الذي يمنحنا سببًا للتفكير في وجود الحرية” (19). كيفية "الاختيار" بين اثنين من الفلاسفة، لأن الاختيار سيكون ضروريا عندما لا يمكن التوصل إلى اتفاق في نهاية حوار مراقب بعناية. إن المصلحة الشخصية، التي ظلت سرية أثناء الاستماع، سوف تنتهي في نهاية المطاف إلى فرض ضرورتها. هذه هي صدق هذا الكتاب، حيث يعترف بمصلحته الخاصة ضد اللجوء الوحيد إلى العقيدة التقليدية. وبذلك، يقبل المؤلف بعض السمات الأساسية للتفكير الهيدجري. إن التأمل تاريخي، وبالتالي لا يمكن أبدًا استدعاء تأويل فلسفي ليحل محل تأويل آخر، وفي هذا الصدد بالذات فإنه يشهد على طابعه الناقص بالضرورة (20). لكن ألا يحول المؤلف هنا هذا الإلهام إلى توبيخ صامت لهيدجر، فيما كان لا بد أن يكون أكثر ما اكتسبته فلسفة تريد الإصغاء إلى تاريخ الوجود؟ لن نتناول هنا الطريقة التي أعاد بها ديكليف إنتاج فكر هيدجر، فقط لتسليط الضوء على بعض السمات الأساسية في العلاقة بين هيدجر وكانط(21). ولتحديد موقع هذه العلاقة، قام المؤلف بفحص جميع أعمال هيدجر، ولم يثق في التسلسل الزمني للطبعات، مفضلاً تحديد مكان السؤال في كل منها. وهكذا، فإن عنوان الجزء الأول «كانط والزمن» يتبين أنه غير كاف، وينبغي تناوله في «كانط، الوجود والفلسفة»، إذ لا يستطيع الأول أن يغطي تساؤلات هيدجر، ولا في «كانط وإشكالية الميتافيزيقا». "، ولا في " السؤال عن الشيء". إن قراءة هيدجر في "كانط وإشكالية الميتافيزيقا" لا يمكن فصلها، بفكرة "المنعطف"، عما ورد في كتابه "السؤال عن الشيء". في رحلته، يكشف الفكر الهيدجري عن نفسه منذ البداية باعتباره تساؤلًا حول الفكر والوجود، حتى في تأملاته حول الزمن والتناهي والخيال المتعالي. هذه الفكرة في "رحيله" وفي لقائه مع كانط، هي في الأساس فكرة عن المنعطف (22). وبعيدًا عن التقلبات الحتمية للرحلة، يمكننا تحديد السمات الأساسية للتأويل الهيدجري. في تحديث نقد العقل الخالص باعتباره المقال التأسيسي للميتافيزيقا، يعمل الخيال المتعالي كنقطة مرجعية لتحليل الدازاين (الذي أهمله كانط). بهذه الطريقة يقلص هيدجر الفجوة بين الحساسية والذهن، ويضع الأخير جنبًا إلى جنب مع العقل وملكة الحكم، متجنبًا ثقل فكرة الشيء في حد ذاته ويعيد الحرية إلى عالم التناهي. إن التمييز بين النظري والعملي يفقد كل أهميته. ومع ذلك، في المكان الأصلي لهذا التمييز يجب علينا، وفقًا للمؤلف، أن نجد الوصول إلى الاهتمام الميتافيزيقي الحقيقي عند كانط وإلى المكانة التي يحتلها في تاريخ الوجود. بدلًا من أخذ التحليل إلى النقطة التي يمكننا فيها إدراك نسيان الوجود، فمن الأنسب للمشروع النقدي في مجمله تحديد علاقة الجدلية بنقد العقل العملي. بالمعنى الفلسفي الدقيق، فإن موقف هيدجر تجاه هتلر وموقف كانط تجاه السلطة، يسمح له باستنتاج أن لهجة خطابات الثلاثينيات بعيدة كل البعد عما نجده في "صراع الملكات". من خلال قراءة الديالكتيك التي يريد المؤلف أن يخلق فتحة على التعالي الحقيقي، ضد هيدجر الذي لا يستطيع التناهي بالنسبة له سوى أن يكتسب الذهن أساسه الخاص، ألا يوجد - بالمصطلحات الكانطية - لوم للدوغمائية ضد أي شخص يريد لتحديد تاريخية كل ذهن؟ ويبقى أن نتساءل ما إذا كان التراث الكانطي، الذي تم تناوله في تاريخ الوجود الذي يعترف به ديكليف، مع مبدأ الإلهام الهيدجري، بينما يرفض مفهوم الوجود الذي يرأسه، لا يتعرض للخطر حتما. سنتذكر في الواقع أن فكرة تاريخ الوجود، وهي افتراض أساسي لعلاقة معينة بين الوجود والموجود، والتي يتم فيها تحديد الكلام والفلسفة واتحادهما في التاريخ، تشير إلى العلاقة الداخلية مع الزمن والوجود. كون ديكليف، الذي يتم توفير الانفتاح عليه على الوجود في هدف المتناهي نحو الآخر تمامًا، والذي يسميه اللانهائي، هل يمكنه الحفاظ على فكرة تاريخ الوجود؟ وإذا كانت فكرة التاريخ التي تنتمي أساسًا إلى الوجود وإلى من ينطق به إلى حد كونه موجودًا، لا يمكن الحفاظ عليها، فلماذا لا نزال نتحدث عن الميتافيزيقا عند كانط؟

ما لم يكن للعقل مصلحة في الحفاظ على مفهوم الحرية وتشغيله "بالنسبة لكانط، تتلخص مشكلة الوجود في هذا السؤال: "ماذا سيكون الحال لو لم يكن الله موجودًا" (23) من الصعب أن نفهم كيف يمكن لعدم معرفة "الله" أن يشهد على إرساليات الوجود وانسحاباته، أو كيف يمكننا من عدم المعرفة أن نكتب التاريخ. بمجرد أن أصبح هذا السياق الهيدجري غير مقبول بسبب مفهوم التعالي الذي يجده المؤلف عند كانط، فإننا نواجه سؤالًا بسيطًا ومربكًا: لماذا كان كانط مهتمًا بالوجود، واللاوجود؟ وهل هذا هو موضوع الميتافيزيقا، حتى لو كان يجب توضيح الأخيرة باعتبارها أنثروبولوجيا عملية؟ هذا السؤال، إن قربه من هيدجر منع المؤلف من طرحه لنفسه، قبل أن يقترب منه بطرق هيدجر." بقلم بيا دي جيلدر.


الاحالات والهوامش:

(1) هيدجر وكانط (فينومينولوجيا ، سلسلة.، رقم 40)، لاهاي، م. نيهوف، 1970، 380 ص.

(2) مرجع سابق

 (3)، مرجع سابق، ص. 25.

(4) مرجع سابق، ص. 25.، ص. 29.

(5) يشير  ديكليف أيضًا إلى كيفية فهم هيدجر لـ "أنا أفكر" بمعنى الماهية، وبالتالي يشمل "أنا أفعل" والشخص الأخلاقي. هنا بالفعل كما في القراءات اللاحقة، يبدو أن الجهل بتقسيم النقد الثلاثي هو أحد الركائز التي يرتكز عليها تأويله.

(6) مرجع سابق، ص. 84.

7) مرجع سابق، ص. 141.

(8) مرجع السابق، ص. 143.

(9) مرجع السابق، ص. 134.

(10) ينبغي أن نسأل أنفسنا ما إذا كان هذا التعبير عن الذاتية، حتى لو كان يشير صراحة إلى النشاط النظري، يتناقض بما فيه الكفاية مع بيان هيدجر وما إذا كان الارتباط بالأشياء في ذاتها لا يصبح، في النشاط النظري، اسم الوجود.

(11) إن القراءة الهيدجرية (باعتبارها عملًا ضروريًا لتكوين الوجود) سوف تتجه من الآن فصاعدًا نحو ما لا يُفكر فيه أكثر مما لا يقال. ويشير ديكليف في هذا الصدد إلى أن كل هذا لا يمنع هيدجر من اختيار نصوصه وسوء الفهم

(12) مرجع سابق، ص. 219 .

(13) مرجع سابق، ص. 250.

(14) مرجع سابق، ص. 251.

(15) مرجع سابق، ص. 315.

(16) مرجع سابق، ص. 328.

(17) مرجع سابق، ص. 344.

(18) يشير المؤلف إلى كيف أن هذا التأويل لهيدجر يرتكز على تجاور اعتباطي لنصين منفصلين عن سياقهما. انظر المرجع السابق، ص. 349-362.

(19) مرجع سابق ، ص. 368.

(20) انظر مرجع سابق ، المقدمة و 177 و 184. هذه هي السمة الأساسية للفلسفة (الوجود التاريخي) التي تسمح لمؤلفها بمواجهة ما وراء النسق

(21) من المهم أن نلاحظ أن هذا الكتاب عن هيدجر وكانط له ميزة (إلا إذا كنت مخطئا، أول من يتقدم بهذه الطريقة) في إبراز المكانة التي تشغلها قراءة كانط في التساؤل الكوني حول الفلسفة. ومن ثم، لا يقتصر الأمر على هيدجر، ولا نقتصر على عرض كتابه كانط ومشكلة الميتافيزيقا، يليه ملحق عن كانط والمنعطف.

(22) انظر المقدمة، ولمزيد من التفاصيل، تعليق الفصل الرابع، من كتاب كانط ومشكلة الميتافيزيقا.

(23) مرجع سابق ، ص. 376.


المصدر:

Béa De Gelder, Heidegger et Kant, Revue Philosophique de Louvain  Année 1972  7  pp. 443-453

شجرة الميلاد وعاكسات الضوء/ ب. حسيب شحادة



جامعة هلسنكي


في كلّ عيد ميلاد، منذ زُهاء ثلاثة عقود، وأنا شاهد عِيان على صفّ طويل من شجيرات لعيد الميلاد مصفوفة للبيع بجانب سوبر ماركت الحيّ الذي أسكن فيه. تُباع معظمها، وما تبقّى يتكفّل به صاحبها أو أصحابها. في العيد الماضي، قبل أربعة أشهر بالتقريب، لاحظتُ بعد حُلول العيد المجيد بأيّام وأيّام، بأنّ شجرة يتيمة ما زالت قابعةً في جانب المتجر. بقيت تلك الشجرة على حالها بعد مُضيّ بضعة أسابيعَ. ذات يوم، حين كنت كعادتي ماشيًا بالقرب من المتجر المذكور، عرّجت نحو تلك الشجرة لأعرف ما خطْبُها. عاكسات ضوء كثيرة بألوان متعدّدة، كانت تتدلّى من أغصانها، وكلّ واحدة منها مربوطة بخيط وبرأسه دبّؤس. وثمّة كالعادة بمثل هذه الحالات، كان هناك إعلان صغير كُتب عليه ما معناه: تستطيع أن تأخذ! وهكذا فعلت، لم ”أُفشِّل“ فاعل الخير. فعاكسات الضوء غرضٌ شائع وضروريّ في فنلندا، لا سيّما في غُضون فصل الشتاء الطويل والمعتم جدًّا. وسُرعان ما تبيّن لي بعد استفسار أوليّ بأنّ أحد جيران السوبرماركت كان من وراء ما جذب عينيّ مدّة أيّام كثيرة متتالية. هدفَ ذلك الجار الناشطُ سياسيًّا إلى اقتناص بعض الأصوات لصالح حزبه في الانتخابات لرئاسة الجمهوريّة الفنلنديّة. مرشَّح حزب الجار قد فاز في الجولة الثانية؛ أنا لم أُصوّت له بسبب أفكاره اليمينيّة، فرئيس الحكومة ورئيس الجمهوريّة ينتميان للحزب ذاته. يقولون لا دخانَ بلا نار، وقد يكون هذا صائبًا في الكثير من الحالات. بعد اختراع السيچارة الإلكترونيّة، كفاكمُ الله لهيبها وشرّها، ثمّة دخان بلا نار، كما أنّ هناك نارًا في القلوب مثلًا ولا دخان لها. 


الشاعر غيلان أيضاً/ شوقي مسلماني



أتجاسر وأؤكّد أن الراحل الشاعر غيلان كان وسْط جاليتنا العراقيّة والعربيّة والشرق أوسطيّة في أستراليا.. نسيج وحده، بدءاً من إسمه وليس انتهاء بجنوحه إلى ما يعتقد، فإذا الفراشة هو وإذا الصقر هو، فإذا النسائم هو وإذا العاصفة هو، فإذا العاطفة النبيلة هو وإذا الحدّية والمشاكسة والتحدّي الذي لا يعرف الهوادة هو. الراحل الشاعر غيلان "أبو نهار" هو العراق ما آل إليه بلياليه الطويلة وأقمارها، إنّما الأسيرة، وإنّما المثخنة بجراح، وإنّما الشهيدة على مذبح الضوء ذاته، الأسير أيضاً ذاته، المكسّر أيضاً، وذاته المغدور فلا يأتي منتصراً. الراحل الشاعر غيلان هو العراق المدمّى بأنحاء جسمه كافّة، بمكوّناته كافّة التي تفرح وتبكي في آن حتى وهي تغنّي، وأتجرّأ وأقول حتى هو عالمنا المتشظّي ولا يلتئم، ويتوه ولا يهتدي. 

والتقينا في مركب الغربة الطويلة، وسمعته وقرأته شاعراً يحتفي باللّغة والنبرة والعنفوان والجرأة، مثقّفاً وسياسيّاً لا يُهادن، وهو في أدواره جميعاً غيلان المناضل في سبيل الإنسان المقهور أينما كان في أربع أرجاء المعمورة، هو الوطني والأممي، هو المحارب من أجل الكرامة الإنسانيّة وهو المشير بإصبع الإتّهام إلى رأس الشرّ ومرتع مصّاصي الدماء، أليس هو القائل في أعماله الشعريّة "تراتيل السومري": "أميركا \ يا صانعة الجُذام والندم \ يا فيروس الخراب \ يا حشرة الكراهية"؟. 

Shawkimoselmani1957@gmail.com


محاولة اغلاق مدرسة "مار متري" منبه على صراع مستمر/ جواد بولس



فوجيء العاملون في مدرسة "مار متري" وطلابها البالغ عددهم نحو 300 طالب وأولياء أمورهم يوم الاثنين الفائت بصدور قرار المسؤولين في بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس بإغلاق المدرسة نتيجة "التكلفة التشغيلية العالية والضغط المالي الكبير الذي تعانيه المدرسة" وتحويلها، حسب ما جاء في نص الاعلان الى "مدرسة لصعوبات التعلم ابتداء من العام الدراسي 2026/2025".

تقع مدرسة "مار متري" داخل اسوار البلدة القديمة في موقع استراتيجي وخطير؛ وتشغل مبنىً تاريخيا عريقا، كبيرا وجميلا مكونا من ثلاثة طوابق وباحات ومرافق أخرى. يشكّل المبنى، من الجهة الغربية، امتدادا لمحيط كنيسة القيامة ونقطة تواصل مع جنوبها حيث مباني منطقة "باب الخليل" التي تفضي بدورها الى منطقة الحي الأرمني. لقد استهدف المستوطنون اليهود والمؤسسة الاسرائيلية خلال العقود الماضية، وما زالوا يستهدفون، جميع هذه المناطق؛ ونجحوا، كما نعرف، بالاستيلاء على عدة مواقع استراتيجية وعقارات تاريخية هامة كانت تملكها البطريركية الأرثوذكسية - ربما كانت أشهرها بين صفقات التسريب المعروفة داخل أسوار المدينة دير "مار يوحنا"، وفندقي "الامبريال والبترا" وعقارات اخرى كانت تملكها البطريركية الأرمنية. 

من الصعب ان يستوعب أي مواطن فلسطيني كيف تسوّل لنفسها بطريركية القدس الأرثوذكسية اتخاذ قرار اغلاق المدرسة في هذه الظروف الحرجة التي تمر على المدينة وعلى اهلها، وفي ظل هجمة الاحتلال ومحاولته الاستيلاء على قطاع التعليم الفلسطيني واخضاعه لمناهج التعليم الاسرائيلية والغاء هويته الفلسطينية التي كانت تؤمّنها المدارس للطلاب في القدس الشرقية. 

وقد يكون ما اعلنه "اتحاد اولياء امور طلاب مدارس القدس" على صفحته في اعقاب انتشار النبأ حول قرار اغلاق المدرسة معبرا عن هواجس الكثيرين الذين يشعرون فعلا أن "التعليم في خطر ونحن نغلق مدارسنا بايدينا "وأضافوا: "نحن نحمّل البطريركية والمدعو  (ع.ق) مسؤولية هذا القرار.. إن اغلاق مدرسة تاريخية سيكون بمثابة الكارثة " قالوا وأوجزوا فأين الكارثة؟

ليس من الانصاف ان نحمّل قرار البطريكية وزر الكارثة التي يعاني منها قطاع التعليم الفلسطيني برمته في القدس؛ فهذه العملية/ الكارثة حاصلة منذ اعوام وقد سجّل فيها الاحتلال انجازات ضخمة وواضحة ؛ بيد ان اغلاق المدرسة، وما قد يتبعه من اجراءات قد تقدم عليها البطريركية في المستقبل، من شأنه أن يسهم في تفاقم ازمة قطاع التعليم وان يشجع على  تفريغ البلدة القديمة من المؤسسات الفلسطينية ومن سكانها المرتبطين بخدمات تلك المؤسسات. 

من الخطأ ان نتعامل مع قرار البطريركية من باب تأثيره المتوقع على رقعة التعليم داخل البلدة القديمة وحسب ؛ فالقرار الذي اتخذ من دون استشارة احد او أي جهة معنية، يعكس مقدار العجرفة اليونانية المتأصلة منذ قرون تجاه المواطن المسيحي العربي الشرقي، ويؤكد على حالة الاغتراب بينه وبين كنيسته؛ وهي الحالة التي عكفت قيادات هذه البطريركية من اليونانيين الوافدين والمتحكمين برقبة وبكنوز كنائس فلسطين، على خلقها ورعايتها وترسيخها كي تبقى على حالتها كما هي عليه في أيامنا الحالية. وهذا جزء مستفز من الكارثة!  

لقد عللت البطريركية قرار اغلاقها للمدرسة بتكلفتها المالية العالية،  وهي ذريعة اشكالية وتندرج تحت بند الديماغوغيا او الادعاء  المطلق الذي لا يمكن لأحد التحقق من صحته بأدوات مهنية وموضوعية كما حصل في كل مرة لجأت فيها البطريركية اليه في الماضي وقد تلجأ اليه في المستقبل. فطالما استمر القيّمون على البطريركية في اتباع سياسة التهرب من مواجهة الازمة/الكارثة، وعدم اتباع طريقة ادارة سليمة، لا سيما فيما يتعلق بضرورة نشر الميزانيات وتفصيل اوجه مدخولاتها المالية، مقابل تفاصيل مصروفاتها، كما تقتضي المسؤولية والشفافية واصول ادارة المال العام والمحافظة على المصلحتين، الكنسية والوطنية، طالما لا يحصل هذا، لن يمنع احد وقوع الخروقات والتسريبات في المستقبل؛ وهذا جزء اساسي في استمرار الكارثة!  

لقد حاولت المؤسسات الأرثوذكسية العربية في فلسطين وفي الاردن خلال العقود الماضية التوصل مع القيمين على "اخوية القبر المقدس"، التي تضم اعضاء يونانيين فقط، الى اتفاق يفضي الى وضع صيغة مقبولة لشراكة ما في ادارة الشؤون المدنية للبطريركية، ولكن جميع المحاولات افشلت من قبل قباطنة البطريركية وبدعم جهات أخرى. وهذا جزء محبط من الكارثة. 

لا يمكنني في هذه العجالة ان اسرد تاريخ هذه العلاقة الشائكة، ولا المرور على احصاء خسائرها، خاصة فيما يتعلق بحالات تسريب العقارات بظروف مستفزة وتكتم المسؤولين عن تنفيذ تلك الصفقات على مصائر ريوعها الهائلة وعلى هوية المستفيدين منها ، لكنني استطيع  ان اتساءل كيف يمكن ان تصل البطريركية المقدسية، مرة تلو الاخرى، الى هذا الحال وتعلن تحديدا في المحطات الملتبسة وبالتزامن مع افتضاح وقوع "مصيبة" ما ، عن مواجهتها لضائقة مالية وهي التي يدخل خزائن او صواني بعض كنائسها واديرتها تبرعات كبيرة يقدمها الحجاج ، وبدل تأجير مئات الدكاكين والمخازن التجارية كما هو الحال في اسواق القدس وغيرها من المدن والمواقع؟ وكيف تضطر كنيسة تضم "هيئتها العامة" بضعة عشرات من الرهبان المنذورين لخدمة مسيحهم ولحياة التقشف، أن تعلن عن اغلاق مدرسة مقدسية بحجة عجزها المالي، من دون ان تشرح للناس او لرعاياها، ما قيمة مدخولاتها، على الاقل من الصفقات الكبرى التي نشر عنها في العشرين سنة الاخيرة؟ وكيف صرفت تلك الاموال؟  وفي اي حسابات اودعت، سواء في البلاد او في البنوك الاجنبية ؟ وهذا جزء اخر موجع من الكارثة! 

لا اعرف اذا كان مخطط المسؤولين في البطريركية تحويلها الى مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة، كما جاء في اعلانها المذكور. ولكن اذا كان هذا هو  المخطط الحقيقي فعلى المسؤولين ان يشرحوا للمقدسيين كيف كانوا سينفذون قرارهم وهم يعرفون ان من يفتح مدارس التعليم الخاص في القدس هي بلدية اورشليم ووزارة التربية الاسرائيلية، ويعرفون ايضا أنه على مقربة من مبنى المدرسة توجد بعض عقارات البطريركية المحكّرة لجهات اسرائيلية بايجارات طويلة الامد؛ وهذا جزء مقلق من الكارثة! 

بعد انتشار الخبر عن قرار اغلاق مدرسة مار متري، شرع المعلمون والطلاب بسلسلة احتجاجات امام مبنى البطريركية، وعلت بعض الاصوات والبيانات المنددة بالقرار، فاضطرت البطريركية الى اصدار بيان تعلن فيه عن مبادرة اطلقها البطريرك ويتم بموجبها "تشكيل لجنة خاصة تضم مختصين في المجال التربوي لمتابعة ملف المدرسة على ان ترفع  هذه اللجنة  نتائج اعمالها وتوصياتها خلال اسبوعين ". الى هنا ما قرأناه على لسان البطركية، ولنتأمل منه الخير؛ ولكن البعض تساءل، اذا ما كانت هذه خيارات البطريرك وقناعاته الصادقة فلماذا لم يقم بمتابعة ملف مدرسة مار متري مع اولئك السادة المختصين قبل اصدار قرار اغلاق المدرسة وتشويش عالم الطلاب والمعلمين وهم على مشارف نهاية العام الدراسي؟ وهنالك من يراهن، بالمقابل، على أن هدف اقامة اللجنة هو مماطلة من كانوا وراء قرار اغلاق المدرسة، وربما تأجير المبنى لجهة غريبة، حتى ينتهي العام الدراسي الحالي وتموت القضية. وهنالك من يظن بان الهدف من اقامة اللجنة هو تفعيل الضغط على جهات اخرى واجبارها على المشاركة في تغطية اعباء المدرسة المالية كي تستطيع البطريركية معاجلة أزمة "ديونها المزمنة". وهذا جزء من الغيب فلننتظر رحيل الضباب.

 اعرف ان جميع تلك الاحتمالات ممكنة وان للحقيقة اكثر من وجه قد تشوهها، مرة اخرى، صافرات وهرطقات جحافل الاعوان والمستشارين والمتواطئين  والمنتفعين من "خيرات" اسيادهم، الذين انبروا مباشرة للدفاع عن بطريركهم وعن حاشيته "المنزهين"؛ لكنني اتمنى ، من اجل القدس وصالح اهلها، ان تنجح اللجنة في مساعيها وان يتوصل اعضاؤها المقدسيون الى حل يضمن بقاء وجود المدرسة  في مبناها هذا العام ولاعوام طويلة قادمة. وأوكد في الوقت نفسه، على اننا كأبناء أصليين للكنيسة العربية الأرثوذكسية سنبقى نطالب بحقوقنا وفي طليعتها حقنا بان نشارك في ادارة الكنيسة كي نعرف ما لا يريدون لنا ان نعرفه ونمنعه؛ لكنني، اقول كما قلت مرارا: لن ينجح الفلسطينيون المسيحيون وحدهم في مواجهة "روما" فهل سيصحو "اهل الخير" وينضموا شركاء لهم في مسيرة "درب الالام" من اجل حماية ما تبقى من حلمنا الشرقي؟ 

أسطورة التقدم المادي للغرب وحقيقة التقدم الروحي للشرق/ د زهير الخويلدي



تمهيد


من المعلوم أن التقدم سنة الحياة وان العقل البشري يسعى بكل جهوده الى المساهمة في التقدم بالإنسان ومن البديهي ايضا ان يتمسك كل البشر بحقهم الوجودي في التقدم من اجل الرقي والازدهار ولكن توجد عدة عراقيل خارجة عنهم تمنعهم من ذلك وتظهر عدة موانع قاهرة تحول بينهم وهذه الفضيلة الحضارية. فإذا كان التقدم المادي للغرب مجرد همجية جديدة ووهم حضاري بالنظر الى الفشل الذريع التي منيت به الرأسمالية وتحولها إلى ظاهرة امبريالية استعمارية للإنسان والطبيعة والحياة وسقوط اقنعة العولمة وتكذيب وعودها الجوفاء فإن مبدأ التقدم الروحي الذي تمسكت به الحكمة المشرقية يظهر كبديل واقعي له. لماذا تم اعتبار التقدم الغربي مجرد اسطورة؟ وكيف يمكن المراهنة على الطابع الروحي للتقدم الانساني؟


أسطورة التقدم المادي

"إن الخطوة الجماعية للنوع البشري تسمى التقدم. قال فيكتور هوغو: "ان التقدم يشتغل".

لقد كانت أسطورة التقدم مشتركة بين الجميع قبل بضعة عقود. أتذكر، في الستينيات، كان ذلك عصر طائرة الكونكورد الأسرع من الصوت، وأول تلفزيون ملون، والترانزستور، وأول أجهزة الكمبيوتر، واكتشاف خصائص الحمض النووي على يد جاك مونو وفرانسوا جاكوب وأندريه لوف (جميعهم ثلاثة فائزين بجائزة نوبل في الطب عام 1965)، وأول عملية زرع قلب أجراها كريستيان بارنار عام 1967 في جنوب أفريقيا، وأول خطوة للإنسان على القمر عام 1969، وما إلى ذلك. كان الإيمان بالتقدم عامًا، وكان مشتركًا في الاعتقاد بأن زيادة المعرفة يجب أن تساهم بطبيعة الحال في التقدم الأخلاقي للبشرية. ومن المؤكد أنه في نفس السنوات، جاء الهيبيون أولاً، ثم حركات 68 مايو، لزعزعة هذه الأفكار الراسخة لبعض الوقت. لكن هذه السنوات نفسها شهدت تطور الزراعة المكثفة، وخصخصة البذور، والاستخدام المكثف للأسمدة مثل النترات والفوسفاط، وما إلى ذلك والمبيدات الحشرية، وما إلى ذلك، دون أي ضمير.هل علمنا أن هذا يعني بداية تدمير التنوع البيولوجي؟ تعريض الظروف المعيشية على الأرض للخطر؟ وكان الاعتقاد في التقدم. . العودة بالزمن إلى نهاية القرن الثامن عشر. تراودني فكرة خاصة حول كوندورسيه، عالم رياضيات، فيلسوف، سياسي، آخر ممثلي حركة التنوير، وهنا أيضًا دوّن ملاحظات، محمولاً بإيمانه الثابت بالإنسان، رسمًا لصورة تاريخية لتقدم الروح الإنسانية:" من بين أهم التطورات في الروح الإنسانية لتحقيق السعادة العامة، يجب أن نعد التدمير الكامل للتحيزات، التي أنشأت بين الجنسين عدم مساواة في الحقوق قاتلة للشخص نفسه الذي يفضله بأسباب واهية لتبريره الاختلافات في تنظيمهم الجسدي، والتي يود المرء أن يجدها في قوة ذكائهم، وفي حساسيتهم الأخلاقية، لم يكن لها أصل آخر سوى إساءة استخدام القوة، وقد حاولنا عبثًا منذ ذلك الحين ثم نعذره بالمغالطات". إن الرسم المكتوب في ظل الموت هو ترنيمة حقيقية للحياة التي تسافر على الطريق نحو التقدم غير المحدود. بالنسبة لكوندورسيه، التقدم لا يقتصر على المعرفة. كما أنه يعني التحسن الأخلاقي للإنسان. إن الطريق إلى التقدم لا يعرف "نهاية زمنية أخرى غير مدة الكرة الأرضية التي ألقت بنا الطبيعة إليها". لم يشك كوندورسيه في خطاب الاستقبال في الأكاديمية الفرنسية للحظة في أن "كل اكتشاف في العلم هو فائدة للإنسانية". لقد تغلغل هذا الإيمان بالتقدم غير المحدود بشكل عميق ودائم في القرنين التاسع عشر والعشرين. لكن اليوم دخلنا عصر التحول. الإنسانية تتغير. نحن ندرك أن بعض "التقدم" في العصر السابق، بعيدًا عن أن يجلب لنا السعادة الموعودة، يلقي بنا في التعاسة. ما الذي نشهده بلا حول ولا قوة؟ لقد بدأ تدمير الظروف الصالحة للسكن لجنسنا البشري والأنواع الأخرى على الأرض. إلى احتمال أن يختفي الإنسان كنوع. طابع الماضي الذي لا رجعة فيه. ما تم قد تم القيام به. هذا الإنسان يعرف ما فعله. لكن معاناته ورعبه يأتي قبل كل شيء من حقيقة أنه يعلم أيضًا أنه لا يستطيع التراجع عما فعله أو إصلاحه. ولأنه يمنحه الوعي المأساوي لما لا يمكن إصلاحه، فإن الماضي هو أكثر ما يقلق الإنسان. الخوف من الغد يحمل دائمًا، حتى لو كان صغيرًا، حتى عندما نعلم أنه يمكن أن يخيب وربما سيكون، أمل الممكن، الممكن، المفتوح، المعجزة. الذي من الماضي لا يحمل إلا ثقل همه. وحتى الندم أو التوبة ليسا كافيين لتعديل طابع الماضي الذي لا رجعة فيه؛ بل على العكس تمامًا: بل إنهم يؤكدون ذلك في أبديته. نحن لا نأسف على ما كان فحسب؛ ونحن أيضًا وقبل كل شيء نأسف لما سيكون إلى الأبد. هل مازلنا نؤمن بأسطورة التقدم؟ ما يجب علينا فعله هو: تبني موقف نقدي تجاه قوتنا وأفعالنا..."دعونا نبقى مضطرين للقلق دائمًا" هكذا انشد رينيه شار ... كيف وصلنا إلى هذه الكارثة: إمكانية اختفاء البشر كنوع؟ كان البشر هم النوع الأول والوحيد حتى الآن الذي بدأ في تعديل ظروف معيشته عن عمد. وها هي النتيجة – في شكل كارثة متوقعة – لعقود من "التقدم"...ما الأمر متروك لنا أن نفعل؟ هناك الكثير من الناس الذين، أمام هذه الملاحظة، يدافعون عن أنفسهم من أي قلق وأمل في حلول لا تهز قيمهم الأساسية. في الواقع قد نشعر بالقلق، لكننا لا نريد أن نعترف بذلك. ويدرك آخرون أنهم قد أضعفهم القلق، ويعانون منه بشدة، إلى حد الذهول: تحت تأثير صدمة الوعي، تبدو الوظائف الحيوية وكأنها معلقة: ثم نتحدث عن القلق البيئي - ولكن لا يجب أن نتوقف عند هذا الحد، من حيث الصحة. أخيرًا، على العكس من ذلك، لا يشاركني الآخرون مطلقًا هذه "الرؤية المتشائمة للغاية"، كما كتب صهري هنري في تعليق على المنشور السابق، "يظلون مقتنعين بأن البشرية، كما فعلت دائمًا في الواقع، ستعرف كيف لتصحيح أخطائها دون التخلي عن تحسين حياة سكان أرضنا”. لا يمكن إنكار أن الرفاهية المادية للبشر قد زادت بشكل عام في كثير من الحالات، إن لم يكن في معظمها، بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي في العقود الأخيرة. لكن لا يعني ذلك أن هذا التأكيد يظل صحيحًا عندما تؤخذ في الاعتبار تداعيات هذا "التقدم" نفسه على البيئة: يبدو بعد ذلك - ونحن ندركه تمامًا اليوم على وجه التحديد بسبب هذه التداعيات المثيرة للقلق على المناخ والتنوع البيولوجي والتنوع البيولوجي. الظروف المعيشية للكائنات الحية، والتي تظهر آثارها أمام أعيننا، أن هذا "التقدم" قد تسبب في كوارث، بعضها لا رجعة فيه، تهدد ديمومة الكائنات الحية على الأرض. وأنا أتفق جزئيا مع هذا التعليق الآخر، من صديقي جان كلود: نعم، بلا شك، "مجتمعنا البشري" أيا كان محيطه يواجه عشرات "التحولات" بنفس شدة تغير المناخ، الذي تفاعلاته المنهجية "لا يمكن توقعه": الهجرة، والتلوث، والمجتمع الرقمي، وما إلى ذلك. وتبقى الحقيقة أن التحول المناخي، في رأيي، يظل كبيرا، لأن القضية هي بقاء الجنس البشري. إذا اختفى البشر والأنواع الأخرى من الكائنات الحية من سطح الكوكب، فمن المؤكد أن هذا لن يمنع الأرض من الاستمرار في الدوران - وبهذا المعنى، فإن "بقاء الكوكب" ليس هو الذي على المحك. كما نقول أحيانًا - لكن المشاكل الأخرى: الهجرة والتلوث وما إلى ذلك. سيتم حلها في نفس الوقت. وما يتعين علينا القيام به هو اتخاذ موقف نقدي تجاه فكرة التقدم اللامحدود للعقل البشري المولود في عصر التنوير. لا، إن تطور المعرفة لا يجلب السعادة للأفراد والشعوب فعلياً، حتى لو كان يفعل الكثير. السعادة نفسها لا يتم تعريفها من خلال التراكم الدائم للسلع، والتأجيل الذي لا نهاية له للحدود، وتحقيق الأحلام المجنونة مثل الخلود. السعادة الاجتماعية هي مسألة رفاهية: إنها العيش بشكل جيد على الأرض التي تؤوينا، في وئام مع الكائنات الحية الأخرى، مع احترام البيئة. ويرتبط بهذا النوع من التقدم والنوع الآخر . من المهم أن نمارس قدراتنا النقدية بشكل جماعي للحكم على ما هو جيد وما هو غير جيد، بناءً على معاييرنا الخاصة بالسعادة. وفي أعقاب هذه الانتقادات ستظهر الظواهر التي ستشكل قطيعة واعية مع النماذج الحديثة لتطور الرأسمالية الليبرالية، وستعلن عن شيء جديد. لذا فإن الأمر متروك لنا لفهم ونقد الأساس الأيديولوجي الذي سمح بتطور نماذج الحداثة، التي تتحمل مسؤولية تعريض الحياة على الأرض للخطر. بالطبع، نفكر على الفور في الوصية الكتابية الشهيرة في سفر التكوين (1، 28): "باركهم الله، وقال لهم الله: اثمروا، واكثروا، واملأوا الأرض، وأخضعوها. " وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض." لكن الحداثة لم ترجع إلى هذا التقليد الكتابي، بل وقفت ضده، حتى لو كان هذا التقليد قد قدم سياقًا مناسبًا. في الأساس، عند ديكارت، الحداثة لها أصولها الفلسفية. قبل الحداثة، كان الإنسان يحكم الطبيعة "بفضل الله"، مما جعله مسؤولاً عن كيفية إدارة امتيازاته. مع الحداثة، توقف الإنسان في نفس الوقت عن الرجوع إلى الله، تحت التأثير الموجه للرأي العام المستنير الذي صاغته الأفكار الفلسفية لديكارت، تغير جذريًا تمثيل علاقة الإنسان بالطبيعة، وأصبحت الطبيعة بالنسبة للإنسان مادة خام بسيطة ومخزون من الموارد. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه في عام 1735 اقترح عالم الطبيعة لينيوس تصنيفًا للنباتات بأسماء لاتينية ووصف علمي، بينما كانت حتى ذلك الحين تحمل أسماء ملونة للغاية، لا يمكن فصلها عن الخيال الشعبي، مستوحاة من شخصيات الكتاب المقدس، والقديسين، وآخرين من رائحتها، أو خصائصها الطبية. ثم تنفصل النباتات عن التجربة المشتركة وتظهر كأشياء منفصلة للدراسة. من خلال الدفاع عن مفهوم أنثروبولوجي مزدوج بحت، حيث لم يبق سوى "جوهرين": جوهر مفكر، وهي السمة الحصرية للإنسان، والتي يحددها الفكر؛ والجوهر الممتد الذي تنتمي إليه جميع الأجسام، والذي يُحرم من أي صفة روحية. يؤيد ديكارت مفهومًا للطبيعة يتم فهمه بطريقة ميكانيكية بحتة. فهي مادة خام بسيطة كما هي الحيوانات أيضًا بالنسبة لديكارت، وبالتالي يمكن استغلال الطبيعة لأغراض بشرية، وبالتالي يمكن تصورها على أنها تحت تصرفنا بالكامل. من المؤكد أن ديكارت لم يدعو إلى تدمير الظروف الصالحة للسكن على الأرض، لكن لا يمكن إنكار أن الفكر الديكارتي، الذي شكل الحداثة، هو من أعراض الخيال الاجتماعي للسيطرة العقلانية على العالم. إن المفهوم الأنثروبولوجي لفلسفة ديكارت، وهو مفهوم اختزالي للغاية، أصبح موضع تساؤل اليوم. فمن سيرغب في اعتبار الحيوانات آلات هذه الأيام؟

في الواقع سوف تلهم النظرية الديكارتية للآلات الحيوانية الممارسات الصناعية لقطاع الأغذية الزراعية في القرن العشرين، وهي الممارسات التي أصبحت موضع تساؤل اليوم. من منا لا يشعر اليوم بأننا مرتبطون بالأرض، وبجميع الكائنات الحية، بحلقة حيوية - كما فهمت دائما الشعوب التي نسميها البدائية؟

نحن ندرك اليوم أننا جزء من الطبيعة: لم نعد نريد اعتبار الطبيعة مادة بسيطة مختزلة إلى قيمتها النفعية، ومتاحة للاستغلال وفقًا لمصالحنا: نحن جزء من الطبيعة. سيؤثر هذا التغيير في العلاقة مع الطبيعة على نماذجنا التنموية المستقبلية. سيكون من المهم أيضًا إصلاح الضرر الذي حدث بالفعل حيثما أمكن ذلك. ولكن ليس فقط على أية حال. أجد أنه من المدهش أن أعرف أن مؤتمر الأطراف المقبل بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري من أجل الاستعداد بشكل أفضل للتحول المناخي من خلال الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة الكنز الذي جمعه ارتفاع درجة حرارة الكوكب. إن أسطورة التقدم غير المحدود التي حملتها الرأسمالية والمجتمع الصناعي في أعقاب عصر التنوير قد ماتت لأنها خانت وعودها. والأسوأ من ذلك، أنها وضعتنا على طريق مميت من الغطرسة والإفراط، حيث اتخذ الإنسان نفسه، في كبريائه، سيدًا للكون، واستغلال موارد الأرض بلا حدود، وفرض سيطرته، لمصلحته الوحيدة، على الأنواع الأخرى من الكائنات الحية، مما يهدد ظروف الحياة على الأرض بالدمار من خلال نهمها. لقد قضت الثورة الصناعة على علاقة الوئام التي كانت موجودة بين الإنسان والطبيعة ودمرت التحالف السلمي معها وتسببت في اندلاع التدمير للبيئة وتجفيف منابع الحياة والنزاعات والحروب بين البشر. فهل يمكن الاستخفاف بالتقدم المادي واستبداله بالتقدم الروحي؟ وماهي المظاهر الروحية لهذا التقدم المنشود؟

التقدم الروحي للشرق

"من هم الذين يبحرون في منتصف ليلنا، الا يميلون نحو الظلال الأولى للشرق الحقيقي؟" (تيلار دي شاردان)

إذا أردنا أن نتعمق أكثر في هذا التفكير التقدمي، علينا أن نقرر ما إذا كنا سنفحص عالمًا ماديًا بتقدمه وأخطائه، أو عالمًا روحيًا موجودًا في داخلنا..." بالفعل، لقد تحدثنا حتى الآن عن التقدم من زاوية التملك، معتبراً إياه تقدماً مادياً. هدفنا هنا هو استكشاف جانب آخر من التقدم، البعد الروحي له، أي من خلال النظر إليه من زاوية الوجود. ماذا لو كان التقدم أيضًا أكثر من المادي والروحي؟

نحن نخترع دائمًا أدوات تكنولوجية جديدة مع المخاطرة، ليس بالتقدم بل بالتراجع في مجالات أخلاقية معينة، ولكن ماذا عن تجربة حياتنا الداخلية؟ هذا ليس منعزلاً في عالم التملك، بل يتغذى من عالم الروح والفن والشعر والأدب واللقاءات... ومن خلال هذه التجارب يتسرب ويتجاوز المادية. هذا التجاوز لا يرتبط بالتجربة الصوفية، للسيد إيكهارت على سبيل المثال ، أو يوحنا الصليب، الذي تقود كلماته ومثاله في الحياة إلى لا شيء مما يمكن تصوره، وهذا يعني نحو انفتاح يتجاوز ما هو موضوع العلم. يمكننا أيضًا أن نشير إلى تجربة الصوفي، الأقرب إلينا، أو الصوفي الكوني – وأنا أتحدث عن تيلار دو شاردان. لطالما أذهلتنا شخصية تيلار، الذي وصف نفسه بالمفكر المستقل، الذي لا يمكن تصنيفه في الواقع، والذي أخافت جرأته السلطات الكنسية والدوائر الأكاديمية. وعلى النقيض من كل التمثلات الشائعة، يرى تيلار أن المادة تحتوي على قوة روحية. المادة، بالنسبة لتيلار، هي مجموعة الأشياء والطاقات والمخلوقات التي تحيط بنا، إلى الحد الذي تظهر فيه لنا بشكل ملموس وحساس. ويوضح أن المادة ليست فقط "الثقل الذي يجر، والطين الذي يعرقل، والشجيرة الشائكة التي تسد الطريق..."، باختصار "تطلع دائم نحو الانحلال"، كما يراها تقليدًا مسيحيًا معينًا. بطبيعتها أيضًا، وفقًا لتيلار، فإن المادة «تحتوي على تواطؤ ، لدغة أو انجذاب نحو وجود أعظم". يتكون التحول الروحي من عبور طريق محدد عبر المادة، وهو بمعنى ما "طريق يوحد". ومن ثم، إذا دفعنا نحو توسيع وجهات النظر، فسوف نتقدم على هذا الطريق. ومع ذلك، يضيف تيلار: «مرة أخرى، يبدو أن ما هو قانون الأفراد هو تصغير واختصار لقانون الكل. وسنكون مخطئين جدًا إذا اعتقدنا أن العالم، في عالميته، له أيضًا صفة معينة. تحديد طريق السفر قبل بلوغ استهلاكه؟" ثم يتحدث تيلار عن انجراف عام من المادة إلى الروح. بالنسبة لتيلار، هذا "الانجراف" هو جزء من الملاحظة الشاملة التي قادته إليها أعماله المختلفة: المحيط الحيوي منظم ذاتيًا في تعقيد متزايد. كما أن رؤيته للكون هي رؤية التكوين الكوني، أي كون متطور ومتقارب حيث يكشف الله عن نفسه أولاً باعتباره المستقبل المطلق، من خلال عتبة "النشوة". إن "تصور تيلار للعالم" ، الموجه نحو المستقبل، هو في الأساس نبوي، بمعنى الإعلان عن إنسان فوق إنساني، أي تجاوز الجماعة بنفسها، منظور أوميغا. نقطة، نقطة التقاء الإنسانية. أجد هنا أفكار فيكتور هوغو الذي افتتح التدوينة الأولى: "إن الخطوة الجماعية للجنس البشري تسمى التقدم. " هذا بالفعل تقدم، نحو مزيد من الرفاهية. هذا "التحول الروحي المستمر" هو في قلب تجربة الصوفيين. يقول تيلار عن أحد هؤلاء، وهو الرجل "الذي كان سيذهب إلى حد ما في قدرته على الشعور وتحليل نفسه": "لقد اكتسبت حقًا إحساسًا جديدًا - الإحساس بجودة أو بعد جديد. والأعمق من ذلك: لقد حدث تحول بالنسبة لنا في إدراكنا للوجود. ويوضح تيلار أن هذا التعديل أو الإدراك يأتي من نوع من الحدس، ولا يمكن الحصول عليه مباشرة عن طريق أي تفكير أو أي حيلة بشرية. "مثل الحياة، التي تمثل بلا شك أعلى درجات الكمال التجريبي، فهي هدية."

خاتمة

يلعب الفنانون والشعراء والمتصوفون دور الكشافة في هذا التقدم الجماعي. ومن جانبه، يرى برجسن، الذي يتمثل مفهومه الأساسي في فلسفته في "النشاط الحيوي" كخاصية للحياة، فيهم شكلا متجسدا من الحماس الحيوي: "استولى عليهم تيار هائل من الحياة؛ ومن حيويتهم المتزايدة ظهرت طاقة غير عادية، وجرأة، وقوة في التصور والإدراك. إنهم مبدعو القيم الجديدة. إن وفرة حيويتهم "تتدفق من مصدر هو مصدر الحياة نفسها"، وتشير إلى الاتجاه. هذه الوفرة في الحياة لها، بالنسبة لبرجسن، قيمة التجربة، وهي أمر مؤكد: "إن العالم الذي تدركه عيون الجسد هو بلا شك حقيقي، ولكن هناك شيء آخر، وهو ليس ممكنا أو محتملا ببساطة، كما سيكون" استنتاج الاستدلال، ولكن مؤكد كتجربة." يمكننا أيضًا الرجوع إلى سبينوزا الذي بالنسبة له يتحدد كل كائن من خلال جهده "للمثابرة في وجوده"(الكوناتوس). من خلال الرغبة، "ماهية الإنسان"، نحن مقادون إلى القيام بما وصفه سبينوزا بـ "التجاوز" والتسامي والارتقاء. وهكذا، على خطى ابن سينا وابن رشد وسبينوزا أو برجسن أو تيلار دي شاردان، وغيرهم الكثير، فإننا نقود إلى مشاركة هذه الرؤية للإنسانية التي، بقيادة المستنيرين الذين يمكنهم إلهام كل فرد، تنطلق من الأمام وتتقدم في الروحانية، يشهد أن عالمنا ليس مغلقًا بل مفتوحًا، ويستأنف الزخم الإبداعي. فاذا كانت العولمة قد ترجمت الفشل الذريع للتنوير الصناعي فكيف يمكن تحويل التقدم المادي الى تقدم روحي؟