كينونة البشر ووجود الأشياء/ د زهير الخويلدي



تمهيد


" يجب اعتبار الإنسان كائنًا حرًا، وجديرًا بالاحترام." عمانويل كانط

إذا كان بوسعنا أن نتحدث عن البشر والأشياء، فذلك لأن لديهم واقعًا ملموسًا لا جدال فيه، على الرغم من أنه من المحتمل جدًا ألا يكونوا موجودين. ولكننا لا نفهم أن نساوي الإنسان بالشيء، أو أن ننسب إليه نفس القيمة. فحتى أقسى المجرمين لا يمكن تجريدهم من مكانتهم كإنسان. لذلك هناك فرق جوهري بين الأشياء والبشر. لكن على أي أساس هذا الاختلاف؟ لماذا يبدو من المشروع إعطاء قيمة أكبر للأشخاص من الأشياء؟ هل يوجد البشر بنفس طريقة وجود الأشياء؟


 إن مجرد حقيقة الوجود، وحقيقة الموجود، لا يعطي الأشياء في الواقع بُعدًا استثنائيًا.


1. ما هو الشيء المشترك بين الأشياء والأشخاص؟


اولا. هذه هي الحقائق القائمة

كلمة "شيء" لها معنى واسع جدًا، وفي اللغة اليومية، تُستخدم للإشارة إلى جميع أنواع الكائنات. ولكن مهما كانت طبيعة هذه الأشياء، فإن كلاً منها يتوافق مع واقع ملموس ومحدد. كلمة "شيء" تأتي من الدقة اللاتينية التي أدت إلى ظهور كلمة "واقع" باللغة الفرنسية. ومن ثم فإن الشيء ينتمي إلى الوجود: الشيء هو، في مقابل العدم الذي، بحكم التعريف، ليس موجودا. ولذلك فإننا نفهم هنا من مصطلح "الوجود" الحقيقة البسيطة المتمثلة في معارضة كل ما هو غير موجود. وبهذا المعنى الواسع للغاية، يمكننا أن نؤكد أن الأشياء والناس موجودون: إنهم موجودون، لأننا نستطيع أن ندرك حقيقتهم عن طريق حواسنا.


ب. وجود محدود ومؤقت

لا شيء في العالم يمكن الحكم عليه بأنه أبدي – إن لم يكن الله، فلا يزال يتعين علينا أن نؤمن بوجوده. كل شيء قابل للتغيير والمرور. ومع ذلك، يمكن لأشياء معينة أن يكون لها وجود طويل جدًا (الجبال موجودة منذ ملايين السنين) وهو ما يتجاوز بكثير عمر الإنسان. لكن الطبيعة تخضع لإيقاع الصيرورة والتغيير الدائم. وهكذا، يرى أفلاطون أن كل شيء في الطبيعة له نمط وجود متقلب وعابر. بالنسبة له، الأفكار وحدها هي التي لها كائن دائم يفلت من الحركة. والإنسان ليس استثناءً: فهو بطبيعته كائن سريع الزوال وعابر. تميزه المحدودية: وجوده محدود، محدود بالولادة والموت. فالإنسان، على الأرض، لا يمر إلا عبر الأشياء تمامًا. حتى لو أراد ذلك، فلن يتمكن أبدًا من الهروب من هشاشة الوجود والوصول إلى الأبدية. ولكن إذا كان الإنسان محدداً بالواقع والمحدود، فلا يمكن أن نقول إنه اختزل إلى هاتين الصفتين.


2. الناس يميزون أنفسهم عن الأشياء


اولا. طريقة وجود الشيء: الواقعية والفورية

الشيء موجود دون أن يعي وجوده: فهو موجود، لكنه لا يعرف أنه موجود. يولد النبات ويتغذى وينمو ويموت، لكنه لا يعلم أنه يمر بهذه العملية الحياتية. وينطبق الشيء نفسه على الأشياء المادية التي صنعها الإنسان. وهكذا يقول هيجل أن “أشياء الطبيعة لا توجد إلا على الفور وبطريقة واحدة، في حين أن الإنسان، لأنه روح، له وجود مزدوج؛ فمن ناحية يوجد بنفس الطريقة التي توجد بها الأشياء في الطبيعة، ولكن من ناحية أخرى فهي موجود لذاته، فهي يتأمل نفسها، وتمثل نفسه لذاتها، وتفكر ولا تكون إلا روحًا من خلال هذا النشاط الذي يشكل كائنًا من أجل ذاته بحد ذاتها." (دروس في علم الجمال ، 1832). سنتحدث بعد ذلك عن "الواقعية" للإشارة إلى حقيقة وجود الأشياء.


ب. طريقة وجود الإنسان: الوعي والعلاقات الذاتية

أما بالنسبة للإنسان، فالأمر مختلف تمامًا، كما عبر عن ذلك هيغل: فالإنسان لا يكتفي بوجوده في وضع معين، فهو واعي به وله علاقة به. يتيح له هذا الوعي تمثيل نفسه والتفكير فيما هو عليه وما يريد أن يكون. لتعيين هذا النمط من وجود الإنسان، يتحدث هيجل عن “الوجود لذاته”: فهو بذلك يعين حقيقة كائن يرتبط بذاته ويعود، في نوع من الدائرية، إلى نفسه. أن تكون واعيًا يعني أن تعرف أنه موجود. يغطي مفهوم "الوعي" عدة وجهات نظر. في الواقع، يمكن تعريف الوعي الإنساني وفق أربع طرق:

• هو الوعي الذاتي: أن يعرف الإنسان وجوده ويعتبر نفسه فرداً متميزاً عن الآخرين، سيداً لقراراته وأفعاله.

• إنه الوعي بالآخرين: لا يستطيع الإنسان أن يعيش منغلقاً على نفسه، والوجود الإنساني كله يتطلب إقامة علاقات مع الآخرين. وتشكل هذه العلاقات إمكانية وجود مجتمع تنتظم فيه الحياة وفق القوانين.

• إنه الوعي بالعالم الخارجي: الإنسان منفتح على العالم من حوله وهو، بحسب تعبير هيدجر، "ملقى في العالم". وهكذا فإن الإنسان يتميز عن الحقائق الأخرى لأنه يعي انتمائه إلى العالم من ناحية، ولأنه يعلم أنه فانٍ من ناحية أخرى.

• هو الوعي بالزمن: فالإنسان لا يعيش في الحاضر، بل يرتبط بالماضي (من خلال الذاكرة) وبالمستقبل (من خلال المشاريع التي يشكلها). إنه دائمًا يتجاوز الحاضر ويتجه باستمرار نحو ما لم يعد أو نحو ما لم يعد موجودًا بعد.

ولذلك فإن الإنسان موجود بطريقة أكثر تعقيدًا ومتعددة الأوجه من الأشياء. ألا يمكننا أن نضيف أنه الوحيد الموجود؟


3. الشيء هو ما دام الإنسان موجودا


اولا. الوجود هو فكرة إنسانية حقا

لقد اعتبرنا حتى الآن أن مصطلح "يوجد" يعادل "أن يكون". ومع ذلك، فإن فكرة الوجود يتجاوز بشكل جذري فكرة الماهية. الأخت السابقة، إذا أشرنا إلى أصل الكلمة، تعني "أن تكون بالخارج" (ex باللاتينية)، وليس أن تتزامن مع نفسك. لا يوجد الإنسان أبدًا في المكان الذي يُتوقع منه ولا يتطابق أبدًا مع نفسه تمامًا. هذا الكلام ذكره سارتر، في الوجودية مذهب إنساني، من خلال فحصه لمفهوم الطبيعة البشرية، يؤكد أن "الوجود يسبق الماهية" في الإنسان. الإنسان موجود أولا، ثم يحدد ما هو عليه. ولذلك لا يمكننا، بحسب سارتر، أن نعطي تعريفًا للطبيعة، أو الماهية الإنسانية: فالإنسان، في الأصل، ليس شيئًا. هو ما يفعله بحياته (وجوده) سيحدد من هو. ولأن الإنسان ليس شيئًا عند ولادته، فإنه "محكوم عليه بأن يكون حرًا": فخياراته وأفعاله ستجعله ما سيصبح عليه.


ب. الإنسان حر، أما الشيء فهو محدد

ليس للشيء القدرة على اختيار اتجاه أفعاله. ليس لديه إمكانية تغيير اتجاه الحركة التي فرضتها عليه قوة خارجية. الحجر الذي يتدحرج على منحدر يخضع للقوانين الفيزيائية؛ فلا يمكنه أن يختار الاستمرار في الحركة أو إيقاف الحركة. وعلى العكس من ذلك، فإن الإنسان لديه القدرة على أن يكون أصل أفعاله. إنه حر، أي أنه يستطيع أن يختار ويفعل وفقًا لما قرر القيام به. يُظهر سارتر أنه لا توجد حتمية للإنسان. لدى الإنسان القدرة على أن يقرر ما يريد أن يفعله بوجوده. ان الحرية هي أساس الأخلاق، كما يوضح كانط: فقط الكائن الحر في اختيار أفعاله هو الذي يمكن مدحه أو معاقبته لأنه تصرف بشكل جيد أو سيئ. ولذلك، فإننا ندين بالاحترام للأشخاص وليس للأشياء. وحده الإنسان، لأنه حر، هو في الوقت نفسه "مسؤول": فهو في الواقع يجب أن "يجيب" على أفعاله. الإنسان وحده هو الذي يفتح إمكانية وجود عالم يتسم بالقيم الأخلاقية. ألا تشكل الأشياء الطبيعية والمصنوعة النافع في الكون؟ ألا يكون البشر هم الأجدر بالكينونة؟


المصادر

Kant Emmanuel, Fondements de la métaphysique des mœurs (1785)

Sartre Jean Paul, L’existentialisme est un humanisme (1946)

إيران لن تحارب الآن/ مصطفى منيغ



تبيَّن لحكماء إيران  المسؤولين على إبقائها كيانا  له وجود إقليمي يُحْسَب له ما يُحسَب  لدى دولٍ بعينها كالولايات المتحدة الأمريكية التي ترى فيها الخطر الدائم المتصاعد على مصالحها ومنها حماية إسرائيل ، حكماء يتمتعون بنفوذ لا يمكن تجاوزه لاعتراف حكام ذاك البلد وعلى رأسهم المُرشد العام الرابط ما يصدر عنه من فتأوي بمباركتهم ما داموا الواضعين الأساسيين لاستراتيجيات ملتزمة إيران بتطبيق خططها حرفياً ، حكماء لا هم بمجلس استشاري محدود التدخل ولا حكومة ظل  ولا عناصر استطاعت المخابرات محلية كانت أو دوليه أن تحدد هويتهم الشخصية للتعامل معهم وفق ما يقتضيه تدخل ذوي  المصلحة لاستغلالهم بأي شكل من الأشكال أو إزاحتهم من الطريق، خامنيئي الوحيد المؤتمن على أسرارهم ، المدافعين على استمراره في منصبه القيادي الأسمى ذاك أو إبعاده . حكماء أقروا أن إيران ليست قادرة ،  بالرغم مما تملكه حتى الآن من قدرات مادية ، لخوض حرب مجهولة التوقيت الزمني طويلاً سيكون أو يتَخطى ذاك الطول لأجل غير مُسمّى ، وعدم ضبط نوعية الأسلحة المستخدمة لا محالة في مواجهة لن تكون لا كمًّا ولا كَيفاً متعادلة ، إذ مع الولايات المتحدة بعد إسرائيل هناك دول تُعدّ محور الحلف الأطلسي ، بما تتوفر عليه من جيوش نظامية لا يستهان بها ، إضافة لمشاركة (مهما كانت النسبة على أرضية المعركة) لبلاد عربية مصلحتها في انهيار الدولة الفارسية بأي ثمن ، أو تحييد أخرى كسلطنة عمان ومعظم أنظمة المغرب العربي دون تحديد موقف الجزائر من القضية برمتها لأسباب سنأتي على ذكرها مستقبلا ، انطلاقاً ممَّا ذُكر ، ماذا يبقى لإيران غير التوصل ببعض صواريخ من طرف باكستان ، أو التزود بقسط من خبرة روسيا  في الميدان ، وهذا كله بلغة منطق  الحرب إن نشبت ، يجعل إيران تفقد ما لديها على اندفاعٍ ليس أوانه ولا زمنه ولا إمكانات مقارنة بما ستواجهه ، لهذا التجأ هؤلاء الحكماء لتسخير مناوشات اذرع مسلَّحة تابعة لإيران تُشغل إسرائيل ومَن يُساندها لأطول عهدٍ ممكن ، حتى تتهيَّأ بربح المزيد من مؤيديها كالصين وكوريا الشمالية .

... كان على مثل الأذرع الإيرانية التسليح والتمويل الكلي وليس الجزئي ، إيجاد علة تبني على مقتضاها تلك المناوشات العنيفة أحياناً المكلفة الولايات المتحدة وإسرائيل تصدُّعاً مؤثرا لحد ما ، فلم تجد غير القضية الفلسطينية وما أحدثته معركة طوفان الأقصى من وسيلة قد تمكن بتحقيق انتباه العالم لمشروعية مطالبة الفلسطينيين بنهاية احتلال إسرائيل لأرضهم . فأرادت استغلالها استغلالاً يضمن التأييد المطلق للشعوب  العربية ، وفي ذلك انتصار ضمني لمخطط حكماء إيران ، الذين لا يهمهم في المقام الأول لا العرب السنة ومصير ما يطلقون عليها أم القضايا العربية ، الشيء الوحيد الذي ابتدعوا من أجله عمليات الإسناد لغزة المقاوِمة ، إشغال أمريكا وحليفتها إسرائيل في حرب غير نظامية ، قائمة على النيل من المذكورتين بأسلوب ، وأن كان موجعاً لا يحدِّد الغالب من المغلوب ، بل يطيل الصراع لاستنزاف ما تقدر إيران على استنزافه كما يتطلَّب ذلك إنجاح برنامجها النووي القادرة به التربُّع على طول وعرض منطقة النفوذ الأمريكي في السر ق الأوسط .    

للشاعر ماهر حسن: جمال المعشوقة ورصانة العاشق في ديوان "هاتي يدكِ"/ فراس حج محمد



بعد أن أصدر ديوانا باللغة الكردية بعنوان "ابتسامتك" (Keniya te)، وروايتين باللغة العربية وهما "سماء سقطت من حضني" و"ذات مكان... ذات أنثى" يعود الشاعر والروائي ماهر حسن إلى إصدار ديوان شعر باللغة العربية يحمل عنوان "هاتي يدك". والديوان قصيدة واحدة تمتدّ على مساحة (55) صفحة شعرية من القطع المتوسط، وحمل غلافه لوحة للفنان الكوردي رحيمو حسين.

يتكئ الشاعر على عنصر الخطاب في هذه القصيدة، منذ العنوان الرئيس "هاتي يدكِ". جملة خطاب افتتاحية في العنوان، لم يعد إليها الشاعر مرّة أخرى، بمعنى أنه دخل في حالة التصور الذهني أو ربما الواقعي لتكون هذه الجملة التي تحققت بأية صورة كانت انطلاقا للقصيدة وتتابع فقراتها بانسيابية؛ فيكثر تبعا لذلك ضمير المخاطب "الكاف" المتصلة بالأسماء والأفعال وحروف التشبيه، وكأن هذه القصيدة نوع من الاعتراف الذاتي أو البوح في حضرة المحبوبة التي يصرّ الشاعر على استعطافها أو التغزل بها، غزلا عفيفاً.

يبتعد الشاعر عن أفعال الأمر، فلم يستخدم سوى ثلاثة أفعال: دعيني، ونامي، وخذيني، وجاءت في سياقات النص القائم على البوح والتصوير والتلطف في الاستعطاف والمناجاة، لذلك سيطر على الخطاب الوصف والتصوير واللغة السردية التصويرية، وغصت بالاستعارات، وإن كانت مطروقة في أشعار من سبقه من المتغزلين والعاشقين.

لم يتحول الشاعر عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغائب إلا في ثلاثة مواطن مستخدما ما يعرف بالبلاغة العربية بالالتفات؛ قصد تعظيم شأن المخاطب، ولفت انتباه القارئ إلى هذا المعنى، وكأن له خصوصية جديرة بالانتباه إليها، ومنح الشاعر في الموضع الأول صفحة كاملة تخلص فيها من ضمير المخاطب، وهو ما جاء في قوله:

نامي أيتها الأرض بين ضفائرها

قد نحت الله الهواء بجمالها

وترك لنا بصريات وهج خديها

تلك الفاتنة 

عرج بي الضوء إلى من ثغرها إلى العينين

ثم أرنو إلى إله رسم بريشة مقدسة

تكوينات جمالها

وأتمّ حضورها الأول.

لا يركز النص إلا على الصورة الظاهرة للمرأة عبر الحديث عن جمالها، وما أحدثته فيه من أثر، مستعيدا قاموس الشعراء العذريين ومضامين الغزل العذري، ومن ناحية أخرى يعيد إلى الأذهان طريقة التعبير الرومانسية لدى شعراء الغزل الرومانسي الحديث، فاندمجت في النص كل عناصر الطبيعة الحية وغير الحية، والأرضية والسماوية والواقعية والخيالية والدنيوية والآخروية المستقاة من عالم الغيب. من أجل ذلك أو بناء عليه، ترسم مقاطع النص لهذه المرأة صورة مثالية:

كأنك تشبهين الكون والأفلاك

كأنك وحدك

تسيرين في برزخ من الجلنار والزنابق

بشعرك المسترسل

وكأن كهنة ومرشدين ينتظرون بهاء مرورك.

وبالتالي يقرر في نهاية القصيدة الديوان هذا الحكم "لا امرأة تشبهك ولا حواء".

هذه الصورة تقود الشاعر- نظراً لطبيعة ظروف النص وإنشائه- إلى اعتماد الصورة غير الواقعية، القائمة على التصور الخيالي المغرق في رومنسيته وخياليته. فعلى الرغم من أن المقطع السابق يقوم على مبالغة مخففة بأداة التشبيه التي جعلت فاصلا بين الطرفين، وجعلت الصورة مستساغة، يستغني الشاعر عن هذا الفاصل اللغوي ذي البعد النفسي في هذا المقطع:

ما حاجتي لأحدق في المجرات

وتسقط في كل رجفة من رموشك 

كومة نجوم.

تشهد القصيدة كثيرا من هذه الرومنسية الباذخة في اشتعال جذوة التصوير الخيالي، لتتحد الطبيعة الأرضية مع الطبيعة السماوية العلوية الممتدة في الفضاء الرحب لتحضر كثير من مفرداتها: سماء، غيوم، مجرات، مطر، الشمس، قوس قزح، ويمزج مع هذه العناصر عناصر من اللغة القدسية المستعارة من العوالم الدينية حيث الله، والملائكة، والكوثر، والصلاة. بل إنه يرى أن الإله "رسم بريشة مقدسة تكوينات جمالها". 

اتسم إيقاع القصيدة بالهدوء المتصل بطبيعة اللحظة المفترضة أو المتصورة التي يقف فيها الحبيب مناجيا حبيبته وهما بكامل تجلياتهما العشقية، حيث جمالها المبهر ذو السمت الإلهي، وحيث أناقته التعبيرية التي تغوص في عصب اللحظة حتى النفس الأخير، بطقس يشبه العبادة والتلذذ والمتعة الروحية، ويمد لها يده ويقول لها "هاتِي يدك"، فيتدفق هذا النص بين يديها معبّرا ما وسعته اللغة والصورة عن هذه اللحظة.

في ذكرى وفاة ليبوفيتش، من النشوة الى القومية الوحشية البهيمية/ جواد بولس



حلت، في الثامن عشر من شهر آب/ اغسطس الجاري، الذكرى الثلاثين لوفاة الفيلسوف اليهودي يشعياهو ليبوفيتش، الذي صارت ذكراه تحضر معنا تقريبا في كل لقاء نتحدث فيه، أنا وبعض المعارف والأصدقاء اليهود، عن واقع حياتنا، لا سيما عن الفظائع التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة وفي الضفة الغربية المحتلة، وعمّا ينتظرنا، نحن المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، وسيصل بعدنا لكل يهودي لن يقبل بحكم الطغمة الفاشية التي، كما يبدو من وقائع المشهد الراهن، ستتحكم في مقاليد الحكم وستتصرف كما تصرف كل نظام "فاشي بهيمي"؛ وهما الصفتان اللتان توقع البروفيسور ليبوفيتش، بعد انتهاء حرب حزيران 1967 مباشرة وبسبب نتائجها ، أن يصير عليهما المجتمع الاسرائيلي وجيشه. كانت اسرائيل تعيش نشوة انتصارها على العرب، أو بالأحرى على بطل العروبة وباني حلم امتها بالوحدة العربية، جمال عبدالناصر؛ وكنا، نحن المواطنين الفلسطينيين، خارجين من كابوس الحكم العسكري، الذي أخضعتنا حكومات اسرائيل لأنظمته منذ عام 1948 ولغاية العام 1966، لنواجه بعده وخزات النكسة وهي تنقط ذلّا في مساماتنا. كان صوت ليبوفيتش وكمشة من اليهود المعارضين للاحتلال، في تلك الأيام، مثل همسات ساحرة في ليالينا الحائرة. كان ليبوفيتش متدينا وصهيونيا، لكنه صار هدفا لهجمات غالبية الاسرائيليين بسبب مواقفه من الاحتلال وتنبؤاته عن تأثيراته الكارثية على المجتمعات اليهودية وخراب دولة إسرائيل، حتى ان البعض أطلق عليه اسم "نبي الغضب". لم تثنه التهجمات، فتمسك بمبادئه وثابر على اشهارها من على كل المنصات بصرامة وباصرار يليقان بفيلسوف عرف أن عبادة الله لا تستوجب عبادة الحجر ولا تقديس التراب ولا الجيش ولا اذلال سائر البشر.  

لو كان ليبوفيتش على قيد الحياة اليوم لكان يعتبر العدو الأول والأخطر للتيارات الصهيونية القومية والدينية ولعقائدها المسيانية والمتزمتة عرقيا، لاسيما لايمانها المطلق بقدسية الأرض وفوقية الجيش والانتماء القومي، وكذلك بسبب موقفه من ضرورة فصل الدين عن الدولة.

 أذكر أننا كنا نستدعيه ليحاضر في نشاطاتنا الطلابية الاحتجاجية في الجامعات. كان يحضر وسط معارضة المجموعات اليمينية الفاشية الصاخبة ومحاولاتهم تعطيل محاضراته ومحاصرته، ويقف أمامهم بعنفوان وبدون خشية ويؤكد في كل مرة على ما أعلنه بعد الحرب مباشرة بأنه : "لن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية ما دامت دولة محتلة؛ والنشوة القومية التي أصابت شعبها بعد حرب حزبران ستكون مؤقتة وسوف تحولهم الى أبناء لقومية فوقية متشاوفة، ثم إلى أبناء قومية متطرفة ثم الى أبناء قومية متوحشة بهيمية". 

لا أعرف اذا سمعَت أجيال هذه الأيام بتاريخ هذه الشخصية الاستثنائية وبراهنية مواقفه رغم مرور السنين ، ومنها على سبيل المثال: معارضته لابعاد حكومة يتسحاك رابين قادة حركة حماس إلى منطقة"مرج الزهور" في العام 1991،  ومهاجمته لأنشطة وحدات المستعربين، وندائه لرفض الخدمة العسكرية في الأراضي المحتلة، وقناعته أن استمرار احتلال اسرائيل للفلسطينيين سيفضي بدون شك إلى قيام جيش الاحتلال بممارسات تشبه ممارسات النازيين، حتى أنه وصف في العام 1987 قرار "لجنة القاضي لنداو"  السماح بتعذيب الأسرى العرب  خلال التحقيق معهم بهدف منع عمليات "ارهابية" بأنه قرار "يودو نازي". انها غيض من فيض سيرة مفكر رسم مسيرة أبناء شعبه وهم يتخلون عن انسانيتهم على مراحل؛ أو كما توقع : نشوة نصر عسكري، ففوقية قومية عمياء، فقومية وحشية وبهيمية. لقد رسمها ورحل في العام 1994 وتركنا نواجه تحقق نبوآته هناك في فلسطين المحتلة وهنا داخل اسرائيل المختلة.  

قبل أيام تعمدت قيادة جيش الاحتلال الاسرائيلي الاعلان عن شروعها بحملة عسكرية واسعة تشمل محافطات شمالي الضفة الغربية ومناطق غور الاردن؛ وكأن هجمات الجيش المكثفة منذ السابع من اكتوبر الماضي على تلك المناطق وسائر المدن والقرى الفلسطينية كانت مجرد عمليات "تأديبية"رغم أنها أوقعت 660 شهيدا على الأقل، وأكثر من خمسة آلاف جريح، الى جانب تدمير المباني والبنى التحتية في عدة مناطق وأحياء مأهولة. يخطىء من يحسب أن الاعلان الاسرائيلي عن بدء الحملة الراهنة وابرازها كأحد أشكال المواجهات العسكرية التي تخوضها اسرائيل على سبع جبهات هو مجرد تعبير عنجهيّ مختلف يأتي في سياقات تكتيكات المواجهات النفسية التي يألفها الفلسطينيون ويدركون مراميها؛ ويخطىء من لا يضع هذه الخطوة في خانتها الصحيحة على مخطط حكومة إسرائيل الحالية وما تضمره لمستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 وسكانها الفلسطينيين؛ ويخطىء من لا يتأهب لمواجهة المرحلة القادمة بقرارات معدّة ومدروسة مسبقا وليس عن طريق انجرارات عاطفية بطولية، أو ردّات أفعال اضطرارية بدون استشراف النتائج التي يتوخى الاحتلال تحقيقها ضمن رؤيته الاستراتيجية الواضحة. 

قد ننتفع في هذه العجالة إذا عدنا وذكّرنا بالوثيقة التي أعدّها الوزير بتصلئيل سموطريتش عام 2017 تحت عنوان "خطة الحسم، مفتاح السلام موجود بايادي اليمين"  وقصده طبعا حسم الصراع معنا كفلسطينيين، كل الفلسطينيين. لقد كانت رؤية مستقبل المنطقة واضحة عند معسكره دائما، وكانوا ينتظرون اختمار الشروط لتنفيذها. بعد الانتخابات الأخيرة، وقعت الواقعة وباشرت القوى اليمينية بتنفيذ انقلابها على السلطة والبدء بتنفيذ "خطة الحسم".   

ووفقا لهذه الخطة تفترض أركان الحكومة الاسرائيلية الحالية أن السلام مع الفلسطينيين هو أمر مستحيل، وهم لا يؤمنون بحل الدولتين، بل يؤمنون بضرورة تغيير الوقائع على الأرض واتمام ضم المناطق الفلسطينية وتخيير الفلسطينيين بين البقاء في "يهودا والسامرة" ليعيشوا في جيوب سكانية تخضع للسيادة والحكم الاسرائيليين، أو هجرة من لا يرغب منهم بهذا، وعندها ستساعدهم اسرائيل وتسهل عملية هجرتهم؛ أمّا الخيار الثالث، فسيواجهه من لا يقبلون بالخيارين المذكورين، اذ حينها على الجيش  الاسرائيلي "أن يعرف كيف يهزم الارهابيين في زمن قصير؛ قتل من يجب قتله وجمع السلاح حتى الرصاصة الأخيرة واعادة الأمن لمواطني دولة اسرائيل".  

لم تكن هذه الحكومة بحاجة لما جرى في السابع من اكتوبر كي تمضي في تنفيذ "خطة حسمها " للصراع ، لكنها وظفت ما جرى لتبرير حربها على غزة  من أجل تدميرها وتهجير أهلها أو على الأقل ضمان عدم قدرتهم على استعادة شروط حياتهم الطبيعية. وكذلك لتبرير تصعيد عملياتها العسكرية في الضفة المحتلة مدّعية بأن ايران، بعد الخسائر الاستراتيجية التي منيت بها في غزة وفي الجنوب اللبناني، تحاول تعزيز وجودها في الضفة وتزود جيوب المقاومة بالمال وبالعتاد العسكري. انها سياسة اسرائيلية خبيثة وخطيرة نجحت، على ما يبدو، أن تفرض، ولو مؤقتًا، على فضاءات الضفة الغربية الملتبسة أصلا، خطابا سياسيا جديدا. فاسرائيل تحاول أن تلفّع الحالة النضالية الفلسطينية بالثوب الايراني بهدف حصر الصراع في بعده الديني واخراجه من دائرته التاريخية الصحيحه كصراع قومي. وهي بهذه الحالة تحاول أن تستنسخ بعض عوامل الواقع الغزي ومفاعيله على أمل لديها أن يؤدي ذلك الى زج الضفة الغربية في حالة نضالية غير ثابتة وخلافية، خاصة والجميع يعلم بأن الضفة الغربية تمر في ظروف معقدة وصعبة بسبب غياب الوحدة الفلسطينية المرجوة طبعا، وغياب القرار الفلسطيني المجمع عليه، لا سيما في مسألة المواجهات المسلحة مع جيش الاحتلال . 

 لا يغيب عن إسرائيل بالطبع موقف الأنظمة الحاكمة في معظم الدول المؤثرة على تداعيات الأحداث الكبيرة في العالم وفي منطقتنا تحديدا؛ فمعظم هذه الدول تقيم وترتكز على محور الدائرة الاسرائيلية الامريكية؛ بينما، على الجبهة المقابلة، تحاول روسيا أن تتحرر من تعقيدات وتحديدات صراعها مع اوكرانيا بيد أنها لم تتحول فعليا إلى عامل مضاد قادر على ترجيح موازين النتائج أو الأرباح؛ ومثلها نجد الصين التي تحاول بدورها أن تزيد من وزنها عالميا، وتأثيرها في قضايا الشرق الأوسط من خلال محاولات رأب الصدع الفلسطيني، وهي تعرف أن تلك هي غاية شبه مستحيلة أو مهمة أصعب من ادخال جمل في ثقب ابرة !  فالى أين يتجه الفلسطينيون ؟ 


لتكن عودة على بدء     

ليتهم  يتذكرون ما قاله  ليبوفيتش، وهو من كان في شعاب قومه أعلم؛ لقد عبروا مرحلة النشوة وأوصلهم احتلالهم إلى ضفاف "خطة الحسم" وهم في حالة من "الوحشية والبهيمية"،  فهل يتعقلون أولا ثم يتفكرون ثم يتوكلون  !  


سليم الحص سنبقى نذكرك/ عباس علي مراد


بالأمس رحلت عنا قامة وطنية، قومية وانسانية شامخة أغنت العمل الوطني والإنساني ورفدته نبلاً وثقافة وتواضعاً وثباتاً وصدقاً…

الرئيس الراحل سليم الحص كان السباق، دائماً لم يكل ولم يمل، وكان دائماً يقرن القول بالفعل، وبقي قوياً لأنه لم يطلب آمراً لنفسه، بل كان همه الوطني والانساني بوصلته في حله وترحاله.

كان سليم الحص مدرسة سيرته تُعِلم القيم الانسانية والوطنية والقومية ومنها نستشرق الأمل في بناء وطن مبني على المحبة بعيداً عن زواريب المذاهب والطوائف وطلاب السلطة.

إذا قالوا المحبة فقد كنت أحد المبشرين بها...

إذا قالوا القيم فكنت القيم عليها وحارسها…

إذا قالوا الحرية فأنت من قدسها…

إذا قالوا الضمير فقد كنت ضمير الوطن والعرب.. .

إذا قالوا الكبرياء فكنت الكبير بتواضعك...

إذا  قالوا الكرامة فكنت رايتها الخفاقة…

إذا قالوا الصبر فكنت أيوب لبنان...

إذا قالوا الإيمان فقد تجلى في كل أعمالك...

إذا قالوا الطائفية فأنت اول من مقطها...

إذا قالوا الدولة فكنت رجل الدولة...

إذا قالوا وطنية فأنت معناها...

إذا قالوا شفافية فقد كنت صداها...

إذا قالوا مسؤولية فكنت رائدها...

إذا قالوا ديمقراطية فكنت المؤمن بها قولاً وفعلاً…

إذا قالوا الكلمة فأنت صاحبها…

إذا قالوا الموقف فهو سلاحك...

  إذا قالوا المقاومة فقد كنت من قادتها...

إذا قالوا الفساد فكنت أول من كان حرباً عليه …

إذا قالوا الانفتاح فقد كنت من دعاته…

إذا قالوا الحوار فقد كان سيرتك…

وإذا قيل الحق فكنت خادمه…

وإذا قالوا الحقيقة فكنت من أول طلابها…

وإذا قالوا التاريخ فأنت أحد المؤرخين…

الراحل الكبير لقد ولدت سليماً وعشت سليماً ورحلت من الفانية سيلماً وستبقى في الذاكرة سليماً… وستبقى ذكراك  سليمة وخالدة في سجل الخالدين.

أخيراً، اقول إنه لفخرٌ كبير لي اني عشت في زمن الانسان القدوة والمثال رغم كل ما عانينا ونعاني لانه وكما كنت تردد شعارك الأثير "لا يصح الا الصحيح"

رحم الله الرئيس الحص… وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. 

كيف أصبح اليسار رجعيا؟/ د. حسن العاصي



إن "الأمل" هو فطور جيد، لكنه عشاء سيئ، كما قال الفيلسوف الانجليزي "فرانسيس بيكون" Francis Bacon. كان الأمل قبل ربع قرن فقط يشكل قوة فاعلة في السياسة العالمية. واليوم أصبحت السياسة في مختلف أنحاء العالم مدفوعة بالغضب واليأس والاستياء. وقبل كل شيء الحنين. "لنجعل من X عظيما مرة أخرى" هو الشعار الغوغائي في عصرنا، وليس فقط مع الترشح الرئاسي لدونالد ترامب في الولايات المتحدة، بل في الهند أيضاً التي بدأ رئيس وزراءها مسيرته المهنية من خلال الترويج للـ "هندوتفا" Hindutva وهي قومية هندوسية خيالية تمجد الحضارة الهندية قبل وصول المسلمين، وتؤمن بأيديولوجية سياسية تشمل التبرير الثقافي للقومية الهندوسية والإيمان بتأسيس الهيمنة الهندوسية داخل الهند.  في أوروبا تتحرك أحزاب اليمين المتطرف في مختلف أنحاء القارة بماض متخيل مماثل، وتحقق مكاسب في عدد من الدول.

نحن نعيش في عصر رجعي. يؤمن الثوار بالأمل. ويتمنون أن يعتقد الآخرون أن الانفصال الجذري عن الماضي أمر ممكن، وأنه سيفتتح حقبة جديدة من التجربة الإنسانية. ويعتقد الرجعيون أن مثل هذا الانقطاع قد حدث بالفعل وكان كارثياً. وبينما يبدو للعين غير المدربة أن نهر الزمن يتدفق كما كان دائماً، فإن الرجعي يرى حطام الجنة ينجرف أمام عينيه. يرى الثوري المستقبل المشرق. يفكر الرجعي في الماضي بكل بهائه. وهو يعتقد أنه الوصي على ما حدث بالفعل. وهذا ما يفسر اليأس المبهج بشكل غريب والذي يتدفق عبر الأدب الرجعي والخطاب السياسي. وعلى حد تعبير محرري المجلة الأمريكية "ناشيونال ريفيو" National Review اليمينية في عددها الأول، فإن المهمة تتمثل في الوقوف "ضد التاريخ".

الرجعيون ليسوا محافظين. هذا هو أول شيء يجب أن نفهمه عنهم. لقد نظر المحافظون دائماً إلى المجتمع باعتباره نوعاً من الميراث الذي نتلقاه ونتحمل مسؤوليته. ويعتقد المحافظون أن الطريقة الأكثر صحة لإحداث التغيير هي من خلال التشاور والتحولات البطيئة في العادات والتقاليد، وليس من خلال الإعلان عن برامج إصلاح جريئة أو اختراع حقوق فردية يفترض أنها غير قابلة للتصرف. لكن المحافظ أيضاً متقبل لحقيقة أن التاريخ لا يتوقف أبداً وأننا مجرد عابرين. يسعى الفكر المحافظ إلى غرس فكرة متواضعة مفادها أن التاريخ يدفعنا إلى الأمام، وليس العكس، وأن المحاولات الجذرية للسيطرة عليه ستؤدي إلى كارثة.

ويرفض الرجعيون هذه النظرة المحافظة. إنهم متطرفون على طريقتهم مثل الثوريين ومدمرون بنفس القدر. تبدأ القصص الرجعية دائماً بحالة سعيدة ومنظمة، حيث يتقاسم الناس عن طيب خاطر مصيراً مشتركاً. ثم أدت الأفكار الغريبة التي روج لها المثقفون - الكتاب والصحفيون والأساتذة - إلى تقويض هذا الانسجام. (إن خيانة النخب هي أمر أساسي في كل أسطورة رجعية). وسرعان ما انخدع المجتمع بأكمله، بما في ذلك عامة الناس. فقط أولئك الذين احتفظوا بذكريات الأساليب القديمة - الرجعيون أنفسهم - هم الذين يرون ما حدث. ما إذا كان المجتمع سيعكس اتجاهه أو يندفع إلى هلاكه النهائي يعتمد كلياً على مقاومتهم.


اليسار الرجعي

يمكن العثور على الرجعيين ليس في اليمين فقط، يل في صفوف اليسار. فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي والآمال الثورية في عالم ما بعد الاستعمار تنحسر. استبدل اليسار الأوروبي خطاب الأمل بخطاب الحنين إلى الماضي. الحنين إلى قوتها الماضية. إن الحنين إلى ثقافة الستينيات، واقتصاد الخمسينيات، وسياسة الثلاثينيات هو دليل على فشل اليسار. ولم يعد اليسار قادراً على الإلهام برؤية طوباوية للمستقبل، مما اضطره إلى العودة إلى ماضيه. وبالتالي فإن فشل اليسار يشكل انتصاراً لليمين.

إن القصة التي يرويها اليسار الرجعي لنفسه تبدأ مع ثورات القرون الماضية، والانتفاضات، والإضرابات العامة. ثم جاء الخريف مع مارجريت تاتشر ورونالد ريجان. على من يقع اللوم؟ مرة أخرى: المثقفون الغربيون، وهم في هذه الحالة عصابة دولية من الاقتصاديين "النيوليبراليين". لقد تمكنوا بطريقة أو بأخرى من إقناع الحكومات والناخبين الذين كانوا ينتمون إلى الطبقة العاملة سابقاً بأن الثراء هو أمر مجيد. وعندما لم تصل الثروات قط، أقنع السياسيون العنصريون هؤلاء الناخبين بإلقاء اللوم على المهاجرين والأقليات. ولا يمكن تبديد هذا الوهم إلا إذا جعلنا اليسار عظيماً مرة أخرى ــ على الرغم من أن ما سيفعله اليسار المنتعش يظل لغزاً.

 ولم يقم أي من الأحزاب الجديدة المناهضة للعولمة في أوروبا "بوديموس" Podemos في إسبانيا، و"سيريزا" Syriza في اليونان، وحركة الـ "خمس نجوم" the Five Star في إيطاليا بطرح برنامج معقول عن بعد للمستقبل.

 لقد كانت هناك علاقة بين شعبية هذه الأحزاب، وتصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، والحماس لترامب في أمريكا الوسطى. لقد أدت العولمة الاقتصادية وشلل المؤسسات الديمقراطية إلى شعور الناس العاديين في المجتمعات الغربية بالحرمان من حقوقهم. وكذلك الأمر بالنسبة لحقيقة أنه لم يقدم أي حزب أو حركة من مختلف ألوان الطيف السياسي الغربي رؤية معقولة للمستقبل استناداً إلى الحقائق الحالية، التي تتغير بسرعة متزايدة. إن عيش حياة عصرية في أي مكان في العالم اليوم، خاضعة لتحولات اجتماعية وتكنولوجية دائمة، يعني تجربة المعادل النفسي للثورة الدائمة. والآن أصبح القلق في مواجهة هذه العملية تجربة عالمية، ولهذا السبب تجتذب الأفكار الرجعية أتباعاً في مختلف أنحاء العالم لا يشتركون إلا في القليل من الشعور بالخيانة التاريخية.

كل تحول اجتماعي كبير يترك وراءه جنة عدن جديدة يمكن أن تكون بمثابة موضوع حنين لشخص ما. وقد اكتشف الرجعيون في عصرنا أن الحنين يمكن أن يكون حافزاً سياسياً قوياً، وربما أقوى من الأمل. الأمنيات يمكن أن تكون مخيبة للآمال. الحنين لا يمكن دحضه.


اليسار النظري

كل شيء بدأ في أواخر الستينيات، عندما ابتعد فصيل من اليسار عن العمال واتجه نحو المثقفين لدعمهم. أصبح هذا اليسار الجديد القائم على النظرية النقدية، والذي قدم انتقادات لا نهاية لها قائمة على النظرية للمجتمع الحالي. مع مرور الوقت، أدت التغيرات الثقافية الناشئة عن هذا اليسار القائم على النظرية إلى سلسلة من التأثيرات الاجتماعية، والتي دفعت بشكل مطرد عدداً كبيراً من الناس نحو المحافظة الرجعية المتشددة. وربما تسارعت هذه العملية في السنوات الأخيرة، مع ظهور موجة جديدة من اليسار النظري في العقد الماضي. والنتيجة هي أن هناك الآن مقاومة كبيرة لإصلاحات العدالة الاجتماعية بجميع أنواعها.

مشكلة اليسار النظري هي أنهم متجذرون في الفلسفة النظرية، وليس في الحقائق العملية للعالم الحقيقي. وهذا يعني أنهم يقدمون تشخيصات خاطئة للمشاكل الاجتماعية، ويقدمون الحلول الخاطئة. والأكثر إشكالية هو أن لديهم أيضاً تحيزاً قوياً ضد المؤسسات الاجتماعية القائمة منذ فترة طويلة مثل الزواج والأسرة وغيرها من ركائز المجتمعات التقليدية، وذلك بسبب النظرة النقدية للعالم التي ترى أنها تدعم نظاماً "قمعياً".

أحد التأثيرات الرئيسية لأفكار وممارسات نظرية اليسار، وخاصة محاولاتهم لتفكيك و"تحرير" كل شيء، هو أنها عملت على إضعاف النسيج الاجتماعي بشكل كبير على مدى العقود الخمسة الماضية. وقد أدى هذا بدوره إلى حرمان ما يحتاجه الكثير من الناس بشدة، ألا وهو شبكات الدعم الأسرية القوية والمستقرة، والشعور القوي بالانتماء للمجتمع، فضلاً عن الشعور بالأمان الذي يوفره ذلك. ومن الطبيعي أن ينجذب هؤلاء الأشخاص إلى النزعة المحافظة الرجعية، التي تَعِد بوقف التدهور، وإعادة المجتمع إلى حالته السابقة. وعلى الرغم من أنهم لم ينجحوا في القيام بذلك من الناحية العملية، إلا أن الوعد ذاته، والفكرة ذاتها، كانت جذابة لكثير من الناس، الذين ليس لديهم مكان آخر يلجأون إليه.

وفي العقد الماضي، كانت هناك موجة أخرى من نشاط اليسار النظري والتي دفعت المزيد من الناس إلى اليمين بطريقة أخرى، من خلال إصرارهم غير المعقول على قبول أفكارهم دون مناقشة. هذا الموقف متجذر في النظرية القائلة بأن المعرفة والخطاب متجذران في السلطة والقمع، وهو ما يتعارض تماماً مع المنطق العملي السليم ومُثُل التنوير. ولكن الأهم من ذلك، أن هذا الموقف لن يكون مقبولاً لدى معظم الناس. خلال العقد الماضي تحول الكثير من الأشخاص التقدميين المعتدلين سابقاً إلى اليمين المتشدد بعد أن واجهوا الموقف غير المعقول لليسار النظري. يحب البعض إنكار هذه الحقيقة، لكنني أعتقد أن هذا شيء حدث بالفعل إلى حد كبير.

كيف إذن نستطيع أن نبدأ في معالجة هذه الفوضى، حتى نتمكن من إعادة التقدم الإصلاحي إلى جدول أعمال؟

نحن بحاجة إلى وضع حد للتأثير المهيمن لليسار النظري على تحديد السياسات. على وجه الخصوص، طالما أن النظرية النقدية اليسارية ذات المحصلة الصفرية والهدامة والمناهضة للمجتمع في الأساس لا تزال باقية في ضميرنا، فلن نتمكن حقاً من البدء في إعادة بناء نسيج اجتماعي قوي. ومن دون نسيج اجتماعي أقوى وأكثر صحة، لن تتوفر الإرادة اللازمة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لحل مشاكلنا. وهكذا، فإن كل قضية جديدة وكل تطور جديد يتحول إلى مزيد من الوقود للحروب الثقافية، الأمر الذي يعود بالنفع على كل من اليسار النظري واليمين الرجعي، وبالتالي استمرار الحلقة المفرغة. ليس هناك مجال لإلقاء نظرة غير متحيزة على أشياء مثل الأتمتة، والمساواة العرقية، والحقوق المدنية، والمناخ وما إلى ذلك. ومن هنا، سأتحدث أكثر عن كيفية إزالة تأثير خمسة عقود من النظرية النقدية في أفكارنا وثقافتنا. وهذا أمر يتعين علينا أن نعمل معا من أجله، لأنه أثر علينا جميعاً تقريباً بدرجات متفاوتة.

والشيء المهم الآخر الذي ينبغي علينا القيام به هو إعادة أولئك الذين وقعوا بالفعل في فخ المحافظة الرجعية المتشددة، لأنهم يرون أن ذلك هو السبيل الوحيد لإعادة مجتمع صحي. ويتعين علينا أن نبني بديلاً أفضل: طريق العودة إلى مجتمع صحي، ولكن يتطلع إلى الأمام بدلاً من النظر إلى الوراء. ومن ثم نحتاج إلى إقناع هؤلاء الناس بأن طريقتنا ستنجح، ويمكننا إصلاح الفوضى التي خلقها اليسار النظري بطريقة لا تستطيع الأيديولوجية الرجعية القيام بها.

لا يمكن إلا أن نُبقي الناس في حالة من الحنين إلى الماضي الأفضل، ولكن يمكننا أن نمنحهم شيئاً يأملون فيه بالفعل: مستقبل أفضل. إنه طريق طويل، لذلك أعتقد أننا يجب البدء في أقرب وقت ممكن.


النموذج الإسباني

جاهدت وزيرة المساواة الإسبانية إ"يرين مونتيرو" Irene Montero لفرض قانون يهدف إلى منح وضمان حقوق الإنسان الأساسية للأشخاص المتحولين جنسياً، والذي أدت مسودته إلى صراع على السلطة داخل الحركة النسوية المؤسسية (PSOE وPodemos). البعض في الحكومة أعطى صوتا للفرع النسوي الإقصائي الرافض للتشريع، مما فتح جدلاً في اليسار لم يكن موجوداً من قبل في البلاد، فكانت النتيجة زيادة في حملات الكراهية. في الآونة الأخيرة، شنت "المنظمة شيوعية" communist organization حملة مناهضة لقانون المتحولين جنسياً، حيث ظهرت في الشوارع ملصقات تحمل عبارة "ابنتي متحولة جنسياً" وكتبت بدلاً من ذلك "ابنتي لا تستطيع تحمل تكاليف الدراسة الجامعية".

بدأت هذه المناقشة مع "قانون الترانس"  Trans Law في إسبانيا الذي صدر عام 2023 ويتيح التعريف الذاتي للجنس في إسبانيا. كما يسمح القانون للأفراد بتغيير هويتهم الجنسية قانونياً. ولكن هذه المناقشة نموذجية لكيفية وجود موجة رجعية في جميع أنحاء اليسار الأوروبي: اليسار الذي يتفاعل مع الهويات المتنوعة للطبقة العاملة فقط لاحتضان هوية شيوعية أكثر اختزالا. إذا كان هناك قاسم مشترك لتفسير اليسار الأوروبي الرجعي، فهو كلمة "استيقظ" لليمين البديل. ومن خلال القيام بذلك، فإنهم يقومون بتوسيع صورة مزيفة، وهي مشكلة خلقها المحافظون لتقديم حلول تناسب أيديولوجيتهم.

ما الذي حدث حتى أصبح العامل الصناعي الإنجليزي في القرن التاسع عشر، كما وصفه ماركس، هو المرجع الوحيد لسلسلة كاملة من اليساريين الذين يتمتعون بسلطة خطابية متزايدة في المجال العام؟

إن ظهور الخطاب الرجعي لليمين البديل في الولايات المتحدة في عام 2012 ونجاحه النسبي - وهو دفاع عن الرجل الأبيض والمغاير جنسياً - أعطى المجموعات الهامشية الرجعية في كل من أوروبا وإسبانيا حجة مركزية: لقد كان اليسار مهتماً بالقضايا الثقافية، وليس مع "السياسة الطبقية".  المفكر اليساري الأمريكي "فيفيك تشيبر" Vivek Chibber يؤكد أن الاشتراكية لا يمكن تحقيقها بدون الطبقة العاملة، وهذا أمر واضح فكل حركة سياسية تبدأ من موضوع سياسي. ومع ذلك، فإن الاشتراكية لا تقوم على هوية يجب المطالبة بها "الطبقة العاملة"، بل على العكس تماماً فهي تعلن عن هوية سلبية، شيء يجب نفيه أو تدميره. علاوة على ذلك، فإن الحركة (الاشتراكية) برمتها تدور حول كيفية إنكار هويتها جدليا من خلال الثورة أو حتى الإصلاح التقدمي، وبالتالي غرس السيف في قلب الرأسمالية. بالإضافة إلى ذلك، يذهب تشيبر إلى حد القول بحزم أن جميع العمال يصوتون وفقاً لـ "مصالحهم المادية"، وبالتالي، فإنهم يصوتون لليمين لأنه قد يكون لديهم خطاب أكثر توجهًا طبقياً، مما يوحي بأن اليسار فقد قيمته. مكان في مناقشات الهوية.

اعتبر البعض أن هذا التحليل فيه مغالطات معادية للماركسية على أقل تقدير. أولا: لقد أظهر لنا التاريخ بالفعل أن "المادة" لا تقتصر على الأشياء التي تغذي الإنسان وأن العمال لا يصوتون للسياسيين الذين يعدون بتلبية "احتياجاتهم المادية". على سبيل المثال، لا يصوت العمال لصالح الساسة الذين يعدون بتوفير الغذاء أو الإسكان أو التعليم بأسعار معقولة للجميع. لو كان الأمر بهذه البساطة، لكانت البشرية تعيش في ظل الاشتراكية لمدة قرن من الزمان. ثانيا: إن الإيحاء بأن "المادة" هي الطريقة الوحيدة لتسييس ذاتية العمال يتجنب رؤية البياض، والأمة، والجنس - وحتى "التقاليد" - باعتبارها هياكل مادية. تعد العنصرية ورهاب المثلية والتمييز الجنسي أيضاً جزءًا من موضوع "الطبقة العاملة" وتمنعهم من اكتساب القدرة السياسية أو تعبئتها بمصطلحات مناهضة للنظام.

أخيرًا، بدءًا من أعمال الماركسيين النسويين مثل الأكاديمية الأمريكية "نانسي فريزر" Nancy Fraser أو عالمة الأنثروبولوجيا الدومينيكية "أوتشي كورييل" إلى أعمال منظري النظام العالمي مثل عالم الاجتماع الأمريكي "إيمانويل والرشتاين" Immanuel Wallerstein، والاقتصادي وعالم الاجتماع الإيطالي "جيوفاني أريجي"  Giovanni Arrighiورفاقهم.  من المعروف جيداً أن شروط إمكانية الاستغلال (الاقتصادي) من قبل الرأسماليين يقوم على المصادرة (السياسية)، سواء كان ذلك العمل الحر أو شبه العبودي للنساء والعمال السود.

لقد ظهر نوع من "الماركسية المبتذلة"، الملتزمة سياسياً بتعزيز مؤسسات مثل الدولة أو "الأسرة" - والتي تُفهم على أنها غير تاريخية، وليست نتاجاً للرأسمالية. إنه يسار رجعي لأنه يعيش في الماضي - وتحديداً في ذروة العصر الفيكتوري الأخير - ويشعر بالحنين إلى الرفاهية الأوروبية، وحتى الأمريكية.

تحاول هذه المواقف إحياء العصر الذهبي حيث كان من المفترض أن تلبي الدولة احتياجات الطبقة العاملة، وحيث لم يكن للحركات الاجتماعية صوت في المجال العام للتعبير عن مدى تنوع الطبقة العاملة. ولكن، كيف يمكن أن توجد مثل هذه الحركة إذا لم يتم الاعتراف بالعمل الحر الذي قدمته زوجات رجال الشرطة والجيش والتجار - أو عمل السود في مستودعات السفن الذي ساعد في توسع الإمبراطورية البريطانية؟


أزمة بعد أزمة

ومع ذلك، فإن هذه اليسارية الرجعية لم تظهر بين عشية وضحاها، بل يمكن إرجاعها إلى أزمة عام 2008، حيث دمر الانفجار المالي «الحكومات اليسارية»، وبقيت في السلطة تلك الحكومات التي ركزت برامجها السياسية على الليبرالية الاجتماعية المحاصرة داخل النموذج النيوليبرالي.

وبدلاً من الاستفادة من هذه الأزمة لإعادة التفكير في الاستراتيجيات اليسارية، ظهر تطبيق سياسي: زخم شعبوي، لم يكن نظرية متطورة للغاية، بل فرضية أو استراتيجية للاستيلاء على السلطة. وفي بعض البلدان، كانت هذه المقترحات تنتمي بوضوح إلى طيف اليمين المتطرف؛ وهذا هو الحال في فرنسا (FN)، والمملكة المتحدة (UKIP)، والولايات المتحدة (Alt-Right & Trump)؛ بينما في دول أخرى، كان للنافذة الشعبوية طابع يساري أو تقدمي واضح، كما هو الحال في إسبانيا حزب "بوديموس"  Podemos أو اليونان حزب "سيريزا" Syriza ، أو مزيج من الاثنين، كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث اليسار يعارض ترامب وكلينتون بين الأحزاب اليسارية مثل شخصية عضو مجلس الشيوخ الأمريكي "برنارد ساندرز" Bernard Sanders . ويمكن اعتبار حلم زعيم حزب العمال البريطاني "جيريمي كوربين" Jeremy Corbyn في المملكة المتحدة مثالاً آخر.

ويمكن القول إن السابقين يشربون من المنظر السياسي والأكاديمي الأرجنتيني "إرنستو لاكلاو" Ernesto Lacla وشريكته "شانتال موف" Chantal Mouffe بالإضافة إلى ما يسمى باشتراكية أمريكا اللاتينية في القرن الحادي والعشرين، في حين أن الشعبوية اليمينية، أو بالأحرى الرجعية، ستفعل ذلك من كتابات المؤلف السياسي اليميني المتطرف الفرنسي "آلان دي بينويست" Alain de Benoist مؤسس الحركة اليمينية Nouvelle Droite.

في إسبانيا، ألهم المؤلفان الأولان الممارسة السياسية لحزب بوديموس، بينما أصبح الثاني يُقرأ بشكل متزايد -بسبب الترجمة الإسبانية، ويقدمه اليسار الرجعي الإسباني على أنه "مؤلف مستعرض". وليس من قبيل الصدفة، بالنسبة لـ دي بينوسيت، أن الهدف بعد الثمانينيات ــ مع وفاة الحداثة واستنفاد الديمقراطية الليبرالية ــ يجب أن يكون التركيز على المعركة من أجل الأفكار والثقافة. باتباع الإجراء الغرامشي Gramscian حاول اليمين الاستفادة من أزمة الأيديولوجية المهيمنة لتحفيز النيوليبرالية وفرض نظام جديد. وهذه هي الطريقة التي وقع بها اليسار الرجعي في الفخ: فقد خدمت الشعبوية اليسارية ــ وحدودها النظرية والاستراتيجية في تغيير الحس السليم للعصر ــ كرجل قش لصالح اليمين عندما تضاءلت قواه وتقلصت طاقاته الراديكالية.

والحالة النموذجية هي الحالة الإسبانية: كان على القوة اليسارية، حزب بوديموس، أن تتفق مع الحزب الاشتراكي العمالي، وعلى الرغم من أنه كان لديهم دائماً أفق لاستعادة دولة الرفاهية في منتصف القرن العشرين ومن ثم التقدم نحو نوع من الاشتراكية الديمقراطية. – الحقيقة هي أنهم لم يتمكنوا من كسر النموذج النيوليبرالي داخل الحكومة. هذه المعركة "الخاسرة" لا تترك سوى اليسار محكوماً عليه بإدارة رأس المال، مع الاضطرار إلى توزيع الفتات بين الطبقة العاملة، كونها الأخيرة لا تثق تماماً في الوعود الكاذبة.

ومع ذلك، فإن اليساريين من "النمط الجديد" لديهم إرادة متعددة الجوانب داخلهم: فهم يفهمون السياسة الطبقية على أنها ضرورية، ولكنهم يحاولون توسيع الحقوق السياسية خارج هوامش المصنع. حتى أنهم وقعوا في فخ النموذج النيوليبرالي، كانت إجراءاتهم تهدف إلى تحسين تنوع الطبقة العاملة: زيادة الحد الأدنى للأجور، والمحاولة الفاشلة للحد الأدنى من الدخل الحيوي، وتوسيع الحقوق لتشمل الأشخاص المتحولين جنسياً، وقانون الإجهاض الجديد، والمزيد من الحماية للأشخاص المتحولين جنسيًا. وإذا لم يتمكنوا من توسيع نطاق جدول الأعمال ليشمل المزيد من القضايا المادية، فهذا أمر يستحق اللوم على القادة السياسيين، وليس المجموعات المستبعدة. بل على العكس من ذلك، ينبغي استخدام هذا التقدم في مجال العدالة الاجتماعية كأمثلة إيجابية.

لكن اليسار الرجعي، الذي يقف مع العنصرية بنى خطاباً مفاده أن هذه الحركات والنضالات كانت "نضالات جزئية" تهدف إلى "خداع" الطبقة العاملة. في أوروبا ـ وخاصة في إسبانيا ـ لم تتسبب الرأسمالية في تقسيم الطبقة العاملة المتنوعة، كما فعل الرجعيون. وكما ذكر أحد ممثليهم الرئيسيين، "إذا كان نضال المثليين يشكل خطراً على الرأسمالية، فلن تتبناه رأسمالية قوس قزح، وقد تم التعبير عن نفس الحجة حول الحركات النسوية والمناهضة للعنصرية. مثال آخر هو الكتاب الذي نشره الكاتب الإسباني "دانييل برنابي"  Daniel Bernabéعام 2018، بعنوان "فخ التنوع" The Diversity Trap والذي يحذر من أن الوحدة الطبقية مكسورة الآن بسبب مناهضة العنصرية. وهناك أيضاً مثال الكاتبة وكاتبة العمود الأكثر مبيعاً "آنا إيريس سيمون" Ana Iris Simón التي تقدم نفسها على أنها "يسارية" ولكنها تقتبس من مؤلفين فاشيين إسبان للدفاع عن نفسها. وبما أن اليسار الرجعي يلعب بهوية وطنية بالإضافة إلى كونه أبيض ومغاير جنسيا وذكوريا - على عكس الأجانب، بغض النظر عما إذا كانزا من الطبقة العاملة - فإن أفضل طريقة لاسترضاءهم هي الدفاع عن الأممية بكل معانيها.

ماكس فيبر بين أخلاقيات الاقتناع وأخلاقيات المسؤولية/ د زهير الخويلدي



مقدمة

ماكس فيبر (1864-1920) هو المؤسس الرئيسي لعلم الاجتماع الألماني، وهو مؤلف عمل كبير لا يزال يدرس في جميع أنحاء العالم اليوم (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، الاقتصاد والمجتمع، "العالم والسياسي"...). هذا الكتاب الأخير:"العالم والسياسي" عبارة عن مجموعة من محاضرتين ألقاهما عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، ألقيا على التوالي في عامي 1917 و1919. تتعلق الأولى بـ "مهنة الباحث ودعوته". والثاني، حول "مهنة السياسي ورسالته": يستخدم فيبر مصطلح بيروف، والذي يعني المهنة والحرفة معًا. تحدد "مهنة السياسي ودعوته" ماهية السياسي الجيد في ظروف السياسة الحديثة. يتم تعريفها على أنها النضال من أجل الحصول على سلطة الدولة أو الإطاحة بها أو تحويلها: وفي هذا السياق يقدم فيبر تعريفا للدولة التي أصبحت مشهورة الدولة هي سلطة احتكار العنف المشروع وتعيد توزيعه في شكل قوانين. وفي نهاية المداخلة، يركز على العلاقات المختلفة التي يمكن أن يقيمها السياسيون مع الأخلاق. وعلى هذا فإن الساسة والناشطين يواجهون معضلات أخلاقية، وهناك العديد من الإجابات المحتملة لها: هل ينبغي للسياسي الجيد أن يتبع قناعاته دون أن ينحني على الإطلاق؟ ماذا يفعل عندما تبدو العواقب أسوأ مما لو تنازل عن مبادئه؟  ألقى فيبر هذا المؤتمر في عام 1919، في سياق دولي بالغ الصعوبة: في فترة أزمة كهذه، ما هي الصفات التي يجب أن يتمتع بها السياسي لكي يرقى إلى مستوى الحدث؟


الصفات الحاسمة للسياسي الجيد


بالنسبة لماكس فيبر، يتميز السياسي الجيد بثلاث صفات "أساسية وحاسمة": وهي "العاطفة، والشعور بالمسؤولية، والبصيرة".


العاطفة والمسؤولية

من خلال العاطفة، يجب أن نفهم "الارتباط لسبب ما"، والذي يميزه فيبر عن "الإثارة العقيمة" البسيطة. إن الارتباط الحقيقي بقضية ما لا يعني أن تكون شغوفًا بها للحظة واحدة: بل بالأحرى أن تخدمها، وتشعر بمسؤوليتك تجاهها. لأن الشغف وحده، مهما كان أصيلاً، لا يكفي. إنها لا تجعل من الفرد سياسيا عندما لا تجعل من خدمة "القضية"، وبالتالي المسؤولية أيضا فيما يتعلق بهذه القضية على وجه التحديد، النجم الذي يوجه العمل بطريقة حاسمة. وبالتالي فإن العاطفة الحقيقية لا تنفصل عن الشعور بالمسؤولية. إنه ارتباط دائم بقضية ما، وهو ما لا يتضمن بالضرورة أفعالًا مذهلة، ولكنه يتضمن تحمل الفرد مسؤولياته فيما يتعلق به.


النظرة- البصيرة- الاستبصار

النظرة مرتبطة بالمسؤولية. إنه على وشك القدرة على ترك الحقائق تؤثر على النفس، في التأمل الداخلي والهدوء، وبالتالي: المسافة فيما يتعلق بالأشياء والأشخاص . المشكلة بالتحديد هي كيف يمكن أن تجتمع حرارة العاطفة وبرودة النظرة في نفس النفس. إن فكرة أن السياسة تفترض "البعد عن الأشياء والناس" تنطوي على مفارقة. على العكس من ذلك، قد يعتقد المرء أن السياسي في خضم الحدث، وأن هذا لا يسمح بمسافة حقيقية. ومع ذلك، بالنسبة لفيبر، يجب علينا أن نسعى لقطع هذه المسافة من أجل اتخاذ الخيارات الصحيحة. إن منظور السياسي الحقيقي يسمح له باتخاذ الخيارات الصحيحة وعدم الانجراف وراء الأحداث. ولذلك فإن هناك تناقضًا مع العاطفة، حيث يجب إجبارهما على التعايش: لكن هاتين الصفتين يجب أن تتواجدا معًا في السياسي. وهكذا ينتقد فيبر، من ناحية، السياسات الساخرة لأولئك الذين لا يكرسون أنفسهم لقضية ما، ومن ناحية أخرى، العاطفة العقيمة لأولئك الذين يكرسون أنفسهم لقضية دون الابتعاد عن الأحداث.


خياران ممكنان

بمجرد تحديد هذه الصفات، يحدد فيبر خيارين محتملين للسياسي فيما يتعلق بالأخلاق. بمعنى آخر، من بين طرق التفكير المختلفة حول العلاقة بين الأخلاق والسياسة، يبرز خياران رئيسيان: إن أي عمل ملهم أخلاقيا (...) يمكن توجيهه وفق "أخلاق الاقتناع" أو وفق "أخلاق المسؤولية". ليس أن أخلاق الاقتناع مطابقة لغياب المسؤولية، وأخلاق المسؤولية مطابقة لغياب الاقتناع. بالطبع ليس هناك شك في ذلك. ولكن هناك تعارضًا عميقًا بين العمل الذي تحكمه أخلاق القناعة (باللغة الدينية: "المسيحي يتصرف وفقًا للعدل، ويعتمد على الله في النتيجة")، وبين العمل الذي ينظم وفقًا لمبدأ "العدالة". أخلاقيات المسؤولية التي بموجبها يجب على المرء أن يتحمل العواقب (المتوقعة) لأفعاله. يوضح فيبر أن الخيارين لا يستبعد أحدهما الآخر: في حالات ملموسة، من الممكن أن الشخص لم يختار بوضوح بين أخلاقيات الإقتناع وأخلاقيات المسؤولية. لكن هذه المعارضة تحدد نوعين من العمل السياسي، ووفقا لفيبر، يجب على كل سياسي أن يختار بين الاثنين.


أخلاقيات القناعة

يعرّف فيبر أخلاقيات القناعة بناءً على عبارة لوثر، مؤسس البروتستانتية: "يجب على المسيحي أن يتصرف وفقًا للعدالة، ويعتمد على الله في النتيجة". بالنسبة لأخلاقيات القناعة، فإن الشيء المهم هو التصرف بطريقة تتفق مع المبادئ التي تم وضعها في البداية. ومهما كانت العواقب، يجب ألا نحيد عن مبادئنا. لذا، يشعر مؤيد أخلاقيات القناعة بأنه "مسؤول" عن شيء واحد فقط: منع شعلة القناعة الخالصة من الانطفاء، على سبيل المثال، شعلة الاحتجاج ضد ظلم النظام الاجتماعي. ولذلك فإن أخلاقيات القناعة تتطلب إبقاء المبادئ السياسية حية للتقدم نحو العدالة. ومن ناحية أخرى، يواصل أنصاره أفعالهم، حتى لو كانوا يخاطرون بحدوث عواقب كارثية: وبالتالي، فإنهم يتعارضون مع الأخلاق التي تأخذ في الاعتبار عواقب أفعالهم.


أخلاقيات المسؤولية

يتم تعريف أخلاقيات المسؤولية على أنها تتعارض مع أخلاقيات القناعة: حيث يتصرف أنصارها وفقًا للعواقب المتوقعة لأفعالهم. لا يتعلق الأمر بالتخلي عن كل قناعة - لأنه في هذه الحالة، لن تعد هذه أخلاقًا على الإطلاق - بل يتعلق الأمر بالدفاع عن مبادئ المرء مع الأخذ في الاعتبار العواقب المتوقعة للفعل: لا يمكن لأي أخلاقيات في العالم أن تتجنب حقيقة أنه من أجل تحقيق غايات "جيدة"، فإننا ملزمون، في كثير من الحالات، بقبول وسائل مشكوك فيها أو على الأقل خطيرة من وجهة نظر أخلاقية، وكذلك من وجهة نظر أخلاقية، وحتى احتمال حدوث عواقب عرضية سيئة. إن مؤيد أخلاقيات المسؤولية يدرك هذه المشكلة. ولذلك فهو يسعى إلى التأكد من أن أفعاله لها أفضل العواقب الممكنة، وأنها أقرب ما يمكن إلى ما يريد أن يراه يحدث. ومن ناحية أخرى، للقيام بذلك، يمكنه استخدام الوسائل التي تبتعد عن الغاية المطلوبة. ومع ذلك، فإنه على جانب أخلاقيات القناعة، وليس اخلاقيات المسؤولية، يشخص فيبر الفشل.


فشل أخلاقيات القناعة

إن أخلاقيات القناعة في الواقع تفشل، عند فيبر، في نقطتين، أولهما أنها تفترض أن البشر أفضل من بعضهم البعض. لذلك يدعو فيبر الى مواجهة عيوب البشر. عندما يفشل صاحب هذه الأخلاق فهو يعزو المسؤولية إلى العالم، أو إلى غباء الآخرين، أو إلى إرادة الله الذي جعلهم كما هم.  والحقيقة أن أخلاقيات القناعة توصي بالتصرف وفقاً للمبادئ: فبمجرد أن يتصرف على هذا النحو، فإن مؤيده لن يشعر بالمسؤولية عن العواقب الوخيمة المحتملة. لكن أخلاقيات المسؤولية، على العكس من ذلك، "تتناسب على وجه التحديد مع هذه العيوب المتوسطة لدى البشر"، ومؤيدها "لا يشعر بأنه في وضع يسمح له بلوم الآخرين على عواقب أفعاله، إلى الحد الذي يمكنه توقعها". ".لكن ليس هذا هو الخطر الأكبر لأخلاقيات القناعة، التي تكمن في الإشكالية الثانية التي تطرحها: "تقديس الوسيلة بالغاية".


"تقديس الوسيلة بالغاية"

هنا في الواقع يبدو أن أخلاقيات القناعة "تبدو فاشلة تمامًا": فالشخص الذي ينظم تصرفاته على هذه الأخلاقيات يجب عليه، منطقيًا، أن يمتنع عن كل الوسائل غير الأخلاقية. ومع ذلك، ليس هذا ما يحدث دائمًا: في عالم الواقع، نختبر باستمرار أن مؤيد أخلاقيات الإدانة يتحول فجأة إلى نبي ألفي وأن أولئك الذين بشروا للتو بـ "الحب ضد العنف" يدعون إلى العنف في اللحظة التالية - من أجل العنف النهائي، والذي من شأنه أن ينشئ دولة يتم فيها القضاء على كل أعمال العنف. بمعنى آخر، تفشل أخلاقيات القناعة في مواجهة لاعقلانية العالم، أي عدم تنظيمه وفق نموذج العدالة الذي يرغب فيه صاحبه. وفي مواجهة ذلك، غالبًا ما يتحول إلى مؤيد للعنف المفرط لتحقيق هذه العدالة. يشير فيبر هنا إلى دعاة السلام الثوريين، الذين يريدون إنهاء الحرب من خلال ثورة عنيفة. وهو معادٍ لهذا الخيار، إذ إن أخلاقيات قناعة من يريد رفض الحرب بأي ثمن تصبح، حسب رأيه، قبولاً لكل الوسائل العنيفة لتحقيق الهدف. ومع ذلك، يكن فيبر احترامًا أكبر لمؤيد أخلاقيات الإدانة التي تظل متماسكة تمامًا: وهكذا يمتدح تولستوي، معارض الحرب ومؤيد اللاعنف، لأنه طبق مبادئه بطريقة متماسكة تمامًا، دون أن يقبل أبدًا. أي وسيلة عنيفة. ولكن عندما لا تكون أخلاقيات الإدانة مبنية على مثل هذا المطلب الجذري للاتساق، فإن أخلاقيات الإدانة تظل خطيرة.


خاتمة

ومن خلال التمييز بين أخلاقيات القناعة وأخلاقيات المسؤولية، يساهم فيبر في مناقشة أخلاقية حول العلاقة بين الوسائل المستخدمة والغايات المطلوبة: هل من الممكن التصرف دائمًا بشكل عادل، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن أن يأتي أي شيء سيئ من العمل الجيد؟ هل ينبغي لنا في بعض الأحيان أن نقوم بأفعال تستحق التوبيخ الأخلاقي عندما تكون العواقب المباشرة جيدة؟

من الواضح أن فيبر يقف إلى جانب أخلاقيات المسؤولية: فالسياسي الحقيقي، في نظره، يعرف كيف يواجه مسؤولياته، حتى وخاصة في عالم غير كامل، في حين أن مؤيد أخلاقيات القناعة، على العكس من ذلك، لا يستطيع أن يتحمل عدم تحمل المسؤولية تجاه اللاعقلانية في العالم. فكيف يمكن التأليف بين السياسة والأخلاق وبين القوة والحق من خلال ايجاد التوازن بين القناعات والمسؤوليات؟


المصدر:

Max Weber, Le Savant et le Politique,1919

ملصقات ممنوع الجلوس/ شوقي مسلماني



هذه الزاوية فاصلة 

أم هي مجرّد نقطة سوداء؟، 

هذا السطر أبيض ـ شريط حياة 

من حائط إلى حائط، 

هذه الزخارف ورود وزهور 

مصبوغة كلّها بالأبيض  

والضوء في الوسط شمس صغيرة. 

..


"الضعفاء 

يلومونَ الظروف 

والأقوياء 

يصنعونَ التاريخ". 

..


يموتُ جائعاً، عطشاناً، 

ولا يكون تحت نيرِ احتلال مرعوباً 

أو مقلوعاً من جذورِه. 

..


ملأ محيطَ الفراغ  

بملصقات ممنوع الجلوس.  

..


من الذاكرة 

تعويض عن طفولة 

وعن أمكنة. 

..


التشدّد 

وصمةُ سمّ.  

..


وحين بعدُ مروجُ رياحين، 

وحين بعدُ الضبابُ صديقُ المشهد، 

النهار أبعاده كلّها: حقوله، أشجاره، عصافيره، 

زهوره، بحيراته.. 

أو حين يدٌ طفلة تعبث طويلاً بالرماد 

وتشتعل دمعة. 

..


من كان يختبئ 

ومن كان يطلّ من طرف ستارة.. 

ومثل ساهٍ عن خلقِ حكايته.    

..


سلوكٌ آخر 

يفضي إلى مسارٍ آخر. 

..


"ردّاتُ الفعل الإنتقاميّة 

ليست من سمات الثورات". 

..


الفاسد 

ذاته طابور خامس. 

..


حين ثقبٌ في فقّاعةِ الحلم، 

وحين تواجه العالم بوجهٍ حجر. 

..


السياسة  

لها في سلّةِ القضاء ـ  

البلادُ مخذولة. 

..


كذبوا كثيراً 

ونحن صدّقنا.  

..


"النفط  عجّل بهلاكِهم، 

لم يحقّق الثراءَ لأبناءِ العرب". 

..


المسافة ـ 

الجَناحُ غ ا د رَ ها. 

..


حياة 

ما أكثر إنقطاع الكهرباء فيها، 

حياة 

كأنّكَ خلفَ نافذة وتشاهد فقط، 

حياة 

كأنّها، وواقعاً هي ليست. 

حياة 

لا هدى فيها ولا خطيئة. 

حياة  

تتقافز مع عصافير الدوري. 

وحياة 

كأنّها كلّها في إختبارِ ممكن.  

..


سيكون المشهد غيره 

حيث الأشياء مكثَّفة، 

وقد يكونوا جميعهم غرقى. 

الإستمراريّة محور البوذيّة. 

أن يكون لقدميكَ أرض. 

من لا يزال يقبض على جمرة.. 

ولا عزاء إلاّ بالمبادراتِ الجريئة. 

Shawkimoselmani1957@gmail.com


غيوم/ الدكتور عدنان الظاهر

        


حينما تشحبُ الغيومُ أمامي

أُعلِّقُ نفسي على حائطٍ من دماءِ

صورةً شوّهتها الحروبُ مِراراً 

وشجاراً على قامةٍ من نخيلِ

وقميصاً ترتديهِ الدروبُ

على جَسدٍ في الفراتِ قتيلِ

أُعلّقها رايةً من سوادِ

وسيفاً تكسَّرَ في فورةِ المُستحيلِ

الغيومُ التي أمطرتني مِراراً 

والغيومُ التي مزّقتني مِراراً

ليس فيها شميمُ بُقيا تُرابي

وليس الكلامُ الذي بلّغتني كلامي 

فلا الطريقُ طريقُ

ولا مرامُ الجواري مرامي

ولا الدروبُ التي صيّرتني تُراباً دروبي

غيرَ أنَّ الغيومَ تبقى غيومي

والنجومَ التي أُطفِئتْ في الظلامِ تبقى نجومي...

كحِّليني يا رموشَ المنافي بهابطِ ظلّي

وأطِلّي على شُرفةٍ في مضاربِ عزلي

فإنَّ الغيومَ التي بارَحَتْ أَسقُفاً في الديارِ

مُثقَلاتٍ بمحّنةٍ من حَصارِ 

والوجوهَ التي تركتنا على أَسطُحِ الذكرياتِ عرايا

أصبحتْ جُثّةً من رمادِ

والزمانَ الذي لم يُطِقْ وِقفةً في طريقي

تقلّبَ قبلَ الرحيلِ مِراراً …

خانني في العشاءِ الأخيرِ

فلا المساءُ مساءٌ ببابي

ولا الطبيبُ طبيبي.    


ما يشبه الرسالة للرئيس يتسحاك هرتسوغ/ جواد بولس



حضرتني فكرة هذه المقالة بعد أن شاهدت الرئيس الاسرائيلي يتسحاك هرتسوغ يواجه، قبل عدة أيام، مجموعة من أهالي المخطوفين في غزة وقد وقفوا أمام مقر سكنه للاحتجاج ومطالبته بالتدخل من أجل انقاذ أبناء عائلاتهم. لم يعط المحتجون فرصة كبيرة للرئيس هرتسوغ لإجراء حوار مؤدب بل كانوا يقاطعونه ويهاجمون مواقفه بصراخ، إلّا أنه نجح بتمرير بعض المواقف التي استفزتني ودفعتني الى كتابة ما يشبه الرسالة إليه. اكتبها وأعرف أن " كلامي إن قلته ضائري/ وفي الصمت حتفي، فما أصنع"؟  

كان همه في المواجهة أن يؤكد على ضرورة حماية وحدة المجتمع الاسرائيلي، ولكن عندما سألوه اذا كانت هذه الوحدة تشمل وزراء مثل الوزير ايتمار بن چفير أجابهم "على العكس يجب اخراج الكاهانية". وعندما سئل عن موقفه ازاء اعتداء سوائب المستوطنين على أهالي وبيوت قرية "جيت" الواقعة قرب مدينة قلقيلية في شمال الضفة الغربية أجاب: "هذا عمل خطير جدا، لكن المؤسسة تقوم بمعالجته" ثم أضاف "يوجد هناك نصف مليون انسان (يقصد نصف مليون مستوطن يهودي في الضفة المحتلة) يسكنون في المستوطنات و 99٪؜ منهم يحافظون على القانون. كلهم موجودون في المعركة وفي هذه الحرب، وحياتهم مهددة من جميع الجهات. مهمتنا الآن أن نكون موحدين". 

حكى ويا ريته ما حكى!  

لم يفاجئني كلامه بل، كما قلت، استفزني بريائه عندما تحدث عن معارضته للكهانيّة، وبديماغوغيّته وهو يتحدث عن الديمقراطية ويعبر عن "خشيته على حياة المستوطنين المهددين من كل جهة والمحافظين على القانون" وبتنكره الواضح لاوضاع المليوني مواطن عربي يسكنون في داخل اسرائيل، لأنه عندما تحدث عن حماية وحدة المجتمع الاسرائيلي كان يقصد من دون أدنى شك، وحدة اليهود في الدولة اليهودية وحسب . 

لن أتطرق لتاريخ يتسحاك هرتسوغ السياسي، فما يهمنا اليوم هو موقفه السلبي والخطير الذي اتخذه ازاء مؤامرة الانقلاب على الديمقراطية التي باشرت حكومة نتنياهو بعد الانتخابات الأخيرة بتطبيقها. وحتى بعد أن اتضحت نوايا وزراء الحكومة والقوى العنصرية اليمينية التي خططت لها ودعمتها، لم يُقدم الرئيس هرتسوغ على مواجهتهم، بل سعى وبادر الى طرح حلول وسطية وتسويات استرضائية آزرت في الواقع القوى اليمينية ومكنتها من الزحف البطيء واحتلال جميع مرافق الحكم ومؤسساته السيادية والادارية. 

قد لا يكون السبب في وصف الرئيس هرتسوغ بالمتملق جديدًا؛ فهو كمن تربى داخل معسكر حزب العمل، وبرز خلال السنوات الماضية كأحد قيادييه المركزيين، كان قد تشرّب هذه الميزة من سياسات حزبه ومواقف حكوماته التاريخية التي عانى منها المواطنون العرب وقياداتهم منذ عقود. كذلك فلقد خَبِرَتهم الأحزاب الصهيونية اليمينية والمتدينة ودأبت على وصفهم بالمتملقين، كما فعل الوزير ايتمار بن چفير حين سمع هرتسوغ ينادي بضرورة استبعاد الكاهانية عن الحكومة، فوصفه بالمتملق ونصحه بأن يسكت كما فعل عندما خضع للتحقيق في الشرطة وقال له إن "الرياء صفة مقرفة". 

لقد صرح هرتسوغ خلال مواجهته مع المحتجين على أنه "مؤمن بدولة اسرائيل، ومؤمن بالمجتمع الاسرائيلي، ومؤمن بالديمقراطية الاسرائيلية. وأن الديمقراطية الاسرائيلية ستنتصر" ! من يسمع هذا التصريح لا يفهم منه موقفا سياسيا واضحا؛ انه أسلوب ديماغوجي بامتياز، فهو يعرف أنه لو سئل أي كهانيّ أو أي فرد في الكتائب الفاشية أو أي طيار عسكري يقصف من قمرة طائرته الابراج السكنية في غزة ويقتل من فيها من الاطفال والشيوخ والحوامل، لو سئل جميع هؤلاء لماذ يفعلون ما يفعلونه، لأجابوا مثلما أجاب، فهم أيضا يؤمنون باسرائيل وبالمجتمع الاسرائيلي وبالديمقراطية. انهم، اذًا، اخوة بالسلاح وبالديماغوجية. 

لم ترق مواقف الرئيس هرتسوغ المعلنة قبل السابع من اكتوبر للكثيرين من السياسيين والنخب الاسرائيلية، أما بعد السابع من أكتوبر فقد صارت مواقفه مقلقة أكثر ومستفزة، اذ أعلن في البدايات، مثل اغلبية الشعب اليهودي، تأييده للحكومة ولحربها. وبعد أن استمرت الحرب بصورها العبثية وأسبابها الملفقة انتقل الى خانة الصمت الكثيف ولاذ بها.  

لقد اتضح أن الهدف من وراء استمرار العدوان هو في الواقع اعادة احتلال القطاع وتهجير سكانه وفق فرضية اسرائيلية قديمة تنظر لهذا الحل أنه الحل الممكن والوحيد الذي "سيخلص" اسرائيل من نصف المواجهة المستمرة مع الفلسطينيين على الأقل. 

وبدأ كثير من الاسرائيليين يقتنعون بذلك وبأن حكومة نتنياهو  توظف أصداء الحرب ونيرانها كي تلجم فرص الاحتجاجات الشعبية ضدها التي بدأت عقب اخفاقها باعادة المخطوفين مع احتمال تطورها للاحتجاج على نهج الحكومة السياسي الذي سيؤدي، وفق البعض، الى انهيار اسرائيل . 

لقد برز من بين هؤلاء المنتقدين البروفيسور الاسرائيلي أهرون تشحنوبر الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2004 . اخترته من بين عشرات الشخصيات التي خرجت علنا ضد سياسة نتنياهو وحكومته لما يمثله في المنجز الاسرائيلي الرسمي ومكانته المحلية وعالميا. لقد شارك مؤخرا في مؤتمر عقد في كيبوتس نير عوز وهناك حذر من ظاهرة هجرة العقول والاكاديميين من اسرائيل، وأكد على أن "أطباء كبار يختفون من المستشفيات، الجامعات تستصعب تجنيد محاضرين في الميادين الحساسه، فهذه مجموعات صغيرة ولكن عندما سيترك الدولة ثلاثون ألف شخص من هذه الفئات لن تكون هنا دولة"،  وأضاف: "هؤلاء أشخاص قرروا الهجرة من الدولة لأن الوضع هنا لم يعد يلائمهم.  لا يلائمهم بسبب ما حصل قبل الحرب، فهم يريدون أن يعيشوا في دولة ليبرالية وديمقراطية وليس في دولة تقوم بها الحكومة بالسيطرة على السلطة بالقوة ". ثم تحدث عن موقفه من رئيس الدولة خاصة عن صمته وقال: "لقد خبا صوت رئيس الدولة. انه شخصية رمزية هامة وأنا من هذه المنصة أتوجه اليه لأقول له ما قاله آينشطاين: هذا المكان ليس خطيرا بسبب وجود الأشرار فيه، إنّما بسبب الأشخاص الذين يرون الأشرار ويصمتون ولا يحركون ساكنًا. قم واعمل عملا". كنت أتمنى أن أعرف ماذا يقترح البروفيسور تشحنوبر نفسه في هذا الصدد، خاصة وانه أبدى قناعته بأن الجيش الاسرائيلي سوف ينتصر في هذه الحرب. فاذا انتصر الجيش إنتصرت هذه الحكومة والبقية الآتية ستقرأها الأجيال القادمة في كتب التاريخ. 

لا أعرف ماذا سيفعل الرئيس هرتسوغ من أجل وقف الحرب على غزة، أو اذا كان يرغب بأن يفعل أي شيء؛  كما ولا أعرف إذا كان سيفعل شيئا كي يمنع هذه الحكومة أو غيرها من السطوة على نظام الحكم بالقوة، أو اذا كان الوقت قد فات ؟ لكنني أعرف أن هذا الرئيس قد شارك يوم 2021/10/29 في مراسم احياء الذكرى لمجزرة  كفر قاسم وأعلن على الملأ: "إنني أنحني أمام ذكرى الضحايا وأطلب العفو باسمي وباسم دولة اسرائيل"، وهو الرئيس نفسه الذي تواجد مع جنود الاحتياط قبل دخولهم الى غزة بتاريخ 2023/12/25 والتقط صورا له وهو يوقع على أحد الصواريخ قبل اطلاقه نحو بيوت غزة بعد أن كتب عليه "نعتمد عليكم "، وكأنه قد نسي أنه القائل في ذكرى مذبحة كفرقاسم على أن "القتل والمس بالابرياء هو عمل ممنوع  بغض النظر عن أي موقف أو خلاف سياسي" ، وهو الرئيس الذي صرّح كذلك في مواجهته مع المحتجين أنه " اذا رأى خطرا على الديمقراطية الاسرائيلية، سأقف في مقدمة المعسكر".  يبدو انه لا يرى بما يجري خطرًا على الديمقراطية، أو أنه يرى ويقف فعلا في المعسكر الصح، أو ربما كان يقصد العسكر وليس المعسكر. 

فليحيا التملق ولتعش الديماغوجية. 

وَرَحَلتَ عَنَّا َقبلَ إشْرَاق ِ النَّهار/ الدكتور حاتم جوعيه


( في رثاء الرَّسَّام الكاريكاتيري الفلسطيني الشَّهيد " ناجي العلي "  -  في الذكرى السنويَّة على  وفاتِهِ  -  )   


يا   أيُّهَا  الحُلمُ   المُسافرُ  في  الحقيقَهْ  

يا  أيُّها البدرُ الذي  قد  غابَ عَنَّا  وارْتحَلْ  

قتلوكَ ؟  لا  لمْ  يُطفِئوُا الشَّمسَ المُنِيرَة َ في السَّماءْ  

لم  يحجبُوا  قمرَ  الضِّياءْ  

لن  يخرقُوا نظمَ  الطبيعةِ  والوجُودْ  

أنّى  لهُمْ  أن  يعكسُوا  شكلَ الفصولْ  

قتلوكَ ؟ لا.. لا  لمْ  تمُتْ  لوْ صَوَّبُوا  كلَّ  البنادقِ نحوَ  صدرِكْ 

لوْ  أغمَدُوا  مليونَ  سيفْ 

لو عذ َّبُوكَ  ومَزَّقوكَ  وَأحرقوكْ  

لمْ  يسكتوا ذاكَ النَّشيدْ // لمْ  يُسكتوا ذاكَ النَّشيدْ  

ستظلُّ نبراسًا لهذا  الشَّعبِ من جيل ٍ لجيلْ   

أنتَ   الذي  عاهدتنا  

أنتَ   الذي   عانقتنا 

أنتَ   الذي   واكبتنا  

أنتَ   الذي  أعطيتنا  ومضَ  الأمَلْ  

يا واحة َ الإبداع ِ  في  العصرِ البخيلْ   

يا أيُّها الوجهُ المُسافرُ في الحقيقةِ والخيالْ 

يا  أيُّها الوجهُ المُسافرُ للبعيدْ   

هلا َّ سألتَ  النازحينْ ؟ 

هَلا َّ سألتَ  النازحينْ ؟  

عن هول ِغربتِنا الطويلةِ والضَّيَاعْ    

هَلا َّ سألتَ  النازحينْ  ؟ 

خُذني إليكَ لنرتقي أفقَ الصُّعودْ   

وَلنختصرْ هذا الرَّحيلَ  لنختصِر دربَ البكاءْ   

إمض ِ بنا نحوَ السَّماءْ  

وادخُلْ  خيامَ  الأنبياءْ  

يا  أيُّها الوجهُ المُسافرُ للبعيدْ   


الغيمُ   يرحلُ   والصَّباحْ  

ما  زالَ  مَشدُودَ  الجراحْ  

وخيامُ أهلي ُتمَزِّقُهَا الرِّياحْ  

وعِضَامُ أطفالي زهورُ الرَّفض ِما بينَ الصِّفاحْ  


الثَّورة ُ الرَّعناءُ  تترعُ  قمَّة َالرُّوح ِالكئيبَهْ  

والوردُ   يذوي   خلفَ   أسوار ِ   الحدائِقْ  

وبنادق ُ الطغيانِ  تصطادُ الأحبَّة َ والعَنادِلْ  

وتطاردُ الطفلَ البريىءَ وراءَ هاتيكَ التلالْ  

وأرى دُموعَ الحزنِ  تذرفها المنافي  

وأراكَ رغمَ الجوع ِ رغمَ القهرِ رغمَ الموتِ  صَامِدْ    

نامَ الجميعُ .. بقيتَ  وحدكَ  مع دموع ِ الأهل ِ سَاهِدْ  

يا  أنتَ يا  مَنْ  ترفعُ  الرَّاياتِ  حُمرًا في وجوهِ المُبعدينَ النازحينْ  

الهاربينَ  منَ  الحقيقةِ  واليقينْ  

الهاربينَ منَ التَّصَدِّي والصُّمودْ  

الهاربينَ منَ التقوقع والتفكُّكِ  والتحلُّلِ  والضياعْ  

لو أطلقَ الطغيانُ نيرانَ القذائفِ  كلَّها لن يُسكتوا  َشدْوَ البلابل  

لنْ يسكتوا شدوَ  البلابل ْ  

لنْ  ينتهي  ذاكَ   النشيدْ  

   *  *  *   * * * *    

جسرٌ منَ الأحزانِ  مُمْتَدٌّ  إلى دمِكَ  المُحاصرِ في  الظهيرَهْ

جسرٌ  إلى  دمِنا  المُصَفَّى  كالحِسَاءْ  

دمنا المُرَاقِ على الشَّوارع ِ والأزقَّهْ   

أنتَ البدايةُ  والنهايةُ  أنتَ جسرُ العابرينْ   

أنتَ  القصيدةُ  في  تألُّقِها وعالمِها الجميلْ   

خَلَّدتَ   ذكركَ    للأبَدْ 

وَمَشيتَ  وحدَكَ لا أحَدْ    

 ورفعتَ  فنَّكَ عاليًا من  فوقِ  صرح ِ المُبدعِينْ 

يا أيُّها الوجهُ الذي يحتلُّ وجهَ الخصبِ في دنيا السَّرابْ  

دنيا تموجُ  بكلِّ ألوانِ  الرّياءِ وكلِّ  ألوانِ العذابْ  

ما عُدتَ وحدَكَ مع عراكِ  الرِّيح ِ ما .. ما عُدتَ وَحدَكْ  

تابعتَ رحلتكَ  الطويلة َ صامدًا  بعزيمةٍ  حَطَّمتَ  قيدَكْ  

لنْ  يقتلوا الإصرارَ  فيكْ   

لنْ  يقتلوا الإصرارِ  فينا  

كلِّلْ  جبينَكَ  كي  يرى الثُّوَّارُ مَجْدَكْ 

وقَّعتَ خطوكَ في انسيابٍ في انسيابٍ  في انسيابْ 

ما هُنتَ يومًا مع عراكِ  الموج ِ والرِّيح ِ العنيدةِ والعذابْ  

لا  لم  تذبْ ... لا  لمْ   تَذ ُبْ ...  والصَّخرُ  ذابْ 

وَرسَمْتَ  دربَ  الفجرِ  للطيرِ الأسيرْ 

أطلقتَ طيفكَ هائمًا  ما  بينَ أزهار ِ الحقولْ  

عانقتَ    أعوادَ   السَّنابلْ  

 وَفتحتَ  صدركَ  للوطنْ  

يا  أيُّها الحُلمُ المُسافرُ في الحقيقةِ  صاعدًا أفقَ السَّماءْ   

أنتَ  الذي  أترَعْتنَا  حُبًّا  وشوقًا  للضياءْ   

أنتَ  الذي  واكبتنا  دربَ  الفداءْ  

ورحلتَ عنَّا  قبلَ  إشراقِ النَّهارْ    


المسلمون الثقافيون/ د. حسن العاصي



يوجد عدد متزايد من السياسيين والمحاورين الأوروبيين الذين يرون الإسلام كدين يتعارض بشكل مباشر مع الثقافة الأوروبية، وبالتالي يعتقدون أن الإسلام يشكل عقبة أمام اندماج المهاجرين واللاجئين. اكتسب هذا الموقف زخماً بشكل خاص بعد الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول 2001.

يتفق بعض المسلمين في أوروبا مع الرؤية التي قدمها "طارق رمضان" Tariq Ramadan استاذ الفلسفة الذي يقيم في سويسرا، الذي يرى نفسه مسلماً، ويعتبر أن كل شيء في الثقافة الأوروبية لا يتعارض مع الإسلام هو جزء منه.  عملت هذه المجموعة من المسلمين بشكل هادف لتطوير تفسير للنصوص الإسلامية وأسلوب حياة يجمع بين المبادئ الإسلامية، والقيم، والممارسات الأوروبية، والدنماركية. هذا ينطبق بشكل خاص على جيل الشباب من المسلمين الذين يريدون فصل المبادئ الإسلامية عن تقاليد آبائهم أو أجدادهم من دول مثل تركيا وباكستان والعراق.

يعتبر الإسلام الأوروبي Euro-Islam محاولة لتفسير الإسلام في سياق أوروبي حديث، بحيث يصبح من الممكن الحفاظ على تفسير إسلامي للحياة وهوية مسلمة آمنة وفي نفس الوقت المشاركة البناءة والفاعلة في المجتمع. وبالتالي فإن الإسلام الأوروبي هو إعادة تفسير للإسلام يأخذ في الاعتبار الظروف الثقافية والسياسية الخاصة والتاريخ الذي يميز أوروبا، ولكنه لا يزال قائماً على كتاب القرآن الكريم. إنه ليس نصاً دينياً أنيقاً أو مكتملاً أو برنامجاً محدداً تعمل جمعية أو منظمة لعموم أوروبا على تحقيقه. على النقيض من ذلك، يُنظر إلى الإسلام الأوروبي على أنه اتجاه أو حركة في أوروبا اليوم.

يتناقض هذا الاتجاه من جهة، مع المسلمين "العلمانيين المتطرفين" الذين يريدون تحرير أنفسهم من غالبية خلفيتهم الإسلامية من أجل الاندماج والتكيف تماماً في المجتمع الغربي. ومن ناحية أخرى يتعارض مع الجماعات الإسلامية المتطرفة الذين يريدون التحرر من الأعراف الثقافية والنظام الاجتماعي للغرب وتقويضها وإقامة دولة إسلامية بدلاً من ذلك.

المسلمون الثقافيون، والمعروفون أيضاً باسم المسلمين الاسميين، أو المسلمين غير الممارسين أو المسلمين غير الملتزمين، هم أشخاص يعتبرون أنفسهم مسلمين لكنهم ليسوا متدينين ولا يمارسون العبادات. قد يكونون أفراداً غير متدينين أو علمانيين. ما زالوا يتماهون مع الإسلام بسبب الخلفيات العائلية، أو التجارب الشخصية، أو التراث العرقي والوطني، أو البيئة الاجتماعية والثقافية التي نشأوا فيها. ومع ذلك، لا يتم قبول هذا المفهوم دائماً في المجتمعات الإسلامية المحافظة.

يمكن العثور على المسلمين الثقافيين في جميع أنحاء العالم، ولكن بشكل خاص في البلقان، وآسيا الوسطى، وأوروبا، والشرق الأوسط، وروسيا، وتركيا، وسنغافورة، وماليزيا، وإندونيسيا والولايات المتحدة. وفي العديد من البلدان والمناطق، يمارس هؤلاء المسلمون الثقافيون الدين على مستويات منخفضة، وبالنسبة للبعض، ترتبط هويتهم "الإسلامية" بالتراث الثقافي أو العرقي أو الوطني، وليس مجرد الإيمان الديني فقط.


التعريف

ما يسمى الإسلام الثقافي، أو المسلمين الديمقراطيين، أو المسلمين الناقدين نشأ في آسيا الوسطى وفي الدول الشيوعية السابقة، بدأ استخدام مصطلح "المسلم الثقافي" لوصف أولئك الذين يرغبون في ربط هويتهم "الإسلامية" بطقوس وطنية وإثنية معينة، بدلاً من الإيمان الديني فقط. ناقشت الأكاديمية والكاتبة الإنجليزية الأيرلندية "ماليز روثفين" Malis Ruthven مصطلحي "المسلم الثقافي" و"المسلم الاسمي" في كتابها "الإسلام: مقدمة قصيرة جداً" Islam: A Very Short Introductionعلى النحو التالي:

"ومع ذلك، هناك معنى ثانوي للمسلم قد يتداخل مع المعنى الأول. المسلم هو الشخص الذي يولد لأب مسلم يأخذ الهوية الطائفية لوالديه دون أن يلتزم بالضرورة بالمعتقدات والممارسات المرتبطة بالإيمان، تماماً كما قد يصف اليهودي نفسه بأنه يهودي دون مراعاة "التناخ"Tanakh أو "الهالاخاه"Halakha. او مثل المسيحي العلماني. في المجتمعات غير الإسلامية، قد يلتزم هؤلاء المسلمون بهويات علمانية ويكتسبونها. إن المسلمين في البوسنة، المنحدرين من السلاف الذين اعتنقوا الإسلام في ظل الحكم العثماني، لا يشتهرون دائماً بحضور الصلاة، والامتناع عن الكحول، وغير ذلك من الممارسات الاجتماعية المرتبطة بالمسلمين المؤمنين في أجزاء أخرى من العالم. فقد تم تصنيفهم رسمياً كمسلمين حسب الجنسية لتمييزهم عن الصرب الأرثوذكس، والكروات الكاثوليك في ظل النظام الشيوعي اليوغوسلافي السابق. وتشير تسمية المسلمين إلى عرقهم وانتماءهم الجماعي، ولكن ليس بالضرورة إلى معتقداتهم الدينية. وفي هذا السياق المحدود (الذي قد ينطبق على الأقليات المسلمة الأخرى في أوروبا وآسيا)، قد لا يكون هناك تناقض بين كون المرء مسلماً وكونه ملحداً أو لا أدرياً، تماماً كما يوجد ملحدون يهود ولا أدريون يهود. وهذا التعريف العلماني للمسلم (أحياناً يتم استخدام مصطلحي المسلم الثقافي أو المسلم الاسمي) بعيد كل البعد عن كونه غير قابل للجدال".

يعرف الباحث الباكستاني البريطاني "حسين رسول" Hussein Rassool تسمية "المسلم الثقافي" على النحو التالي:

"تُستخدم تسمية "المسلم الثقافي" في الأدبيات لوصف هؤلاء المسلمين الذين لا يلتزمون بالدين أو العلمانيين أو غير المتدينين الذين ما زالوا يتماهون مع الثقافة الإسلامية بسبب الخلفية العائلية أو التجارب الشخصية أو البيئة الاجتماعية والثقافية التي نشأوا فيها".

يستوعب المسلم الثقافي التقاليد الثقافية الإسلامية أو طريقة التفكير كإطار مرجعي. المسلمون الثقافيون متنوعون من حيث المعايير والقيم والآراء السياسية والآراء الدينية. إنهم يحتفظون بخطاب أو بنية شعور تتعلق بالتاريخ والذكريات المشتركة.

إن مفهوم المسلم الثقافي - الشخص الذي يحدد هويته كمسلم، ولكنه ليس متديناً - لا يُقابل دائماً بالقبول في المجتمعات الإسلامية المحافظة. القاعدة هي أن المؤمن مقابل غير المؤمن والممارس مقابل غير الممارس. ففي البلدان ذات الأغلبية غير المسلمة، قد يحدد المسلمون أنفسهم من خلال التمييز بين أنفسهم كممارسين مقابل غير ممارسين ومؤمنين مقابل غير مؤمنين. وعادةً ما يُفترض أن الممارسين للطقوس هم مؤمنون، في حين قد يكون غير الممارسين مؤمنين أو غير مؤمنين.


لماذا نشأ الإسلام الأوروبي؟

الخلفية العملية للإسلام الأوروبي، هي هجرة المسلمين إلى أوروبا بأعداد أكبر منذ الخمسينيات فصاعداً. ومع ذلك، فإن الفكر الإسلامي الأوروبي لم يكن قادراً على اكتساب موطئ قدم إلا عندما نشأ مهاجرون من الجيل الثاني أو الثالث في المجتمعات الغربية، مع الرغبة في المشاركة بنشاط في المجتمع الذي هم فيه، ومع الرغبة في التحرر من بعض الأعراف الثقافية التي جاءت من بلدان موطن الوالدين / الأجداد.

عندما سُمح لعائلات المهاجرين بالقدوم إلى أوروبا للإقامة مع الأزواج، تم إعادة إنتاج الهياكل الاجتماعية وأنماط الحياة الأجنبية في الدول الأوروبية. كان على الأطفال من أصول أجنبية أن يذهبوا إلى المؤسسات والمدارس والمستشفيات وما إلى ذلك، وكانت هناك صدامات ثقافية ومناقشات حول ما إذا كانت الثقافة العربية والتركية والإسلام لا يتوافقان مع أعراف المجتمع الأوروبي.

ومع ذلك، كان النقاش حول الإسلام مختلطاً تماماً مع النقاش حول التقاليد المحددة ثقافياً وقومياً للمهاجرين، ولفترة طويلة، كانت المساواة معادلة للإسلام وأي شكل من أشكال ثقافة المهاجرين.

 لقد غير الجيل الشاب من المسلمين ذلك. لقد نشأوا في أوروبا، وكثير منهم يشعرون بأنهم مثل الأوروبيين المسلمين أكثر من كونهم مثل الباكستانيين، أو الأتراك، أو العرب، وقد بدأوا في البحث معاً وتجاوزوا الانقسامات العرقية والوطنية، وبالتالي تم خلق الظروف المناسبة لنشوء للإسلام الأوروبي.

يرغب العديد من الشباب المسلمين في تحرير أنفسهم من بعض المعايير الثقافية الأبوية التي يُنظر إليها على أنها عقبة أمام الاندماج. عندما يدرسون الإسلام يكتشفون أن العديد من مشاكلهم ناتجة عن تقاليد غير إسلامية، والتي غالباً ما يعتبرها الوالدان إسلامية عن طريق الخطأ. وهذا ينطبق على سبيل المثال، على الزواج بالإكراه، وختان الإناث، ومقاومة الفتيات اللواتي يحصلن على تعليم عالٍ، وما إلى ذلك.

من خلال التنظيم عبر تجاوز الانقسامات القومية في المنظمات ذات الميول الأوروبية الإسلامية، يمكن للشباب المسلمين كسر أجزاء من معايير جيل الآباء، والانخراط مع محيطهم دون المساس بالثوابت الإسلامية.       

إن مصطلح "الإسلام الأوروبي" بدأ يظهر بانتظام في الجدل الأوروبي حول الإسلام. لكن في الواقع، ينأى العديد من المسلمين الأوروبيين بأنفسهم عن هذا المفهوم، لأنه يعتبر نوعاً من مشروع الاتحاد الأوروبي الذي يهدف إلى تحديد نوع الإسلام الذي يُسمح للمسلمين ممارسته في أوروبا.

أما فيما يتعلق بالنسخة الدنماركية من الإسلام، التي تُمارس بين المهاجرين المسلمين الذين لم يولدوا ويعشوا قط في دول إسلامية مثل تركيا والباكستان والعراق، لكنهم ولدوا وترعرعوا في حي نوريبرو في كوبنهاغن أو في مدينة أودينسة" تكشف الممارسات الإسلامية التي تتطور بين الشباب المسلم في السنوات الأخيرة، إلى أنه يمكن للمرء أن يتحدث عن إسلام خاص بوجه دانماركي.

يرى عالم الأديان الدنماركي "جيسبر يبترسن" Jesper Petersen أن "الإسلام هو أسلوب حياة وإطار مرجعي، في نفس الوقت الذي يعتبرون فيه الدنمارك وطنهم ويعلنون احترام التقاليد الديمقراطية، هم يعتبرون أن دولة الرفاهية الدنماركية متوافقة تماماً مع القيم الإسلامية"

وفي الدنمارك، ظهر الإمام التركي "فاتح عليف" imam Fatih Alev ,hgYlh والإمام الدنماركي "عبد الواحد بترسن"Abdul Wahid Pedersen  والإمام "شيرين خانكان" Sherin Khankan والنائب الدنماركي المسلم من أصل سوري "ناصر خضر" Nasser Khader. والطبيب الدنماركي من أصل مصري "مصطفى قاسم" Moustapha Kassem. والطبيب الدنماركي من أصل تركي "أكمال صفوت" Akmal Safwat وجميعهم يدعون إلى دمج تعاليم الإسلام مع الديمقراطية الدنماركية، وحل إشكالية العلاقة بين الإيمان والثقافة الدنماركية. ويدعون إلى مشاركة المسلمين في المجتمع وإلى احترام القوانين الدنماركية طالما أنهم يعيشون في البلاد. وكذلك تفسير الإسلام في سياق دنماركي.

كان لهؤلاء دور مركزي في تقديم نموذج تقدمي من الإسلام الدنماركي، حيث يمتلكون مشروعاً لجعل المسلمين الشباب يفهمون ويعيشون حياتهم اليومية الدنماركية على أساس الإسلام بدلاً من تنمية إيمانهم بمعزل عن المجتمع المحيط بهم.

 نشط هؤلاء في وقت كانت المساجد في الدنمارك مقسمة عرقياً مع أئمة تم جلبهم من بلدانهم الأصلية، وكانوا يعظون باللغات التركية أو العربية أو الأردية. وهي اللغات التي لا يتقنها معظم المهاجرين من الجيل الثاني والثالث.  وأيضاً واجه هؤلاء الأئمة صعوبة في تقديم إجابات ذات مغزى لكيفية ارتباط الشباب بقضاياهم الحياتية، مثل حفلات المدارس الثانوية، والأصدقاء، والتعليم الجنسي، الحمامات المشتركة، الخ. لقد اكتفوا بقول لا.

يتعرض المسلمين الثقافيين لانتقادات ليس فقط من المسلمين المحافظين، ولكن أيضاً من بعض التقدميين، قائلين إن المسلمين الثقافيين يختارون الأفضل من العالمين دون مساهمة استباقية كافية، دون ممارسة العبادات، ودون التزام بالقيم االليبرالية.


التركيبة السكانية

في العديد من البلدان، يمارس بعض المسلمون الدين بمستويات منخفضة. ووفقاً لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2019، والذي أجرى مقابلات مع مسلمين في جميع أنحاء العالم، قال حوالي 1% من الذين تمت مقابلتهم في أذربيجان، و5% في ألبانيا، و9% في أوزبكستان، و10% في كازاخستان، و19% في روسيا، و22% في كوسوفو إنهم يحضرون المسجد مرة واحدة في الأسبوع أو أكثر. وفقاً لنفس الدراسة، قال 15% فقط من الذين تمت مقابلتهم في ألبانيا، و18% من الذين أجريت معهم المقابلات في كازاخستان أن الدين مهم جداً في حياتهم. و2% فقط من الذين أجريت معهم المقابلات في كازاخستان، و4% في ألبانيا، و10% في كوسوفو، و14% في البوسنة والهرسك، و14% في قيرغيزستان، و16% في أوزبكستان، و21% في أذربيجان أفادوا بأنهم يؤدون الصلوات الخمس يوميًا.

وحوالي 71% من الذين أجريت معهم المقابلات في أوزبكستان، و64% في أذربيجان، و54% في طاجيكستان، و50% في قيرغيزستان لم يذهبوا إلى مسجد قط في استطلاع عام 2019.

وفقًا للباحث الأمريكي اللبناني "إبراهيم وردة"  Ibrahim Wardeفإن غالبية المسلمين في البلقان يُعتبرون مسلمين "ثقافيين" أو "اسميين" بحسب ما جاء في كتابه "التمويل الإسلامي في الاقتصاد العالمي" Islamic Finance in the Global Economy. في كتابه "الإسلام بعد الشيوعية: الدين والسياسة في آسيا الوسطى" Islam After Communism: Religion and Politics in Central Asiaاستشهد الباحث المؤرخ الباكستاني الأمريكي "أديب خالد" Adeeb Khalid بأن غالبية المسلمين في آسيا الوسطى وروسيا هم مسلمون ثقافيون أو اسميون. هناك شريحة كبيرة من المهاجرين المسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية هم مسلمون ثقافيون أو اسميون، وخاصة بين المهاجرين من الجيل الثاني، حيث ترتبط هويتهم "الإسلامية" بالتراث الثقافي أو العرقي بدلاً من الإيمان الديني فقط. وفقاً لكتاب "ما أؤمن به" What I Believe للباحث الإسلامي المصري السويسري "طارق رمضان" Tariq Ramadan فإن "معظم الغربيين المسلمين لا يمارسون دينهم بانتظام"، ويعرّف بعضهم أنفسهم على أنهم مسلمون "ثقافيون" فحسب.


ألبانيا

وفقًا للعلماء، فإن غالبية المسلمين في ألبانيا هم مسلمون "اسميون" أو "ثقافيون". في استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث بين الألبان المسلمين في عام 2019، كان الدين مهمًا بالنسبة لـ 15٪ فقط، بينما يصلي 7٪، ويذهب حوالي 5٪ إلى المسجد، ويعطي 43٪ الزكاة، ويصوم 44٪ خلال شهر رمضان ويعرب 72٪ عن إيمانهم بالله ومحمد. أظهرت دراسة طبية أجريت عام 2014 في تيرانا حول العلاقة بين الالتزام الديني ومتلازمة الشريان التاجي الحادة أن 67% من المسلمين الذين تمت مقابلتهم كانوا غير ملتزمين دينياً تماماً. كان الحضور المنتظم للمؤسسات الدينية (مرة واحدة على الأقل كل أسبوعين) منخفضاً (6%)، وكان الحضور الأسبوعي منخفضاً جداً (2%). كانت الصلاة المتكررة (مرتين إلى ثلاث مرات على الأقل في الأسبوع) بين المسلمين الذين سئلنا عنهم حوالي 17%، وكانت الصلاة خمس مرات يومياً (كما هو مطلوب من المسلمين المتدينين) نادرة (2%). كان الصيام المنتظم خلال شهر رمضان منخفضاً بشكل مماثل (5%). أيضاً في ألبانيا وفقاً لإحدى الدراسات، يتم ختان 36.8% فقط من الذكور، مع معدل 46.5% لأولئك من خلفية إسلامية على الرغم من أنها تقليد إسلامي للمسلمين بشكل عام.


أذربيجان

أذربيجان دولة ذات أغلبية مسلمة من المذهب الشيعي، حيث إن أكثر من 96% من سكانها مسلمون. ووفقاً للعلماء فإن غالبية المسلمين في أذربيجان هم مسلمون "اسميون" أو "ثقافيون" وفقاً لما جاء في كتاب "جغرافية روسيا وجيرانها" Geography of Russia and Its Neighbors" للأكاديمي الروسي ميخائيل بلينيكوف" Mikhail Blinnikov.

قدرت دراسة استقصائية أجريت عام 2008 نسبة المؤمنين المتحمسين في أذربيجان بنحو 7 %، وهو ما يزيد قليلاً عن عدد الملحدين المعلنين - ما يقرب من 4 % - مع وقوع أكبر عدد في فئة أولئك الذين يعتبرون الإسلام قبل كل شيء أسلوب حياة، دون مراعاة صارمة للمحظورات والمتطلبات، أو كجزء أساسي من الهوية الوطنية.

وفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب عام 2019، تعد أذربيجان واحدة من أكثر البلدان غير الدينية في العالم الإسلامي، حيث أشار حوالي 54٪ من المستجيبين إلى أهمية الدين في حياتهم على أنها قليلة أو معدومة. يشير نفس الاستطلاع إلى أن 21٪ فقط من المستجيبين حضروا مناسبات دينية. أشارت المؤسسة إلى أن 34٪ فقط من الأذربيجانيين يلتزمون بالممارسات الدينية، وصنفت أذربيجان في المرتبة الثالثة عشرة من بين أقل البلدان تديناً من البيانات التي تم جمعها في أعوام 2005 و2013 و2019. إنها دولة علمانية بموجب دستورها، وأحد أهداف الحكومة العلمانية في أذربيجان هو الحد من انتشار الإسلام السياسي.


بلجيكا

لاحظت الاستطلاعات القديمة التي أجريت في عامي 1996 و1998 انخفاضاً في التدين بناءً على انخفاض المشاركة في المساجد، وقلة الصلاة، وانخفاض الأهمية المرتبطة بالتعليم الديني، وما إلى ذلك. هذا ما أكدته الباحثة الفرنسية في الدراسات الإسلامية "جوسلين سيزاري" Jocelyne Cesari في كتابها "دليل أكسفورد للإسلام الأوروبي" The Oxford Handbook of European Islam كان هذا الانخفاض في التدين أكثر وضوحاً لدى المسلمين الأصغر سنًا؛ ومع ذلك، تظهر دراسات أخرى أحدث أنه في حين أن المشاركة في الأنشطة الدينية بين الشباب المسلمين آخذة في الانخفاض، فإنهم أكثر عرضة للتعرف على الإسلام ثقافياً.

كما أظهرت دراسة أجرتها جامعة بروكسل الحرة عام 2015 إلى أن حوالي 10% من السكان المسلمين في بلجيكا "مسلمون يمارسون شعائرهم الدينية". هذا ما جاء في تقرير "وزارة الخارجية الأمريكية، تقرير الحريات الدينية الدولية 2016، بلجيكا" US State Department, International Religious Freedom Report 2016, Belgium ووجد استطلاع أجري عام 2019 أن غالبية المسلمين في بلجيكا يؤيدون "الفصل بين الدين والدولة". ووجدت دراسة أجريت عام 2020 أنه في حين يركز المسلمون بشكل كبير على الحرية الدينية وذكرت الأغلبية الساحقة أن الناس يجب أن يكونوا أحراراً في ترك الإسلام إذا أرادوا، إلا أنهم كانوا أقل راحة مع فكرة زواج المسلمين من غير المسلمين.


البوسنة والهرسك

وُصف البوشناقيون بأنهم "مسلمون ثقافيون" بحسب كتاب "البلقان: تاريخ ما بعد الشيوعية" Balkans: A Post-Communist History للمؤرخ البريطاني "روبرت بيدلكس" Robert Bideleux أو "مسلمون تقدميون" كما جاء في كتاب "المسلمون البوسنيون في الحرب العالمية الثانية" The Bosnian Muslims in the Second World War للمؤرخ اليوغسلافي البريطاني "ماركو أتيلا هواري" Marko Attila Hoare. ويميل المسلمون البوسنيون إلى وصفهم غالباً بأنهم معتدلون وعلمانيون ومتجهون نحو أوروبا مقارنة بالمجموعات الإسلامية الأخرى. وفي استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث بين المسلمين البوسنيين في عام 2020، كان الدين مهمًا بالنسبة لـ 36%، بينما صلى 14% وذهب حوالي 14% إلى المسجد.


بلغاريا

صرحت إيفجينيا إيفانوفا من الجامعة البلغارية الجديدة في عام 2018 أن "الدين ليس من الأهمية الأساسية للمسلمين في بلغاريا". أجرت الجامعة البلغارية الجديدة استطلاعاً لـ 850 مسلماً في بلغاريا، والذي وجد أن 48.6٪ وصفوا أنفسهم بأنهم متدينون، وكان 28.5٪ منهم متدينين للغاية. لم يذهب حوالي 41٪ إلى مسجد أبداً و59.3٪ لم يصلوا في المنزل. يعتقد حوالي 0.5٪ أن النزاعات يجب حلها باستخدام الشريعة الإسلامية وقال 79.6٪ أن ارتداء الحجاب في المدرسة "غير مقبول". قال أكثر من نصف المستجيبين أن العيش المشترك بدون زواج "مقبول"، وأكل 39.8٪ لحم الخنزير وشرب 43.3٪ الكحول. على العكس من ذلك، قال 88٪ من المستجيبين إنهم يختنون أولادهم و96٪ لاحظوا ممارسات الدفن الإسلامية لأقاربهم بحسب دراسة بعنوان "المسلمون في بلغاريا ليسوا متدينين بشدة"Bulgaria's Muslims not deeply religious نشرت في صحيفة "حريت" اليوميةHürriyet Daily News.

وفقاً لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2022، أجاب 33% من المسلمين البلغاريين أن الدين "مهم جدًا" في حياتهم. ووجد نفس المسح أن 7% من المسلمين البلغار يصلون الصلوات الخمس، و22% يذهبون إلى المسجد مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، و6% يقرؤون القرآن مرة واحدة على الأقل في الأسبوع.


آسيا الوسطى

لا يمارس معظم المسلمين في آسيا الوسطى دينهم يومياً، ولا ينتمون إلى الإسلام إلا بشكل اسمي أو ثقافي. ووفقاً لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2012، فإن حوالي 71% من المسلمين في أوزبكستان، و64% في أذربيجان، و54% في طاجيكستان، و50% في قيرغيزستان لم يذهبوا إلى المسجد أبداً. وهذا يرجع إلى حد كبير إلى القيود الدينية المفروضة على الإسلام في ظل الحكم الشيوعي، فخلال تلك الحقبة لم يكن لجميع الأديان سوى وجود اسمي.


الدنمارك

في دراسة استقصائية أجريت عام 2005، شارك 40% من المهاجرين المسلمين وأحفادهم في مراسم/خدمات دينية مقارنة بـ 60% من المهاجرين/أحفاد الروم الكاثوليك فعلوا نفس الشيء. وفي دراسة استقصائية أجريت عام 2008 للمهاجرين من تركيا وباكستان ويوغوسلافيا السابقة وإيران والعراق والصومال، اعتبر 37% أنفسهم متدينين قليلاً جداً، واعتبر 33% أنفسهم متدينين بشكل معتدل، واعتبر 24% أنفسهم متدينين للغاية. ووجدت دراسة استقصائية أجريت عام 2011 أن 37% من المسلمين الدنماركيين كانوا مسلمين غير ممارسين.

وفي استطلاع أجرته القناة الثانية في التلفزيون الدنماركي عام 2019 تبين أن النساء المسلمات في الدنمرك أكثر تديناً من الرجال/ حيث أجابت 46% منهن أنهن يصفن أنفسهن كمسلمات مؤمنات. وفي المقابل، فإن 37% فقط من الرجال يعطون نفس الإجابة. ويشير مع ذلك إلى أن هناك 15% في كل من مجموعتي النساء والرجال الذين يجيبون بأنهم "إلى حد كبير جداً" يصفون أنفسهم بأنهم مسلمون متدينون، فيما اعتبر 42% من المسلمين أنهم متدينين قليلاً.


فرنسا

في مقال بعنوان "كيف تحسب فرنسا عدد سكانها المسلمين؟"How does France count its Muslim population? للكاتب "مايكل كوسجروف" Michael Cosgrove  منشور في صحيفة "لو فيجارو"Le Figaro ورد أن 33% فقط من المسلمين الفرنسيين الذين تمت مقابلتهم إنهم مؤمنون ممارسون. وهذا الرقم هو نفس الرقم الذي تم الحصول عليه من خلال مسح INED / INSEE في أكتوبر 2010. وزعم 20% أنهم يذهبون بانتظام إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، و31% يمارسون الصلاة بحسب مقال بعنوان “المسلمون الفرنسيون أصبحوا أكثر تديناً” French Muslims becoming more observant المنشور في موقع وكالة الأنباء "روتيرز"Reuters. وقال 70% إنهم "يصومون رمضان". ويضيف المقال أنه على الرغم من أن الصيام خلال شهر رمضان هو الممارسة الأكثر شعبية، إلا أنه يصنف كعلامة على الهوية الإسلامية أكثر من التقوى، وهو أكثر علامة على الانتماء إلى ثقافة ومجتمع، وأن عدم شرب الكحول "يبدو أنه سلوك ثقافي أكثر".


إندونيسيا

تقسم الوثائق الكلاسيكية المسلمين الإندونيسيين إلى مسلمين "اسميين" nominal أو "أبانجان" abangan، الذين تتجه أنماط حياتهم نحو الثقافات غير الإسلامية، ومسلمين "أرثوذكس" orthodox أو "سانتري" santri، الذين يلتزمون بالمعايير الإسلامية الأرثوذكسية. كان يُنظر إلى أبانجان على أنها مزيج أصلي من المعتقدات الأصلية والهندوسية البوذية مع الممارسات الإسلامية التي تسمى أحياناً أيضاً بالجاوية أو كيجاوين أو أجاما جاوا أو كيباتينان. وفقًا لدراسة أجريت عام 1999، فإن 17.3% من المسلمين في إندونيسيا كما جاء في كتاب "الإسلام: إندونيسيا" لعالم الأنثروبولوجيا الأمريكي "جويل سي كويبرز"  Joel C Kuipers.


الشتات الإيراني

يعرّف الباحث الإيراني "رضا غلامي" Reza Gholami في كتابه "العلمانية والهوية: اللاإسلامية في الشتات الإيراني" Secularism and Identity: Non-Islamiosity in the Iranian Diaspora الإيرانيون في الشتات بشكل عام على أنهم علمانيون إلى حد كبير ومسلم ثقافي أو اسمي لا يؤدون الطقوس الإسلامية أبدأً أو نادراً. لا يقوم معظمهم بأداء الطقوس الإسلامية الأساسية، مثل الصلاة اليومية أو الصيام، وقد اعتنقوا العلمانية إلى حد كبير.


كوسوفو

ذكر "واين سي. تومسون" Wayne C. Thompson في سلسلة العالم اليوم The World Today Series "أوروبا الشمالية والوسطى والجنوبية الشرقية 2020-2022" Nordic, Central, and Southeastern Europe 2020–2022 Hkالأغلبية العظمى من ألبان كوسوفو هم مسلمون ثقافيون/اسميون. وقال 13٪ من المسلمين الكوسوفيين الذين سئلوا إنهم يحضرون صلاة الجمعة مرة واحدة في الأسبوع وقال 40٪ إنهم لا يزورون مسجدهم المحلي أبداً، بينما أعرب 81٪ عن إيمانهم بالله ومحمد.


هولندا

في عام 2009، وفقًا لدراسة، حضر 24% فقط من المسلمين الذين شاركوا في الاستطلاع في هولندا المسجد مرة واحدة في الأسبوع "الدين في بداية القرن الحادي والعشرين" Religie aan het begin van de 21ste eeuw نشر في منصة CBS للبيانات. وفقاً لنفس المسح وجدوا أن أهمية الإسلام في حياة المسلمين الهولنديين، وخاصة المهاجرين من الجيل الثاني، آخذة في التناقص. استندت هذه الملاحظة إلى انخفاض مشاركة المسلمين الأصغر سناً في الطقوس الإسلامية والمنظمات والصلاة. وتوقعت الدراسة أيضاً أن يستمر هذا الاتجاه مع زيادة التعليم و"الفردية". ومع ذلك، وجدت الدراسة أيضاً أن المهاجرين من الجيل الثاني يعلقون أهمية أكبر على الدين من الجيل الأول باعتباره "تجربة فردية". وخلصت الدراسة إلى أن "التعبير عن التدين من قبل الشباب المسلم لم يكن مختلفاً كثيراً عن تعبير أقرانهم المسيحيين أو اليهود الهولنديين".


النرويج

وجدت الدراسات التي أجريت لقناة تلفزيونية في عام 2016 أن 18٪ من المسلمين النرويجيين أفادوا بزيارة المسجد مرة واحدة في الأسبوع. أفادت دراسة مماثلة أجريت عام 2019 أن 36% من الشباب المسلمين يزورون المسجد أقل من مرة واحدة في الشهر. ووفقاً للباحثة النروجية "كريستين جاكوبسن" Kristin Jacobsen فإن العديد من الشباب المسلمين في النرويج هم مسلمون اسميون أو ثقافيون، وهم يحددون هويتهم على هذا النحو فقط بسبب التراث الثقافي وليس بسبب القناعة الدينية كما ورد في كتابها "التقاليد الإسلامية والشباب المسلم في النرويج" Islamic Traditions and Muslim Youth in Norway. وفقًا لمسح أجري للطلاب في المدارس الثانوية العليا في أوسلو، يصلي 25% من المسلمين بانتظام بينما يحضر 12% الخدمات الدينية أسبوعياً.


السويد

يقول الباحث السويدي "بال كيتيل بوتفار" Pål Ketil Botvarفي مقال بعنوان "آراء الشباب المسيحيين والمسلمين وغير المتدينين في النرويج والسويد حول حقوق الإنسان" Views on human rights among Christian, Muslim and non-religious youth in Norway and Sweden نشر في مجلة "نورديك للدين والمجتمع" Nordic Journal of Religion and Society أنه في عام 1994 ما يقرب من 40-50% على الأكثر من الأشخاص ذوي الخلفية الإسلامية في السويد "يمكن اعتبارهم متدينين بشكل معقول"، وفي عام 2004، استناداً إلى المناقشات والمقابلات مع القادة المسلمين، فيما يتعلق بالمسلمين من الجيل الثاني الذين ولدوا ونشأوا في السويد، "لا يبدو أن النسبة التي يعتبرونها مسلمين متدينين بمعنى أكثر تأهيلاً تتجاوز خمسة عشر بالمائة، أو ربما أقل". أكد بوتفار في عام 2014 أن "نحن لا نعتقد أنه من غير المعقول وضع رقم المسلمين المتدينين في السويد في وقت كتابة هذا التقرير عند ما يقرب من 150.000". فإن "الغالبية العظمى من الأشخاص ذوي الخلفية الثقافية الإسلامية علمانيون أو غير متدينين".


تركيا

يقول الباحث الأمريكي في دراسات الشرق الأوسط "كارل يامبرت" Karl Yambert في كتابه "الشرق الأوسط المعاصر: قارئ من ويستفيو" The contemporary Middle East : a Westview reader أن  16٪ من المسلمين الأتراك إنهم "متدينون للغاية"، وقال 39٪ إنهم "متدينون إلى حد ما"، وقال 32٪ إنهم "غير متدينين".

معظم الأتراك العرقيين إما مسلمون ثقافيون أو غير ممارسين، ويميل العديد من المسلمين الأتراك الثقافيين أو غير الممارسين إلى العلمانية السياسية كما يقول عالم السياسة التركي "سونر چاغاپتاي" Soner Cagaptay في "كتاب صعود تركيا: أول قوة إسلامية في القرن الحادي والعشرين" The Rise of Turkey: The Twenty-First Century's First Muslim Power، وأضاف: لا يحضر العديد من الأتراك المساجد إلا في المناسبات الخاصة (مثل حفلات الزفاف والجنازات والتجمعات المجتمعية)، وفقًا لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2020، يقول 19٪ من المسلمين الأتراك إنهم يحضرون صلاة الجمعة مرة واحدة في الأسبوع ويقول 23٪ إنهم لا يزورون مسجدهم المحلي أبدًا. بشكل عام، يُعتبر "الإسلام التركي" "أكثر اعتدالاً وتعددية" مقارنة بالمجتمعات الإسلامية في الشرق الأوسط. والغجر في تركيا مسلمون ثقافيون أيضاً، يعتمدون على الإسلام السني في المدرسة الحنفية، ويمارسون ختان الذكور.


الولايات المتحدة

وفقًا لمركز بيو للأبحاث في مسح أجري عام 2019، فإن 1٪ من المسلمين الأمريكيين لا يؤمنون بالله. كان معدل تلقي إجابات الصلاة بين المسلمين 31% مرة واحدة على الأقل في الأسبوع و12% مرة أو مرتين في الشهر. وفقاً لعالم الاجتماع الأمريكي "فينسنت باريلو" فإن هناك شريحة كبيرة من المهاجرين المسلمين في الولايات المتحدة هم مسلمون ثقافيون. على سبيل المثال، الغالبية العظمى من المسلمين الأميركيين الإيرانيين هم ما يسمى بالمسلمين الثقافيين أو الاسميين، وأغلبهم لا يؤدون طقوساً إسلامية أساسية، مثل الصلاة اليومية أو الصيام. والعديد من الأميركيين الأتراك هم مسلمون ثقافيون كما جاء في كتاب باريلو بعنوان "إعادة التفكير في الأقليات اليوم" Rethinking Today's Minorities.