القدح والذم والتهديد في العالم الرقمي.. فوضى وتَفلت وحرية!! تفلت مستمر.. وتشريع مستتر!/ المحامي شادي خليل أبو عيسى

 


رئيس المركز الدولي للملكية الفكرية والدراسات الحقوقية ICIP  


أفرزت ثورة التكنولوجيا عصراً يُعرف بـ " عصر المعلومات " الذي يستند إلى تقنيات تكنولوجية ثلاث: الاتصالات السلكية واللاسلكية والحاسوب الالكتروني - الكمبيوتر - والانترنت. ومع الوقت بدأت هذه الوسائل تتطور وتتواصل الواحدة مع الأخرى وأخذت تندمج فيما بينها. وقد شكّل الإعلام الالكتروني نموذجاً للتواصل السريع بين الناس عبر العديد من مواقع التواصل الاجتماعي. فكان للفايسبوك والتويتر التأثير - مبدئياً - على انطلاق الثورات في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا وغيرها. 

إلا أن الإعلام الإلكتروني شأنه كأي صناعة داخلة على المجتمعات لديه إيجابيات إنما أيضاً هناك محاذير لها علاقة بسوء استخدامه كالتشهير بالناس وتعريض موقعهم الاجتماعي للخطر، ما يجعل من تنظيمه ووضع الضوابط له ومواكبته حاجة ملحة. فالحرية وفقاً لمونتسكيو هي: حقُّنا أن نفعل ما نشاء ضمن القانون. ولكن، في لبنان، يمتاز هذا الإعلام بالتفلت من أي قانون يرعاه سوى ما ورد بشكل طارئ في القانون المرئي والمسموع، إذ لا يوجد قوانين تشريعية تنظم بصورة فعلية شبكة الانترنت وما يدور ضمنها من حوارات وعبارات واساءات، فتنتشر حالات القدح والذم والتشهير بصورة علنية ومسيئة تحت خانة الحريات. 

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه يكفي أن تكون عبارات الذم موجهة على صورة يسهل معها فهم المقصود منها ومعرفة الشخص الذي يعنيه الجاني؛ فإذا تمكّنت المحكمة من فحوى عبارات الذم تحديد من هو المعني به من دون تكلّف أو عناء، كانت الجريمة قائمة. وتقوم جريمة الذم إذا ذكر الجاني الأحرف الأولى من اسم المذموم، أو صفة ملازمة له، أو مهنته، أو وضع صورته الى جانب المقال. وتعود لمحكمة الأساس مسألة تقرير ما إذا كان المذموم محدداً أم غير محدد. 

 

هل تقتصر جريمة الذم على الأشخاص الطبيعيين؟ 

لا تقتصر جريمة الذم على الأشخاص الطبيعيين، بل يمكن أن تقع على الأشخاص المعنويين، كالدولة أو الشركـة أو الجمعيـة. وتمتد الحماية القانونية لشرف الإنسان وكرامته حتى وفاته. كما يجوز لأقربائه حتى الدرجة الرابعة استعمال حق الملاحقة، هذا مع الاحتفاظ بحق كل قريب أو وريث تضرّر شخصياً من الجريمة. 

ولدينا العديد من حالات التشهير بحق أحزاب أو جمعيات، والتي أدت إلى تحرك القضاء للنظر في الوقائع والمعطيات. 

 

وسائل التشهير 

ويتحقق جرم القدح والذم بأية وسيلة من الوسائل كأن تكون بالقول أو الكتابة أو الإشارة. فقد يقع جرم القدح على سبيل المثال بإطلاق عيب معين أو نقيصة من النقائص. 

تحرك القضاء 

تقتضي الإشارة هنا الى أن دعوى في جرائم الذم والقدح تتوقف على اتخاذ المعتدى عليه صفة المدعي الشخصي، فلا تتحرك النيابة العامة إلا بناءً على شكوى المعتدى عليه. أما إذا تعرّضت إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مسّاً بكرامته أو نشرت ما يتضمّن ذماً أو قدحاً أو تحقيراً بحقه أو بحق رئيس دولة أجنبية، تحرّكت دعوى الحق العام.

 

مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية

تأسس هذا المكتب بموجب مذكرة الخدمة تاريخ 8/3/2006. وهو يتحرك بناء لإشارة الجهات القضائية ويمارس مهامه ضمن قسم المباحث الجنائية الخاصة لقوى الأمن الداخلي.

يتمتع هذا المكتب بصلاحيات على كل الأراضي اللبنانية، ويتحرك تلقائياً في حال الجرم المشهود وفقاً لمعلومات خاصة لديه بعد أخذ إشارة النيابة العامة المختصة أو وفقاً لشكوى محالة من النيابات العامة. ويعمل في المكتب مجموعة لا تتعدين الاربعين موزعين بين عناصر إدارية وتقنية ومحققين، وقد تابعوا دورات تقنية في مجال مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية في معاهد متخصصة وتحت إشراف اختصاصيين فنيين عسكريين تابعين لمكاتب مكافحة جرائم المعلوماتية في بلدان مختلفة.  

ونشير هنا إلى أن جزءاً كبيراً من الشكاوى التي تتوجه إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية يقع ضمن القدح والذم أو الاحتيال أو سرقة الحسابات على شبكات التواصل الاجتماعي. إذ يتم احياناً وضع صور لأشخاص على مواقع الانترنت والترويج لها على أنها ضمن فئة الدعارة مثلاً أو السيئة السمعة. وتؤدي هذه الأفعال إلى الإضرار بسمعة وكرامة صاحب الصورة المسروقة الكترونياً. 

لذلك، يجب عند التعرض لأي نوع من هذه الإساءة اللجوء إلى القضاء الذي يحوّل الملف إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية للتحقيق والتدقيق في مختلف المعطيات. ومن بعدها يتم إعلام القضاء بنتيجة التحقيق الذي يقوم بالدراسة وبتحويل الملف إذا لزم الأمر إلى القضاء الجزائي. 

 

هل يوجد قانون خاص بجرائم الانترنت؟  

لا يوجد قانون خاص بالإنترنت أو شبكة التواصل " الاجتماعي " ويتم اعتماد قانون العقوبات وتفسيراته وقانون حماية الملكية الأدبية والفنية رقم 75 لعام 1999 (وقبله القرار رقم 2385 الصادر عام 1924) وقانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81 لعام 2018. من هنا، يقتضي تعديل وتطوير قوانين تنظم عمل العالم الرقمي حاضراً ومستقبلاً تراعي فيه أطر الحرية والقانون في آن معاً. 

 ختاماً، نشير إلى أهمية وضع قوانين تراعي الحريات وأطر تنظيم مواقع الانترنت والأعمال في العالم الرقمي وتفلت شبكة التواصل " الاجتماعي " وضرورة اجراء دورات تدريبية للقضاة والمحامين والحقوقيين والاعلاميين من أجل التوسع في نشر المعرفة الحقوقية في هذا المجال حفاظاً على الحرية وتطبيقاً للقانون المنتظر!! 

ونـيالنا!! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق