سعود الأسدي والبردقان اليافاوي/ شاكر فريد حسن

يافا عروس فلسطين وعاصمة الساحل الفلسطيني النائمة على شاطئ البحر المتوسط ، الممتدة جذورها في عمق التاريخ الكنعاني. هذه المدينة العريقة الجميلة بين مدائن الوطن السليب والذبيح والجريح ، كانت كعبة الشعر والأدب ومنارة الثقافة والصحافة ووعاء النشاط الثقافي ، وغدت رمزاً لحلم عودة المشردين والمهجرين من أبناء شعبنا الفلسطيني في اماكن اللجوء والشتات والمنافي القسرية.
وقد اشتهرت بمينائها وشاطئها الجميل وأسواقها العتيقة في حي العجمي الشهير ، وأيضاً بآثارها التاريخية وساعتها وكنائسها ومساجدها ومآذنها وبرتقالها، الذي يعتبر أحد أشياء المكان الممتد في عمق الماضي القديم. ومن منا نحن الفلسطينيين لم يتذوق طعم البرتقال اليافاوي اللذيذ؟!.
ومن بطن يافا خرج الى الدنيا البرفيسور ابراهيم ابو لغد وهشام شرابي والشاعر الغنائي جميل دحلان.
وكان الشاعر الفلسطيني المميز بأشعاره الشعبية ذات النكهة الفلسطينية الأصيلة ـ الاستاذ سعود الاسدي، لبى في العام 1993دعوة رابطة شؤون يافا ، وشارك في الأمسية الفلسطينية / التراثية/ الثقافية/ الفنية التي أقامتها في حينه. وفي تلك الأمسية القصيرة قدم الاسدي مداخلة مقتضبة حول التراث الشعبي وقرأ مجموعة من قصائده ذات العبق الفلسطيني التراثي الشعبي.
واستهل حديثه بقوله:
ايام كنا زغار والدنيا امان
ونركض ورا البياع والعالم وساع
ونقلوا: شو حملك يا عم
ومنين جاي؟!
وبقول : من يافا محمل بردقان!!
وما كان من المحامي ابن يافا ورئيس الرابطة نسيم شقر الا أن احضر شعار رابطة شؤون عرب يافا امام الأسدي ليراه ، وهو عبارة عن شجرة البرتقال.
وهكذا انتهت الأمسية، التي ادخلت البهجة والسرور الى قلوب الحاضرين ، الذين امتعهم وادهشهم شاعرنا الملهم القدير سعود الاسدي باشعاره المحكية ، التي تشتغل بموضوعات فولكلورية ومواقع وامكنة ورموز ومضامين من بيئته وواقعه وحياته الريفية الرعوية ، التي تلون وتصبغ آفاقه وتجعله يحن الى ايام مضت ومرت ، ولا تزال تعيش في خياله وتهيجه. وتفرق الجمهور ليعود كل واحد الى بيته، وظلت اجواء هذه الامسية عالقة في المخيلة والذاكرة.

‏الرئيس مبارك ورد اعتبار تأخر/ سلوى أحمد

قاد الرئيس مبارك عدة معارك من أجل الوطن كانت الأولى خوض حروب الوطن الواحدة تلو الآخرى ، أما الثانية فكانت تلك المعركة التي خاضها الرئيس مبارك لإعادة بناء سلاح الطيران الذي تم تدمير أكثر من 80 % منه بعد نكسة 67 ، وجاءت المعركة الثالثة ممثلة في حرب أكتوبر بقيادته للقوات الجوية التي وجهت ضربتها المركزة تلك التي فتحت باب النصر ، ثم واصل الرئيس مبارك معاركه من أجل الوطن لتأتي معركته الثالثة التي خاضها مع السادات كنائبا له حتى كانت معاهدة السلام ، ليرحل السادات ويجد الرئيس مبارك نفسه أمام معركة جديدة هي معركة البناء والتنمية لبلد استنزفت ثرواته الحروب المتتالية فواصل الليل بالنهار حتى كانت مصر التي نراها أمام أعيننا اليوم ببنيتها التحتية ومشروعاتها الخدمية وجيشها الذي تركه وتصينفه الثالث عشر على مستوى العالم والذي كان وحده بمثابة معركة قائمة بذاتها عمد فيها مبارك إلى الحفاظ علي مصر وسلامتها من خلال بناء قوات مسلحة قادرة على أن تحفظها من أي خطرر يتهددها .
خاض الرئيس مبارك كل هذا المعارك دون كلل أو ملل معارك أمضي فيها أجمل سنوات العمر حتى وصل إلى الثمانين من عمره ليجد نفسه أمام معركة جديدة لا تقل شراسة و ضراوة عن تلك التي خاضها في السابق وهي الحفاظ علي مصر من المؤامرة التي حيكت ببراعة لتفتيتها وتقسيمها لينتهي من بعدها مسمى العالم العربي بأكلمه .
لقد استطاع الرئيس مبارك بحكمة القائد أن يجنب بلاده هذا المصير الذي كان ينتظرها فها هو يترك الحكم في غضون 18 يوما بعد أن سلم البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وها هو يمثل للمحاكمة بعد أن تخطي الثمانين من عمره وها هو يتحمل الأهانة والسب والتطاول من الصغير قبل الكبير ها هو يتحمل رفع اسمه من علي انجازات صنعها ويقبل بمحو اسمه من تاريخ سطرت بطولاته صفحاته .
فعل الرئيس مبارك كل هذا وأكثر وضحي بكل شيء من أجل مصر وشعبها من أن أجل أن يحقن الدماء ويحافظ علي الأرض ومرت الأيام لتبثت بما لا يدع مجالا للشك أن الرئيس مبارك كان من أكثر الناس وطنية واخلاصا وحبا للوطن رأينا من أدعوا الوطنية ممن أهانوه وسبوه وهم يفرطون في وطنهم رأينا من بعده الدماء والموت والخراب وكان لازما علينا بعد كل ما اثبتته الأيام أن نرد اعتبار الرجل الذي ضحي بكل شيء من أجل وطنه ولكن ظلت تلك التهمة وهي قتل المتظاهرين مبررا لدى البعض يمنعون به هذا الحق عن صاحبه حتى سقطت وبرئ منها الرئيس مبارك في التاسع والعشرين من نوفمبر 2014 منها بل لقد جاءت الشهادت تؤكد حرص الرئيس مبارك علي الدماء المصرية فها هي الشهادت تثبت أنه طالب بعدم اطلاق النار علي المتظاهرين حتى وإن وصلوا الي غرفة نومه وسحلوه هو وأبناءه ها هي الشهادات تثبت أنه لم يطلب باطلاق النار علي المتظاهرين بل طالب بحمايتهم والحفاظ علي أرواحهم ها هي الشهادات تؤكد أنه لم يتأخر في تنفيذ كل شيء من شأنه الحفاظ علي الدماء المصرية .
بعد كل هذا أتساءل ما الذي ننتظره لرد اعتبار الرئيس مبارك !!؟ ما الذي نريده من أثباتات وأدلة علي وطنية وإخلاص رجل من أشرف أبناء مصر !!؟ ما الذي نخشاه لنرد الحق ونرفع المظالم !!؟ إن للرئيس مبارك حق واجب علي الوطن ولزم علي الوطن ومواطنيه أن يردوا لهذا الزعيم العربي حقه عاجلا وليس آجلا فليس مبارك من يستحق كل هذا الظلم بعد كل ما قدمه ليس مبارك من ينتظر أن يطالب البعض بإصدار عفو رئأسي عنه لتقدم سنه ؟ اي عفو هذا ومن الذي يجب أن يصدر العفوعن من !!؟

إننا نحن من يجب أن يعتذر نحن من يجب أن يطلب العفو من رجل لم ولن يقدم أي إنسان ولا قدر يسير مما قدمه لوطنه لقد آن الآوان أن يرفع الظلم لآن الآوان أن ترد الحقوق لأصحابها آن الأوان أن يعلم الشعب أن لمبارك حق يجب أن يأخذه ليس منًه ولا شفقة بل حق مستحق لرجل كان ومازال وسيظل رمزا عربيا وقائدا عظيما وبطلا من أعظم أبطال الوطن.

الكاتبة \ سلوى أحمد 


انتحار طوعي لسعد الحريري مقابل لا شيء/ الياس بجاني

بكل صراحة وبصوت عال نقول للرئيس سعد الحريري انك ودون أدنى شك وطبقاً لكل معايير العقل والتعقل والتجارب تنتحر سياسياً وتنحر معك بيئتك التي احتضنتك واحتضنت والدك وقدمت من اجل ذلك الشهداء والتضحيات.

برضوخك المستغرب للحزب اللاهي ولمرجعياته الإقليمية الذي اغتال والدك وقبله وبعده كوكبة من الشهداء الأبرار يلغي كل مبررات ومسوغات عملك السياسي.

كما أنك ومقابل لا شيء، ونعم لا شيء، تضرب عرض الحائط بكل ما هو لبنان أولاً وتعايش ودولة وكيان.

إن تخليك عن الحلفاء المسيحيين تحديداً بجحود وغباء والغدر بهم والسير وراء طبخاب ومؤامرات وفخاخ وليد جنبلاط ونبيه بري هو 100% مقابل لا شيء غير الدمار للوطن والانتحار.

إن ما تقوم به من خيانة ونعم خيانة لأبيك ول 4 آذار ولثورة الأرز وللبنان وكيانه ولشعار “لبنان أولاً” ولبيئتك إن كان على خلفية الغباء أو الإملاءات أو الأمل في استعادة الثروة المالية الضائعة، لا فرق، فأنت بعملك هذا تعطي إيران وحزبها اللاهي السيطرة الدستورية الكاملة على مقدرات لبنان .

إن ما تسوّق له مع إعلامك المجرور والغبي علي أنه تطمينات ووعود وعهود كان من مثلها وأكثر ومن نفس الجهات والدول أعطي لوالدك ومن ثم تبين عملياً إنها مجرد أوهام ودفع والدك حياته ثمناً لتصديقها ومعه كوكبة من الشهداء الأبرار.

نسأل من هم أولئك الذين تأخذ منهم هذه التطمينات؟

أليس هم بري وجنبلاط والأسد والحزب اللاهي؟

وأليس هم الذين اتفقت معهم في الدوحة؟

وأنت أكثر العارفين كيف تم صرف تلك التطمينات يوم قطعوا لك تيكت ون واي ONE WAY وأكملوا عملياتهم الاغتيالية والإرهابية.

يقال أن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين!!

فهل أنت مؤمناً على الأقل بشهادة أبيك وبشهادة كوكبة شهداء ثورة الأرز؟

إن العقل والمنطق والتجربة يؤكدون عملياً إن فقط الغبي والجاهل يقبل التطمينات والوعود من محور الشر ومن أدواته المحلية.

المنطق يقول إن من يأمن للذئب حراسة النعاج يكون مصيره كما هو مصرها الحتمي.

في السياق المقاوماتي الحق، تأكد أن الحلفاء المسيحيين الذين طعنتهم في الظهر وإن فرض عليهم الوضع الإحتلالي مجدداً فهم لن يستسلموا ولن ينتحروا ونضالهم السيادي الحر والإيماني سوف يستمر كما كان حال أجدادهم منذ 7000 سنة.

يبقى إن المريض النفسي والعقلي والفاقد لعقله وللأمل والإيمان والرجاء هو من ينتحر.

عد إلى إيمانك وإلى بيئتك وإلى ثورة الأرز وقل لا وتوقف عن نحر ذاتك ونحر الوطن.

استقل واترك الساحة لغيرك من السياديين في بيئتك وهم والحمد لله كثر إن كنت عاجزاً.

إن الإعتراف بالفشل هوأفضل وأشرف بمائة مرة من الانتحار الذاتي والطوعي والخيانة.

في الخلاصة، تذكر أن لا شيء ينفع الإنسان إن ربح العالم كله وخسر نفسه.

نبل الفقراء/ أشرف دوس

العوزوالحاجة مذلة حقيقية، لكن الجميل هو نبل الفقراء، دأبهم نحو حياة أجمل وأفضل، إصرارهم على ألا يكونوا عبيدا تحت الأقدام، هذا ما كانوا يفعلونه دائما، الإمساك بجمرة الحياة حتى في أحلك الظروف حتى النفاذ إلى النور، ما حدث أنه لم يعد أحد يرى أفقا ولا نورا في نهاية النفق، ولم نعد نمنح العالم ما اعتدنا أن نمنحه من سحر الإبداع المشكلة أن العالم صار يكره الفقراء ويتمنى لو يتخلص منهم ببساطة، حتى أن ما تصوره أحمد فؤاد نجم من قبيل الفانتزيا ذات يوم وهو يقول فى إحدى قصائده “وأنا رأيى نحلها رباني ونموت كل الجعانين” صارت هي فلسفة العالم..حكوماتنا دأبت منذ سنوات طوال في أن تمارس دورها كأم معيلة ترعى أولادها، سربت للعالم هذا الإحساس، وسربته لنا أيضا، صار المصري يهرب للخليج والدول العربي باحثا عن لقمة عيش، حتى ولو كانت مغموسة في ذل الحاجة صورتنا الذهنية لدى العالم ولدى أنفسنا. علينا إعادة الثقة في نفوسنا ونفوس شبابنا، عليا بخلق بصيص من الأمل للجيل القادم حتى يكون له مكانه بين الأمم.

التمرّد على اليأس/ الدكتور فيليب سالم


أهم ما تعلمته في الطب، وبالأخص في معالجة الامراض السرطانية،، هو التمرّد على اليأس. فاليأس يقف دائماً حاجزاً كبيراً أمام الشفاء. كل يوم أتمرد عليه. يوم أغلبه وأيام يغلبني. ولكن لولا التمرد لما غلبته يوماً. لقد تناقلت وسائل الاعلام حديثاً قصة ليلى، الطفلة التي كانت تصارع الموت في أحد مستشفيات لندن من جراء اصابتها باللوكيميا. وذات يوم جاء الأطباء ليطلبوا من أهلها الرضوخ للفشل والقبول بالموت؛ ذلك أن كل المحاولات باستخدام العلاجات التقليدية قد باءت بالفشل. فثار والدها غضباً. لن أدعها تموت. عمرها سنة واحدة. لقد ولدت لتحيا. حاولوا مرة أخرى. أليس هناك علاج جديد تريدون اختباره؟ أنا لست حاضراً للاستسلام بعد. وبالفعل كان الأطباء الباحثون في المستشفى ذاته يعملون على تجربة علمية في هذه الحالة إلا أن مكوّنات تلك التجربة لم تكن قد نضجت بعد. لكن إصرار الوالد ورفضه المطلق "للحكم بالموت" جعلهم يغامرون بالتجربة قبل أوانها. وخضعت ليلى لعلاج اختباري لم يستعمل من قبل. فأُخِذت خلايا ليمفاوية وأخضِعت في المختبر لتكنولوجيا جديدة بحيث تم تغيير هندسة الجينات فيها، ومن ثم حقنت هذه الخلايا في عروق ليلى. وللوهلة الاولى لم يصدق الأطباء ماذا حدث. لقد زالت جميع أعراض اللوكيميا وعادت الحياة تدب في جسد الطفلة. فاهتزّ عالم البحث العلمي، وتجمّد الاختصاصيون في ذهول. إنه انتصار الأمل على الإحباط. إنه التمرد على اليأس. هذا التمرد الذي يعلمك كل يوم أن قدرتك هي أكبر بكثير مما تعتقد. هذا التمرد الذي يعلمك انه ليس هناك ابداً حائط مسدود امامك. انه التمرد الذي يرفعك الى النجاح. يرفعك الى الإبداع.

أكتب هذا المقال وأهلنا في لبنان في يأس كبير. فهم لا يزالون عراة، على طريق الجلجلة. اربعون سنة من الجلجلة. من فشل الى فشل. من ألم الى ألم. ومن ذل الى ذل أكبر. وهل هناك ذل أكبر من أن يزوّر لبناني جواز سفر سورياً ليتمكّن من الهروب إلى أرض ما، بلاد ما، في "بلاد الله الواسعة"؟ ها قد أخذ اليأس يقبض على الأرض، وها هي بقايا الضوء بدأت تتلاشى. أوَ ليس هذا هو المطلوب؟ نعم، إن المطلوب هو إيصالنا الى اليأس ثم الركوع ومن ثم القبول. القبول بكل شيء وبأي شيء. القبول بلبنان غير لبناننا. ليل طويل. كابوس من أحلام مزعجة. متى ينشق هذا الظلام وتطلع الشمس؟
تطلع الشمس عندما لا تخجل بنا. نحن شعب لم يستحق هذه الأرض ولم يحافظ على مجد أعطي له. لقد أوكلنا أمورنا الى غيرنا. كان إيماننا قليلاً. إيماننا بأنفسنا وإيماننا بوطننا. كان اقتناعنا بأننا نحن عاجزون عن صنع مستقبلنا. ها قد دقت الساعة. إنها الساعة الأخيرة. تعالوا نعيده إلينا قبل ان يصير لغيرنا. تعالوا نتمرّد على الذل، نتمرّد على اليأس. ولكن قل لي كيف يكون التمرّد على الذل وعلى اليأس؟
يكون التمرد باقتناع اللبنانيين بان لبنان هو لبنانهم هم، قبل ان يكون لبنان سياسييهم، وان لبنان سياسييهم لن يكون يوماً لبنانهم. لذا جئنا نطلب من المجتمع المدني ان يأخذ مسؤولية قيامة لبنان على عاتقه، ويبادر الى القيام بعمل كبير. هذا العمل هو بمثابة ثورة حضارية بيضاء لم يشهدها الشرق من قبل. وكم نتردد هنا لاستعمال كلمة ثورة اذ اننا قد افرغنا الثورة من معناها الحقيقي، فباتت تعني القتل والدمار والتطرف. وحده المجتمع المدني قادر على انتشال لبنان من القعر الذي أوصلته إليه الطبقة السياسية التي حكمت لبنان في السنوات الخمسين الأخيرة. إن الذين قتلوه لا يمكنهم احياءه. ونحن، ابناء هذا الشعب الطيب المسالم، نمتلك كل المقومات الضرورية للقيام بهذه الثورة، ولكن يبقى ان نؤمن بأنفسنا ونؤمن بقوتنا. ولكي تنجح هذه الثورة يجب ان نحدد الرؤيا لها ونحدّد الطريق التي تأخذنا الى هذه الرؤيا. إن الرؤيا هي إصلاح النظام لا إسقاطه. وصياغة عقد اجتماعي وسياسي جديد ينظم العلاقة بين السلطة والمواطن. وفي الرؤيا أيضاً الحرب على الفساد. وعندما نتكلم عن الفساد فنحن لا نعني الفساد المالي فحسب، بل نعني أيضاً الفساد السياسي والقيَمي. ويجب ألا ننسى أن قمة الفساد هي الولاء لوطن غير لبنان. أما الطريق التي تأخذنا الى الرؤيا هذه، فهي تمرّ بالتنظيم الدقيق. وهذا التنظيم يبدأ بالقيادة. فالمطلوب أولاً "مجلس حكماء" من المجتمع المدني مشهود لهم بالخبرة و"النظافة" والولاء للبنان. فمن دون قيادة حكيمة تضل الثورة الطريق. وتعمل هذه القيادة على تنظيم مبرمج لجميع قطاعات التحرك الشعبي من رأس الهرم الى الشارع. نريد ثورة يقودها العقل لا الغوغائية. ونريد أن نرى في الشارع رجالاً ونساء يحملون الشموع والورود لا رجالاً ونساء يعيثون في الأرض فساداً. ان العنف هو نوع من أنواع الارهاب، وهو الكفيل بإجهاض الثورة. نحن نؤمن بقوة اللاعنف وبقوة معانقة الآخر. انظروا الى ما حدث في الأسبوعين الأخيرين في بورما. خمسون سنة من حكم العسكر والديكتاتورية. جاءت سيدة وأخذت البلاد الى الديموقراطية. دون قتال. دون عنف. لقد شبع العالم عنفاً. إن الحراك المدني الذي شهدناه حديثاً هو مدعاة فخر لنا لكنه لن يصل الى مبتغاه إن لم يقتنع بأن العنف هو أكبر عدو للثورة. نريد ثورة ترفعنا الى الحضارة لا ثورة تنحدر بنا الى اللاحضارة. وحده لبنان من دول العالم العربي قادر على القيام بثورة كهذه الثورة.
ويتكلمون عن مسيحيين ومسلمين. عن شيعة وسنّة. من آلاف السنين وهم يتقاتلون. والذين لا يريدون ان يتقاتلوا ها قد قرروا اليوم ان يرحلوا. ان يهربوا. ولكن في الهروب من الذل الى الكرامة مات بعضهم معاً في قاع البحار. لم يعانقوا بعضهم بعضاً في الحياة. تعانقوا في الممات. كانوا على الطريق. كانوا في طريقهم الى الحضارة.

ثمن إستفزاز الدب الروسي/ جــودت هوشـيار

في عام 2012 ، عندما اسقط السلاح الجوي السوري طائرة تركية من نوع اف-4 انتهكت المجال الجوي السوري ، قال اردوغان غاضبا " ان الطائرة كانت تقوم بتدريبات وان انتهاك الطائرة للمجال الجوي السوري لم يدم سوى عدة دقائق ، وان ذلك لا يمكن ان يكون مبررا لاسقاط الطائرة" .
الطائرة الحربية الروسية التي أسقطتها السلاح الجوي التركي ، لم تشكل أي خطر على تركيا ، وكانت تحلق في الأجواء السورية وربما حلقت في المجال الجوي التركي على الحدود مباشرة لعدة ثوان فقط ، خاصة أن ثمة – كما يقول الخبراء العسكريون الروس – لسانا ضيقاً من الأرض التركية تمتد داخل سوريا لعدة كيلومترات ، ويضيفون بأن الصاروخ التركي الذي اسقط الطائرة قد أصاب ظهر الطائرة ،مما يعني ان الطائرة لم تكن متجهة الى داخل الأراضي التركية ، وكانت روسيا قد اقترحت على تركيا في وقت سابق ، التنسيق المباشر بينهما لتجنب أي اشتباك في الجو ولكن تركيا لم تتجاوب مع الأقتراح الروسي.
إرتكبت تركيا خطئاً فادحاً بأسقاط الطائرة الروسية في وقت عززت فيه روسيا قدراتها العسكرية في السنوات الأخيرة واستعادت مكانتها كقوة عظمى ، وتحولت الى لاعب أساسي في السياسة الدولية وخاصة في الشرق الأوسط ، وبسطت نفوذها على عدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة ،وابتلعت ابخازيا بعد فصلها عن جمهورية جورجبا واحتلت نصف اوكرانيا ،  دون ان تتخذ الولايات المتحدة الأميركية ودول حلف الناتو أي خطوة جادة للحد من أطماعها ، خاصة بعد تراجع الدور الأميركي في هذه المناطق بسبب تجنب ادارة أوباما الأحتكاك بروسيا أو الأقدام على أي خطوة من شأنها زيادة التوتر بين البلدين ، واكتفاء الدول الغربية  بفرض عقوبات اقتصادية غير مؤثرة كثيرا على روسيا . وفي مثل هذه الظروف على تركيا الآن أن تواجه وحدها التداعيات العسكرية والأقتصادية لهذا الحادث الخطير .
الأحساس بعظمة روسيا ومجدها الأمبراطوري متجذرة في الوعي الفردي والجمعي الروسي، وهو ليس وليد اليوم ، فطالما  تغنى به الشعراء الروس العظام ، من بوشكين وليرمنتوف الى ماياكوفسكي ويفتوشينكو . وكما يبدو من تصريحات المسؤولين والبرلمانيين الروس وتعليقات الصحافة الروسية ، فأن ردود الفعل الروسية العنيفة على الحادث ناجمة عن اعتقاد الروس ان تركيا قد جرحت الكبرياء الروسي وأنها لهذا السبب لن تفلت من العقاب .
ولا احد يشك اليوم في أن تركيا ستدفع غالياً ثمن فعلتها غير المبررة ، فقد اتخذت روسيا خلال الايام القليلة الماضية ساسلة اجراءات أدت الى شبه قطيعة تجارية بين البلدين ، إضافة الى الغاء أو تجميد كل المشاريع الأستثمارية المشتركة بينهما ومنها خط الغاز المسمي ب" السيل التركي " الذي كان من المفترض أن ينقل الغاز الروسي عبر الأراضي التركية الى أوروبا . وتركيا نفسها  تعتمد على روسيا في سد حوالي ثلاثة أرباع احتياجاتها من الغاز الطبيعي . كما تشمل الأجراءات الروسية ايقاف العمل في إنشاء أول محطة نووية في تركيا ، وفرض تأشيرات دخول على المواطنين الأتراك ، بعد عقد من الغاء التأشيرات بين البلدين وايقاف الرحلات الجوية الى تركيا ، وعدم السماح للمواطنين الروس بالسفر اليها، ، مما يفقد الخزينة التركية مليارات الدولارات سنوياً الى حين عودة العلاقات الطبيعية بين الجارتين .
 وربما كانت التداعيات الأقتصادية لهذه الحادثة أهون بكثير ، من عواقبها العسكرية في سوريا  وتداعياتها السياسية في منطقة الشرق الأوسط . المغامرة التركية سواء أكانت متعمدة أم عفوية ستؤدي الى نتائج عكسية تماما لكل ما سعى اليه أردوغان طوال السنوات القليلة الماضية . لن يستطيع بعد اليوم من اسقاط النظام السوري ، خاصة بعد قرار روسيا تعزيز وجودها العسكري في سوريا . كما ان الأقتراح التركي بنشاء منطقة عازلة بين تركيا وسوريا ، لم تعد على طاولة البحث بعد اليوم .
اردوغان فعل الكثير لأزاحة الرئيس السوري عن السلطة ، عن طريق دعم قوى المعارضة السورية الموالية لتركيا وغض النظرعن تدفق آلاف الجهاديين عبر اراضيها الى سوريا للألتحاق بداعش  ، وفتح مستشفياتها لمعالجة جرحى التنظيم . وكانت الشرطة التركية قد اعتقلت في يوم الحادث صحفيين اثنين من جريدة جمهورت التركية بعد ان كشفا النقاب عن شحنة اسلحة تركية ارسلتها المخابرات التركية الى سوريا. وربما كان السبب المباشر لأسقاط الطائرة الروسية هو أنها كانت تقوم بقصف الطابور الطويل من صهاريج نفط داعش المتوجه الى تركيا .
أردوغان لم يدخر جهداً في منع قيام كيان كردي في شمال سوريا ، ولكن حادثة اسقاط الطائرة الروسية أدت الى مطالبة العديد من البرلمانيين والخبراء والمحللين السياسيين الروس للرئيس بوتين بتقديم الدعم السياسي والتسليحي الى الشعب الكردي في تركيا وسوريا . وفي حالة استجابة الحكومة الروسية لهذه النداءات فأن الكيان الكردي ستظهر للوجودعلى نحو أسرع مما يتصوره الرئيس التركي .
في يد الرئيس الروسي أوراق ضغط كثيرة أخرى منها تأييد أرمينيا في صراعها مع أذربيجان – المقربة من تركيا – حول عائدية منطقة قره باغ ، والتذكير بالمذابح الأرمنية في المحافل الدولية ، والقاء الضؤ على قمع حرية التعبير في تركيا ومنها غلق الصحف المعارضة واعتقال محرريها . وبوسع موسكو دعم الأحزاب المعارضة لحكومة حزب العدالة والتنمية .
جادثة الطائرة لن تؤدي الى مواجهة عسكرية بين روسيا وتركيا بأي حال من الأحوال ، كما يتصور البعض ، رغم أن عواقبها السلبية شديدة التأثير على تركيا ، ويبدوأن الرئيس التركي أدرك ذلك ، فأخذ يتراجع عن مواقفه المتشددة ، ويعرب عن أسفه لأسقاط  الطائرة الروسية عن طريق الخطأ ، لأعتقاد الطيارين الأتراك بأنها طائرة سورية ، ويتعهد بعدم تكرار ذلك  مستقبلاً .روسيا تريد ليس أقل من اعتذار تركي علني وموثق وتعويض الخسائر الناجمة عن الحادثة .
الأعتذار التركي الرسمي قد يزيل التوتر الشديد القائم بين البلدين حالياً ، ولكن عودة العلاقات الروسية التركية الى سابق عهدها ، قد يحتاج الى أشهر وربما سنوات ، في وقت تعاني فيه تركيا من أزمات داخلية وخارجية ، وعزلة أقليمية ، واستياء غربي بسبب تدفق الجهاديين الى سوريا ، واللاجئين الى أوروبا عبر اراضيها ، وعدم احترامها لحقوق الأنسان ، وانتهاكها لجميع أشكال حرية التعبير ، في بلد يطمح في نيل عضوية الأتحاد الأوروبي .

هنا دفنوكَ يا قلبي/ يوسف ناصر

 " إلى روح ميّ زيادة  في الأخدار السماويّة، وفاءً لمن أحسنتِ الظنّ بالنـّاس كثيرًا ، لكنّها يوم نظرتْ حولها أيّام الحَجْر على أملاكها، لم تجد واحدًا يسعفها منهم ..!"

                  .. ويح لي ساعة  كنت جالسـًا وحدي، أستظل بظل اللـّيل الوارف  ، كي أحتمي من حرّ هذا العالم وقيظه الحارق، وأعصب  قلمي  النـّازف ، وأصغي إلى خرير قلبي وموجه الصّاخب، وأدفع عن روحي  جماجم الجمر الـّتي سقطت ُتدهْدِهُها البراكين فوق رأسي من كلّ ناحية.. ، إذ روّعني نواح أمّ  في أسبوع الآلام ، وقد جاءني يتهادى في مسمعي من كلّ موضع، وهي تطوف فوق القبور تحثو التراب على وجهها صارخة: " هنا دفنوك يا قلبي ، وهناك قطـّعوك يا كبدي ..! " وإذ عبَرني الصّوت ، وقد شاهدْته راكبـًا  خيوله، تجمح به شرقـًا، ليحمل  للدّنيا خبر هذا العالم المفترس ، صرختْ صاعقة في فمي : "  أيّتها الأخوات النائحات في كلّ موضع..! يا قتيلات الدّجل والزور والعنصريّة  في الأرض..  يا من لو وضعتُ الشـّمس بسمةً  في أفواهكنّ ، لاختفتْ في ظلمة أحزانكنّ وانطفأتْ ..! إنّ لي قلبـًا أيّتها الأخوات، ولا كتلك القلوب الجرداء في هذا العالم، سبقني إليكنّ حيث أنتنّ في هذه المسكونة.. فتعالـَيْنَ إليّ تجدْنَ أبوابه مفتـّحة لاستقبالكنّ في هذا الوهج الحارق...!! ويا أيّها المعذبون في الأرض حيث أنتم، أنا ما زلت أقف هنا منذ صباح العمر ، أجوع ببطونكم، وأعطش بحناجركم، وأبكي بعيونكم، وأمشي فوق الرمضاء حافيًا بأقدامكم، وعاريًا في البرد بأجسادكم من أجل عزائكم ، وعسى أن يكون لكم قبس بسمة، وومضة أمل حيث أنتم في  الظلمة العمياء..!                                                                                   
                 أجيبي أيّتها الدّنيا، وتلفّتْ أيّها السّلام الـّذي يطوف في الأرض  مطرودًا من كلّ بيت..! لماذا أينما سرتُ في الزّحام بين أكثر أبنائكِ ، لا أصدِم كتفي إلاّ بكذّاب قرين كذّاب، ودجّال خِدْن دجّال، ومراوغ رفيق مراوغ، لبس ثوب العنكبوت، وراح يختفي وراء شبكته  ليصطاد الأبرياء من بني البشر ..! لقد شاهدتُ للكذب في ترحالي الطـّويل في قلوب النـّاس، وبأمّ عيني،  كهوفـًا، وأجحارًا، وأوجرة ، ومغاور كثيرة، حفرها أبناؤه في بطن الأرض من صدورهم..! هذا يخبّئ  فيها عنصريّته، أخبث أمراضه وأمراض الناس طُرًّا، وذاك يواري طمعه، وبخله، ومكره، وجبنه.. وأولئك يخفون سرقتهم ، وبغضاءهم ، حتّى غدا الكذب لباس ألسنتهم ، به يسترون عن أعين الناس ما في الآبار تحت أضلعهم ..! ترى الشّوكة بينهم تلبس حلــّة الزّهرة ، وتتلـفّع العقرب بطيلسان الفراشة ، ويتدثّر الذئب بثوب الحَمَل، وتختال النـّار بقامتها الحمراء في الغابات، وهي ترتدي قميص أرجوان من ترشاش الرّذاذ  عند بزوغ الشـّمس..!  
             .. لذا، ومِنْ أجل أن أحمي نفسي من غبار الألسنة ، اعتدتُ دائمـًا أنْ أقول لكلّ مَن جاء إليّ  حيث أقيم في الدّير النـّائي في الصّحراء.. : تعـَرَّ أوّلاً واخرِج ِ الإنسان المختبئ  في أعماقك قبل أنْ أخاطبك ، وُقم ِاجمع ِالحطب واحرِقـْه أمام عينيّ  مع تقاليدك..! لأنـّني أخذت على نفسي عهدًا  ألاّ أخاطب في حياتي إلاّ العُـراة في هذا العالم ..!  ويا شـَقـْوتي ، حين رأيتهم في الحال يَنـْفـَضّون مِن حولي، وهم  يُجمجمون بحَنـَق خارج الباب : كيف لنا أن نكشف عن عوراتنا للنـّاس..! وكيف يرجو أن نطرح عنّا أمراضنا ، وفيها عافيتنا.. وهي معاشنا.. وقوت أولادنا، ومنها نرتزق..! فقلت في نفسي : ليت آدم وحوّاء قد بقيا عاريين منذ ذلك اليوم الذي لبسا فيه ورق التـّين، فما تنوّعت الأوراق ،وما تعددتِ الملابس في هذا العالم..!
             .. لقد أطلتُ النظر في وجه الحياة أمسِ وهي شاخصة أمامي تميس بقامتها الهيفاء ، فلم أر شرّاً من الزّور والكذب تدميرًا للمحبّة بين أبنائها.. واصطيادًا للودعاء والمساكين منهم ..! فصرختُ للوقت في البريّة : أيّها الدّجّالون الـّذين تنفخون بأفواهكم نارًا وكبريتـًا، فتنبعث النـّار منها وهّاجة تصلي مروج الورد، وروابي الزّهر، وُتنفـِّر الحمائم الهُـتـَّـف عن دوحها في الخمائل، وتحملون معكم النـّواح والعذاب  لهذا العالم .. ألقـُوا الأقنعة عن رؤوسكم، كي يرى النـّاس القرون الجاسية، والأنياب الكالحة ..! تعـَرَّوا من ملابسكم، كي يرى النـّاس تحتها الحيّات الرّقـْط.. اخلعوا نعالكم ليرى الناس مخالبكم ، وأظفاركم، وبراثنكم ..! سحقـًا لكم ..! لا تبالون والعالم يجري في سفينة تحترق ، وتوشك أن ُتلقي بأبنائها في عباب الدأماء الصّاخب..!!   
             .. من قال إنّ المرء يحتاج  إلى أنياب كالحة، وينبغي ان يكون فمه ملطـّخـًا بالدّماء، حتّى يتسمّى وحشـًا مفترسًا..!! فقد يكون المرء وحشًا ضاريًا حين تدفعه أطماعه إلى افتراس حقوق الناس، والسّطو على أرزاقهم ، وهو أثناء ذلك لا يقيم في غابة، بل في أجمل المنازل والقصور..!
            .. لا يحتاج المرء أن ُيحْسِن النـّقيـق في اللـّيل، والنـّزو بين الوحول، ويقيم على الضّفاف تحت الطـّحالب، حتّى يتسمّى ضفدعـًا..! فقد يكون المرء ضفدعًا نقـّاقـًا في الحياة حين لا تنفع ثرثرته أحدًا، ولا يقضي حياته إلاّ مِهذارًا في عصبة من الصّراصير واليرابيع في اللـّيل الدامس..!
               .. لا يحتاج المرء  أنْ نرى فوق فـَودَيه قرونـًا ، وفي رجليه أظلافـًا كي نسمّيه نيزبـًا ، أو ثورًا ذيّـالا.ً. إنّ من النـّاس نطـّاحـًا بطمعه، وقسوة قلبه، وُيتلف آمال النـّاس المزروعة في الحقول الفسيحة.. وهو لا يقيم على الحشائش في الحظائر، بل على الطـّنافس والفراش الوثير..!
              .. لا يحتاج المرء كي يكون أفعوانـًا صلاّ ً، أن يُنضْـنِض بلسانه ويستخفي بين الأشواك والأعشاب، و ينساب على بطنه فوق التـّراب.. إنّ الذي يغتاب النـّاس ويلدغ بلسانه شرفهم، ويرمي الإبر في قلوبهم، أفعوان صلّ هو، وإن بدا لأعين الناس بأجمل الحُلل وأنفس الثـّياب..!
                 نامي ميّ  ُممجّدة في الأخدار السماويّة ولا تجزعي .. ورفـّهي عن قلمك الـمُضنى وروّحيه..! يا نبعة الأدب، ونفحة الحقب، إنّ قبرك الشذيّ قارورة طيب تحت الثرى، أرى نيسان كلّ عام يقف على بابه ليأخذ منه عطرًا لروابيه، وُمجاجًا لأزاهيره .. لستِ وحدكِ في هذا العالم من كذب الناس عليكِ،وخذلوكِ، وأنكروكِ، ولم يحفظوا لك جميلاً..بل جازَوكِ عن معروفكِ شرّا..حسْــُبكِ في أسبوع الآلام أسـوة بالسيّد المسيح الذي يصلبه الناسّ كلّ يوم منذ ألفي عام .. ويبقى هو القائل دائما : " يا أبتاهُ ، اغفـِرْ لـَهُم لأِنَّهُمْ لا يَعْـلمُونَ مَاذا يَفـْعَلـُونَ"  .  

التطبيع الإماراتي مع اسرائيل جائزة مجانية لدولة الإحتلال/ راسم عبيدات

“الكنيست”  الصهيوني اعتبرت المقاطعة بمثابة تهديد استراتيجي لإسرائيل وليس تهديد سياسي،وواضح بأن حالة كبيرة من القلق والإضطراب والخوف والإرتباك تسود دولة الإحتلال وحكومتها تجاه مكانة اسرائيل الدولية في ضوء النداءات والمطالبات المتكررة بفرض العقوبات والمقاطعة الدولية عليها،نتيجة الإحتلال والإستيطان الإستعماري وجدار العزل  والضم العنصري وسياسة الفصل العنصرية “الأبارتهايد”،وما ترتكبه من جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني،ولم تعد اسرائيل تتعامل مع هذا الملف بإستهتار وبدون إكتراث،بل أصبح خطر المقاطعة الدولية لدولة الإحتلال يوازي خطر القنبلة النووية الإيرانية على دولة الإحتلال.،أي ان المقاطعة أصبحت بمثابة خطر وجودي على دولة الإحتلال.

وفي هذا  الوقت بالذات التي تتنامي فيه المقاطعة لدولة الإحتلال في ظل الهبة الشعبية الفلسطينية المتصاعدة ،وتنكشف  فيه حقيقة هذه الدولة كدولة كونيالية عنصرية تتنكر لوجود شعبنا الفلسطيني وحقه بالعيش بحرية وإستقلال كباقي شعوب العالم،وجدنا بأن مشيخات النفط والكاز هي من تمد لها طوق النجاة،من خلال إنتقال العلاقات والتعاون والتنسيق في الجوانب الأمنية والإستخباراتية والسياسية والتجارية والإقتصادية بين تلك المشيخات النفطية  و"اسرائيل" من السر إلى العلن،وطبعاً مهندس ذلك سواء في التنسيق واللقاءات مع مسؤولين قطريين او سعوديين او إماراتيين أمنيين أو سياسيين،هو "دوري غولد" مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية ورجل بنيامين نتنياهو الأول لهذه المهام، و"غولد" هذا كان له لقاءات مع انور عشقي احد رجالات الاستخبارات السعودية في واشنطن وكذلك مع تركي الفيصل مسؤول الاستخبارات السعودي السابق في واشنطن أيضاً وكذلك الكثير منها مع المغدور بندر ومع وزير الخارجية الحالي عادل الجبير وغيرهم من مسؤولي عائلة ال سعود والعديد من المسؤولين القطريين،وأتذكر جيداً ما قاله رئيس دولة الإحتلال نتنياهو بعد انتهاء عدوان تموز/2014 على شعبنا ومقاومتنا في غزة ،بأن ما ربحته اسرائيل في هذه الحرب أصدقاء جدد على الصعيد العربي يقفون الى جانب اسرائيل ويشاطرونها الموقف من المقاومة وايران،ويعتبرون بأن اسرائيل ليست دولة معادية لهم،ولم تعد القضية الفلسطينية قضيتهم الأولى.

طبعاً "دوري غولد " هو مهندس إفتتاح هذه الممثلية الإسرائيلية العلنية في أبو ظبي ،فقد قام الثلاثاء الماضي 24/11/2015  المدير العام لوزارة الخارجية، "دوري غولد"، بزيارة سرية إلى أبو ظبي للاتفاق نهائياً على فتح هذه الممثلية. وسبق الإعلان عن فتح هذه الممثلية سماح الإمارات بدخول لاعبين إسرائيليين للمشاركة في دورة مباريات دوليّة في كرة السلة.

 "اسرائيل " هذه أوّل ممثلية رسمية وعلنية لها تمتلك الحصانة الديبلوماسية في أبو ظبي،بوصفها ممثلية معتمدة لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)  التي  تتخذ من أبو ظبي مقراً عالمياً لها. مديرة إدارة الإتصال بوزارة الخارجية الإماراتية مريم الفلاسي ،قالت في معرض تبريرها لتلك الخطوة،بأن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة منظمة دولية مستقلة  تعمل وفق القوانين والأنظمة والأعراف التي تحكم عمل هذه المنظمات ، وان لا تغيير في موقف الإمارات أو علاقاتها بإسرائيل.

 ومهما يكن هذا التبرير الإماراتي،فإن إصرار اسرائيل ان يكون لها ممثلية علنية في الإمارات وبشكل مستقل،يوضح بان هناك اهداف اسرائيلية من وراء ذلك،فالدول المنضمة لوكالة الطاقة الدولية المتجددة،إما أنها ممثلة من خلال سفاراتها او بعثاتها  الدبلوماسية هناك،او من خلال موظفين صغار،فإسرائيل ترى في تلك الممثلية موطىء قدم لها ،ليس لكي تمارس من خلاله انشطه امنية وسياسية وتجارية واستخباراتية في الإمارات فقط،بل تطمح بالتمدد لكامل منطقة الخليج،وخصوصاً بان العلاقات السرية في المجالات الأمنية والعسكرية والإستخباراتية علىى وجه الخصوص بينها وبين أغلب مشيخات النفط والكاز العربي،قائمة منذ عشرات السنين.

حسب ما أوردت صحيفة هارتس الإسرائيلية،فإن زيارة "غولد" السرية لأبو ظبي والمغلفة بحضور إجتماع مجلس (IRENA)،الهدف الرئيس لها،هو التباحث في الإتفاق على فتح الممثلية الإسرائيلية،حيث اجتمع الى عدنان أمين الأمين العام لوكالة (IRENA).

ونقلت "هآرتس" عن مسؤول رفيع المستوى في تل أبيب قوله، إنَّ وزارة الخارجية الإسرائيلية عيّنت الديبلوماسي رامي حتان لرئاسة الممثلية الإسرائيلية الجديدة، ويتوقع أن يصل قريباً إلى أبو ظبي لتسلُّم مهام عمله. وفضلاً عن ذلك، تم اختيار المكان الذي سيشكّل مقراً للممثلية الجديدة التي يجري تجهيزها لافتتاحها رسمياً.

"اسرائيل" رغم كل علاقاتها السرية مع مشيخات النفط والكاز رأت في تلك العلاقة والوجود العلني في عاصمة الإمارات العربية،بمثابة إختراق سياسي في العالم العربي،قد يضعف من عزلتها ومقاطعتها المتنامية على المستوى الدولي،بسبب خرقها للقانون الدولي وما يتصل به من اعراف ومواثيق واتفاقيات دولية بشأن الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

وتنقل صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية ،أن حكومة الإحتلال وافقت بشكل إستثنائي  في كانون ثاني من عام 2009 عند إنشاء (IRENA)،أن يكون مقرها أبو ظبي،كان عدم تقييد المشاركة في نشاطات مقر المنظمة بأي مواقف سياسية،وان يكون في وسعها إفتتاح ممثلية معتمدة في أبو ظبي.

ثمة تساؤل كبير وكذلك علامة إستفهام كبيرة  حول ما جرى من إغتيال لأحد القادة العسكريين في حركة حماس الشهيد محمود المبحوح في احد فنادق دبي على يد مجموعة كبيرة من جهاز الموساد الإسرائيلي،وبين زيارة وزير البنى التحتية الإسرائيلية "عوزي لانداو" العلنية الى أبو ظبي،والتي كانت في  شهر كانون ثاني 2010 لحضور مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة،ولتجري عملية إغتيال المبحوح بعد شهر من تلك الزيارة.لم يدم التوتر وسوء العلاقة بين الطرفين طويلاً
،العلاقات السرية بقيت على حالها،فدول الخليج مصابة بمرض اسمه ايران التي ستبتلعها،واسرائيل التي ستوفر لها الحماية من هذا "الغول".

تدريجياً عادت المور الى مجراها الطبيعي،ووزير البنى التحتية  الإسرائيلي "سليفان شالوم" في عام 2014 ،ويلتقي مع عدد من وزارء حكومة الإمارات ويعلن بأن يتعين على إسرائيل فتح ممثلية معتمدة لها في أبو ظبي لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA).

 موقع "واللا " المقرب من المخابرات الإسرائيلية ،لفت إلى أن مقالة نشرت الأسبوع الماضي في موقع "هافنغتون بوست" الإخباري عن السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، قوله أنّه يقيم علاقات وثيقة مع السفير الإسرائيلي في العاصمة الأميركية رون دريمر. وقال الموقع الأميركي "إنهما يتّفقان تقريباً في كل المواضيع، ما عدا في الشأن الفلسطيني".

الإمارات العربية وغيرها من مشيخات النفط والكاز،تظهر بمظهر الداعم والمساند لشعبنا الفلسطيني ولأمتنا العربية من خلال مساعدات إنسانية خيرية وإغاثية،ودعم للعديد من المشاريع المتعلقة بالبنى التحتية والخدماتية وبناء المدارس والمساجد والمساكن،نجد انها بالمقابل تستثمر الكثير من الأموال وتضخها الى جماعات إرهابية هدفها تقتيل شبنا العربي وتدمير بلدانه وإدخالها في حروب التدمير الذاتي والفتن المذهبية،ومقابل الفتات من الموال التي تقدمها لشعبنا الفلسطيني،تشارك في تصفية القضية الفلسطينية،عبر مشاريع سياسية مشبوهة أقلها شرعنة الإنقسام الفلسطيني وتفتيت وحدة الشعب الفلسطيني ومحاولة شطب حق العودة.

ديوان شاعر البروة الشّعبيّ أسعد عطاالله (العثور على ديوانه، سيرته، ومضمون الديوان وقيمته) / يوسف ناصر

        ديوان شاعر البروة الشّعبيّ أسعد عطاالله (العثور على ديوانه، سيرته، ومضمون الديوان وقيمته)                                    
         لا أحبّ لقلمي أن أجري به على غير طبعه وهواه، وما اعتدت أن أكلّفه الكتابة يومًا في شأن شاعر أو أديب إلاّ حين يطرق بابي حقّ له عندي وسبب. بيدَ أنّ جلال هذا الموضوع وقيمته، وما لشاعر البروة الشعبيّ من حقّ في الاحتفاء به بمناسبة عثوري على كنزه الدّفين، ديوانه الضائع منذ قرابة قرن كامل بعد البحث الدؤوب عنه وقتًا طويلًا، إضافة إلى ما اخترم الشاعر من عوادي الدهر التي بخَست الشاعرَ حقّه، كلّ ذلك يحكم عليّ أن أنوّه به عرفانًا لفضله، وإجلالًا لشاعريته، وتقديرًا لأبناء قريته الأحبّاء في شخص واحد من شعرائهم، كان عندليبهم الصّدّاح وبلبلهم الغرّيد، وقد قضى سحابة عمره يشدو في أفراحهم، ويتغنّى بذكر مآثرهم، إلى أن بدّدت الأيّام شملهم، وخرج بينهم لاجئًا يقاسمهم بؤس الرحيل عن الوطن الحبيب.
            وأصل الحافز في البحث عن ديوان الشاعر يعود إلى أنّ الصديق البروفيسور قسطندي شوملي، أستاذ الأدب المقارن في جامعة بيت لحم، دعاني يوم كنت أعمل محاضرًا للّغة العربية في جامعة القدس لأقدّم دراسة في "مؤتمر الأدب الشعبي في فلسطين" الذي عُقد في الجامعة شهر أيّار عام 2010 أتناول فيها الشعر الشعبيّ في الجليل من مختلف جوانبه، وقد أعددت في حينه دراسة وافية في هذا الموضوع الواسع مستعينًا بما يسعفني من المراجع والمصادر، ومعتمدًا في ذلك على أخبار وحكايات تلقّفها الآباء من الأجداد في قرى الجليل الأعلى، مع تقصّي أخبار أولئك الشعراء الذين نهضوا بهذا الفن إبّان عهد الانتداب البريطانيّ، إضافة إلى أولئك الذين واصلوا إحياءه بعد ذلك العهد إلى يومنا هذا. 
               كان أسعد عطاالله علمًا معروفًا بنباهة صيته بين أعلام الشعر الشعبيّ في قرى الجليل إبّان عهد الانتداب البريطانيّ. وكان واحدًا في كوكبة من الشعراء الشعبيّين الذين عمَروا قرى الجليل بأشعارهم وأفعموها بأناشيدهم في مختلف المناسبات والاحتفالات. وفوق ذلك، انفرد عن شعراء عهده بأنّه الوحيد بينهم من ترك ديوانَين من الشعر في هذا الفنّ. وإنه لمن دواعي العجب والأسف أنّ الديوان الأوّل الذي أتناوله في مقالي، كالديوان الثاني قد ضاع، وقد محت يد الأيّام كلّ أثر له بين الناس! فطفت أفتّش عنه في كلّ موضع دونما كلال ويأس، يساعدني في تعقّب أثره نجلي الحبيب إياس الباحث والمحاضر في قسم اللّغة العربيّة في الجامعة العبريّة، حتّى جاءتني البشرى أخيرًا من حيث لم أتوقّع، وعثرت على نسخة واحدة منه بعنوان "نشأْ الفنّ" في مكان مجهول كان الكتاب فيه يوشك أن يمّحي أثره، لولا أنّي تداركته بالبحث وقتًا طويلًا. ولشَدّ ما كانت دهشتي حين وجدت نسخة الديوان تكشف النقاب عن ديوان آخر للشاعر "سيصدر قريبًا بعنوان "محيط الفن"! راجيًا في هذا الديوان المفقود أن تعينني الأيام، وأهتدي إليه مثلما اهتديت إلى توأمه.
           لا أستطيع في هذا المقام أن ألمّ بتفاصيل سيرة الشاعر كاملةً سوى أنّه ولد في قرية البروة، ونشأ في كنف عائلة صغيرة، وقد أنهى أولى سنوات تعليمه في مدرسة قريته التي أقامها الرّوس آنذاك في القرية كسائر المدارس التي أقاموها في عدد من القرى العربيّة في فلسطين. وما إن اصلبّ عود الشاعر حتّى نزعت نفسه إلى الشعر، ونبغ في نظمه صدر العقد الثالث من عمره. وبحكم ذكائه وفطرته وتقدّمه في المعرفة قياسًا بمستوى التعليم في ذلك العهد، سرعان ما ذاع صيته ولمع اسمه بين أقرانه من الشعراء الشعبيّين من أبناء عهده. ومّما زاد في توقّد جذوته في فنّ العتابا خاصّةً، مشاركته شعراء لبنان الذين كانوا يؤمّون عكّا للاحتفال في مهرجان عيد المولد النبويّ الذي كان يُقام كلّ عام في هذه المناسبة، إذ كان غناء الميجانا والعتابا لدى أولئك الشّعراء اللّبنانيين هو الغالب في هذه الاحتفالات. أذكر منهم شاعر الزجل الكبير أسعد فغالي، الملقّب بشحرور الوادي، ويوسف حاتم، وعبّاس نجم الحومينيّ، وأسعد سعيد صعب، وإلياس شاكر قسطنطين وغيرهم، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الشّعراء والأدباء الذين كانوا يَفِدون إلى البلاد كأحمد شوقي، ومعروف الرصافي، وجورجي زيدان، وخليل مطران، وميخائيل نعيمة، وغيرهم.
            وممّا يشهد على المنزلة الرفيعة التي بلغها الشاعر أسعد عطاالله في هذا الفن أنّ الشّاعرين اللّبنانيّين الكبيرين يوسف حاتم وعبّاس نجم الحومينيّ المذكورَين كانا زاراه في منزله في البروة بعد اختتام الاحتفالات في المناسبة المذكورة. وحسْبُ الشاعر أسعد عطاالله في زيارة هذين الوعْلين شهادةً له على طول باعه في هذا الفن، وأنّه من الأنداد والعرانين المعدودين في هذا المضمار.                                                        
       ولمـّـا أزرى الشعر بالشّاعر، وقد اشتدت كظّة الأيّام عليه بالفقر والعوز الشديدين، انتقل بأسرته في منتصف سنوات العقد الرابع من القرن الماضي إلى حيفا طلبًا للرزق، وعمل هناك خادمًا (قندلفت) في كنيسة الروم الأرثوذكس في حيفا. وحين بدأت أحداث النكبة تتوالى في حيفا، وما صاحبها من أعمال قتل وشغب، خفّ الشاعر إلى قريته، وهي عنده مناط القلب، يرجو فيها الأمن والسلامة ، ويقيم في مضافة الأب الجليل الخوري جبران الخوري نوّر الله ضريحه، فيجد نفسه إذْ ذاك في قريته "كالمستجير من الرمضاء بالنار"! والناس في رعب وهلع ممّا يصدمهم من خطر الرحيل! وممّا يخلع القلب في هذا الظرف العصيب أنّ الشاعر ساعة أيقن أنْ "ليست عشيّات الحمى برواجع" و"أنّ الركب مرتحل" لا محالة، و" لا يطيق وداعًا" لتراب الوطن، وقد "شُدّت لطيّات مطايا وأرحل" أخذ "يقبّل ذا الجدار وذا الجدارا " مودّعًا، ويطلق صائحًا آخر بيت من العتابا قاله في قريته على رواية شاهدة عيان فاضلة يوثق بروايتها:
           كفاني قهر يا دنيا كفاني    ظلمني الدهر وعاوجهي كفاني
            دعوني قبل ما ألبس كفاني   دعوني تأعفِــرْ وجهي بالتّراب 
ومن قريته حطّ به الترحال مع أسرته في قرية رميش جنوب لبنان، ومن هناك أقام في قرية جلّ الذيب قرب بيروت، ولم يمض على إقامته هناك سوى عامين حتى وافاه أجله غمًّا، وفي تلك الديار أقام "ما أقامَ عسيبُ" ! ولم يتجاوز منتصف العقد الخامس من عمره! 
لا أبغي في هذا المقال بعد هذا العرض القصير لسيرة الشاعر سوى تقديم استعراض موجز لديوانه الذي يستحقّ تحقيقًا لغويًّا شاملًا، ودراسة علميّة وافية، تتناول الديوان من مختلف مواده وخصائصه، وتتولّى طبعه، وإخراجه إلى القرّاء بأبهى حلّة وأجمل ثوب قشيب.  
        طبع الديوان في مطبعة النجاح في عكّا عام 1930، وقد سمّى الشاعر ديوانه "نشأْ الفنّ" (هكذا)، يعني بدايته.  
 قدّم الشاعر ديوانه بقوله:
            "بسم الله الحيّ القيّوم الذي ملكه لا يحول ولا يزول خالقًا الكون تامًّا من كل المخلوقات ومنهم جنس البشر الذي خلقت أيضًا أنا منه فله الحمد الوافر والشكر المتواتر. أما بعد فلما بلغ عمري ما ينوف عن ثلاثين سنة تعلقت في أمور الفن في أقوال العتابا ومن زود تجولي في بحرها جاش في فكري أقوال في شعر العتابا فعزمت أن أدرج ما تهيأ في فكري من الفنون حتى تسير في أنحاء البلاد. وهذا أوّل فتوح بدا منّي في أقوال العتابا. وسمّيت هذا الكتاب "نشأْ الفن" والسلام. أسعد يوسف عطاالله من البروة"
وفي الصفحة قبل الأخيرة من الكتاب يذكر "انتهى هذا الكتاب وسيليه عن قريب كتاب محيط الفن". ثم يذكر بعد ذلك:
"انتهى هذا الكتاب الأوّل وهو كتاب نشأ الفن وكان انتهاء نظمه في 20 آب سنة  1930. أسعد عطاالله من البروة".
ويُشار في الصفحة الأخيرة منه إلى أنّ  "ثمن النسخة 15 ملًّا فلسطينيًّا".
          وقد صدّر الشاعر الصفحة الأولى من ديوانه بصورة له في زيّه العربيّ بين بيتين من العتابا أحدهما من فوقُ والآخر من تحتُ يضمّنهما تعريفًا بنفسه وافتخارًا.
            يحتوي الديوان تسعة فصول، يشتمل أكثرها على الميجانا والعتابا التي يسمّيها الشاعر في الفصل الثالث العتابا "الهوائيّة"، وفيها يتغزّل الشاعر، ويعبّر عن جمال الحبيب وظلمه، وما يكابده من تباريح الشوق إليه، وما يعتلج في خاطره من أسى الفراق. 
من أمثلة ذلك في الميجانا قوله:
يا رايحين صوب الحبايب سلّمو     على ظريف الطول ربي سلمو
لعمل من الظلعين درجة سلمو     واعمل من الزندين عامود البنا
سبحان ربك بالمحاسن كمّلك   قلبي وفؤادي لجل حبك كمّلك
شفت البدر بيلوح داخل كمّلك والشمس تضحك من خروج التنتنا
ومن أمثلة عتابا الغزل قوله:
عجب! روس النواهد ليش فلّيت    مسكتا، نَفَرْ مني أبجري، فلّيت!
لمستا في نهودا تصيح فلّيت          العشق ما هو أرض تنبت اعشاب!
           أما النوع الثاني من العتابا فتلك التي يسمّيها الشّاعر في الفصل السّادس "العتابا الجبورية" وهي التي تنسب في أصل نشأتها إلى قبيلة الجبور في العراق على رأيٍ غير أكيد لأحد الدارسين، أو إلى الأصول السّريانيّة على رأي بعضهم. وفي هذا النوع من العتابا تلقى الشاعر فارسًا يكثر  الفخر بالشجاعة، والفروسيّة في الحرب، والتغنّي بالسيف والحصان على غرار ما نعرفه من أدب الفروسيّة والحماسة في الشعر الفصيح.
      وأبرز ما في الفصل السّابع من الديوان أنّ قريته حاضرة في وعيه، لا تبرح خياله، ويعبّر فيه عمّا يجيش في قلبه من حبّ لها، ويتغنّى بأهلها ويذكر عائلاتها، وبعضًا من أعيانها دونما استثناء من مسيحيّين ومسلمين، يذكر بين أولئك الشيخ محمد الكيّال، والخوري جبران الخوري الذي كان عماده وملاذه عند الشدائد، وأبو توفيق رضوان سكس جار الشّاعر:
من أمثلة ذلك:
ــــــ بلدنا ملجأ القصّاد والجاه          ومرفوعا القدر والشان والجاه
تحليل العسر لليسر والجاه           تفكفك لمعاضيل الصعاب 
ــــــ لادرجْ مدحها، والنظم بَرواي     بها منهل إلى الظمان برواي
انوجد فيكي ألا باجدار برواي      فطاحل كالأسود ابوسط غاب
ــــــ بلدنا عاليه بوسط راباي        وفيك محمد الكيّال راباي
بيدو لو لمس للماء راباي       صبّحْ كاللبن تحويل الميا
 ـــــ غرّب عابني درويش تغريب     يوسف كان يسن أحكام تغريب
وكل منها الشمس بامس تغريب   احمد يلتقي ضيوف المسا
ــــــ لـمْــدحْ حضرتك يا أب جُبران    صرت كاهن عن الدشمان جَبران
جدّك للخواطر كان جُبران    نقولا فكفك أمور الصعاب 
ـــــ بلغني البست ثوب العزّ حلّاك     يباهي عالمنيره اللطف وحلاك
إذا أقثم دجا الديجور واحلاك      جبينك عن بزوغ البدر ناب
ـــــ أبو توفيق نعم الجار جاراي     يصفح للمرء لو كان جاراي
أما تعلم بأنّ الفكر جاراي      بمدحو الّف الناظم عتاب
           إضافة إلى ذلك يتضمّن الديوان "العتابا الفراقية" في الفصل الثامن منه، على نحو ما يتضمّنه من عتابا "مخاطبة الدهر" في الفصل الأوّل، وفي كلا الفصلين تجد الشاعر حزينًا، كثير التشكّي والتبرّم بالحياة، ويندب حاله في التياع شديد لفجيعة ألـمّت به، قد تكون بابنه أو أخيه أو غير ذلك. ونتيجة لذلك تلقاه يكرّر في مطالع أكثر أبياته قوله "طعنّي الدهر سهمو" أو "حبابي شيّلون" أو "احبابي شيّلو"! 
من أمثلة ذلك قوله:
ـــ طعنّي الدهر سهمو طب فيَّ     رماني بالشمس من بعد فيَّا
زماني اتكيدني بالزور فيَّ        شرع تاحللت هذه لبواب 
وكقوله:
حبابي شيّلون بليل ونهار    عفقدو هلْ دمع العين وانهار
بقلبي لو وضعتو ابحور وانهار  مطفت نار وجدي والّهاب
أمّا الفصل التاسع والأخير من ديوانه فيتضمّن "مواويل بغداديّة" تقوم على النوع السباعيّ منها، والمكوّن من سبعة أشطر وهو المسمّى "البغدادي" والذي وصل البلاد من العراق، وكان معروفًا وشائعًا لدى الشّعراء اللّبنانيّين مرحلتئذ. ويبدو أنّ الشاعر امتطى ما يُدعى "بالموّال الأحمر" منه، مجاراة لهم، ولموافقته ما كان يقاسيه الشاعر من يأس وأسًى.
              إن لديوان الشاعر أسعد عطاالله قيمة كبيرة، وفائدة جمّة، إذ يقدّم للقارئ شاعرًا مطبوعًا غير متكلّف، تتبيّن في شعره "رونق الطبع ووشي الغريزة" وزجّالًا راسخًا في النّظم، ومقتدرًا على القوافي، ومتضلّعًا من لغته العربيّة بدليل استعمال الألفاظ الوعرة أحيانًا كالفدافد والعنادم وأقثمَ  والحندس والدّشمان وغير ذلك، كما يقدّم الديوان مادة غزيرة للدرس والتحقيق في مجال الشعر الشعبيّ الفلسطينيّ، ويعرض نموذجًا حيًّا من هذا النوع من الشعر في ذلك العهد، كما يعرض صورة أمينة للّغة العاميّة السائدة في تلك الفترة قبل قرن من الزمن، حيث تشتمل على كلمات وتعابير وجمل لها دلالات قديمة يجهلها أبناء الجيل الجديد. والديوان مع ذلك شاهد على ما يعتمل في وجدان العربيّ الفلسطينيّ في تلك الظروف القاسية من هواجس وهموم. 
    أخيرًا وفي موقف الاحتفاء بقيامة الشاعر من رقدة الغيب والنسيان، وعودة ديوانه من ذلك الموت الذي ربض عليه قرنًا وأخفاه، كأنّي بقلمي واقف بتهيّب وأسًى على قبر ذلك الشاعر اللاجئ حيث شطّ به المزار في بلاد الغربة، ويحني فوقه هامته ويذرف أدمعه، تقديرًا لهزار صدح على أيك الوطن، وشدا للفرح، وغرّد للحبّ أعوامًا، فتزحمه صروف الدهر، وتجور عليه جورًا تنوء بحمله الأنفس، فتحجب عنه الفرح والحبّ، وتشعل في نفسه غصّات من جمر، وتوقد في صدره نفثات من نار، فيدفن في بلاد غير بلاده حيث هناك تبلى عظامه في قبر بعيد عن الديار، لكنْ لا يبلى فيه شوقه ولا يَخمَد حنينه إلى تراب الوطن الحبيب.
                                           كفرسميع

سلعة أدبية/ موسى مرعي

يا متاجر بالادب العربي في المهجر                      
الحب بغير حب الله لا يكتمل 
ومهما تماديت بعلمك يبقى         
شراع سفينتك امام شراع "البعيني" بارتخاء                   
عندنا علم وحضارة 
والادب العربي للامم مناره               
جعلتم منه سلعة للتجارة
قالوا الشعر ادب ابوابه عاليه      
 كالدر نقدا وكالخيري أطباقا
 كن ابن من شئت لكن لا تمشِ مرحا
يغنيك المحمود عن النسب أدبا 
علمك كالسراب يحسبه الظمآن ماء
مهما شربت من الانهر ماء 
لم تشرب شيئاً ان لم تشرب من نهر شربل بعيني    
الشعر والادب والاخلاق تبقى ظمآن 
كم من اشخاص ادعوا بالادب مهاره
و حملوا شهادات اشتروها بأبخس الاثمان يا خسارة            
منهم اغتنوا واشتروا بيوتا 
وصار عندهم رصيد و كل سنة   
يجددون سيارة.                    
       

النكبة الفلسطينية – الحقائق بمواجهة التزوير/ نبيل عودة

*الهجرة واللجوء إلى دول الجوار لم يكن خيارا فلسطينيا، إنما خطة صهيونية جهنمية إجرامية * المؤرخون اليهود لم يلتزموا بالحقائق حول تشريد مواطني حيفا * لماذا أُخرج قصف حيفا من كتب التاريخ الاسرائيلية الرسمية؟* من 70.000 مواطن  فلسطيني في حيفا (عام 1948) بقي 3566 مواطن فقط*

تواصل إسرائيل إنكار مسؤوليتها عن تهجير أبناء الشعب الفلسطيني من وطنهم، وتتجاهل أنها قامت بهدم قراهم ( ما يقارب 520 قرية) لمنعهم من العودة ولخلق واقع جديد . ولم يحظ الكثير من العائدين بعد أحداث حرب 1948 بهويات زرقاء مما كان يعني تعرضهم للطرد من الوطن، أو القتل كمتسللين، أو الحصول على هوية حمراء تعني أنهم مقيمون-عابرون (أو"ضيوف" حسب الصيغة الرسمية) وليسوا أبناء هذا الوطن.
نبذة من التاريخ المأساوي
شهد تاريخ الأقلية العربية معارك بطولية ضد التهجير، قام بها ، وقادها بالأساس الشيوعيون العرب، بمنع الشاحنات المحملة بالمزمع طردهم من التحرك، وذلك بإلقاء أنفسهم أمام عجلاتها، ونظموا معارك قضائية من أجل الحصول على الهوية للعائدين (الضيوف) الذين عادوا كمتسللين إلى وطنهم معرضين انفسهم لخطر القتل على الحدود. واشتهر وقتها المحامي الشيوعي حنا نقاره ، الذي أطلق علية الناس لقب "محامي الشعب". كانوا ينشدون له الأهازيج الوطنية فرحا بتحصيله للهويات عبر المحاكم الأمر الذي كان يعني البقاء في الوطن وعدم اعتبار الفلسطيني "متسللا" (أو ضيفا) مرشح للطرد من وطنه الى دول الجوار، كذلك تحديا للحكم العسكري الذي فُرض على العرب الفلسطينيين الباقين في وطنهم مقيدا تنقلهم داخل وطنهم باطار قوانين انتدابية بريطانية تعرف بقوانين الطوارئ.
من الأهازيج النضالية المتحدية للحكم العسكري في تلك الفترة :
طارت طيارة من فوق اللية الله ينصركو يا شيوعية - ( اللية اسم مكان في الجليل)
حنا نقاره جاب الهوية غصبا عن رقبة ابن غريونا - ( بن غوريون – أول رئيس لحكومة إسرائيل)
وتطورت ثقافة شعبية غنائية كجزء من النضال والصمود ضد التشريد، منها مثلا على سبيل المثال وليس الحصر، وحسب مذكرات الشاعر والمناضل حنا إبراهيم (كتابه: ذكريات شاب لم يتغرب ) ، كانت تمنح هويات حمراء لمن يعتبروا "ضيوفا" كما أشرنا، أما "غير الضيوف" فكانوا يحصلون على هوية زرقاء. يذكر حنا إبراهيم أغاني التحدي التي كانت تنشد في حلقات الدبكة  ومنها:
يا أبو خضر يللا ودينا الزرقات والحمرا ع صرامينا - (أبو خضر هو اسم شرطي مارس العنف ضد العرب، والزرقات والحمر هي الهويات)
هذا وطنا وع ترابه ربينا ومن كل الحكومة ماني مهموما
يقطع نصيب ال قطع نصيبي لو انه حاكم في تل أبيب
توفيق الطوبي وإميل حبيبي والحزب الشيوعي بهزو الكونا – وهما من أبرز قادة "عصبة التحرر الوطني الفلسطينية" (1)
ويتلقف الشبان الكرة ويعلو نشيد المحوربه - وهو نوع من الغناء الشعبي الفلسطيني:
لو هبطت سابع سما عن حقنا ما ننزل 
لو هبطت سابع سما عن أرضنا ما نرحل
هذه لوحة عن واقع صار تاريخا ولكنه نوسطالجيا نضالية أيضا، نفتقدها اليوم بهذه القوة، وهذا الصمود، وهذا الالتفاف الشعبي السياسي . وما يجعلني أورد هذه اللوحة، التأكيد أن الهجرة لم تكن خيارا فلسطينيا، بل جريمة إنسانية، لم تكشف بعد كل تفاصيلها، وكل مخططاتها في الفكر الصهيوني، الذي يجتهد اليوم لإنكار الحقائق، بل وتزويرها بدون خجل، حتى تلك التي وردت في السجلات الرسمية للدولة.
من أقلية في مهب الريح الى شعب صامد
اليوم نواجه واقعا مختلفا، الأقلية العربية، الباقية في وطنها، أعادت بناء نفسها ومؤسساتها، تجاوزت صعاب ومخاطر هائلة، شكلت علامات سؤال كبيرة حول بقائها في وطنها. وعززت بقاءها في وطنها. رغم مصادرة الأرض ( ما تبقى لها أقل من 3.5% من الأرض منها 2.5% تابعة لسلطات منطقية  يهودية)، إلا أنها لم تستسلم، وأصبحت أقلية متعلمة وأبناءها يملئون الجامعات والكليات ، عدد الأكاديميين تنامي بأرقام هائلة، من أعداد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلى عشرات الاف ألأكاديميين اليوم، عدا الطلاب الجامعيين. والأكثر من ذلك ، 60-70% من الفتيات العربيات، اللواتي ينهين الثانوية يتجهن للدراسة العليا . آلاف كثرة جدا من الطلاب العرب من إسرائيل يتعلمون في جامعات الأردن، ألاف أخرى في مختلف أنحاء العالم، عدا الآلاف داخل الجامعات والكليات المحلية.
إن المسؤولية عن هجرة الفلسطينيين ، أو طردهم من وطنهم بأساليب تعتبر جرائم حرب، كشفها أيضا مؤرخين يهود شجعان أمثال ايلان بابه، وكنت قد كتبت سابقا عن قرار رئيس الحكومة، بناء على طلب مدير الأرشيفات ، باستمرار إغلاق أرشيفات العقدين الأولين بعد حرب 48 لعشرين سنة جديدة ، لأنها تشمل تفاصيل كشفها الآن يلحق الضرر بدولة إسرائيل. واعتقد أن تمديد الإغلاق، جاء لمنع استغلال المفاوض الفلسطيني لوثائق رسمية تثبت أن تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه، كان بسبب ارتكاب مجازر ، لا تقل بشاعة (وربما تفوق) عن مجزرة دير ياسين (منطقة القدس) ومجزرة قرية الصفصاف ، الواقعة على زنار جبل الجرمق، مما دفع الفلسطينيين، الفاقدين لأي حماية من الانتداب البريطاني أو من الجيوش العربية، للهرب من وطنهم أو تعرضهم للمجازر الجماعية. وهناك روايات كثيرة عن عشرات المجازر، بعضها كشف عنه مؤرخين يهود.. وقد يكون المخفي أعظم، بعد كشف من اصدر الأوامر وطرق تنفيذ المجازر!!
إن الهجرة واللجوء إلى دول الجوار، لم يكن خيارا فلسطينيا، إنما خطة جهنمية إجرامية، لم تكشف كامل تفاصيلها، ولا يمكن لأي مفهوم إنساني سليم أن يعتبر تلك الأحداث مجرد صراع على أرض. بل هي تصفية عرقية من أسوأ الأشكال التي عرفتها البشرية ، وحسب المستشرق ايلان بابه بدأ التطهير العرقي قبل إقامة دولة إسرائيل، وهذا ما يكشفه في كتابه الهام :"التطهير العرقي في فلسطين"..
يخافون من تاريخهم
يحاول اليمين العنصري في إسرائيل إنكار النكبة، بل وإقرار قانون يمنع المواطنين العرب من تخصيص يوم 15 أيار من كل عام لذكرى النكبة ، لكن هذه المحاولات، جعلت النكبة راسخة أكثر، ليس في الذاكرة الجماعية للعرب فقط، بل في كشف الموضوع أمام العديد من اليهود في إسرائيل الذين يجهلون تفاصيل حرب 48، وماذا تعني النكبة، لدرجة أن محرك البحث في غوغل شهد ارتفاعا هائلا في البحث عن كلمة "النكبة" باللغات الانكليزية والعبرية والعربية. أي أن التفكير العنصري بمنع ذكرى النكبة عن أبناء النكبة، قاد إلى تعميق مفهوم النكبة وتفاصيل ما جرى وقاد إلى النكبة. بل وأكثر من ذلك ، الخوف من ذكرى النكبة للعقول العنصرية المريضة، ترجمت برد صهيوني ، إذ أصدرت عناصر حركة تسمي نفسها "إم ترتسو"( إذا شئتم)كتيب جيب من 70 صفحة ، أشبه بتوراة للمتطرفين ، يحمل عنوان:" نكبة خرطه– الكتيب الذي يقاتل من أجل الحقيقة" ( "خرطه" بالعامية الفلسطينية تعني "كذبة" وهي من الكلمات التي اخترقت العبرية)
يحاول الكتيب أن يشوه ( او يزور) حقائق التاريخ، كتبه الصحفي ارئيل سيجال واحد مؤسسي حركة "ام ترتسو" بيسانز تدمور، في محاولة (مهزلة) لإقناع القراء ( اليهود بالأساس) بأن العرب الذين يرون بأنفسهم ضحايا النزاع الفلسطيني- إسرائيلي، هم بالأساس المعتدين، أي الضحية هي المعتدية حسب مفهوم العقل الفاشي المريض لمؤلفي الكتيب.
حيفا نموذجا.. الحقائق اقوى من الكذب
ومن النماذج التي يقدمها الكتيب ، فصل بعنوان: " هم تركوا- حيفا نموذجا"، وفي هذا الفصل يذهبون لإنكار الطرد المخطط للعرب من حيفا، وذلك باعتمادهم على كتاب بروفسور أفرايم قارش :" تلفيق التاريخ الإسرائيلي" ، يواجهون به من يعرفون بالمؤرخين الجدد،الذين ، حسب نص الكتيب، يقومون بنفي الحقيقة المؤكدة بسجلات الدولة أيضا ، والتي على أساسها نفذت القوات اليهودية ( الهجناه) سلسلة من المذابح المروعة، خدمة لسياسة موجهة من أعلى، لطرد الفلسطينيين أو التصفية العرقية".
النموذج الذي يقدمه المؤلفان،هو وصف احتلال مدينة حيفا في حرب 1948، كنموذج للإدعاء أن الجانب الإسرائيلي، لم يتبع تلك السياسة التطهيرية، و"إن المسؤولية عن نتائج الحرب ومشكلة اللاجئين، هي مسؤولية القيادات العربية".
هل اختار المؤلفان مدينة حيفا كنموذج بالصدفة لتبرير الموقف الصهيوني؟
العديد من المؤرخين اليهود لم يلتزموا بالحقائق حول ما دفع مواطني حيفا للهرب من وطنهم. لذلك ما يقدمه المؤلفان في الكتيب ليس جديدا، ولا يتناقض طرحهم مع بعض الأبحاث التي نشرت في كتب سابقة. والتي يميزها إخضاع البحث لنوايا سياسية، تهدف مع سبق الإصرار على دعم رواية كاذبة تتجاهل سبب دفع عرب حيفا للهرب . وهذا وارد في الكثير من المؤلفات التي تتجاهل الحقائق لحساب الرؤية السياسية أو الفكرية المسبقة.
بالطبع لا احد سيحاسب المؤلفان على اعتماد أبحاث تتجاهل حقائق ووثائق ما جرى في حيفا. والحقيقة هنا حتى ليست نسبية، إنما مشوهة تماما. تشويه التاريخ الفلسطيني ليس جديدا، بل هو موضوع دارج في الاعلام الاسرائيلي - الصهيوني، رغم تناقضه مع الوثائق الرسمية والكتب الصادرة حتى من وزارة الدفاع (الأمن) الاسرائيلية .
صحيفة "هآرتس" العبرية، التي عرضت ما جاء في الكتيب، ذهبت لتفحص الحقائق من أشخاص (عرب) عاصروا تلك المرحلة، يعيشون في حيفا ولم يهاجروا.   توجهت مراسل الصحيفة إلى نادي للمسنين العرب في وادي النسناس في حيفا والذين تشكل النكبة جزء من سيرة حياتهم. رواياتهم مليئة بصور الطرد من الوطن بتهديد السلاح وبإطلاق النار على الناس وكلهم يتذكرون الخوف الذي ساد بين الهاربين الفاقدين لأي بديل آخر. 
حسب التقديرات كان عدد سكان حيفا العرب حوالي 70 ألف مواطن، وحيفا كانت ضمن المنطقة التي خصصت لدولة اليهود حسب قرار التقسيم للأمم المتحدة، وبسبب أعمال العنف التي سادت هرب الكثيرون وظل في حيفا أقل من 20 ألف مواطن عربي.
 يقول أحد كبار السن في تقرير هآرتس، أن الحياة أضحت غير محمولة بسبب تواصل إطلاق النار ومواصلة القصف على العرب دون تمييز بين مسلحين ومواطنين غير مسلحين، وانه في الأحياء العربية تعرض كل من يسير في الشارع لنيران القناصة والرشاشات.
حسب مصادر إسرائيلية، بعد " الانتصار" في حيفا، لم يجد الجيش إلا كمية قليلة جدا من السلاح، لا تشكل أي تحد للأسلحة الموجودة بأيد القوة اليهودية، ولا يشكل أصحاب هذه الأسلحة قوة عسكرية بأي مفهوم عسكري بسيط. 
حسب تقديرات البريطانيين ، بلغ عدد الهاربين من العرب عن طريق البحر أكثر من 12- 14 ألف إنسان، والهاربين برا أكثر من 6000 شخص ، ولكن المصادر اليهودية تدعى أن عدد الهاربين كان بحدود 5000 شخص فقط ،بينما عدد الذين بقوا في حيفا من العرب كان بحدود 20 ألف عربي، فأين اختفى 40 - 50 ألف حيفاوي عربي؟
كانت النار تطلق، حسب الشهادات الشخصية، على البيوت العربية مما حول ميناء حيفا إلى المكان الأكثر أمانا للمواطنين العرب، وذلك لأن الميناء بقي تحت الإدارة البريطانية لضمان انسحاب جيشها من فلسطين.
مؤرخون يتراجعون عن الحقائق التي كشفوها
بيني موريس المؤرخ اليهودي وصف في كتابه " نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" الصادر عام 1991 ، أي قبل أن يتراجع ويروج الروايات الرسمية للحركة الصهيونية، وصف بوضوح كبير تطور الأحداث ، وكتب: " أُعطيت أوامر لقصف ساحة السوق ، وكان في السوق اكتظاظ كبير عندما بدأ القصف، تسبب برعب كبير ، واندفع الجمهور إلى الميناء، دافعين رجال الشرطة ( البريطانية على الأغلب) وسارعوا لركوب السفن وبدأ الهروب من المدينة". بيني موريس تراجع فيما بعد عن روايته في كتابة "1948" الصادر عام 2010.
رغم أن روايته عن قصف السوق هي رواية جزئية جدا، ولكن مؤرخ يهودي آخر هو تسادوق ايشيل، في كتابه "معارك الجيش في حيفا" الصادر عام 1978 عن وزارة الدفاع الإسرائيلية، يذكر تفاصيل أكثر. ايشيل كان مجندا في الجيش ، وعايش الكثير من تفاصيل المعركة في مدينة حيفا، يقدم وصفها في كتابه كونه مصدر أول وشاهد ومشارك ، يصف أحداث 22 نيسان 1945 بقوله:" في ساعات الصباح الباكر أعلن مكسي كوهن لأركان الفرقة أن العرب يستعملون مكبرات صوت ويدعون الجميع أن يتجمعوا في ساحة السوق، بسبب احتلال اليهود لشارع ستانتون ومواصلة تقدمهم نحو مركز البلد. مع وصول هذه المعلومة صدرت الأوامر لقائد كتيبة عسكرية هو ايهود الموج، ليقصف براجمات قطر 3 انشات ( أي 75 مليمتر) التي كانت مجمعة قرب مستشفى روتشيلد (المستشفي يجلس عمليا فوق الأحياء العربية الأساسية لحيفا) منطقة السوق في حيفا، رغم تجمع الكثير من الناس (غير المسلحين) في السوق. وعندما بدأ القصف ، وتساقطت القنابل وسط الجمهور انتشر الرعب الكبير، وانطلق الناس إلى الميناء ، واندفعوا نحو القوارب للهرب من حيفا، وقد تواصل القصف المتقطع خلال اليوم كله على المدينة ( على الأحياء العربية) مسببة رعبا وانهيارا في صفوف الأعداء "، كما جاء في الكتاب. 
السؤال: لماذا محت إسرائيل، فيما بعد، من كتب التاريخ، موضوع قصف حيفا، وانتشار الجثث في الشوارع، ودفع أهلها للرعب والهلع العظيم، والهروب الكبير رغم أن المدينة لم تكن تملك السلاح لمواجهة الاحتلال اليهودي؟ بل وجرى القصف أثناء مفاوضات عربية يهودية بمشاركة ضباط بريطانيين، للتسليم بدون قتال؟
قصف الأحياء العربية اثناء مفاوضات تسليم حيفا
ما تكشف عنه الحقائق الرسمية، يبين أن القصف جرى أثناء قيام ممثلي الجمهور العربي في حيفا بمفاوضات مع قادة حيفا اليهود، حول شروط وقف إطلاق النار،وحسب شهادات كثيرة كان رئيس بلدية حيفا وقتها شبتاي ليفي، يؤمن بإمكانية التعايش المشترك، ودعا قادة الجمهور العربي للاستسلام، ودعوة السكان للاطمئنان والبقاء في حيفا. وجاء في تقرير أرسله مراسل يو بي : "أن العرب وافقوا على شروط الاستسلام اليهودية، وعليه بدأ الفيلق العربي والمتطوعين العراقيين بمغادرة المدينة".
ولكن كما تبين واصلت القيادة العسكرية اليهودية (الهجناه) ، المطلعة على سير المفاوضات لوقف إطلاق النار، بقصف الأحياء العربية. وهناك وثيقة صدرت من أركان فرقة الجنرال كرمل (قائد جيش الهجناه في حيفا)، تقول البرقية: أن العرب في حيفا توجهوا إلى الجنرال (موشيه كرمل ) ورئيس البلدية شبتاي ليفي ، بطلب  عبر وسيط بينهم وبين الجيش ( الهجناه) لقبول وقف إطلاق النار. بل وأرفق بالوثيقة، التي أرسلت للقيادات العليا، نصا بالانكليزية، حسب ما صيغ من الجيش (الهجناه) وذكرت الوثيقة انه:" يسود في أوساط العرب رعبا شديدا ومقاومة ضعيفة جدا".
مصادر أخرى تقول إن القصف لاحق المواطنين العرب الهاربين لأبواب الميناء، مما اضطر الجنود البريطانيين إلى التهديد بالرد على القصف اليهودي إذا لم يتوقف، وفي حالات أخرى فتح الجنود البريطانيون، النار على مقاتلي الهجناه بسبب إطلاقهم النار على المواطنين العرب الهاربين..
كانت سياسة القيادة العليا مواصلة الضرب ، ما لم يوقع الاتفاق، رغم أن برقياتها أشارت إلى انهيار كامل للقيادة العسكرية العربية في المدينة. وجاء في تقرير للهجناه انه: "بما أن العرب لا يستطيعون تنفيذ شروط الاستسلام، من الأفضل إخلاء مدينة حيفا تماما من سكانها العرب". لذلك، كما بات معروفا، تواصل القصف أيضا أثناء اجتماع قادة الجمهور العربي مع القيادة اليهودية ومشاركة ضباط بريطانيين في الاجتماع أيضا.
قبل 63 سنة ظهر في تقرير مراسل يو بي الذي نشرته صحيفة عبرية هي "دافار" وذلك بعد انتهاء المعارك، أن ممثلي الجمهور العربي يدعون أن اليهود أخلوا باتفاق وقف إطلاق النار في حيفا، وسببوا موجة جديدة من الرعب في أوساط آلاف المواطنين العرب الذين سارعوا بالهرب من حيفا. ويواصل التقرير أن اليهود يعترفون بأحاديث خاصة، انه أثناء المعركة وبعدها، تجاوز "بعض الناس"( هل يعنون جنود يهود؟) الانضباط، وكان هناك انفلات وأعمال نهب وبطش وإطلاق نار على المواطنين العرب، ولكن الآن توقف ذلك". 
إن محاولة نفي أو تقليل مأساة تهجير عرب حيفا، لن تفيد، لأن الحقائق، والشهادات الحية، بما فيها وثائق وكتب تأريخ إسرائيلية كتبها يهود أنفسهم ومنهم قادة معارك، تثبت أن التهجير كان سياسة رسمية لإخلاء العرب من البلاد.
لست مؤرخا، ولكن هناك الكثير ما يستحق أن يجمع خاصة من الذاكرة التاريخية لكبار السن، وهي بمجموعها تشكل جزءا من الحقيقة التاريخية التي يحاول اليمين في إسرائيل أن يشوهها وينفيها . بل ويذهب اليمين بعيدا لإقرار قانون ينفي حق شعبنا بتذكر مأساته القومية الكبرى- "النكبة" التي أفقدتنا وطننا وشتت شعبنا في أقطار عديدة ، حيث يواجه الرفض والمذلة.
مؤسساتنا غائبة
هناك موضوع يستعصي على فهمي، وهو تجاهل أحزابنا ومؤسساتنا وجمعياتنا الأهلية المتخصصة لمثل هذه النشاطات التي تحاول أن تزيف حقائق التاريخ، وتخلق تبريرات مصطنعة وتفسيرات مشوهة لنكبة الشعب الفلسطيني وتهجيره من وطنه.
صحيفة عبرية قامت بتفنيد الكذبة، وتساءلت :" لماذا أخرج قصف حيفا من كتب التاريخ الرسمية؟"
والسؤال المقلق أين الجواب العربي ، اين الرواية العربية ووثائق ما ارتكب في حيفا وغير حيفا؟ من يهتم بجمع الروايات الشخصية حفظا على الذاكرة الجماعية؟
انا لست مؤسسة، ومثل هذا العمل يحتاج إلى وقت وجهود جماعية كبيرة . لا تنقصنا الجمعيات الأهلية، ولا المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية، والسؤال ما الذي يشغلها ؟ وما هي أولوياتها؟ ومتى سنصحو لتسجيل الروايات الشخصية أيضا حتى لا تضيع الذاكرة ولا يصير المقتول قاتلا أو منتحرا!!
رسالة من معاصر للنكبة: من 70.000 فلسطيني حيفاوي بقي فقط 3566
بعد توزيع مقالي على المواقع ، وصلتني رسالة من استاذ حيفاوي عاصر النكبة بتفاصيلها وهو مطلع على مجريات النكبة في حيفا. وطلب مني تصحيح بعض المعلومات لأهميتها ومنها يتبين ان نكبة حيفا واهلها العرب كانت أكبر وأعمق ، واليكم المعلومات الجديدة:
في نسيان عام 1948 بدأت قوات الهاغاناه بطرد السكان العرب من ضواحي المدينة المختلفة. ولتمنع التشريد أصدرت القيادة العربية في حيفا منشورًا لأهالي المدينة يحثهم على الدخول والبقاء في منازلهم، بدل التجمع في الشوارع أو ترك المدينة، لكن تحت وابل الرصاص والقذائف بدأت عملية هروب جماعية. دفعت قوات الهغاناه نحو 35000 عربي الى ميناء حيفا، هناك انتظرتهم سفن بريطانية حيث نقلتهم الى لبنان. يقدر أن 10% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أصلهم من حيفا. وهرب الكثيرون عن طريق البر الى الجليل، وحتى الى منطقة جنين (الكثيرون من سكان مخيمي جنين ونور الشمس هم من حيفا، ومن القرى المجاورة). بضع مئات من العرب المسيحيين التجأوا الى الكنائس، والتي لم يهاجمها اليهود خوفًا من الرأي العام في أوروبا والولايات المتحدة... في- 22 نيسان 1948 سقط الحصن الفلسطيني الأخير في المدينة – بيت النجادة (مقر حركة الكشاف العربي) في حي الحليصة على يد الكتيبة الـ- 22 من الهاغاناه
في 23 نيسان وقعت مدينه حيفا تحت الاحتلال الاسرائيلي. من 70,000 فلسطيني بقي فقط 3566 عربيا.
**********
(1)- "عصبة التحرر الوطني الفلسطينية" هي تنظيم شيوعي عربي فلسطيني، اسسها عام 1943 رضوان الحلو، فؤاد نصار (بعد النكبة كان من مؤسسي وقائد الحزب الشيوعي الأردني)، إميل حبيبي، إميل توما، موسى الدجاني وبولس فرح. اتحدت العصبة بعد اقامة اسرائيل مع الحزب الشيوعي اليهودي (الفلسطيني) ليشكلا حزبا شيوعيا اسرائيليا!! 
nabiloudeh@gmail.com

كُنْ مَن أنتَ فأنتَ أخي/ يوسف ناصر

"الإهداء إلى كلّ الإخوة من أهل القلم حيثما كانوا ،على رجاء أن تزهر أقلامهم دائمًا بما يجمع  الناس كلّهم على الألفة والمودّة في هذا العالم "
            يا أخي بالله والوطن والعروبة والإنسانيّة! ما هذه الموائد التي تلقي أرغفتها من فوق منابرك على الجياع من الناس، ليخرج من بين يديك لطعمها جيش من العميان يضربون الناس على عقائدهم حيث يوجعهم ، وعلى شرفهم حيث يدميهم، وعلى وطنهم حيث يروّعهم ! قُلْ لي، وما هذه النار التي تنفثها من فمك، لتحملها الرياح المجنونة إلى الحقول اليابسة من الشّباب، وإلى ذلك الهشيم الهشّ من هذا الجيل الضائع في الصحراء.!
          أهذا هو المصباح الذي وضعه الله في يدك، كي تؤجّج نارًا بين الناس لا نورًا ، وتوقظ حربًا لا سلامًا .! أنسيتَ مَن "أكرمُكم عند الله "، وجهلتَ ما ذيّاك الفرق بين العربيّ والأعجميّ في الأرض.! أهذي  هي المناقب والفضائل التي أوصاك بها ابن الذبيحين، سلام الله عليه، في الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر، وبذل النّدى ودفع الأذى عن ذوي الرحم والقربى، والّذين"  أقربهم مودّة للّذين آمنوا" من النّاس .! ارفعْ يدك عنّي يا أخي، وانزعْ خنجرك من صدري .! إنّ الذي تسفك كرامته بلسانك أخوك هو، سليل أمّك، وربيب أبيك، سقط من رحم وطنك الذي أرضعه من أثداء عيونه، وأطعمه من أيدي حقوله، وربّاه في أحضان كرومه حتّى بسقت آماله إلى السّماء بين غصونه البواسق  !!
       أحقّـًا هذا الذي يعنيك يا أخي، بعد كلّ الذي نزل بنا من الزلازل والصواعق! وجيوش المغول وعساكرهم تحيط بنا من كلّ ناحية، وقد عبرت حدودنا من كل بوّابة، وتوغّلت مسافات عميقة في أعماق شرفنا، وحلّت في قلب عزّتنا، ووصلت إلى عقر كرامتنا..! بعد أن طردتنا الأرض، وأوصدت السماء أبوابها في وجوهنا، وغدونا عراةً من كلّ أمجادنا، وقد فرّ مستقبلنا فرارًا من أمامنا، وتلك مصايرنا تبرّأت منّا وأنكرتنا، وقد هجرَتْنا حانقةً علينا، ولا ندري إلى أيّ موضع ذهبت في هذا العالم.!
             لقد جعلتُ نفسي طائرًا من طيور الأرض يومًا، ورحت أتلقّط حبّات الأفكار، وسنابل العقول في رؤوس النّاس، وللوقت عزفتُ عن الأكل ،وطرت في الفضاء، إذ راعني أنّي ألفيتها رمالاً ساخنة ،وصلصالاً حارًّا، لا يسدّ رمقًا، ولا يدفع جوعًا، فعرفتُ عندئذ علّة هذه المجاعة الآكلة الناس في العالم، ولماذا هذا الهزال الدائم في أجساد بني البشر.! وما أعظم جنايتك إذ أراك رغم هذه المجاعة، وحاجة الناس إلى كسرة خبز واحدة تغذّي النفوس، وتشفي العقول من كلّ مرض، تُقبل علينا أنت يا أخي، وتدعو الناس إلى صحاف الموت على موائدك في المواعظ والخطب !
          يا أخي! لقد سمعتُ التاريخ أمس، يقول لجماعة جاؤوا يستفتونه في أمرهم: إنّ مَن أراد أن يهلِك نفسه بالانتحار يومًا، فليذهبْ توًّا إلى العنصريّة حيثما كانت، ويمدّ يده إلى واحد من غصونها الدانية، وليأكلْ ثمرة من ثمراتها، ليموت من فوره، وتحمله إلى مدافنها الكثيرة التي أعدّتها لضحاياها منذ قيام العالم..! لا تتعجّبوا ، يقول التاريخ :حتّى الشعوب، والأمم التي فشا بين أبنائها هذا الطاعون، قد بادت واندثرت، وأنا نفسي وبأمّ عيني، شاهدتّ الأيّام وهي تحمل على أكتافها نعوشهم،وتلقيهم في التهلكة..!
         .. يا أخي! إنّها البغضاء، والشحناء، والانطواء في الأجحار..! إنّها الحسد، والنّكَد، والكمَد في النفوس.! إنها الموت الأخرس الذي يقيم في ضحيّته ولا تعلم به يومًا..! يأكل، ويشرب من عقلها، ويمتصّ من روحها، حتىّ يذهب بها إلى الهلاك الأبديّ.!
           يا أخي ! وإن كانت العنصريّة قد بعثت غبارها كثيفًا في أصقاع المعمورة، حتى حجبَتِ المحبةَ والأخوّة عن عيون الناس، فسبيلنا أن نطلق الرياح من أعنّتها إليها، لتردّها عنّا قبل مجيئها إلينا، وأن نغلق نوافذ نفوسنا، وأبواب عقولنا في وجهها، كيلا نختنق ونموت بما تلقي بيننا من نار وكِبريت..!!   
     ..أحقّـًا يا أخي أنّك تسعى لطردي وتشريدي !! ألسنا شعبًا مطرودًا، والذي طردَنا واحد..! أيصحّ أن يطرد المطرود أخًا له مطرودًا مثله، لأُطرَد مرّتين، والثانية شرٌّ من الأولى، حين يكون الجاني هذه المرّة من لحمي ودمي..! أطريدٌ يَطرد..! ومظلومٌ يَظلم..! وذبيحٌ يَذبح..وقتيلٌ يَقتل..!! أحقـًا أنّك تراني في هذه الدّيار غريبًا بل طارئـًا!! والوطن وطني ، والبلاد بلادي، وما كنتَ يومًا بأحسن منّي وفاءً بثراه، وأصدق إخلاصًا لترابه..! وهل ُأريق دمك فوق ترابه قبل دمي.! وهل فرّق السيف الفرنجيّ يومًا بين عنقك وعنقي.! ألهذا الحدّ بلغتَ من التقوى والورع حتىّ تحرم عظامي أن تنام مع رفات آبائي وأجدادي في فراش التراب من الوطن الحبيب ..!  
      يا أخي ! ليس الدين قرعًا للنواقيس، ولا أذانًا في المساجد!  إلّـمْ تكن الكنائس مبنيّة في قلوبنا، والمساجد عامرة تحت أضلعنا ،وما الدّين عند الله إلاّ ما تصنع لله من الصّالحات الباقيات، في واحد من أبنائه على الأرض، حيث هو يقيم  فيهم : أن تكسو الله في العراة، وأن تطعمه في الجياع، وترحمه في المسحوقين، وتُؤويه في المطرودين، و"تحبّ لقريبك ما تحبه لنفسك" ، ومنْذا يا أخي أقرب إليك منّي في هذا العالم.!
           ..كلّنا يا أخي أبناءٌ لله على الأرض، وإنّ أبناء الأب الواحد إخوة هم، وإن اختلفت ألوانهم، وتنوّعت أجناسهم، وتعدّدت دياناتهم! أيطيب للأب أن يسفك أحدُ أبنائه دمَ أخيه، أو يُلقيه في العراء مع المنكوبين في هذا العالم !!
    .. بلى، إنّ الله يغسل يديه من كل قول تردّه إليه، وتدعو فيه إلى قتلي وطردي ..! إنّك ساعة تقتلني لا تقتل أحدًا سواك ، وحين تستقوي عليّ فلا تشهد إلا على ضعفك..ويوم تطردني فلا تطرد إلاّ أخًا لك..لا تسامحني فلا تدلّ إلا على جهلك لدينك ..تحسدني فلا يكون حسدك إلاّ نصيرًا لي عليك ،وإن كنتَ تعدّ غيابي ربحًا فاعلم أنّ ربحك أفدح خسارة لك ! رباه إليك أضرع وأبتهل! سامحْ كلّ أولئك الذين لا يعرفون ماذا يفعلون في هذا العالم..!

       ..تعال يا أخي، وانظر معي إلى الله في خليقته، يوم أبدع جمالها عن قصد في تنوع أجناسها، وتعدّد أنواعها، وقد شاء أن يكون هذا التنوّع  وحده علة الخلق، وأسّ الإبداع في هذا العالم، إذ خلَقَنا شعوبًا وقبائل لنتعارف، ولنعيش على التآلف والمحبّة، وليعطي كلّ واحد للآخرين ممّا وهبه الله من عطايا ومواهب..! فالزهرة تبعث من شذاها، والكرمة تجود من عناقيدها، والأنهار تُغدق من ينابيعها، والزيتونة تسخو من حباتها، والنخلة تُلقي من رطبها، دون أجر وثمن .! بربّك ! هل رأيتَ الزهرة يومًا تحظر على جارتها أن تتنفّس من عطرها، وتعانق الأنسام بذراعيها !! وهل سمعتَ نهرًا ينتهر نهرًا : إنّ البحر لي فلا تتكلمْ بخرير صدرك، ولا تبُحْ بهدير فؤادك! وهل رأيتَ القمر يزحف بالنجوم إلى الشّمس، ليطفئها قبل نزولها من فراشها عند الصبح إلى القمم..! هل وجدتَّ بلبلاً يقف على منابر الأغصان، محرّضًا الفجرَ أن يطرد الحسّون من عرس الروابي والخمائل ..! هكذا دأبُ الإنسان على الأرض يا أخي ، هاتِ ما عندك وخُذْ ما عندي ! قُمِ اسقني من إنائك، وتعالَ اشربْ من كأسي .! أعطني من خيراتك ومواهبك، وخذ ما شئتَ من خيراتي ومواهبي..! فمِن عطائك يأتي أخذك، ومِن فرح الناس يزول حزنك .! ومن غنى البشر يذهب فقرك..!  ليتك تعلم يا أخي، أنّ هذا وحده هو الناموس الأزليّ الذي به وقفتِ الحضارة على قدميها، وخرجت تسعى في أدغال الزمن منذ نشأة المسكونة!
           يا أخي! كذلك خَلَقَنا الله لحكمة من لدُنْهُ ولرحمة بالبشريّة جمعاء، إذ جعل لنا ألسنة في أفواهنا، لتنطق بالحقّ والعدل، ولتبشّر بالمحبّة والسّلام ، لا لتنادي بالفتن والعداوات بين أبناء البشر! وقد خَلَقنا بأيد من أجل أن نعطي بها المحتاجين، لا لنضرب بها ونسرق الناس..! وقد خَلَقنا بأرجل لكي نسعى بها إلى خير الناس، وخدمتهم، لا لنسعى بها إلى الشرّ والعدوان ..! وخَلَقنا بأعين لنرى الناس كلّهم إخوة أحبّاء لنا لا أبناء أممٍ أغيارًا لا نخالطهم .! وقد خَلَقنا بقلوب تحت أضلعنا، لتكون ينابيع محبّة لكلّ الناس، لا ليكون كلّ منها خزّانًا تحت صدورنا للحقد والبغضاء .! وقد خلقَنا بعقول ،كي تكون مصابيح نيّرة في رؤوسنا، يشعّ منها الله بأفكارنا، فنرى بها الدرب جليّةً أمامنا في معرفة الحقّ ، والعمل الصالح، لا لتنكأ الجراح، وتوقد صدور الناس، وتحرضهم على ارتكاب الخطايا والآثام.!!
          أعلمُ يا أخي أنّ ديانات من كلّ صنف، ومذاهبَ وعقائد سرّيّة من كلّ نوع، تأتينا كلّ يوم، مُحمّلةً بالبوارج من وراء البحار، مُغلّفةً بالصناديق ومُكدّسةً في الصّهاريج، ويُفرغ سماسرة الدين، والمرتزقة المأجورون منّا حمولتها في الموانئ، ويبيعون بها الوطن رخيصًا للسُذّج في الأسواق، كي نتلهّى بالصلوات لأديان مصنوعة غير أدياننا، فتتعدّد بهذا انتماءاتنا، وتتشعّب نزعاتنا، ولا ندري أيّها الأصحّ بينها، ولا يجمعنا بعدها جامع ، لنختصم، ونستدعي الفتنة الفتيّة كي تعيش معنا ، فلا نرى عندئذ أعداءنا من خلف ظهورنا، يقفزون من فوق السياج إلى حظائرنا، ويمدّون أياديهم إلى خزائننا، ويشربون آبارنا، ويسلبون كرومنا، يعينهم على ذلك نواطيرنا، حتى نغدو أمّةً دون أوطان، وأوطانًا دون أمّة في هذا العالم.!
            من أجل هذا لم أعجب ، يا أخي ، يوم رأيت الأوطان وسمعتها غير مرّة تصرخ بحنق وغضب، وهي تمزق ثيابها، وتنبش شعرها وتحثو التراب على رأسها، وترفع يديها إلى السماء تدعو وتلعن كلّ كاهن، وقِسّيس، ومَطران وشيخ، ومرشد، وداعية، وإمام يلقي الفتنة بين الناس على الأرض في هذا العالم.! إنّ الذي يفسد بين الناس في الأرض، ويخرج ليقرع بصلواته أبواب الله كلّ الوقت، ذلك تبقى صلواته ميتة في الأرض ، ولو صعد بها كلّ يوم  ألف مرّة إلى السماء السابعة حيث طُغْمات الملائكة تحيط هناك بالعرش السرمديّ !
      يا أخي وابن أمّي وأبي ! إنّ أُخوّة أبناء شعبنا الحبيب لهي أنفس كنز نختزنه في نفوسنا، وأعظم ميراث نحتفظ به لأبنائنا، وأدلّ شاهد على محبّتنا لله في محبّة بعضنا بعضًا .! إنّ أمّة تطأ بأقدامها فوق كنوزها النفيسة، ولا تصونها، أمّة عمياء بين الأمم، ومصيرها أن تسقط في الحفر، وتبتلعها الرمال في أعماق التيـه.! قُلْ لي يا أخي ! وماذا تكون نهاية شعب غير الهلاك إذا أصبحت أياديه تضربه، وأرجله ترفسه، وأظفاره تدميه، وأسنانه تأكله، وألسنته تشي به إلى الأعداء ، وقد استحال غابةً لطوائف تستنصر بالذئاب على بعضها، وتستأجر لهم من خلف البحار من يقتلونهم ،ويلقونهم في النّار التي لا تنطفئ !! 
         يا أخي ! لقد سقط العرب في الهاوية يوم سقطت العروبة من ألسنتهم، وأنتنتْ لغتهم في أفواههم، وغاب انتماؤهم عن قلوبهم بدسيسة الأسياد وراء البحار، لأنها وحدها الجامعة التي توحّدهم، وتصل بين ألسنتهم، ودياناتهم، وطوائفهم، وأقطارهم، وهي الرابطة المثلى، والعروة الوثقى التي سبقت الدين ونصرته، وتغذّت منه وأعزّته، وإنّ المستعمر ليرجو دائمًا أن يغيّبها عنّا كي يغيّب وحدتنا، وأُلفتنا، وعندي أن كلّ من يستبدلها يستبدل التّرياق النّافع بالسمّ النّاقع للعرب ..!
             ابتسمْ يا أخي، وتعال كُلْ من لحمي ! صافحْني وتعال اشربْ من دمي.! ألقِ سيفك من فمك، وتعال أقطَعْ لك من كبدي.! تعال نجعل لقاءنا العاجل هنا على الأرض، مِهرجان فرح دائم، وعرس مسرّة بالمحبّة والسلام والرحمة ، قبل أن يقف الموت على الأبواب مناديًا هلموا إليّ، وتعالوا معي إلى ذلك السفر البعيد البعيد!!  
                       يا أخي أغمضْ عقلك قليلاً  ثم افتحْه جيّدًا، وانظر إليّ ترَ الذي أمامك أخاك الأقرب، لحمه من طين وطنك، وشعره من ليله، ودمه من أردنّه، وعلو قامته من جليله، وإيمانه من قدسه، حيث هناك يقف معك يصلّي إلى ربّ واحد، لا يقبل في ملكوته إلاّ الذين أحبّوه على الأرض، بمحبّة كلّ أبنائه دون فرق في هذا العالم.
                                                     كفرسميع
       Yousef.nasser@gmail.com

أسلوب حياة/ أشرف دوس

ابتداء من العام الجدید اخلق لنفسك عادات جدیدة, وحاول في كل یوم أن تبهر ذاتك بقدرتك علي التفوق والإبداع

معظم الناس یبالغون فیما یمكنهم إنجازه في رحله الحياة

لا تؤجل, ولا تخف ولا تتردد ولا تمض ساعات طویلة في النوم

دائما نعتقد أن حياة الآخرين هي أفضل من حياتنا والآخرون يعتقدون أن حياتنا أفضل !

..كل ذلك لأننا نفقد شي مهم في حياتنا وهو الرضا بما كتب لنا

السعادة مش رحلة في كتالوج...و مافيش قواعد ثابتة لها.
ودايما  الأحلام مختلفة ومتنوعة.
دائما خلي عندك أمل إن أفضل أيام حياتك لسه جاى...
اترك  التشاؤم ونظرات الناس وتقاليدهم البالية،
ودور دايما على رفيقك ونصيبك وحلمك فربما تنتظرك السعادة على بعد خطوات وأنت لا تدري ؟.

اعتبر نفسك مغامر یبدأ رحلة صعبة جدا. حدد هدفك واتجاهك, وتشجع وآنت تعبر الطریق.وتفاءل وقل لنفسك, بعون الله لن یقف في وجهي شيء.

 ولكن یا صدیقي.. مادمت تسبح في بحر الحیاة سوف تصطدم ببعض الصخور, وهذا لیس أمرا سلبیا,وليست النهاية.

 لا تلطم خدیك لأنك أخفقت فهذه هي الحياة نجاح وفشل مكسب وخسارة.

 الفشل تجربة ستعلمك كیف تتخذ قرار أفضل في المستقبل, وحین تعییك السبل, تذكر أن هناك من ینتظرك ويرعاك ویهتم لأمرك, وعلي الرحب والسعة سوف یستمع لشكواك أنة المولى عز وجل

يَسُوع ُ فادِي البَشَر/ حاتم جوعيه

                   
( " قصيدة نظمتها بمناسبة عبد الميلاد المجيد " )                                
إلهَ   السَّلام ِ  َفدَيْتَ   البَشَرْ         بعيدِكَ  يفرَحُ   حتى  الحَجَرْ       
فأنتَ  المَلاذ ُ وفيكِ  المَآلُ          وأنتَ المَحَبَّة ُ ، أنتَ  الوَطرْ    
وَلولاكَ ما كانَ في الأرض ِعَدْلٌ          ولم  ُنبْصِر ِالشَّمسَ ...لا والقمَرْ    
بدَونِكَ كنا  ِضَياعًا عِطاشًا         يَسوُدُ الأسَى ،  والضِّياءُ  انتحَرْ   
فجئتَ  تبُثُّ   نشيدَ  السَّماء ِ       وَمعنى الخلودِ وأسْمَى الدُّرَرْ   
تَوَاضعتَ.. ذ ُلَّ الصَّليبِ احتضَنتَ        وأنتَ   الإلهُ   العظيمُ   الأبَرْ   
توَاضَعتَ ... دربَ  الفداء ِ مَشَيتَ       نزلتَ إلى العُمق ِ.. تحتَ الحَفَرْ  
وَقمتَ وكانَ  انتصارُ الحَياة ِ      وإبليسُ ... والشَّرُّ منكَ  اندَحَرْ      
سَنكرزُ باسمكَ  في كلِّ أرض ٍ       بإنجبل ِ  حقٍّ   سَمَا   وانتشَرْ   
ففيكَ   ُتحَقَّقُ   كلُّ  الأماني        مَحَوْتَ الذنوبَ  وَعَهدًا  َعبَرْ   
وَجئتَ  بعَهدٍ  جديدٍ   وَديع ٍ        يكونُ  الخلاصُ  لكلِّ  البشَرْ   

حَمَلتَ العذابَ وأنتَ  الإله ُ        وَمُبدِعُ  هذا الوجودِ  العَجيبْ    
وَسِرتَ إلى الموتِ في كلِّ حزن          وذقتَ الإهانة َ... ُذلَّ الصَّليبْ     
وقمتَ لأجل  ِالخطاة ِ  جميعًا        لأجل ِ خلاص ِ جميع ِ  الشُّعوبْ  
"بجُلجُثة ٍ "  كانَ  خطبٌ عَصِيبٌ         بذلتَ  دِماءَكَ  فوقَ  الصَّليبْ    
وَحَلَّ الظلامُ  وَشُقتْ  قبُورٌ        وموتى صَحَوْا.. كانَ يومٌ رهيبْ  
وَقُمْتَ منَ الموتِ رَبًّا عظيمًا         قهَرتَ   المنايا  وزالَ   النحيبْ   
تَحَققَ   ما   قاله ُ   الأنبياءُ        وكانَ  الرَّجاءُ  بكلِّ  الدُّروبْ  
فأنتَ خلاصِي وفيكَ انتعاشِي         وأنتَ  َيسُوعِي إلهي  الحَبيبْ   
ففي كلَّ  داءٍ  تكونُ الدَّوَاءَ         فأنتَ المُدَاوي وأنتَ  الطبيبْ   
جراحُكَ بلسَمُ  كلِّ الجراح ِ        تزيلُ المَصَابَ وَهَمًّا عَصِيبْ     

بميلادِكَ اليُمْنُ...عَهدٌ جديدٌ         وَتقويمُ   كلُّ   الدُّنى   والأمَمْ    
عَليهِ استنارَتْ جميعُ العبادِ        وفيكَ  الشُّعُوبَ  عَلتْ   للقِمَمْ     
وَيومَ  وُلِدْتَ  ملائكة  ُ اللّ          هِ  بالحَمدِ  كم رَنّمَتْ من َنغَمْ   
وَجاءَ الرُّعاة ُ رَأوْا مَوْلدَ  الرَّ          بِّ  في مِذوَدٍ ...حَمَلا ً  للنّعَمْ    
مَرَرْتَ  بكلِّ  التجاربِ  لما        ترَعْرَعْتَ  من  دون ِ إثم ٍ  وَذمْ   
وَقدَّمتَ  نفسَكَ  نبعَ الخَلاص          َذبيحَة  َ  فِدْي ٍ   لِتحيي  العَدَمْ    
صَنَعتَ العَجائبَ ما من  نبيٍّ          يُجَاريكَ  في  الفعل ِ  ثمَّ   الكرَمْ   
لأنكَ  أنتَ   الإله ُ  العَظيمُ         مَسيحُ الخَلاص ِ  ُتزيلُ  الألمْ   
وَقدُّوسُ .. ُقدُّوسُ .. رَبُّ الجُنودِ      َتسَرْبَلتَ  بالنور ِ... َتمْحُو  الظلمْ       
وأنتَ  البداية ُ ، أنتَ  النهاية ُ        .. فيكَ  الوجودُ  ابتدَا  وارتسَمْ