الحكم الديني وازدراء الاقليات 3 / لطيف شاكر

في مقابلة أجرتها وكالات الاعلام  الامريكية  مع  برنارد لويس  قال  :
 إن العرب  قوم فاسدون  مـُفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم .. وإذا تـُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية ارهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات ..  ولذلك فان الحل السليم للتعامل معهم هو اعادة احتلالهم واستعمارهم   ولذلك فإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية .. ولا داعي لمـراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم…. ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك :   إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا    ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المـُعلنة “هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية
وفي ظل ما يشهده العالم العربي من  موجات عنف و صراعات دموية من جهة، وحروب طائفية  قائمة على أسس دينية و عرقية  من جهة أخرى . و مع تردد أصوات كثيرة في الآونة الأخيرة  لخبراء حول  وجود مخططات  استعمارية جديدة  تحاك خلف الستار تستهدف المنطقة العربية  و التي  ستتضح بصورتها الكاملة في العام 2018، أي بعد مائة عام من اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت الدول العربية بحدودها الحالية. حسب هذه المخططات فإن المشروع المستهدف يرمي إلى تقسيم  و تفتيت الدول العربية بتحويلها  إلى دويلات صغيرة وممزقة على أساس طائفي و مذهبي ، بالمقابل ستظهر فدرالية تقودها إسرائيل باعتبارها الدولة المركزية الوحيدة التي ستحكم المنطقة سعيا منها  لتحقيق  حلم ” إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ”  بعدما تضعف دول الجوار.
  وبحكم علاقته القريبة من الإدارة الأمريكية السابقة فإن مخططه هذا  يراه  محللون من السياسات المستقبلية التي تنتهجها  الولايات المتحدة في  تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط  يعتبر جزءا من خريطة” الشرق الأوسط الجديد”   التي لوحت بها علنا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة  كونداليزا رايس  خلال عام 2006. ومع ما أطلق عليه ” ثورات  الربيع العربي”
يبني برنارد لويس مخططه هذا انطلاقا من دراسته الطويلة لبنى العالم العربي و تأليفه لعشرات الكتب  عن الشرق الأوسط  و خاصة  اهتمامه بنظم الحكم أيام الدولة العثمانية. نذكر من أهم كتبه: “حرب مندسة و إرهاب غير مقدس” “أزمة الإسلام” “مستقبل الشرق الأوسط”  “العرب في التاريخ ” “الحداثة في الشرق الأوسط الجديد”… الخ . ومنه فإن الطبيعة والتركيبة  القبلية و العشائرية  للدول العربية  على مر السنين جعلت  برنارد لويس يجزم بأنه من المستحيل على العرب تكوين دولة بالمعنى الحديث . وذلك لأنهم مؤسسون على مجتمع محكوم بالنظام القبلي الطائفي. ويرى أن على أميركا استثمار هذه التناقضات العرقية و العصبيات القبلية و الطائفية لصالح مصالحها الإستراتجية بالمنطقة كما يتوقف الأمر أيضا على حسن استعمالها لسياسة ” فرق تسد”
واطلق مايكل هايدن مدير المخابرات الامريكية السابق تصريحات خطيرة  حيث اكد علي ان عدة دول عربية ستختفي عن خارطة الشرق الاوسط قريبا  وقال هايدن في  حديثه للصحيفة لو فيجارو الفرنسية ان هذه الدول التي وضعت نفسها علي الخارطة بمساعدة القوي الاوربيةلم تعكس الوقائع علي الارض  وخلص الان نري ان المنطقة تعيش حالة عدم الاستقرار وسيبثي الامر علي حاله في السنوات القادمة اذا لم يحرك ساكني بحسب وصفه.( قال  كيسنجر  ان سبعة دولة عربية ستنتهي من خريطة الشرق الاوسط ) 
فالخارج يسعي  الي تقسيم مصر وينتهز الفرصة  المناسبة للانقضاض علي الوطن لتنفيذ مخططه    , لكن التقسيم لا يأتي  من الخارج  انما  دائما من الداخل  عن طريق   تفكك قوي الشعب والتيارات المحلية المضادة ,  والدولة لاتبالي  ويغضون في نعاس مقصود او عن جهل.
ولب  مشكلة التقسيم  وجود في مصر هويتان   المصرية  و العربية وصراع الهويات اشد فتكا من  صراعات الاديان والمذاهب   ويقول الاستاذ طلعت رضوان :أعتقد أنّ شعبنا الآن لا ينقسم بين مسلمين وغير مسلمين ، وإنما بين مؤمنين بمصر فى مواجهة (جيتو إسلامى) وهذا الجيتو يتزعمه الكهنوت الأزهرى
فالاسلاميون لا يكلوا ولا يملوا  عن اضطهاد المصريون  الاقباط   وبتعضيد   من  الامن والقضاء ,و الاقباط  يشكوا ولا سامع او مجيب   فالقنوات الشرعية موصدة امامهم والجاني دائما برئ مادام عربيا مسلما   والمجني عليه هو المتهم  لانه مصري قبطي وهذا يتم في ظل الدولة الدينية  فقط,  والسلفيون يسعون  دائما الي الاصطدام  بالاقليات  دون  سبب ودون ذنب ,  والهدف من  الاضطهاد   الممنهج للاقليات  هو خلق مناخ  من التناقضات  العرقية والعصبيات القبلية والطائفية   والانفسامات لحساب الاخوان المسلمين وداعش .وبالتالي اتاحة الفرصة للتدخل الاجنبي  بحجة   حماية الاقليات (القبطية والنوبية ..الخ)                               
يقول الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الازهر الاسبق:...... ان المسيحيين أشبه بمرض خبيث  مُعد يجب علي المسلمين ان يظلموهم وان يسيئوا معاملتهم ويحتقروهم ويقاطعوهم حتي يضطروا الي اعتناق الاسلام .
والاسلاميون  لايريدون الوطن ولايؤمنون  به  واعتبروا ان حدود الوطنية بالعقيدة وليس بالحدود الجغرافية او بالتخوم الارضية    (حسن البنا)  ولاجنسية للمسلم غير عقيدته فالمسلم لايعتز بجنس ولا بقوم ولا بوطن ولا بارض (سيد قطب ) ويقول مهدي عاكف  طز في مصر وشعب مصر فالدين يعلو عن  الوطن والدستور والقانون , ولقد درس نابليون عقدة الدين عند المصريين وعرف ان الاسلام   هو المدخل  لاحتلال الوطن  ,  فتظاهر  بالاسلام واحتل مصر..  وليس ببعيد ان يحدث هذا  .....
ان هوية مصر ثابتة منذ ألاف السنين وملامحها الارتباط بالأرض والمصري لازال يؤكد أن الأرض عرض ولذلك أنشط قطاع اقتصادي يساهم فيه الشعب كأفراد هو القطاع العقاري لأن كل انسان علي أرض مصر يريد أن يمتلك ارضاً أو عقاراً أو شقة لأن الهوية المصرية مرتبطة بالأرض
كتب الاستاذ محمد حسنين هيكل   ، تحت عنوان: "عن التجربة الديموقراطية في زماننا"  
إن النظام المصري وقع في مشكلة تحديد الهوية المصرية ولم يستطع لفترة طويلة أن يصل فيها إلى جواب، والهوية الوطنية بالنسبة للشعوب هي بطاقة تحقيق الشخصية بالنسبة للأفراد، وكانت النتيجة أن وقعت اهتزازات حضارية خلقت مواقف من الحيرة والتردد الطويل أمامها. وعلى سبيل المثال، فإنه في وقت من الأوقات، وخصوصاً أيام الوحدة مع سوريا، كانت أي إشارة إلى تاريخ مصر الفرعوني القديم، تعتبر إساءة لا تغتفر أو هي سقطة تستوجب الاعتذار عنها
ان سوس الاضطهاد والكراهية ينخر في عظام الوطن عن طريق   مناهج الازهر الدموية و الكاره للاخر  والتعليم الديني المدرسي  الممجد لتاريخ الاحتلال والدم  و الاعلام الغير محايد  وسلفية مقيتة  وبطش  الامن وظلم القضاء ...لااظن ان هذا  يخدم الوطن وليس جهادا مقدسا  انما  يؤدي بالتأكيد الي تقسيم داخلي وكل مدينة تنقسم علي ذاتها تخرب .
وهل ننتظر في ظل  هذا التفكك وانهيار الوحدة الوطنية و عدم التماسك الاجتماعي والخلافات الدينية الذي يسببها الازهر وشيوخه والسلفيون بلسانهم الداشر  ان يكون السلام الداخلي منضبطا  او وحدة وطنية مترابطة,  خاصة وان دول الجوار في طريق التقسيم
اذن لا حل الا  بالتمسك  بالهوية المصرية وتفعيلها  بالتعليم في المدارس والتربية وبالاعلام وباحياء التراث المصري المجيد  واطلاق الاسماء المصرية علي كل الاماكن بدلا من العربية,  و تمصير العقلية المصرية بعد ان عربها عبد الناصر  واعادة الروح المصرية في الشعب المصري,  واستدعاء  روح ماعت    القانون الإلهى الكونى الذى يرسى قواعد الخير والحق في مواجهة قوى الشر والظلم .
 ان شرخ الانقسام  في جدار  السلام الاجتماعي  والوحدة الوطنية    يتزايد يوما بعد يوم  بسبب الهوية العربية النازحة و التي تحمل في طياتها تاريخ دموي اسود , يكتب د. عبد الحميد الانصاري : ان تمجيد  التاريخ العربي  والتغني بالامجاد والمآثر والانتصارات والرموز والابطال عبر انتقاء لحظات مضيئة في التاريخ مع تجاهل تام لاكثر من الف عام من مظالم واستبداد وانقسامات وحروب دامية ضد بعضنا وضد الشعوب الاخري   ظنا بان نقد التاريخ هو نقد للدين ..ولاقداسة للافراد , ولم  يكن تاريخنا ماضيا سعيدا (د.سيد القمني)
 والعجب ان الدولة  لاتبالي  واظن انها تجهل تاريخ مصر  ,  واخشي في  مستقبل الايام وفي ظل انظمة ظالمة  وتيار ديني  متشدد  ان  نبكي علي اطلال وطن  كان اعظم الاوطان يوما ما   ,(لهم عيون ولا يبصرون ولهم عقول ولايفهمون )

لقد ثبت  كثير من المصريين عيوتهم في قفاهم واصبحوا  يتظرون   الي الماضي العربي في استعلاء ويريدونه حاضرا ومستقبلا  بل ومقدسا وهذا من اسباب الارهاب والتخلف والجهل والتفتت

ويبقى مشروع برنارد لويس مشروعا قائما بذاته، ونظرية مطروحة بقوة  خاصة مع ظروف عربية متاحة و مناسبة تثمن هذا المخطط  و تشرذم  واضح ، واقتتال وتناحر  داخلي  يطفو  يوما بعد يوم على السطح … كل هذا يمهد لمشروع  “سايكس بيكو” جديد يحرق  المنطقة .

 في  تحقيق للمؤرخ جمال عبد العزيز عن نبؤات هيرمس  يقول   : بعد ان كانت مصر صورة للسموات ويسكن الكون هنا في قدس معبدها ...ستصبح مصر مهجورة موحشة محرومة من وجود الاله يحتلها الدخلاء سيتنكرون لتقاليدنا المقدسة , ان هذا البلد الزاخر بالمعابد والاضرحة سيضحي مليئا بالجثث والمآتم , و النيل المقدس سوف تخضبه الدماء وستفيض مياهه محملة بالقيح.

يقول صموئيل هنتجتون  : العقيدة  وحدها لاتصنع أمة , فالأمة التي يتم تعريفها علي اساس العقيدة هي أمة هشة الي زوال 

 بؤونه / يونية   

تركيا: فلسطين يوك اسرائيل يس/ جواد بولس

لقد توّج الإعلان عن اتفاق المصالحة التركية الإسرائيلية مسيرة جهود متواصلة استمرت لأكثر من خمس سنوات وصفها ممثل الحكومة الإسرائيلية في هذه المحادثات يوسي تشخنوفر بكونها تجربة لافتة وهامة، في حين أكد على أن نظيره التركي تصرّف طيلة هذه السنين بحزم ومهنيّة ، ولكن بإيجابية ظاهرة صوحبت دومًا بإرادة لتذليل جميع العثرات التي كانت تجابه الوفدين. وأكد المفاوض الإسرائيلي أن الطرفين سعيا بإصرار نحو ما توصلا إليه، فمنذ البداية لم يكن في حسابيهما الفشل، ولذلك فلقد عملا من أجل النجاح كمندوبين لدولتين حليفتين تحتم عليهما مصالحهما الإستراتيجية إنهاء ما بينهما من خلافات  والعمل المشترك في عدة ميادين، وعلى أكثر من جبهة، ومن أجل عدة أهداف مشتركة.

كثيرون سيمرّون عن هذه التفاصيل وسيغفلونها عمدًا ، وبعضهم سيصلي ألا تقرأها العامة وألا تقع عليها أعين النقاد والمتابعين، لأنها تخبئ في ثناياها بذور الحقيقة، وتتستر على لحاء العِبر، أو ربما على روائح العهر السياسي وعفونة دهاليزه؛ فاليوم نعرف أن تركيا التي كان القائمون على نظام الحكم فيها وأولهم رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان يعلنون، صباح ومساء، أنهم لن يناموا إلا بعد أن تصبح غزة حرّة بلا حصار وبلا وجع، كانوا عمليًا يرتقون في الخفاء أثواب البهجة والفرح ليلاقوا بها وحلفاءهم، وبينهم إسرائيل، شمس شرق أوسطهم الجديد، والذي ما زالت أواصره تقطّع في مطابخ السياسيين، من الشرق المجاهد والغرب المستكفَر، وتطهى على نار حطبها يهوي في قاصيون ، ونارها تشرب غازًا يسيل من حقول "لفياتان" ونفط إخوانه الممتدة على سواحل بحور الشرق الملتهبة.

 كم يحب هذا الشرق أن يحيا على الوهم، وأن يغتسل بماء الهزائم والتدليس والكذب. فلتركيا مصالح سياسية واقتصادية عليا وحكامها يعملون، وفق رؤاهم وعقائدهم، من أجل صونها والدفاع عنها، وهذا ما دفع عمليًا قادة حزب العدالة والتنمية التركي، لمجالسة حكام إسرائيل في الستر المكشوف والتفتيش عن طريق الخلاص. أما الغريب المستهجن فيبقى في مواقف وسلوكيات بعض قادة الجماهير العربية في إسرائيل الذين درجوا على مغازلة أردوغان ورفاقه في الحزب والنظام، وكالوا فيهم المديح بممالأة مستهجنة، وآخرون قرروا الحجيج إلى مقر سلطان العثمانيين ليبايعوه مؤملين منه ومن تركيا أن تقود العالم الإسلامي في وجه الذين يهددون المسجد الأقصى.

من يحاسب من ومن سيدفع الثمن؟ ففي أيلول المنصرم قام أربعة نوّاب من القائمة المشتركة بزيارة إلى تركيا التقوا فيها الرئيس أردوغان، وذلك من أجل تجنيده للدفاع عن المسجد الأقصى. شارك في الوفد كل من: جمال زحاقة، طلب أبو عرار، أحمد الطيبي وأسامه السعدي، بينما اعتذرت عايدة توما عن انضمامها إليهم معللة موقفها وموقف جبهتها الديمقراطية بضلوع قادة تركيا في تحالفات عسكرية مشبوهة وممارسة سياسات كريهة وسلبية خاصة في منطقتنا. عبّر الوفد عن ارتياحه من نتائج تلك الزيارة، لا سيما بعد أن خاطبوا أردوغان بما يليق بمقامه وآمالهم الخضراء وقالوا: "نخاطبك يا سيادة الرئيس بقائد العثمانيين، وأنتم بفضل الله العثمانيون الذين كانت لكم الأيادي البيضاء على فلسطين والمسجد الأقصى .. ولذلك نحن نرى أن بلاد القدس وفلسطين ترى في تركيا عونًا من أجل التخلص نهائيًا من الاحتلال ومن المستوطنين ومن الإرهاب الذي يحيط بالمسجد الأقصى"، هكذا قبل أقل من عام يخاطب وفد من أعضاء الكنيست العرب، الرئيس التركي كقائد مفدى للعالم الإسلامي، واليوم نصحو لنقرأ ونسمع ما يقوله بنيامين نتنياهو وهو يعلن على رؤوس الأشهاد أن إسرائيل وتركيا هما دولتان عظميان، وقطع العلاقات بينهما وعدم التعاون المشترك قد أضر بمصالحهما الحيوية، ويعدد على مسامع العالم جميع بنود الاتفاق التركي الإسرائيلي، والذي بموجبه سيبقى الحصار البحري على غزة مضروبًا، والقديم على قدمه: فجميع البضائع والمساعدات الإنسانية التي توافق إسرائيل على إدخالها لغزة ستحط أولًا في ميناء أشدود الإسرائيلي ومنه تنقل، بعد فحصها أمنيًا، إلى غزة المحاصرة. ما أجمل النسيان ما أقبح التناسي.   

و"ألمخفي أعظم"، قالت العرب. فمن يقرأ بنود الاتفاق المعلنة يتوصل إلى أن هذا الاتفاق يشكّل ضربة قوية للمشروع الوطني الفلسطيني، وهو عمليًا يكرس الانشقاق بين غزة والضفة المحتلة، والموجع أكثر أنه يتم  بمباركة ذوي القربى وبصفقة مع إسرائيل تعامل فيها غزة كإقليم منفصل عن عمقها الفلسطيني وككيان منقوص سيعيش تحت رحمة الرعاة والولاة والسلاطين. من الواضح أن قادة حماس استشعروا وقع الضربة وتبعاتها، وربما هذا ما يفسر صمتهم المطبق وعدم تعقيبهم على ما جرى، فهم أول من يدرك أبعاد وكنه الموقف التركي مقارنة بما كانوا موعودين به، أو ما كانوا يسمعونه على الأقل. أمّا المخفي هو ما "يتوخاه" أردوغان من قادة حماس في المستقبل المنظور وتوقعه أن يقبلوا ما توافق عليه مع إسرائيل خاصة ما يتضح من تصريح نتنياهو حول تعهد تركيا بمنع أي نشاط إرهابي أو عسكري من قبل حماس ضد إسرائيل من الأراضي التركية. نعم لقد قالوا من الأراضي التركية لكن المخفي قد يكون أعظم، فمنذ متى نشطت حماس في مقاومتها الفعلية  للاحتلال الإسرائيلي من الأراضي التركية؟

 ما أجمل الفرس ما أتعس السرج. 

لم ينفرد وفد النواب العرب في التعبير عن عشقهم وافتتانهم بدور تركيا ورئيسها أردوغان، فلقد سبقتهم قيادات جماهيرية فلسطينية أخرى كانت من أبرزها الحركة الإسلامية الشمالية التي عُرف قادتها بعلاقاتهم المميزة مع قادة حزب التنمية والعدالة التركي وخاصة مع الرئيس أردوغان؛  فقبل بضعة أشهر (20/11/2015) أعلن نائب رئيس الحركة الإسلامية الشيخ كمال الخطيب والذي شارك شخصيًا بجنازة والدة الرئيس أردوغان: "أن قضية القدس ليست قضية فلسطينية ولا عربية فهي قضية إسلامية ونصرتها واجبة على جميع المسلمين ومن ضمنهم تركيا التي لعبت دورًا مشكورًا على صعيد القدس والأقصى" . هكذا ببساطة وبوضوح نشر على لسان الشيخ، ولم تكن هذه المرّة الوحيدة. فجاء الاتفاق التركي الإسرائيلي ومحا، في الواقع، ما قيل على لسانه ولسان قيادات أخرى أشادت بدور تركيا والتوقعات المأمولة منها في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأحال الاتفاق ذاك التعويل إلى هباء منثور؛ فتركيا تتعهد بألا تلاحق جنود إسرائيل وضباطها في المحاكم الجنائية، وتركيا تتعهد أن تساعد إسرائيل على الانضمام  للمؤسسات والمحافل الدولية، وأن تتوقف عن معارضتها لذلك، وقد بدأت بتنفيذ وعدها مباشرةً بعد الإعلان عن الاتفاق المشترك، وتركيا تتعهد أن تتعاون مع إسرائيل على تسويقها للغاز المكتشف في حقل "لفيتان" وغيره، وتركيا ستنسق مع إسرائيل وغيرها من دول العالم وأنظمة المنطقة في القضايا الأمنية الحارقة المتفاعلة في منطقتنا وعلى حدودها من كل الجهات.

لم نسمع منكم صوتًا ولا حتى تنهيدة، بعد مصالحة البلدين. فتركيا ياقادة ويا حضرات النواب تقول لكم بالتركي "المشبرح" وعلى مسامع جميع "الاخوة العرب": فلسطين يوك،إسرائيل يس وتركيا وبس. وأنتم ماذا تقولون؟

وتبقى التفاصيل براعم سيتبعها، عندما يحين القطاف، الثمر والخيبة والسهر،  وللبياض مدى واحد وشكل واحد، فأيدي تركيا لم تكن في فلسطين وشرقنا بيضاء، وتركيا لم تنتفض كغزالة مرعوبة حين أحرقوا منبر صلاح الدين والجامع الأقصى، وتركيا نامت كما نام نواطير القدس حين كانت تؤتى من مواجعها في كل يوم وليلة.

مع هذا لا شأن لي عند تركيا فلقد كانت وما زالت دولة تسعى وراء مصالحها مثل باقي الدول ومن أجلها تصالحت اليوم مع إسرائيل التي ما زالت تحتل الضفة الغربية والقدس وتحاصر غزة، لكن عتبي على من يبيعنا، نحن الجماهير العربية المواطنين في إسرائيل، السراب ويحاصرنا بمعسول الكلام، ويؤملنا بحلو الدعاء، وعلى من يهيب بالفلسطينيين أن "ينتظروا دفع تركيا بثقلها السياسي بعدما منح الشعب ثقته بقيادتها من أجل لجم الاحتلال، لأن تركيا شعبًا وقيادة أحق بالمسجد الأقصى وتربطهم علاقة تاريخية بمدينة القدس، ولا بد أن يترجم إلى سلوك واضح تفهمه إسرائيل جيدًا".

ما أهون الكلام ما أصعب الوفاء! 

كم قلنا أن الأقصى لن يتحرر إلا إذا تحررت المدينة بجميع روابيها وحواريها، فالقدس يا عرب قضية فلسطينية شاملة، وهي ليست فقط قضية إسلامية، وهي أم البدايات وسيدة النهايات، فلا تجعلوها عروسًا عذراء تتكور في حضن السلطان وتنتظر فتحه والنصر. دموع مريماتها علمتنا معنى البكاء عند افتضاض الصبح حين ينبلج أجهمَ وعبوسًا، وغبار أزقتها يخبئ سحر الفجر: لا يستورد التحرر ولن تكون الحرية إلا بلدية وطنية أصيلة.

وتبقى قصتنا، نحن جماهير ال ٤٨ مختلفة. فقلوبنا تنبض من أجل فلسطين والقدس، لكن رباطنا وارتباطنا سيبقيان كما كانا، في الجليل والكرمل والمثلث والنقب، ولن يكون لنا وطن آخر لا في الآستانة ولا في واشنطن ولا حتى في موسكو.

كم من حجيج عقبه هجيج. صمتهم هناك في غزة ونابلس والخليل سيبقى همهم ودَينهم، لكنني لا أفهم صمت أولئك الذين شاركوا في مواسم الحج إلى تركيا وقادتها، وأولئك الذين وقفوا على جانب المسيرة، وتصرفوا كطيور"هزاز الذنب". فهل من أحد يفهمنا كيف كانت الجماهير العربية في إسرائيل ستستفيد من زياراتكم إلى أنقرة ومن مدائحكم لرئيس حكومتها أردوغان؟ أوليس من حقنا أن نعرف مواقفكم من تركيا وحكومتها بعد إعلان اتفاقها مع حكومة إسرائيل. من سيحاسب جميعهم ومن سيدفع الثمن؟

الاتفاق التركي الاسرائيلي وتطلعات حماس/ سري القدوة

ان الاتفاق التركي - الإسرائيلي بتطبيع العلاقات بين الدولتين يقودنا الي مرحلة جديدة ويفتح المجال علي مصرعيه للتطبيع الاسلامي والعربي مع دولة الاحتلال والذي باركته حركة المقاومة الاسلامية حماس ودعمه المكتب الدولي لحركة الاخوان المسلمين ويعد  تطوراً في العلاقات والتعاون الاستراتيجي بين اسرائيل وتركيا  والمستمر منذ إعلان قيام دولة الاحتلال ..  ويعكس هذا الاتفاق مدى اهتمام تركيا واولويات العمل لديها لدعم دولة الاحتلال الاسرائيلي  والتنسيق عسكريا وامنيا معها ..  رغم حملات التضليل والفبركة الاعلامية والمواقف الاستعراضية للرئيس اوردوغان  وقيادة حركة حماس والتصريحات الرسمية التركية التي رهنت تطبيع العلاقة بين الدولتين في إنهاء الحصار على قطاع غزة، في محاولة خادعة لاستخدام الورقة الفلسطينية في إطار الصراع الإقليمي والمخطط الاسرائيلي لدعم قيام دولة في غزة علي حساب المشروع الوطني الفلسطيني واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمتها  ..

أنّ الحكومة التركية تدعم اسرائيل وتسوقها في الاطار الدولي كدولة راعية السلام ودولة تدعم مكافحة الارهاب من اجل اقامة  تحالف إقليمي تكون "إسرائيل" مكوناً رئيسياً فيه، حيث دعمت تركيا اسرائيل وصوتت لصالح اختيار اسرائيل في إسرائيل لرئاسة اللجنة السادسة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لمكافحة الارهاب واليوم تبحث حكومة اوردوغان لدعم تحافها مع اسرائيل وتدعيم المصالح الاقتصادية بين البلدين وخاصة في مجال  الغاز والانشطة الاقتصادية بينهما  والدور السياسي المشترك في الإقليم، وهو ما يدحض الادعاءات التركية التي لم تتوقف بشأن فك الحصار عن قطاع غزة كشرط لتطبيع العلاقات، وهو ما تم تجاوزه وأصبح في خبر كان ..

مما لا شك به بان اتفاق تركيا وإسرائيل يعتبر "انتكاسة" لتطلعات حماس ... وشكل صدمة لعناصر حماس ولمن راهن معها علي الموقف التركي الخاسر في المحصلة النهائية ..

ان حماس واتباعهم في غزة وعبر السنوات الماضية باعوا الوهم للناس حيث  عملت حركة حماس واستثمرت  سلسلة علاقات اقلمية معتقدة ادت في نهاية الامر مولود جديد عرف بالاتفاق التركي الاسرائيلي ..

تطلعت حماس واتباعها علي ان تكون هذه  العلاقات  خدمة لحكمها في غزة ومن ضمن هذه الاوراق التي عولت حماس عليها كانت الورقة التركية وخيار الشيخ اوردوغان معتقدين انه امتدادا للخلافة العثممانية والتي فرضت واقعا عبثت من خلاله بالمستقبل الفلسطيني ومن خلال تحالفات بين قطر وحماس التي وفرت خط ساخن للتنسيق الامني بين حماس واسرائيل في قطاع غزة وقامة شريط حدودي فاصل عرف بشارع الجكر علي طول الحدود مع قطاع غزة باسرائيل .. واليوم بات الواقع ينهار شيئا فشيئا امام الموقف التركي الذي طالما ربط علاقته مع اسرائيل والتنسيق معها لضمان ان تكون تركيا لاعبا اساسيا في الملف الفلسطيني عبر السيطرة والهيمنة علي تباعية حماس لها ...

حماس كانت تطمح بشكل اساسي الي انهاء كل مشاكلها في قطاع غزة اعتمادا علي تركيا وحليفهم الاول اوروغان .. وسرعان ما تبخر هذا الحلم وتبدد هذا الطموح وكأن شيئا لم يكن حيث كانت حماس خارج حسبه الارباح التركية ولم تعد غزة ضمن اهتمامات اوردوغان سوي يريدهم الحارس الامين للامن الاسرائيلي وبالاخر من دون اي مقابل .. حيث شعر قادة حماس وعناصرها بالصدمة من جراء الاوهام التركية التي تبددت اليوم  ..

اننا امام حالة صادمة ودهشة وتوقع غير محسوب ونتائج كارثية تواجه حماس التي تكابر وتستمر في فرض حكمها بقوة بساطير عناصرها وانتشار القمع ومزيدا من فرض الضرائب في غزة وانشار حالات السرقة والقتل والفلتان الامني وانشار الجريمة المنظمة في المجتمع المحلي في ظل بطالة خانقة عدا علي قبام حماس واستمرارها  بسياسة فرض الهيمنة بالقوة بحق الشعب الذي يدفع الثمن
اننا امام واقع جديد يفرض نفسه وحقائق واقعية باتت تؤثر علي الشعب الفلسطيني ومستقبله السياسي حيث الحسابات الخاطئة المدمرة والعلاقات الضيقة التي لا تخدم الا الاحتلال الاسرائيلي  ..

أن الاتفاق المعلن يتعامل مع غزة من جانب إنساني إغاثي وليس سياسيا، مع أن القطاع محتل والحصار المفروض هو عقاب جماعي بأهداف سياسية ..

أن الاتفاق المذكور بين تركيا واسرائيل يعطي صلاحيات واسعة لتدخل تركيا بالشؤون الفلسطينية ويمثل  بداية مرحلة جديدة لتحويل الانقسام الفلسطيني إلى حالة انفصال واقعي موافق عليها إسرائيليا ... وأن كل فلسطيني يتطلع الي انهاء الحصار علي غزة وانهاء الوضع القائم و يريد أن يصل إلى غزة المزيد من هذه المساعدات، لكن كل فلسطيني يعرف أن المصالحة التركية الإسرائيلية ليست لإيصال هذه المساعدات وأن ثمنها أكبر من دخول مساعدات ..

أن تركيا  ضحت بطموحات حماس بالرفع الكامل للحصار، خاصة أن الحركة لا تمتلك رفاهية الرفض للاتفاق ولا تملك أوراقاً جدية للخروج من أزمتها في ظل فشلها في تحسين علاقاتها مع مصر والسعودية .. بل وتورطها في ملفات متعددة تتعلق بالامن المصري
أنه  إذا تم استبدال طموحات حماس بحزمة احتياجات خاضعة للاعتبارات الأمنية فإنه لا يعقل أن تكون تركيا وافقت على تطبيع العلاقات بما في ذلك تلك العسكرية والأمنية مع إسرائيل دون أن يكون هناك ضوابط صارمة لأي طموحات عسكرية وأمنية لحماس
باختصار نقول ان أردوغان يبيع دماء الأتراك للإسرائيليين مقابل حفنة من الدولارات.. وتركيا تعلن عن اتفاق لتطبيع العلاقات من جديد مع تل أبيب مقابل 21 مليون دولار.. وإلزام حماس بمنع إطلاق الصواريخ على إسرائيل أهم بنوده .. وأن تركيا التزمت بموجب الاتفاق المتبلور لإعادة تطبيع العلاقات الثنائية مع إسرائيل بمنع حماس من القيام بأى عمل عسكرى ضد إسرائيل ..

آفة العصر/ هادي حمودة

قد يتصور البعض من عنوان المقال أنني سأتحدث عن موضوع الإرهاب و التطرف، لكن في الحقيقة هو ليس كذلك و إن كان موضوع النطرف و الإرهاب هو أحد ثمار الموضوع الذي سأناقشه معكم بصورة مختصرة.
النسبية المطلقة هنا لا تعني و لا تشير مباشرة إلى النظرية النسبية الشهيرة لأربت أينشتاين، و إنما هي فلسفة و طريقة تفكير لها امتدادات و انعكاسات عميقة على كافة نواحي حياتنا المعاصرة و الحياة التي أصبحت تعرف بعصر "ما بعد الحداثة" على اعتبار أن الحداثة قد استهلكت أو تطورت إلى ما هو أبعد، و قد أوافق على هذا حقا. ببساطة هي فلسفة هدم المسلمات و الجدال عليها و على كافة القيم المطلقة، أو التي كان يفترض أن تكون ثابتة قيميا، فكريا، أخلاقيا، و علميا، ببساطة شديدة هي فلسفة "الا مطلق" و الا- تخصص، و قد أتفق جزئيا مع ذلك المبدأ حقا، فمن الصعب أحيانا أن نجد فكرة، أوقيمة ، أو مبدأ مطلق الخير، أو الشر، و أن ما قد نعتبره شرا قد يكون و حتما قد يكون خيرا بالنسبة للآخرين، و الأمثلة كثيرة، و ما نعتبره خطأ قد يكون صحيح طبقا لمعايير ثقافة أخرى بدءا من أكل لحوم الخنازير مثلا مرورا بالقطط و الكلاب و ما إلى غيرهم، و انتهاءا بأكل لحوم البشر في بعض المجتمعات. و قس على هذا كل شيء في المجال الفني، و الفكري، و العلمي، و ما إلى آخره.
قد أتفق في أحيانا كثيرة مع هذا، فمثلا ارتكاب كبيرة و جريمة القتل شيء فظيع في جميع الأعراف و القيم و الديانات، و القوانين، لكن مثلا و حتى في القوانين الوضعية و البشرية سنجد أن القتل في حالات خاصة أمرا يتراوح ما بين العرضي، و الغير متعمد، بل و الممجد إن كان في حالة الدفاع عن الوطن أو ما إلى غيره، إذا فالقتل بصورة عامة لا يمكن التعامل معه (حتى من المنظور الشرعي للإسلام و العديد من الديانات) بمجمله و بعمومه، و هذا صحيح، و طبعا و كما هو واضح أن موضوعي عن النسبية المطلة هو عن جانبها الأخلاقي، أو النسبية المطلقة الأخلاقية، و التي هي أكثرهم خطورة على الإطلاق، و التي لا يجب أن تعمم بصورة مطلقة، و إنما يجب أن تقيد و تخصص و بشدة طبقا لضوابط محددة قنونيا، و أخلاقيا، و شرعيا. أي من المثال السابق لا يجب أن نتعاطى جريمة القتل بصورة عامة  لتباح، و إلا ستكون النتيجة مطابقة لما نحياه اليوم من حالة فوضى و هتك و سفك مبرر أو نحاول تبريره حتى على مستوى الدول و الأنظمة الحاكمة عالميا.  لكن الأدهى هو عندما ندعي أن القتل العمد ما هو إلا مرض لا يستدعي عقوبة الإعدام و هذا بالضبط ما ينادي به الغرب حاليا على خطى المثلية الجنسية هناك!
للأسف أخذ هذا الفكر في التطور التدريجي في الغرب، و الذي - شإنا أم أبينا- أصبح المصدر الرئيسي للقيم و أساليب الحياة، و أصبحنا إما ممانع، أو مستورد، أو ما بين هذا وذاك،أي حائرين و نريد أن نجد صيغة تصالح بين قيمنا الخاصة و بين موجة ما بعد الحداثة على كافة الأصعدة و دون محاولة انتاج نموذجنا الخاص بنا و الذي يخرجنا من دائرتين تزدادان ضيقا و لا ثالثة لهما، و هما إما حبس الذات في دائرة العصور الوسطى و العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، و ثانيتهما دائرة التقليد الأعمى و المباشر لكل ما يأتي من الغرب، و للأسف سنجد البعض حتى ممن يعدون في عالمينا العربي و الإسلامي مفكرون من الوزن الثقيل، لا يعون الكثير عن جوهر الفكر الغربي و انعكاسات الجانب المظلم على المجتماعات الغربية و كيفية تطور تلك الأفكار و الفلسفات و لا عن كيفية تطورها و لا حتى معنى عبارة الثقافة الغربية و كيف نشأت و ماهيتها و إلى أين تتجه. و لذلك سنجد أن أحد كبار مفكرينا لا يعلم لماذا هو مسلم أو مسيحي و لماذا يجب أو لا يجب عليه أن يكون، سنجد من ينادي بالمثلية الجنسية و بحتمية تقبلها كنوع من الحريات التي تصنع تطور الأمم، و سنجدهم يرددون نفس الحجج الغربية المكررة عن الحريات "المطلقة" بل و يعيشون تلك الأكاذيب على الذات بعمق و إخلاص دون أدنى محاولة لتفهم أسباب نبذ تلك العادات، و طبعا لن أتحدث عن ذلك من وجهة نظر دينية و لا يجب علينا في رأيي أن نجادلهم بالدين بصورة فجة و مباشرة لأن العديد ممن يحسب علينا بالعلماء كانوا قد قاموا بالواجب على خير وجه مما دفع العديدين ممن كانوا واعدين إلى التشكك في الفكر الديني، و وجدوا أنفسهم حائرين ليجدوا في فلسفة الغرب المعاصرة و ثقافته و حضارته ما يتخيلوا أنه الصحيح و ما يجب أن يكون، انبهارا بالجانب المادي لثقافتهم.
بعد تطور الأفكار الدارونية و فلسفتها، و بعد أن خطى الغرب خطواته تجاه العلمنة و نبذ الأديان و قيمها بصورة تدريجية و بعد محطات أخرى عديدة و تطور "النظام العلماني الديموقراطي" ، و الفكر الإلحادي - و الذي بات يغزو بلادنا سرا و علنا و علماؤنا الأجلاء مشغولون بمحاربة الفكر المتطرف دون أدنى جهد جادي لمحاربة الفكر الإلحادي بطرق عصرية و بعيدة عن العصبية و التشنج و النصوص التي لا يفهما العديد من خلق الله نظرا لصعوبتها الأكاديمية، أو لتراجع مستوى اللغة العربية في بلادنا و الفضل يرجع لأساليب التعليم الجبارة و الإعلام المتأدب الجبار -  إلى الحد الذي أصبحت الحريات بلا حدود –كذبا و بهتانا- أسلوب الحياة العصري و بعد أن نجح الغرب في تصوير الأمر على أن سر نجاحه الحضاري – و لا أقول الثقافي – هو الحريات المطلقة و مع انطماس مفهومي الحضارة و الثقافة و الفرق بينهما نظرا لاضمحلال مستوى الثقافة العامة، و من حياتي في الغرب أؤكد أن الاضمحلال الثقافي العام هو في الغرب أيضا و لكن لظروف مغايرة لظروفنا و لن أخوض في غمارها، إلا أن الاضمحلال الثقافي لدينا له حجم أكبر و نكهة خاصة، فهو إما انعزالي و رجعي و يريد أن يأخذنا إلى خارج نطاق التاريخ و ساخط، و إما مقلد فاشل و أعمى و سيقودنا حتما إلى الا مكان.
المشكلة باتت خطيرة حقا، ليس لأننا لم نعد نعي الثوابت و حتمية وجود ثوابت أخلاقية و قيمية، و لكن لأننا لم نعد نفهم أسباب كونها ثوابت، و الفضل الأكبر في ذلك يرجع إلى علمائنا الذين فقدوا الإتصال بالأمة منذ زمن بعيد، و انحصروا في إما برامجهم التي تستنسخ بعضها البعض و المملة لجيل ما بعد الحداثة المتعطش للتكنولوجيا و تطبيقاتها و لغتها، و إلى النخبة المثقفة التي تعي ما أقول و لكن لا تحاول أن تأتي بالجديد الجذاب الذي يجابه هذا الانفراط الأخلاقي و القيمي، أو لفشل المنظومة الإعلامية التي لا تعتمد على المفكرين الحقيقيين. لقد فشل علماؤنا و مثقفينا في هذا التحدي و أقول أن أغلب العلماء الذين قطعوا شوطا محمودا في التصدي لكل هذا هم علماء الغرب الذين لا يزالوا بعيدين عن واقعنا على الرغم من أننا نستورد كل ما هو غربي (إلا هذا)! إما كبرا، أو غرورا، أو لا أعرف. و بات حالنا هرج و مرج فالكل يمكنه أن يحلل أو يحرم، و الكل يبرر، و الكل صاحب حجج و طرق و أساليب سواء مؤهل، أو غير مؤهل، و لا أتكلم عن التأهيل الجامعي في عالمنا، و لا حتى المنظومة التعليمية ككل. أصبحت "الريلاتيفيزم" سواء عرفناها أم لم نعرفها، هي طريق الغربيين أو الشرقيين للتحلل و التنصل من كل حد أو مسؤولية تجاه المجتمع، ليحل الفكر الذاتي محل الفكر الجماعي و يعلو على قيم المجتمع و الانتماء إليه، لتتحلل المجتمعات، و لا عجب إن كثرت حالات الطلاق، و العنوسة، و الزنا ( الجنس المجاني دون أدنى مسؤولية)...إلخ
ببساطة ، لكل شيء سبب، و منطق حتى و إن لم تعيه عقولنا لفترة ما، و لكن عدم اكتشاف المنطق، أو السبب لا ينفي وجوده، و هذا من واقع العلم نفسه، فمثلا الجاذبية الأرضية كانت موجودة منذ فجر التاريخ و قبل ظهور الإنسان و بعد ظهوره، و لمدة زادت على العشرة الآف سنة و هي عمر الحضارات البشرية (المكتشفة) دون أي يعيها العقل البشري، حتى اكتشفها نيوتن! أليس كذلك؟ نعم، و هو نفس المبدأ الذي يجب أن نتعلمه و نعلمه للأجيال الجديدة، نعم ناقش، فكر، و ابحث حتى عن الله و ذاته و أسباب التحريم، و تعلم ، ألم يبحث نبي الله إبراهيم عن ربه؟ ألا يعلمنا الله ذلك؟ ناقش بكل وضوح، و ابحث و تعمق، لقد سمح الله تعالى لإبراهيم عليه السلام، و هو أبو الأنبياء، أن يسأله. فتش عنه، حاول أن تعرف سبب إسلامك أو مسيحيتك، أو حتى إلحادك دون ترديد لمقولات سطحية لا تعي معانيها العميقة، أنظر إلى الحياة في الغرب على المضمار الأخلاقي، و النفسي، و القيمي المعاصر، من عدة مصادر غربية لكن من كافة الإتجاهات، حاول أن تعرف لماذا حقا الإسلام هو الدين الحق، أو أيا ما تعتبره حقا حق بحق. ناقش و ابحث، قبل أن تشغل بالك و تجادل على أمور مثل كيفية دخول الحمام و كيفية الخروج منه، أجب على نفسك حقا هل تعرف لماذا أنت مسلم أو مسيحي؟ هل تستطيع أن تقنع نفسك بذلك، أو أحد الملحدين مثلا؟
أضيف إلى ذلك ما يعلمنا القرآن إياه و هو ما يمكن استنباطه بالمنطق البشري الذي يستطيع أن يستدل على الحق و الباطل، ما أود أن أضيفه هنا أيضا هو أن الحق لا يمكن أن يتقارب مع الباطل، حتى و إن صور لنا أنصار النسبية المطلقة غير ذلك عن طريق إلباس معنى كلمة الحق و الحقيقة بكلمة الواقع و هو محاولة لالباس الحق بالباطل كما يقول الله تعالى في محكم أياته :" و يجادل الذين كفروا بالباطل ليضحضوا به الحق"، و لكي أوضح ما أعني سأضرب مثالا بسيطا، و هو كوب الماء النصف ممتلئ، فمنا من سيعتبره طبقا للواقع نصف فارغ، و منا من سيعتبره نصف ممتلئ طبقا للواقع أيضا، و لا أجادل أن الواقع الذي يراه البشر مختلف فعلا و نسبي، لكن الحقيقة هي أن الكوب نصفه ممتلئ بالماء و نصفه الآخر ممتلئ بالغاز أو الهواء، و لا جدال على ذلك، قس على ذلك السياسة المعاصرة، و الحروب و النزاعات، و الاقتصاد، و العلم، و حتى القيم و الأخلاق. فكل منا أصبح يروج للواقع الذي يراه على أنه الحقيقة و التبس الحق بالواقع و أصبح الواقع هو الحق في كل الأحوال.
نحن في حاجة إلى نقاش واسع بين كافة التوجهات الفكرية بل لإعادة تقييم شاملة، دون تعصب أو عصبية، أو حجر أو كبت، نحتاج لتقبل الرأي الآخر و تعلم فنون الرد و الحوار و الإقناع، و هي أمور لا تدرس في بلادنا للأسف. و هل نظر المتغربنين إلى تعداد الغرب المتآكل؟ هل بحثوا في الأسباب بعمق؟ هل ربطوا بين ذلك و بين أسلوب الحياة في الغرب؟ هل فكروا في أن الحرية المطلقة هو أمر مستحيل و أن حدود الحريات (أخلاقيا) مقيد حتى في أكثر الدول حرية و ليبرالية و التي تدعي غير ذلك؟ هل فكر أي مقلد أو مدعي في حقيقة أنه لو نجح في الهجرة إلى إحدى تلك الدول سيكون عليه الخضوع التام لقوانين تلك الدول حتى و إن رآها مجحفة أو غير منطقية؟ هل فكر في إمكانية تغيرها و احتمالات نجاحه؟ هل تابع مجريات الأمور و كيف يتعامل الغرب مع أزمة المهاجرين و التي صنعها بنفسه و هل فكر مفكرينا و لو للحظة في أن كل تلك القيم الأوروبية باتت على المحك؟ هل حددوا و درسوا المشاكل الإجتماعية في الغرب بحق، و عرفوها و عرّفوها قبل التوصل إلى استنتاج نهائي؟ هل يعي العديد من الفريق الآخر معنى كلمة إسلام؟ و من هو المسلم؟ هل فهم حفاظ قرءاننا معاني و تفسير القرآن أم أن حفظه و ترديده كافيان؟ كم منا شغل باله ولو للحظة بتفهم أمور أبعد من دخول الحمام أو الخروج منه باتت تهدد أبنائه و بناته و تهدده هو شخصيا إلا أنه منسجم معها كلية بل و أحيانا ما يبررها – عملا بمبدأ النسبية المطلقة. أمور عن كيفية عمل المصارف، و البورصات، و القروض التي بات غارقا فيها، و ما نظرة الأديان لذلك و للجينوم، و الاستنساخ، و الثقافة المؤسسية، و ما إلى آخره و لماذا و هي الأهم؟ هل تأهل علماؤنا لهذه التحديات، هل و جد صناع قرارنا المؤهلين للتصدي لذلك؟ هل ذهبنا أبعد من أن نقرر ما إن كان هذا الإختراع الذي اخترعه غيرنا حلال أم حرام؟ كم منا انشغل بذلك؟ كارثة حقيقة.
حقيقة بتنا نجادل أمور تسوق الغرب إلى التفسخ و الإنهيار التدريجي، لكن نأبى أن نرى ذلك، و نأبى أن نعمل عقولنا لننقى كل ذلك و نأخذ الحسن منه، بتنا نأبى إعمال عقولنا و بتنا نسعى إلى استعارة نموذج كامل جاهز إما من العصور الوسطى، و إما غربي كامل و مبرر لنوفر على أنفسنا مشقة التفكير و البحث و المخاض الفكري، و الثقافي و الحضاري في كلتا الحالتين، بتنا و لا مكان لنا حتى في عقولنا و نفوسنا مع شديد الأسى و الأسف.

نظام الكون وماهية الكائن بين أفلاطون وأرسطو/ د زهير الخويلدي

قبل أن يبذل الإنسان مجهودا فلسفيا أو علميا لمعرفة العالم المحيط به ، والذي يشكل أحد عناصره ، انتابته مشاعر التعجب والذهول والاندهاش من النظام الذي تبدو عليه الطبيعة وتسير وفقه الكائنات والأشياء وخاصة الحركة المنتظمة للأجرام والكواكب والترتيب الذي توجد عليه الظواهر الحية.

لقد قاد التفكير في نظام الكون الفلاسفة إلى اعتبار الكائن الحي خاضع إلى قانون معين يتحكم في تطوره الداخلي والانتباه إلى قدرة الحياة على مقاومة كل الاعتداءات المتأتية من الوسط والى التعامل مع الطبيعة بوصفها كوسموس.

ماهي العلاقة بين اللوغوس وفكرة الطبيعة؟ وكيف تصورت الفلسفة الإغريقية العالم؟ و ماذا كان يقصد الإغريق فلسفيا بكلمة كوسموسِCosmos ؟ وهل كان مفهوم الطبيعة غائبا بشكل تام في المحاورات الأفلاطونية أم أنه سجل حضوره في جميع المحاورات بصورة لافتة ؟ كيف يمكن الانتقال من مستوى المعنى المتداول إلى مستوى المعنى الفلسفي والعلمي؟ وماهو هذا  النظام القائم الذي يسمح بالتأليف بين الطبيعة بوصفها مجموع الكائنات والطبيعة بوصفها ماهية الشيء؟ أي النظام الداخلي يجعل ذلك الشيء على ماهي عليه ؟ هل الطبيعة هي النظام العقلي أم الترتيب الكوني؟ من أين جاءت فكرة ماوراء الطبيعة عند أفلاطون؟ هل يوجد فعلا ؟ أين يوجد؟ وماهي خصائصه؟ أليست الطبيعة هي الخارجية المحضة؟ ماهي الحركة الطبيعية عند أرسطو ؟ ألا توجد حركة ضد الطبيعة؟ كيف أكمل حاول كل من ديمقريطس وأبيقور ولوكراس تأسيس التصور الوضعي للطبيعة؟

لقد عُرف على الحكماء السبع اهتماما لافتا بالطبيعة من جهة أصلها وعناصرها وتحولاتها وبالخصوص طاليس وديموقريطس وأمبيذوكلس وهرقليطس وبارمنيدس وعُرف أيضا على سقراط وأفلاطون تخليهم عن دراسة الطبيعة وتركيز الاهتمام على المفاهيم والمعاني ودراسة الإنسان.

في البداية امتلك لفظ كوسوموس عند ما قبل السقراطيين دلالة جمالية وارتبط بالمظهر الأنيق للإنسان ولكن تغيرت دلالته مع أفلاطون وأرسطو والأبيقوريين والرواقيين وأفلوطين وصار يفيد النظام الجميل والتناغم الحسن والتدبير الجيد للأشياء والتنضيد المنسق للكائنات، ولقد عبر ألكسندر كوريه عن ذلك بالصياغة التالية: في الكوسموس " يوجد مكان لكل شيء وكل شيء يحوز على مكان"1[1].

لقد كان التساؤل حول الطبيعة حاضرا بقوة  عند أفلاطون وقد تسجد ذلك في بحثه عن مسائل الولادة والتشكل والنمو بالنسبة للكائنات في الكوسموس وربطه مفهوم الفيزيس بالأصل والمسار والنتيجة، وأعطى أهمية ثابتة للمسائل الفيزيائية ودرس بعناية جملة الأسئلة المعرفية التي لها علاقة مع الطبيعة.

في نفس الاتجاه شكل الصانع demiurge  ، في محاورة الطيماوسTimée  ، الطبيعة حسب المنظور الغائي وتماشيا مع بعض الاعتبارات الكونية التيولوجية وبالاعتماد على مادة غير محددة واتجهت الأنظار نحو  سماء الأفكار ومكان المثل وتشكل العالم المعقول من مثل ثابتة ومطابقة لذاتها بشكل مستمر وبالتالي تسموا عن كل تغيرات الصيرورة وتكتفي الأشياء المحسوسة بمشاركتها.

لقد أضاف أفلاطون إلى النظام الجمالي للكوسموس فكرة جديدة هي النظام الرياضي حيث تم تصور مثل الكائنات في صورة أعداد وأشكال هندسية وتم التعامل مع الوحدة والكثرة والمحدود واللاّمحدود. وبالتالي لا يمثل الكوسموس الإطار الجميل للحياة فقط وإنما مجال العدالة أيضا والتناسب الرياضي بين الكائنات والمكان الذي يتضمن نسبيا كل القيم ( الحقيقة معرفيا والخير أخلاقيا والجمال فنيا).

لا شيء يعلو على الكوسموس بالنظر إلى كونه ممتلئ ومغلق ويتمتع بالمرتبة الأنطولوجية الأولى ويمثل النقطة المرجعية لكل الأشياء ولكل الأفعال البشرية وبالقياس إلى أن الإنسان يمثل جزء من الكون وكائن طبيعي مثل بقية الكائنات ويعكس طبيعيا التناسب القائم بين العالم الصغير والعالم الكبير.

لقد بحث أفلاطون عن إمكانية خطاب حول العالم الفيزيائي المتميز بالحركة والتغير ويكون متعال عن الدوكسا وثابتا ومنسجما ويجب أن تمنح الطبيعة هذا الثبات في الخطاب ولقد وجد في الصورة منبع المعقولية التي تمثل الأساس الأنطولوجي للعالم المحسوس ومصدر مشروعية النظام القائم في الكون.

لقد استبدل أفلاطون نظرية المثل بنظرية الصور من أجل ضمان معقولية العالم المحسوس وإعادة النظام الى الكون والانتهاء بطبيعة الإنسان وكان ذلك في محاور الطيماوس والقوانين والكريتياس.

لقد برزت القاعدة الايكولوجية الأولى منذ الإغريق حينما تمت الدعوة إلى المحافظة على نظام الطبيعة وتناسقها والعيش في تناغم مع هذا النظام وفي وئام مع النفس لكي يجد الإنسان سبيل السعادة، أضف إلى ذلك يجب أن تكس القوانين المنظمة للمدينة والعلاقات البشرية نظام الكوسمومس وترتيبه.

لقد أكد لنا أفلاطون في الجمهورية بأن المدينة تكون عادلة إذا ما أعيد تأسيسها على نظام الطبيعة التفاضلي وبما أن العالم السفلي يتبع للعالم العلوي فإن المجتمع ينقسم إلى طبقات و يجب أن تتبع السفلى منها العليا وأن يكون الحكماء مقتدرين على معرفة نظام الكوسموس وترتيب الطبيعة.

علاوة على ذلك ذكر أفلاطون في محاورة الفيدون الاستعداد الخارق للعادة لهذا الشكل من المعرفة الذي يسمى بحث في الطبيعة وهذا العلم القادر على معرفة علل كل واقعة ، والمعرفة عند كل واحد بلماذية التغير والاختفاء وبوجودها".a96. كما ميز أفلاطون بين علل حقيقية وشروط ضرورية.

اللافت للنظر حسب أفلاطون أن الفوضى أو اللاّنظام الذي يمكن مشاهدته في الحياة لا يرجع إلى الطبيعة ولا يدوم فيها وإنما يعود إلى تدخل الإنسان فيها وسوء تدبيره وجهله بنظام الكوسموس.

إذا كان العالم المنظور في محاورة الفيدون متناقضا مع مملكة المثل وسبب وقوع الشرور بالنسبة للإنسان فإنه في محاورة الجمهورية لم يعد في تناقض مع العالم المعقول ويشكل علاقة ندية معه. أما في محاورة الطيماوس فإن خلق الكائنات الفيزيائية يصبح مرتبط أساسا بنظرية المثل والماهيات2[2]، وينتج عن ذلك تشكل عالم حسي ومرئي بمواصفات جسم حي يمثل صورة محسوسة لإله معقول3[3].

في الحقيقة لقد ساعدت المعجزة الإغريقية على التخلص بشكل نسبي من الطبيعة السحرية وبناء نظرة علمية تقوم على فكرة الفيزيس من حيث خضوع جميع الأشياء إلى القانون ومفهوم الكوسموس باعتباره النظام القائم للكون و" لقد قبل أفلاطون عندئذ القوة المهيمنة للطبيعة من أجل تحويلها إلى تصور عقلي والإحساس بسعادة الحياة في هذا الكون الجميل جدا والمحاط بالتناغم والروح الإلهية"4[4]

اللافت للنظر أن النقد الفلسفي من قبل أفلاطون للمحاكاة السفسطائية كانت نتيجة التخوف من فقدان الطبيعي من الأشياء والحرص على تعميق التفكير الفلسفي في دلالة الفيزيس بوصفه ماهية الكائنات.

لكن إذا كان أفلاطون ركز فلسفته على النظر إلى الطبيعة بوصفها نظام الكون وأدرج طبيعة الأشياء ضمن عالم المثل ودعا إلى تأسيس المدينة على الحق الطبيعي فإن أرسطو بحث في الطبيعة من جهة كونها ماهية الشيء ، وفي الظاهر يبدو وكأن أرسطو قد انطلق من نظرة بيولوجية للكون حينما اعتبر الكوسموس نظام الطبيعة التام والمكتمل ولما تساءل عن تشكل بعض المسوخ  monstruosités والبشاعة في الطبيعة وفسر حدوث ذلك بتدخل الصدفة التي تتحكم في العالم السفلي في حين أن العالم العلوي تحكمه قوانين كلية ومبادئ ثابتة وتتحرك عناصره حركة دائرية مطلقة لا بداية لها ولا نهاية.

لقد أعاد أرسطو مرات كثيرة عبارات: الطبيعة لا تفعل شيئا عبثا والطبيعة تشكل ماهو أفضل دائما وذلك لأن كل شيء يخضع لقانون تطوره الداخلي الذي يسميه الفيزيس ويرى أن كل شيء يمتلك فضيلة خاصة به وأوجدته الطبيعة من أجل والآية على ذلك أن فضيلة النار هي الإحراق ما يلقى فيها.

" تقال الطبيعة في معنى أول على كون ما ينمو ...وبمعنى آخر فهي العنصر الأول والمحايث الذي ينبع منه ما ينمو. وهي مبدأ الحركة الأولى لكل كائن طبيعي ، فهو قائم فيه بالذات...وتقال الطبيعة أيضا على المعدن الأول الذي يتكون أو يصدر منه شيء مصنوع، والذي هو عديم الصورة والقدرة على أن يتقبل من التغير ما يخرجه من عين قوته. فمثلا البرنز هو طبيعة التمثال والأشياء البرنزية ، والخشب طبيعة الأشياء الخشبية. وهكذا دوليك. ففي كل واحد من هذه الأشياء تبقى المادة الخام هي هي. وفي هذا المعنى تطلق كلمة الطبيعة أيضا على عناصر الأشياء الطبيعية ، سواء  جعلنا هذه العناصر هي النار أو التراب أو الهواء أو الماء أو مبدأ آخر، أو بعض هذه العناصر أو كلها مجتمعة... وفي معنى آخر تطلق كلمة الطبيعة على جوهر الأشياء الطبيعية..."5[5].

 كما توجد عند أرسطو غائية طبيعية وتحكم علل أربعة مادية وصورية وفاعلة وغائية الطبيعة ولذلك اتفق الإغريق على تماهي الطبيعة والعقل وبين الطبيعة والكل وأسند إلى الحكيم مهمة الكشف عن القوانين العقلية.

لكن التصور الإغريقي للطبيعة قد وقع في تناقض حاد، فهو من جهة يرفض وجود أي شيء خارج الكوسموس ومن جهة ثانية يقول بوجود العالم العلوي وتكونه من مادة أثيرية ووجود الماوراء؟ متى تكتسب الطبيعة قيمتها الحقيقية؟ هل عندما تكون أزلية وقديمة أم لما تكون مخلوقة من طرف الله ؟

لقد أدى التفكير في الطبيعة بوصفها كوسموس إلى تأليهها والتعامل معها على أساس امتلاكها لماهية إلهية وبهذا المعنى نظر أفلاطون إلى العالم من حيث هو كائن حي كبير ، بينما أقر أرسطو بفكرة التراتبية الطبيعية ورفض القول بوجود الماوراء وفكرة الخلق من عدم وكذلك النقص في الطبيعة.

لقد كشف أرسطو في كتاب الميتافيزيقا عن أربع معان للطبيعة وهي كالآتي: القوة والأصل والمبدأ والماهية ومن المعلوم أن هذه الركائز والدعائم هي التي يتصف بها الفيزيس وبالتالي تعني الطبيعة الوحدة بين المادة والصورة ويمكن أن تطلق أيضا على المادة بمفردها وعلى الصورة لوحدها.بشكل تأليفي إن " الطبيعة هي جوهر الكائنات التي تمتلك في ذاتها ومن حيث هي كائنات مبدأ حركتها"6[6].

بعد ذلك يدعم هذا التصور الاجتماعي الإحيائي7[7] في الكتاب الثاني من الفيزياء حينما يصرخ بأن " الطبيعة هي مبدأ وعلة حركة وسكون الشيء، الذي تمكث فيه مباشرة، بالماهية وليس بالعرض"8[8].

لقد بدأ كل شيء مع أرسطو وليس مع أفلاطون وبالخصوص الحديث عن ماهية الطبيعة بوصفها كليةtotalité  وتوالدgénération ونظامOrdre  بل إن الفيزيس phusis ليس شيئا ولا مجموعة من الأشياء  وإنما مبدأ أو علة يسمح بتفسير الطريقة التي تأتي بها الأشياء إلى الوجود وتظل كماهي عليه.

عندما عرف أرسطو الطبيعة باعتبارها مبدأ الحركة الأولى بالنسبة إلى كل كائن طبيعي فإنه كان يقصد النموcroissance ويكون التوالد أيضا حركة وبالتالي يضيف الحركة الباطنية لشيء معين إلى حركة مجموعة من الأشياء وفق نظام معطى بشكل مسبق يشكل ترتيب الكوسموس. هكذا تمتلك الطبيعة معنى حينما تذهب من الطابع Naturé  إلى المطبوع9Naturant [9] وليس العكس. وبهذا المعنى نقول طبيعة عن التوالد لكل ما هو بصدد النمو10[10].

 تبعا لذلك تقدم الميتافيزيقا والفيزياء تفسيرا ديناميكيا للطبيعة بوصفها مبدأ من الناحية الميتافيزيقية وباعتبارها علة من الناحية الفيزيائية ، ولذلك تحصل الكائنات والأشياء الطبيعية على مبدأ وجودها من ذاتها على خلاف الإنتاجات الفنية التي تحصل على مبدأ وجودها من الخارج. وفي نفس الاتجاه تتعارض الطبيعة مع التقنية .

  من المعلوم أن دراسة الطبيعة من قبل أرسطو قد تم التركيز فيها على النفس وذلك لأن المادة لوحدها لا تنتج شيئا بل يجب إخراجها من حالة اللاّشكل والهيولى ومنحها صورة وصبها في شكل لتتخذ هيئة، في حين أن النفس أهم من المادة بل انه بالاعتماد على النفس تكون المادة طبيعة وليس العكس.

لقد "تصور أرسطو الطبيعة من حيث هي فكر فنان على درب الاكتمال"11[11]. على خلاف ذلك ذهبت الميتافيزيقا الدينية إلى تغيير معطيات المشكل وجعل الطبيعة من خلق الله وبالانطلاق من لاشيء.  وبالتالي لا يمثل الاستعمال الدارج للطبيعة في شيء السياق البيولوجي وكذلك المجال الفيزيائي.

-         توجد رابطة عميقة بين الفكرة الأولية لللّوغوس أو بين العقل وفكرة الطبيعة ترتب عنها قيام تصور كوني للطبيعة محمل بمعان ثقيلة ومنجم من أفكار.

-         يوجد تعارض بين الطبيعة والتقنية وبين الطبيعة والقوانين كشف عنه السوفسطائيون في حين أن الفلسفة قربت كثيرا بين الطبيعة والقانون Nomos.

-         كلمة فيزيسphusis  الإغريقية وكلمة natura اللاّتينية تدلان على القدرة على النمو الكامنة في كل الأشياء أي القوة الحاضرة بصورة كلية في الكائنات وتسيطر على الإنسان نفسه بوصفه جزء من الطبيعة.

-         لقد أسس التصور الأفلاطوني المعنى الأول للطبيعة الواحدة أو فكرة الطبيعة أما التصور الأرسطي فقد ربط الطبيعة بالحركة وحلت القوة الكونية والدينامية مكان النظام القائم الأفلاطوني والثبوتية وترتب عنه وجود عدة طبيعيات متصورة كماهيات بما أن كل ماهية يقال عنها طبيعة والطبيعة الأولى هي الماهية.

-         الطبيعة إلهية بذاتها أو تطفح بالآلهة  بمعنى أنها تشارك في العنصر الإلهي الموجود فوقها.

-         ظل الصراع بين الطبيعة كشيء مقدس والطبيعة كمبدأ للقوة والنمو.

بهذا المعنى" يقع تنظيم تعدد الأشياء في مجموع ، الكوسموس، و يخضع هذا المجموع إلى قوانين وبهذا المعنى أقام أرسطو تعارضا بين الطبيعة والصدفة"12[12].

الإحالات والهوامش:

[1] Koyré  )Alexandre( , études newtoniennes, éditions Gallimard, Paris, 1968.

[2] Platon, Timée, 27ds.

[3] Platon, Timée, 92c.

[4] Evangélie Maraguianou, la nature chez Platon, in Cahiers de la revue de théologie et de la philosophie, n°18, Lausanne (Suisse), 1996 .p405.

[5] Aristote, physique,

[6] Aristote, Métaphysique, Delta, 4, 1015a 14-15, traduit par J. Tricot, édition Vrin, 1981, p.257.

[7] Conception sociomorphique

[8] Aristote, physique, tome1, livre II , 192b, traduit par H. Carteron, les belles lettres, 1966, p59.

[9]  Aristote, physique, livre II , op.cit, 193b, 

[10] Aristote, Métaphysique,I, op.cit,p258.

[11] Godin (Christian),  le cours de philosophie, éditions du Temps, Paris, 1998.p273.

[12] Lenoble (Robert), histoire de l’idée de nature, éditions Albin Michel, 1969.p217.
 المراجع والمصادر

Godin (Christian),  le cours de philosophie, éditions du Temps, Paris, 1998.

Lenoble (Robert), histoire de l’idée de nature, éditions Albin Michel, 1969.

Koyré  )Alexandre( , études newtoniennes, éditions Gallimard, Paris, 1968.

Cahiers de la revue de théologie et de la philosophie, n°18, Lausanne (Suisse), 1996.



كاتب فلسفي

[1] Koyré  )Alexandre( , études newtoniennes, éditions Gallimard, Paris, 1968.

[2] Platon, Timée, 27ds.

[3] Platon, Timée, 92c.

[4] Evangélie Maraguianou, la nature chez Platon, in Cahiers de la revue de théologie et de la philosophie, n°18, Lausanne (Suisse), 1996 .p405.

[5] Aristote, physique,

[6] Aristote, Métaphysique, Delta, 4, 1015a 14-15, traduit par J. Tricot, édition Vrin, 1981, p.257.

[7] Conception sociomorphique

[8] Aristote, physique, tome1, livre II , 192b, traduit par H. Carteron, les belles lettres, 1966, p59.

[9]  Aristote, physique, livre II , op.cit, 193b, 

[10] Aristote, Métaphysique,I, op.cit,p258.

[11] Godin (Christian),  le cours de philosophie, éditions du Temps, Paris, 1998.p273.

[12] Lenoble (Robert), histoire de l’idée de nature, éditions Albin Michel, 1969.p217.

    

العراق بين الملك والرئيس وعلي الوردي/ كفاح محمود كريم

     بعد ما يقرب من قرن وبالضبط 95 سنة من تأسيس الدولة العراقية، لا يزال الحال الذي تحدث عنه مليك العراق الأول، ومفكره الكبير عالم الاجتماع علي الوردي وإجابات أحد رؤسائه، وما أنتجته حضارة هذا البلد اليوم في خارطة مغبرة ملونة بالدماء والإرهاب والفقر والضياع، فحينما نقرأ لعالم الاجتماع العراقي الكبير علي الوردي وهو يصف الشخصية العراقية بأنها:

     ( شخصية ازدواجية تحمل قيم متناقضة هي قيم البداوة وقيم الحضارة وأثبت أن لجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية فهو بسبب وجود النهرين، بلد يسمح ببناء حضارة، ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ آخرها قبل 250 سنة تقريبا ).

     يصاب المرء بالذهول أو ربما يتهمه بالمبالغة والتعميم، خاصة وإذا ما استرسل في القراءة حتى يصل إلى توصيف لأدق مكنونات الشخصية العراقية نفسيا وسوسيولوجيا حيث يقول الوردي:

     ( أن شخصية الفرد العراقي تتسم بالازدواجية، فنجد أن العراقي المسلم هو من أشدّ الناس غضباً على من يفطر برمضان علنا ولكنه هو من أكثرهم إفطارا وأن العراقي، سامحه الله، أكثر من غيره هياماً بالمثل العليا ودعوة إليها في خطاباته وكتاباته، ولكنه في الوقت نفسه من أكثر الناس انحرافا عن هذه المثل في واقع حياته، وأنه أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا في النزاع بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى ).

     وإذا ما عدنا إلى الأيام الأولى لمباشرة الملك فيصل الأول لمهامه على مملكة تأسست بتوجيه من بريطانيا وفرنسا، عقب اتفاقيتهما حول تقاسم ارث إمبراطورية آل عثمان عام 1916م، نراه متشائما ومحبطا إزاء العرش الذي منحه له البريطانيون على مكونات بشرية لم ترتق إلى مستوى شعب كما يقول:

     ( لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت... ).

     وبعد ما يقرب من أربعين عاما على تصريح ملك البلاد العراقية الأول، ومحاولات كثيرة لإرساء مفهوم للمواطنة يجمع كل تلك المكونات تحت سقف هذا الكيان، دخل العراق في دهاليز الدكتاتورية والتناحر الدموي بين فعالياته السياسية ومكوناته بعد انقلاب 1958م وما تلاه من عمليات سرقة بالقوة للنظام السياسي الذي شرعن أولى قوانينه حزب البعث والحرس القومي.

     لقد كانت واجهة البعثيين بعد انقلابهم على الزعيم قاسم، رفيقه وكاتم أسراره عبد السلام عارف، الذي عبر بدقة عن الانتهازية السياسية وهو أمام جمال عبد الناصر في القاهرة حينما سأله عن حجم وعدد الشيوعيين في العراق ؟
فأجاب 8 ملايين شيوعي!
تعجب عبد الناصر وقال له إذن كم هو عدد القوميين ؟ فأجابه ( الرئيس المؤمن ) وهكذا كانوا يسمونه في حينها:
8 ملايين قومي، وما عدد الإسلاميين: فقال 8 ملايين أسلامي!؟
غضب عبد الناصر وألقى القلم وقال: أي ده يا ريس أمال عدد العراقيين كلهم كام؟ أجابه عارف ضاحكا:

( 8 ملايين يا فخامة الرئيس، بس العراقيين تريدهم شيوعيين يصيرون وتريدهم قوميين يصيرون، وتريدهم رجعيين يصيرون، وتريدهم إسلاميين يصيرون، العراقي كل شيْ: عالم دين, عسكري, سياسي, اقتصادي, علماني. ملحد، كل شيْ يفهم... !)

     وبعد سنين سود وثقيلة أزاح الأمريكان وحلفاؤهم النظام الذي تحجج العراقيون بأنه كاتم أنفاسهم ومشوه هوياتهم ومدمر بلادهم وعائق تطورهم وحضارتهم!

     فماذا حصل إذن لشعب يشبه الطماطة في وظيفته، منذ 2003 وحتى يومنا هذا ومن الموصل إلى البصرة؟

     اترك الإجابة لأكثر من سبعة ملايين نازح في الداخل والخارج، وللفقراء من بغداد إلى البصرة، ضحايا المفخخات والفساد، لأنهم يشكلون أغلبية السكان!

kmkinfo@gmail.com

هو وهى/ مرمر نور

أعلم أنني سأُتهم بعد قراءة تلك الكلمات لاسيما من جنس الرجال بالتحيز لبنات جنسي ولكني سأُناشد فيك أيها الرجل آدم الذي خرجت من ضلعه  حواء ، ولتنظر جيدا لذلك المشهد الرائع بقلبك ولتتمهل قليلاً  عندما تعشق ( هي ) ؟ فيذهب هو ليملي شروطة عليها ، فإن أخلت هى بشرط ، هدد هو وصال وجال بعقد عقده في السماء ليكمل نصف دينه !! أما (هو ) إذا عشق ذهبت هي لتشعره وكأنه هارون وهي زبيده وهي تعلم أن عينية تري الف زبيده من النساء فأصبح بإختصار الحب جزء من حياته ( هو ) وكل حياتها ( هي )
 تسعي هي دائماً لتشرح حبها بكل جوارحها ويسعي هو الي أقرب محل ذهب ليأتي لها بخاتم ثمين أو ماشابه فقط ليشهد الجميع أنه الزوج المثالي وأول المذكورين في وقت الاختلاف ، ذلك الخاتم منه وذلك الحب والتفاني منها فأيهم أقرب الخاتم أم الكائن ؟

عزيزي هو فليذهب الخاتم ويبقي الاحترام والحب أما سمعت قول الرحمن ( قولٌ معروف ومغفره خيرٌ من صدقة يتبعها آذي ؛الاية ببساطة حب بقلبك وليس بما تملكه من حساب ، أعلم أن بعض من ( هنَّ ) تنظر إلي الحساب ولكن تعالي لنكشف عن النسبة عشرون بالمائة ثم لو امتلكت هي حسابه واكتفي هو ، ذهبت هي بعد قليل لتعلن عن شغفها للحب ذهبت لتبحث عن مكوناتها فهي تتكون من أمومة وأنوثة وكلاهما حب وحنان ، أختصر الطريق يا عزيزي اعشقها بقلبك ، أما الحساب فلا تذكره الا لنفسك إن اردت ان تزيد في حبك ليس الا
أما هي فكلمة حانية ولمسة علي شعرها وكلمة حنان قد ملكتها العالم بكل حساباته وسنظل نسعي لنعرف من  ( هي ) وأين ( هو ) ؟

مرمر نور

استفتاء بريطانيا وانتخابات أستراليا وأوجه الشبه/ عباس علي مراد

عندما صوّت البريطانيون للخروج من الأتحاد الأوروبي كانت الخيارات واضحة ولم تكن من ضمن الإصطفاف السياسي التقليدي، حيث كان زعيم العمال جيرمي كوربن يؤيد البقاء في الأتحاد الاوروبي كما كان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون يتزعم حملة البقاء في الإتحاد، هنا كانت المفاجأة حيث خيّب الناخبون البريطانيون كل استطلاعات الرأي وصوّتوا بنسبة 51.89% للخروج من الأتحاد. ما هي الأسباب والدوافع والعوامل التي قادت أكثر من نصف البريطانيين للخروج؟  المشاكل التي تواجه بريطانيا  قد تتشابه مع المشاكل التي تواجه كل دول العالم سواء كانت قضايا الهجرة واللاجئين وتحكّم الشركات العابرة للقارات والحدود والبنوك  بمصير الدول.
وبما أننا في أستراليا نتقاسم مع البريطانيين الكثير سوا كان لناحية النظام السياسي (لا تزال الملكة في أستراليا تعتبر رأس الدولة) وصولاً إلى الإرث الثقافي وإن كان البعد الجغرافي مختلف ولكن هناك وجه شبه قكلا البلدين جزيرة بريطانيا غير متصلة بالبر الاوروبي طبيعياً  وكذلك استراليا غير متصلة بالبر الاسيوي.  ورغم البعد الجغرافي المختلف حيث تقع بريطانيا في النصف الشمالي للكرة الارضية واستراليا في النصف الجنوبي، فعلاقة بريطانيا مع اوروبا علاقة مساكنة وهذا ما ينطبق على أستراليا وجوارها الآسيوي حيث الموقع الجغرافي والشراكة الإقتصادية مع آسيا تتقدم على أي شراكة أخرى حتى أنها أصبحت متقدمة على الشراكة مع الشريك الأستراتيجي الأول والمفضل أي الولايات المتحدة الأميركية التي تراجعت من المركز الأول في الشراكة الإقتصادية رغم أنها ما زالت من كبار المستثمرين في السوق الأسترالية، والجدير ذكره أن أستراليا كانت قد وقعت العام الماضي ثلاثة إتفاقيات للتجارة الحرة مع ثلاث دول آسيوية رئيسية وهي اليابان، الصين وكرويا الجنوبية. نشير إلى أن زعيم المعارضة الفيدرالية عندما طمأن الأستراليين وقلل من أهمية تأثير خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروربي على استراليا قال: ان قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي سيكون له تأثير مباشر محدود في استراليا وعلى المدى القصير لان تجارتنا مع بريطانيا تساوي فقط 3% فقط من تجارتنا الخارجية ، ونظامنا المالي لا يعتمد على الجنه الأسترليني.
وهذا ما اكده ايضاً رئيس الوزراء مالكوم تبيرنبول حين قال : "من المهم أن نتذكر أن الاقتصاد الاسترالي قوي ومرن، ونجا من الصدمات العالمية قبل ونجا بشكل جيد"
قد يتساءل البعض ما هو وجوب هذا الكلام والمقارنة بين بريطانيا وأستراليا؟
الكل يعلم أن أستراليا ذاهبة إلى إنتخابات فيدرالية في 2 تموز القادم، تأتي هذه الإنتخابات بعد فترة من عدم الإستقرار السياسي في البلاد منذ العام 2010 عندما أطاح حزب العمال بزعيمه رئيس الوزراء أنذاك كيفين راد قبل أن يكمل فترة حكمه الأولى بعد أن كان حقق لحزبه فوزاً ساحقاً في انتخابات عام 2007 وعيّن مكانه أول امرأة لرئيسة الوزراء جوليا غيلارد ليعود الحزب وينقلب عليها قبل إنتخابات عام 2013 ليعيد تنصيب راد مجدداً الذي خسر الإنتخابات لصالح طوني أبوت زعيم حزب الأحرار رغم أنه لم يكن يحظى بشعبية كبيرة ولكن الناخبين كانوا قد ملّوا وسئموا من ممارسات حزب العمال الذي يخضع لتأثير اتحادات نقابات العمال التي تحتفظ بنفوذ سياسي فاعل داخل الحزب حيث يحمل البعض تلك النقابات المسؤولية عن المشاكل السياسية لحزب العمال . نصر أبوت لم يشفع له أيضاً لدى حزبه الذي اطاح به في أيلول 2015 قبل أن يكمل فترة حكمه الأولى على خلفية تراجع اسهمه في استطلاعات الرأي، وجاءت الإطاحة بأبوت من ضمن صفقة سياسية وقّعها رئيس الوزراء الحالي مالكوم تيرنبول مع الجناح المحافظ في الحزب تقضي بالحفاظ على سياسة الحكومة دون تعديل خصوصاً في قضايا التغييرات المناخية، وزواج المثليين وتعديل قوانين الزواج وقضايا طالبي اللجوء وتحويل أستراليا إلى جمهورية وغيرها… وبالفعل ارتفعت اسهم الحكومة في استطلاعات الرأي قبل ان تعود وتتراجع لتتساوى مع شعبية المعارضة على ابواب الانتخابات، والمعلوم أن تيرنبول من مؤيدي تعديل قوانين الزواج وكان الاسبوع الماضي قد اعلن ذلك صراحة عبر شاشة أي بي سي وحث الناخبين على التصويت بنعم في الاستفتاء غير الملزم المنوي اجراءه لاحقا حول هذا الموضوع وبكلفة(160 مليون دولار) وعندما كان زعيماً للمعارضة عام 2009 تفاوض مع كيفن راد من اجل وضع خطة للحد من انبعاث الكربون وفرض صريبة على الشركات حسب الية السوق في العرض والطلب، وكان تيرنبول ايضاً يتعاطف مع قضايا اللاجئين، وشغل سابقاً منصب رئيس حملة تحويل أستراليا إلى جهمورية والتي خسرت الإستفتاء عام 1999.
إذن، نحن أمام أزمة خيارات محدودة لا خيار من يخرج البلاد من دوامة الأزمة السياسية، فزعيم المعارضة بيل شورتن كان وراء الاطاحة باثنين من رؤساء الوزراء العماليين، ورئيس الوزراء مالكوم كان وراء الاطاحة برئيس وزراء أحراري، وكلاهما لا يملك قراره السياسي المستقل حيث تيرنبول مقيّد بالمحافظين داخل حزبه وكذلك شورتن مقيّد بإتحادات نقابات العمال المدين لها بإيصاله إلى زعامة الحزب رغم أنه فشل في الحصول على تأييد الأكثرية من القواعد الحزبية للوصول إلى الزعامة التي صوتت لصالح منافسه انطوني ألبنيزي ولكن بموجب القوانين الحزبية التي تعطي قيمة مضاعفة لأصوات البرلمانيين في المجلس السياسي للحزب (الكوكس) الذي يتحكم به البرلمانيون المقرّبون من إتحادات نقابات العمال والتي كان شورتن نفسه يترأس واحدة منها (إتحاد نقابات عمال أستراليا). 
قد يجادل البعض بأن الخيار الثالث يتمثّل في حزب الخضر وهذا صحيح، فعلى الرغم من إداء حزب الخضر والحزب الجديد للسيناتور نيك زينافون الذي حصل كل منهما على 14% من أصوات الناخبين في استطلاعات الرأي فأنهما قد يتحكمان بميزان القوى في البرلمان القادم في حال أفرزّت الإنتخابات برلمان معلق وهذا ما تشير إليه معظم إستطلاعات الرأي ولكن تفادياً لهذا السيناريو فقد قرر حزب الأحرار إعطاء أصواته التفضيلية لحزب العمال في المقاعد التي قد يسيطر عليها الخضر ورداً للجميل ومن أجل احتكار السلطة قرر حزب العمال إعطاء الأصوات التفضيلية لصالح حزب الأحرار في المقاعد التي قد يسيطر عليها حزب زينافون‼
في نفس الوقت يطرح الحزبين الكبيرين برامجهما الإنتخابية بشكل يحاكي غرائز قواعدهما الحزبية ويشنان حملات تخويفية لكسب أصوات الناخبين المتأرجحين، فحزب الأحرار يتّهم العمال بشن حملة كذب عن نية الحكومة بتخصيص القطاع الصحي العام (ميديكير) وحزب العمال يتّهم الحكومة ايضاً بتخفيض الضرائب للشركات الكبيرة ويتّهمها بإخفاء نواياها فيما يتعلق بقضايا ضريبة السلع والخدمات (جي اس تي) وتخفيض الانفاق على قطاع التعليم، الحكومة تشن حملة تخويف غير مسبوقة ضد حزب العمال على خلفية قضايا طالبي اللجؤ والمهاجرين (غير الشرعيين) متهمة العمال بأنهم يريدون تعريض الأمن القومي للخطر من خلال التفريط بحماية الحدود وإعادة فتح الابواب لتدفق لاجئيي القوارب لأن حزب العمال قرر منح قرابة 30 ألف طالب لجوء موجودون في أستراليا الإقامة الدائمة مع العلم بأن حزب العمال يتبنى نفس السياسة الحكومية في ما يتعلّق باللاجئين الذين أبعدتهم الحكومة إلى جزر مانوس وناورو وغينيا الجديدة، لا بل ان الحزب نفسه وقبل انتخابات عام 2013 كان فد بدأ العمل بهذه السياسة!
 وقس على ذلك، فالحزبين الكبيرين وبأسلوب احتكاري للديمقراطية يفرضون على الناخبين برامجهم متجاهلين قضايا على تماس مباشر مع حياة الناس اليومية  واكثر اهمية مثل تأمين شراء منزل وتراجع المستوى المعيشي وارتفاع نسبة الذين يعيشون الفقر الذي يقدّر عددهم 1.5 مليون استرالي اي بنسبة 14% من عدد السكان بينهم 600 ألف طفل (أي واحد من كل خمسة أطفال) وغيرها.
إذن خيارات الناخب الأسترالي محدودة ويدا كلا الزعيمين مكبّلتين بنفوذ أصحاب مراكز القوى الحزبية المتربصة بهما وتنصب الكمائن السياسية لهما، وهذا ما يزيد إلى الضغط الذي يؤدي إلى الإنفجار الإنتخابي بوجه الحزبين. لو كان الخيار بين الأبيض والأسود كما كان خيار الناخب البريطاني في الإستفتاء على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي والتي انفجرت بوجه الطبقة السياسية البريطانية والتي وان أتت على منصب رئيس الوزراء فإن تداعياتها السياسية الإقتصادية والإجتماعية التي قد تظهر مستقبلاً قد تكون أكبر.
أخيراً، فهل تكفي تطمينات كل من رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول وبيل شورتن للمواطنين من تداعيات الإستفتاء البريطاني؟ الجواب سيكون بما ستفرزه نتائج الإنتخابات مساء 2 تموز والتي وحسبما اعتقد ستحمل رسالة سياسية مدوية لأي حزب يفوز إذا لم تصدق استطلاعات الرأي التي تقول إن الإنتخابات ستفرز برلمان معلّق ودخول بعض المتطرفين كبولين هانسون  إلى مجلس الشيوخ الذي قد يعود الى التحكم بالقرارات الحكومية علماً ان حكومة تيرنبول كانت قد حلت البرلمان بمجلسيه (نواب وشيوخ) والذهاب الى انتخابات مبكرة للتخلص من هذا الوضع.

Email:abbasmorad@hotmail.com

خمم الديوك أوطاني من مالك لمروان/ نبيل عودة

عقد مجلس ديوك المعارضة اجتماعه الطارئ بصفته المجلس القومي السياسي المعارض وعلى بساط البحث موضوعا استراتيجيا واحدا "كيفية انجاز الانتصار في الانتخابات القادمة" ، مما يعني ان أي نقل لأبحاثه يعتبر أمرا محظورا ، يعرض المخالف للتنديد الشديد بصفته كاتب بلاط!!
بدأت الجلسة ببيان هام عن آخر المستجدات السياسية والاتصالات مع الخممة وديوكها المناضلة، للتنسيق من اجل وضع خطة غير مسبوقة تشكل نهجا يعيد الديوك إلى تبوء قيادة المدينة، حيث يسقطون من أسقطهم وأذلهم بهزيمة لم تخطر لهم بأكثر أحلامهم سوادا وسوء. جاء في تقرير الديك الكبير ان هناك تنامي في الضغوطات على خمنا للبدء بمفاوضات مع ديوك مختلفة لعلها تثمر باختيار ديك قادر على تشكيل تحد يعيد إلينا تحكمنا بالمدينة ومجلسها البلدي.
بعد الديك الكبير تكلم الديك رئيس جهاز تخطيط المعارضة في بلدية المدينة، مستعرضا الوضع الأمني ومحذرا ان بعض الديوك الهجينة تنمو لها مناقير أشد فتكا مما عرفناه في السابق ، مما يشكل تهديدا على خمنا يجب ان نستعد له ونستنكره ونجند ديوك ثورية من رفاقنا لمواجهة مناقيرهم، وان نطالب خمم رفاقنا بإرسال ديوكها لدعم مشروعنا الاستراتيجي لاستعادة كرسي الرئاسة حتى يعود حميدان للميدان .
تحدث الديك القائد عن الوضع الذي آلت إليه الحالة من تهديد لمستقبل تحالفاتهم، ومن استهتار بحق التميز والسيطرة التي كانت من نصيبهم خلال أربعة عقود سابقة ، قبل ان يهزموا شر هزيمة هي بالتأكيد نكسة مؤقتة، مثل نكسة العرب في حرب رمضان والغفران، لكن نكسة العرب مستمرة منذ خمسة عقود والويل لنا إذا استمرت خسارتنا حتى يتخلص العرب من نكستهم.
قال الديك المسئول عن الثقافة والإعلام ان الهدف المركزي في إعلامهم هو إخضاع نشاطهم الدعائي حول أهمية استعادة الديوك زعامتهم ومكانتهم السياسية في المدينة، فينفون من نفاهم، لأنه حسب ديالكتيك ماركس وقانون نفي النفي الماركسي الذي يعتبر قانونهم السياسي، لا بد ان يعمل القانون لصالحهم لأنهم أصحابه وأهل عشيرته، فينفي من نفاهم من قيادة المدينة.
الديك البلدي، طبيب صيانة أسنانهم الحادة، أصر انه أفضل من يقف على رأس قائمة الخم في معركته الانتخابية القادمة ، أولا لأنه طويل القامة، يرى أبعد مما يراه الآخرون، ثم هو خفيف الشعر بسبب كثافة العقل الذي لم يبق مكانة لشعر الرأس، وسيثبت انه ليس مجرد قرقعة على رأس عامود، كما تفلسف عليه كاتب البلاط.
مُنظر الخم وفيلسوفه حذر من أوهام طبيب صيانة أسنانهم الحادة، لأن أفواههم باتت حالية من الأضراس ، وهذا سر أمني خطير يجب ان لا يكشف عنه للجمهور. لأن اللكمة التي تلقوها حطمت أضراسهم ولم تعد تنفع أي صيانة لما تبقي لهم من أنياب، ويعملون على تنفيذ حملة مالية لزراعة أضراس اصطناعية.. لعل المال يأتي من مصدر عربي لا يستطيعون التصريح به، حتى لا يجري استدعائهم للتحقيقات البوليسية!!
تقرير ديك مجرب سابق أشار إلى ان الخم اليوم يكاد يخلو من الديوك وهو يمتلئ بالدجاجات، وهناك خوف ان تذبح وتسلخ وتصبح وجبة على موائد أهل البلد، وان هذا يشكل تهديدا أمنيا بنفاذ فائض إنتاج الخم من البيض والفراخ، مما قد يضطر الديوك ان تصبح بياضة لتعويض النقص الكبير في إنتاج خمها المناضل من البيض والفراخ. الأمر الذي يهدد بأزمة ديوك أيضا هم بأمس الحاجة لها لنجاح خطط العودة إلى واجهة البلد.
ديك فيلسوف اقترح ان ينشط زعماء الخم القطري بإقناع ديوك من خارج خمهم بالانتقال والسكن في خمهم ، أولا لتوفير ديوك لم يقعدها الزمان عن نشاطها بإكثار الدجاج والبيض، لأن الخوف ليس مجرد إحساس ، لكنه عامل ملموس حيث باتت ديوكهم منفرة لدجاجاتها، ولا بد من ديوك جديدة تقوم بمهمة مواصلة التناسل والتكاثر حتى لا نأتي ليوم التصويت ولا نجد حولنا إلا دجاجات تتلصلص عيونها وراء ديوك معادية رغبة في معاشرتها. هذا الأمر قد يقود بعض رفاق الخم لتنفيذ جرائم لصيانة شرف العائلة الخمية ، فتنقص الدجاجات أيضا وتحدث أزمة قومية بنقصان البيض والفراخ ويتأخر الانتصار لدورة قادمة جديدة وسيكون لذلك وقع الكارثة القومية على الخم والخمم الصديقة في أرجاء الوطن.
أكد كل ديوك مجلس قيادة ثورة في كلماتهم أهمية العودة لقيادة البلد مؤكدين ان خمهم ينشد المصالحة والتفاهم ، ولا يريد الاشتباك بالمناقير مع المنافسين الذين أنزلوهم من عرشهم.. وسرا تبادلوا موقفا يقول انه يجب عليهم ان يعدوا مناقيرهم لكل طارئ..
وكلف مسئول الثقافة والإعلام بإصدار بيان سياسي عن اجتماع الديوك، واعتماد النشيد الحزبي الجديد الذي جاء في مطلعه:
خمم الديوك أوطاني من مالك لمروان!!
nabiloudeh@gmail.com

خنساوات فلسطين سلام الله عليكن/ د. مصطفى يوسف اللداوي

ليست تماضر بنت عمرو بن الشريد هي خنساء العرب والمسلمين الوحيدة، وإن كانت هي التي ذهبت بالسبق والاسم، وعرفت بين العرب بشعرها وحزنها الجاهلي القديم على أخيها صخر ثم معاوية، التي قالت فيه أنها لن تنساه حتى تفارق مهجتها ويشق رمسها، ثم احتسابها الإسلامي العظيم بعد ذلك وصبرها على فقد أولادها الأربعة، فقد عضت على جرحها، وصبرت على ألمها، وكفكفت دموعها، وما انحنت قامتها، ولا طأطأت رأسها، ولا خفت صوتها، ولا لانت في حديثها، ولا خضعت في كلامها، بل بقيت رغم الوجع والألم طوداً شامخاً على الأرض تقف، وفي جوفها تنغرس، وفوق سمائها تعلو، عالية الجبين، وضاءة الوجه، تحتسب أبناءها شهداء عند الله عز وجل وتفتخر، وتمني نفسها بلقائهم في جنان الخلد وتصطبر.
على درب تماضر العربية سارت الكثير من نساء فلسطين وأمهاتها، فَكُنَّ كالخنساء الأولى صبراً واحتساباً، وقوةً وثباتاً، وصلابةً وإيماناً، ومنهن من بزتها ونافستها تضحيةً وعطاءً، وسبقتها فداءً واستشهاداً، فكان حقاً علينا أن نحفظهن ونذكرهن، ونكتب عنهن وعن سيرتهن، ونبقي على أسمائهن بيننا في الحياة الدنيا، وندعو الله أن يخلدهن في جنانه، وأن يسكنهن الفردوس الأعلى في عليائه، وأن يجمعهن مع أولادهن وفلذات أكبادهن، الذين سبقوهن وكانوا ثمرة حياتهن ومهجة قلوبهن، ولكنهن آثرن ما عند الله على ما في الحياة الدنيا، وأحببن الوطن أكثر من الولد، وضحين بالدم حفاظاً على الأرض والقدس والأقصى والمسرى.
عرفنا أم نضال فرحات وسمعنا عنها الكثير، وهي التي هيأت أولادها الواحد تلو الآخر، وزينتهم وعطرتهم بالعطر والطيب ليلقوا الله وهم في أجمل وأطيب رائحة، وقد أعدت لكلٍ منهم سلاحه، وجهزت لهم بنادقهم وذخائرهم، وزنرتهم بالمتفجرات لينالوا من العدو ببنادقهم وقذائفهم إذا بَعُدَ عنهم، ويثخنون فيه إذا اقترب منهم، ثم ودعتهم وهي على يقين بلقائهم، والاجتماع معهم من جديد، ولعل أحداً لم ينقل لها خبر استشهادهم، إذ كانت معهم وتتابعهم، وتتصل بهم وتحرضهم، وتدفعهم وتشجعهم، الأمر الذي أعيا العدو وأربكه، وجعله يحتار في مواجهة أمةٍ فيها مثل هذه الأم.
وعلى إثرها مضت فاطمة الجزار المعروفة بأم رضوان الشيخ خليل، التي اقتفت آثارها وتعلمت منها وعلمتها، وعرفت معها معنى الصبر وفضل الاحتساب، وهي التي قدمت خمسة من أبنائها شهداءً، فما بكت لها عين ولا طرفت، ولا سكبت مآقيها الدمع ولا حزنت، وبقيت على أقدامها تقف، وبعقلها تعي، وبقلبها الذي ينبض إيماناً ويقيناً بالنصر الآت تؤمن، لم يتزعزع إيمانها، ولم يضطرب قلبها، ولم يتسرب الشك إلى نفسها أبداً، أن أبناءها شهداءٌ أحياءٌ عند ربهم يرزقون.
آن أوان رحيل الحاجة أم رضوان فرحلت، وتركت هذه الدنيا لمن أحبها، وآثرت عليها جنةً عرضها السموات والأرض، ومقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، بصحبة خير الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء والصديقين والشهداء، وربما كان حنينها إلى أولادها أكبر، وشوقها إلى لقائهم أعظم، وقد نالت من ربها بصبرها على شهادتهم الدرجات العلى والمكانة العالية الرفيعة، فارتحلت إليهم وقد عادت من مصر جثماناً إلى بيتها في مخيم يبنا بمدينة رفح، وهي تودع عامها الخامس والسبعين، وهي أعظم ما تكون يقيناً وإن أوهى المرض جسدها، وأكثر ما تكون أملاً وإن ذهب الألم ببريق عينيها.
أم رضوان الشيخ خليل ليست ككل الأمهات، ولا تشبهها خنساءٌ أبداً، فهي لم تقدم خمساً من أولادها شهداءً فقط، بل تبعهم ثلاثة من أحفادها وقد كانوا لديها بمعزة الولد، وكانت ترى فيهم أولادها، وتتطلع إلى وصل النسب فيهم، وامتداد النسل بسببهم، وحفظ الاسم بهم، ولم تتوقف قافلة الشهداء عند الولد والحفيد وقد بلغوا ثمانية، بل واصلت قافلة الشهداء والمقاومة مسيرتها ليلحق بها شقيقها ثم صهرها لابنتها، وبقيت أمامهم كالطود الشامخ عزةً وكبرياءً، وودعتهم بشمم، وتلقت العزاء بهم بفخرٍ وإباء، والكل من حولها يقف مذهولاً أمامها، ومشدوهاً لصبرها، وعاجزاً عن وصف يقينها وبيان احتسابها، وهي التي احتضنت المقاومين وآوتهم، وفتحت بيتها للمقاومة فهدم، بعد أن جعلت منه حصناً لهم وملاذاً، فيه أمنوا وأكلوا، وناموا وشربوا، ومنه خرجوا ليثأروا وينتقموا.
جمعت أم الشهداء أم رضوان خليل في جنازتها شتات الفلسطينيين السياسي، وإن كانت قيادة حركة الجهاد الإسلامي تتقدمهم، وكوادرها تسبقهم، فقد حمل نعشها وتشرف بوضعه على كتفه، رجالٌ من حماس ومقاتلون من كتائب القسام، وسار في موكب جنازتها الطاهر رجالات فتح ومسؤولوها، ومعهم كوادر الجبهتين الشعبية والديمقراطية وأعضاء الكتائب واللجان العسكرية المقاتلة، تسبقهم سرايا القدس برجالها ومقاتليها، وراياتها وأعلامها، وسلاحها وشعاراتها، وآلافٌ غيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني ممن يرون في أم خليل مثالاً للأم الفلسطينية الصابرة، والمرأة المقاومة، التي تمنح غيرها رفعةً وعزةً وكرامةً وشرفاً.
لَكُنَّ الله يا خنساوات فلسطين، يا من منكن نتعلم وبِكُنَّ نقتدي ونهتدي، فأنتن من قلن للعدو صبراً إننا قادمون، وأننا عليه سننتصر طال الزمن أو قصر، وسنطرده من أرضنا وسنعود جميعاً إلى بلادنا، وقد ساء وجهه ورَغِمَ أنفه، منكن أيتها الصابرات الماجدات الواثقات نتعلم، ومن يقينكن نستلهم النصر القادم، ونستبشر بالوعد الآتي.
يا مناراتٍ في حياتنا، وعلاماتٍ في تاريخنا، وصفحاتٍ ناصعةٍ في جهادنا، أنتن من علمننا أننا شعبٌ لا ينكسر، وأمةً لا تنهزم، وأجيالٌ لا تعرف اليأس ولا القنوط، وقد كنتن مثال الأم الفلسطينية التي تصنع الرجال وتتقدم الصفوف، وتحمل البندقية وتتكئ عليها، إذا ناء بها حملها وثقل عليها الألم لئلا تنكسر.
سلام الله عليك أم خليل رضوان، سلام الله عليك في الخالدين يا خنساء الأمة ويا سيدة نساء العصر، وهنيئاً لك ما وجدت عند ربك حقاً، وما أكرمك به أجراً، وما تفضل به عليك زيادة، وهنيئاً لك الصحبة الطيبة، والجمع الكريم مع الخنساء الأولى تماضر، ومع أم نضال فرحات، ومن قبل مع أولادك شرف وأشرف ومحمود ومحمد وأحمد، قادة في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وشقيقك وصهرك وكل الشهداء الكرام.

مشكلة سبراتلي.. المواقف الأمريكية والروسية/ د. عبدالله المدني

بعث لي احد القراء الأفاضل رسالة على بريدي الإلكتروني يستفسر فيها عن الأزمة الراهنة في بحر الصيني الجنوبي ومواقف كل من واشنطون وموسكو تجاهها. وقد فضلت أن أرد عليه من خلال هذا المقال، تعميما للفائدة.
"سبراتلي" هي مجموعة من الجزر الصغيرة في بحر الصين الجنوبي، لكل منها إسم مثل جزر "نانشا"، و"شيشا"، ودونغشا"، و"هوانغيان". هذه الجزر تدّعي الصين ومجموعة من الدول الآسيوية، مثل الفلبين وماليزيا وفيتنام وتايوان وبروناي، حق السيادة على كلها أو بعضها، نظرا لموقعها الإستراتيجي (ثلث الشحنات البحرية العالمية تعبر ممراتها)، وما يـُقال عن إحتواء باطنها على ثروات هائلة من النفط والغاز.
وحتى عام 1988 لم تكن الصين تولي إهتماما كبيرا بهذه الجزر، التي كانت مسرحا لموقعتين حربيتين في عامي 1974 و1988 ما بين القوات البحرية الصينية والفيتنامية، وإنْ كانت تمارس السيادة الإسمية عليها. لكنها بعد ذلك، وإنطلاقا من خططها لمد نفوذها نحو الجنوب، أرسلت بكين قواتها لإحتلال الجزر والتمركز فيها. وفي محاولة ذكية منها لضمان عدم تدخل  الأمريكيين في النزاع بحكم ارتباطهم باتفاقيات أمنية ودفاعية مع بعض الدول المعنية بالنزاع، ولاسيما تايوان والفلبين، منحتْ بكين بعض الشركات الامريكية حق التنقيب عن النفط والغاز في تلك الجزر. ولهذا السبب صمتت واشنطون طويلا عن الموضوع، بل أعلنت رسميا إلتزامها الحياد، وسط غضب حليفاتها الآسيويات اللواتي طالبن تارة بالتحكيم الدولي، وتارة أخرى بعقد حوار شامل في المنطقة، تشارك فيه كل الدول المعنية بالمشكلة إضافة إلى اليابان والولايات المتحدة، لمناقشة قضايا الحدود والمياه والأمن، والإستغلال المشترك لثروات بحر الصين الجنوبي.
في عام 2002 جرى التوقيع على مذكرة بين الأطراف المعنية بالنزاع، تحظر على أي طرف القيام بأية إجراءات أحادية استفزازية، وخصوصا إقامة المنشآت العسكرية فوق الجزر أو إستحداث ما يغير طبيعتها. لكن الصينيين لم يلتزموا بنصوص المذكرة وراحوا يتحايلون عليها عبر التذكير بأن الصين هي أقدم دول المنطقة، وأنها هي التي اكتشفت تلك الجزر منذ أكثر من ألف عام، ناهيك عن أنها توجد في نطاق بحر يحمل إسم الصين. كما أنهم اتهموا الفلبين ودولا اخرى بجر المنطقة إلى مشاكل لم تكن موجودة قبلا من خلال استيلائها بالقوة على نحو 40 بالمائة من الجزر والشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي، بُعيد سماعها باحتمال وجود ثروات نفطية فيها. وقد دعم الصينيون وجهة نظرهم هذه بالزعم ان القوانين البحرية الدولية الحديثة، من تلك التي وقعوا عليها، غير صالحة للتطبيق في حالات تداخل الحقوق والمصالح، بل وتخلق مشاكل وتعقيدات إضافية، خصوصا حينما يسعى طرف دون الأطراف مجتمعة باللجوء إلى طلب التحكيم الدولي.  ولم ينس الصينيون في هذا السياق الإشارة إلى أن كل المعاهدات والوثائق التاريخية الخاصة بتحديد أراضي جمهورية الفلبين مثل: معاهدة واشنطون الأسبانية الأمريكية لعام 1900 والدستور الفلبيني الصادر قبل عام 1997 لم يحتو على ما يشير إلى أن أي جزيرة من جزر بحر الصين الجنوبي تدخل في نطاق الأراضي الفلبينية.
في عهد إدارة أوباما الحالية، التي أعلنت على لسان وزيرة خارجيتها السابقة هيلاري كلينتون، أن واشنطون تعتمد سياسة "الإستدارة"، بمعنى تحويل إهتمامها من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، إستبدلت الولايات المتحدة موقفها المحايد السابق من الأزمة، بموقف الإنحياز إلى جانب حليفاتها الآسيويات، وقامت بتزويد الأخيرة بأحدث أدوات القتال، وشرعت أيضا في إستمالة عدوتها الفيتنامية القديمة، وذلك في محاولة منها لمحاصرة النفوذ الصيني المتمدد. فتسببت بذلك في استفحال الأزمةأكثر من أي وقت مضى.
أما روسيا، التي وضعت منطقة آسيا/الباسيفيكي في المرتبة الرابعة لجهة أولويات سياساتها الخارجية، ولا توجد لها خلفية تاريخية مشتركة معها، فإنها أعربت مرارا عن إلتزامها الصارم بالحياد في أزمة بحر الصين الجنوبي، كما ناشدت جميع أطراف الأزمة على حل خلافاتها بالطرق الدبلوماسية. وموقف روسيا هذا دافعه هو الخوف من إنفلات الأمور ووقوع نزاع عسكري في المنطقة يجرها جرا إلى ما لا تريد الإنخراط فيه في ظل مشاكلها الحالية.
غير أن هناك عوامل أملت على موسكو مؤخرا أن تميل نحو بكين فيما يتعلق بهذا النزاع، على الرغم من أن هذا التغيير أحدث قلقا لدى هانوي التي هي إحدى الدول المطالبة بحق السيادة على الجزر، وفي الوقت نفسه إحدى أهم الحليفات الاستراتيجيات لموسكو في آسيا. ففي ابريل 2016 قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن بلاده لا تدعم تدويل النزاع في بحر الصين الذي تطالب به الدول الآسيوية، فما كان من بكين إلا و أن رحبت بهذا الموقف الذي أزعج الفيتناميين كثيرا.
وهناك اعتقاد أن هذا الموقف الروسي المتعجل ما هو إلا إنعكاس للإضطراب والخلل والتنافس السائد في العلاقات الروسية ـ الأمريكية، إضافة إلى أن نتائجه كانت عكسية! بمعنى أنه أظهر روسيا أمام الرأي العام الدولي في صورة الدولة المأزومة التي لم تجد حلا لأزماتها والعقوبات المفروضة عليها إلا بالإرتماء الكامل في أحضان الصينيين ودعم مواقفهم على حساب فيتنام التي هي أكبر مشتر في جنوب شرق آسيا للأسلحة الروسية بمختلف انواعها، وأكبر عميل لهم في مجال بناء محطات الطاقة النووية.
د. عبدالله المدني
* أستاذ في العلاقات الدولية متخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: يونيو 2016 
البريد الالكتروني: Elmadani@batelco.com.bh


بزوغ مدرستي البصرة والكوفة النحويتين نشأة النحو العربي ( الحلقة الثانية)/ كريم مرزة الأسدي

أقرَّ العلماء تسمية قواعد اللغة العربية باسم (النحو) استباقاً لكلمة الإمام (ع) ، وقامت النهضة النحوية بالبصرة قبل الكوفة حيث كان في أهلها ميل بالطبيعة إلى الاستفادة من هذا الفن اتقاءً لوباء اللحن الزاري بصاحبه (38) ، هذا الوباء الذي تفشى بالبصرة لكونها مرفأ بحرياًعلى استعداد  لاستقبال أجناس متعددة من الأجانب  ، ولكن سكن إلى جوارهم عرب أقحاح اهتموا باللغة العربية كردّ فعل لهذا اللحن حفاظاً عليها من الضياع والاندثار ، وساعدهم على ذلك الاستقرار السياسي  .
 أمّا الكوفة فهي ثغر من ثغور البادية العربية تفد إليها القوافل العربية ،  فانشغلت برواية الشعر العربي  وأخبار العرب إرضاءً للأرستقراطية البدوية التي ظلـّت  مسيطرة على الحياة الاجتماعية فيها (39) ،  ولم تكن الكوفة تتصور أنها في يوم ستحتاج إلى قواعد لضبط لسانها ، وخفف حماسها أيضاً انشغالها بالاضطرابات السياسية والصراعات الدموية ،  فضربت بهذا (النحو) بداية عرض الحائط ، وتركت البصرة توأمها تسعى إليه وتنهض به ،  فقام أبو الأسود الدؤلي بمهامه على أكمل وجه ،  وهذا صحيح نسبياً , فيعتبر هو الرائد الأول بلا منازع الذي سار على هدي الإمام (ع) ورشده ، ولكن نحن لم نعد أبا الأسود الدؤلي والإمام (ع) طبقتين مستقلتين ، وشرعنا بالطبقة الأولى من تلاميذ الرائد الدؤلي الثاني . فاستلم زمام الأمر بعده رجال :

الطبقة الأولى من المدرسة البصرية ، وأهمهم :

1 - عنبسة بن معدان المهري (الفيل) (ت 100 هـ / 718م) ، وهو من أبرع أصحاب أبي الأسود ، وإن ميموناً الأقرن أخذ عنه بعد أبي الأسود ،  فرأس الناس بعد عنبسة وزاد في الشرح  ، ثم توفي  وليس من أصحابه مثل الحضرمي الآتي ذكره (40)  .
2 -  نصر بن عاصم الليثي ( ت 89 هـ / 707م) ،  قال الزهري : إنـّه ليفلق بالعربية تفليقاً  ،وينعته القفطي بأنبل القوم ،  و كان فقيهاً عالماً بالعربية فصيحاً (41) .
3 - عبد الرحمن بن هرمز ( ت 117 هـ / 735 م) ،  هو أبو داود الأعرج ،  مولى لبني هاشم ، مات مرابطاً بالأسكندرية ، كان أحد القرّاء عالماً بالعربية ، وأعلم الناس بأنساب العرب  (42) .
    4 - يحيى بن يعمر  العدواني ( ت 129 هـ / 747م) , يكنى أبا سليمان، كان عالماً بالعربية والحديث  من فصحاء العرب ، أصبح قاضي مرو ،  لحن الحجاج في القرآن الكريم  عندما  ألحّ عليه سائلاً ،  أتجدني ألحن؟ فقال : الأمير أوضح من ذلك ، فقال : عزمت عليك لتخبرني أألحن؟ قال يحيى: نعم ، فقال له : في أي شيء؟ فقال : في كتاب الله ، فقال: ذلك أشنع ،  ففي أي شيء من كتاب الله؟ قال قرأت  " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم " (43) فرفعت أحب وهو منصوب ، العدواني أراد (أحب ) خبر كان , فغضب عليه الحجاج ،  وقال له : لا تساكنني ببلد أنا فيه , ونفاه إى خرسان فمات فيها.  
لم يدرك أحد من هؤلاء الدولة العباسية التي انبثقت  (132 هـ / 750 م) ، وكان جل اعتمادهم على ما حققوه في صدورهم ورواياتهم بلسانهم ، فلم تنبت بينهم فكرة القياس، ولم يدركوا عصر الترجمة ،  ولا الفلسفة اليونانية ولا المنطق الهندي وما إليهما  ،  ولم تقوَ حركة التصنيف لديهم ،  نعم قد عاصرهم خامسهم وهو :
5 -عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت 117 هـ /735 م)  ،  وهو أبو بحر، كان ملماً بالعربية والقراءة ، إماماً فيهما ، وكان شديد التجريد للقياس  ،  ويقال : إنه أول من علل النحو ،  وقد  نقل في حقـّه أبو الطيب اللغوي بأنـّه " أعلم أهل البصرة وأعقلهم ففرع النحو وقاسه " (44) ، والحقيقة  أنه مولى لآل الحضرمي   ، وآل الحضرمي من موالي بني عبد شمس بن عبد مناف ،   ومن المضحك لمّا هجاه الفرزدق قائلاً :
فلو كان عبد الله مولى هجوتهُ
ولكنَّ عبد الله مـــــولى مواليا
وكان عبد الله هذا كثيراً ما يرمي الفرزدق باللحن , فقال للفرزدق على هذا البيت  : لقد لحنت أيضاً في قولك (مولى مواليَ ) ، كان ينبغي أن تقول ( مولى موال ٍ) ، وهذا تحرش من الحضرمي بالفرزدق ، إذ سيبويه استشهد بهذا البيت على أن بعض العرب يقولون ( مررت بجواري) بالفتح ،  كما جاء في بيت الفرزدق ، والألف في بيته للإطلاق ،  وهذا لا يُخفى , بل يزيد أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس ( ت 338 هـ / 949 م) ،  وهو محسوب على البصريين : " أراد موالٍ ٍ فحرك الياء وفتحها لأنها مفاعل  ومفاعل لا ينصرف كما لا ينصرف مساجد " (45)  ، أطلنا المقام مع هذا المولى الحضرمي ،  لأنه كان حلقة الوصل بين الطبقتين الأولى والثانية البصريتين ، إذ سلـّم الراية إلى تلميذه الأول من الطبقة الثانية البصرية في النحو ،  وأهم رجالها :

 1 - عيسى بن عمر الثقفي ( ت 149هـ / 766 م) ،  كنيته أبو سليمان ،  كان ثقة عالماً بالعربية والنحو والقراءة ،  وقراءته مشهورة  (46) ،   وهذا الرجل الثقفي هو صاحب الكتابين في النحو ( الجامع) و (الإكمال) ،  وفيهما يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي :
ذهــب النحو جميعــــــاً كلـّهُ
 غير ما أحدث عيسى بن عمرْ
ذاك (إكمالٌ) وهـــذا (جـــامعٌ)
فهما للنــــــاس شمسٌ وقمرْ (47)

2 - أبو عمرو بن العلاء ( ت 154 هـ /771 م ) ،  واسمه زبان - على الأغلب -  بن العلاء بن عمار المازني التميمي  ، أخذ أيضاً عن أبي أسحاق الحضرمي كالثقفي  ،  و لكنه كان أوسع علماً بكلام العرب ولغاتها وغريبها من أستاذه ،  فابن العلاء هو العالم المشهور في علم القراءة واللغة والعربية ،   أحد القرّاء السبعة ، وصاحب التصانيف الكثيرة   مدحه الفرزدق  ، وكلاهما ينسب إلى تميم ، ويعده ابن خلكان في (وفياته ) :
 " وهو في النحو في الطبقة الرابعة من علي بن أبي طالب " ،  وهذا صحيح نسبياً ،  ولكن نحن لم نعد أبا الأسود الدؤلي والإمام  طبقتين مستقلتين ، وشرعنا بالطبقة الأولى من تلاميذ الرائد الدؤلي المستنير بهدي الإمام ورشده ، ويكفي أبو العلاء فخراً أنه أستاذ الخليل بن أحمد الفراهيدي  ،  ويونس بن حبيب البصري وهما رجلا الطبقة الثالثة البصرية ،  وأخذ عنه أبو محمد بن علي المبارك اليزيدي البصري من رجالات الطبقة الرابعة (48) .
3 - الأخفش الأكبر ،  أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد  ( ت 177 هـ / 793م) (49) : ولد بهجر في البحرين (التسمية السابقة )  ،  وكان مولى قيس بن ثعلبة ،  انتقل إلى البصرة وسكن فيها ، وأخذ عن سابقه أبي عمرو  ،  ينعته (الذهبي ) شيخ العربية  ، ويذكر تخرج به سيبويه ،وحمل عنه النحو واللغة ، و لولا سيبويه الذي لم يغفل أساتذته لما اشتهر، فكثيرا ما يذكره في (الكتاب) راوياً عنه  بقوله : حدثني أبا الخطاب ،  وأخذ عنه عيسى بن عمر النحوي، وأبو عبيدة معمر بن المثنى ،  وغيرهما , وكان أول من كتب  تفسير الأشعار بين السطور ،  وانفرد بنقل الألفاظ اللغوية، فهو من أئمتها ،  ولكن ضاعت مؤلفاته فمن الصعوبة أن نفقهَ آراءه اللغوية .
وقد تشدّد ابن أبي أسحاق الحضرمي ، وتلميذه عيسى بن عمر الثقفي في نقطتين أساسيتين وهما :
 1 - القياس : وهو مصدر قايس بين الشيئين أي قدر ،  وهوالمصطلح العلمي : تقدير الفرح بحكم الأصل ،  ولابدّ له من أربعة أركان : أصل وفرع  وعلة وحكم ،  وبعد استخدام  القياس عُدَّ من الأسس المنهجية في النحو والفقه كما سنورد .
2 - السماع  : وهو الرواية ، وذلك  أن يكون الراوي سمع نفسه ما يرويه عن غيره  ،  والسماع من اللغة هو الأخذ المباشر للمادة اللغوية عن الناطقين بها ،  وهذه المباشرة هي التي تفرق عن السماع والرواية ،  وبناءً على هذا  الواية عامة ،  والسماع خاص لا يصدق إلا على المشافهة .
مدرستان للنحو العربي : البصرية والكوفية - بعد بزوغ شمس المدرسة النحوية الكوفية :

وقد بقيت مدرسة البصرة على نهجها  المتشدد في (النحو)  ، على حين مدرسة الكوفة لم يبزغ فيها هذا العلم إلى حدّ الآن بشكل منهجي  ،  وإنـّما اتجهت إلى (الفقه) حيث برزت مدرسة ( الرأي والقياس ) عندما افتقدت الدليل من القرآن والسنة القطعية ،  إذ لم تعتمد على أحاديث الآحاد ، وتشبثت بـ (قاعدة الملازمة)  في علم الأصول التي تقول  : " كل ما يحكم به العقل يحكم به الشرع ،  وكل ما يحكم به الشرع يحكم به العقل " (50) ،   ويعتبر إبراهيم النخعي رأس مدرسة الرأي والأجتهادية في العراق ،  وهو شيخ حماد بن أبي سليمان ( ت  120 هـ / 738 م )(51) ، وحماد شيخ أبي حنيفة (ت 150 هـ / 767 م ) الذي أخذ أكثر علمه عنه (52) , وتزعم الأخير  مدرسة الكوفة الفقهية برأيها وقياسها ،  وقابلت هذه المدرسة مدرسة الحديث في الحجاز  (المدينة  المنورة ) لكثرة الصحابة والتابعين فيها حينذاك ، وشرعت بعامر الشعبي الذي اختلف مع النخعي في توجهه ،  وتوّجت مدرسة الحديث بمالك بن أنس (ت 179 هـ / 795م) .
وبعد أن تفرغت  مدرسة الكوفة  لـ(الفقه)، وضمت  منزلته الرفيعة لها ، وانتهت الصراعات السياسية التي لبست لباس الدين فيها، واستقرت الأمور ،  وهاجر الأعاجم الأجانب إليها ،  فزداد اللحن على لسانها ،  فتنبهت أنها تخلفت عن لغتها ونحوها ،  وكان لهما دور عظيم في الأدارة وبلاط  الخلافة وشرف السيادة ،  ولمّا تميّز أبو عمرو بن العلاء صاحب التصانيف الكثيرة ،وتلميذه يونس بن حبيب (من الطبقة الثالثة البصرية) , وكانا متساهلين في القياس , ومعظمين لما يرد عن العرب ،  فتأثرت بهما  مدرسة الكوفة تأثراً ملحوظاً ،  لأن هذا هو توجه اللغويين والنحويين  الكوفيين ،  فسار بهذا التساهل إلى مدرسة  الكوفة أبو جعفر بن الحسن الرؤاسي الكوفي ليبذر بذور اللغة والنحو فيها ،  فتلاقف  رعايتها  رجال الطبقة الأولى من الكوفيين الّذين انشقوا عن رجال الطبقة الثالثة البصرية ،   لتصبح المدرسة  مدرستين متوازيتين متصارعتين علمياً إلى حين ،  وأنا لا أميل إلى الأجتهاد المنفتح في النحو واللغة ،  لأنهما يضيعان في معمته ،  وإنما للقياس المنفتح بتعقل ودراسة وروية ،  أما الأجتهاد في الفقه فهو بالأساس مقيد بالقران والسنة والإجماع، وللفقه رجاله المتخصصون العقائديون .

المدرستان النحويتان البصرية والكوفية حسب تقابل طبقتيهما :
   
أ - الطبقة الثالثة البصرية  : تتميز هذه المرحلة البصرية ببداية النضوج ،  فبعد النشأة المبكرة للظواهر الإعرابية ، والتركيبية للجملة ،  توجه الالتفات إلى العوامل النحوية وعللها ، والاستفادة من الاعتماد على القياس الذي سبقهم الفقهاء إليه ،  والانتباه إلى التراث الشعري الجاهلي وأهميته في رفد اللغة والنحو، والاستشهاد به في المفاصل المهمة  , ويتجلى رمزان بصريان شامخان من هذه الطبقة , وهما :  
1 - الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي أبو عبد الرحمن ( 174 هـ / 790 م ) : نسبه البعيد  يعود إلى فراهيد بن شبابة بن مالك بن فهم بن غنم من قبيلة أزد القحطانية ،  وهذا الـ (مالك) حكم الأنبار ،  وصيّرها  عاصمة له ،  وملك الحيرة ،  ولكن (خليلنا ) من أزد (عُمان) , فولد فيها سنة (100 هـ /718 م) ،  سيد أهل الأدب قاطبة في علمه وزهده وعبادته ونبل أخلاقه وسماحة روحه ، وكثرت الروايات التي تؤكد هذه الخصال ، فحكى عنه تلميذه النضر بن شميل، أنه أقام في خص من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال. كما كان سليمان بن حبيب بن أبى صفرة والي فارس والأهواز يدفع له راتباً بسيطاً يعينه به ، فبعث إليه سليمان يوما يدعوه إليه، فرفض وقدم للرسول خبزاً يابساً مما عنده قائلاً : ما دمت أجده فلا حاجة بي إلى سليمان، فقال الرسول : فما أبلغه عنك؟ فقال من قصيدة:
أَبلِغ سُلَيمانَ أَنّي عَنهُ في سَعَةٍ
     وَفي غِنىً غَيرَ أَنّي لَستُ ذا مالِ
سَخّى بِنَفسي أَنّــي لا أَرى أَحَــداً
     يَموتُ هَزلاً وَلا يَبقى عَلى حــالِ
الرِزقُ عَن قَدَرٍلاالضَعفُ يَنقُصُهُ
     وَلا يَزيدُكَ فيـــهِ حَولُ مُحتــــالِ
وَالفَقرُفي النَفسِ لا في المالِ نَعرِفُهُ
وَمِثلُ ذاكَ الغِنى في النَفسِ لا المالِ

كان فراهيدنا من تلامذة عيسى بن عمر ،  وأبي عمرو بن العلاء ،  وأخذ عنه سيبويه والنضر بن شميل والكسائي والأصمعي ، وهو أول من استخرج علم العروض ، وضبط اللغة ،  وأملى كتاب (العين) (53) , وهو أول معجم في اللغة العربية  , وله كتب أخرى مثل (العروض ) و (الشواهد) و (النغم) و (الإيقاع) ،  وهو من معاصري الرؤاسي ومعاذ الهراء الكوفيين ( ستأتي الترجمة للجميع تباعاً) ،  وتتلمذ على يديه سيبويه البصري ،  بل كان من أحب الناس إليه ،  قال ابن النطاح : "  كنت عند الخليل ابن أحمد , فأقبل سيبويه ،  فقاــل الخليل : مرحباً بزائر ٍلا يُملُّ ، قال أبو عمرو المخزومي - وكان كثير المجالسة للخليل - : ما سمعت الخليل يقولها إلا لسيبويه " (54)، وكان سيبويه إضافة إلى علمه :" شاباً جميلاً نظيفاً " (55) ،  ويعتبر إمام البصريين ،وطبقته البصرية الرابعة قادمة .
2 - يونس بن حبيب الضبي أبو عبد الرحمن ( 95 هـ - 183 هـ / 714 - 799 م) ،  (56) :  ولد في بلدة  (جَبّل) على دجلة في العراق ما بين بغداد  وواسط  ،  كان مولى لبني ضبّة ،  ولهذا أطلق عليه الضبي ، على أكثر الروايات , وأغلب الظن ،   ولو توجد روايات ضعيفة أخرى تنسبه لولائه  قبائل ثانية ، أو تزعم أنه من أصل أعجمي ،  وحتى هذا الـ (حبيب) رموه اسماً لأمه لا لأبيه ،  ظـُلِم الرجل في عصره واختفت أثاره ومؤلفاته المهمة التي قضى عمره المديد في تصنيفها ،  فلم يصل إلينا منها شيء  ،  ولكن من بعد عرف بـ (النحوي) ، لا الضبي  ، لأنه صاحب مدرسة كبيرة في النحو واللغة , أشاد بضخامته العلمية أساطين هذه العلوم , ورموزها الخالدون ،  ذكر المؤرخون سبعة من تصانيفه  : (معاني القرآن الكبير) و (معاني القرآن الصغير) ،  تناول فيهما المسائل النحوية للآيات القرآنية ،  و كتب ( النوادر الكبير ) و (النوادر الصغير) ،  و(الأمثال) ، و ( القياس في النحو) ، و (اللغات) (57) .
 أخد عن أبي عمرو بن العلاء والأخفش الأكبر  وحماد بن سلمة ،  و سمع من الأدباء وفصحاء الأعراب كما سمع من قبله ،  وقيل إنه لم يتزوج ولا تسرى ،  وأخذ عنه سيبويه وحكى عنه في كتابه ، وأخذ عنه أيضا ً أبو الحسن علي ّ بن حمزة الكسائي ،  وأبو زكريا يحيى بن زياد الفراء . 
وحكى محمد بن الجهم قال حدثنا الفراء قال أنشدني يونس النحوي من (الخيف) :
رب حلم ٍأضاعه عدم المال
 وجهل ٍغطى عليــــه النعيمُ
وحكى  الفراء عن يونس قال : كان عبد الملك بن عبد الله ينشد من (الطويل) :
 إذا أنت لم تنفع فـضــر فإنما
يرادُ الفتى كيما يضرُّ وينفــعُ
وحكى  أبو عمر الجرمي قال : رأيت يونس بن حبيب النحوي مــر ّ في المسجد فقام اليه رجل فسأله عن قوله تعالى { وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} "سورة سبأ 52"، فقال بيده : التناوش التناول وأنشد لغيلان بن حريث الربعي من (الرجز) :
فهي تنوش الحوض نوشا ً من عـُـلا  *** نــوشــا ً بــه تــقــطــع أجــواز الـفـــلا
       مما أورده المرزباني في كتابه نور القبس :
قال الأصمعي: قلت ليونس: ما  أراد ذو الرمة بقوله  من الطويل :
وليلٍ كجلباب العــــروس ادَّرعتهُ
 بأربعةٍ والشخص في العين واحدُ
فقال يونس : لاأحسب الجنَّ تقع على ماوقع عليه وفطن له ، قوله : " وليلٍ كجلباب العروس " يقول : ليلٌ كقميص العروس في الطول لأن العروس تجرُ أذيالها ، " ادرعته " : لبسته، " بأربعة " : يعني نفسه وناقته وسيفه وظله يعني خيمته ، " والشخص في العين واحد " يقول: والإنسان واحدُ . (58)
تكلمنا عن يونس أكثر من الفراهيدي ،  إذ أوردنا  بعض الأمثلة بحقه ، لأننا توسعنا مع الأخير عندما تناولناه مفصلاً في معرض بحثنا المتتالي على حلقات في علمي العروض والقوافي .

ب - الطبقة الأولى الكوفية في النحو :

يلخص لنا الدكتور المخزومي ما ذهبت إليه المدرستان البصرية والكوفية بادئ أمرهما: " فيما كانت عناية الكوفيين تنصب على دراسة القراءات والفقه والحديث ، إذ كانت عناية البصريين تنصب على الدراسة اللغوية والنحوية ،  وما تستتبع من أقيسة وعلل, ومباحث علم الكلام " (59) وذلك يعود  من وجهة نظرنا ،  لأن الكوفة أصبحت عاصمة سياسية ودينية لفترة ، ثم إنها كانت أشدّ إلتصاقاً بالصحابة والتابعين ،  وأكثر إتصالاً بالبادية والقبائل العربية ، مما جعلها تعتز بتراثها وأرثها الديني المقدس ،  وتطويره حسب اجتهاداتها ورأيها ، وكذلك تفتخر بأصالة أهلها ،  بل رأت أنّ كلّ ما يتكلم به عربها صحيح لغوياً ونحوياً ، ويمكن الاعتماد عليه ،  أمّا البصرة  بعد اختلاطها بالأعاجم والأعراق وانفتاحها , دعت علماءها وأفذاذها لضبط لغتها وقياس نحوها على كلام العرب الأقحاح ،  ونبذ الشاذ في الآفاق ! ،  وهذا ما أشرنا إليه في المقدمة .
ولما وجد الرؤاسي بعد دراسته في البصرة الفرصة السانحة لبلورة فكرة تشكيل المدرسة النحوية الكوفية , وخصوصاً بعد أن لمح التساهل في القياس نسبياً ،  والميل لتعظيم مايرد عن العرب من بعض أقطابها ممن أشرنا إليهما سالفاً ،  رجع إلى الكوفة ،  وأصبح على رأس طبقتها الأولى اللغوية - النحوية (60) ، وأقطابها الثلاثة الكبار هم
:
1 - الرؤاسي أبو جعفر محمد بن الحسن بن أبي سارة الرؤاسي الكوفي النحوي ( ت 187هـ/803م) : سمي الرؤاسي لكبر رأسه ، تلميذعيسى بن عمرو ،  وأبي عمرو بن العلاء البصريين ،  إذ درس النحو على أيديهما ورجع إلى الكوفة فدرّسه ، و قال ابن الأنباري يحكى عن ثعلب إن الرؤاسي كان أستاذ الكسائي و الفراء ، وفي نزهة الألباء و بغية الوعاة إنه ابن أخي معاذ بن مسلم بن أبي سارة الهرّاء ، فالهراء عمه ،  وظن النجاشي أنه ابن عمه فابو سارة جد أبيه لا جده , و النسبة إلى الجد غير عزيزة في الكلام  , قال ابن النديم في الفهرست: إن الرؤاسي أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو و حكى ذلك ابن الأنباري عن ثعلب و عن المزهر للسيوطي ان اسم كتابه (الفيصل) (61) ، فكان أول  كتاب تداوله أهل الكوفة بينهم ،  لذلك وضعه ابن النديم على رأس نحاة الكوفة  (62) ،  وله عدة كتب أخرى  ككتاب (التصغير) , وكتاب ( معاني القرآن) وغيرها ،   وبعد أن أخذ النحو انصرف بالبحث عن الأبنية والتمارين إلى أن غلبت عليه الناحية الصرفية التي التفت إليها الكوفيون قبل البصريين، واسنبطوا للصرف كثيراً من القواعد حتى عدّهم المؤرخون الواضعين للصرف ، أما الصرف عند البصريين فكان في المحل الثاني . (63) .
2 - الهرّاء أبو مسلم معاذ بن مسلم بن أبي سارة النحوي الكوفي (ت 190 هـ - 806 م ) : وقيل توفي (187 هـ - 803 م) ، مولى الأنصار ،  ولقب بالهرّاء لأنه كان  نحوياً و تاجراً  في الكوفة يبيع الهراوي ،  وهي ثياب تـُستجلب من (هراة)  ،  فنسب إليها (64) ، ويعدّه  الجلال السيوطي في (المزهر ج2) ،  و(بغية الوعاة )   أول من وضع علم الصرف  ،  وينعته بالنحوي المشهور،  وذكر أنه كان مؤدب عبد الملك بن مروان ،  صنف في النحو كثيراً ،  ولم يظهرله شيء من التصانيف (65) ،  أخذ عنه الكسائي وغيره ،  وترجمه ابن خلكان وذكر له حكاية مع الكميت بن زيد الأسدي الشاعر المشهور ( قتل 126 هـ / 744م)  ،  ولكن الحموي غفله في (معجم أدبائه) وتتجسد أولية النحو الكوفي في الهرّاء وابن أخيه الرؤاسي بشكله المبسط .    
 3 - شيبان بن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية (ت 164 هـ / 780 م) : النحوي المحدث المؤدب ، أصله من البصرة وسكن الكوفة وانتقل إلى بغداد , كان ثقة  درس في البصرة النحو والحديث ،وسكن الكوفة ،  وانتقل إلى بغداد ، وتوفي فيها , ودفن في  مقبرة الخيزران (66) ،  قال يعقوب بن شيبة : كان صاحب حروف وقراءات مشهوراً بذلك , والحقيقة بعض المؤرخين يشكك في علو مقدرته النحوية ،  ويذكرون أن لقبه (النحوي) يعود إلى نسبه لفخذ قبيلة لا للنحو العربي ،  فهو محدث مشهور ،   قال ابن حجر : شيبان بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبو معاوية البصري نزيل الكوفة ثقة صاحب كتاب يقال إنه منسوب إلى نحوة بطن من الأزد لا إلى علم النحو (67) ،   ولكن الخطيب البغدادي يذكر في (تاريخه) عن ( يزيد النحوي) المحدث قوله  :  هو يزيد بن أبي سعيد، وهو بطن من الأزد يقال لهم بنو نحو، ليسوا من نحو العربية، ولم يرو ِ منهم الحديث إلا رجلان، أحدهما يزيد هذا، وسائر من يقال له النحوي فمن نحو العربية ، شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وهارون بن موسى النحوي، وأبو زيد النحوي (68)  .
 لم يكن النحو الكوفي خلال فترة طبقته الأولى ذا شأن يذكر , لا في عصره ،  ولا من بعده من عصور ،  فلم تصلنا من تصانيف رجاله شيء نستطيع أن نقيمه به ،   ولما نهض به الكسائي تلميذهم ،  ورفد الأخير تلميذه (الفرّاء) بعلمه  وحذقه ومهابته وقوة شخصيته وفطنته ة ،  قد وازى النحوالكوفي بصريّه , وفاقه سطوة ً وهيمنة ً طيلة عهود الرشيد والأمين والمأمون...ولم يخفت حتى موت (ثعلب) العملاق ،  فصال وجال طيلة قرن ونصف من الأعوام العباسية ضمن عصريها الأول والثاني . وإلى اللقاء بالآتي والتالي .   
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(38) راجع الطنطاوي :ص 24  م. س.
(39) خليف  , د. يوسف : ( حياة الشعر في الكوفة ) ص 260 - دار الكاتب العربي - 1968م - القاهرة .
(40) راجع , مراتب النحويين : أبو الطيب اللغوي  ، عبد الواحد بن علي  ص 30 - 31 - دار النهضة - مصر .
(41) نزهة الألباء .. : ابن الأنباري ص 8 م . س .
(42) المصدر نفسه .
(43) آية 24 سورة التوبة .
(44) (مراتب النحويين) : ص 12 م. س.
(45) (شرح أبيات سيبويه) : أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس  ، ت د. زهير غازي زاهد  ص 35  ، يذكر في هامش 2 - في الصفحة الشاهد للفرزدق  ط 1 - 1986م - مكتبة النهضة العربية .
(46) راجع  نزهة الألباء ...ص  12  ، مراتب النحويين : ص ص 21  ،  مصدران سابقان .
(47)  المصدران نفسهما .
(48) راجع , ( نزهة الألباء ..) : ص 15 ،  17 - (طبقات النحويين واللغويين ) : الزبيدي : ص 28 وما بعدها  - ( وفيات الأعيان : ترجمته - مصادر سابقة .
(49) وهنالك روايات أخرى تثبت وفاته (157 هـ / 774م) ،  الفرق شاسع بين التاريخين ، وتوجد رواية تذكر وفاته (172 هـ /788م) . تجد ترجمته في (طبقات الزبيدي) رقم 110 ، نزهة الألباء ..ص 53 ، و(المزهر..) للسيوطي  ج2 ص 313  م. س .
(50) ( دائرة المعارف الإسلامية ) : حسن الأمين  م 2 ص 510  - ط 5 - 1997 م دار المعارف للمطبوعات.
(51) راجع . الفهرست : ابن النديم ص 343 - العلمية - بيروت .
(52) د. خليف  :  ص 250 م . س.  نقلاًعن (تاريخ بغداد )  : للخطيب البغدادي ج 3 ص 324 , المخزومي : ص 32 م . س .
(53) يختلف الرواة في سنة وفاة الفراهيدي ، فتذهب إمّا ( 160 هـ /  776م) ، (170 هـ / 780 م) أو كما ذكرنا ، أو (175هـ / 791م) ، راجع ترجمته  : ( نزهة الألباء...) ص 29 ،  (مراتب النحويين) ص  27 وما بعدها , (طبقات  النحويين واللغويين) ص 43 . مصادر سابقة ، (وفيات الأعيان ) لابن خلكان، (سيرة أعلام النبلاء ) للذهبي ، و   
( Hitti: P . 242)   
 ( طبقات النحويين واللغويين) : ص 66 - 67 - دار المعارف بمصر ( 54(
  المصدر نفسه.(55)
(56) راجع لترجمته:
(التناولات النحوية عند يونس بن حبيب : د. آمان الدين محمد حتحات ،  ص 1 - 4  الموقع :
http://www.ugru.uaeu.ac.ae/UGRUJournal/UGRUJournal_files/sr4/3.pdf
( طبقات النحويين واللغويين) :  للزبيدي  ص 53 ، ( الفهرست ) :لابن النديم  ص 69  ، (مراتب النحويين )  ص 21 - 22  ،  (نزهة الألباء ..) ص 51 ،  (وفيات الأعيان ) : ج6 ص 245  ،  ( المدارس النحوية ) : شوقي ضيف  ص 28 - 29 .
(57) راجع (معجم الأدباء):  ج 20 ص 67  ،  (التحولات النحوية ...) ص 2 ،  (الفهرست ) ص 63  ،  ومصادر أخرى.
(58) المرزباني : نور القبس - أخبار يونس بن حبيب النحوي  ص 36 - مكتبة المصطفى الألكترونية .
(59) المخزومي ،  د. مهدي : ( مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو ) ص 21 - رسالة دكتوراه ،  ط2 - 1958م - مصر.
(60) علوم الأدب العربي  ستة : اللغة والصرف والنحووالمعاني والبيان والبديع ،  والثلاثة الأولى لا يستشهد عليها إلا بكلام العرب دون الثلاثة الأخيرة ،  فأنه يستشهد فيها بكلام غيرهم من المولدين ،  لأنها راجعة إلى المعاني ، ولا فرق في ذلك بين العرب وغيرهم ،  إذ هو راجع إلى العقل. راجع (خزانة الأدب ) : عبد القادر البغدادي ج1 ص5 مطبعة الخانجي 1977م - القاهرة .
(61) راجع ( أعيان الشيعة) : السيد محسن الأمين ج1 ص 162- دار التعارف - 1983م - بيروت .
(62) (الفهرست : ابن النديم  ص 96 - الرحمانية بمصر.
(63) راجع ترجمته  في ( نزهة الألباء ) ص 34 - 35 - المعارف - بغداد 1959 م  ،  (بغية الوعاة ) ص 33 ط1- 1326 هـ ،  ( طبقات النحويين واللغويين)ص 135 ط1 - 1954 م - مصر.
(64) راجع ترجمته في ( نزهة الألباء)  : ص 34 , (طبقات النحويين واللغويين ) : ص 136 - مصادر سابقة .  
(65) (بغية الوعاة ) : السيوطي ص 393 - 394 - دار المعرفة - بيروت  ،  (وفيات الأعيان) : ابن خلكان  ص 130 - 132 -دار صادر - بيروت 
     (66) (أعيان الزمان  وجيران النعمان في مقبرة الخيزران ) :  وليد الأعظمي  ص 13 مكتبة الرقيم  2001م - بغداد .
(67) ( تهذيب التهذيب ) : ابن حجر العسقلاني ج4 ص 638 ، 328  دار صادر - بيروت .  
 (68) (تاريخ بغداد ) : الخطيب البغدادي , ج9  ص 272 - ترجمة 4835  ،  ( الأعلام) : خير الدين الزركلي  ج3 ص 263 راجع ترجمته .