غيومٌ لربيعٍ مولود/ صالح أحمد



كُنّا اقتُلِعنا مِن زَمانٍ لم يَكُن 
منذُ انتَحَبنا، غيرَ أمنِيَةٍ تَصالَبَتِ المَطامِعُ
عِندَ غُرَّتِها، وقادَتنا لأمسٍ فاتَنا،
وَغَدٍ نأى في ليلِ غُربَتِنا، انسَحَب.

ويَداكِ يا أمّي تذودانِ الأذى عَن ثَغرِنا
وصفاءُ شهدِكِ شاهِدٌ:
ما كانَ هذا الثّديُ إلا واحِدًا 
يُعطي لتبقى الرّوحُ واحِدَةً، ونبضُ القلبُ واحِد.

هل تُدرِكينَ الآنَ يا أمّي لماذا ضَمَّني عِشقٌ، 
وفي الآفاقِ عينٌ تَستَفِزُّ بَراءَتي،
ويَدٌ إلى بوّابَةِ الأرواحِ تأخُذُني، وتترُكُني على
هامِ الهوى أنعى إلى الأحياءِ بالموتى، 
وبالأمواتِ للأحياءِ إنساني.

حملقتُ! 
كم حملقتُ في الأزمانِ أبحَثُ عن ملامِحَ لي!
ذَوَت؟
أم كُنتُ أخفيها، وأخفي غُربَتي عَنّي؟
منذا يَسومُ ومَن يسامُ الآنَ بي؟
دَمعي؟ أم الضّوضاءُ تفتَعِلُ الرّياحَ، 
وتجعَلُ الصّحراءَ تَستَجدي تَنَفُّسَها، 
وفي الآفاقِ كَفٌّ 
تَحجُبُ الآتي عن الأحياءِ بالأمواتِ،
والميلادَ بالماضي.

مَنذا يسابِقُ للزّنابِقِ والشّوارِعُ غَفلَةٌ، 
والرّيحُ نافِذَةٌ، وأرواحٌ العصافيرِ انصهاراتُ الرّؤى
صبرًا؛ ليمنَحها النّوى عطفًا نَداه!

الدّربُ رعشَةُ عاشِقٍ... 
والعمرُ ليسَ سوى صداه!

للحزنِ أن يمضي إلى ما شاءَت العَثَراتُ، لا...
لسنا نكابِرُ إنّما؛ 
نَقفو صدى الخُطُواتِ في صَدرِ المَواجِعِ، ريثَما؛
تَنمو غيومُ ربيعِنا فينا ليزدَهِرَ التَعَب.

المحقق الصرخي .. هذا ما نعتقده و نطرحه دون لعن أو سب/ احمد الخالدي

قال تعالى ( لا إكراه في الدين ) حرية الفكر وطبيعة الاختيار من الاوليات التي منحتها السماء للإنسان من الفكر و المعتقدٍ ، فبات الكل حرٌ دون قيد أو فرض على كل ما يختاره و يركن إليه فالحقيقة التي نراها من هذه الدلالات القرآنية بالإضافة إلى إطلاقها العنان لجميع الافراد في اعتناق أي مذهب لكنها في الوقت نفسه لم تترك المسألة عبثاً أو تخضع لقوانين العاطفة و  الهوى بل قالت ( كل نفس ما كسبت رهينة ) مما يحتم على الانسان أن يزن الامور جيداً و يطيل النظر بما سيدونه في صحيفة حياته التي ستعرض غداً بين الاشهاد ، وفي عودة لما اسلفناه فان حرية الفكر و طبيعة الاختيار لابد و أن ترى النور وتكون تحت طاولة النقاش و الرد و الاخذ العلمي من قبل الاخرين وقد تدعو صاحبها إلى الدخول في المناظرات العلمية ليقف الجميع على مدى رصانة و قوة الطرح الذي يتبناه المتصدي للمناظرة و النقاش وحسب القوانين و الانظمة الخاصة بها  و التي اجمع عليها المسلمون سواء في الماضي أو الحاضر وفي مقدمتها احترام رأي كل طرف وعدم القدح او السب و الطعن به مهما اختلف مع المتناظر الآخر فيبقى الدليل على ضعف او قوة الحجة او البرهان هي الاهم في حقيقة الدعوة موضع النقاش وهي الفيصل بين صدق أو كذب المدعي و الاساس المنطقي و العقلي ، فنحن نرى أن تنظيم داعش الذي  ظهر على الساحة في الآونة الاخيرة يحمل افكار و عقائد و يدعو إلى دين التوحيد و كأن جميع الخلق لا زالوا في عهود الجاهلية وتسودهم قوانين و سنن تلك المرحلة المظلمة فجاءت تلك تنظيمات الارهابية لتنقذ البشرية من تبعية تلك العصور الخرافية ولكن تحت اساليب الوعد و الوعيد فهل يا ترى كانت دعاوى توحيدهم التيمي الخرافي الاسطوري كانت بالحسنى و الموعظة و المجادلة بالحسنة أم بسفك دماء و الجبر و فرض للرأي و تقيد الحريات الانسانية ؟ فهذه هي أهم مبادئ و قيم التوحيد و دين الدواعش الذين ابتكروا اساليب سفك الدماء و انتهاك الاعراض و تكفير كل مخالف لآراء و عقائد شيخ الاسلام ابن تيمية و شيوخه و أمرائه الامويين فكفروا الشيعة و الصوفية و المعتزلة و الاشاعرة وكل المذاهب الاسلامية بحجج واهية و دعاوى باطلة افتراءاً على الخلق اجمعين فأين هم من دعوات المرجع الصرخي الحسني التي اعيد للانسانية كرامتها و حقوقها في حرية الاختيار وعدم فرض قيود السب و الطعن بالقابل و احترام رأيه مهما كان مخالفاً حتى مع السماء فقال المرجع الصرخي في ذلك : (( نريد أن يحترم المقابل ما يطرحه الآخرون ، ما يطرحه الشيعة و غير الشيعة من صوفية و غيرهم و يكون النقاش ضمن الإطار و الطور النظري ، ونحن لا نلزم أحداً بل نحترم اختيار المقابل و عليه أن يحترم الآخرين )) مقتبس من المحاضرة (13) من بحث الدولة المارقة في عصر الظهور منذ عهد الرسول في 24/12/2016 .
فلداعش نقول ليس الامر في الجبر و فرض الرأي بل بالمجادلة الحسنى وكما قالت السماء (و جادلهم بالتي هي احسن ) فانظروا و تفكروا ملياً بما فعلتم بالخلق هل بالحسنى و المجادلة الحسنة أم بسفك الدماء و زهق الارواح و استباحة الاعراض و تكفير الاخرين ؟
https://www.youtube.com/watch?v=0Y1NdosnJiI


أفول الأصنام إشارة أم بشارة؟/ عبد القادر كعبان

لا يزال الإعلام العربي ينشر إشارات وأغاني فيديو كليبات مصورة، ليبث إشارات تناقلها الناس منذ سنوات جعلت الألسنة تتناقل لعنات طالت ذرية شفيع العالمين محمد صلى الله عليه وسلم وفئة مستضعفة ولا تزال لجعل فكرة الزواج معجزة من معجزات أصنام لبنانية قبيل قيام الساعة، وهذا ما حفز أهلها للتمسك بغيبيات قيام الساعة وأماراتها الكبرى وو... 
ربما قد يغلب الظن أنهم أعلم بالساعة من أنبياء الرحمن عليهم السلام الذين أنكروا معرفة وقتها وأمارات حدوثها الفعلية، وكل ذلك نصرة لنوع بشري من أهل الفن، يذكرنا بالأصنام في زمن النبوة لا محالة، والتي أصبحت بعض المجلات والمواقع الفنية كمجلة الجرس والنشرة الفنية وموقع بانيت على سبيل المثال لا الحصر تباشر في تمجيد أصنام الفن من مشارق الأرض ومغاربها كونهم يظنون أنفسهم أصناما إعلامية فذة كهذه الفئة البشرية يذكرنا بمقولة: "هل تريد أن تسير مع القطيع؟ في المقدمة؟ أم بجنبه؟... يجب أن نعرف ماذا نريد وأننا نريد شيئا ما."، لكن السؤال يطرح نفسه: هل يعرف حقا هؤلاء ماذا يريدون من هذه الأصنام الفنية؟! طبعا القرآن العظيم يجيبهم لقوله عز وجل: " وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ, أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ, إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ" (سورة النحل: 20-22). ومنه نقول هل سيكون أفول تلك الأصنام إشارة أم بشارة قبيل قيام الساعة؟!
من سيقرأ هذه المقالة سيتهم صاحبها بالجنون العلني لإشارته للإعلاميين والفنانين العرب بالأصنام وسيأكد على أنه سيقاضى في المحاكم ليسجن، وهذا وارد لقوله سبحانه وتعالى: "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون" (سورة الذاريات: 52)، وما نجيب به السائل هو أننا يجب أن نضع أنفسنا دائما في حالات لا يغفر فيها اغتصاب حياة ناس مستضعفة لم تضع حجر عثرة يوما في طريق تلك الأصنام، التي تحاول عبثا ومنذ سنين دخول متاهة غيب رب العالمين وتحريك مصائر المستضعفين على هواها وامتلاك حريتهم وحياتهم الشخصية، مثلهم مثل البهلوان يتمايل على حبل ممزق يحاول شد انتباه من حوله – أغلبهم المستهزئين من عظمة الخالق-  حيث لا يمكن إلا أن يخال نفسه متماسكا حتى يقع أو يحاول الخلاص من ذلك ولكن... يرد عليه رب الكعبة في قوله: "وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون" (سورة هود: 121).
ربما ما يفتعله الإعلام العربي من ثرثرة وإشارات لا يمكن اعتباره سوى سلاح بين أيادي اليائسين الذي لا يملكون أسلحة أخرى لتصويبها في وجه العدو الصهيوني في فلسطين، فصوبوها في وجه عبد استضعفه الناس في أرض ربه لانتزاع حقه في دين محمد صلى الله عليه وسلم عنوة، وهذا ما كان منطقا لبني إسرائيل يذكره لنا القرآن في كل وقت وحين.
ألحان تلك الأغاني المصورة تشعر الكثيرين بالاشمئزاز اليوم بل بالتقيء، خصوصا لمن باتوا يحفرون قبر ملكهم المقدس وإعداده ليصبح "هبل" آخر الزمان لوجود شبه بينه وبين صنم فرعوني والقصد على مايكل جاكسون من دخل قبره منذ سنين، والذي وضعوه أصنام الفن والإعلام بمنزلة أعلى من منزلة محمد صلى الله عليه وسلم والله شهيد على ذلك وو...، وربنا بدوره يرفع من مقام نبيه الكريم ببشارة القرآن: "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" (سورة الأحزاب: 56).
لقد فتن هؤلاء بفئة من أصنام فنية من عالم الغرب أثارت الغرائز والعري والبورنو كموضة قد تفتح أبواب الحب والسلام بزعمهم وترهاتهم الخبيثة، حالة شر بدأ ينتشر ويغزو عقول السفهاء من البشر مضللا لرسائل الدين السماوي الذي هو الدواء للشفاء من هذا الداء يذكرنا بقوله تعالى: "فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين" (سورة يونس: 102).  
هناك حكم ربانية يستعصي على الإنسان مهما كانت مكانته ومقامه في الحياة أن يدركها بعقله الصغير، الذي يبحث له عن مبررات لتفسيرها لكي يدرك المغزى الرباني منها غير أنه يجدر به أن يكون من الجاهلين وينصرف لأيامه المعدودة عن فئة المستضعفين لقوله تعالى: "ألم ترى أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء" (سورة الحج: 18). 

*كاتب صحفي جزائري 

العراق: جذوره اللغوية، شهرته،أمجاده، ودعاوى تقسيمه/ كريم مرزة الأسدي

1 - جذور كلمة العراق من أوروك أو عروق وشيوعها في الآفاق :
  
يذهب المستشرقون ، وهم على العموم يغرّبون ، أنَّ كلمة العراق أصلها سومري من (أوروك) ، والتي مدّت الآن للوركاء ، ودوّن كلكامش في ملحمته أنه سورها ، وأقام فيها معبداً للآلهة (عشتار) ، وأوروك أو ( أونوك) تعني المستوطن ، وسيأتيك الشاعر العربي و (وطنه) ، فترقبه ، ويذهب العرب أن الكلمة عربية الأصول ، حجازية المنطلق ، إذ يطلق أهل الحجاز كلمة العراق على الشاطئ ، أو سفوح الجبل ، وقيل : سمي عراقا لأنه استكف أرض العرب ، وزعم الأصمعي - كما يذكر ابن منظور في لسانه - :
 إن تسميتهم العراق اسم عجمي معرب ، إنما هو إيران شهر ، فأعربته العرب فقالت : عراق ، وإيران شهر : موضع الملوك ، قال أبو زبيد:
  
مانعي بابة العراق من النا *** س بجرد تغدو بمثل الأسود

ويروى : باحة العراق ، ومعنى بابة العراق : ناحيته . والباحة : الساحة ، ومنه أباح دارهم . الجوهري : العراق بلاد تذكر وتؤنث ، وهو فارسي معرب ، قال ابن بري : وقد جاء العراق اسما لفناء الدار ، وعليه قول الشاعر:

وهل بلحاظ الدار والصحن معلم *** ومن آيها بين العراق تلوح

واللحاظ هاهنا : فناء الدار أيضا (1) ، بينما الخوارزمي يردّها للغة الفارسية من المفردة ( إيراك) أي الأرض السفلى ،لأنها أرض سهلية تقع ما بعد السلاسل الجبلية الفارسية والكردية والآذرية ، ويروي الحموي في (معجم بلدانه) في معرض حديثه عن العراق : " قيل : سميت بذلك لاستواء أرضها حين خلت من جبال تعلو وأودية تنخفض والعراق الاستواء في كلامهم كما قال الشاعر:

سقتم إلى الحق معاً وساقوا *** سياق من ليس له عراق ..." . (2)

ويرى بعضهم أن العراق أصله من عروق دجلة والفرات وروافدهما ، فهي كالأعصاب في بلاد ما بين النهرين ، واجتهد غيرهم ما العراق إلا من تشابك عروق أشجار النخيل في أرض سواده الطيبة ، فهو جمع لعرق ، وقيل من عراقة البلاد العريقة بالقدم ، ومنها الأصل العريق ، ويقول الممزق العبدي في عمرو بن هند أحد ملوك الحيرة ، فهو شاعر جاهلي قديم ، اسمه شاس بن نهار من نكرة ، وما كان ممزقاً ، لولا كلمة القافية من بيته الأول الآتي :

فإِنْ كُنْتُ مأَكُولاً فكُنْ خَيْرَ آكلٍ ******* وإلاَّ فأدْرِكْني ولمَّــــــا أُمَزَّقِ

فإنْ يُعْمِنُوا أَشَئِمْ خِلافاً عَلَيْهُمِ ** وإِنْ يُتْهِمُوا مُسْتَحْقِبى الحَرْب أُعْرِق ِ(3)

وأعْرق القوم ، بمعنى أتوا العراق ، ومن سخرية الأقدار أنَّ عراق الجاهلية الذي كان ملتمساً آمناً ، طيباً ، شافعاً ، لمن يتهم بالفرارعندما  تضيق المخارج إبان الحروب ، أصبح اليوم أشبه بالبلد الغريق على يد أبنائه العماليق ، وليسوا بـ (عماليق) ذاك الزمان ! (4) . 

مهما يكن من أمر جذور الاسم ، أنا أميل لعراقتها العربية على أرجح ظني ، لأن القاف والعين حرفان عربيان أصليان،لا يوجدان في اللغات القديمة ، ولا باللغة الفارسية ، والكاف والهمزة أسهل نطقاً وألين على اللسان منهما ، وهما أيضاً من الحروف العربية الأصيلة ، فما هو الموجب لتحويرهما ، وتعقيد نطقهما ، والناس أميل للتسهيل والتخفيف ، ولو أنهما منحا العراق مهابة وشدّة وضخامة ، وخففهما ألف اللين كثيراً ، وزادهما جمالاً ورونقا ، ولكن لماذا لم ينطق العرب الورقاع و عوروقَ ، بدلا من الوركاء وأوروك !! والطيور على أشكالها تقع ، والله الأعلم.

اسم العراق يشتهر:

بدأ العراق يكتسي اسمه الواسع منذ سيطرة الساسانيين ، وبزوغ مملكة آل فهم (211 م) في الأنبار والحيرة حتى شاعت الكلمة في القرنين الخامس والسادس الميلاديين ، ووردت في الشعر الجاهلي على لسان الشاعر الفارس جابر بن حُني التغلبي - المعاصر للممزق الآنف الذكر - ، على أغلب الظن توفي التغلبي سنة ميلاد النبي (ص) ( 570 م) ، وذلك في قوله :

وفي كل أسواق العراق أتاوةٍ***** وفي كل ماباع امرؤ مكس درهم
 ِ 
تعاطى الملوك السلم ما قصدوا بنا ***** وليس علينا قتلهم بمحرم ِ

ولمّا طلَّ الإسلام ، وبزغ شعاعه ، سئل النبي (ص)عن العراق بعد مباركته الشام والحجاز واليمن ، قال :
 " إن إبراهيم هم أن يدعو على أهل العراق فأوحى الله تعالى إليه : لا تفعل إني جعلت خزائن علمي فيهم وأسكنت الرحمة قلوبهم. " (5) ، وأخذت تتكرر كثيراً كلمة " يا أهل العراق : ..." في خطب الخطباء كالإمام علي (ع) ، والحجاج بن يوسف الثقفي ، وغيرهما ، تجدها في العديد من المصنفات ، وجمعها الأستاذ أحمد زكي صفوت في كتابه (جمهرة خطب العرب ...) بثلاثة أجزاء .(6)

ألا يا حمامات العراق أعنني :

واشتهر قيس بن الملوح والملقب بمجنون ليلى ( 24 هـ / 645 م - 68 هـ / 688) ، وما هو بمجنون ، وإنما شاعرغزل عربي ، مرهف الحس من المتيمين ، من أهل نجد بأبياته الشهيرة بذكر ليلاه وعراقها ، الرجل عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القرن الأول من الهجرة في بادية العرب ، اقرأ ، ولعلك رددتها من قبلُ :
  
ألا يا حمامات العراق أعنني *** على شجني ، وابكين مثل بكائيا 
يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ ****فياليتني كنت الطبيب المداويا

وكُرر صدر البيت الأخير في صدر ٍ آخر ، لا أعلم هل الشاعر كرر نفسه ، أم حُشر من قبل غيره تألماً بمريضة العراق ، وشدة الاشتياق :

يقولون ليلى بالعراق مريضة ٌ *** فمالك لاتضني وانت صديقُ
سقى الله مرضى بالعراق فأنني**على كلِّ مرضى بالعراق شفيقُ
فأن تك ليلى بالعراق مريضة **** فأني في بحر الحتوف غريقُ
أهِيم بأقْطارِ البلادِ وعَرْضِهَا *** * ومالي إلى ليلى الغداة طريـقُ

كفى بقيس وليلى والعراق شهوداً ، وسنتتبع في النقطة الثانية .

2 - الربط بين كلمتي العراق والوطن:

كيما تـرى (أهل العراق) أنني *** أوطنت أرضا لم تكن من (وطني)

أول بلد في التاريخ العربي ينتزع لقب وطن هو العراق ،إذ ْكانت كلمة الوطن تطلق على السكن أو المنزل الذي يأمن به الإنسان العربي من فتك الحيونات المفترسة الناهشة ، والأعداء المتوحشة الكاسرة ، ويلجأ إليه من أهوال عواصف الرياح العاتية ، والأنواء الجوية القاسية ، يألف فيه الفرد والخلان و العائلة ، قال طرفة :
  
على موطن يخشى الفتى عنده الردى *** متى تعترك فيه الفرائص ترعد

وفي القرآن الكريم : " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة..." - التوبة 25 - ومواطن : جمع موطن ، والموطن أصله مكان التوطن ، أي الإقامة . ويطلق على مقام الحرب وموقفها ، أي نصركم في مواقع حروب كثيرة. (7)
ويقال : واطنت فلانا على هذا الأمر إذا جعلا في أنفسهما أن يفعلاه ، وتوطين النفس على الشيء كالتمهيد . ويقول ابن سيده : وطن نفسه على الشيء وله فتوطنت حملها عليه فتحملت وذلت له ، وقيل : وطن نفسه على الشيء وله فتوطنت حملها عليه ، قال كثير:

فقلت لها يا عز كل مصيبة *** إذا وطنت يوما لها النفس ذلت (8)

أول من وظـّف كلمة وطن وربطها مع السكان عربياً رؤبة بن العجاج التميمي من أعراب البصرة ، توفي فيها ( 145 هـ / 762 م) ، راجزاً مهوساً :
  
أوطنتُ وطـْناً لم يكنْ من وطني 
لو لمْ تكـــــنْ عاملها لم أســكن ِ 
بها ولم أرجن بها فـي الرجــن 
كيما تـــــــرى (أهل العراق) أنني 
أوطنت أرضا لم تكن من (وطني) (9)

الرجن الإقامة في المكان ، لا يهمنا من رؤبة التميمي البصري سوى الربط بين (أهل العراق) و(وطني) ، يا ترى من هم أهل العراق ؟ ولماذا خصهم بالذات دون غيرهم ؟! لولا الإحساس بالمواطنة والانتماء ، وإن كان العراق عراقيَن ، عراق العرب ويشمل جغرافياً سهل وادي الرافديَن ، ويمتد انخفاضاً حتى بلاد المصريَن الكوفة والبصرة ، ومعظمه العراق الحالي بعد أن قـُرضت منه أجزاء من قبل الترك والفرس !! ، وهو أصل التسمية ، وعراق العجم ، إذ أطلق في العصر الأموي ، لكي يتبع سلطة والي العراق ، إدارياً و أقتصادياً وعسكرياً ، ويقع شرق عراق العرب، أو ما يسمى قديماً بإقليم الجبال، إذ يمتد شرقاً إلى أصفهان والري وقزوين وكرمنشاه .. والفاصل بينهما سلسلة جبال زاجروس ، بل يذهب الحموي إلى أبعد من ذلك إداريا في العصر الأموي المذكور ، قائلاً : " وقال المدائني عمل العراق من هيت إلى الصين والسند والهند والري وخراسان وسجستان وطبرستان إلى الديلم والجبال..."(10) ، ومن ثمّ بزغت دولة العباسيين ، فأخذت كلمة (العراقيَن) تختص بالبصرة والكوفة دون عجمها وعربها ، أو تطلق عليهما كلمة (المصريَن) .

الربط بين الأوطان والوجدان :
  
وذهب ابن الرومي البغدادي الأصيل بثقافته ونشأته وولادته وولائه - كما ذكرنا في مقالة سابقة ، ونكررهنا الأبيات لعمقها في الوجدان الإنساني - إلى الربط بين النفس وخوالجها ، والوطن وظليله ، وإن كان وطن الرومي سكناً ، إذ كان له جار اسمه ابن ابي كامل ، في رواية (زهر الاداب ) ، أغتصب بعض جدر داره ،  و أجبره على بيعها ،  ففزع ابن الرومي الى سليمان بن عبد الله بن طاهرشاكيا وذاكرا تلك الدار او ذلك الوطن ، اقرأ يا عزيزي الآهات والونـّات على الوطن الصغير ، فما بالك بالكبير ! :

ولي وطن آليــــت الا أبيعـــــه*** وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة*** كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكـا
وحبّبَ أوطان الرجــال اليـــهمُ ***مآرب قضاها الشبـــــاب هنالكا
اذا ذكروا أوطانهم ذكرتهـــــم ***عهود الصـــبا فيها فحنوا لذالكا
فقد آلفته النفــــــــس حتى كأنه** لها جسد ان بان غــــودر هالكـا

أعتقد أنه لم يسبق لأحد أن أستعمل كلمة (وطن ) بهذا العشق الوجداني غيرالبغدادي عشقاً ، والرومي عسفاً ، و ان حدث ذلك ، كما هو حال (الرؤبة) ، فبكل تأكيد ، كان ابن الرومي أول من حلل تحليلا نفسيا رائعا لعلاقة الانسان بوطنه ، ويتدرج بهذا التدرج المنطقي المتسلسل من عهود الصبا الى شرخ الشباب حتى تألفه النفس، ويصبح كالجسد ، وبدونه يحل الهلاك. 

البلد والبلدة:

وله أبيات جميلة أخرى في التعلق بالبلدان ، وما البلدان إلا الأوطان ، وإنْ اختلف المدلولان ، ومدى تمثلها بالضمير:

بلد صحبت به الطفولة والصبـا*** ولبستُ ثوب العمر وهو جديدُ
فاذا تمثل في الضمير رأيتــــــه*** وعليه أغصان الشباب تميــــدُ

كأنني به لهذا التشبث بوطنيته وصدق ايمانه بعروبته ، يتنصل من كنيته المفروضة عليه ، وكأنه يعلم ما يجرُّ النسب عليه مما ليس بيديه ، والوطن يكبر بحجم العقول وسعة إدراكها ، فبأي ثمن تباع القبلية والطائفية ، والإثنية ، والمناطقية ، والعنصرية ،إذا باع الإنسان وطنه وأهله وتاريخه بالمجان ، على يد غيره من الجان
والبلد فرد البلدان ، وجنس المكان كالعراق و الشام ، والبلدة : الجزء المخصص منه كالبصرة و دمشق ، والبلد والبلدة : التراب . والبلد : ما لم يحفر من الأرض ولم يوقد فيه ، قال الراعي:

وموقد النار قد بادت حمامته *** ما إن تبيّنه في جدة البلد (11)

والراعي النُمَيري (ت 90 هـ / 708 م) ، هو عُبَيد بن حُصين النميري ، ونعت بالراعي لكثرة وصفه الأبل .

البحتري والمتنبي والمعري ...والعراق : 
ولا أطيل عليك ، ولو في الإطالة إفادة ، صار العراق محط أقوال عمالقة الشعر العربي ، فهذا أبو عبادة البحتري (ت 284 هـ / 897 م) ، معاصر ابن الرومي يقول في تفضيل بلاده الشام مناخاً ، وجوّاً:

نصب إلى طيب العراق وحسنها ******ويمنع منها قيظها وحرورها
هي الأرض نهواها إذا طاب فصلها**ونهرب منها حين يحمى هجيرها
عشيقتنا الأولى وخلتنا التي ****** تحب وأن أضحت دمشق تغيرهـا

وأختلف أهل ذلك الزمان ، ومن قبله و بعده ، من شعراء وأدباء ، في مناخ العراق وطيبه ، بل بالغوا في حسنه ولطفه , ونقصر قولنا على ما قال ياقوتنا الحموي في (معجمه ...) السابق " 
والعراق أعدل أرض الله هواء وأصحها مزاجا وماء فلذلك كان أهل العراق هم أهل العقول الصحيحة والآراء الراجحة والشهوات المحمودة والشمائل الظريفة والبراعة في كل صناعة مع اعتدال الأعضاء واستواء الأخلاط وسمرة الألوان ... قالوا وليس بالعراق مشات كمشاتي الجبال ولا مصيف كمصيف عمان ولا صواعق كصواعق تهامة ولا دماميل كدماميل الجزيرة ولا جرب كجرب الزنج ولا طواعين كطواعين الشام ولا طحال كطحال البحرين ولا حمى كحمى خيبر ولا كزلازل سيراف ولا كحرارات الأهواز ولا كأفاعي سجستان وثعابين مصر وعقارب نصيبين ولا تلون هوائها تلون هواء مصر ..." (12)
والحقيقة ، الحموي شهاب الدين أبو عبد الله ، الذي سمّى نفسه عبد الرحمن ، (574 هـ / 1178 م - 622 هـ / 1224 م ) قد بالغ في قوله ،  وذهب بعيدا في تطرفه ،  فحذفنا ما حذفنا من نيل وتمييز ، ولكن من المهم أن نذكر أنّ الرجل بالرغم من أنه عالم جليل ، وأديب قدير ، ومؤلف كبير، فهو رحّالة ، جاب الدنيا (13)، وتعمق في البلدان ، ودوّن ما صكّته الأذنان، وصافحته العينان ، والرجل إضافة لذلك كلـّه خدم لدى بعض تجار بغداد ، وفتح دكاناً صغيراً في كرخها المزدان ، ومما ذكرناه يجب أنْ تتأمل العقول ، وتتفكر الأذهان ، في العديد من الحقائق ، مما ذكره هو في (معجم البلدان ) ! ، والمعري من قبله ، (ت 449 هـ / 1057 م ) ، لم يكن أقل تعلقاً بالعراق ،  ووصفه لبغداد ، اقرأ في حق بغداد ودجلتها :

فبئس البديل الشام منكم وأهله ***على أنهم قومي وبينهم ربعي 
ألا زودوني شربة ولو أننـــي *** قدرتُ إذاً أفنيت دجلـــة بالكرع

إذاً أهل الشام هم أهله وقومه ، فبئس البديل هو المناخ والأجواء ، ربما العلاقات الاجتماعية الموسعة ، والصرح الثقافية العامرة منها , ولكن ليس الأخلاقيات قطعاً ،  بدليل - ولا حاجة لدليل - البيت الثاني ، والإيحاء بمرامه المحال بكرع ماء دجلة حتى الفناء ! المهم كفـّى ووفى ،  وأزيدك الظل الظليل للعراق الجميل :
 ِ 
أسالت أتي الدمع فوق أسيل *** ومالت لظل بالعراق ظليل

ومن الناحية السياسية ساوى بين النطرين ، والسياسيين الشياطين:

إن العراق وإن الشام من زمن *** صفران ما بهما للملك سلطان
ساس الأنام شياطين مسلطة *** في كل مصر من الوالين شيطان

قالت العرب ما قالت ، وروت ما روت ، ونقلت ما نقلت ، ويبقى اسم العراق من أوائل أسماء البلدان العربية ، ولو أنّ معظمها أوائل ، وأول من أ ُطلِق عليه كلمة الوطن بما نفهمه ونتفهمه اليوم تقريباً دون أن يسبقه إليه العرب الآخرون ، وتسابق على الاعتزاز بذكره معظم عمالقة شعراء العرب القدماء , وآخرهم وليس بأخيرهم المتنبي العظيم ، إذ يتلهف للقائه ، ويناجي ناقته قائلاً :

وقلنا لها أين أرض العراق *** فقالت ونحن بتربان هـا
وهبت بحسمى هبوب الدبو*** ر مستقبلات مهب الصبا

وأخيراً أحمد شوقي ...وإلمَ الخلف بينكم ؟!
هذا أسم العراق عمقاً ، ومدلول توطنه سكناً ، والارتباط به شجناً ، منذ أقدم العصور، فكيف أنتم ممزقون ؟! 
وماذا تريدون ؟! 
وأين سترسون ؟!
 وندع أحمد شوقي يخاطبكم ، بما خاطب به أهل (مصره) ، في رائعة ( شهيد حقــّه ) ، كمال مصطفى في ذكرى وفاته السابعة:

إلام الخلفُ بينكم إلاما ؟ *** وهذي الضجة ُالكبرى علاما ؟
وفيمَ يكيد بعضكم لبعض ٍ**** وتبدون العداوة والخصـاما
وأين ذهبتمُ بالحق لمّـــا ***** ركبتمْ في قضيته الظـــلاما ؟
تراميتم فقال الناس : قـــومٌ*** * إلى الخذلان أمرهمُ ترامى
إذا كان الرّماةُ رماة َ سوءٍ ****أحلـّوا خير مرماها السهاما (14)

شتان بين مَن يضربون الدرهم والدينار ، والريال والدولار ، وبين مَن يُضربون بها ، فالتسقيط جاهز ، والجهل سائد ، ولكن العراق لا يعدم رجاله ، وتبقى الأمور في ذمّة الله والتاريخ ، وكلُّ ما فوق الترابِ ترابُ ....

إذا كانت النفوسُ كباراً *** تعبتْ قي مرادها الأجسامُ

ولله الأمرُ مِن قبلُ ومِن بعدُ . فهو نعم المولى ، ونعم النصير...!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (لسان العرب) : أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ابن منظور) ج10 ص 115 - 120- دار صادر - 2003 بيروت . 
.  معجم البلدان) : ياقوت الحموي - 3 / 207 - الوراق - الموسوعة الشاملة )(2) 
 راجع : (الشعر والشعراء) ت احمد محمد شاكر ، ص 399 ، دار المعارف - 1966م - مصر.
((3) (الاصمعيات) : أبو سعيد عبد الملك بن قريب ت 216 ، تحقيق : احمد محمد شاكر وعبد السلام هرون ، الطبعة الثالثة ص164 ، دار المعار ، مصر. .
(4) العماليق : من أول الشعوب السامية القديمة التي هاجرت من الجزيرة العربية باتجاه العراق وسوريا وذلك حوالي 2500 ق.م.، منهم قبائل االأموريين في سواد العراق ،  والكنعانيين في بلاد الشام , أسسوا بعض الممالك فيهما , يرجع نسبهم إلى عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح ، ويقال : إنهم كانوا أقوياء ، عظماء القامة.  
  (5) (كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال) : علي بن حسام الدين المتقي الهندي 12 / 170 - رقم الحديث - 34128 - مؤسسة الرسالة - 1989 م - بيروت . .
 (6) (جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة ) : أحمد زكي صفوت- ثلاثة أجزاء - 1 / 422 ، 2 /293 ... - المكتبة العلمية - بيروت . 
 ((7) (التحرير والتنوير) : محمد الطاهر ابن عاشور - ج 11 - ص 155 - سورة التوبة - الآية 25 - دار سحنون . 
 (8) (لسان العرب ) : ابن منظور - ج 15 - ص 239 - م . س. 
 (9) م . ن.
 . (10) (معجم البلدان) : م . س 
 (11) (تاج العروس من جواهر القاموس ) : الزبيدي , الحسيني محمد بن محمد , 1 / 1902 - - الوراق - الموسوعة الشاملة. 
 (12) راجع لترجمته (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ) : شمس الدين أحمد ابن خلكان ، تح : محمد محي الدين - ج 5 ص 173 - 1449م - مطبعة النضة - مصر. 
(13) أعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران ) : وليد الأعظمي - مكتبة الرقيم - بغداد 2001م - صفحة 73 - 74 - , واسمه عنده : مهذب الدين. .
  (14) (الشوقيات) : أحمد شوقي - تح علي العسيلي - ج1 ص 185 - مؤسسة الأعلمي - ط1 - 1998م بيروت.

مشكلة نتنياهو مع أوباما أو مع أميركا؟/ صبحي غندور

نتنياهو كان محقّاً في اتّهاماته لإدارة أوباما بأنّها كانت وراء إعداد وتسهيل صدور القرار 2334 عن مجلس الأمن الدولي، والذي طالب إسرائيل "بوقف فوري وكامل لجميع أنشطة الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بما فيها القدس الشرقية"، واعتبر أنّ بناء إسرائيل للمستوطنات "لا يستند إلى أي أساس قانوني، وهو انتهاك صارخ للقانون الدولي، وعقبة كبرى أمام تحقيق حلّ الدولتين، وأمام سلام عادل ودائم وشامل".
فما الذي كان نتنياهو يتوقّعه من الرئيس أوباما غير ذلك، بعد 8 سنوات من أسلوب الذلّ والمماطلة الذي مارسه نتنياهو مع إدارة أوباما بشأن الملفّ الفلسطيني ومشكلة المستوطنات؟!. 
لكن هل يعني الخلاف بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو خلافاً بين أميركا ودولة إسرائيل؟ الجواب كلا طبعاً. فحجم المساعدات الأميركية لإسرائيل ازداد في السنوات الماضية، وجرى مؤخّراً إقرار مساعدات مالية لإسرائيل للعشر سنوات القادمة بقيمة 38 مليار دولار، ولم تقم إدارة أوباما بأي تجميد لما تمنحه الولايات المتحدة سنوياً لإسرائيل من مالٍ وسلاح ومساعداتٍ مختلفة، بل لم تهدّد واشنطن تل أبيب بأي عقوبات رغم أنّ إدارات أميركية سابقة فعلت ذلك، كما حصل في مطلع عقد التسعينات خلال إدارة جورج بوش الأب.
لقد كان مفهوماً في حقبة "الحرب الباردة" الانسجام الكامل بين المصالح الأميركية والإسرائيلية. فإسرائيل كانت بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية صمّاماً للأمان الأميركي في منطقة مجاورة للاتحاد السوفييتي السابق ولأوروبا، وفيها أهم مصادر الطاقة العالمية. وكانت إسرائيل تجسّد، في تلك الحقبة من الصراع بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي، دور "المخفر العسكري الأمامي" الذي يحمي المصالح الأميركية، ويقوم بالنيابة عن واشنطن بما يستلزم من أعمال عسكرية قذرة تهدف إلى ضبط المنطقة في إطار المصالح الأميركية، وإلى منع تسرّب النفوذ السوفييتي إليها.
إلا أنّ انهيار المعسكر الشيوعي بنهاية عقد الثمانينات أوجد مبرّراتٍ عديدة لإعادة النّظر بالمفهوم الأميركي للدور الإسرائيلي. وقد عبّر عن ذلك بشكلٍ واضح وزير الخارجية الأميركي الأسبق (الجمهوري) جيمس بيكر في عهد الرئيس بوش الأب، في أكثر من لحظة خلاف مع الحكومة الإسرائيلية، كان أهمّها الخلاف على موضوع المستوطنات مع حكومة شامير وتجميد واشنطن في العام 1991 لضمانات القروض المالية.
والاختلاف الحالي الحاصل بين واشنطن وتل أبيب، عمره 8 سنوات، منذ مجيء إدارة أوباوما وتزامنها مع وجود نتنياهو في الحكم، وحيث لم يكن الخلاف حول الموقف من الملفّ الفلسطيني فقط، بل كان خلافاً في الرؤى حول السياسة المتعلّقة بالشرق الأوسط عموماً، وتحديداً حول كيفية التعامل مع إيران، حيث سعى نتنياهو إلى توريط الولايات المتحدة في نزاع مسلّح مع إيران وحلفائها بالمنطقة، بينما سارت إدارة أوباما في نهجٍ مختلف راهن على المفاوضات والتسوية الدولية الشاملة لقضية الملفّ النووي الإيراني.
فلقد عملت إسرائيل منذ سنوات، خاصّةً منذ وصول نتنياهو للحكم في مطلع العام 2009، على جعل أولويّة الصراعات في المنطقة مع إيران وحلفائها بالمنطقة، وعلى إقامة محور عربي/إقليمي/دولي تكون إسرائيل فيه هي الرائدة لإشعال حرب عسكرية ضدّ إيران ومن معها في سوريا ولبنان وفلسطين، بحيث تتحقّق عدّة أهداف إسرائيلية مهمّة جداً لكل الإستراتيجية والمصالح الصهيونية في المنطقة والعالم. فالمراهنة الإسرائيلية، المستمرّة الآن، هي على تهميش الملفّ الفلسطيني وعلى كسب الوقت لمزيدٍ من الإستيطان في القدس والضفة الغربية، وعلى تفجير صراعات عربية داخلية بأسماء وحجج مختلفة، وعلى حروب طائفية ومذهبية وقبلية تؤدّي إلى تفتيت الكيانات العربية الراهنة، وعلى إنهاك وإنهاء حركات المقاومة ضدّها في فلسطين ولبنان، وعلى تدمير الجيوش العربية الكبرى في المنطقة، وعلى إقامة تطبيع سياسي وأمني مع كلّ الأطراف العربية (الحاكمة أو المعارضة) التي قد تحتاج في حروبها للدعم الإسرائيلي.
حكومة نتنياهو تطمح بأن يكون لإسرائيل مستقبلاً الدور السياسي والأمني الفاعل في عموم المنطقة ومعظم دول العالم الإسلامي، ممّا سيجعل من إسرائيل قوةً إقليمية ودولية كبرى في عصرٍ بدأ يتّسم بالتعدّدية القطبية، وبحيث تكون إسرائيل قادرةً على فرض "شرق أوسطي جديد" يسمح لها، بعدما تضع الحروب الإقليمية والأهلية أوزارها، بتحقيق الهيمنة الأمنية والسياسية والاقتصادية على كلّ المنطقة. 
إسرائيل لن تخضع الآن للمطالبة الدولية بإقامة دولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة على حدود العام 1967، عاصمتها القدس، ولا طبعاً لإزالة المستوطنات، أو القبول حتّى بوقف الاستيطان، ولا بحلٍّ عادل لقضية اللاجئين، وهذه هي القضايا التي يُفترض أن يتمّ  التفاوض بشأنها بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
إذن، هو تباينٌ كبير حصل في كلّ السنوات الماضية بين إستراتيجية الحكومة الإسرائيلية وبين أجندة إدارة أوباما التي أخذت بعين الاعتبار المصالح الأميركية أولاً، رغم انّها امتنعت عن الضغط الفاعل على إسرائيل. 
نعم، هناك حضورٌ كبير للضغط الإسرائيلي المؤثّر على الحياة السياسية في داخل الولايات المتحدة، من خلال العلاقة المالية والسياسية مع أعضاء الكونغرس، ونتيجة الهيمنة على معظم وسائل الإعلام الأميركية، وحيث نجد الإدارات (الحكومات) في أميركا أسيرة ضغوط السلطة التشريعية (الكونغرس بمجليسه) وعبر "السلطة الرابعة" أي الإعلام. فهذا العصر هو عصر "المال والإعلام"، ومن يملكهما يملك قدرة التأثير على صنع القرارات السياسية. هكذا فعل "اللوبي الإسرائيلي" في الغرب عموماً، وفي أميركا خصوصاً، من حيث تركيزه على المؤسّسات المالية والإعلامية في الغرب.
لكنّ الفرز في الحياة السياسية الأميركية، ليس بين "حزب ديمقراطي" و"حزب جمهوري" فقط، بل يتوزّع "التأثير الإسرائيلي" (كما هو أيضاً في قوى الضغط الأخرى) على الحزبين معاً، حيث وجدنا عدداً لا بأس به من "الديمقراطيين" يشاركون في ممارسة الضغط على إدارة اوباما لصالح هذا "اللوبي" أو ذاك، علماً أنّ تعثّر "البرنامج الأوبامي" في الملفّ الفلسطيني ليس سببه حصراً حجم تأثير "اللوبي الإسرائيلي"، فهناك طبعاً قوى النفوذ المهيمنة تاريخياً على صناعة القرار وعلى الحياة السياسية الأميركية، وهي قوى فاعلة في المؤسّسات المالية والصناعية الأميركية الكبرى، إضافةً إلى وجود اختلال كبير في ميزان "الضغوطات" على الإدارة الأميركية بموضوع "الملفّ الفلسطيني" لجهة حضور "الضغط الإسرائيلي" وغياب "الضغط العربي" الفاعل، ممّا يسهّل الخيارات دائماً للحاكم الأميركي بأن يتجنّب الضغط على إسرائيل ويختار الضغط على الجانب العربي، والطرف الفلسطيني تحديداً، وهو الطرف المستهدَف أولاً من قِبَل إسرائيل، كما أنّه دائماً "الحلقة الأضعف"!.
ورغم ذلك، فشلت "الإيباك" خلال السنوات القليلة الماضية بتغيير اتجاهات "البيت الأبيض" في مسألتيْ سوريا وإيران، إذ أنّ "الإيباك"، ومن ورائها حكومة نتنياهو، ضغطت على إدارة أوباما من أجل القيام بضربات عسكرية ضدّ سوريا ولوقف التفاوض مع إيران بشأن ملفّها النووي، وفشلت "الإيباك" في المسألتين، إضافةً أيضاً للخلاف مع حكومة نتنياهو حول قضية المستوطنات ومشروع "الدولة الفلسطينية". 
إسرائيل هي اليوم عبء مالي وسياسي كبير على أميركا وعلى مصالحها في العالمين الإسلامي والعربي، فلم تعد إسرائيل وشواطئها فقط هي المتاح الأساس للتسهيلات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط (كما كانت في حقبةٍ طويلة في الحرب الباردة)، ولم تعد إسرائيل مصدر أمنٍ وحماية للمصالح الأميركية، بل إنَّ تلك العلاقة الخاصَّة معها أضحت هي السبب في تهديد مصالح واشنطن في بقعةٍ جغرافيةٍ تمتدّ من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، ويعيش عليها مئات الملايين من العرب وغير العرب، وترتبط ثروات هؤلاء أصلاً بل وسائر خيراتهم الاقتصادية ارتباطاً شديداً الآن بالشركات والمصالح الأميركية.
ردّات الفعل الإسرائيلية الهستيرية هي الآن على قرار من "مجلس الأمن" طالب فقط بوقف الإستيطان وليس بإزالة المستوطنات فوراً، ولم ينذر القرار إسرائيل بضرورة إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، ولا هدّد القرار بالفصل السابع، وهي أمور كلّها واجبة على "مجلس الأمن" بعد نصف قرن من الاحتلال الإسرائيلي وتداعياته الخطيرة في عموم المنطقة.
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

إلى العَام الجَدِيد/ حاتم جوعيه

 (بمناسبةِ  عيد  رأس السَّنةِ  الميلاديَّة ِ)  

أيُّهَا   العامُ  الجَديدْ 
أيُّ   بُشْرَى ... أيُّ  خير ٍ وَحُبُور ٍ وَهَناءْ
تحملُ الأنسامُ  من ندٍّ  ومن نفح ِ عبير ٍ وشَذاءْ  
أيقظِ  الآمالَ   فينا  والرَّجاءْ  
أيُّها   العامُ   الجديدْ  
أعطِنا  حُبًّا  ودِفئا ً  وَسُكونا ً  وسَلامَا   
وحَنانا ً  وَوئامَا   
كيْ    نُعِيدْ   //                                                                                                   
بسمة َ الأطفال ِ للكون ِ الوَطِيدْ 
فعلى وقع ِ خطاكْ // يرقصُ القلبُ التياعًا وهيامَا 
لنغنِّ   فجْرَنا  المَنَنشُودَ   دومًا  ولِنزدَدْ   التِحَامَا  
أعطِنا  حُبًّا   لنجتازَ  الوهادَ  المُدْلهِمَّهْ 
نرسُمُ الأحلامَ ... ُنعلِي راية َالأمجادِ في ذروة ِ قِمَّهْ 
فلنحَلّقْ  ما  وراءَ  المُنتهى  واللاوُجُود
ولنُحَرِّرْ روحَنا من عتمة ِ السِّجن ِ وأعباءِ القيودْ  
فلنُوَدِّعْ  عامَنا الماضي  ونخطوُ  لِلقائِكْ  
قادِمٌ  أنتَ  إلينا ... ألفُ  مَرْحًى  لعِناقِكْ  
فعلى أعتابِكَ الوَسْنى شغافُ القلبِ تصبُو لِضِيَاكْ   
ما الذي تحملهُ من فرح ِ الدنيا وألحان ِ السَّعادهْ 
أيُّها المجهولُ فينا لكَ دومًا في حنايا الرُّوح ِ حُبٌّ وعبادَهْ  
هلْ  يعمُّ  السِّلمُ ... يخطو في  رُبَى الشَّرق ِ الحبيبْ  
تشرقُ الشَّمسُ علينا ... يتهادى النورُ تيهًا ، بعدَ أن حَلَّ المَغيبْ  
سنغنِّي  للسَّلامْ  //  كلَّ  إطلالة ِ  صُبْح ٍ  ومساءْ  
إنَّ فجرَ السِّلم ِ يأتي ... سوفَ  يأتي  ،  والضياءْ 
يغمرُ  الدنيا  وأركانَ  الفضاءْ  
 تبسمُ الزهارُ والأطيارُ والأقمارُ ... تزدادُ  سَناءْ  
ندفنُ  الآهاتِ   والحُزنَ   وأهوالَ  الشَّقاءْ 
فلنُغنِّ ولنصَلِّ  مع  خُطى العام ِ الجديدْ 
ولنوَدِّعْ عالمَ الماضي  وأطيافَ الشَّجَنْ                                                                                              
إنَّما الهمُّ  سرابٌ سوفَ  يمضي  َويُوَلِّي  ...   
... يتلاشَى   في  متاهاتِ   الشَّجَنْ  
أترعُوا  الكأسَ   فهذا  اليومُ   عيدْ   //
أيُّ عيدٍ //  إيُّ  بُشرَى  //  إنَّهُ  أروعُ  عيدْ 
واشربُوها ، في سُمُوِّ الروح ِ ، مع عذبِ الأغاني والنشيدْ 
فلنعَلِّ  رايةَ َ الحبِّ  الوَطِيدَهْ  
ولنغنِّ فرحة َ العيدِ  السَّعيدَهْ 
أيُّها   العامُ  الجديدْ  
أيُّ   بُشْرَى  ... أيُّ   حُبٍّ  وحُبور ٍ  وَهَناءْ 
تحملُ الأنسامُ من َندٍّ ومن نفح ِ عبير ٍوشَذاءْ  
أيقظِ  الآمالَ  فينا  والرَّجَاءْ      
أيُّهَا  العامُ  الحديدْ
أيُّها  العامُ  الجديدْ

سياسيون وإعلاميون فلسطينيون، ما بين وطنيين ومأجورين/ د. عادل محمد عايش الأسطل

القرار 2334، الذي تم تمريره بواسطة مجلس الأمن الدولي، أوائل الأسبوع الجاري، كان أثره الإيجابي بادياً وبوفرة على وجوه وأفئدة الفلسطينيين، باعتباره إنجازاً مضافاً للدبلوماسية الفلسطينية التي تقطع نجاحاً تلو النجاح، في صراعها ضد الإسرائيليين، وكونه يمثّل رفضاً دولياً قاطعاً للسياسة الاستيطانية الإسرائيلية، في الأراضي المحتلة عام 1967، والقدس الشرقية خصوصاً، باعتبارها تعدياً على حقوق الفلسطينيين، وتحدياً للمجتمع الدولي برمّته.

كان على رأس المبتهجين بالقرار، والمتمنين له بأن تتم ترجمته على أرض الواقع، ومنذ لحظة صدوره أو بعد ذلك بفليل، هو القيادي في حركة فتح والسلطة الفلسطينية "عزام الأحمد" الذي بدى أكثر سعادة من أي وقت - كما تكشف تعابير وجهه، ويقول لسان حاله- باعتبار القرار بمثابة نقلة تاريخية وكاملة الأوصاف، يمكن تسجيلها كانتصار عارم للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية وللشعوب الحرة أيضاً، وبخاصة بعد أن فاض بتأكيده على أن الولايات المتحدة مُلزمة به، باعتبارها لم ترفضه، ولم تصوت ضده.

وسواء كان محقاً في تقييمه للقرار أو في تقييمه لموقف الولايات المتحدة منه، أو لم يكن، خاصة وهو يتبوأ مركزاً هاماً، وسواء في حركة فتح باعتباره قيادياً بارزاً، ورئيس كتلتها البرلمانية، أو داخل السلطة الفلسطينية باعتباره صاحب مناصب وزارية سابقة ومن كبراء مفاوضيها وخاصة بشأن المصالحة الداخلية الفلسطينية، فإن تقييمه يرجع إلى حقوقه الأصيلة، التي لا يجب لأيٍ كان، التعدّي عليها أو المس بها، باعتبار تقييمه ناتجاً عن جهوده الذّاتية، وبناءً على ثقافته السياسية المتواصلة.

لكن العبارة – كإجابة على سؤال- التي توسطت حديثة خلال لقائه مع التلفزيون الفلسطيني مؤخراً، والتي أكّد من خلالها على إيمانه بأن هناك مأجورين، كانت مهمتهم هي التقليل من شأن القرار الأممي، لكنه أراح نفسه من خلال تأكيده على أن أصواتهم ستبقى على هامش الحدث، باعتبارهم جزء من جوقة مُعادية للشعب الفلسطيني، وتحاول أن تغطي على يأسها وإحباطها.

وكأنه يقول صراحةً، بأن على الفلسطينيين مباركته والتمتع به، وسواء بمحض إرادتهم أو رغماً عنهم، وإلاّ كانوا غير وطنيين، أو هم من الفلسطينيين الذين لا انتماء بهم، لدرجة أنه ذكّرني بمقولة الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش" والتي أعلن بها في أعقاب سقوط برج التجارة العالمي في سبتمبر 2001، (من ليس معي، فهو ضدي)، وفي هذا المجال، فعلى أي حال يبقى أعداد المعارضين والمنتقدين لاتفاق أوسلو؟ وما هي الصفة التي تنطبق عليهم؟

بدون جهد، ودون إجراء أيّ فحص، يمكن القطع بأن العبارة المذكورة، كانت متسرّعة وهي في غير مكانها، بسبب أن هؤلاء المقلّلين المعنيين للقرار، وعلى اختلافهم (خبراء وسياسيين وإعلاميين وغيرهم)، لا يرجع تقليلهم بسبب أنهم مأجورين، وقد قبضوا الثمن بالدرهم والدينار من قبل، ولكن بسبب قناعاتهم بأن القرار، وبرغم الضجة الإسرائيلية الضخمة التي أعقبته، لا يُعدّ مكتملاً تماماً، كما تم إخراجه ولا سيقان له كي يسير قُدماً نحو إفراز نتائج واضحة، ولا من أحدٍ توجد لديه الرخصة المناسبة للقيام بدفعه إلى الواقع أيضاً.

كما وأنه على هذا النحو، سيلتحق بالقرارات (التسعة)السابقة، والتي تم تمريرها منذ عام 1967،على هذه الشاكلة، والخاصة بالعملية الاستيطانية والتهويدية المتواترة، والأهم هو الاعتقاد السائد لديهم، بأن المجلس الذي لا يستطيع تنفيذ ما يصدر عنه من قرارات سياسية وجنائية، هو مجلس لا قيمة له، كما أن من المرجح – حسب متابعاتهم- هو أن القرار موضوع الدرس، ليس أكثر من حبرٍ على ورق، وخاصةً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

وإذا كان "الأحمد" يريد تثبيت اعتقاده، بأن الزّمان قد تغير عن السابق، فنحن نُشاركه في حقيقة هذا التغيّر، ولكن إلى الأسوأ، وسواء بخصوص المجلس الذي أصبح مجرد هيئة لاستخراج فقرات هابطة، أو بالنسبة لتغيرات واشنطن الإيجابية، خاصة وأن إدارة أمريكية جديدة، معادية للفلسطينيين والقضية الفلسطينية عموماً، ستصل إلى الحكم في اليوم التالي، ما يعني أن الحياة التي بعدها الموت، هي ليست بحياة، وإن كان من بيننا من يعتبرها كذلك، فهي مجحفة وكئيبة أيضاً. 

خانيونس/فلسطين

28/12/2016

قرار مجلس الأمن فرصة لإسترجاع قرار الجمعية العامة رقم 3379 / علي هويدي

يدرك نتنياهو مفاعيل قرار مجلس الأمن وتداعياته على مستوى تحقيق إنتصار جديد لعدالة القضية الفلسطينية وهزيمة كبرى للكيان الصهيوني، وأن مواقف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ستكون أفضل لصالح حقوق الشعب الفلسطيني، وأن طوق العزلة والمقاطعة الدولية سيشتد على هذا الكيان، وسيفتح القرار المجال لسوْق من يبني المستوطنات غير الشرعية للمحكمة الجنائية الدولية على اعتبار أن بناءها يشكل جريمة حرب، وأن مسألة شرعية وجود الكيان في المزيد من الخطر، وسيذكِّر المجتمع الدولي بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني منذ قرن من الزمان، خاصة ونحن في أجواء إحياء مئوية وعد بلفور المشؤوم.

حالة من الهستيريا أصابت الكيان الصهيوني إثر اتخاذ مجلس الأمن القرار رقم 2334 مساء الجمعة 23/12/2016 والذي اعتبر أن بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة بما فيها شرق القدس غير شرعية، ويطالب الإحتلال بالتوقف عن بناء المستوطنات. بعد تراجع مصر تبنى المشروع كل من نيوزيلندا والسنغال وماليزيا وفانزويلا وحاز على تأييد أصوات الأغلبية في مجلس الأمن (14 صوت)، مع امتناع مندوبة الولايات المتحدة عن التصويت دون إستخدام - كالعادة - حق النقض "الفيتو". وُصِف القرار وعلى لسان العديد من القادة الصهاينة بألفاظ نابية لا سيما نتنياهو الذي وصفه بـ "الحقير والسخيف" ومعه بدأت حالة التخبط فتارة يستدعي السفراء من السنغال ونيوزيلندا للتشاور، وأخرى يستدعي سفراء الدول التي قدمت المشروع لـ"التوبيخ" ولم يتردد باستدعاء سفير أمريكا في الكيان الإسرائيلي لـ "التوبيخ" متهماً ادارة أوباما ووزير الخارجية كيري بإعداد مشروع القرار..!       

صدور قرار مجلس الأمن وتداعياته على الكيان الصهيوني يعود بنا في الذاكرة إلى العام 1975 وتحديداً في العاشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر حين أصدرت الجمعية العامة للأمم القرار رقم 3379 الذي ينص على أن "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، حينها لم يتمالك ممثل كيان الإحتلال في الأمم المتحدة حاييم هرتسوغ نفسه، ليقف أمام ممثلي الدول الأعضاء وليمزق نص القرار قائلاً: "الأمم المتحدة التي صاغت القرار هي نفسها من سيُلغيه"، ووصفه الرئيس الأمريكي الأسبق ريغن بأنه "أبشع قرار اتخذته الأمم المتحدة في مجمل تاريخها". ونتيجة للنفوذ والضغط الصهيوني على المنظومة الدولية، ومع تحرير الكويت في أواخر شباط/فبراير 1991 وبدء التحضيرات لعقد مؤتمر مدريد للسلام، استغل الكيان الصهيوني الفرصة واعتبرها الظرف المناسب، مبدياً الشرط الرئيس لمشاركته في المفاوضات إلغاء القرار، ومع "تفهُّم" لدول العربية والإسلامية المعنية للمقترح، واقتناع منظمة التحرير الفلسطينية بضرورة القبول بإلغاء القرار ثمناً لمطلبها بأن يكون لها إسهام في مؤتمر مدريد كان موقفها؛ "نقبل البحث في مبدأ إلغاء القرار، إذا ثبت صدق نوايا إسرائيل في بلوغ السلام"!، عُقد مؤتمر مدريد في 31/10/1991 وأُلغت الجمعية العامة القرار في 16/12/1991 واستبدلته بالقرار رقم 8646.

بعد مرور ربع قرن على إلغاء القرار 3379 ومع صدور القرار 2334، نعتقد بانهأ فرصة هامة للمزيد من فضح ممارسات الإحتلال بحق الشعب الفلسطيني والمزيد من الضغط الرسمي والشعبي على صانع القرار الأممي لإسترجاع وإعادة إحياء القرار 3379 فصفة العنصرية لا تزال ملازمة للصهيونية، أوليس إصدار "قوانين" مصادرة أراضي الفلسطينيين والبناء عليها بعنصرية، أو مطالبة الإحتلال بشطب قضية اللاجئين وحق العودة والطلب للعالم بالإعتراف بيهودية الدولة بعنصرية، أو إحتلال أراض الغير وطرد أهلها منها وارتكاب المجازر بحق سكانها الأصليين وتغيير إسمائها واستجلاب ملايين اليهود ليسكنوا نفس البيوت بعنصرية، أو اعتبار القرى والبلدات المهجرة داخل فلسطين المحتلة عام 48 مناطق مغلقة وعسكرية وأهلها مُهجَّرون يسكنون بالقرب منها ويُمنع عليهم حتى زيارتها بعنصرية؟، والشواهد كثر، الظروف مناسبة لكن بحاجة إلى أدوات شعبية مُحرِّكة وفاعلة، وإرادة سياسية رسمية جادة كما فعلت رباعية الدول التي تبنت المشروع ..

كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني



الانهزامية ديدن مؤسساتنا العربية و الإسلامية في الغرب/ د. محمود الدبعي

ونحن على اعتاب عام جديد علينا ان نستذكر اسباب الإنهزامية التي تشهدها غالبية المؤسسات العربية و الإسلامية في الغرب ، سواء كانت جمعيات دينية او وطنية او ثقافية او تعليمية و تعود اسباب الإنهزامية لعوامل كثيرة و وجب علينا تسليط الضوء عليها ، لعل القائمين على هذه المؤسسات يتخذوا استراتيجية جديدة للنهوض بالأقليات المسلمة و يعيدوا للمسلمين ثقتهم بانفسهم و اول هذه العوامل هو ضعف الإيمان بالله تعالى و و هو سبب لكل بلية نعيشها, ولضعف الإيمان مظاهر كثيرة جدًا؛ منها،  عدم الغيرة والغضب إذا انتهكت محارم الله؛ لأن لهيب الغيرة في قلوب المسلمين  قد انطفأ , فتعطلت الجوارح عن الإنكار , والرسول صلى الله عليه وسلم يصف هذا القلب المصاب بالضعف بقوله في الحديث الصحيح عن حذيفة قال : [تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا (أي دخلت فيه دخولاً تامًا) نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ (أي نقط فيه نقطة) وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا (بياض يسير يخالطه السواد) كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا (مائلاً منكوسًا) لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ] أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد . للأسف الشديد  غالبية المسلمين في الغرب قلوبهم  مصابة  بالضعف و لا يجدوا الشجاعة ليقولوا (لا) لمن يهينهم و يدوس على كرامتهم. و هناك  ايضا عامل مهم جدا للإنهزامية يعود الى ضعف جانب العبادة عند المسلمين الذين هاجروا الى الغرب حيث تهاونوا  في أداء الفرائض و السنن ، فلم تعد صلاة الجماعة في المساجد مهمة و يتقاعس عن تاديتها غالبية المسلمين و يكتفوا في حضور صلاة الجمعة و الأعياد و هذا تشبه بعقيدة النصارى الذين يمارسون طقوس عبادتهم ايام الآحد و الأعياد.

و من عوامل الإنهزامية لدى مسلمي الغرب هو عدم تصور غالبيتهم أضرار المعاصي على انفسهم و ابنائهم ، وبالتالي لا يتحرك قلب من يرى حدود الله تنتهك , فيقعده ذلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي احسن. و ايضا ظاهرة الانعزال عن المجتمع وعدم مخالطة الناس بحجة عدم تحمل رؤية المنكرات أو الخوف من الذوبان بقيم الآخر. و هذا الإنكماش على الذات اصاب الأقلية المسلمة في الغرب بمقتل ، حيث وجهت لهم كل الإتهامات برفض الإندماج و استغلال قوانين الرفاهية للعيش دون الحاجة للعمل و انهم  يتكاثرون دون ضوابط. و انتشرت بالمقابل ظاهرة الإسلاموفوبيا  التي تستغلها الأحزاب اليمينية لتخويف المجتمعات الغربية من الإسلام.

و من عوامل الإنهزامية التي تعيشها مؤسساتنا في الغرب هي ظاهرة العيب و الحياء المذموم في الأسر المسلمة، فكثير من مسلمي الغرب يخلط بين الحياء المحمود والحياء المذموم، فحينما يرى منكرًا,فيعرض عن الإنكار بحجة الحياء , فيرى أن ذمته قد برئت؛ بل ربما حمد نفس على ذلك. و اذا  شاهد مسلمة محجبة في طريقه ادار ظهره لها  بحجة الحياء و في المقابل اذا اوقفته اعجمية سافرة  تبسم لها وصافحها بحرارة و حجته ان لا يوصف بالتزمت و التشدد و ان موقفه هذا يعتبر دعوة لدين الله. و هناك الكثير من شباب المسلمين يترددوا على أماكن اللهو والعبث ليقال عنهم حضاريين  و يتفاخرون بمجالسة أهل الفسق و الانغماس في ملذات الدنيا وشهواتها و يهابون زيارة المساجد ، بل يخشون الإقتراب منها ، و هم يعرفون في ضمائرهم انهم مخطؤون و لكن لا يوجد من ياخذ بايديهم نحو الصلاح و الفلاح.

و من عوامل الإنهزامية التي تعيشها مؤسساتنا،  تراجع الأئمة و الدعاة عن قول الحق و الصمت على الإنحراف الأخلاقي لدى الشباب المسلم والتحجج بمعرفة الناس للحق واليأس في صلاحهم و انهم لا يرجعوا للحق ؛ حتى ولو ولج الجمل في سم الخياط. و يساهم ضغط الأهل وإلحاحهم على جيل الأبناء لترك مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فييتذرع ذلك الشاب أن طاعة الوالدين واجبة , وقيامه بهذا الأمر مستحب , والواجب مقدم على السنة , فيتذرع بذلك فيترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  و من عوامل الإنهزامية الخوف من الرياء، حيث يمتنع المسلم عن الصلاة في الأماكن العامة حتى لا يقال مرائي  و يقعد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر احتجاجًا بذلك , إن من فعل هذا لم يسلم , ولم تبرأ ذمته ؛ لأنه وقع فيما فر منه كما قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: (ترك العمل من أجل الناس رياء , والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما).

و من عوامل الإنهزامية هو عدم وضع برامج تربيوية للشباب العربي و المسلم، حيث اصابهم  الترهل الثقافي و الفكري و تم القاء ذلك على مشاغل العمل و معاركة الحياة ، و كل ذلك يؤثر سلبا على الذين يبدؤون مشوار الدعوة في شبابهم، ثم لا يلبث الصف إلا أن يتناقض شيئًا فشيئًا حتى يصبح الكثير منهم صرعى على جنبات الطريق ؛ منهم من توسع في تجارته أو تزوج و انشغل بزوجه وغير ذلك و منهم من وقع في مصيدة المنظمات الإرهابية بحجة الجهاد و منهم من ابتلي بشرب الكحول و تعاطي المخدرات . ومن عوامل الإنهزامية هو عدم الشعور بالمسؤولية الفردية و الجماعية واعتقاد الكل أن هذا الأمر مقصور على الإمام او الداعية و هذا ديدن اهل الكنيسة حيث يلقوا كل شيئ على راعيها , فتبدأ مرحلة اللوم حال رؤية المنكر , ويظن أن ذمته قد برئت بذلك، اذا حصل على فتوى تطهره من المفاسد، و هناك من يلقي اللوم على الأئمة , وتحميلهم المسئولية عن المنكرات التي اجتاحت بيوت الكثير من المسلمين .

  وقوع المسلم بالمعاصي و قساوة قلبه  يشعره بعد ذلك ليس بترك مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحسب؛ بل ربما يرى عدم جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في دول الغرب. و هذا مبني على الفهم الخاطئ لبعض النصوص الشرعية : فهم بعض الناس فهماً خاطئاً لقوله تعالى: ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(105)[ سورة المائدة ، فكثير من الناس يتصور أنه ليس مسؤولاً عن المنكرات ما دام قد ألزم نفسه بلزام الشرع , وألجمها بلجام الحق.

ومن عوامل الإنهزامية هو انتشار الحسد والغيرة  والقال و القيل بين المسلمين و هذا سبب القطيعة و التباغظ بين الناس و تراجع العلاقات الإجتماعية ولم يعد الشاب المسلم يجد فتاة يتزوجها رغم وجود المئات منهن ، بسبب غياب العلاقات الإجتماعية بين العائلات المسلمة. و المسلم الناجح دائرًا بين مؤمن يحسده , وبين منافق يبغضه , وبين عنصري يكرهه , وبين شيطان يضله , وبين نفسه تنازعه , ولكن مما يؤلم أن يكون الحسد من شخص يسير معه في نفس الطريق. و من عوامل الإنهزامية هو تحقير الذات وقدراتها و عدم اتخاذ الأسباب للنجاج فيتقادم بالشخص الزمن وهو يتذرع بالزهد و ان طالب الولاية لا يولى و بتافف على طلب المناصب , وتعظم المصيبة إذا تبين من حاله للناس إنه من افضل الناس قدرة على القيادة ,لكن لم يعطى فرصة  و قد يحارب من المتشبثين  بالمناصب و تشوه صورته و يقال: انظروا يفعل المنكر بحضرته ولا ينكر , و يفضل الإنعزال و عدم تنمية قدراته و يعيش في الظل.. و النتيجة يعتقد الجيل الجديد بأن أهل المعاصي راضون بوضعهم و انهم راضون بواقعهم، ولم يشعروا بأنهم يعيشون في ضنك من العيش , وان حالتهم النفسية صعبة جدا ، وودوا لو تخلصوا من ذلك  ، لكنهم يكابرون و يزين لهم الشيطان اعمالهم.

و من عوامل الإنهزامية التي نعيشها في الغرب هي ازدواجية الخطاب و الحدة في الطبع وعدم التحمل وهذا يوسمنا بالجلافة و التخلف وعدم التحضر،  وهذا في الغالب يؤدي بالمسلم إلى اعتزال المجتمع؛ لأنه لا يستطيع الصبر، و بدل ان يغير طبعه تزداد حدته و حقده على الآخر. و يبتعد عن الرفقة الصالحة و طريق المسلم شاق يحتاج معه إلى الجليس الصالح لذي يؤنس له وحشة الطريق؛ يصبّره إذا ابتلي، ويقوِّمه إذا أخطأ، ويشجعه إذا أصاب، وإن لم يكن كذلك دب إليه داء الانهزامية عند أول عارض يعرض له.

و ابتليت المؤسسات الإسلامية و الثقافية والوطنية و التعليمية للمسلمين في الغرب  بالقدوات الانهزامية التي فرضت نفسها على الإقليات المسلمة و الأصل إن الناس ينظرون إلى القدوة.. ينظرون إلى أعماله وتصرفاته؛ بل وينظرون إلى أهل بيته، ويتأملون تصرفاتهم؛ فعلى القدوة أن ينتبه إلى مثل ذلك، ولذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صعد المنبر , فنهى الناس عن شيء جمع أهله فقال: (إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم بالله لا أجد أحدًا فيكم فعله إلا أضعفت فيه العقوبة). لكن للأسف لدينا قدوات امام الناس ملائكة يمشون على الأرض و في بيوتهم شياطين حمر لا يراعون في المؤمن إلا و لا ذمة ،  و يختفون حلف تزكيات علماء الأمة الذين منحوهم مفاتيح الجنان و فتحوا لهم الأبواب المؤصدة.

و تخشى القدوات الإنهزامية  القيام بأدنى درجات الإنكار مع القدرة على ما هو أعلى من ذلك، فيستخدم بعضهم أدنى درجات الإنكار بالقلب مع استطاعتهم الإنكار باللسان، فكم من مسؤول استخدم الإنكار بالقلب مع قدرته على غيره، وهكذا كان دأبه ؛ حتى أصبح بعد برهة من الزمن يتمنى أدنى درجات الإنكار , ولكن هيهات هيهات. ومما ينبغي التنبيه عليه أن الإمام او المسؤول قد يكون يستعمل التقية من اجل السلامة و لذلك ابتلي في ازدواجية الخطاب و الفتيا ، و يعود ذلك الى خوفه من أذية مؤذي أو خشيته من ان تطوله اليد الأمنية ، و يقتصر على الإنكار بالقلب ليبدأ من هذه النقطة مسلسل الهزيمة. و نجده حذر جدا من قول الحق خوفا من السخرية والاستهزاء ؛ و يتذوّق طعمها مرًا في أول الأمر، ثم لا يعود إلى ذلك مرة أخرى.

الدواعش أصحاب عقول مارقة/ احمد الخالدي

منذ أن ظهرت تنظيمات داعش الغدة السرطانية في الجسد العربي حتى اخذت تتقمص شخصية المتمسك بدينه مثله مثل الذي يقبض بيديه على جمرة من اللهب ، فظهرت بثوب القديس فرفعت شعارات رنانة و روجت لأفكارها السقيمة و نشرت مبادئ و قيم بدعها و ضحالة توحيدها الاسطوري الخرافي وبذلك فقد كشرت عن انيابها و بانت حقيقة اهدافها و خبث الطرق و الاساليب الملتوية التي تنتهجها في الوصول إلى غاياتها و من ثمَّ التمكن من رقاب المسلمين و تحقيق مآرب اليهود الصهاينة و سعيهم المتواصل في ضرب الاسلام من داخل الاسلام فكانت داعش الاداة المناسبة لتحقيق حلم بنو صهيون في دولتهم المزعومة ، فتلك التنظيمات الارهابية تدعي الصبغة الاسلامية إلا انها شوهت بجرائمها الدموية حقيقة ديننا الحنيف لأنه دين رحمة و انسانية و امان و سلم لا حرب و سفك الدماء هذا من جانب ، و أما التوحيد الذي جاءوا به فهو توحيد باطل و منحرف وذو عقائد فاسدة كونه يخالف تماماً القرآن المجيد دستور السماء الذي لا ينطق إلا بالحق ولا يأتيه الباطل مهما زعم المارقة المخالفون وكل مَنْ سار بركابهم الخاوية ومما يؤكد لنا تلك الحقيقة الداعشية ما يذهبون إليه في يقينهم بصحة الاحاديث الموضوعة و المنسوبة زوراً و بهتاناً على رسولنا الكريم ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و خلفائه الراشدين و صحابته الكرام ( رضي الله عنهم اجمعين ) فمثلاً هم يقرون برؤية الله تعالى سواء في اليقظة او المنام طبقاً لحديث الشاب الامرد الذي صححه شيوخهم امثال ابن تيمية و ابن كثير و غيرهما  وكذلك اعتقادهم أيضاً بصحة الحديث الذي اورده مسلم في صحيحه عن ابن مسعود و زعمه بأن الخليفة عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) أنه كان يأخذ القران من ابليس و ليس من رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم ) بالله عليكم يا مسلمين، يا عقلاء القوم هل يُعقل أن الخليفة عمر قد اخذ القران من ابليس وهو احد صحابة الرسول و احد خلفائه الراشدين واحد كتَّاب الوحي ؟ فأي عاقل تنطلي عليه تلك الخزعبلات الداعشية ثم أن القران قال صراحة ( لا تدركه الابصار ) وداعش يقولون بإمكانية تحقق الرؤى سواء في اليقظة او المنام ما هذه الترهات و الافتراءات على مقام الذات الالهية المقدسة ؟ فصدق بذلك المرجع الصرخي الحسني حينما وصف الدواعش بأنهم كالبهائم التي لا همَّ لها سوى ملء بطونها و اشباع غريزتها ، والمارقة من الدين فحازوا افضل مراتب الكفر و الالحاد بسبب ما يعتقدون به من تفاهات باطلة و عقائد فاسدة كانت و لا تزال من نسج اليهود الانجاس فقال المرجع الصرخي : (( يا دواعش المارقة قلوبكم لا تفقه ، وعيونكم لا تبصر ، و آذانكم لا تسمع ).مقتبس من المحاضرة (13) من البحث الموسوم ( الدولة المارقة في عصر الظهور منذ عهد الرسول ) في 24/12/2016
فهذه داعش و تلك حقيقتها البشعة التي ترى في الخلق عبيداً لها وكلهم دونها وخلافتها تعلو فوق كل شيء ولكن أية خلافة ؟ حقاً إنها والله خلافة الشيطان و عبيد الهوى ، خلافة سفك الدماء و دمار البلاد و اغتصاب حقوق العباد ، خلافة الجبر و فرض الرأي و المعتقد لا خلافة الامن و الامان و احترام الحريات .
https://www.youtube.com/watch?v=0Y1NdosnJiI


النظر الداخلي إلى الذات بين جون لوك وبول ريكور/ د زهير الخويلدي

" إن الوعي المصاحب لجميع الحالات الشعورية هو أساس الهوية الشخصية"1[1]

إذا كانت مسألة الهوية هي ما يسمح بالقول عن شيء معين أنه يظل نفسه فإن هذا المعطى يُقال ويُدرَك ويُتَصور على أنحاء عدة ويتحدد من جملة من الشروط والعوامل والوضعيات.

على هذا النحو توجد هوية اسمية لكل الأشياء المحسوسة التي يتم تصور موضوعاته من طرف الجمهور، لكن كل واحد من الناس يحوز على أفكاره الخاصة حول هذه الأشياء والمواضيع وقد يشار إلى نفس الشيء بأفكار متباينة ويعبر مصطلح واحد عن أشياء مختلفة.

لهذا السبب تتخطى قضية الهوية المجال المنطقي والمعرفي الذي يقتضي التطابق والتماثل وتظل حبيسة مبدأ الهُوهُو وتتنزل ضمن مجال كوني وتستلزم نحت دلالة وجودية وتختص بالاستمرار وتحفظ الكيان.

لقد نقد جورج باركلي المفهوم المجرد للهوية واعتبره صادر عن معنى الترادف المتداول في الحياة اليومية وناتج عن هوية عددية ترجع إدراكيا إلى المنظور المشترك للتجارب الحسية.

إذا كان المفهوم الفلسفي للهوية مجرد وغير مفهوم ويفضي الى مفاهيم التفرد في مادة الأشياء والتخصص في رسم حدود الأفكار وظل مجال اختلاف وعدم اتفاق بين الفلاسفة أنفسهم فإن الاقتراب من التجربة وإثارة مشكل هوية الأشخاص هو الطريق المضمون بغية بلوغ الغاية.

لكن من أين يأتي للمرء الاعتقاد بأنه لم يعد نفس الكائن نفسه وبأن هويته في طور الضياع؟

يعود الفضل إلى جون لوك في إعادة النظر في مفهوم الهوية خارج الدائرة المنطقية وفي قلب الباطنية الإنسانية وفي إثارة المفارقات التي تهز محاولة كل ذات ثبت هويتها بنفسها2.[2]

لقد كان المشكل التقليدي للهوية الشخصية يتضمن مسألتين:

+الأولى تتعلق بمعرفة ما يكونه شخص ما من جهة التعريف وكذلك من جهة بعد وجوده في العالم الطبيعي وما يمثله من زاوية التجربة التاريخية والسيرة الذاتية التي راكمها حول نفسه.

+الثانية تدور حول معرفة الشروط التي من خلالها يمكن لشخص ما أن يكون مطابقا لذاته أو لشخص آخر في لحظتين مختلفتين من الزمن.

لهذا السبب أجرى لوك تحليلا على مفهوم الشخص من حيث هو مفهوم الوجود الواعي الذي حصل على أفكاره الخاصة وإدراكاته في مستوى الشخص الأول أو الأنا بطريقة انعكاسية، وكشف بأن الوعي هو معيار أو شرط كافي وضروري لكي تتشكل به الهوية الشخصية. وبالتالي يكفي أن يكون المرء واعيا بوجوده الشخصي وبوجود شخص آخر حتى يتسنى له الإقرار بأنه يطابق الشخص عينه.

بيد أن لوك يضيف أمرا آخر حينما يقوم باستدعاء الذاكرة معتبرا إياها  معيارا حاسما في عملية تشكل الهوية الشخصية، ويبرهن على ذلك بالإشارة إلى أن الوعي لا يكون وعيا بالحالة الحاضرة وإنما يتصل أيضا بالحالات الماضية التي كان عليها الشخص.

 من تبعات ذلك قيام جون لوك برفض فكرتين بديهيتين:

+تتعلق الأولى برفض فكرة أن يكون الشخص أو الأنا جوهرا غير مادي أو روحانيا ، وبالتالي ينفي أن يمثل عنصرا بسيطا يمثل مرجعية كل أفكارنا بالنسبة للشخص الأول.

+تشير الثانية إلى استبعاده أن تكون هوية الشخص مستندة بصورة أساسية على هوية الحيوان وعلى جوهر فيزيائي أو بيولوجي وينتصر إلى استقلالية هوية الكائن البشري.

هكذا ترتكز هوية الشخص حسب جون لوك بصورة حصرية على الوعي أو الذاكرة التي تمتلكها عن ذاتها ، بعبارة أخرى تتحدد وفق معيار بسيكولوجي وليس معيارا فيزيائيا.

 في الواقع لا سبيل عند لوك إلى التمييز بين طبيعة أو هوية الشخص ومعيار الهوية الشخصية أي الوعي أو الذاكرة ، وبالنتيجة ليس ثمة معطى تكويني للشخص وهويته غير الاتصال الذاكريcontinuité mémorielle  والحضور التام من الوعي في الوجود .

غير أن موقع جون لوك حسب القراءات المعاصرة يظل يتنزل ضمن النزعة الاختزالية للهوية الشخصية بما أنه بقي يدور ضمن صعوبات جمة وتناقضات لا مخرج له منها.

-         إذا ارتبط معيار الهوية بالذاكرة فإن شخص ما فقد الوعي بحدث ماضي ينتهي إلى الانقطاع عن وجوده الشخصي ويتحول إلى شخص مغاير أو يعود طفلا من جديد.

-         دائرة المعيار الذاكري بالنسبة إلى الهوية الشخصية وذلك بالوقوع في الخلط بين الذاكرة والذكرى وذلك حينما تسلم الذات بهوية شخصية لم تكن قد شكلتها.

لقد كشف بول ريكور على مفارقات الهوية الشخصية التي تشل التقدم وبين أنها تعلمتها الفلسفة ذات اللغة الأنجليزية والثقافة التحليلية عند جون لوك3 [3] عندما حفظت المعادلة بين الهوية الشخصية والذاكرة وأدخلت الفكرة الغريبة عن التنوع4 [4]ضمن تطابق الشيء مع ذاته  وأقر بالنظرة الداخلية دون الوقوع في الجوهرانية وإحلال الذاتية الموضع الذي كانت تتصدره العينية واستخلص بأن الهوية تأتي نتيجة علاقة تحافظ فيها الذاكرة على الدوام والاستمرارية والوفاء للذات بالرغم من تفكك بين الهوية والتطابق بتغير الزمان والمكان . غير أن" لوك لم يثر الحيرة الكبرى على مستوى تماسك حجته ، لقد سجل التقليد الفلسفي لصالحه اختراعه لمعيار الهوية هو معيار الهوية النفسانية وقد أصبح من بعدئذ باستطاعتنا أن نعارضه بمعيار الهوية الجسدية... حيث يسود دوام التنظيم يمكن ملاحظته من الخارج"5[5]

على هذا الأساس، ألم يكشف عندئذ جون لوك دون أن يقصد الطابع المستعصي لسؤال الهوية في حد ذاته؟

لا يمكن طرح مشكل الهوية في علاقة بالإرادة من حيث هي جوهر للنفس ولا يجوز الاقتصار على شغل الوعي الراهن والممكن وإنما يجدر بالمرء البحث عنها مسار متشعب والمراهنة عليها بوصفها فرضية لازمة بالنسبة للحياة الأخلاقية والدينية تستحق الثناء والثواب عن فعل الخير وإتيان الحسن وتحملها مسؤولية عاقبة الأفعال الشريرة التي اقترفتها.

  كما يشير مفهوم الهوية إلى العمل الذي تقوم به الذات بالاعتماد على السرد عبر تاريخها الفاعل والمعذب قصد تكوين صورة عن النفس ذاتها تشكل الأرضية القصصية لإثبات إنيتها.

لقد نتج عن إعادة التشكيل ذاك أن تصير الذات قادرة على إثبات ذاتها من حيث هي تروي قصة حياتها للآخر، وتسمح للآخر بأن يتوسط في ثبت هويتها عبر روايته لقصة حياتها.    لقد حاول بول ريكور بلورة تناول جديد لمسالة الهوية من خلال مقاربة تأويلية للذات تجمع بين فنومينولوجيا الذاكرة إيتيقا الاعتراف وتنطلق من تحليلات جون لوك لمفهوم الهوية الشخصية في كتابه محاولة فلسفية تتعلق بالذهن البشري وتعتمد ترجمة من الانجليزية قام بها أتيان باليبار سماها "الهوية والاختلاف" وتتحرك ضمن الخط الذي دشنه أفلاطون في محاورة "السوفسطائي" ويصل إلى مقال مارتن هيدجر المعنون "الهوية والاختلاف" وكتاب جيل دولوز المسمى "الفرق والمعاودة".

يكمن طرافة هذا الشغل في إعطاء المكانة الرئيسية في عملية ثبت الهوية إلى الاعتراف الذي تمنحه الذات إلى ذاتها ومثلما يجري ذلك ضمن عناصر الذهن. ولقد ترتب عن ذلك أن جهود كل من كانط وفيخته وهيجل وهوسرل لا تكون ممكنة إلا بالتمسك بجون لوك ضمن الاتجاه التجريبي والطبيعي والابتعاد عن المرجعية الديكارتية التي تظل تتحرك ضمن سياق ميثي.

لقد أعاد بول ريكور في كل من "عين الذات غيرا" و"الذاكرة ، التاريخ، النسيان" قراءة النص الذي صاغه جون لوك على ضوء الترجمة الجديدة التي أنجزها أتيان باليبار من الأنجليزية إلى الفرنسية معتبرا إياه المحاور الأول الذي يجدر العودة اليه واعتماد التدقيق الذي قام به حول لفظ Mind  بالنظر إلى تعامله مع الهوية الشخصية بوصفها هوية زمانية بالمعنى الخاص للكلمة وبحكم ربطه التاريخي بين الهوية الإنسانية والظاهرة الذاكرية دون أن يقوم بتقديم تأويل شامل لفلسفته في أبعادها الابستيمولوجية والأخلاقية والسياسية6[6].

 في هذا الصدد جعل ريكور التساؤل عن الهوية يطرح ضمن العلاقة التمثلية الحاضرة للأبعاد الماضية وأدخل لوك إلى قلب المقاربة التأويلية وأدخل الذاكرة إلى باطنية الوعي، ولقد قام بتحريك مفهوم الهوية المنحدر من جون لوك ضمن دائرة الشخص من جهة ذاكرته، واعتمد على مفهوم الصورة الموروث عن أفلاطون وأرسطو والذي يشير إلى حضور شيء غائب بملاحظته من الداخل ضمن تصور واحدي للهوية وتمثل معرفي للماضي الحاضر.

لقد أثمر التدقيق الايتيمولوجي التي قام  به إتيان باليبار للنص الذي كان لوك قد أنتجه إعادة قراءة له بعيون هرمينوطيقية قامت بتحليل مفصل وعميق لتكوين مفهوم الوعي ولمسألة النفسSelf  ووظيفة الذهن  Mindأفضت إلى إضافة جون لوك إلى قائمة فلاسفة الوعي الذين صوبوا النظر إلى الذات من جهة الداخل وواحد من الذين شيدوا أرضية قيام فلسفة الذهنPhilosophy of mind  وعدم الاكتفاء بالنظر إليه من الزاوية التجريبية التي جرت العادة لدى مؤرخي الفلسفة أن ينظروا اليه منها .

لقد سبق لباليبار أن كتب عن الهوية الشخصية والوعي بالذات في محاولة جون لوك7[7] مقالا في العدد الرابع من مجلة الميتافيزيقا والأخلاق سنة 1995 وكان قد شارك في يوم دراسي سنة 1992 نظمه مركز تاريخ أنساق الفكر المعاصر في جامعة باريس 1 تحت إشراف كل من بوتو وبلوخ بمداخلة جاء عنوانها كما يلي: إبداع الوعي ، ديكارت ولوك وكوست والآخرون"8[8].

لقد أدى التدقيق في المعرفة الإنسانية ورسم حدود لملكاتها بواسطة تاريخ أصل الأفكار وقيمة الأحكام المتشكلة من خلالها إلى إعادة إدراك موضوع التجربة خارج إطار ميتافيزيقا الجوهر وعملية طرح الذات التي شيدها الكوجيتو في تأسيسه لذاته وداخل إطار الجمع بين الاعتراف بالذات بواسطة الذات وتحريك ملكة الذاكرة في خدمة طموح بناء الهوية الذاتية.

بيد أن الكشف عن وجود تباين بين تطابقية الهوية وهشاشة الذاكرة التي يداهمها النسيان يسمح بالتفكير في معالجة مسألة الوعي بالذات ضمن حضور الغير بواسطة الشهادة والقص. لقد فرق بول ريكور في كتابه "عين الذات غيرا" بين الهوية التطابقية mêmeté والهوية الذاتية ipséité، ورأى أن العلاقة بين هذين البعدين من الهوية تجري أثناء حدوث التاريخ المروي . لهذا برهن على ذلك بتأكيده أن الهوية التطابقية هي الجزء الذي لا يتغير البتة ويظل كماهو ويمثل الطبع، بينما الهوية الذاتية هي الجزء الآخر من أنفسها ذاتها الذي يتطور نتيجة التغيرات التي يعرفها بمرور الزمن ويمثل الإمساك بالذات واستمراريتها. لقد انتبه بول ريكور إلى تأثير الزمن في تغيير الهوية وكشف عن أهمية تشكيل الهوية السردية تطبيقيا في المجالات التربوية والعيادية والسياسية، وضرب أمثلة على ذلك مثل تواريخ الذات وقصصها المعيشة ومقاربات السير الذاتية وأيضا تجارب التواصل في الحياة السياسية وما تقتضيه عملية الاتصال بالجماهير من تشغيل لآلة صناعة الرأي العام والتلاعب بالعقول وتقديم السياسيين في هيئة زعماء ومناضلين وملهمين. علاوة على ذلك  تحيل هذه المقاربات السردية إلى مخططات تساعد الفاعلين على اكتساب مهارات وانجاز مشاريع مهنية في اهتماماتهم بالحياة العامة ومشاركتهم الآخرين ومرافقتهم لعدة شخصيات ويدور ذلك سواء في مجال النشاط الاجتماعي أو ضمن عمل الباحثين في العلوم الإنسانية.                                           

لقد أدى استثمار السرد في الحياة السياسية إلى جعل السياسة تقنية لصناعة التواريخ وتشكيل العقول وتحويل مهمة رجل السياسة إلى سارد ماهر يستطيع أن يلبس السياسة صورة مهرجان ضخم من حكاية التواريخ بحيث يلعب الإعلام في ذات الوقت دور المؤثر والملهي. هكذا يتحول مفهوم الهوية السردية إلى شرط الإمكان الفهم العميق والفعل الحصيف للإنسان.

جملة القول أن بول ريكور اتبع في مساره الفكري نحو وضع مفهوم جديد للهوية ضمن إشكالية الاعتراف في كتبه "عين الذات غيرا"1990 و"الذاكرة ،التاريخ ، النسيان"2000 و"مسار الاعتراف" 2004، الأفق الذي فتحته قراءاته المعمقة لفلسفة جون لوك على ضوء الترجمة الجديدة التي بلورها أتيان باليبار لكتاب الهوية والاختلاف سنة 1998 وما أظهرته من كيفيات في تنزيل مسألة الهوية الشخصية ضمن منظورية فنومينولوجيا الذاكرة9[9]. بهذا المعنى منح بول ريكور لنظرية جون لوك حول المعنى الزمني للهوية مكانة مفضلة في تطور هرمينوطيقا الذات وانطلق منها للتساؤل بصورة رئيسية حول القدرة التي يمتلكها شخص معين من أجل بلورة علاقة مع ذاته عينها ضمن تجربة نظر من الداخل وحاجته إلى تدخل الغير من المرآة العاكسة وطلب تحقيق الاعتراف المتبادل معه معرفيا وإيتيقيا.

لقد جعل بول ريكور من الوساطة السردية المفتاح الذي يمكن استعماله بغية الخروج من المراوحة بين الهوية التطابقية والهوية الذاتية وتحقيق جدلية بين الإنية والغيرية تعيد تعريف الذات من زاوية حضورها المتجسد في العالم ولقائها التوليدي مع الأغيار عبر مرآة النص.

اللافت للنظر أن شارلز تايلور قد أبان أيضا عن أهمية الأنا المحدد moi ponctuelعند لوك لما حاول إصلاح الذات الديكارتية غير الملتزمة بجعلها تنظر إلى ذاتها من الداخل10[10].

بهذا المعنى  يتراوح مطلب الهوية بين عرض الذات من حيث هي منجزة في وسط ثقافي مستقر وكذلك من جهة كونها متشكلة ضمن تجليات رمزية يمكن ملاحظتها بوضوح من الخارج وبين تأويل للعالم يقوم بتنظيم المعيش بواسطة تمثلات، ويتأرجح وجودها بين أن تكون مجرد قوقعة جوهرانية فارغة تعتنق أوهام اعتقادية متعالية وأن تكون ثمرة حوار تفاعلي وخصب بين فاعلين اجتماعيين يحملون مشاريع حضارية ضمن مؤسسات متنافسة.

هكذا يرتكز المنظور الإجرائي للهوية على مسار بنائي للشأن الاجتماعي في تنظيم تعاوني ضمن أفق تشاركي بين الأفراد والمجموعات يحققون فيه التواصل بين مشاريعهم المشتركة وطموحاتهم الفردية ويبلورون استراتيجياتهم في سياق تطوير الهوية المؤسساتية وإبرام مصالحات بين المتغير والمستمر، وبين الخصوصي والكوني، وبين التباين والتعايش.

لكن متى تتحول الهوية من قضية خلافية وفضاء نزاعي وخطاب حربي إلى ملتقى جامع وأرضية مشتركة وكتلة تاريخية للفعل الحصيف الذي يؤلف بين عناصر لامتناهية التعقيد؟

 الهوامش والإحالات:

1-    Locke (Jean), Essay, II, 27, 15, Traduit par Coste, « Car que l’âme (soul) d’un Prince , accompagnée d’un sentiment intérieur (consciousness) de la vie de Prince qu’il a déjà menée dans le monde, vint à entrer dans le corps d’un Savetier, aussitôt que l’âme de ce pauvre homme aurait abandonné son corps, chacun voit que ce serait la même personne que le Prince, uniquement responsable des actions qu’elle aurait faites étant Prince ».

2- Engel (Pascal), introduction à la philosophie de l’esprit, édition de la découverte, Paris, 1994, pp161-164.

3- أنظر ريكور (بول)، الذات عينها كآخر، ترجمة جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، طبعة أولى، 2005، صص،268-270.

4- Voir Locke (John) , Identité et différence, l’invention de la conscience, édition seuil, Paris, 1998.

5- ريكور (بول)، الذات عينها كآخر، مرجع مذكور، ص270

6- Voir  Monseau (Nicola), l’identité entre phénoménologie de la mémoire et éthique de la reconnaissance selon Paul Ricœur, in Revue Philosophique de Louvain ,n°4, novembre 2007,pp678-705 .

7- Balibar (Etienne), Identité et conscience de soi dans l’Essai de Locke, dans Revue de Métaphysique et de Morale, n°4, 1995, pp455-456.

8- Balibar (Etienne), l’invention de la conscience. Descartes, Locke, Coste et les autres, dans traduire les philosophes. Actes des Journées d’études organisées en 1992, par le Centre d’histoire des systèmes de Pensée Moderne de l’université de Paris, I, (U.F.R de philosophie), sous la direction de J. Moutaux et O. Bloch, Paris, Publications de la Sorbonne, pp.287-299.

9- Voir Locke (Jean), Identité et différence. L’invention de la conscience, présentée, traduit et commenté par Etienne Balibar, édition du seuil, Paris, collection Points, 1998.

10- Taylor (Charles), les sources du moi, la formation de l’identité moderne, traduit de l’anglais par Charlotte Melancon, éditions du seuil, Paris, 1998 , pp211-232.

 المصادر والمراجع:

ريكور (بول)، الذات عينها كآخر، ترجمة جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، طبعة أولى، 2005،

Locke (Jean), Identité et différence. L’invention de la conscience, présentée, traduit et commenté par Etienne Balibar, édition du seuil, Paris, collection Points, 1998.

Taylor (Charles), les sources du moi, la formation de l’identité moderne, traduit de l’anglais par Charlotte Melancon, éditions du seuil, Paris, 1998 ,

Engel (Pascal), introduction à la philosophie de l’esprit, édition de la découverte, Paris, 1994

Actes des Journées d’études organisées en 1992, par le Centre d’histoire des systèmes de Pensée Moderne de l’université de Paris, I, (U.F.R de philosophie), sous la direction de J. Moutaux et O. Bloch, Paris, Publications de la Sorbonne,

Revue Philosophique de Louvain , n°4, novembre 2007.

 [1] Locke (Jean), Essay, II, 27, 15, Traduit par Coste, « Car que l’âme (soul) d’un Prince , accompagnée d’un sentiment intérieur (consciousness) de la vie de Prince qu’il a déjà menée dans le monde, vint à entrer dans le corps d’un Savetier, aussitôt que l’âme de ce pauvre homme aurait abandonné son corps, chacun voit que ce serait la même personne que le Prince, uniquement responsable des actions qu’elle aurait faites étant Prince ».

[2] Engel (Pascal), introduction à la philosophie de l’esprit, édition de la découverte, Paris, 1994, pp161-164.

[3]  أنظر ريكور (بول)، الذات عينها كآخر، ترجمة جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، طبعة أولى، 2005،صص،268-270.

[4] Voir Locke (John) , Identité et différence, l’invention de la conscience, édition seuil, Paris, 1998.

[5]  ريكور (بول)، الذات عينها كآخر، مرجع مذكور، ص270

[6]Voir  Monseau (Nicola), l’identité entre phénoménologie de la mémoire et éthique de la reconnaissance selon Paul Ricœur, in Revue Philosophique de Louvain ,n°4, novembre 2007,pp678-705 .

[7] Balibar (Etienne), Identité et conscience de soi dans l’Essai de Locke, dans Revue de Métaphysique et de Morale, n°4, 1995, pp455-456.

[8] Balibar (Etienne), l’invention de la conscience. Descartes, Locke, Coste et les autres, dans traduire les philosophes. Actes des Journées d’études organisées en 1992, par le Centre d’histoire des systèmes de Pensée Moderne de l’université de Paris, I, (U.F.R de philosophie), sous la direction de J. Moutaux et O. Bloch, Paris, Publications de la Sorbonne, pp.287-299.

[9] Voir Locke (Jean), Identité et différence. L’invention de la conscience, présentée, traduit et commenté par Etienne Balibar, édition du seuil, Paris, collection Points, 1998.

[10] Taylor (Charles), les sources du moi, la formation de l’identité moderne, traduit de l’anglais par Charlotte Melancon, éditions du seuil, Paris, 1998 , pp211-232.