الوقتُ والذكرى/ د. عدنان الظاهر

أهلي كانوا
بالأمسِ هُنا كانوا
سدّوا الأبوابَ وغابوا
لم أسمعْ صوتاً في البابِ ولا في ظُلُماتِ رطوباتِ السردابِ
" بابلُ " تبقى
شامخةً رأسا
وبأهلي تفنى داري
هذا الدارُ تأرّجحَ يوماً تحتَ الزلزالِ ومالا
سَقَطتْ من سقفٍ أحجارُ
هذا الركنُ مكانُ الأُمِّ
هذا مُتكأُ الوالدِ عصراً صيفا
وهنا أقداحُ الشاي تهادى والحلوى صفّاً صفّا
اللونُ الأسودُ يكتمُ أنفاسي
هل جئتُ الدنيا ليلا ؟
الظُلمةُ غاباتٌ وذئابٌ جائعةٌ سودُ
تبحثُ عن " ليلى " أُخرى أصغرَ سِنّا
تحملُ للعمّةِ سلاّتِ العيدِ وإكليلاً من وردِ العَسْجدِ والندِّ
لم تشهدْ ليلى ذئباً قبلا
لم تجزعْ لم تصرخْ حتى
وجدوهاً غافيةً في جُبِّ البئرِ المحفورِ حديثا
 كَبُرتْ ليلى وغدتْ أقوى عودا
لا تخشى ذئباً أو وحشا
شاخَ الذئبُ تساقطَ ذيلا
وتسوّسَ نابا
لكنْ ليلى طَفِقتْ تشكو أوجاعَ الأضلاعِ اليُسرى
تضمرُ آلاماً أخرى
هل أُهديها دُبّاً قُطبيّاً أو نمراً قُطنيّا ؟
ليلى تهوى الدُبَّ الأبيضَ مُفتَرِشاً أرضا
يحميها ويُدافعُ عنها
في جولاتِ الغابِ المُكتظِّ بأشجارِ الحورِ
...
كَبُرتْ ليلى
وجدتْ وَطَناً آخرَ أعلى شأنا
جابتْ أصقاعَ الدُنيا بَرّاً بحراً جوّا
لم تنسَ العَمّةَ والبيتَ المتقادمَ عهدا
ـ لم تنسَ الذئبا ـ
لا ترتاحُ لصوتٍ أعلى من صوتِ الرعدِ
تحلمُ في الظُلمةِ أحياناً تبكي.
.....
النومُ إلى ما بعدَ شُعاعاتِ النورِ الفجريِّ حرامُ
خشيةَ أنْ تتقطّعَ أنفاسٌ في القبوِ السريِّ المُزري
هاتِ أوراقَ اللُعبةِ هاتِ
حيثُ الكُلفةُ أغلى من رأسِ العرشِ الماسي
طاحونُ اللعنةِ يزأرُ في رأسٍ مُحتجّا...
أتقصّى
دَرَجاتِ طقوسِ التقويمِ الشمسي
أقفو آثارَ مرورِ الصوتِ على أوتار الدقّةِ في عودِ الوقتِ
تتساقطُ ساعاتٍ ساعاتِ
أُرقبُ أسنانَ الدولابِ الدوّارِ
يعلو صوتا
في قسوةِ حرِّ شهورِ الصيفِ
 يتوسّعُ أصداءً أقوى فِعلا
ويُفرِّقُ أنغامَ تخوتِ الموسيقى شرقيّا
حيثُ الشمعُ قناديلٌ تصطفُّ على رفِّ الدمعِ وقوفا
يقرعُ أجراسا
ويُعالجُ في جسدٍ مصلوبٍ مِسماراً يَدمى مسموما
يتهرّأُ أشواكا.



الحجّ ليس عبادة وأداء مناسك فقط / صبحي غندور

عسى أن يحمل حجّاج بيت الله الحرام هذا العام، في رحلة عودتهم سالمين بإذن الله، كثيراً من معاني الحج إلى أهلهم وقومهم. ففي تلك المعاني وحدها شفاء المجتمعات.. لا ببركة "ماء زمزم" فحسب!!
إنّ هناك معانٍ نبيلة عظيمة يمكن استخلاصها من مناسبة الحج، وما في هذا التجمّع السنوي البشري الضخم من مغزًى، يتجاوز طبيعته كركن عبادة متوجّب على من استطاع من المسلمين إليه سبيلا. ففي الحجّ يلتقي، من بقاع الأرض قاطبةً، ملايينٌ من البشر. ويتساوى على أرض مكّة وفي مناسك الحج: الغنيّ والفقير، الأبيض والأسود والأسمر، الرجال والنساء، والحاكم والمحكوم. وفي الحجّ أيضاً تظهر وحدة الجنس البشري ووحدة الدين الإسلامي، فلا تمييز في الحجّ ومناسكه بين عربيٍّ وأعجميّ، ولا بين مسلمٍ من هذا المذهب أو ذاك.
كذلك يرتبط الحج بوحدة الرسالات السماوية وبتكريس الإيمان بالله تعالى وبكلّ رسله وكتبه، فالأضحية في الحج والمزار المقصود فيه وكثير من مناسكه تتّصل بالنبيّ إبراهيم، أبي الأنبياء، بمن فيهم موسى وعيسى وخاتم الأنبياء محمّد، صلوات الله عليهم أجمعين.
هذه المعاني الكبيرة كلّها تتكرّر كلَّ عام، على مدار أكثر من 14 قرناً، لأيامٍ معدودة، ثمّ يعود الحجّاج بعد أداء المناسك إلى أوطانهم وأقوامهم ليجدوها كما تركوها، مليئة بنواقض ما عاشوه من نبل معانٍ وما أدركوه من دروسٍ عظيمة في الحج.
فالحجّاج في زمننا هذا يعودون إلى أوطانٍ عربية وإسلامية لا تتوافق أوضاع الكثير منها مع حقيقة حِكَم الحج ومعانيه، إذ يعيش بعض هذه البلدان انقساماتٍ حادّة بين مسلمين ومسلمين، بينما جمعت مناسك الحج بين مسلمين من مختلف الفرَق والمذاهب والاجتهادات، والكلّ يعلم أنّ أحَدَ أهمّ معاني الحج هو إظهار وحدة المسلمين في تجمّعهم السنوي الهائل. 
كذلك الأمر بالنسبة لأوطان تتعدّد فيها الأعراق والإثنيات والطوائف، وبعضها يعاني الآن من حالات انقسام وتمييز، بما يتناقض تماماً مع ما نشهده في الحجّ من مظاهر الوحدة الإنسانية وغياب الفوارق بين الأجناس والأعراق.
يعود الحجّاج إلى أوطانهم ليجدوا في معظمها هذا الانقسام الاجتماعي الحادّ بين الغنيّ والفقير، وبين الحاكم والمواطن، وبين المحروم والمالك، بينما الدعاء في الحج "له الملكُ وحدَه، لا شريكَ له"!.
في الحجّ يتساوى الناس أيضاً في لباسهم وأشكالهم، وحينما يعود الحجّاج إلى أوطانهم تصدمهم فئات من الناس منشغلة بآخر صرعات الأزياء وأشكال الوجوه والأجسام وزينة الحياة الدنيا!!
يعود الحجّاج إلى أهلهم وقومهم ليسمعوا منهم من جديد رواياتٍ وقصصاً عن خلافات بين أتباع هذا المذهب أو ذاك، أو من هم على دين رسولٍ آخر من أحفاد النبيّ إبراهيم عليه السلام، ممّن وصفهم القرآن الكريم ب"أهل الكتاب".
يعود الحجّاج إلى حياتهم العادية ليلمسوا فيها وفي مجتمعهم هذا التمايز الكبير بين الرجل والمرأة، ولمفاهيم وممارسات مناقضة لما عاشوه في الحجّ من مساواة بين الرجل والمرأة في كلّ المناسك، فالاختلاط بين الرجال والنساء حلالٌ في الحجّ وحرامٌ في غيره!!.
إنّ الحجّ ليس عبادة وأداء مناسك فقط، يقوم بها المسلم من أجل التكفير عمّا مضى من ذنوبه، بل هو، كما صوم شهر رمضان المبارك، من أجل بناء مجتمع أفضل، ولتدريب الفرد على ما هو متوجّب عليه تجاه الإنسان الآخر والجماعة عموماً. فالصائم الذي يدرك قيمة الجوع والعطش يشعر أيضاً بواجبه تجاه الآخرين والفقراء والمحرومين، ولذلك سُمّي شهر رمضان بشهر العطاء، والعيد من بعده هو عيد فطر الصائمين الذين جمعوا بين حرمان النفس والعطاء للآخرين. فعيد الفطر وعيد الأضحى هما مناسبتان تتّصلان  بأعمال وسلوك وعطاء ومعانٍ نبيلة وقيم لممارستها في مختلف الأزمنة والأمكنة.
وحبّذا لو يكون عيد الأضحى، في كلّ عام، هو عيد احتفال المسلمين بتكريس معاني الحج وليس الاكتفاء فقط بالقيام بالأضحية وبتكريم حجّاج بيت الله الحرام. فالأوطان العربية والإسلامية ينطبق الآن عليها حال وصف مرض "ازدواجية الشخصية". ففي معظم هذه البلدان تزداد على المستوى الفردي ظاهرة "التديّن" واهتمام الناس بالعبادات الدينية، لكن مع ابتعادٍ كبير لهذه المجتمعات عن مبادئ الدين وقيَمه وفروضه الاجتماعية تجاه الآخرين مهما كانت طوائفهم وأصولهم الإثنية.
إنّ الله عزّ وجلّ يقاضي الناس ويحاسبهم على أعمالهم بشكل فردي، فلا تُظلَم، بلا ذنب، جماعةٌ بأسرها، عائلةً كانت أم قبيلة أم طائفة أم أمّة، لأنّ أفراداً منها أساءوا. وهذه الحكمة الإلهية جليّة الوضوح في قوله تعالى: "ولا تزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى"، إذ لا يجوز أن ينظر الناس إلى بعضهم البعض من مواقع عائلية أو قبلية أو طائفية، فيتمّ إمّا تكريم أشخاص أو ظلمهم تبعاً لانتماءاتهم، لا بسبب كفاءتهم أو أعمالهم.
إنّ العرب خصوصاً، بحكم دور ثقافتهم ولغتهم في التاريخ الإسلامي، واحتضان أرضهم للمقدّسات الدينية كلّها، مدعوون إلى مراجعة هذا الانفصام الحاصل في شخصية مجتمعاتهم، وإلى التساؤل عن مدى تطبيق الغايات النبيلة فيما هو منصوصٌ عليه من قيم وواجبات دينية.
فأين الالتزام بقول الله تعالى: (ولقد كرَّمنا بني آدم) بغضِّ النّظر عن أصولهم وأعراقهم وألوانهم وطوائفهم؟ أين العدالة والمساواة والشورى وكرامة الإنسان في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية؟ وأين الوحدة في هذه المجتمعات، وأينَها بين بعضها البعض؟ أين التكافل الاجتماعي ومكافحة العوز والفقر؟ وأين دور الاجتهاد والعلم والعلماء في مواجهة الجهل وعلامات الجاهلية المتجدّدة؟ أين رفض التعصّب والتمييز العرقي والإثني والطائفي؟ أين المسلمون من جوهر إسلامهم، وأين العرب من كونهم "خيرَ أمّةٍ أُخرِجت للناس" بعدما حملت رسالةً تدعو إلى الإيمان بالله الواحد وبكتبه ورسله، لا تفرّق بينهم، وتؤكّد على وحدة الإنسانية وعلى قيم العدل والمساواة بين البشر؟!.

الى متى تبقى أعياد شعبنا وأمتنا مؤجلة؟/ راسم عبيدات

هي تقول لنفسها وبصوت مرتفع كيف لي ان احتفل بالعيد وانا اودع ابني شهيد....؟؟ كيف احتفل بالعيد وابنى الأخر مضى على وجوده في سجون الإحتلال ربع قرنٍ لم اعرف معها أي طعم أو معناً للعيد..؟؟؟ وتتزاحم في رأسها الأسئلة والأفكار،وتحاكي نفسها من جديد ابنتي وزوجها واطفالها شردوا من مخيم اليرموك في الشام على يد العصابات التكفيرية وهدم بيتهم، وخرجوا في رحلة تيه جديدة،في نكبة جديدة تضاف الى نكبات شعبنا الأخرى...وها هي ابنتي الثانية يهدم بيتها في الولجة المحاصرة من كل الجهات،ويصر  زوجها على إعادة إعمار البيت،وهو يقول لن نرحل في رحلة تيه جديدة،فيكفي تشريدنا من قريتنا الأصلية التي هدموها وستبقى شاهد على جريمتهم بيوتها المهدمة،ففي نكبة الثمانية وأربعين طردونا وهجرونا من قريتنا، هم يهدمون ونحن نبني ولن نستسلم ولن أغادر بيتي في المرة القادمة لو هدموه فوق رأسي ورأس زوجتي وأطفالي مئة مرة..فنحن أصحاب الأرض وهم العابرون.

هي تقف الآن حائرة فجسدها وأفكارها موزعة على كل مساحة فلسطين التاريخية،حيث مشاريع التهويد والأسرلة تطال كل بقعة فيها،تسمع من أقاربها وأبناء شعبها عن حرب شرسة وعملية تطهير عرقي،هدفها واضح نفي وجود أصحاب الأرض الشرعيين واقتلاع جذورهم بالكامل،فهناك مجازر حجر ترتكب في قلنسوة والولجة والأغوار ومختلف مناطق القدس وبالأخص منها سلوان ومسافر يطا وسوسيه..وغيرها،وهناك إقتلاع بالكامل كما يحدث في النقب،حيث قرى العراقيب تهدم للمرة السابعة عشر بعد المائة وقرية ام الحيران التي هدمت،وكل قرى شعبنا هناك المسماة بالقرى غير المعترف بها،والتي وجودها سابق لوجود الاحتلال يتهددها خطر الإقتلاع والترحيل.

تصمت قليلاً تشعر بحشرجة في صوتها وتمسح دموع متساقطة على وجنتيها اللتان حفر فيهما الزمن والألم والحسرة أخاديد عقيمة..وتقول كيف سيعيش من يريدون لإستيلاء على منازلهم في منطقة الشيخ جراح ...؟؟،عائلة شماسنه أيوب وفهيمه عجوزين طاعنين في السن سيجري طردهما وترحيلهما من بيتهما،هم والإبن والأحفاد،وإقتلاع جذورهم ووجودهم وذكرياتهم واحلامهم،كذلك سينفذ هذا المخطط التهويدي بحق كل سكان كبانية ام هارون ببيوتها الخمسة والأربعين وكامل منطقة الشيخ جراح.

تتصارع الأفكار في رأسها وتخرج كلماتها غاضبة عالية الصوت في سيل من الشتائم على القادة العرب والأمة العربية والإسلامية،وحتى أبناء جلدتها لم يسلموا من تلك الشتائم،فهي تقول يقسمون شعبنا خدمة لمصالحهم  واجنداتهم ومشاريعهم وصراعهم على السلطة،ويحقدون على بعضهم اكثر من حقدهم على الاحتلال،وتقول حسبي الله ونعم الوكيل،كيف سيمر العيد على أمهات الشهداء المحتجزة جثامينهم في ثلاجات الاحتلال..؟؟ وعلى زوجاتهم وأبنائهم، تستذكر ام الشهيد محمد أبو سرور من مخيم عايدة في بيت لحم،وكذلك أمهات وعائلات الشهداء مصباح أبو صبيح وفادي القنبر من البلدة القديم بالقدس وجبل المكبر والقائمة تطول وتطول.

أي عيد هذا وأبناء شعبنا في مخيمات لجوئهم،يريدون إقتلاعهم حتى من صفائح الحديد التي تأويهم في ظروف وأوضاع تفتقر الى الحد الأدنى من شروط الحياة الإنسانية ...!!!،فاليرموك اكبر مخيمات شعبنا في الشام اختطفته الجماعات الإرهابية والتكفيرية،قتلت وشردت معظم اهله،وهدمت الكثير من بيوته،وكذلك تحاول تلك الجماعات الإرهابية والمجرمة،ان تختطف اكبر مخيمات شعبنا في لبنان،مخيم عين الحلوة،ولنفس الإستهداف والهدف،دفع شعبنا لهجرة جديدة من اجل ان لا تبقى تلك المخيمات شاهد على جرائم الاحتلال وتواطؤ المجتمع الدولي،وعجزه عن إعادة شعبنا الى وطنهم وأراضيهم التي شردوا منها بفعل العصابات الصهيونية التي طردتهم وهجرتهم قسراً،ولكي لا يستمر ساكنيها متمسكين بحق العودة،وهدف مهم آخر القضاء على رمزيتها،كمعاقل للنضال والكفاح والصمود،فهي من حضنت مقاومة شعبنا،ورمز نضالاته وتضحياته.

بين بكاء وضحك تكمل حديثها مع نفسها وبصوت مرتفع،فيه وصف دقيق لمرحلة رديئة وقذرة،مرحلة تقول هي،كيف تصبح إسرائيل صديقة للكثير من الدول العربية،يلهثون للتطبيع العلني معها،وأبعد من ذلك التحالف والتعاون والتنسيق،وبانها ليست العدو لشعبنا وأمتنا العربية والإسلامية،بل ايران ومحور المقاومة..؟؟أيعقل هذا...؟؟ من تحتل أرض شعب وأمة،وتطرد وتهجر أكثر من نصفه صديقة،ومن يقفون الى جانب ثورتنا ومقاومتنا وامتنا أعداء لنا ولأمتنا..؟؟ كيف تستقيم هذه المعادلات..؟؟.

ولكنها تقول كل شيء في هذا الزمن الحراشي جائز،إذا كنا نحن ونحن واقعين تحت الاحتلال،الجاثم على صدورنا المانع لحريتنا والمتحكم في حياتنا من ألفها ليائها،وصلنا الى مرحلة ان نعاقب بعضنا البعض،ولذلك ليس غريباً على هذه الدول العربية والإسلامية التي إصطفت خلف "إمامة" ترامب" في قمم الرياض الثلاثة في أيار الماضي،ودفعت له صاغرة الجزية مئات المليارات من الدولارات.

تمسك مسبحتها وتسبح وتشكر ربها وتقول،الحمدالله بفضل حكامنا المرتزقة والمأجورين،لم يعد شعبنا وحده اللاجىء،بل كل شعوبنا العربية أصبحت لاجئة،في سوريا والعراق وليبيا واليمن،ويا حسرتي على اليمن،يذبح كل يوم اطفاله بطائرات لما يسمى بتحالف عربي،لم تعرفها طريقها يوماً الى فلسطين،ليس لهم ذنب سوى أنهم يريدون حكومة تعبر عن إرادتهم كيمنيين،وتقيم لهم نوعاً من العدالة الاجتماعية.

وتقول والقول لها هنا،اكثر ما يغيظني أن تجار الدين ومؤسسات الإفتاء،والذين ليل نهار  كانوا يذرفون دموع التماسيح على حلب والموصل،لم يحركوا ساكناً تجاه ذبح وحرق أطفال اليمن..؟؟

تحاور نفسها وتقول بصوت عالٍ إلى متى ستبقى اعيادنا مؤجلة فلسطينياً وعربياً..؟؟ وهل هذا الواقع الرديء والقيادات المتكلسة والمتنمطة والمنهارة قدر شعبنا وأمتنا...؟؟ هل يعقل أن شعباً وأمة قدموا الملايين على مذبح الحرية والإستقلال من الإستعمار،أصابها العقم وأصبحت عاقرة..؟؟

تتراءى لها قبة الصخرة من بعيد وتختم بالقول، ما دام المقدسيون بوحدتهم وإرادتهم بكل مكوناتهم ومركباتهم الوطنية السياسية ،الدينية،المجتمعية والشعبية الجماهيرية وبسجاجيد صلواتهم، قد حققوا نصراً مستحقاً على أعتى آلة حربية في المنطقة،فهؤلاء ليسوا بقدرنا المؤبد،وسينهض شعبنا وأمتنا من جديد،والتاريخ لم يعرف شعوباً خانت مصالحها وأهدافها،وإن فعلت ذلك حفنة من قياداته المرتزقة والمنتفعة.

حارسة حوض النعناع امل مرقس ..تكريم للصوت الدافئ والجمال الفني/ شاكر فريد حسن

جرى قبل ايام بمؤسسة محمود درويش في كفر ياسيف تكريم الفنانة الفلسطينية المتألقة الساطعة والمشعة كالبدر في كبد السماء ، المحلقة في عالم الفن الملتزم والغناء التراثي الفلسطيني ، امل مرقس ، وهذا التكريم المستحق والمتواضع هو بلا شك تكريم للصوت الملائكي المخملي الذي يشنف الآذان ويسحر الارواح ويدغدغ المشاعر والعواطف ويمس شغاف القلوب ، الصوت المرقسي الذي يحمل سمات الرقة والنعومة والصفاء والعذوبة والحزن والشجن والفرح في آن ، وتكريم للجمال الانساني والفني والروح الدافئة المؤمنة بالقيم والاهداف الانسانية والمثل العليا ، وللثقافة الفنية الابداعية التنويرية التي تتمتع وتتسلح بها امل الفنانة والاعلامية الرائعة ، ذات الصوت الساحر الخلاب ، وذات الحضور المتوهج والاحساس الأتيق . انه تكريم للدور الشاسع الذي أدته امل مرقس في نشر الكلمة الملتزمة ، وتأصيل فكر التقدم والعدالة ، فكر النقاء الثوري، وتأسيس اغنية وطنية تقدمية ثورية بروح انسانية في حدائق وحقول الفن والغناء الابداعي الفلسطيني في الداخل .
امل مرقس خامة صوتيه ذات لون فريد وخاص ، وجرس حنجرتها مميز ، فهو كالنجم المذنب يلمع وهو يهوي ، بقدر ما يلمع وهو يتألق . واذا تساءلتم ماذا اعني بالمميز فانني اقول انه يكاد لا يخرج عن دائرة الرحابنة وفيروز في ما ندر ، ولذلك ليس غريباً ان البعض يدعوها " فيروز فلسطين " رغم انها تحبذ ان ينادى عليها باسمها ، رغم العشق للغناء الفيروزي الرحباني واعتزازها بتراثهم الغنائي وارثهم الفني الباقي .
امل مرقس ايقونة غناء وقارورة عطر ، تبعث بالحانها وانغامها الخلابة الى اعماق الافئدة الباكية الحزينة القلقة فتنعشها ، وهي منحازة للناس البسطاء ، للكادحين والشغيلة الذين يعانقون رايات الحرية ، وتذود عن قيم العطاء والجمال والخير والابداع .
امل مرقس منذ ان امتطت حصان الغناء ووقفت على منصة مخيمات واعراس العمل التطوعي لتخاطب السواعد المعطاءة التي تبني وتعطي وتضحي ، وتشدو لهم قصائد الحب واناشيد الثورة والغضب والكفاح ، وترانيم المقاومة والنضال ، ومنذ مشاركتها في احتفالات الصحافة الشيوعية في فنار عكا وعلى اسوارها التي عجز نابليون عن اختراقها ، وهي تحمل رسالة وطنية بامتياز ، رسالة الفن الفلسطيني الاصيل الحقيقي ، وتواصل الدرب نفسه ، ولن تحيد عنه ابداً ، درب الغناء الملتزم ، فهي فنانة رائدة ومثقفة تهمها الكلمة قبل اللحن وقبل الأداء ، ولا تشدو سوى الاغاني الملتزمة والتراثية التي تنبض بالدفق العاطفي الوطني والاحساس الكفاحي الثوري ، وقد تغنت بكلمات قصائد توفيق زياد ومحمود درويش وراشد حسين وسميح القاسم وشكيب جهشان ومروان مخول وسواهم من اعلام الالتزام الوطني المقاوم الرافض . 
امل مرقس استطاعت ونجحت في خطف القلوب وسحر الارواح ومعانقتها بصوتها واغانيها وادائها ووقفتها الواثقة وابتسامتها وحضورها واناقتها وجمال روحها والالحان الراقية العذبة التي وضعها شريك حياتها الفنان المبدع نزار زريق ، وهي تعيش اغنيتها باحساسها على المسرح وتتفاعل معها أداءً وحركة وتماهياً عميقاً مع كلمات القصائد المغناة .
لقد صدقت واجادت في الوصف والتعبير الروائية الكاتبة راويه جرجورة بربارة عندما قالت عن امل مرقس ، ولا اجمل واصدق من قولها " امل صاحبة العينين الخضراوين الساحرتين وحادية اللحن وحارسة احواض النعنع ، التي عقدت ضفائرها وسرحت احلامنا والهمت مشاعر العشاق وهي تغني "في قهوة على المفرق وفي موقدة وفي نار " ، فيا عنباً تخمر في خوابي المحبة والعطاء ، كيف لا نثمل من عبق فنك ؟ يا زيتاً تغرق من زيتون الجليل كيف لا يغرس اهل بلدك الارض لك بالأزهار وانت صاحبة الصوت الفيروزي ، وفيك لون العوسج وغبار اللوز ".
امل مرقس فنانة اصيلة ، وانسانة كبيرة بقلبها الذي يحمل في شرايينه محبة الانسان ، صوتها قيثارة حب ولمسة حنان ونبضة روح ، واغانيها هتافات للانسانية والكونية ، وترانيم عشق للوطن والارض والزيتون والبرتقال والنعنع البري والسنديان الجليلي والزعتر المثلثي ، ومناجاة للأم الفلسطينية التي انتظرت ابنها وعاد عاد مستشهداً .
وتكاد امل مرقس متفردة بهذا اللون الغنائي الفني المميز الخاص المرتبط بهموم وقضايا شعبنا ، الذي ينعش ويدهش ويعانق المشاعر الانسانية الرقيقة .
امل مرقس الصوت الرقيق والاحساس المرهف الجميل المنساب كشلال الماء ، لا يحتاج لترجمة   ولا جواز مرور للقلب ، فهو صوت فيه شذى ياسمين الشام واريج ارز لبنان وعبير ورود وزهور فلسطين لتسافر بنسماته العليلة الى شام الاسد التي تتشارك وتتقاسم الالم والوجع والهم والعذاب مع فلسطين نفس الايقاعات والتطلعات والآمال والأحلام . 
امل مرقس ..الف مبروك التكريم الذي يعني الكثير من الدلالات ، فانت تستحقين واكثر ، ودمت باصالتك وروحك وغنائك والتزامك الوطني الفلسطيني ، وليبق صوتك مدوياً مجلجلاً يبث الامل والتفاؤل الثوري بين الناس والكادحين الذين سيهبون ويفجرون ثورة الغضب الحمرا ، رغم الزلزال الفكري العاصف ، وتحية عاطرة لك عابقة باريج الحبق والورد الجوري .

الصورة النمطية لإفريقيا في الإعلام الغربي: جوع وفساد وإيدز/ حسن العاصي

يظن معظم الغربيين أن القارة الإفريقية هي عيارة عن صحراء مترامية الأطراف، يقطنها شعب واحد يشترك بصفات سواد البشرة وبياض الأسنان، فقد ارتبطت صورة إفريقيا والإنسان الإفريقي في ذهنية الغربي بتراثهم القديم الممتلئ بثقافة التعالي والعنصرية والإيمان بتفوق العرق الأبيض على سواه من الأعراق، وقد ساهم بعض الكتاب الغربيين في ترسيخ هذه الصورة المتخيلة عن إفريقيا في عقل الغربي، ويمكن هنا أن نورد كتاب " من قلب الظلمة " للكاتب الروائي البولوني " جوزف كونراد " وكذلك الكاتب الألماني " كاي ماي " الذي كتب سلسلة من كتب المغامرات اعتمدت على الوصف الخيالي لإفريقيا، وذكر الكاتب فيها مغامرات حصلت في السودان ووصفها وصفاً دقيقاً وهو يقبع في  السجن، دون أن تتاح له فرصة زيارة إفريقيا، واللافت أن هذه الكتب ما زالت تحقق مبيعات مرتفعة في الدول الغربية.
إن التنافس بين الدول الكبرى على المناطق الإستراتيجية والغنية، انتقل من مرحلة الصراع المسلح  إلى صراع فكري وإستراتيجي حول بسط الهيمنة، وزيادة التبعية والنفوذ، وبأدوات العصر الحديث في توجيه الرأي العام الدولي والمحلي، ولذلك نجد كل وسيلة إعلامية ذات تمويل حكومي وتوجه دعائي لها اهتمام خاص بها وإستراتيجية إعلامية نحو القارة الأفريقية.
نحن اليوم أمام غزو للقارة الأفريقية لا يقل في قوته وعنفوانه عن غزو الجيوش والاحتلال والسيطرة، إن الهيمنة الإعلامية على أفريقيا هي استمرار لتاريخ طويل من المشاريع الإعلامية، التي أطلقتها محطات إذاعية وتلفزيونية دولية، وحتى منصات إلكترونية لتوفير مواد إعلامية تستهدف المواطن الأفريقي والتأثير في جمهور وسلطات بلاده.
يتمثل الاعلام الغربي بمنظومة المحطات الفضائية التي تجعل من العنف، والجوع، والتخلف مادتها الإعلامية التي يتم نقلها عبر شبكة مراسليها في القارة الافريقية، إضافة الى إنتاج العديد من الأفلام التي يظهر فيها الإفريقي على أنه شخص تابع ومقلد للرجل الابيض، فشركات الإنتاج السينمائي الكبرى مثل هوليود وغيرها تعودت أن تقدم الرجل الإفريقي على أنه الطرف الضعيف والعاجز في أعمالها الفنية، فضلا عن الصحافة المقروءة الذي كانت وما زالت تتعاطى مع القارة الإفريقية من ذات المنطلق الذي تتعاطى معه شبكة الإعلام المرئي.
أن إفريقيا الحقيقية أكثر تعقيداً بكثير من الصور التي نراها بانتظام في وسائل الإعلام الغربية، التي دائما ما تصور الجانب السلبي من القارة، ويحاول الإعلام الإفريقي الرد من خلال إظهار صور أكثر إيجابية وواقعية، على أمل أن يتعرف العالم على إفريقيا الحقيقة التي لا يعرفها الغرب أو يحاول تشويهها.
لطالما تعودت وسائل الإعلام الغربية على النمطية في نقل أخبارها والحديث عن القارة، ومن هنا يمارس أصحابها مهنتهم على تلك الأسس، تبعا لأهداف قد تكون معلنة والعكس صحيح، إلا أنها – أي الأهداف- تتمحور حول إبراز صورة الغربي بأحسن حال من صورة الإفريقي، ففي بعض دول ومناطق أخرى، نرى في التقارير الإخبارية أن الرجل الأبيض هو الذي يقوم بتغذية الرجل الأسود ومساعدته وتقديم العلاج له، ولن ترى في التقارير أن الأفارقة يساعدون أنفسهم أو يساعد بعضهم البعض.
إن الصومال تتألم من الحرب الأهلية ومن الإرهاب، وكذلك نيجيريا تستنزف مقدراتها في مواجهات عسكرية مع تنظيم بوكو حرام، ومرض إيبولا المميت يمزق سيراليون، كلها عناوين ينشرونها للعالم، لكن ما أسباب الحرب في الصومال ومن الذي أوقدها، من الذين وراء جماعة بوكو حرام ومن يمولهم، ما حقيقة إيبولا وكم من الدول مصابة به، فلن تسمع أي شيء من هذا القبيل، وذلك بسبب أن كل هذه الأحداث تجري في إفريقيا.
إن كون الإعلام الغربي يؤمن مساحة للحرية وسقفا مرموقا لذكر الحقائق أو بعضها، ويضفي بعض الحيادية والموضوعية في طرح المواضيع لا يعني استقلاليته، فهذه الحرية تعدم تماما حين يتعلق الأمر بالتأثير على الرأي العام في نقاط ساخنة تتصل مباشرة بالسياسة الخارجية، خاصة التي تمس مصالح الدول الغربية في إفريقيا أو غيرها من القارات، ولهذا فشعوبهم تتمتع بتلك المصداقية في الشؤون الداخلية للغرب، بينما تنعكس الصورة تماماً في الشؤون الخارجية.
فالحكومات الغربية تحرص على سياسة الانفتاح والفضفضة والنقد المفتوح في إعلامها الذي يتناول القضايا الداخلية والخاصة بشعوبها، ولكن حين يتعلق الأمر بإفريقيا والسياسات الخارجية فلابد من تحييد الخبر وتكميم الأفواه والحد من المواضيع وحجز المعلومات،  وكذلك فإن هذه الصحافة الغربية لا تتردد في استخدام الأسلوب الاستخباري للترويج لموقفها السياسي، وللابتزاز السياسي في آن، وقد تكرر هذا كثيرا أكثر من موضع في إفريقيا حيث جرى ابتزاز عدد من رجال السياسة إن كان في الدول الغربية نفسها، أو الضغط الذي تمارسه هذه الوسائل على صناع القرار خارج الغرب  لتأمين مصالحها ومصالح من تمثلهم. 
بظني أن ما يستحق النقد هو غياب الرؤية الموضوعية، وانعدام التحليل العلمي البحثي للكثير من الظواهر في القارة الإفريقية، وعدم تناولها في سياقها التاريخي والجدلي من قبل وسائل الإعلام الغربية، وليس الواقع الإفريقي بحد ذاته.
إن العديد من وسائل الإعلام الغربية هدفها الأساسي ليس البحث عن الحقائق ونشرها، وإنما التجارة في المعلومات والمعطيات والخبر والصورة، لذلك هي تقوم بتقديم ما يطلبه المشاهد والقارئ، ولا تهتم كثيراً إن كانت السلعة جيدة ومفيدة، أو كانت فاسدة ومتعطنة.
ليس هذا فحسب، بل أن وسائل الإعلام نفسها في الدول الغربية سلعة مثل غيرها من السلع، يتنافس على امتلاكها تجار كبار لفرض مصالهحم السياسية أو الاقتصادية.
بل أن العديد من الديكتاتوريين في الدول النامية يشترون وسائل إعلامية في الدول الغربية، من أقنية تلفزيونية أو صحف ومجلات أو محطات إذاعية، ويقومون بتوظيف عدة مشاهير إعلاميين غربيين فيها، وذلك بهدف تلميع صورتهم الشخصية أو صورة بلادهم في أعين المشاهد والقارئ الغربي، وخلال السنوات الأخيرة أقدم عدد من تجار الدم والحروب ومن الأثرياء الجدد خاصة من دول أوروبا الشرقية، على شراء صحف ومحطات تلفزيونية عريقة، لأهداف متعددة مثل تبييض الأموال، ولحماية مصالحهم، وللتأثير على مجريات الحياة السياسية والاجتماعية.
إن المجتمعات الغربية  بالرغم من أنها مجتمعات متحضرة متطورة، إلا أنها مجتمعات تسود فيها العزلة والفردية والاغتراب الاجتماعي والروحي، ، لذلك نجد من السهولة بمكان أن تلعب وسائل الإعلام بهذه المجتمعات دوراً بالغ الخطورة في التأثير المباشر على المتلقي، وبذلك يكون لهذه الوسائل الأدوات التي تحدد نوعية ومسار واتجاهات الوعي الجمعي لهذه الشعوب، وتعمل على إنتاج وإعادة إنتاج وعي الناس.
إن الصورة النمطية لإفريقيا في العقل الغربي لم تتغير كثيراً حتى الآن، فما زالت وسائل الإعلام الغربية تقدم إفريقيا في إطار لا يخرج عن ثوابتها المتوارثة وهي الفساد والتخلف والكوارث الطبيعية والفقر والجوع والأمراض، وكثير من المحطات التلفزيونية مازالت تقدم برامج بقصد الإثارة والربحية، عن عادات شرب الدم وأكل لحم البشر أو القرود لدى بعض الإثنيات الإفريقية، وإن أردا الإعلام الغربي التنوع في تناول الموضوع الإفريقي يتحدث عن انخفاض وكي ثدي القاصرات الإفريقيات، أو عن تعدد الزوجات.

الصلاة مع سبق الإصرار والترصد/ نسيم عبيد عوض

شرعت دولة مصر جريمة جديدة إسمها "الصلاة مع سبق الإصرار والترصد" ‘ وخصت بها الشعب المسيحى فقط ‘ وكل يوم تنشر علينا وسائل الإعلام أخبار القبض على المتهمين بالصلاة ‘ أو طرد قسيس من بلده بتهمة الصلاة بدون رخصة ‘ وطرد الشعب من منازلهم بعد القبض عليهم يصلوا فى بيت أحدهم ‘ ويتفرج العالم كله على الأقباط يصلون فى الشوارع ‘ بينما الشعب المسلم له كل الحق فى الصلاة فى أى مكان يفرش فيه سجادته ويصلى ‘ ولا يمنعه أحد لأنه يصلى ‘ فماالذى يحدث فى مصر تجاه الأقباط والمسيحيين ‘ هل تريد الدولة  حرمانهم من الصلاة بالقانون‘والدليل التحرك السريع من رجال الأمن المدججين بالسلاح ‘ إلى القرى والنجوع والمراكز والمحافظات ولأى تجمع مسيحى فيه صلاة لرب العالمين ‘ ومنعهم بالقوة ‘ ويخرج محافظ ممثل الدولة ليعلن ‘ ان جريمتهم الصلاة مع سبق الإصرار والترصد ‘ بدليل ليس لهم رخصة صلاة .

ورغم إمتداح القرآن الكريم أهل الكتاب لعبادتهم و بعض سلوكياتهم الالهية الصحيحة، كما في قول القرآن : " لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحينَ * وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَ اللَّهُ عَليمٌ بِالْمُتَّقين.آل عمران 113-115" ‘ وأيضا الآية " وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَليلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَريعُ الْحِساب. آل عمران 199" .

ومن هذه الآيات نرى نص القرآن على أن أهل الكتاب دائما يصلون ليلا ونهارا ‘ ولم يحرم القرآن على الأقباط صلاتهم ‘ بل يمدحها ‘ ولا يوجد من يحرم على الناس الصلاة بدون رخصة إلا فى دول إسلامية معينة ‘ بدأت بالسعودية وإنتهت بمصر الآن‘ ومن العار مثلا ماحدث فى قرية الفرن بالمنيا ‘ خرج الشعب المسلم ليعلن أنهم لا يعارضون فى صلاة أخوتهم المسيحيين ‘ فالدولة فقط هى التى تعارض الصلاة بدون رخصة ‘ ياللعار والتميز والقهر الذى تمارسه هذه الدولة ضد شعب يريد التعبد لله ‘ وإذا إعترض أحدهم على هذا سنقول له ماذا فعلت الدولة لوقف هذا العار وهذه الجرائم والأحكام الظالمة ضد شعب مصر المسيحى ‘ لا شيئ ولا تحرك أحد لوقف هذا أو حتى تصحيح مايحدث . 

والذى تقوم به دولة المنيا على وجه الخصوص مايثبت أن مايحدث للأقباط على يد رجال الأمن بها ‘ هو توجيه الدولة ‘ بدليل أن كل المحافظين ومديرى الأمن المعينين فى هذه المحافظة من عدة قرون يقومون بإعلان الحرب على مسيحييها فور توليهم مناصبهم ‘ بغرض واحد منعهم من الصلاة ‘ هذا بخلاف جرائم الخطف والسبي والنهب والتدمير وحرق الكنائس  ‘ ولم نسمع فى يوم ما أن الدولة عاقبت المتهمين ‘ بل أنها وبقضائها تعاقب المجنى عليهم. إن مايحدث للأقباط المسيحيين فى دول صعيد مصر وفى العقود الماضية ( المنيا وأسيوط وأسوان ) أكبر دليل على المنهج المخطط ضد الأقباط ‘ ومن العار أن يقف المسئولين فى الدولة ويتفاخرون بأنه لا فرق بين مسلم ومسيحى ‘ بينما هناك فروق كثيرة أهمها محاولة منع المسيحى من الصلاة ‘ والعجيب أن أكثر جرائم خطف النساء أو ذبح الأبرياء تتم جميعها من على أبواب الكنائس ‘ وفى العهود الماضية كان نادرا ماتجد فى السجون قبطيا واحدا بأى جريمة ‘ واليوم السجون مملوءة بالأقباط ليس بينهم قاتل ولا سارق ولكن بتهمة واحدة أنهم مسيحيين ‘ وهذه حقائق معروفة الآن.

وأقول لكل ظالم ومتجبر على الشعب القبطى ‘ ستزول وسيبقى المسيح فى مصر ‘ وستبقى الكنائس فى أرضها مصر ‘ وليعلموا أن لوجود الكنيسة فى مصر آية ونبوة كتابية فى سفر إشعياء النبى لوجود أول كنيسة فى العالم ولبقائها حتى إنتهاء الزمان " فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى أرض مصر. وعمود للرب عند تخمها. فيكون علامة وشهادة لرب الجنوج فى أرض مصر." إش19: 19و20‘ فلماذا تحاربون الله نفسه بما تفعلون فيهم ‘ ويحكم التاريخ الطويل لشعب مصر المسيحى ‘ أنه لم تقدر أبواب الجحيم على كنيسة الله ‘ أين الحاكم بأمر الله وأين كل الولاة العرب الذين إضطهدوا وقتلوا الشعب المسيحى وهدموا الكنائس والأديرة ؟ ‘  كلهم ذهبوا وبقى الشعب المصرى المسيحى على أرضه ‘ وبقيت كنائسه ‘ بل ويزداد المؤمنين المسيحيين على مر الزمان فى مصر ‘لأن مسيحنا يطوبنا عندما نضطهد من أجل إسمه" طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلى كاذبين. أفرحوا وتهللوا.لأن أجركم عظيم فى السموات."مت5: 11و12.

 وعلى سبيل المثال وليس الحصر ‘أذكر من تاريخنا القبطى حدث معجزى لخدمة شعب وأرض مصر‘ ففى عام 1834 م فوجئ المصريون بنقص مياه النيل مما يعرض البلاد إلى جفاف و مجاعه , و أذ ظهر عجز البشر عن تجنب المجاعه طلب محمد على الذى كان حاكماً على مصر من جميع قادة الأديان و المذاهب أن يصلوا ليرفع الله هذا الجوع عن المصريين وتقدم قادة الأديان و المذاهب و صلوا جماعه جماعه فلم تتأثر مياه النيل ثم جاء دور الأقباط , فتقدم البابا بطرس الجاولى و أقام مذبحاً على شاطئ النيل بالمعادى فصلوا قداساً إلهياً وبعد الصلاة غسل البابا الأوانى و ألقى المياه فى النيل ثم ألقى قربانة من الحمل وفى الحال بدأت مياه النيل ترتفع حتى أقتربت من الخيمة التى فيها المذبح , فرفعوها بسرعة لئلا تجرفها المياه وهكذا أنقذت أرض مصر من المجاعة ‘ ولم يخطر ببال قداسة البابا أن الخير سيعم على شعبه فقط بل على شعب مصر كله مسلمين ومسيحيين ‘ وقد قدر محمد على هذه المعجزة وأعاد للأقباط حقوقهم ورفع من شإنهم.                                                                             

      فيا أولى الأمر لماذا هذا العناد ‘ وتحدى الله القدير وفى يدكم وقف المظالم والإضطهاد على شعب مصر المسيحى وعلى كنائسهم ‘ فإذا كنتم تؤمنون باليوم الأخير ‘ فالديان العادل سيحاسبكم على كل ذلك وسيأخذ بحق كل مؤمن مسيحى ظلم على أياديكم ‘ أما كنيسة الرب فلن تقوى عليها ولا أبواب الجحيم ‘ بل إن أبواب الجحيم ستفتح لكم فى نهاية الأمر.                                            


رسالة إلى الصديق محمد بركة/ جواد بولس

بداية كل أضحى وأنت معزز بمزيد من الإصرار والصبر والحب وبعد،
مضى عامان بالتقريب، على انتخابك رئيسًا "للجنة العليا لمتابعة شؤون الجماهير العربية في إسرائيل"، وما زلت أذكر كيف أهملتُ حكمة التوازن في ريشة القلم واندفعتُ، حينها، كطفل يفلت في صباح العيد صوب الشمس، كي أحضن حلمي الذي توقعت أن يكون ويبقى حلمك؛ ففوزك بذاك المنصب كان بالنسبة لي ولكثيرين من أمثالي فوز جيل عاش "على أرصفة الوطن حين علمتنا تلك كيف تكون اللذة في التقاطنا "خبزنا الحافي"، وعليها تزودنا بالسعادة حين كانت تتنطنط حتى في جراحنا وعلى حافة شهقاتنا وهي ترتجف، قبلنا، في الهواء العاري". 
كان ما ورثته أنت ثقيلًا، ومخازن أصحاب الأرض، عشاق الفجر والندى، أهدرتها، قبلك، زعامات اختزلت حرفة القيادة في ممارسة الوجاهة والخطابة والوقوف على الجراح وفي المنابر. 
نجاحك في ترميم "قلعة الجماهير العربية " بدا للبعض، في معطيات المرحلة، صعبًا. لكننا، نحن رفاقك، عرفنا أن لكل مرحلة فارسها ووثقنا أنك فارس هذه المرحلة فقلنا: "كل البدايات صعبة وقد يبدو التغيير المنشود بعيدًا لكننا نرى أن لدى بركة اليوم ما يكفي من الإرادة والمقوّمات والمعطيات التي تمكّنه وتؤهله كقائد أن يزيل ما راكمته السنين من غبار غطّى وأخفى ما زرعه البناؤون الأولون، آباء بركة ورفاقه، في أراضينا من تحد لا يشيخ ووعد صدّاح بأن "لن تسقط هذه الأعلام / ما دمنا نغني ونقاتل". 
سنه عن سنة والهاوية عم تكبر ..
مر عامان على ذلك الفرح وما بدا للكثيرين عسيرًا صار في الواقع شبه مستحيل، فلقد حططت على "كوكب" عصي ومستوطن منذ عصر الكراسي والمناصب. أرضه لا تعرف تضاريسها الشواغر ولا يقر أهلها بضرورة التغيير والتبديل، فكل حيز فيها عبارة عن "مقعد"، وكل مقعد صار  "حصنًا" وكل حصن أصبح ملجأً له كوشان وأصحاب ومناطر.
من أين سيأتينا الفرج؟ ومن سيكون قادرًا على قهر ما تختزنه جيناتنا العربية الصافية وذاكرة تاريخنا الصفراء؟ من سيكون في صفك ويسعى معك بصدره المكشوف لاحراز نصرك/ نصرنا على ذواتنا؟ وهل من "زيّاد" يقاتل "الطاغوت" على جبهة وعلى أخرى يحتفل حين ينتصر نشيده على صلاتهم؟ هذا السؤال قد يكون لهم لكنه عليك أيضًا فأنت اليوم القابض على القوس والنشاب والشعرة. 
صديقي أبو السعيد، لقد تخيلنا كم ستكون مهمتك شاقة ومنهكة، فإسرائيل تتوحش بضراوة وساستها يتقدمون على ايقاعات مقام "عجم كرد" في دروب "يوشع"، وأوضاع الجماهير العربية  تدهورت في السنوات الأخيرة بشكل مقلق، والبعض يختار المقامرة والمغامرة والسير على المنزلقات الخطيرة ونحو السراب. 
ما كان حرامًا باسم الأرض، حين كنا إخوة للنشيد، صار على مذابح الأهواء فكرة شريدةً وحشرجة دوري وقبرة، وما زرع في مساكب هويتنا الفلسطينية الزاهية، منذ علّم حنا وراشد وتوفيق وسالم وسميح ومحمود العالم والغزاة، كيف من بطن الهزيمة تكبر العزة وتشرئب السواسن وتستعاد الحنجرة، استئصل اليوم بمباضع مستوردة وبمعاول مسممة أو مسكرة، وما تكحلت به العيون من أجل الوطن وحُسب "مقدسًا" صار كفرًا أو خربشةً على وجه السماء والقمر. 
لقد رحل "أيارنا" من ساحاته الدافئة، ونسيت أجيال "الواتساب" رقصة جورج "الدحبورة" الساحرة على "عين" كفرياسيف، وأطاحت أغاني أليسا وشكيرا بأهازيج النسوة البيض يشققن أبواب السماء ويُرقصن الملائكة الحمر على غنج المطارق والمناجل في شوارع البعنة والناصرة وأم الفحم؛ ورايات "أكتوبر" نزحت عن شوارعنا فصارت الخناجر فيها أعلامًا وزغاريد العصي أناشيد للحمائل وتناثرت حداءات عمال المصانع وتغير المعلمون في المدارس وبعض الطلبة أصبحوا أمساخًا "للعناتر".  النساء أعدن، على أجنحة التخلف والتواطؤ، إلى مراتبهن السماوية "الأصيلة"، فكما ولدن في زمن الرمل سيبقين عورات وناقصات وطلاسم، ومن ستزيح عن خط تلك "الظبية" سيبقر سيف الشرف خاصرتها وليمتلئ الفضاء دموعًا وتنهدات وعيونًا محملقة ونهودًا مجفلة. 
من سيخرجنا من الغابة؟
دعني أعترف، يا صديقي، أنني  قررت كتابة هذه الرسالة بعد أن لفت أحد أصدقائنا القريبين انتباهي على أنني أكثر في مقالاتي، حسب رأيه، من انتقادي للقيادات العربية على جميع انتماءاتهم وهذا قد  "يصب في صالح المتقاعسين الذين لا يفعلون شيئًا في أي شأن ويوارون هروبهم باتهام القيادات بالفشل" ومع أن صديقي يقر بحقي وحق غيري بمناقشة القيادات ومعايرتها والتلويم عليها لكنه يشترط ذلك  "بأن يكون في السياق الصحيح فعكسه يعود بالفائدة على الباحثين عن مراكز قوى أخرى أو الذين يستفيدون من أجواء التمييع". 
لن يختلف اثنان حول صحة نصيحة ذلك الصديق "النبيل"، فكيل الاتهامات جزافًا والانتقادات للقيادات العربية من دون سبب أو في غير السياق الصحيح يعتبر تجنيًا واعتداءً صريحًا، ويخدم أعداءنا، خاصة في أجواء استقواء بعض الجهات والأفواه المغرضة أو المأجورة أو المنفوخة وانهيالها، بمناسبة أو بدون مناسبة، على مؤسساتنا القيادية ومن يقف على رأسها. 
من الضرورة التمييز بين أولئك "المخربين" وبين من ينتقد باسم المصلحة العامة محاولًا تقويم ما يراه خطأً وغير سليم، حتى لو لم يوافقه المنتقَدون، فالتوقف عن الانتقاد باسم ذلك الالتباس المحتمل مرفوض، فالمشكلة تبقى بنظري في صمت تلك القيادات ازاء ظواهر الاستقواء عليهم وتحديهم العلني من قبل من "بيسوى ومن بيسواش" ومن جهة  مدعين أو ساقطين أو مغرضين أو مدفوعين، ففي الآونة الأخيرة سمعنا وشاهدنا كثيرين يتهجمون بشدة ومن دون سبب ومبرر على  قيادات وطنية بالاسم أو على المؤسسات القيادية، ولم يحرك كثيرون من المعتدى عليهم ساكنًا، بل التزموا الصمت وكأنهم يتصرفون بنضج ومسؤولية والكل يعرف أن صمتهم نابع عن عجز وضعف ليس إلا.
في الواقع لقد ورد انتقادي الأخير للقيادات العربية بعد غياب موقفها في قضية تسريب عقارات الكنيسة الأرثوذكسية في القدس وغيرها، وقمت، بعد ملاحظة صديقي، بمراجعة موقفي ولم أجد فيه غضاضة، فالصمت في هذه القضية وفي مثيلاتها من القضايا العامة، يعادل قصورًا في مواجهتها وموافقة، في حالتنا، على تلك البيوعات الخطيرة خاصة وكلنا يعرف أن "لجنة المتابعة العليا" وغيرها من المؤسسات الوازنة اتخذت مواقف واضحة ومؤثرة في قضايا عامة ومنها قضية الأوقاف والأماكن  المقدسة الإسلامية.
لقد تزامن ما كتبه لي ذلك الصديق مع مشاهدتي لبعض وقائع مهرجان عرعرة الذي أقيم يوم الجمعه المنصرم، ٢٠١٧/٨/٢٥ وبدعوة من لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، ولجنة الحريات، واللجنة الشعبية عارة- عرعرة، وذلك تحت شعار "لا للاعتقالات الإدارية، لا للملاحقات السياسية".
اختياركم لاقامة مهرجان ضد قضية الاعتقالات الادارية والملاحقات السياسية حق لكم وواجب لا غبار عليه، لكنني تذكرت وأنا أشاهد ساحة المهرجان ما كتبته أنا عندما توليتَ منصب رئيس اللجنة، فتحسرت لأن قناعتي اليوم ضعفت، فأنت، هكذا يبدو  "عالق" في داخل تلك الحلقة العليا ولن تستطيع الخروج منها حتى لو أردت. 
مع هذا، اسمح لي أن اسألك مستعلمًا أولًا، لماذا يجب أن تصدر الدعوة للمهرجان باسم "لجنة المتابعة" وباسم لجنة منبثقة عنها هي "لجنة الحريات"، فكل من يقرأ اليافطات يستنتج أننا ازاء لجنتين منفصلتين فهل من حكمة ومصلحة من وراء ذلك وما الداعي له؟ وثانيًا، إذا اعتبرت تلك الجزئية هامشية وتقنية، فكيف تشرح  ما شاهدناه من عملية فصل واضحة ومذلة بين الرجال والنساء الحاضرين في المهرجان، فالرجال تصدروا الصفوف والميدان والنساء أُلقين في الخلف من وراء فاصل.. فكيف وافقت على المشاركة في هذا المشهد وأنت نصير "الحريات" وحليف المرأة وحقوقها المتساوية؟ 
لقد سمعت خطابك في المهرجان وأنا أدعم موقفك الرافض للاعتقالات الإدارية والملاحقات السياسية بكل قوتي، وكذلك أوافق على توصيفك لخطورة تفشي ظواهر العنف بيننا وفي قرانا ومدننا، لكنني أتساءل ماذا فعلت لجنة المتابعة العليا، وكثيرون منا يعلمون أن في صفوفها من يصنّع عمليًا فتائل العنف وينتج مولدات الاعتداء على الآخرين؟
أعرف أنك تحمل أحلامًا كبيرة وأعرف أيضًا أنك قد بدأت مسيرة الألف ميل ببعض الخطوات الهامة، لكنني أخشى، بعد مرور عامين من شبه المراوحة التامة، أنك لن تستطيع الخروج من حلقة "المتابعة" ولجانها كما ورثتها، فبدون أحزاب سياسية ناضجة وواعية ومسؤولة وداعمة، وبدون رؤساء مجالس بلدية وقروية منتخبين بدعم أطر سياسية ووطنية، وبدون تأمين حماية للحيزات العامة وتحصينها من تدخل الدين السياسي في كل صغيرة وكبيرة، وبدون التزود بالجرأة على قول  اللاءات في وجه كل معتد على "المختلف الآخر" وكل مارق وعميل ومستزلم وحملة الخناجر والعرابيد، لن تستطيع أن تنقلنا إلى ذلك الساحل الذي لعبنا على رماله حين كنا عشاق "محمود وسميح وتوفيق ". 
رجائي ألا تعتبر ما قلته هنا، يا رفيقي، مجرد انتقاد متحرش، بل هو في الحقيقة اعتراف مني بأننا أبناء "جيناتنا"، فأنا وأنت سنبقى رفاقًا للأمل ومولعين بدودة القز والحرير، ورغم الخيبة من المعطيات القائمة، ما زلت واثقًا بأن خيارك سيكون خيارنا، وأنك في النهاية حليف الحرية والشمس ومن يشقون في "الحقل والمحجر" وعاشوا رغم أو تحت أعواد المشانق.
وأخيرًا، أتمنى أن تبقى كالغيمة تندف خيرًا وبركة.           

أي شيء أهديكم في العيد؟/ ابراهيم مشارة

نثرت الأبجدية على صعيد الروح، فعرفتها كما عرف أبو البرية أنثاه في عرفات،وطوفتها بالقلب من ألفها إلى يائها، تطامن الألف بقامته المشمخرة حارس الأبجدية واختال اللام وقد قوس عجزه يراقب بقية الحروف وراءه والعين عربدت في أقصى الحلق وهي تشرف على القلب وتتحسس نبضه والياء يمن ويسر والدال نزفت دما إنها قربان الأبجدية في يوم العيد.
العيد عج وثج والحج رحلة إيمانية على صهوة الشوق إلى بلاد الأفراح وتجسيد حي لواقعة الموت والبعث والحساب وملتقى عالمي للأصفر والأحمر والأسود والأبيض والغني والفقير والصحيح والعليل شهق واحد ونبض واحد ومصير واحد على أرض واحدة في يوم واحد.
من يذهب إلى هناك يأخذ معه شفرته لينحر إسماعيله وما إسماعيله إلا الحب الأرضي الذي شابته الغرائز البشرية ليسمو إلى حب سماوي وقد تخلص من تلك الشوائب ،من قتامة الطين إلى وهج النور الأزلي.
-أنت يا إبراهيم تحبني، طيب ضح بابنك ،فلذة كبدك حتى يكون حبك لفلذة كبدك إسماعسل قربانا لحبك لرب إسماعيل.هات الدم مهرا ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر.
وأنت يا أيها الإنسان ضح بغرائزك وأهوائك النفسية ومصالحك الدنيوية ،لقد تكرمت عليك فقبلت منك الأضحية بدل التضحية بنفسك برهانا لحبي كما قبلت من إبراهيم ذلك الذبح العظيم.لقد عدت جديدا كيوم ولدتك أمك فلا تفسد في الأرض بعد إصلاحها ولا تستبدل ذلك الحب النوراني بحب آخر بل اجعله تبعا له.،وتذكر إذا نسيت لما هممت بذبح غرائزك قبلت منك الفداء كما قبلت من إبراهيم وعاهدتني فكن وفيا.
طف مع المجموع حول قطب الرحى ،حول سرة الوجود وهيولى المعنى واذكر إذا نسيت أنك واحد من المجموع فمهما علا شأنك فأنت إنسان أخو الإنسان مسخر لخدمة الإنسان بذاك وثقنا العهد وصافحت يمينك يميني في ذلك الركن.
وأنت أيتها الأبجدية طوفي حول كعبة القلب واشربي زمزم الروح وانتشي في عرفات الفكر وتصببي عرقا من ألق المعنى ووهج الحب وجمر التدبرفليس لك معنى أيتها الأبجدية مالم تكوني في خدمة الحق ونصرة المظلوم والتطامن إلى الجمال وتيسير حياة الناس رخاء وازدهارا.
أيتها الأبجدية لو كنت جسدا لكانت الحاء والباء سرتك فمن السرة يغتذي الجنين ليصير كائنا عجيبا مستطيعا بنفسه بعد أن كان مستطيعا بغيره ومن حاء الأبجدية وبائها سرة المعنى كله :لا تنجح في عمل مالم تعشقه ولا تستطعم كفاحا مالم تحب الحياة ولا تضحي في سبيل امرأة مالم تكن كيانك وتوأم روحك وفوق ذلك حبك للنور الأزلي هو الذي يدفع بك إلى مجاهدة النفس ومغالبة مشاق العبادة أملا في رؤية ذلك النور الازلي حتى لا تكون محجوبا عنه لتحرز الحسنى وزيادة.
فليس ذلك القربان الذي تقدمه صبيحة العيد إلا نفسك وحين تنحرها رمزيا تنحر غرائزك وتجدد ميثاق الحب وتصلح ما أفسدته الأيام أو ما أفسدته أنت في خاطر الأيام
حبك الصغير الذي شابته الغرائز نماؤه وزكاته ذلك الدم - دم القربان لا دمك أنت- ودم الذبح العظيم لا دم إسماعيل.
هبة سماوية وكرم علوي للإنسان أن يكون القربان بديلا عن الانسان وما ذاك القربان إلا مهر تقدمه الروح منتشية كل عام وهي تخطب جمال ليلى :
أمــــــــن برق بالأبيرق لاحا
أم في ربى نجد أرى مصباحا؟
أم تلك ليلى العامرية أسفرت
فصيرت المساء صباحا؟
وحسن سلمى:
سلام على سلمى ومن حل بالحمى 
وحـــــــق لمثلي رقة أن يسلــــــما
سروا وظلام الليل أرخى سدولــــه
فقلت له صبا غريبا متيـــــــــــــما
ذاك هو الحسن الإلهي والجمال الأزلي .
حتى يغدو ذلك الحب في نهاية العمر غالبا على كل حب حين يذوى الجسد وتنطفأ الشهوات ترف الروح وتتفتق أكمامها ويشف نورها وتنطلق حمائمها تمهيدا لمعانقة الحب الأزلي في عالم لا يعرف زمانا ولا مكانا إلا فيوضات الأنوار.
هو ذاك الحب الذي عنته الشاعرة:
أحبك حبين حب الهوى 
وحبا لأنك اهل لذاكا
وأشتاق شوقين شوق النوى
وشوق لقرب الخطى من حماكا
تشف الروح وتشرق فيها معاني الوجود الأزلية وتستعد للاندغام في الروح الكبرى والجمال السرمدي كالفراش يحوم حول ضوء المصباح بجاذبية العشق وناموس الحب.
فأي شيئ أهديكم في العيد يا صحابي؟
وردة حمراء بلون دم الأضاحي نبتت في حقل الحب وسقيت بماء العشق شذاها من شذا الروح وأكمامها من أفلاذ النفس الصادقة المخلصة.
يا الله باركنا بالحب وأدم علينا آلاءه واجعل حبك خاتمة الحب وسرته والرحم التي يولد منها كل حب وقطب رحاه وسدرة منتهاه.
يا أيتها الأفراح حفي بالأرواح وارتسمي بسمات على شفاه الأطفال والمرضى والمحرومين وكل إنسان.
عيدم مبارك وكل عام والأفراح تحف بأرواحكم في ملكوت الحب.

رؤية واضحة للحل السوري/ موسى مرعي



قلنا في مقالنا السابق "معركة جرود عرسال في إطارها الأشمل" إن الأزمة الشامية دخلت في مرحلة التفكيك والفرز. وقصدنا بالتفكيك طريقة التعامل الميداني مع بؤر التوتر حيث أقيمت مناطق "خفض التوتر" في بعض الجبهات، في حين تصاعد العمل العسكري الحاسم في أنحاء أخرى. ويترافق ذلك مع ضغوط إقليمية ودولية على "قوى المعارضة" لحزم أمرها في ما يتعلق بانخراطها في المسار السياسي، ما يعني ضرورة الفرز بينها وبين "الجماعات المسلحة" المصنفة إرهابية.

كان المبعوث الأممي المكلف ملف الأزمة الشامية ستيفان دي مستورا شديد الوضوح عندما وضع "المعارضة الشامية" أمام الاستحقاقات المطلوبة. فقد قرر تأجيل اجتماعات جنيف ـ 6 إلى ما بعد اجتماعات آستانة ـ 6 لأن "أطياف المعارضة تمر حالياً بمرحلة صعبة في مناقشاتها الداخلية، ولا داعي لإجبارهم إذا كانوا غير جاهزين حتى الآن"، حسب تعبيره حرفياً. غير أنه عمّق الجرح بقوله في المؤتمر الصحافي ذاته إن على المعارضة ان تتوحد حول "رؤية واضحة".
ويبدو أن رسالة "التهديد غير المباشر" هذه لم تستطع أن تردم الهوة بين "الإئتلاف" الذي يتخذ الرياض مقراً له من جهة وبين منصتي القاهرة وموسكو من جهة أخرى، على الرغم من المباحثات المكثفة التي استضافتها العاصمة السعودية قبل أيام. فقد فشلت مساعي التقريب بين الأطراف الثلاثة خصوصاً في مسألة مرحلة الحكم الانتقالي ودور الرئيس الشامي بشار الأسد فيها. وحتى لا يخرج المجتمعون بفشل ذريع، جاء الإعلان الخجول عن توافق مبدأي على تشكيل وفد موحد إلى جنيف ـ 6... من دون برنامج عمل موحد!
لكن وزارة الخارجية القازاخستانية التي تستضيف اجتماعات الآستانة أعلنت، بموازاة مفاوضات "المعارضة" في الرياض، أن الجولة السادسة المقررة في آخر آب ستتأجل إلى منتصف أيلول. وإذا تذكرنا أن دي مستورا قال في ذلك المؤتمر الصحافي إن جولة جنيف السادسة لن تعقد ما
لم يتحقق تقدم "جدّي" في آستانة، فهذا يعني أن مفاوضات جنيف مؤجلة حتى إشعار آخر، أو بكلام مباشر: حتى تتكون لدى الأطراف الشامية "رؤية واضحة".
أظهرت التسريبات المتسللة من أروقة اجتماعات الرياض أن بعض أطراف "المعارضة الشامية" ما زالت، إما متخبطة في حبائل المخططات المرتبطة بالخارج أو واقعة في أسر التفكير الإيديولوجي الجامد. ولذلك فهي تتعامى عن المتغيرات الجذرية التي شهدتها الأزمة الشامية خلال الأشهر القليلة الماضية، سواء على صعيد العمل الميداني الذي بات يميل بقوة لصالح الدولة الشامية، أو على مستوى التبدل الكبير في تعاطي القوى الإقليمية والدولية مع تلك الأزمة. ولذلك فهي غير جاهزة، بل وليست قادرة في بنيتها الراهنة على إنتاج "الرؤية الواضحة" المطلوبة لإعادة بناء سوريا على أسس تضمن سيادة الدولة ووحدة المجتمع.
وإذا كانت "أطياف المعارضة" غير جاهزة حتى الآن، وفق تعبير دي مستورا، فإن الدولة الشامية يجب أن تبادر لتحمل مسؤولية أساسية في تقديم تلك "الرؤية الواضحة". فالانتصار على الإرهاب في ساحة المعركة لن يكتمل إلا بالقضاء التام على جذوره الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ويجب الاعتراف أولاً وقبل كل شيء، أنه ما كان لـ "الحرب الكونية" على سوريا أن توقع هذا الدمار الهائل لولا وجود خلل داخلي سهّل التدخل الخارجي. وفي الوقت نفسه يجب الإقرار بأن شعبنا السوري الذي صمد وصبر ودفع الثمن الباهظ وانتصر يستحق أن يكون سيداً مكرماً، مالكاً زمام أمره بحرية كاملة.
إن انتصار "محور المقاومة" سيظل ناقصاً ومعرضاً لمخاطر الهجوم المضاد إذا تغيّرت الظروف، ما لم يجد الحماية والاحتضان من مواطن شريك في صياغة مستقبل وطن هو لكل أبنائه بعيداً عن المحاصصة الدينية أو المذهبية أو العرقية. وهنا يكمن دور الأحزاب القومية الديموقراطية العلمانية... لأن القوى المختلفة التي ساهمت في إدخال الشام إلى هذا النفق المظلم قد لا تملك الإرادة والجاهزية لصياغة "رؤية شاملة" تبعد عن السوريين مرارة الكأس التي   يتجرعونها حتى الآن!
الحزب السوري القومي الاجتماعي / مفوضية سيدني المستقلة

وقفات على مفارق الدالية وكفر قرع والنّعام/ سعيد نفاع

الوقفة الأولى... مع النّعام. 
الفرق بين النّعام حين يطمر رأسه بالرمال والإنسان حين يفعلها شاسع، فالنعام يفعلها غريزيّا وعن "حسن نيّة" لحماية نفسه، أمّا حفيد آدم فيفعلها عن سوء نيّة، وأبدا ليس لحماية نفسه وإنما للهروب من حقيقة نفسه غالب الأحيان، هذا إذا كان في ثناياه بقايا ضمير.
فإلى كلّ هؤلاء الذين طمروا رؤوسهم في الرّمال، أو التراب من أي صنف كان، لا حاجة لذلك و-"بُقّوا الحصوة"، فلو أن الأمر كان معكوسا بين دالية الكرمل وكفر قرع لما اختلف الحال، هذه هي الحقيقة المرّة وكل رمال شواطىء المحيطات والصحاري، لن تغطّي رؤوسنا.  
الوقفة الثانية... مع أمّ الزينات والكفرة.
عندما حلّت النكبة بشعبنا عام 1948م وجد أنفسهم الكثير من أهالي القرى التي رحلت أو رُحّلت، يحطّون رحالهم في قرى جارة قرّر أهاليها أن يبقوا، وهكذا حطّ أهالي أم الزينات في دالية الكرمل فعُزّزا وكُرّموا وبقوا. أولادهم تعلّموا مع أطفال دالية الكرمل وما نُزعت أخلاقهم، والمعلّمون منهم علّموا في مدارس دالية الكرمل وما نزعوا أخلاق أطفال الدالية. والحقيقة الأخرى أن للمعلمين والمديرين "الكفرة أو المشركين" المسيحيّين فضل على كلّ قرانا من حورة جنوبا مرورا بكفر قرع  والدالية وانتهاء بحرفيش وطوبا، ولم ينزعوا أخلاق أبنائها.      
الوقفة الثالثة... كل عام وأنتم بخير.
نحن عشيّة عيد الأضحى، وبالمناسبة أنا إنسان علمانيّ، فهلّا أخبرنا أتباع تنابل عصر المماليك وتنابل عبد الحميد وأحفادهم الدواعش والنُّصْريّون، لماذا يعيّد الدروز هذا العيد؟!. لكن ليس المهمّ هؤلاء، المهمّ كل أولئك ومن أهل السنّة عينيّا الذين طمروا رؤوسهم في الرّمال، معتبرين أن هذه الأصوات ما هي إلا أعشاب ضالّة، وهذا صحيح، وقليلة، وهذا غير صحيح، بدل أن يقرّوا أن هذه الأعشاب تملأ حقولنا إلى درجة أن سنابلها هزُلت!.
الوقفة الرّابعة... مع حاييم وايزمن.
كلّ من كلّف نفسه قراءة تاريخ شعبنا الفلسطينيّ الحديث، محاولا أن يفتّش عن جذور النكبة ويتعلّم، يعرف أو على الأقل يجب أن يعرف أن الحركة الصهيونيّة ما دخلت بيوتنا إلا من أبواب مثل هؤلاء الدواعش والنُّصرويين، ومن كلّ الطوائف والمذاهب وتماما حسب النسبّة المئويّة لكل منها، لا فضل لسنيّ على درزيّ على مسيحيّ ولا العكس إلا من اتّقى نفسه. فحاييم وايزمن رئيس المنظمّة الصهيونيّة حينها والرئيس الأول لدولة إسرائيل لاحقا، يا تنابل، زار فلسطين واستقبله زعماء كبار من رئيس بلديّة حيفا حينها حسن شكري، إلى رئيس بلديّة نابلس حيدر طوقان إلى زعيم العشيرة الكبيرة عبد الحميد أبو غوش، وما أن أنهى الجولة حتّى وجه الدائرة السياسيّة في المنظمة أن تضع استراتيجيّة من شأنها تسهيل هجرة اليهود، ووضعتها وفي صلبها كان: "دقّ الأسافين بين طوائف الشعب الفلسطينيّ المختلفة لضرب الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة التي كانت بدأت تتبلور "، والتفاصيل كثيرة والنتائج بائنة، ولا مجال للدخول فيها في هذا السّياق، ولكن وعذرا من القراء "الحمار ما يدق مرتين"... كفى!!!
الوقفة الخامسة... مع التجنيد. 
البعض راح يبرّر أن الحملة ضد انتخاب المدير "الدّرزي" هي بسبب خدمته في الجيش الإسرائيلي. وهذه تماما كما "حكاية ابريق الزّيت"، كًتب فيها الكثير وقيل فيها الكثير، وحتّى لا يُساء الفهم وكي يعلم، لا يفهم إذ الفهم منهم براء، أولئك التنابل، فالكاتب من ضحايا هذه الجريمة التجنيد الإجباريّ. ولكن في هذا السياق أوجّه من يريد أن يفهم، وأي كان، إلى ما كتب بروفيسور رياض إغباريّة في الموضوع و- "عمّك جوجل" رهن الإشارة.
الوقفة السادسة... والفتنة أشدّ من القتل ولعن الله من يوقظها.
لا أعرف الدكتور أيال العيسميّ المدير الفائز في المناقصة، ولكني سمعته في مقابلة إذاعيّة بعد أن تنازل عن فوزه، ويكفيني منه أنه قال: "حين كنت أقوم كلّ صباح وأقرأ النقاشات الدائرة على المواقع وما دار في بعض الجوامع ىفي كفر قرع، قرّرت أن أتنازل عن فوزي، لأني لا أريد فتنة" (هكذا- !)، استعمل المدير هذه الكلمة "فتنة"، وهذا يوصلني إلى خلاصة أن كفر قرع خسرت مديرا !
الوقفة السابعة والأخيرة... مع اللّعنات. 
الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في الداخل حقيقة أبديّة وهذا ما تدركه وتفهمه المؤسّسة الإسرائيليّة جيّدا، فهي لا تستطيع ضرب هذا الوجود ترحيلا ولذا يجب أن تضرب هذا الوجود شكلا ليظلّ تحت سيطرتها، فتضربه بالعنف والمخدّرات و... و...  والتخلّف والطائفيّة وهذه أم الفِتن، فلعن الله، ولعن كلّ رُسله، ولعن كلّ طفل، ولعنت كلّ ذرّة تراب، وكلّ زهرة صبّار، مثيريها  وأكثر الطامرين رؤوسهم في الرّمال.

الوحدة النّصّيّة والإبداعيّة في مجموعة "بائعة الكبريت"/ مادونا عسكر

في عمل مشترك بين الكاتبين العراقيّين علي غازي وإبراهيم عدنان، تتشكّل المجموعة القصصيّة "بائعة الكبريت"، في انسكاب روحيّ واحدٍ حتّى يكاد القارئ لا يميّز وهو يتنقّل بين القصص، مَن صاغ هذه القصّة أو تلك إلّا بالعودة إلى اسم القاصّ. ذاك لا يعني أنّ الكاتبين ذاب بعضهما في بعض، وتاهت ملامح أحدهما في الآخر. لكنّ العمل يشبه لوحة فسيفسائيّة أضاف كلّ منهما لمسته حتّى اكتملت اللّوحة وظهرت واحدة.
تتضمّن المجموعة ستّة فصول، تنقل الواقع العراقيّ بدقّة محاكية تفاصيل المجتمع الّذي شرذمته الحرب والإرهاب فكريّاً ونفسيّاً وروحيّاً. ولا ينقل الكاتبان الواقع وحسب، وإنّما يتغلغلان في خلاياه ويعالجان سلوكيّات المجتمع الّتي أنتجتها الحرب والتّشرذمات العلائقيّة، والحالات الاجتماعيّة الّتي تراوحت بين الوحدة، والخيبة، والظّلم، والفقد، واليأس، والحلم... لكنّ روحاً حيّاً يعمل في النّصوص، فلا يجعل منها حائطاً مسدوداً لا يمكن اختراقه نتيجة غموض أو حزن. 
يصوغ الكاتبان قصصهما من وجع، ولكن بروح حيّ يلمس القارئ، يعرض مشكلته، يدلّه على وجعه، ويعالج فكره من خلال  تفاصيل الحياة اليوميّة في دوائر الفرد والعائلة والمجتمع. ولئن كان عنوان المجموعة القصصيّة "بائعة الكبريت" فلا بدّ من الإشارة إلى تناصّ بين قصّة "بائعة الكبريت" للشّاعر والأديب الدّنماركي هانس كريستيان أندرسن الّتي تروي معاناة فتاة فقيرة تجوب الشّوارع ليلة رأس السّنة لتبيع أعواد الثّقاب. كانت تعاني من البرد والجوع، وماتت وهي غارقة في هذيانها. وفي القصّة الّتي أوردها إبراهيم عدنان مشهد مماثل، لا يختلف كثيراً عن قصّة أندرسن، إلّا في النّهاية. فالقاصّ إبراهيم عدنان بدّل حركة الفتاة ليجعلها مفتوحة على حرمان أكبر:
"حافية تجوب شوارع يزفّتها الجليد، بثوب ممزّق ترقعه سترة تغطّي سنتها الخامسة؛ أنفها الورديّ، مجرى ينحدر ماؤه فوق شفتين ناشفتين؛ ضفائرها تبعثرها الرّياح، حلمها الكبير نار مدفأة لا يطفئها المطر. تنفخ بقايا حرارة قلبها في أنامل مصلوبة بسياط الشتاء.
اليوم رأيتها عارية، علبها متفحمة وسترتها مكوّرة فوق شيء ما، تحاول جاهدة إشعال النّار لدميتها أخبرتني: أنّها آخر من تبقى لها.." (بائعة الكبريت/ إبراهيم عدنان).
في قصّة أندرسن تشعل الفتاة أعواد الثّقاب لتشعر بالدّفء، وما تلبث أن  تموت وهي تحلم بالمدفأة، بالطّعام، بجدّتها، ما يعني أنّ الموت غلبها، ولا يشهد القارئ حركة انفعاليّة حقيقيّة للفتاة. وأمّا في قصّة إبراهيم عدنان فالفتاة مصدر قوّة بشكل أو بآخر على الرّغم من عوزها. (اليوم رأيتها عارية، علبها متفحمة وسترتها مكوّرة فوق شيء ما، تحاول جاهدة إشعال النّار لدميتها أخبرتني: أنّها آخر من تبقى لها..). الفتاة المعوزة الفقيرة تشعل أعواد الثّقاب لا لتستدفئ وإنّما لتُدفأ دميتها الّتي يشير إليها إبراهيم عدنان بـ (من) بدل (ما)، فيحرّر الدّمية من جمادها، ويمنحها الحياة. ويمكن اعتبار هذه القصّة القصيرة جدّاً مركزيّة تمتدّ لتحتوي كلّ النّصوص، أو لتتوغّل فيها كلّ المعاني الّتي أرادها الكاتبان. الفقر والعوز حاضران في جميع النّفوس إن على المستوى المادّيّ أو المعنويّ. لكنّ الحلم قلق وملتبس في المجموعة القصصيّة على عكس اتّساعه في قصّة أندرسن:
"في الحلم رأيتهم يشيرون نحوي
- هذا الّذي قال أنّه ملك بني إسرائيل
صلبوني ثالث ثلاثة... نظرت عن يساري وجدت أبي، يلعق دمه ويصرخ في وجهي
- اللّعنة عليك وعلى دينك الجديد.
عن يميني... نزعت أمّي يدها من المسمار ورفعت عن رأسي أكليل الشّوك، فيما هتفت عجوز بين الجموع الغفيرة
" إنّه الـنـّبـيّ الـمـنـتـظـر " (كابوس- علي غازي)
الحلم/ الكابوس، الّذي يرنو إليه الكاتب مشيراً إلى النّبوّة كعنصر خلاص وتحرّر من الألم، والظّلم، والقهر. وهو كابوس لاستحالة تحقيق الحلم، ولفداحة الألم الّذي بلغ منتهاه. (صلبوني ثالث ثلاثة... نظرت عن يساري وجدت أبي، يلعق دمه ويصرخ في وجهي).
تناصّ آخر مع مشهد الصّلب في الإنجيل المقدّس، مع مفارقة أحدثها الكاتب تجري فيها الأحداث على حساب أحداث أخرى هي المقصودة والرّئيسيّة. فحدث الصّلب الّذي يعبّر عن العقوبة نتيجة فعل خارج عن القانون أو الشّريعة، يسيطر عليه حدث النّبوّة وذاك ما يقصده الكاتب. الكابوس الحقيقيّ هو الوعي الّذي دلّت عليها النّبوّة، وعوقبت من أجلها الشّخصيّة الحالمة.
سيجد القارئ تناصاً آخراً مع المزمور 22 في الكتاب المقدس:
"إلهي، إلهي، لماذا تركتني، بعيداً عن خلاصي، عن كلام زفيري؟
ثقبوا يديّ ورجليّ.
أحصي كلّ عظامي، وهم ينظرون ويتفرسون في.
يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون." (مزمور 22 الآية 1،16،17،18)
"سملوا عيني، وسمّروني على الصّليب ثاني اثنين. لا شيء يتحدّث عنّي غير أصابعي الخمسة، كلّها تشير إلى مدن تصرخ بوحشيّة.
إيلي لمّا شبّقتني. (مصير/ علي غازي)
(إيلي لَمَّا شبقتني) لفظ مركّب من العبرية والآراميّة يعني (إلهي إلهي لماذا تركتني). وفي هذا اللّفظ منتهى السّلبيّة، أو ما يرادفه في اللّاهوت معنى الإلحاد السّلبيّ. أي أنّ الإنسان يشعر أنّ الله تخلّى عنه. فالشّخصيّة الّتي تدور حولها القصّة الّتي يمكن أن تكون الوطن، أو الإنسان تُظهر عنف الواقع إلى حدّ اندثار الإيمان، أو اعتباره غضباً أعظم.
في الفصل الثّالث "أمّنا الحرب"، يشير العنوان إلى تأصّل الحرب في النّفوس وكيفيّة استحواذها على العقول حتّى نكاد نتبيّن ثقافة الحرب. وفي هذا الفصل يعالج الكاتبان واقعيّة الحرب الّتي ما برحت مرتبطة بالإنسان كأنّه لا يمكنه الاستغناء عنها. فلظ (الأمّ) يدلّ على رباط وثيق وحميم، بل لعلّ الكاتبين أرادا أن يبيّنا مدى تورّط الشّعوب بالحروب من ناحية استمراريّتها وتنفيذ مآربها.
"عبّأ بندقيته بتفانٍ، صوّب تجاه خطوط النّار ثم بدأ بإطلاق الرّصاص. وأخذ يصرخ مع كلّ إطلاقة: 
... حمقى... يا أبناء الزّواحف... 
لم يكن يرغب في التّوقّف أبداً لولا أنّ أحدهم ربّت على كتفه قائلاً:
 العدوّ من الاتّجاه الآخر ياسيّد! (بوصلة/ علي غازي).
أضاع الإنسان بوصلته، وتاه عن الاتّجاه الصّحيح، ولم يعد يفرّق بين أخ وعدوّ. وذاك يعود إلى تشتّت العقل، وانغلاق الروح على ذاتها. فاجتاحها الخوف والرّعب والاستسلام. بل إنّ الحرب جعلت الإخوة أعداء، يقاتلون من أجل قضيّة مبهمة:
"1- قابيل ----
استلّ خنجره العتيق، غرزه في ظهره، ثمّ حمل الجثّة وألقاها في البئر المهجور. وكلّما طلب الماء، اهتزّ عرق في داخله ...وتذكّر قابيل.
2- قابيل آخر ----
أترقّب بطن أمّي، وأنتظر قدومه لأغرز في قلبه هذا الدّبوس. وبدل أن يدخل أخي غرفته الجديدة، سكن المقبرة في جوف أمّه. وبقيت أنا، وحدي، أحتفل كلّ عام، بذكرى ذلك الانتصار  لعشرين مرّة متتالية.
3- قابيلان ----
يتقاسمان نفس الشّارع، كلّ على رصيف، في النّهار يقرءان ذات الجريدة وفي اللّيل، يفترشانها. رغم الظّلام، والمخاوف، فإنّ قلبيهما يتحدّثان بلغة و احدة :
 ما أفظع أن نكون من نفس  الأمّ." (أبناء آدم/ علي غازي)
تناصّ آخر مع قصّة قايين وهابيل، وإن تكرّر هذا الأسلوب فليعبّر الكاتبان عن أنّه لا جديد تحت الشّمس، ولم يتغيّر الكثير من بدء التّكوين إلى يومنا. حقيقة الحرب خدعة، الحقد بين أخوين، وتستمرّ مع كلّ ولادة لم تتثقّف على الحبّ. 
"عاد أطفال الحي ببنادق بلاستيكية يتقاسمون أزقته؛ تحت مسميات قبلية وطائفية يجمعهم 
هتاف واحد (نغزوهم ولا يغزوننا).." (عيد جديد/ إبراهيم عدنان)
وهنا أيضا تتناصّ القصّة مع ذلك القول المأثور للنّبيّ محمّد عقب غزوة الخندق، فبعد هزيمة الأحزاب، قال هذه الجملة "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا"، وتبرز المفارقة في هذا التّوظيف، لاختلاف الواقعين، فالأطفال الهاتفين بهذه الجملة ضمن سياق الصّراع الطّائفيّ في العراق، هو بلا شكّ مختلف عن السّياق الأول لهذه العبارة، مع ملاحظة السّخرية في قصّة إبراهيم عدنان وذلك عندما استخدم لفظي الأطفال والبنادق البلاستيكيّة، سخرية مرّة فيها ظلال من العبث الّذي لا جدوى منه.
استخدم الكاتبان في هذه المجموعة نمط اللّوحة الشّعريّة، ولعلّ هذا النّمط مغامرة ما لم يتحلَّ الكاتب بإحساس عالٍ ودقيق، يرتقي بروح القارئ دون أن يبعده عن مضمون القصّة، أو يؤثّر في فعاليّتها في ما تريد إيصاله.
"تبدّد اللّيل فوق جسديهما.. 
تغفو الأرض على حرارة أنفاسهم 
حروف متقطّعة:
- أنا أحبّك
- لم تبلغ معشار حبّي.
- تبالغين حبيبتي بعدّ النّجوم..
- لا شك أما ترى كيف أحتضنهم في عتمتك!
- قد أكون آخر من يصله الضّوء..
- كيف ذلك وأنت بين ذراعيّ..
- لم أكن مولدك الأوّل.! أليس كذلك..
- أنت توأم حياتي..
أغلق الهاتف 
وعيناه تحتضن سقف الغرفة 
محدّثاً نفسه:
هل توأمي يستمتع بهذا الحديث.. (مصارحة/ إبراهيم عدنان)
أنموذج يتكوّن في لغة عاطفيّة بسيطة، تحمل واقعيّة الكلمة وتتحلّى بالرّومانسيّة. إلّا أنّ هذه اللّغة لم تقضِ على القصّة. فسؤال النّهاية المفتوح على مضمون الحديث وتأثيره يبلّغ تأثير القصّة وفعاليّتها.  
بالمقابل في الفصل السّادس، ينفرد علي غازي في "عشق ودموع" ليخلق من كونشرتو "الفصول الأربعة" لفيفالدي محاكاة لفصول الحياة. قام فيفالدي في هذا العمل الموسيقيّ بمحاكاة عوامل الطّبيعة المختلفة مثل نسمات الهواء والرّياح الشّديدة والعواصف. وأمّا علي غازي، فحاكى فيفالدي والقارئ معاً بنفسٍ شعريّ امتزج باللّغة السّرديّة، ليخرج العمل لوحة حياتيّة تترجم فصول الحياة من خلال فصول السّنة. 
"كونتشيرتو فصل الرّبيع
الحركة الثّانية / Largo
 حتّى الحجر....
تفجرّت دموعه
وتفتّت بين يديه ألما،
عندما رماني القدر.
 في مقبرة الأطفال، يتراكم حزنه ويسرق ما تبقى له من ثبات. مئة قبر تحتضنهم تربتها الجرداء، كلّهم من أمّ واحدة. ذلك الّذي يتوسّط اثنان من إخوته، والآخر في الطّرف الأيمن، والأبعد... كلّهم ينتمون إلى ليلى ما غيرها.
 لذلك نحيبه لا يتوقّف، والشّموع، ستبقى بين يديه قائمة في صلواتها، لا يطفئها غير العاصفة والمطر." (فصول فيفالدي الأربعة/ علي غازي)
امتزجت في هذه القصّة اللّغة الشّعريّة بالسّرد فأظهرت للقارئ عمق الإنسان الملتهب بالعاطفة، والألم، والحزن. حملت اللّغة القصصيّة/ الشّعريّة رؤية الإحباط الّتي يواجهها الإنسان في عالم اليوم، الّذي تواجهه فيه أخطار عديدة ومؤلمة.
وأخيراً، وليس آخراً،
فإنّ كتابة عمل أدبيّ مشترك بهذا التّناغم، وبهذه الإحالات النّصّيّة الّتي تربط النّصوص بنصوص أخرى ومن حقول متعدّدة دينيّة وأدبيّة وموسيقيّة، يجعل من هذه المجموعة عملاً أدبيّاً مكتنزاً مفتوحاً على شهيّة التّأويل، ويكرّس فنّاً إبداعيّاً، مستفيداً من كلّ تلك التّقنيات السّرديّة الّتي تحفل بها منظومة السّرد العربيّ المعاصر.

وهْجٌ وجسد/ فراس حج محمد

-1-
عِنَبي شهيٌّ هذا العامْ
حلو المذاقِ كشهوتينْ
سلسٌ
يقوّي الصّورة والدَّمْ
تشبهاننا بذرتاهْ
كلّ شيءٍ فيه فينا
"توأمانِ بخمرتينْ"

-2-
أعنّي 
يا حبيبُ "فأنا مريضةٌ من الحبّ" 
واتلُ عليّ نشيد الأناشيدِ
أشفى بكَ
حين أضع رأسي على صدركْ
أعنّي 
إذ تزورني نوارسُ البحرِ وتضحكُ لي
تقبّلني
تنمنمُ علوي 
تنبتُ لي شهوتانِ بعضويَ الحيويِّ
أعنّي 
عندما تغسلني البلاغةُ في لغةِ الصّمتْ
أيّها المتمدّدُ فيّ كجسمي
رؤيايَ ووحدةُ كوني
أعنّي 
لتكبرَ مثلَ شمعة عمري على جسدي

-3-
أتشتهي جسدي؟
مثيلكَ مثلي 
تمثالٌ علا جسدي
أقتاتُ منّي 
كما تقتاتُ من وهْجٍ نما بيدي
أتعتلي شجري لترى؟
وكيف ترى "أنا" 
وأناكَ تربتُها من تربتي أبدي؟

هم كذلك قادة كبار وبسطاء/ راسم عبيدات

هناك من القادة من يفرض عليك احترامه وتقديره ...ليس فقط لسيرته ومواقفه النضالية وصدق إنتمائه وموقعه القيادي،بل لسجاياه واخلاقياته وعلاقته البسيط والصادقة ليس مع تنظيمه وحزبه واخوته ورفاقه،بل مع عامة الناس والجماهير،حيث تلمس الطيبة والإخلاص في تعامله دون تكلف او تصنع،وهكذا كان الرفيق الشهيد القائد الفلسطيني أبا علي مصطفى... كان قائداً ومعلما ومتعلماً من الجماهير...كان مدرسة ومعلماً في النضال والكفاح....مدرسة في السلوك والأخلاق...نموذجاً في العمل الوحدوي وطنيته تتفوق على حزبيته....كان واسع المدارك والإطلاع...عميق الخبرات والتجارب...لم يكن يحلم بأرصدة في البنوك ولا "فلل" ولا قصور ...ولم تكت تستهويه المظاهر الخادعة البراقة...إنتمى لحزب ومدرسة ثورية ...سبقه اليها الكثير من رفاق دربه ...ولذلك عند الحديث عن الرفيق القائد أبا علي ندرك أن هذا قائد من طراز خاص....في زمن نجد فيه بان الكثيرين من القادة او من يتبوؤن موقع القيادة في الساحة الفلسطينية، لم يدفعوا لا ثمناً نضالياً ولا كفاحياً ولم يضحوا لا من اجل شعبهم ولا من اجل قضيتهم،بل كانوا متسلقين على قيادة الشعب ومواقع القيادة بفعل رداءة المرحلة و"حراشيتها"...والعديد من هؤلاء القادة يمر في ذاكرة وتاريخ الشعب الفلسطيني مرور الكرام لا تاريخ يذكر ولا بصمات ايجابية تسجل له...بل تاريخ كله خيبات وانتفاع وارتزاق وتكسب ...واجزم بأن الكثير ممن يحتلون مواقع متقدمة في قيادة الشعب الفلسطيني،هم سبب رئيسي في مأساته ...ولا يستحقون سوى ان يلعنهم الشعب الفلسطيني...ولكن اللعنة والسباب لا تجدي بحقهم نفعاً،فلا بد من رحيلهم كي تستقيم المعادلة...
أبو علي أنت قائد بحجم وطن،كذلك هم القادة الذين يرحلون أجساداً وتبقى ذكراهم ومبادئهم وأفكارهم خالدة في عمق ذاكرة ووجدان شعبهم...وهذا يكفي،اما قادة الغفلة ومرحلة الهزيمة فلا رحمة عليهم ولا مكانة ولا مساحة لهم في وجدان وذاكرة شعبهم.

تأتي ذكراك السادسة عشرة،والوطن بامس الحاجة الى قادة من امثالك وامثال القادة الآخرين الذين حملوا المشروع الوطني وقضية شعبنا على اكتافهم،وكان الوطن والمصالح العليا للشعب الفلسطيني فوق اجنداتهم الخاصة والحزبية والفئوية،فنحن الان يا أبا علي في مرحلة من اخطر المراحل التي تمر بها قضيتنا الفلسطينية ومشروعنا الوطني،حيث مخاطر التبديد والتفكيك والتصفية للقضية والمشروع الوطني حقيقية،والخطر لا يتأتي عليها فقط من إنقسامنا وتشرذمنا الداخلي،بل هناك ما هو اخطر من ذلك بان قوى واطراف عربية،أصبحت شريكة للمحتل في مشاريع تصفية قضيتنا،ضمن ما يسمى بالحل الإقليمي،وكثير من تلك الدول تتحلل من إلتزاماتها الوطنية والقومية،ولم تعد تمارس فقط دور الوسيط مع المحتل،بل هي أقرب الى المحتل وشركاؤه في فرض حلول تصفوية على شعبنا.
أبو علي هم اغتالوك لأنهم يدركون،بأن القائد الوطني المخلص لشعبه والملتحم بهموم جماهيره ويعبر عن نبضها،يشكل خطراً عليهم وعلى وجودهم،لا يريدون ان يتجذر ويتقوى نهج وخيار المقاومة في الساحة والشارع الفلسطيني،ولا يريدون لشعارك الخالد "عدنا لنقاوم لا لنساوم"،ان يصبح واقعاً ومنهجاً ونبراساً لشعبنا واحزابنا وفصائلنا،ولذلك كان قرار تصفيتك واغتيالك،ظانين ومتوهمين بان نهج وخيار المقاومة واستمرار الكفاح بإغتيالك كما اغتالوا من قبلك قادة اخرين مؤمنين بهذا الخيار والنهج غسان كنفاني والكمالين وأبا يوسف النجار ووديع حداد وابا جهاد وابا اياد وخالد نزال والشقاقي والشيخ احمد ياسين والرنتيسي وأبا عمار وتلك القائمة الطويلة من قادة شعبنا الذين اغتالتهم أجهزة المخابرات الصهيونية،سينتهي في الساحة الفلسطينية او يحاصر ويتراجع،ولم يتعلموا من التاريخ بأن الشعوب مهما دفعت من ثمن وتضحيات،لن تتخلى عن حقها وخيارها في الحرية والإستقلال والعيش بكرامة.
بعد رحيلك ورحيل الكثير من قادتنا الكبار حالة من "التوهان" وفقدان البوصلة والإتجاه تسود ساحتنا الفلسطينية،والشعار الذي كنت انت وغيرك من هؤلاء القادة الراحلون تحرصون على ان يبقى خط احمر لا يمكن لأحد أن يتجاوزه او يعبث فيه،بتحريم سفك الدم الفلسطيني بأيدي فلسطينية،جرى تجاوزه بشكل فظ وسفك هذا الدم على مذبح الأجندات والصراعات الفئوية على سلطة منزوعة الدسم،ما زلنا نختلف وننقسم ونتشظى في الصراع والخلاف عليها،حتى بدا وكأن هذا الإنقسام يتشرعن ويتأبد.
هم يا أبا علي يعرفون طريق إنهاء الإنقسام،وهي قصيرة وليست طويلة،ولكن لا تتوفر عندهم الإرادات،حتى بت على قناعة بأنهم لا يمتلكون حق إنهاء الإنقسام،فهناك أشخاص وفئات مستفيدة من وجود الإنقسام،وتحققت لها مصالح وإمتيازات ومكاسب ومواقع سياسية واقتصادية واستثمارية وقيادية،ستخسرها وتضيع مع إنهاء الإنقسام،وكذلك هناك تدخلات عربية وإقليمية في الساحة والقرار الفلسطيني،وهي الأخرى غير معنية بإنهاء الإنقسام،من خلال إرتباطاتها وتحالفاتها،مع الطرف المتناظر معها من القيادة الفلسطينية في الرؤيا والموقف والمشروع السياسي،ولذلك كل المبادرات واللقاءات والحوارات لم تفلح في قبر الإنقسام وإجتثاثه.

أبو علي المقدسيون عندما توحدوا بكل مكوناتهم ومركباتهم السياسية الوطنية والدينية والمجتمعية والشعبية صنعوا نصراً على المحتل بوحدتهم بإرادتهم،بإيمانهم،بعقيدتهم،بمبدئيتهم،،بسجاجيد صلواتهم،وعدم تلوثهم بامراض الإنقسام والفئوية المقيتة،انتصروا في هبة باب الإسباط ومنعوا تقدم مشروع الاحتلال السياسي لتقسيم المسجد الأقصى مكانياً بعد تقسيمه زمانياً وصولاً لهدم المسجد القبلي وإقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم مكانه.
هبة باب الإسباط يا أبا علي كشفت عن عجز السلطة بشكل كبير وقصور القوى والأحزاب والفصائل،وعدم إرتقائها الى مستوى الهبة وعدم قدرتها على إلتقاط الحدث واللحظة المناسبة،لكي تقود الهبة برأس قيادي واحد وموحد،بل استمرت في مناكفاتها ومسلسلها الدائم والمتواصل في التحريض والتحريض المضاد وتحميل المسؤوليات،وكذلك كان حال اجنحتها العسكرية للفصائل،تهديد ووعيد وشعارات فارغة ،ليس لها أي رصيد.
أبو علي أنت وأمثالك غرستم في الشعب والجماهير قيماً وأفكاراً ومبادئاً،ستبقى خالدة فيهم،يستلهمونها في نضالاتهم وتضحياتهم،ويقسمون ان يسيروا على هديكم ونهجكم،رغم قسوة المرحلة ورداءتها،ولكن الشعوب لم ولن تتعب أو تنهزم،وستبقى تناضل وتواصل المشوار حتى تحقق أهدافها في الحرية والإستقلال،وإن تعبت او تراجعت او إنهزمت قياداتها.

في ذكرى رحيل الشاعر محمود درويش: مناسبة القاء قصيدته المشهورة "بطاقة هوية"/ نبيل عودة

(ملحق قصيدة سالم جبران "القائمة السوداء" وكيف شارك الحكم العسكري بشنق نفسه)
بعد نكبة 1948 فرضت حكومة إسرائيل الحكم العسكري على المواطنين العرب، او الأصح القول على البلدات العربية داخل حدودها، وأُلغي الحكم العسكري عا
م 1966 بعد معركة سياسية برلمانية وشعبية شرسة.
الحكم العسكري اعتمد على قوانين الدفاع التي فرضها الانتداب الاستعماري البريطاني عام 1945 (قوانين حالة الطورائ) بسبب تنامي الأعمال الحربية للمنظمات اليهودية ضد الانتداب. بعد إقامة إسرائيل تقرر إبقاء هذه القوانين الانتدابية البريطانية في الجليل والمثلث والنقب. عمليا مناطق تواجد المواطنين العرب. شكليا فرض الحكم العسكري على مناطق جغرافية، لكن بالتطبيق فرض فقط على المواطنين العرب. مثلا في البلدات المختلطة مثل يافا والرملة واللد أُلغي الحكم العسكري عام 1949، وفي حيفا المدينة التي صار أكثرية سكانها من اليهود لم يفرض الحكم العسكري. في عكا حيث اصبح العرب أقلية، أُلغي الحكم العسكري عام 1951.. اما في مدينة الناصرة وشفاعمرو وجميع البلدات العربية في الجليل والمثلث والنقب فقد عاني السكان من الحكم العسكري وضرورة الحصول على تصاريح للخروج من بلداتهم والعمل في البلدات اليهودية او لزيارة أقارب في البلدات الأخرى.. وطبق الحكم العسكري سياسة تجويع ضد المناضلين برفض منحهم تصاريح للخروج الى العمل خارج بلداتهم، الى جانب ظاهرة طرد عشرات المعلمين العرب الوطنيين الذين لم يلتزموا بالمواد الدراسية التي أعدها الحكم العسكري وثقفوا طلابهم على روح الكرامة.
 الغاء الحكم العسكري كان ضد رغبة حكومة حزب العمل (أي حزب المعراخ والعمل كان اسمه في ذلك الوقت وكان رئيس الحكومة هو ليفي أشكول) لدرجة ان نواب عرب تابعين لحزب المعراخ صوتوا ضد إلغاء الحكم العسكري واحد النواب العرب التابعين للمعراخ خطب في الكنيست وقال "ان الحكم العسكري لمصلحة العرب"!!
جدير بالذكر ان أحزاب اليسار واليمين وعلى رأسها حزب الحيروت – الليبراليين  بقيادة مناحيم بيغن (فيما بعد الليكود) صوتوا من اجل إلغاء الحكم العسكري، لأنهم رأوا به جهاز قمع استعمله الانتداب البريطاني ضد اليهود قبل إقامة الدولة.. وعارضوه ليس بسبب فرضه على العرب إنما لأنه من بقايا الانتداب الاستعماري الذي طارد أيضا العصابات اليهودية.
على إثْر ذلك اتّخذت حكومة إسرائيل قرارا بالتفرقة بين نوعين من مواطنيها العرب... "عرب ايجابيين"، أي ما نسميهم بلغتنا الشعبية "مرتزقة السلطة"، الذين باعوا كرامتهم بقروش صدئة. و"عرب سلبيين" هي صفة كل المناضلين ضد مشاريع التهويد ومصادرة الأرض وتضييق الخناق على تطور بلداتنا ومؤسساتنا التعليمية، وضمت أسمائهم لما عرف بـ"القائمة السوداء". بالطبع فرض على العرب السلبيين (من القائمة السوداء) أوامر تحديد التنقّل التي تمنع "المغضوب عليهم" من مغادرة بلداتهم بدون تصاريح عسكرية، بل وتفرض على من تراه خطرا على الأمن، أوامر تمنعه من مغادرة منزله بعد غياب الشمس، او تنفيه لبلدة بعيدة... أي "تعذيب قانوني"!!
اذكر ان شاعرنا محمود درويش كان من الذين تلقوا أوامر تحديد التنقّل والاعتقال المنزلي بعد غياب الشمس (إثبات وجود)، وقبلها كان قد شارك في مهرجان سياسي كبير عقد في مدينة الناصرة ضد قرارات الحكومة، بتصنيفنا "عربا سلبيين" تُفرض علينا أوامر تحديد التنقل الانتدابية الاستعمارية سيئة الصيت، أي في مثل حالتي (تلقّيت امر تحديد التنقل وانا في الثامنة عشرة) كان محظورا من مغادرة مدينتي الناصرة بدون تصريح من جهاز الشرطة، سابقا كان التصريح من الحاكم العسكري، أي حافظوا على بقاياه مثل أوامر تحديد التنقّل والاعتقال الإداري والنفي وغير ذلك من الموبقات، وهو قانون سائد اليوم ضد أبناء شعبنا الفلسطينيين في المناطق المحتلة.
 ألقى محمود درويش في مهرجان الناصرة قصيدته التي اشتهرت بمطلعها: "سجِّلْ: أنا عربي" (عنوانها "بطاقة هوية") يقول فيها:
سجِّلْ  
أنا عربيْ
ورقم بطاقتي خمسونَ ألفِ
وأطفالي ثمانيةٌ
وتاسعُهمْ سيأتي بعدَ صيفِ
فهل تغضب؟
سجِّلْ
أنا عربيْ
وأعملُ مع رفاقِ الكَدْحِ في محْجَرْ
وأطفالي ثمانيةٌ
أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ
والأثوابَ والدفترْ
مِنَ الصّخرِ
ولا أتوسَّلُ الصَدَقاتِ مِنْ بابِكْ
ولا أصْغَرْ
أمامَ بلاطِ أعتابِكْ
فهل تغْضَبْ؟
سَجِّلْ
أنا عربيْ
أنا إسْمٌ بلا لَقَبِ
صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
يعيشُ بفورة الغَضَبِ
جذوري..
قبلَ ميلادِ الزّمانِ رَسَتْ
وقبلَ تَفَتُّحِ الحِقَبِ
وقبلَ السّرْوِ والزّيتونِ
قبْلَ تَرَعْرُعِ العُشْبِ
أبي مِن أسرةِ المحراثْ
لا مِن سادَةٍ نُجُبِ
وجَدّي كان فلاحاً
بلا حَسَبٍ و لا نَسَبِ
يعلّمُني شموخَ الشّمس قبلَ قراءةِ الكُتُبِ
وبيتي كوخُ ناطورٍ
مِنَ الأعوادِ والقصبِ
فهل تُرضيكَ منزِلَتي؟
أنا إسمٌ بِلا لَقَبِ
سجِّلْ
أنا عربيْ
ولونُ الشَّعْرِ فحْمِيٌّ
ولونُ العينِ بُنّيٌّ
وميزاتي:
على رأسي عِقالٌ فوقَ كوفيَّة
وكفّي صُلْبةٌ كالصّخر
تخْمُش مَن يلامِسُها
وعنواني:
أنا مِن قريةٍ عزْلاءَ مَنْسيّة
شوارعُها بلا أسماءْ
وكلُّ رجالِها في الحقلِ والمِحْجَرْ
يحبُّون الشيوعية (مواقع عربية استبدلت هذه الجملة بجملة "يعادون العبودية")
فهل تغضب؟
سجِّلْ
أنا عربيْ
سلبْتَ كرومَ أجدادي
وأرضا كنتُ أفلَحُها
أنا وجميع أولادي
ولم تترك لنا ولكلِّ أحفادي
سوى هذي الصخور
فهل ستأخذها
حكومتُكُمْ كما قيلا
إذنْ..
سجل برأس الصفحة الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَ
ولا أسطو على أَحَدِ
ولكنّي إذا ما جُعْتُ
آكلُ لحمَ مغْتصبي
حذارِ حذارِ من جوعي
ومن غضبي.
قد يقول البعض انها خطابية مهرجانية، وهذا صحيح، ولكننا كنا بأمس الحاجة لمثل هذا الشعر الذي ألهب الجماهير وملأها عزما وتحدّيا لتعسّف السلطة. شعرنا المهرجاني له طابعه النضالي والتثقيفي، كانت القصيدة أهم من الخطاب السياسي في مهرجانات ومظاهرات واجتماعات شعبنا. في نفس المهرجان شارك أيضا الشاعر، زميل درويش شعرا، فكرا ونضالا، سالم جبران، بقصيدة هامة هي "القائمة السوداء" يقول فيها:

سجّلْ إسْمي في القائمةِ السوداء
سجّلْ إسْمَ أبي، أمي، إخواني
سجِّلْ.. حتى حيطاني!
في بيتي لن تلقى إلا شرفاءْ!!
لا تنظر نحوي
بعيونٍ باردة بلهاء.
سجّلْ إسْمي ..
فأنا لن أتنازل
عن ارضي الطيبةِ المعطاءْ
لن أعملَ جاسوساً
للأجهزة السوداء
في كل مظاهرة تلقاني
صوتي مع آلاف الأصوات
يجلجلُ في الأجواء
وإذا ما شئتَ مزيدا
فأنا أحمرُ
مِن بلدٍ حمراءْ
سجّلْ أسمي في القائمة السوداء
وطني مُلْكي
أبقاه ليْ أجدادي
وسأبقيه للأبناء
حرٌّ فيه أنا .. أتجولُ كيف أشاء
خبِّئ في غيرِ مِلَفّاتِك، بالقائمة السوداء!

حفظنا القصيدتين غيبا، أصبحتا، خاصة قصيدة محمود نشيدا وطنيا. انتهى المهرجان بمظاهرة، اعتقالات ليلية، تحقيقات شرطة وباقة من أوامر الإقامة الجبرية.
كيف شارك الحكم العسكري بشنق نفسه؟
لا أذكر التاريخ ولكنه كما أظن بين أعوام  1955- 1959. قررت الشبيبة الشيوعية في الناصرة ان تساهم في النضال ضدَّ الحكم العسكري حسب طريقة جديدة مبتكرة.
أنتجوا لعبة كبيرة عُبِّئت بنشارة الخشب، كتبوا على الصدر والظهر "الحكم العسكري" طوقوا رقبة اللعبة بحبل للشنق، في احدى الليالي تسلّق أحد شباب الحركة خفيفي الحركة شجرة سرو شاهقة العلو كانت بجانب عين مريم العذراء على الشارع الرئيسي للناصرة، علّق لعبة القش التي سميت "الحكم العسكري" في اعلى نقطة على شجرة السرو الشاهقة وتدلّت مشنوقةً... فجراً، تجمّع النصراويون يضحكون ويصفّقون لشنق الحكم العسكري.
ثار غضب الحاكم العسكري الذي جاء مع مدير الشرطة ليشاهد السخرية من جهازه. طلب سيارة خاصة مع رافعة، لينزل اللعبة المشنوقة ويوقف المهزلة من الحكم العسكري.
صعد شرطي في سلّة الرافعة، لكنها لم تصل للحبل ليفكَّه ويحرّر لعبة الحكم العسكري من حبل المشنقة.
أُنزِلَ إلى الأرض وأُعطيَ خنجرا ليقطع اللعبة إرَبا، بنفس الوقت غيرت الرافعة مكانها مقتربة اكثر من السروة الشاهقة ورفعت الشرطي مع الخنجر بيده من جديد، مد الشرطي يده بالخنجر الى أقصى ارتفاع تمكن من وصوله، فوصل الى رقبة اللعبة، وبدأ "يذبحها" ونجح بفصل جسد اللعبة عن رأسها، فسقط الجسد والرأس على الأرض مفصولين عن بعضهما وتناثرت نشارة الخشب بالجو كأن السماء تندف ثلجا لونه أصفر .. والجماهير المتجمّعة لمشاهدة أجمل عرض في مدينة الناصرة، تضحك، تصفق وتهلّل احتفالا بالشنق الناجح للحكم العسكري.

بناء مؤسسات الدولة والاختلاس وهدر المال العام في فلسطين - القطاع الصحي كمثال/ رائف حسين

بناء مؤسسات الدولة في فلسطين كان المشروع الأكبر والاهم الذي بادر به وطوره رئيس الوزراء السابق د. سلام فياض. بناء مؤسسات دوله، ارضها وشعبها ما زالت تقبع تحت مخالب الاحتلال واقتصادها وسيادتها رهائن اتفاقات جاحفة تعطي للمحتل كل إمكانيات السيطرة المباشرة والغير مباشره، هو بحد ذاته تحدي كبير جداً. تحدي يحتاج بالدرجة الاولى لشحذ الهمم الذاتية والاستقواء بمكونات الشعب وقدراته الموجودة بكل أماكن تواجده. واهم الأمور لنجاح مثل هذا المشروع هو جذب الشعب واقناع كل فئاته لدعم عملية البناء. هذا لا يمكن ان يتم الا اذا كانت الشفافية هي سيدة الموقف في كل الخطوات والقدرة المهنية هي القاعدة الأهم بتقلد المراكز وشغل المناصب.
الْيَوْمَ وبعد عقدين ونيف على بناء السلطة الفلسطينيه وتلقيها اكثر من 20 مليار دولار دعم من الخارج غير ما تم جبايته من ضرائب محليه اضافة الى إيرادات المقاصة -وهي الأموال التي يجبيها الاحتلال الإسرائيلي لصالح السلطة - لا يسعنا الا ان نقول بان ما تم صرفه على " بناء مؤسسات الدولة" مقارنة بما صرف لبناء الاقتصاد الوطني المنتج وفرص العمل المنتجه  زهيد جداً.  
أنا على يقين تام بان أية عملية بناء، إداريه أم اقتصاديه أم خدماتية،  مهاما كانت صغيرة يمكن بعد التدقيق ان تجد ثغرات بصرف الأموال وإدارة المشروع. المهم هو كيف تتعامل السلطة مع هذه الثغرات؟ 
منذ السنوات الاولى للسلطة الفلسطينيه وحتى يومنا هذا ما زال شبح المحسوبية والرشوة وهدر المال العام وسوء الادارة يدور فوق كل المشاريع التي تمت في فلسطين المحتلة وأصبحت هذه المفردات السمة الأكثر انتشاراً بين طبقات الشعب لتصوير حالة السلطة. ما كان ينقص السلطة كمرافق دائم في عملية بناء مؤسسات الدولة هو المحاسبه الدورية وطرح السؤال: من أين لك هذا؟ على كل من له صلة بمشروع ما! 
التقارير حول الفساد بالسلطة الفلسطينيه عديده ومتنوعة والاموال التي اختفت كبيرة جداً والصفقات التي تمت من وراء ظهر المؤسسات الرسمية لا تحصى ولا تعدد وكذلك عدد رجال السلطة وموظفيها المتورطون بهذه الاعمال المشينة. لجنة التحقيق بالفساد لم تقدم حتى الْيَوْمَ أحداً من الحيتان الكبار للمحاكم. وبحسب مؤسسة " ترانس بيرانسي اتترناشنال" المقيمة في برلين والتي تقوم بتحليل مستويات الفساد حسب درجة استغلال المال العام في سبيل الإثراء غير المشروع والوظائف العامة للمنفعة الشخصية، أتت السلطة الفلسطينية في المرتبه 107 في قائمة الدول الفاسدة وفِي المرتبة الثانية عربياً بعد العراق التي حصلت على المرتبه 137 عالمياً.   
معظم تقارير الفساد والتقارير حول هدر المال العام في فلسطين تتعلق بمشاريع استثماريه وما شابهها.للاسف لم يتم الاهتمام بمجال الخدمات وكل ما يحيط بها بِمَا هو كافي وأفضل مثال على ذلك هو القطاع الصحي الذي اصبح مستنقع كبير وعميق تهدر به عشرات الملايين من الدولارات سنويا وتتغذي القطط الصغار، من موظفين في مكاتب الصحة ووزارة الصحة وبعض الأطباء الذين فقدوا إنسانيتهم ونقضوا قسم الشرف الذي اخذوه على عاتقهم عندما اصبحو أطباء ووكلائهم في بعض الدول الاوروبيه وتجار المرضى كما أسميهم، كل هؤلاء يستغلون الثغرات المهنية والقانونية بالقطاع الصحي الفلسطيني لمنفعتهم الشخصية. 
ارى ان السبب الحقيقي وراء عدم الاهتمام بالاختلاس وهدر المال العام في المجال الصحي يعود الى سببين أساسيين؛ الاول نابع عن التقدير الواسع والامتنان من كل فئات الشعب للسلطه لتنفيذها لمشروع الضمان الصحي لكل المواطنين. وهذا دون أدنى شك من اهم وأفضل ما قامت به السلطة الفلسطينيه،  هذا التقدير يعمي البعض عن النظر بدقه لما يحصل يوميا في القطاع الصحي والسبب الثاني هو ان الاختلاس يتم بحالات كثيره لكن المبلغ بكل حاله قليل مقارنة بالاموال التي يتم اختلاسها بالمشاريع الاستثمارية . 
في فلسطين التأمين الصحي هو من شأن وزارة الصحه وليس من مجالات عمل القطاع الخاص. اَي ان وزارة الصحه هي التي تمول وتصرف على كل انواع العلاج والادوية التي يحتاجها المواطن بغض النظر إن قُدِم العلاج للمريض في الوطن أو في دولة اخرى. 
لإجراء علاج ما أو عملية جراحية يتوجه المريض لدوائر الصحه أو الى المستشفيات الحكومية وهناك يتم تحويله الى جهه معينه ومحدده ( الى أخصائي أو الى مستشفى خاص،  وفي حالة المستشفى يتم تحديد اسم الطبيب،  الذي سيقوم بالعلاج،  من قبل موظف الصحه أو الأخصائي في المشفى الحكومي) وهنا يبدأ حبل الرشوة والاختلاس والمحسوبيه والعبث بالمال العام. 
بعض الموظفون في دوائر الصحه يطلبون بكل وقاحه بعض المال من المرضى ليسرعوا بعمليه التحويل أو للموافقة على تحويل المريض للعلاج في اسرائيل وكذلك الحال مع بعض ما يسموا " بمختصين" من الأطباء بدون ضمير ودون وجدان. وبما ان المشفى الخاص ، ان كان في فلسطين أو في اسرائيل أو اَي دوله اخرى، يجني ارباحاً من العمليات الجراحية فللحصول على عدد اكبر من الحالات يتم رشوة الموظفين في دوائر الصحه والأخصائيين في المستشفيات الحكومية. وفي حالات عدة، خصوصاً تلك الحالات التي يتم علاجها في الدول الاوروبيه عبر سماسرة يتم إصدار فواتير مضخمه جدا ويتم اقتطاع واختلاس أموال عديدة من مصاريف المريض وتكاليف العمليه الجراحية . والأمثلة، خصوصاً في ألمانيا وبريطانيا، عديدة جداً وأسماء السماسرة ومن خلفهم في الدوائر الرسمية معروفه للجميع. 
في مجال الصحه نستطيع ان نراقب ليس فقط كيف اصبح الاختلاس جزء من المؤسسة الرسمية بل نرى بوضوح كيف يتعامل المسؤول، بغض النظر عن مركزه، مع الشعب والمؤسسة وكيف ينظر لهم. 
شعب فلسطين معروف انه من الشعوب التي تتفوق في التحصيل العلمي. والكل يتباها ويفتخر بحق بإنجازات أبناء شعبنا الفلسطيني في جميع مجالات العلوم وخصوصاً في الحقل الطبي.   الألف من الأطباء والمختصين بجميع المجالات ما زالت موجودة بالخارج ولَم يتم أية محاولة جديه لاستقطابها للعودة الى فلسطين وبناء قطاع طبي منافس عالمياً مع اننا في مجالات عدة نملك اخصائيين بشهرة عالميه وكان بالإمكان ان يكون هذا المجال رمز لبناء أعمدة دولة متينة منافسه الا ان المحسوبية العائلية والحزبيه وقفت سد مانع امام مثل هكذا إنجاز. وبدل ان يكون الرجل/المرأة المناسب/المناسبه في المكان المناسب تم اعتماد الولاء الحزبي والمحسوبيه والرشوة والفساد في تسلم المناصب. اضافة الى هذا الخلل المشين زاد تصرف المسؤولين في السلطة من تأزم الوضع. قليلا ما ترى مسؤول فلسطيني أو احد أفراد عائلته يتعالج في مستشفيات الوطن. كلهم يحصلون على تحويلات لإسرائيل أو لاوروبا مع العلم ان معظم العلاجات والعمليات الجراحية ممكنه بالبلد وعندنا أخصائيون بشهره عالميه يتواجدون في مستشفيات فلسطين المحتلة.   ( هنا لا بد للتنويه على ان هذا التصرف لم يقتصر فقط على سلطة رام الله بل أيضاً سلطة غزه سارت بنفس الطريق). هذا التصرف الاوطني يدل على ان ثقة هؤلاء المسؤولين معدومه بابناء شعبهم ...فكيف يريدون هؤلاء بناء وطن ؟ 
وحتى أوضح لقارىء بامور عينيه ما اقصده اتي بمثال جراحه المخ والأعصاب  في مستشفى المقاصد بالقدس المحتلة: 
قبل حوالي خمسة سنوات قرر البروفسور د.  سامي حسين، أخصائي جراحة المخ والأعصاب وأحٓد أشهر المختصين عالمياً بهذا المجال، العودة الى الوطن لتقديم خبرته التي اكتسبها كمحاضر ورئيس قسم جراحة المخ والأعصاب في كلية الطب بهانوفر/ ألمانيا الى أبناء شعبه في فلسطين المحتلة. كان هدفه منذ البداية بناء قسم جراحه مميز وتعليم أطباء من أبناء شعبنا مهنة جراحة المخ والأعصاب لتضاهي كل أقسام هذا النوع من الجراحة في الشرق الأوسط. بعد عمل مضني وجهد مميز استطاع ببناء قسم مميز يعمل به البروفسور حسين مع ثلاث اخصائيين وسته مساعدين يقومون بإجراء حوالي 1000 عمليه جراحية في مجال المخ والأعصاب سنوياً. ويدخل القسم الان حوالي 25% من دخل المستشفى كاملاً. هذا الرقم من العمليات يضاهي ما تقوم به مستشفيات اسرائيل المجهزة والتي يعمل به طواقم اكبر بكثير مما هو موجود في مستشفى المقاصد. ويقول بروفسور حسين ان حوالي 30% من المرضى الذين يتلقون العلاج في الاْردن وفِي اسرائيل يأتون له لان عملياتهم الجراحية لم تكن ناجحة. وان 10% من مرضى القسم من الداخل الفلسطيني الذين يفضلون اجراء العميله الجراحية عند طاقم بروفسور حسين وليس في مستشفيات اسرائيل. وبعض شركات التأمين الاسرائيليه مثل شركة مكابي وشركة ميوحدت تغطي العلاج في مستشفى المقاصد للمرضى الاسرائليين، في الوقت الذي نرى كبار المسؤولين في كل من سلطة رام الله وسلطة غزة تتهافت للعلاج في اسرائيل وتهدر المال العام بدل ان تصرفه على مؤسسات الوطنيه وتدعم الاقتصاد الوطني. وحسب البروفسور حسين فان تكلفة عملية جراحية في تخصصه بمستشفى المقاصد لا تتعدى ال 50% من التكلفة في اسرائيل وأقل من 30% من التكلفة ي أوروبا. 
في النهايه بقي ان نقول بان شعب فلسطين يمتلك قدرات جباره وامكانيات عاليه لبناء وطن ومؤسسات وطن مشرفه... ما ينقصه هو فقط قيادة سياسية حكيمة وطنيه بكل المعنى تُقٓدر هذه الإمكانيات وتدعمها لأخذ دورها في بناء المؤسسات الوطنيه بإعطاءها الثقه والدعم الذي تستحقه.