جمالُ صوت المرأة في السرديّة التعبيريّة: حنان وليد/ كريم عبدالله

خامساً : البوح التعبيري :

2 : - ندم  .. بقلم : حنان وليد .

يقول ( هيجل ) : الشعر هو الفن المطلق للعقل , الذي أصبح حرّاً في طبيعته , والذي لا يكون مقيّداً في أن يجد تحققه في المادة الحسيّة الخارجية , ولكنه يتغرّب بشكل تام في المكان الباطني والزمان الباطني للافكار والمشاعر .

مما لاشكّ فيه انّ الموهبة قد تموت وتنتهي بالتدريج اذا لم يستطيع الشاعر تطويرها واستثمارها أقصى إستثمار عن طريق الاطلاع على تجارب الاخرين والاستفادة منها والاتكاء على المخزون المعرفي لديه ,  وتسخير الخيال الخصب في انتاج وكتابة كتابات متميّزة ومتفرّدة تحمل بصمته الخاصة التي عن طريقها يُعرف ويُستدلّ بها على إبداعه , وقد تموت ايضا اذا لم تجد التربة الصالحة والمناخ الملائم لأنضاجها , وقد تنتهي حينما لمْ تجد مَنْ يحنو على بذورها التي تبذرها ويعتني بها ويُسقيها من الينابيع الصافية والنقيّة , فلابدّ من التواصل والتلاقح مع تجارب الاخرين الناجحة والعمل على صقل هذه الموهبة وتطويرها والاهتمام بها وتشجيعها والوقوف الى جانبها قبل أن تُجهض . نحن سعداء جدا في مؤسسة تجديد الادبية ان نستنشق الان ملامح إبداع جميل وحضور مشرق من خلال دعمنا المستمر للمواهب الصادقة والناجحة في هذا الموقع , فلقد اصبح لدينا الان مجموعة رائعة جدا من الشعراء والشواعر الذين يجيدون كاتبة القصيدة السرديّة التعبيريّة , ونحن لم ندّخر اي جهد في مساعدة الجميع عن طريق الدراسات النقديّة والنشر والتوثيق المستمر في المواقع الالكترونية الرصينة وفي بعض الصحف الورقيّة , وابداء الملاحظات من أجل تطوير وإنضاج هذه الاقلام الواعدة , نحن على ثقّة سيأتي اليوم الذي يشار الى كتابات هؤلاء والاشادة بها والى القيمة الفنية فيها ومستوى الابداع والتميّز وما تحمله من رساليّة فنيّة وجماهيريّة .

فلم تعد قوالب الشعر الجاهزة ترضي غرور شعراء السرد التعبيري لذا حاولوا ونجحوا في الانفلات من هذه القوالب ومن هيمنتها ولو بشكل محدود ( في الوقت الحاضر ) , وتجلّ هذا من خلال طرق كتابة النصّ والموضوعات التي يتطرق اليها , وترسخت فكرة التجديد لديهم وخطّوا لهم طريقا مغايرا في كتاباتهم , وصاروا يواصلون الكتابة وياخذون منحا اخر لهم بعيدا عما هو سائد الان في كتابة قصيدة النثر , صارت القصيدة أكثر حرّية وانفتاحا على التجارب العالمية ,  لقد منحت السرديّة التعبيريّة لكتّابها الحرية والواسعة والفضاء النقيّ الشاسع والأنطلاق نحو المستقبل خاصة حينما يكون التعبير أكثر شبابا وصدقا عن المشاعر الحقيقية المنبعثة من القلب الصافي كالينبوع العذب , فلقد أحسّ الشاعر بمهمتة الصعبة في الكتابة بهذا الشكل الجديد والمختلف والذي نؤمن به وبقوّة , فنحن نؤمن وعلى يقين بانّ القصيدة السردية التعبيريّة هي قصيدة المستقبل لقدرتها على  الصمود والتطوّر المستمر نتيجة التجربة الطويلة والتراكم الابداعي , بروعة ما تقدّمه وتطرحه على الساحة الشعرية , نعم أحسّ الشاعر بالانتماء والاخلاص لهذا اللون الادبي الجديد والذي نطمح في قادم الايام ان يكون جنسا أدبيا متميّزا , لهذا استطاع الشاعر ان يطوّع المفردة رغم قسوتها وعنادها وإعادة تشكيلها وتفجير كل طاقاتها المخبوءة , وأن يفجّر من صلابتها الينابيع والانهار وإستنطاقها نتيجة ما يمتلكه من خيال جامح ابداعي وعاطفة صادقة جيّاشة وإلهام نقيّ وقاموس مفرداتي يعجّ باللغة الجديدة .

سنتحدث اليوم عن صوت المرأة الشاعرة في السرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير الى مستوى الابداع وكميّة الشعرية فيها , ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .

انّ حضور الصوت النسائي في السرديّة التعبيرية له تاريخه المشرق وحضوره البهيّ , فمنذ تاسيس موقع ( السرد التعبيريّ ) كان حضور المرأة الشاعرة متميّزا ينثر عطر الجمال ويضيف ألقاً وعذوبة في هذا الموقع الفريد والمتميّز, وقدّمت قصائد رائعة جدا تناولها الدكتور انور غني الموسوي بالقراءات الكثيرة والاشادة بها دائما , وتوالت فيما بعد الاضاءات والقراءة النقدية لهذه التجارب المتميّزة من قبل بعض النقاد ومن بعض شعراءها . فاصبحت هذه القصائد نوعية مليئة بالابداع الحقيقي وبروعة ما تطرحه من أفكار ورؤى ومفعمة بالحياة وروح السرديّة التعبيريّة وخطّتْ لها طريقاً تهتدي به الاخريات ممن عشقن السرد التعبيري وحافظن على هيبته وشكله وروحه والدفاع عنه . لقد أضافت الشاعرة الى جمالية السرديّة التعبيريّة جمالا آخر وزخما حضورياً وبعثت روح التنافس وحرّكت عجلة الابداع فكانت بحق آيقونة رائعة . القصائد التي كتبتها المرأة في السرد التعبيري كانت معبّرة بصدق عن اللواعج والالام والفرح والشقاء والحرمان والسعادة , بثّت فيها شجونها وخلجات ما انتاب فؤادها , ولقد أزاحت عن كاهلها ثقل الهموم وسطوة اللوعة , ولقد جسّدت في قصائدها آلامها ومعاناتها في بناء جملي متدفق , منحت المتلقي دهشة عظيمة وروّت ذائقته وحرّكت الاحساس لديه . كانت وستظلّ زاخرة بالمشاعر والاحاسيس العذبة ومتوهّجة بفيض من الحنان , نتيجة الى طبيعتها الفسيولوجية والسايكولوجية كونها شديدة التأثر وتمتاز برقّة روحها فانعكس هذا على مفرداتها وعلى الجو العام لقصائدها , فصارت المفردة تمتلك شخصية ورقّة وعذوبة وممتلئة بالخيال وبجرسها الهامس وتأثيرها في نفس المتلقي , فكانت هذه القصائد تمتاز بالصفاء والعمق والرمزية المحببة والخيال الخصب والمجازات ومبتعدة جدا عن المباشرة والسطحية , كانت عبارة عن تشظّي وتفجير واستنهاض ما في اللغة من سطوة , كل هذا استخدمته بطريقة تدعو للوقوف عندها والتأمل واعادة قراءتها لأكثر من مرّة لتعبر عن واقعها المأزوم وعن همومها وهموم النساء في كل مكان . فرغم مشاغلها الحياتية والتزاماتها الكثيرة استطاعت الشاعرة ان تخطّ لها طريقا واضحا وتتحدّى كل الصعاب وترسم لها هويّة واضحة الملامح , فلقد بذرت بذورها في ارض السرد التعبيري ونضجت هذه البذور حتى اصبحت شجرة مثمرة . لقد وجدنا في النصوص المنتخبة طغيان النَفَس الانثوي واحتلاله مساحة واسعة فيها معطّرة برائحتها العبقة واللمسات الحانية والصدق والنشوة , فكانت ممتعة جدا وجعلت من المتلقي يقف عندها طويلا منتشيا , وحققت المصالحة ما بين الشاعرة والمتلقي وهذا ما تهدف اليه الكتابة الابداعية .

البوح التعبيري :

هو وصف العالم وطلب الخلاص بطرح رؤية فردية عميقة للحياة والعالم وما هو واجب ومفترض , فتكون معاني الأشياء غير معانيها .

تبقى القصيدة السردية التعبيرية والمنبثقة عن قصيدة النثر متجددة لا تشبه اي قصيدة أخرى تبحث عن متلقي منتج يستطيع قراءتها بطريقة ابداعية ويشارك الشاعر في قصيدته , فمتى ما تحرّرت من القوالب الجاهزة استطاعت ان تتسيّد بتواضع وتمنحنا الكثير من الشعرية والجمالية والرسالية , ومتى ما تخلّصت من الرتابة والمباشرة والمألوف وسخّرت الخيال وكانت مهذّبة رشيقة بلا زوائد أو نفايات وتنفتح على الزمن الشاسع وتتجاوز المكان واستلهام التراث وتسخير الاسطورة لفكرتها , كانت حيّة يتجدد شبابها دائما وتنفتح على آفاق رحبة من القراءات المتعددة والتأويل وتحقيق حالة التلاقي ما بين الجمهور والشاعر وكانت مدعاة الى قراءتها بطريقة ابداعية واستكشاف مواضع الجمال والابداع فيها .

ان التعبيرية في اللغة تعتمد على التوظيفات في ثلاث مستويات كما يقول الدكتور : انور غني الموسوي وهي / مستوى النصّ كقول وتركيب لفظي معنوي / ومستوى التجربة كعالم من المعاني والحقول الفكرية المعنوية / والمستوى الوسيط ما بينهما الناتجة عن القراءة عند المتلقي . وكما تقول د. نادية هناوي في كتابها / أميرة الرهان / انّ النقد فنّ قبل ان يكون علما وهو مكمل ابداعي لا وجود للابداع دونه , وهو يتمم عمل الشاعر حين يقرّبه من أذهان المتلقين , مشاركا معه ابداعه لا واقفا حجر عثرة بين الشاعر ومتلقيه  . فلابدّ من الوقوف أمام الكتابة الأبداعية والأشادة بها وبعوالمها المعتمدة على / النصّ والكتابة / الفكرة واللغة / الخيال والأبداع / والشعور والمتعة . وبالعودة الى نصّ  الشاعرة / ندم / يحلينا هذا النصّ الى حالة من الندم والألم والخيبة , فنحن اذا امام زخم شعوري عنيف وحالة من النكوص والخيبة , فعبر هذا العنوان سنعيش ونتعرف على الجو النفسي وخلجات الروح للمرأة الشاعرة ومساحة عالمها الموحش ومعرفة هوية الذات الشاعرة . فمثلا نقرأ للشاعرة ../ على طريق الخطيئةِ تحتضرُ بقايا النفسِ العالقةِ بوجهِ عاصفةِ الألوانِ تُغطي ما عُريٓ من شفاهِ جسدٍ غوى التكوين الاول .. / , لغة الغواية والمراوغة بعيدا عن المدلول اللغوي الواقعي ومقدار الانزياح اللغوي الجميل لديها .. / تنفضُ ما تبقى من ذرات شكٍّ يساورالخلجاتِ ، يهبطا مرتجفين بختمِ الأله كأوراقِ الخريفِ عند مخاصمةِ أعضانِ الشجرِ../ .. نجد هنا اختفاء صوت الشاعرة وتجلّي في تفجير طاقات اللغة وتناسقها الرشيق والعذوبة الشديدة وعالم مفعم بالجمال من الإيحاء والنغمّة بالرمزية المحببة ../  .. أرضٌ بالقرب من كهفِ الصنوبرِ ينبتُ من ثمرةِ البكارةِ عروقاً ودماً ،شبّٓ التخاصمُ محاطاً بعينِ العقلِ التائهةِ بين بكري الخليقةامام مقام الأعالي كبراً وتمردا ،مستقبلاً رفض قربانٍ بتصدع روحه التى كساها القبحُ ،حاقداً ،يمضى قدماً في غيّهِ مسخراً يدي البأس قابضةً لفناء البار ../ .. هكذا تستدرجنا الشاعرة الى عالمها الشعري باستخدامها النثروشعرية العالية البوح لتهيئنا الى تقبّل فكرتها وتكشف عن مقدرتها في صياغة اللغة عبر هذا الخيال الابداعي .. / أيها الغرابُ البعيدُ متى موعدُ الحفرِ؟ .../ .. هنا تقحمنا بهدوء في تناص قرآنيّ مستلهمة من قصة الأثم والجريمة هذه الأشارة لتفجر فينا صورة الشرّ وصراعه المستمر مع الخير ../ أخي بالعراء تجمّدت أطرافُ بنانه، كيف أحفر؟؟؟.. / .. اننا نرى ونسمع ونتلمس هذا العالم القبيح والمزيّف من خلال هذا البوح المدافع عن الأنسان والحق ../ .. لأخفي سوءتي ،أدفنُ مجدٓ من سارٓ الى حتفهِ بأقتدار في بطن الأَرْضِ الثكلى تقبّل دمٓ هابيلٓ ../ .. انها الخطيئة المتمثّلة بقصة / قابيل وهابيل / تلك الجريمة التي استمر تأثيرها ووجودها عبر كل الازمنة وفي كل الامكنة ../ .. أتعلمُ أنا أولُ قاتٍلٍ سكنٓ اللعنُ روحي وطوّق عنقٓهُ ../ انه الشعور بالندم الفضيع ومرارة الهزيمة واللعنة المصاحبة لهذه الذات المنغمسة بالحقد والأنانية ومرفقتها الدائمة مما جعل هذا الذات تعيش حالة من اليأس والأنكسار ../ .. في اي قاربٍ نحن الان أعرنا بوصلةٓ أحجارِ القمرِ علناً نلقي دربٓ مدخراتِ القمحِ بأجنحةِ الفراشِ بضوءِ قنديلها الخافتِ تحت ظلِّ عرشِ المرجانِ السابع ../ .. واخيرا تضعنا الشاعرة امام هذا السؤال المرعب بعدما فقدنا بوصلة المكان والزمان / في أي قارب نحن الان / نجد الان انفسنا في قارب تتقاذفه الامواج لكثرة الفتن وانتشار الظلم والطغيان على هذه الارض .

استطاعت الشاعر : حنان وليد ان تلوّن نسيجها الشعري بهذا الصوت العالي والبوح التعبيري مستلهمة من التاريخ هذه الواقعة لتعيدها الى ارض الواقع وخلق حركية مستمرة داخل النصّ لتثير المتلقي , وربط الماضي بالحاضر وخلق هذا العالم وكشف زيّفه وقسوته , وبثّ حالة المتعة والدهشة لدى المتلقي المنتج الباحث عن قراءة واعية والمتفاعل ايجابيا مع الشاعر . لقد كان عالم الشاعرة شاسعا ويفتح أبوابا كثيرة للتأويل وتعدد القراءات نتيجة هذا التوتر وتوالد الانفعالات والتحايل على المتلقي , كل هذا جاء عن طريق هذه الكتلة اللغوية المتماسكة البناء , لقد كانت اللغة مطاوعة للشاعرة في رسم هذا الوهج اللغوي وسعت الى تحقيق ملامح السردية التعبيرية بوضوح , كل هذا كان عبر مخيال الشاعرة اليقظ والمتأمل للواقع ومشكلاته , كانت الشاعرة تعي ما تريد قوله فكانت قريبة منّا وحققت حالة من التآلف , وعبّرت أصدق تعبير عن الحياة والواقع وصنعت هذه الوتيرة المتسارعة في النصّ وهذا ما يُحسب لها .

النصّ :
ندم .. بقلم : حنان وليد .
على طريق الخطيئةِ تحتضرُ بقايا النفسِ العالقةِ بوجهِ عاصفةِ الألوانِ تُغطي ما عُريٓ من شفاهِ جسدٍ غوى التكوين الاول
تنفضُ ما تبقى من ذرات شكٍّ يساورالخلجاتِ ، يهبطا مرتجفين بختمِ الأله كأوراقِ الخريفِ عند مخاصمةِ أعضانِ الشجرِ.
أرضٌ بالقرب من كهفِ الصنوبرِ ينبتُ من ثمرةِ البكارةِ عروقاً ودماً ،شبّٓ التخاصمُ محاطاً بعينِ العقلِ التائهةِ بين بكري الخليقةامام مقام الأعالي كبراً وتمردا ،مستقبلاً رفض قربانٍ بتصدع روحه التى كساها القبحُ ،حاقداً ،يمضى قدماً في غيّهِ مسخراً يدي البأس قابضةً لفناء البار ،يصرخُ من فمهِ الخدرُ بدّدهُ الأفقُ البعيدُ ،طافت صلواته بلسانٍ نادمٍ عبر الغيمِ المتثاءب لأذن النفق المكتظ بالركاب المقيدين بمعاصي حبالِ الدموعِ دون سماعٍ .أيها الغرابُ البعيدُ متى موعدُ الحفرِ؟ قد ظماءه الانتظارٓ!! مابالك؟ أخي بالعراء تجمّدت أطرافُ بنانه، كيف أحفر؟؟؟ لأخفي سوءتي ،أدفنُ مجدٓ من سارٓ الى حتفهِ بأقتدار في بطن الأَرْضِ الثكلى تقبّل دمٓ هابيلٓ ،أتعلمُ أنا أولُ قاتٍلٍ سكنٓ اللعنُ روحي وطوّق عنقٓهُ،في اي قاربٍ نحن الان أعرنا بوصلةٓ أحجارِ القمرِ علناً نلقي دربٓ مدخراتِ القمحِ بأجنحةِ الفراشِ بضوءِ قنديلها الخافتِ تحت ظلِّ عرشِ المرجانِ السابع .


انطباعات حول رواية "ليت" للكاتبة رهف السعد/ شاكر فريد حسن

كانت الصديقة الكاتبة الفلسطينية المقدسية من أصل فحماوي ، الطالبة الجامعية رهف عز الدين السعد " ، أهدتني مشكورة ، باكورة أعمالها الروائية بعنوان " ليت " ، الصادرة عن مكتبة ودار نشر " كل شيء " في حيفا ، لصاحبها الناشر صالح عباسي .  وقد شدتني حكايات وشخوص الرواية وتطورات الاحداث فيها ، وأسلوبها المشوق ولغتها الرشيقة .

تقع الرواية في 197 صفحة من الحجم المتوسط ، ويحمل غلافها لوحة للتشكيلية صفاء دبس ، والتصميم لشربل الياس . وكتب مقدمة لها الأديب ابراهيم جوهر ، الذي كان قد درّسها موضوع اللغة العربية ، مقدمًا تلميذته صاحبة الموهبة ، ومعرفًا بها ، ومفسرًا معنى عنوان روايتها " ليت " .

تتناول الرواية هموم المجتمع ، وتطرح قضايا وموضوعات اجتماعية من الواقع الحياتي المعاش في المجتمعين الفلسطيني والعربي ، وتدور أحداثها حول الصراع بين الخير والشر ، بين الحب والكراهية ، دون ذكر للزمان والمكان ، وتنتهي بانتصار الحب على الكراهية ، والخير على الشر .

شخوص الرواية تتداخل فيما بينها ، وتتبادل الأدوار والقصص والحكايات ، وتتراوح بين الشخصية السلبية والايجابية . وأبطالها هم : راضي ( الأب ) ، صابرين ( الأم ) ، حسام وشريف ( الأخوين ) ، دلال وناي ( الأختين ) ، داغر ( العم ) ، ورياض شديد ( الجد ) . وتنجح رهف في اعطاء كل شخص الدور الملائم المنوط به ، الذي يناسب تطورات الاحداث في الرواية .

وتحتوي الرواية على غالبية العناصر الروائية ، وفيها نفس طويل ، وهي ذات طابع سردي ، وتدل فكرتها ولغتها على سعة ثقافة رهف السعد ، وعلى نضوجها الفكري والعاطفي والذهني ، ومعايشتها للأحداث ، وفهمها وادراكها الواعي لما يجري في محيطها الاجتماعي من مشاكل وصراعات وأزمات اجتماعية عميقة .

تلجأ رهف السعد إلى أسلوب الرسائل الورقية بين عدد من شخوص الرواية ، وتستخدم الكثير من المحسنات البلاغية ، وتكتب بلغة فصيحة بليغة باذخة مطعمة بالقليل من العامية ، وتوظف التناص الأدبي ، وتجيد اختيار بعض المقطوعات الشعرية  لتخدم الغرض والهدف المنشود ، للشاعر الفلسطيني سميح القاسم .

ويستمتع قارئ الرواية بالنسج الشائق واللافت لصيرورة الأحداث ، وتزاحم الصور ، وقوة اللغة ، ودقة الوصف ، وجمال التراكيب ، والأسلوب الماتع المكتنز بالعبارات البلاغية والمحسنات البديعية .

ورغم بعض الهنات ، وقلة السرد ، وكثرة الحوار في الرواية إلا انها تبقى تجربة ناضجة في مجال الكتابة الروائية ، وخاصة أنها العمل الإبداعي التجريبي الأول . ويمكن القول أنها نجحت في تقديم رواية اجتماعية واقعية ، تصور وتجسد واقعًا إنسانيًا ضمن حياتنا الاجتماعية وحياة مجتمعات أخرى.

إنني إذ أهنئ الصديقة رهف ابنة صديقي الشاعر المبدع عز الدين السعد ، وكما يقال فرخ البط عوام ، وهذا الشبل من ذاك الأسد ، أتمنى لها النجاح والتوفيق في أعمالها القادمة ، فقد أثبتت بعملها الروائي " ليت "،  أنها موهبة تمتلك الأدوات واللغة والعناصر الفنية ، التي تؤهلها أن تكون كاتبة ناجحة في المستقبل ، ولها مني كل التقدير ، وقدمًا إلى أمام .

لو لم أكن رياضياً؟/ عبدالقادر رالة


 كان السيد بوتمرة ، أستاذ اللغة العربية منهمكا ً بالكتابة على السبورة ، وكنا نحن أيضا منشغلين في نقل ما يكتب على كراساتنا ...
  وكان الهدوء يخيم على حجرة الدرس ، فلا يُسمع شيئا سوى صرير القلم ... والغريب أن مرور الطبشور على السبورة لم يُصدر أي صوت !
  وفجأة  سمعنا صوت اهتزاز فرفعنا رؤوسنا بسرعة...
الأستاذ واقف على طرف المصطبة بخفة  وقد كاد أن يسقط ...
نظر إلينا ثم قال مبتسما : ـــ لو لم أكن رياضياً ؟  صمت  برهة وأنفاسه تتقاطع وصدره يعلو ويهبط، ثم أضاف:  ــــ لسقطتُ...

حِكم، أقوال وأمثال في كل مجال (٢)/ إعداد أ. .د‮. ‬حسيب شحادة

استوقفتني‮ ‬خلال مطالعاتي الدؤوبة حِكم وأقوال وأمثال وآراء وطرائفُ كثيرة جدّا، وارتأيت أن أنشرها، علّها تعود ببعض الفائدة الفكرية والروحية، إضافة إلى ما في‮ ‬بعضها، على الأقلّ‮، ‬من التسلية وروح الدُّعابة وقد تكون مدعاة لشحذ الذهن‮. ‬إذ أنّنا نعتقد أنّ إشاعة الثقافة الجادّة وتقديمَ كلّ‮ ‬جديد ومفيد وممتع، هما مَهمّة شِبه مقدّسة ملقاة عـلى كاهل كلّ‮ ‬مثقّف‮ ملتزم. ‬كنت قد نشرت نُتفًا من هذه الجُمل في منابرَ مختلفة على الشبكة العنكبوتية، كما أن زُهاء  عشرين حلقةً منها كانت قد أُذيعت عبرَ مذياع صوت ابن فضلان في هلسنكي، في ركن الثقافة والفكر، في أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي.

❊ ‬أَيّها العربُ،‮ ‬متى سنتعلَّمُ من حَسنات‮ ‬غيرِنا، وننبُِذُ زلاتِهم؟
❊ ما أضْمرَ أحدٌ شيئًا، إلا ظهر في فَلَتات لسانه، وصفَحَات وجهه.
‮❊ ‬اليقينيّةُ قتلٌ لأيّ‮ ‬إبداع.
‮❊ ‬زُبدةُ الكلام كلمة، ولَذّة الطعام لُقمة.
❊ منِ اشتغلَ بتفقّد اللفظة، وطلبِ السجعة، نسي الحُجّة. 
❊ لماذا يَحلو للعرب النومُ في حُقول الماضي الخضْراء؟
❊ ‬إن غلبَك أحدٌ بالكلام، فلا يغلبنّك أحدٌ بالسكوت.
‮❊ ‬وما الحياةُ،‮ ‬معْنىً ومبْنىً،‮ ‬بغير حُبّ‮ ‬وإبداع.
❊ إجمعِ ٱلكثيرَ ممّا تريد، في القليل ممّا تقول.
‮❊ ‬الرضا هو سُكونُ القلب تحتَ مَجاري‮ ‬الكلام.
‮❊ ‬الكلمةُ الهادفةُ كالرَّصاصة.
‮❊ تعليمُ اللغات الأجنبية واجبٌ، أمّا التعليمُ باللغات الأجنبية فجريمةٌ حضارية وقومية. 
❊ الكلامُ منَ ٱختصاص المعرفة، أمّا الاستماعُ، فهو امتيازُ الحِكمة. 
❊ الصمتُ عميقٌ كالأبدية، أمّا الحديثُ فسطحيّ كالزمن.
‮❊ ‬الترجمةُ فنُّ الفشل.
❊ إنتهاكُ شرف البنْت يُقيمُ الدنيا ولا يُقعدُها في مجْتمعاتنا، لكن العُدوان على شرف الأمّة لم يعُدْ يُحرّك ساكنًا. 
❊ إذا ٱنعدمتْ مِصداقيةُ الكلامِ والالتزام به، انهار الرِّباطُ الإنسانيّ.
❊ طوبى لمَن لم يكُنْ لديهِ ما يقولُ فصمت. 
❊ الأعمالُ هي الثِّمار، أمّا الكلمات فالأوراق.
❊ أَطمَحُ أن أقولَ في عَشَر جُملٍ، ما يقولُه آخرون في كتاب كامل. 
❊ لأنّ العربَ يُؤمنون بالقِسمة، وضعتْهُم أمريكا في جدْول الضرْب.
‮❊ ‬كلماتُ الأرض كلُّها، لن تستطيعَ إنقاذَ سجين‮ٍ ‬يتعذّب.
❊ قُلْ كلمتَك قبلَ أن تموت، فإنّها ستعرف حتمًا طريقَها.
❊ آفة القول، تقليلٌ وتكثير.
❊ ليستِ العربيةُ لأحدِكم من أب ولا أمّ، وإنّما هي منَ اللسان، فمن تكلّم بالعربية فهو عربي.
‬❊ إن الذي لا يُحبُّ لغتَه الأمّ، هو أسوأ من سَمَكة نتِنة.
❊ لم تكُنِ اللغةُ في ثقافة العرب أداةً للثقافة، بل كانت هي الثقافة نفسها.
❊ يستحيلُ أن تتكلّم بطريقةٍ، يستحيل بها أن يُساء فهمُك. 
❊ العرب دُوَلٌ ممزّقة في أُمّة، والأوروبيّون أُمَمٌ مشتّتة في دولة.
❊ لا تعْتَدْ على ٱستعمال كلماتٍ كبيرة، لوصفِ أمورٍ صغيرة. 
❊  الأدبُ الألمانيّ أعورُ، تنقُصُهُ العينُ الضاحكة. 

❊ إنقسامُ العرب بين نُخبة وعامّة، يُفسدُ كلَّ النضال السياسيّ.
❊ الشاعر كذّاب، يقول الحقيقة.
❊ علينا أن نُصنِّفَ اللغة الألمانيةَ كلغة ميّتة، فالموتى فقط يملِكون ما يكفي من الوقت لتعلّمها. 
❊ قال المأمون: ما البلاغة؟ فجعلتُ أُفكِّرُ فقال: دعْني أقول لك، هو ما فهِمتْه العامّة، وقبِلتْه الخاصّة.
❊ الجامعة العربية للإنصاف لها ”موقف“، يتّسع لأكثرَ من مائة سيّارة أمامَ المبنى. 
❊ إنْ تحدّثْنا بلغة مختلفة، فسنُدرك عالَمًا مختلفًا نوعًا ما. 
❊  شقيٌّ مَن لا يُحْسِنُ الكلام، والأشقى منه، مَن لا يُحسن السكوت.
‮❊ ‬إذا أنتَ‮ ‬لم تشعُر بمعنىً تُثيره فقلْ‮ ‬أنا نظّامٌ‮ ‬وما أنا بشاعر
❊ حافظوا على شرقيّتكم، لا تسمحوا أن تُسلب إرادتُكم، حريتُكم وإيمانُكم في هذا الشرق.
❊ استمع أكثرَ من أن تتكلَّم.
❊ قال معاويةُ لصُحار: ما البلاغة؟ فقال: أن تقول فلا تُبطىء، وتُصيب فلا تُخطىء.
❊ هناك أُممٌ، مِحنتها الثرثرة.
❊ لا يُمكن للكلمات أبدًا، أن تخفِّف عمّا في قلب الإنسان وتريحَه؛ الصمْت وحدَه قادرٌ على فِعل ذلك.
‬❊ ليستِ الكلمات الجميلةُ حقيقيةً دائمًا، وليست الكلماتُ الصادقة جميلةً دائما.
❊ إنّ أوسعَ اللغات وأجملَها أبسطُها.
‬❊ اهتمَّ بأفكارك عندما تكونُ وحيدًا، وبكلماتك عندما تكون مع الناس.
‬❊ لا شيءَ أطيبَ من اللسان والقلب إذا طابا، ولا أخبثَ منهما إذا خبُثا.
‬❊ بلدٌ لا يضمَن لي لُقمة العيش، ليس ببلدي.
❊ لا أخجَلُ من هُويّتي، فهي ما زالت قيْدَ التأليف؛ ولكنّي أخجلُ من بعض ما جاء في مقدّمة ابن خَلدون. 
❊ لا شيءَ يخترِقُ القلوبَ كلُطف العِبارة، وبذْل الابتسامة، ولين الكلام، وسلامة القصْد ونقاء القلب، وغضّ الطرْف عن الزَّلات.
❊ ما زلنا نُزهر كلامًا ولا نثمر، نُطلق سُحبًا ولا تُمطر.
❊ سُئل وِنْستون تشرتشل مرّةً عن رأيه بالشعوب فقال جملتَه التاريخية: إذا مات الإنكليز تموتُ السياسةُ، وإذا مات الروس يموت السلام، وإذا مات الأمريكان يموت الغِنى، وإذا مات الطِّليان يموت الإيمان، وإذا مات الفرنسيون  يموت الذوْقُ، وإذا مات الألمان تموت القوّة، وإذا مات العربُ تموتُ الخِيانة. 
‬❊ كلماتٌ لطيفة، يُمكن أن تكون قصيرةً وسهلةَ النُّطق، إلا أن أصداءها لا متناهية حقّا.
❊ حُسنُ القول سيّءُ الفِعل كالجـ                 زّار سمّى وأتْبع القولَ ذبْحا
❊ كلّما كبُر الإنسانُ تقِلّ كلماتُه، يتلخّصُ تعبيرُه ويتقلّص.
❊ من يُسمِعُك الكلام المعسولَ، يُطعِمُك بمِلعقة فارغة.
❊ مِن فضْلة القلب، يتكلّم الفم.

تحالف الجبهة والطيبي هو التعبير السليم والصحيح في الواقع السياسي السائد/ نبيل عودة

* التحالف أبرز قوة سياسية وطنية علمانية * لا أكتب دعاية انتخابية، بل اشير الى قضايا جوهرية في الحراك السياسي المطلوب بكل ما يخص الواقع العربي في إسرائيل* لندعم هذا التحالف حتى لا تضيع اصواتنا وراء أوهام مل جيلنا من تكرارها وتجديدها*
*******
مؤشرات الجولة الانتخابية القادمة اصبحت الآن أكثر وضوحا وأكثر تبلورا. الترابط بين القوى السياسية في الوسط اليهودي يشير الى تحرك إيجابي، قد يكون نسبيا، للتخلص من رئيس حكومة جعل مكانته وقيادته السياسية للدولة، اهم من مستقبلها، حسب تقييمات شخصيات ومفكرين يهود. ان أبرز ما يعبر عن فكر نتنياهو السياسي، هو دوره بإعادة الفاشية الكهانية للكنيست. لدرجة ان منظمة "ايباك" اليهودية في الولايات المتحدة والداعمة لكل السياسات الإسرائيلية بدون تردد، انتقدت بشدة هذا الدور، وقوى يهودية مختلفة أيضا ترى بذلك هدما لكل الأسس الديموقراطية التي تفتخر بها إسرائيل على دول الشرق الأوسط. 
ما يعنيني في هذه الانتخابات، كمواطن عربي، هو بروز قوة سياسية وطنية علمانية، تطرح قضايا الجماهير العربية، بدون تلعثم، وبدون تصرفات شكلها وطني لكنها شكلت وتشكل مسارا لا يخدم المطالب الحقيقية والجوهرية للجماهير العربية، بطرح خال من الشعارات التهريجية.. بل بطرح حقائق مجردة حول الواقع العربي في إسرائيل الخاضع لسياسات التمييز القومي والتفرقة العنصرية، بجميع المجالات الحيوية لأي مجتمع كان. وآخرها قانون عنصري بجدارة هو قانون القومية، الذي ينفي عمليا حق من ليس يهودي في إسرائيل بالمساواة الكاملة غير المنقوصة، رغم ان السياسيات الحكومية منذ إقامة الدولة كانت سياسات تمييزية لم تحترم، ولم تنفذ حق المساواة الذي نصت عليه مثلا وثيقة الاستقلال.  مقابل الطرح العقلاني سياسيا عشنا التصرفات الصبيانية لبعض الشخصيات، التي تحولت الى تصرفات سلبية الحقت الضرر بمجمل الجماهير العربية، خاصة ما قام به عضو الكنيست السابق رائد غطاس. 
لو تشكلت مرة أخرى القائمة المشتركة، لوجدت نفسي خارج هذا الاجماع الذي لم يثبت نفسه سياسيا وبرلمانيا. ان خروج التجمع وتحالفه مع الحركة الإسلامية، وضعه بالمكان الصحيح، الذي يتلاءم مع المنظر الغائب في قطر. المشتركة لم تنشأ بالصدفة، انما بدعم كبير جدا، مهد الطريق لحصول التجمع على ثلاثة مقاعد. وانا شبه متأكد ان التجمع كان سيسقط ولا يصل للكنيست اطلاقا، لولا الأصابع التي مهدت للقائمة المشتركة ليس فكريا انما بوسائل ترغيب كبيرة.
نحن اليوم امام فرز سياسي وتنظيمي اعتقد انه هام جدا وضروري جدا، بغض النظر عن عدد الأعضاء العرب الذين سيصلون للكنيست. العدد هنا ليس مقررا، الا بكونه أصواتا قد تساعد بإسقاط نتنياهو عن السلطة. لكن المشكلة ليست للجماهير العربية بالتحديد، انما للمجتمع اليهودي ولمستقبل إسرائيل كدولة شرق أوسطية، وليس كحارس امبريالي يحافظ على إبقاء العالم العربي في الحضيض الدولي .. ويرفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة .. والتحرر من الاحتلال الإسرائيلي، وتحرير الشعب اليهودي أيضا من الاحتلال. 
التحالف بين العربية للتغيير (الدكتور احمد طيبي) والجبهة القطرية للسلام والمساواة (أيمن عودة) هو التعبير السليم والصحيح في الظروف السائدة في المجتمع العربي في إسرائيل. الجانبان كانا دائما المعبر العقلاني عن المطالب الملحة للجماهير العربية، بدون مزايدات الحقت الضرر ولم تخدم أي هدف له قيمة. نحن هنا امام تحالف وطني علماني بدون مزايدات، وبدون شراء مقاعد بالترغيب!!
من هنا أعلن تأييدي الكامل لهذا التحالف. لا أحد ينكر دور الجبهة القطرية، رغم ان الجبهة شهدت منذ أواخر القرن الماضي تراجعات سلبية نتيجة تصرفات شخصانية اضرت بالجبهة وقوتها الانتخابية ومكانتها الفكرية والاجتماعية. هي ليست موضوعي هنا، انما اريد ان أومن ان المسار الجديد قادر على ان يستعيد قوته وشعبيته. وارى بكل ايجابية ان تحالف الجبهة والدكتور احمد طيبي هو القرار السليم والصحيح والضروري في ظروفنا الراهنة. 
انا لا كتب دعاية انتخابية، بل اشير الى قضايا جوهرية في الحراك السياسي المطلوب في وقتنا الراهن بكل ما يخص الواقع العربي في إسرائيل، وواقع السلام مع الشعب الفلسطيني وسائر دول الشرق الأوسط، بإنهاء الاحتلال وتاريخه السيئ، واحداث تحول في السياسة الإسرائيلية بكل ما يتعلق بالشرق الأوسط. 
لنا تجربة هامة من فترة رابين القصيرة، سياسته لإيجاد حل سلمي مع الشعب الفلسطيني، ونهجه سياسة منفتحة وإصلاح الغبن مع الأقلية العربية، رفع من مكانة إسرائيل لدى المواطنين العرب وفي الواقع الشرق أوسطي والدولي. بل ويمكن القول انه عزز أمن اسرائيل بدون المزيد من الأسلحة والصرف العسكري المدمر، وخلق بؤر توتر جديدة لإسرائيل في محيطها العربي. وبدون قانون قومية عنصري يذكر بدول عنصرية ميزت بين الأجناس البشرية وجرت الويلات على شعبها أولا وعلى مختلف الشعوب في عالمنا.
من هنا يجب تشكيل خطاب سياسي وليس خطاب تهريجي مليء بالشعارات الفارغة الا من مضمون الديباجة اللغوية. يجب ان نستوعب حقائق الواقع الذي ننشط بإطاره، ورغم سلبياته التي لا تحصى، واجبنا ومسؤوليتنا ان نطرح الحقائق ونعري الواقع بكل سواده، وبنفس الوقت ان نطرح الحلول العقلانية الممكنة، حسب دراسات عينية وليس حسب مشاعر وشعارات.
انا على ثقة ان التحالف بين الجبهة والعربية للتغيير جاء كدليل على تشخيص الواقع السياسي للجماهير العربية وطرح البدائل الضرورية، من هنا أرى أهمية كبيرة لدعم هذا التحالف. وعدم إضاعة اصواتنا وراء أوهام مل جيلنا من تكرارها وتجديدها.
إني ادعو مرشحي قائمة الجبهة والعربية للتغيير (وكل من يهمه واقع شعبه) الى دخول الانترنت والبحث عن تقرير هام باسم "بعد الأزمة" (אחרי השבר) الذي أعده أساتذة جامعيين عربا ويهودا، يتناول بدراسات مهنية موثقة، حقائق الواقع العربي في إسرائيل، من التمييز والاضطهاد القومي الممارس رسميا (الذي سبق بمراحل قانون القومية العنصري) وما تتركه تلك السياسة من واقع مؤلم على الجماهير العربية، يجعل الوسط العربي يعيش على فوهة بركان قابل للانفجار، وما يميز ذلك التقرير انه يطرح طرق لحل إشكاليات التمييز  بغياب تنفيذ حقيقي للمساواة في التطوير والرفاهية الاجتماعية لمجمل المواطنين في إسرائيل وعدم قصرها على المجتمع اليهودي فقط. تناولت مرات عديدة بعض نقاط التقرير في مقالاتي، وسأعود للتقرير مرة أخرى، ليكن هذا التقرير وثيقة لا غني عنها لنشاط نواب الكنيست العرب في الكنيست القادمة.
nabiloudeh@gmail.com


الجزائر عاصمة الأحرار/ محمد محمد علي جنيدي

تبقى الجزائر حاضرة في وجدان الأحرار مهما تنوعت جنسياتهم، أو تعددت لغاتهم.
هكذا أرى الجزائر والمواطن الجزائري بعيون القلب، فالأنفة والعزة والكرامة والنبل والكرم والشهامة هي جينات جزائرية توارثتها الأجيال عبر تاريخها الحافل بالنضال.
حينما تقرأ عن الجزائر بلد المليون شهيد أول ما يستقر في ضميرك ويشعر به قلبك هو الإعجاب بها وبمواطنيها وبتاريخها الحافل بالنضال...
لم يكن عبثا أن تكون الجزائر بالفعل هي مدينة الأحرار، ولما لا وتاريخها من المهد يشهد على ذلك، فلا يوجد مواطن عربي واحد إلا ويعشقها ويفخر بها، ويكفي بأنك إذا أردت أن ترسم صورة ذهنية عنها أو عن مواطنيها فأول ما يخال بذهنك أو تراه بقلبك وطنا تعتز به ومواطنا لا يقبل الخضوع إلا لبارئه جريئا في طلب الحق مؤمنا بحريته مستعدا للزود عن تراب أرضه بمسك دمه...
الحقيقة إن انتماء الجزائريين لوطنهم يُدرس ويصلح أن يكون رمزا ووشاحا يتقلده كل من يدافع عن فكرة الانتماء للوطن، هكذا أرى الجزائر وأكتب عنه على الرغم من أنني مصري يعشق بلده كما يعشق الجزائر ويشعر بإخوة هذا الشعب العريق والممتدة حضارته والحاضرة إرادته عبر أعماق الزمن البعيد
- مصر
m_mohamed_genedy@yahoo.com

داعش... والدور الوظيفي/ موسى مرعي

قبل عشرين سنة تقريباً، وقف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الإبن) ليعلن "إنجاز المهمة" وتحقيق الانتصار على "الإرهاب" المتمثل بتنظيم "القاعدة" في أفغانستان. واليوم، بعد كل الأحداث العاصفة التي كانت الولايات المتحدة عنصراً أساسياً فيها، يتبارى مسؤولو إدارة الرئيس دونالد ترامب في تأكيد "تدمير بنية دولة الخلافة الإسلامية في سوريا والعراق" وتحقيق الانتصار على "الإرهاب" المتمثل بتنظيم "داعش".

طبعاً هناك فوارق سياسية وعسكرية بين إعلانيّ كل من بوش وترامب. إلا أن العنصر البارز فيهما معاً هو تجاهلهما لطبيعة التنظيمات الإرهابية الناشطة في العالمين العربي والإسلامي، وقدرتها على التبدل والتأقلم مع المستجدات الميدانية. وهذا الأمر يُعرقل مهمة القضاء عليها إذا لم تُؤخذ في الاعتبار مجموعة من "المزايا" الخاصة التي تتمتع بها غالبية جماعات "الإسلام السياسي التكفيري". صحيح أن مراكز الدراسات الغربية شدّدت على ميزتين هما: الخلفيات الفقهية للتكفيريين، ثم وجود البيئة الحاضنة لهم. إلا أنها في المقابل تناست، عن سهو أو عن خبث، عنصرين آخرين أكثر أهمية هما: الدور الوظيفي لهذه الجماعات، ثم وجود قوى إقليمية ودولية قادرة على استخدام أية مجموعة بهدف تعزيز مصالحها الخاصة.

النزعة التكفيرية في الإسلام عمرها من عمر "الفتنة الكبرى" التي اندلعت بعد وفاة النبي، وبدء الصراع القبلي على السلطة. لكن وجود هذا الفكر لا يمكن لوحده أن يعطينا تفسيراً دقيقاً لكل ما شهدناه خلال العقود الأربعة الماضية. وحتى لا نغرق في تفاصيل موغلة في القدم، نقترح العودة إلى أفغانستان بعد التدخل العسكري السوفياتي في سبعينات القرن الماضي. فقد قامت الخطة الأميركية ـ الأطلسية آنذاك على استنزاف الجيش السوفياتي في المستنقع الأفغاني، تماماً على غرار ما حدث للقوات الأميركية في

المستنقع الفييتنامي. وهكذا تم توظيف "جماعات الإسلام السياسي"، بغض النظر عن فكرها التكفيري، في معركة إنهاك الاتحاد السوفياتي كجزء من الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي.

وقد تطلّب هذا التوظيف انخراط قوى محلية إلى جانب الولايات المتحدة. فكانت باكستان المجاورة لأفغانستان قاعدة التدريب والتسليح والحماية، بينما تولت التمويل والتحريض الديني بعض الدول الإسلامية خصوصاً في منطقة الخليج العربي. وتكشف لنا أدبيات تلك الفترة كيف أن أبرز المراكز الدينية في العالمين العربي والإسلامي كانت جاهزة عند الطلب لإصدار الفتاوى اللازمة لدعم "الجهاد" في أفغانستان. والملفت للاهتمام آنذاك أن "المجاهدين العرب" اعتبروا أن المعركة في أفغانستان ضد السوفيات أهم بكثير من الخطر الوجودي الذي تمثله "إسرائيل" على المنطقة برمتها. بل أن أحد أبرز قادة ومنظري "المجاهدين" كان الفلسطيني عبدالله عزام الذي حوّل بوصلته عن الوطن السليب إلى "أوطان" أخرى نائية!

ولا تختلف تجربة "الإسلام السياسي التكفيري" في بلاد الشام عن سابقتها في أفغانستان. هنا أيضاً برز الدور الوظيفي لهذه الجماعات، بغض النظر عن مسمياتها المتغيرة حسب الظروف. إذ لا يمكن استيعاب كامل صورة ما جرى في سوريا والعراق إلا من خلال النظر إلى المخطط المرسوم لهذه المنطقة. فالفكر التكفيري جاهز، والبيئة الحاضنة موجودة بشكل أو بآخر... وكل ما يتبقى هو الدعم الإقليمي. وهذا ما قامت به تركيا الأردوغانية بتمويل من بعض دول الخليج العربي، وتحت إشراف أميركي ـ أطلسي ـ أوروبي شامل. إن أعمى البصر والبصيرة هو من يعتقد بأن سيطرة "داعش" على أجزاء واسعة من سوريا والعراق إنما تمت بقدرات "خارقة" لها التنظيم. أبداً! لقد ظلت تركيا على مدى خمس سنوات الحاضن الحنون لكل الجماعات التكفيرية من الموصل إلى الرقة، ومن حلب إلى إدلب.

لن نتناول الآن الأسباب التي أدت إلى تغيّر الظروف المؤاتية للجماعات التكفيرية في سوريا والعراق ولبنان، فلهذا مقال آخر قريباً. غير أن ما يعنينا، وربما يعني دولاً أخرى خارج إقليمنا القومي، هو أن المرحلة المقبلة ستشهد تموقعاً متجدداً في سياق دور وظيفي مختلف. "داعش" خسرت معظم حيزها الجغرافي في الهلال السوري الخصيب، ومع ذلك تقول التقديرات الأمنية إن ما لا يقل عن 18 ألفاً من عناصرها ما زالوا منتشرين في أماكن متفرقة. وهؤلاء سيكونون أدوات للمخططات الجديدة. ويكفي أن

ننظر إلى العمليات الإرهابية في إيران والهند والصين (مقاطعة شينغيانغ، موطن الإيغور المسلمين) وروسيا (جمهوريات آسيا الوسطى)... حتى نكتشف ساحات المواجهة المقبلة، والقوى الدولية المستفيدة منها، فيتضح بالتالي الدور الوظيفي الجديد لجماعات "الإسلام السياسي التكفيري".
    الحزب السوري القومي الاجتماعي  : مفوضية سدني المستقلة 
  موسى مرعي

دائرة ( المشتبه) وبحرها ( السّريع)/ كريم مرزة الأسدي

بحور الشعر صافية ومركبة، تكلّمنا عن الصافية، أمّا البحور المركبة المستعملة  فتسعة ، ثلاثة ضمتها (دائرة المختلف) ، وبقت لدينا ستة تحتويها ( دائرة المشتبه ) ، والتي تحتوي أيضاً ثلاثة بحور مهملة ، إذ يتشكل كلّ بحر من دائرة المشتبه من تفعيلتين مختلفتين ، إحداهما ضعف الأخرى،مرتبتين بتنسيق معين في صدر البيت ، وتتكرر التشكيلة نفسها في العجز ، ولا تأتي بعض البحور منها إلا مجزوءة ، قبل الدخول في عمق الموضوع،لنذكر شيئا عن الدائرة المدورة.
الدائرة الخامسة - المشتبه : لماذا سُميت بالمشتبه ؟ الجواب : لاشتباه أجزائها  ، أما أين يقع الاشتباه ؟ فهذا من حقـّك أن تـسأل عنه ، إذا لم تكن داراسا ً لها ،  أو باحثاً فيها ، الاشتباه يقع بين:

 (مسْتفـْعَلن) مجموعة الوتد ،  أي فيها وتد مجموع ، وسببان خفيفان ( مسْ تفْ علنْ /ه /ه //ه ) - (علن //ه) وتد مجموع ، و ( مسْ /ه) و( تفْ /ه) سببان خفيفان - 

وبين ( مسْتفـْعَ لنْ) مفروقة الوتد ، أي فيها سببان خفيفان ووتد مفروق (مسْ تفـْعَ لنْ /ه /ه/ /ه ) - (تفـْعَ /ه/ ) وتد مفروق ، و(مسْ/ه ) و (لنْ /ه) سببان خفيفان.

والاشتباه يقع أيضا:
 بين ( فاعلاتن ) مجموعة الوتد.

وبين (فاعَ لاتن) مفروقة الوتد.

كيف ؟! 

(فاعلاتن ) الاولى ، تتشكل من (فا /ه) و (تنْ /ه) ، وهما سببان خفيفان ، و (علا //ه)  وهو وتد مجموع.
وبين (فاعَ لاتن) الثانية ، التي تتشكل من (لا /ه) و (تن /ه) ،  وهما سببان خفيفان ، و (فاعَ /ه/ ) ، وهو وتد مفروق.

تتشابه البحور التي يضمّها محيط هذه الدائرة في وحدة إيقاعاتها ، لأنها تعتمد على نسق إيقاعي دائري واحد للحركات والسكنات ، بل تتشابه أوتاد وأسباب أجزائها (تفعيلاتها) ، كما هو الحال في (مسْتفْعلنْ) و (مسْتفْعَ لنْ) ،  وكذلك بين (فاعلاتنْ) و (فاعَ لاتن). 

ولعلمك عزيزي ، إذا نقلنا الوتد المجموع (علن) من آخر تفعيلة (مستفعلن /ه /ه //ه) إلى بدايتها تصبح (مفاعيلن //ه /ه /ه) ،  وإذا نقلنا السبب الخفيف (لن ) من آخر تفعيلة (مستفع لن /ه /ه/ /ه ) إلى بداياتها تصبح (مفعولاتُ/ه /ه /ه/ ) (1) .
 إذاً  التفعيلات المشكلة لهذه الدائرة هي : مسْتفْعلنْ - مسْتفْعَ لنْ - مفاعيْلنْ - مفـْعولاتُ - فاعلاتنْ - فاعَ لاتن.

وأساس تكوين الدائرة سببان خفيفان فوتد مجموع، فمثلها مرة ثانية ،  فسببان خفيفان فوتد مفروق .(2)

تفعيلات كل من:
 1 - السريع والمنسرح والمقتضب واحدة (مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ) ، وينحصر الخلاف في ترتيب هذه التفعيلات .
أ - السريع: وزن البحر السريع بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ***مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ
بيت السريع التام في الدائرة مثل:
يُوزِعْنَ  فِي  حَافَاتِهِ   بِالأَبْوَالِ***فِي مَنْزِلٍ مُسْتَوْحَشٍ رَثِّ الحَالِ
وهذا البيت شاذ؛ لأن العرب لم تستعمله تاما صحيحا، بل استعملته مكشوف أو مكسوف العروض مطويها، وموقوف الضرب مطويه (مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُلا).
ب - المنسرح: وزن البحر المنسرح بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ*** مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ
ج - المقتضب: وزن البحر المقتضب بحسب الدائرة العروضية
مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ***مَفْعُولاتُ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
بيت المقتضب التام:
يَا مَنْ حَالَ عَنْ عَهْدِنَا بَعْدَ الْوَفَا***كَمْ لاقَيْتَ لَوْ يُنْصِفُونَا فِي الهَوَى
استعملته العرب مجزوءا، مطوي العروض والضرب.

  2 - الخفيف والمجتث والمتئد تفعيلاتها الخاصة (مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ) .
أ - الخفيف: وزن البحر الخفيف بحسب الدائرة العروضية:
فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ***فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلاتُنْ
بيت الخفيف التام:
حَلَّ أَهْلِي مَا بَيْنَ دُرْنَا فَبَادُوا*** لِي وَحَلَّتْ عُلْوِيَّةٌ  بِالسِّخَالِ
ب - المجتث: وزن البحر المجتث بحسب الدائرة العروضية:
مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ***مُسْتَفْعِ لُنْ فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ
بيت المجتث التام:
صَدَّتْ وَحَالَتْ سُلَيْمَى يَا خَلِيلِي*** عَنْ عَهْدِنَا لَيْتَ شِعْرِي مَا دَهَاهَا
استعملته العرب مجزوءا.
 ج - المتئد  ويسمى أيضاً  بالغريب ، وهو مهمل ، وحسب دائرته العروضية :
فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ ****فَاعِلاتُنْ فَاعِلاتُنْ مُسْتَفْعِ لُنْ 
  كقول بعض المولدين:
مَا لِسَلْمَى فِي الْبَرَايَا مِنْ مُشْبِهٍ*** لا ولا الْبَدْرُ  المُنِيرُ  المُسْتَكْمَلُ

 3 - المضارع والمنسرد والمطرد أجزاؤها المختصة بها (مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ) .

أ - المضارع : وزن البحر المضارع بحسب الدائرة العروضية:

مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ***مَفَاعِيْلُنْ فَاعِلاتُنْ مَفَاعِيْلُنْ
بيت المضارع التام :
أَرَى لَيْلَى يَا خَلِيلِي  قَلَتْ  وَصْلِي *** وَصَدَّتْ مِنْ بَعْدِمَا قَدْ سَبَتْ عَقْلِي
استعملته العرب مجزوءا، وهو بحر نادر، أورد شاهده الخليل.

 ب - المنسرد  ويسمى بالقريب ، وزن بحره كما جاء في دائرة المشتبه :  
مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ ****مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ فَاعِ لاتُنْ 
و شاهد  المنسرد، كقول بعض المولدين:
لَقَدْ نَادَيْتُ أَقْوَامًا حِينَ  جَابُوا***وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْرٍ لَوْ أَجَابُوا
 ج - المطرد أوالمشاكل ، وزنه كما جاء في دائرة المشتبه :
فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ **** فَاعِ لاتُنْ مَفَاعِيلُنْ مَفَاعِيلُنْ 
 كقول بعض المولدين:
كُنْ مُجِيرِي مِنَ الأَشْجَانِ والكَرْبِ***مَنْ  مُزيلِي   مِنَ   الإِبْعَادِ   بالقُرْبِ

فذلكة الأقوال : مجموع البحور  في دائرة المشتبه تسعة ، ستة منها مستعملة، وثلاثة مهملة ،  والمهملة هي المتئد و والمنسرد والمطرد .
 و سبب التسمية: وسُمِّيَت هذه الدائرة بهذا الاسم لاشتباه تفاعيلها؛ إذ تشتبه - كما أسلفنا - تفعيلة : (مُسْتَفْعِلُنْ) بـ (مُسْتَفْعِ لُنْ) ، و(فَاْعِلاتُنْ) بـ (فَاْعِ لاتُنْ)، على الرغم من اختلاف عدد الأسباب والأوتاد فيها ، وتفاعيلها سباعية هي :
مُسْتَفْعِلُنْ، مُسْتَفْعِ لُنْ، فَاعِلاتُنْ، فَاعِ لاتُنْ، مَفَاعِيْلُنْ، مَفْعُولاتُ.
وإليكم الآن البحر الحادي عشر - السريع .

.............................................................................................. 

البحر الحادي عشر - السريع :

تفعيلاته : مستفعلن مفعولاتُ  
أجزاؤه : مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ ***مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ
الضابط الإيقاعي : بحر سريع ما له ساحلُ *** مستفعلن مستفعلن فاعلن  
سمّاه خليلنا بالسريع ، لسرعته في النطق ،  أو لأنه أسرع إلى الذوق والتقطيع ، وتقطيعه سريع ، لأن في ثلاثة أجزاء منه ،  توجد سبعة أسباب ،  فالحرفان الأولان من الوتد المفروق سبب ، والسبب أسرع في التقطيع من الوتد (3) ، أصل تفعيلاته  (مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ) ،  مكررة مرتين ، أي بيته ستة أجزاء ،  ولكن تفعيلة (مفعولاتُ ) لا تأتي بهذه الصيغة مطلقاً ،لا في عروضه ،  ولا ضربه  ، لانتهاء هذه التفعيلة بوتد مفروق منتهيا بمتحرك (لاتُ)، وسندها ضعيف  ،  ولا يستعمل هذا البحر مجزوءا ، ولامنهوكا  لماذا؟!  لأن في هذه الحالة تأتي (مستفعلن ) أربع مرات، أو مرتين على التوالي بدون أي  (مفعولاتُ ) ،  فيلتبس الأمر مع مجزوء الرجز أو منهوكه، فيحسبان على الرجز ،  فينحصر نظم السريع  على التام منه والمشطور فقط  ،  وله أربع أعاريض  ، وسبعة أضرب . 
1 - العروضة الأولى  مطوية مكشوفة (فاعلن )(4) : 
ذكرنا سابقا ، ن أنّك سوف لن تجد (مفعولات ُ) ، لا في أعاريض ولا في أضرب السريع، فمن أين جاءت (فاعلن) ؟ الأمر بسيط ،  طي (مفعولاتُ) بحذف رابعها الساكن (الواو) ،  فاصبحت (مفعلاتُ) ،  ثم كشفت (مفعلاتُ) بحذف متحرك وتدها المفروق (تُ) (5) ، فتصير (مفعلا) ، ولغرض عروضي بحت تتحول إلى (فاعلن) ، ولا فرق وزني مطلقا بين (مفـْعلا) و(فاعلن) ، ولهذه العروضة (فاعلن ) ثلاثة أضرب .
 الضرب الأول مطوي موقوف (فاعلان) :
الطي عرفته ، حذف الواو من ( مفعولاتُ ) ، والوقف تسكين المتحرك من الوتد المفروق ، ونعني التاء فتصبح التفعيلة ( مفعلات ْ) ، فتتحول الأخيرة عروضيا إلى (فاعلان) ، وفي هذه الحالة يلزمه الردف (6) ،  ومثاله :
أزمانَ سلمى لا يرى مثلها الـرْ *** رَاؤون في شام ٍ ولا في عراقْ
أزْما نسلْ  مى لا يرى مثْ لهر ** راؤونفي  شامن ولا  في عراق             
مستفعلن   مستفعلن    فاعلن *** مستفعلن   مستفعلن   فاعلان
/ه/ه//ه      /ه/ه//ه    /ه//ه  ***  /ه/ه//ه   /ه/ه//ه    /ه//ه ه
نظام (- - ب -)(- - ب -)(- ب -)*** ( - - ب -)(- - ب -)( - ب ^ ) المقاطع .
العروض 322   322     32 *** 322     322      32ه   الرقمي
الضرب الثاني كعروضته (فاعلن):  ومثاله الأمثل :
هاجّ الهوى رسمٌ بذات الغضا  *** مخلولقٌ مستعجمٌ مُحْوِلُ
هاجل هوى  رسمن بذا تلْ غضا *** مخلولقن  مستعجمن محولو
مستفعلن     مستفعلن  فاعلن*** مستفعلن   مستفعلن   فاعلن
ومن قصيدة لصاحبكم كاتب هذه السسطور , تحت عنوان (يا بصرة البصائر النائحة)  ، هذان البيتان:
كمْ منْ خرابٍ ودمار ٍمضى ****  والنـّاسُ في أحزانها سارحة ْ
كمْ منْ خرا  بنْ ودما  رنْ مضى*** ونْ نا سفي  أحْ زانها  سارحة
مستفعلن      مفـْتعلن    فاعلن *** مستفعلن  مستفعلن   فاعلن
/ه/ه//ه        /ه///ه      /ه//ه ***  /ه/ه//ه    /ه/ه//ه    /ه//ه
العروض 322  312   32   ***  322      322     32  الرقمي 
النظام  (- - ب -) (- ب ب -)( - ب -) *** ( - - ب -)( - - ب -)( - ب -) المقطعي 
كما ترى التفعيلة الثانية في الصدر اعتراها زحاف الطي .
          لاتجزعي سلواكِ في حكمةٍ****  دنيا الورى غـــادية ً رائحةْ
لاتجْ زعي  سلْ وا كفي حكْ متن *** دنْ يل ورى   غا ديتن  رائحة
مستفعلن    مستفعلن      فاعلن **  مستفعلن      مفـْتعلن  فاعلن          
  التفعيلة الثانية في العجز أصابها الطي ، و على العموم الضربان  السابقان  هما المشهوران .
الضرب  الثالث أصلم (فعْلن) :
 وما الأصلم إلا ما حذف وتده المفروق ، كـ ( مفعولاتُ)  ، عندما تتجرد من (لات) ، فتبقى (مفْعو) ,فتتحول عروضياً إلى (فعْلن) ،  ولا ضير في الوزن عند التحول ، والأصلم ما ذهب وتده كلّه تشبيهاً بالإصطلام (7) , ومثاله:
تأنَّ في الشّيء إذا رمتهُ ***لتـُدركَ الرّشدَ من الغيِّ (8)
تأنْ نفِشْ شيْءإذا رمتهو ***لتدْركرْ رشْدمنلْ غيْيي
مفاعلنْ  مفـْتعلنْ  فاعلنْ ***متفـْعلنْ مفـْتعلن فعْلنْ
دخل زحاف الخبن - وهو حسن - تفعيلتي (مستفعلن) الأوليتين ،  وزحاف الطي - وهو صالح - (9) تفعيلتي  (مستفعلن) الثانيتين في صدر البيت وعجزه .
2 - العروض الثانية مخبولة (الطي + الخبن) مكشوفة (فعلن) : 
 الخبل زحاف مركب تعرفه ،  يشمل زحافي الخبن والطي ،  إذا وقعا في نفس التفعيلة ،(مفعولات ) ،  فالخبل حذف حرفي (الفاء والواو) ،  فتصبح (معُلاتُ) ،  ثم تُكشف بحذف  ( التاء المتحركة) ،  فتبقى (معُلا) ،  فتتحول عروضياً إلى ( فعِلن) ، ولهذه العروضة ضربان :
 الضرب الأول مثلها ( فعِلن) , ومثاله :
سبحانَ منْ لا شيْءَ يعـْدلـُهُ *** كمْ منْ غنيٍّ  عيْشهُ  كدرُ
سبْحانمنْ  لاشيْءَيعْ  دلهو *** كمْمنْ غنيْ  ينـْعيْ شهو  كدرو
مستفعلن  مستفعلن  فعِلنْ  *** مستفعلن     مستفعلن    فعِلن
الضرب الثاني أصلم (فعْلن): 
والأصلم عرفته سقوط الوتد المفروق من (مفعولات) ،  وتبقى (مفعو ) ، فتتحول إلى (فعْلن) ، ومثاله :
منْ أصبحتْ  دنياه  غايتهُ***  كيفَ ينالُ الغاية َ القصوى
منْ أصْبحتْ دنياهغا يتهو *** كيْ فينا  للـْغايتلْ  قصْوى
مستفعلن  مستفعلن  فعٍلن *** مفـْتعلن  مستفعلن  فعْلن (10)
التفعيلة الأولى من العجز أصابها زحاف الطي .  
3 - العروض الثالثة مشطورة موقوفة وزنها (مفعولان): 
مشطورة تعني البيت يتشكل من ثلاثة أجزاء ،  والضرب هو العروض نفسها ، أما موقوفة ،فكما عرفت إيقاف حركة التاء في ( مفعولاتُ) ،  فتصبح (مفعولاتْ) ، فتتحول إلى (مفعولان) ، ومثاله :
يا صاح ِ ما  هاجكَ منْ  ربْع خالْ
مستفعلن    مفـْتعلن     مفـْعولان (11) 
التفعيلة الثانية ، أصابها زحاف الطي ، وهو صالح .
4 -العروض الرابعة مشطورة مكشوفة (مفعولن) : 
وكشفت أي حذفت التاء المتحركة من (مفعولاتُ ) ، فاصبحت (مفعولا) ، فقلبت إلى (مفعولن) ، لأسباب : 
عروضية ، و لا يتغيرالوزن ،  والضرب هنا  العروضة نفسها ، ومثاله:
يا صاحبي  رحْلي  أقلاّ  عَذلي
يا صاحبي  رحْلي أقلْ  لاعَذلي
مستفعلن    مستفعلن  مفعولن 
وذكرنا أثناء التطرق إلى أعاريض وأضرب ،وحشو هذا البحر، جميع الزحافات والعلل، ولا داع ٍ للإعادة ،  ولكن من المفيد أن نذكر:
 أولاً - لكي لا يلتبس الأمربين الرجز التام المطوي المقطوع  : ( مستفعلن مستفعلن فاعلن) مكررة مرتين  ،  وبين السريع التام المطوي المكشوف أيضاً : (مستفعلن مستفعلن فاعلن) مكررة مرتين , منعوه على الرجز ،  وأبقوه  للسريع (11) ، والسبب على ما يبدو لي ،  أنّ القطع يستوجب خطوتين حذف الساكن السابع من (مستفعلن ) ،  وإسكان ما قبله ،  بينما في الكشف (الكسف) يتمُّ بخطوة واحدة ،  هي حذف آخر الوتد المفروق (مفعولاتُ) ، و آتى الطي من  قبلُ على التفعيلتين ،  والنتيجة واحدة تصل الى (فاعلن).
 ثانياً  - قد يلتبس الأمر أيضا بين (الكامل) و(السريع) ، كيف..؟ أنت تعرف تفعيلة (الكامل)هي : (متفاعلن) ،ومن الحسن إضمارها بتسكين التاء، فتُحول عروضياً إلى (مسْتفعلن) ،  أو طيّها بحذف ألفها فتصبح (متـْفعلن ــ> مفـْتعلن) ،  أو يعتريها الوقص ، فتحذف التاء ،  فتتولد (مفاعلن) ، إذا سارت القصيدة على هذا المنوال ،  واختفت منها (متـَفاعلن) تماما ،  تحسب من السريع ،  أمّا إذا وردت (متـَفاعلن ) واحدة فقط في القصيدة كلـّها ، يحسم الأمر لصالح (الكامل)(13) ، فهذه التفعيلة تخصّه وحده ,وتطرّقنا  إلى مثل هذا عند كلامنا عن (الرجز) .
السريع في الشعر الحر : 

عندما يستعمل الشاعر البحر السريع في الشعر يجب أن يختم شطره بـ (فاعلن ) ، لأن إذا استعمل (مستفعلن) لوحدها ، أصبح البحر رجزاً ، وهذه تفعيلة الرجز ، بينما تمعن كيف استعمل بدر شاكر  السياب البحر السريع في هذا المقطع :
في ليلة كانت شرايينها
 في ليلتن / كانت شرا / يينها 
 مستفعلن  /  مستفعلن / فاعلن
فحماً و كانت أرضها من لحود
فحمن وكا / نت أرضها / من لحودْ
مستفعلن / مستفعلن  / فاعلان
يأكل من أقدامنا طينها
يأكل من / أقدامنا /طينها
مفْتعلن / مستفعلن/ فاعلن  
تسعى إلى الماء
تسعى إللـ / مائي 
مستفعلن  / فعْلن
مفتعلن من جوازات مستفعلن 
فاعلان ، فعْلن من علل فاعلن ، والعلل غير ملزمة في الشعر الحر  
 أطلنا الحديث عن (السريع)  ، لأنه سريع ،  والإطالة تطويع !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حذفت أرقام الصغحات.
(1) راجع ابن جني : كتاب العروض  - ص  مصدر سابق.
(2) د . عبد العزيز شرف وزميله : النغم الشعري عند العرب ص مصدر سابق .
(3)ابن جني : المصدر السابق ص الهامش 1 ,الخطيب التبريزي : الكافي ص  .
(4) بعض المصادر تجعلها (مكشوفة) ، الكافي : الخطيب التبريزي ص ، المفصل : عدنان حقي ص ،  كتاب العروض :ابن جني ص ، وبعضهم يذهب الى أنها (مكسوفة ) من كسفت ،  راجع د. صبري ابراهيم السيد : اصول النغم في الشعر العربي - 1993 - دار المعرفة - الأسكندرية ص ، د. جميل سلطان : كتاب الشعر المكتبة العباسية - المقدمة 1970- ص ،  السيد أحمد الهاشمي : ميزان الذهب ص وغيرها .   
(5) الخطيب التبريزي في (الكافي ) ص يعلل قائلا "سمي مكشوفاً, لأنّ أول الوتد المفروق على لفظ السبب ،  غير أنّحصول التاء بعده يمنع أن يكون سبباَ ،  فإذا حذفت التاء فقد كشفته ،وجعلته سببا خالصاًَ ،  لأن كون التاء فيه ، كان يمنعه من أن يكون سبباً "  
(6) الردف يعني  وجوب مجيء حرف لين ساكن أو حرف مدّ قبل الروي ،  سنأتي على ذلك في علم القوافي ,وفي مثالنا (عراق) ،  حرف القاف الروي، والألف قبله الردف ،  والألف حرف مد.
(7)التبريزي : المصدر نفسه ص .
(8) الهاشمي ..سيد أحمد: ميزان الذهب ص   ، البيت استشهد به الهاشي ، ولم يكن تقطيعه دقيقاً ،  ولا تفعيلات زحافاته صحيحة ،  فيها خلط. ولكن يجوز في زحاف الخبن لـ (مْستفـْعلن ), بعد حذف السين ، أنّ نكتبها على صيغة (متفـْعلن) أو نحولها لسهولة اللفظ إلى (مفاعلن) ، والصيغتان صحيحتان . 
(9)راجع د سيد البحراوي : العروض وإيقاع الشعر العربي  ص   مصدر سابق 
(10) الهاشمي : ميزان الذهب ص 
(11) د. جميل سلطان : ص المثال.
(12) يذكر صاحب ( المفصل) ص ، ذلك بشكل موجز ، وغير دقيق .
(13) د.جميل سلطان : ص تطرق إليها بشكل مختصر.

كريم مرزة الأسدي

السطوة الأمريكية على القوة الذكية: عالم للأثرياء/ حسن العاصي

نزعة السيطرة على العالم، والاعتقاد أنهم وحدهم المهيئين لقيادة العالم، كانت وما زالت في العقيدة الأمريكية منذ الاستقلال. ظهرت هذه النزعة بوضوح بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها الولايات المتحدة منتصرة، فيما بقية الأطراف إما مهزومة أو منهكة اقتصاديا وعسكرياً واجتماعيا وسياسياً.

هذا الاعتقاد تدعمه القوة، فالولايات المتحدة أول من صنع أسلحة الدمار الشامل، وأول من استخدم السلاح النووي ضد اليابان، وأكثر دولة تمتلك انتشاراً للأساطيل الحربية في البحار والمحيطات، والقواعد العسكرية الثابتة في أرجاء المعمورة. أمريكا تمكنت من إنشاء صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. وأصبح دولارها العملة العالمية، وسيطرت أمريكا على الاقتصاد العالمي. أنشأت الأمم المتحدة مع الحلفاء، وأصبحت المنظمة أداة لتنفيذ السياسات الأمريكية بغطاء قانوني دولي. تغولت أمريكا أكثر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وزوال القطبية الثنائية. أظهرت الولايات المتحدة أنيابها وتصرفت بغطرسة منفرة مع دول العالم. وحاولت أن تفرض على الجميع ثقافتها وأسلوبها. حيث بدأت مرحلة جديدة، انقسم العالم فيها بين رافض للنظام العالمي الجديد وبين مرحب به، ومنهم حاول الاستفادة من آليات العولمة وتقنياتها الحديثة بما تتضمنه من وسائل اتصال ومعلوماتية دون القبول بمضامين العولمة، لكنهم سقطوا في التبعية.

من رفض النظام الجديد رأوا في العولمة استغلالاً اقتصادياً من أمريكا والغرب، كما اعتبروا أنها عولمة علمانية تتنكر للأديان وتهدد الهوية الثقافية للشعوب المستضعفة، وهي أيضاً بمثابة غزو قومي ثقافي اقتصادي. ومن قبل بالعولمة كان من النخب الثقافية التي تأثرت بالأفكار الليبرالية ونمط الحياة الغربي.

لكن كيف تمكنت الولايات المتحدة من فرض رؤيتها على هذا العالم الشاسع؟ ربما علينا أن نعلم ماهي مصادر القوة التي تمتلكها هذه الإمبراطورية، وتمكنها من قيادة الدول الأخرى، والهيمنة على العالم.

قوة أمريكا الاقتصادية

سوف تظل الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأعظم التي تقود العالم خلال الفترة المنظورة القادمة دون منازع. فقد بلغ الناتج المحلي الأمريكي وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2018 نحو 20,4 تريليون دولار، وتجاوز حجم اقتصادها 25,1 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي. فيما بلغ الناتج المحلي الصيني نحو 14 تريليون دولار، وبلغت مشاركتها في الاقتصاد العالمي ما نسبته 16,4 في المئة. وجاءت اليابان في المرتبة الثالثة بناتج محلي إجمالي بلغ 5,1 تريليون دولار. ألمانيا في المركز الرابع بناتج محلي بلغ 4,2 تريليون دولار. فيما احتلت بريطانيا الترتيب الخامس بناتج محلي إجمالي بلغ 2,94 تريليون دولار. سادساً حلت فرنسا بناتج بلغ 2,93 تريليون دولار. سابعاً الهند بقيمة 2,85 تريليون دولار. إيطاليا حلت ثامناً بقيمة 2,18 تريليون دولار. البرازيل تاسعاً بقيمة 2,14 تريليون دولار. وعاشراً حلت كندا بقيمة 1,8 تريليون دولار.

تبلغ قيمة إجمالي الاقتصاد العالمي حوالي 79,98 تريليون دولار. تمتلك الولايات المتحدة نحو25,1 في المئة منه، فيما تمتلك الصين نسبة 16,4 في المئة. أي أن أمريكا والصين تمتلكان حوالي 42 في المئة من الاقتصاد العالمي. ويبلغ حجم اقتصاد أكبر عشر دول 73 في المئة من الاقتصاد العالمي، أي حوالي 58,54 تريليون دولار. وأكثر من 150 دولة يبلغ حجم اقتصادها ما نسبته فقط 26,8 في المئة، أي ما قيمته 21,4 تريليون دولار.

بحسب تقارير هيئة الإحصاء الأمريكية فقد بلغ متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة في العام 2018 حوالي 59 ألف دولار سنوياً. بينما ذكر المكتب الوطني للإحصاء في الصين أن دخل الفرد بلغ 4033 دولار سنوياً في العام 2018. وحتى لو أجرينا تعديلاً على القوة الشرائية بين البلدين، ومراعاة التضخم الاقتصادي يظل المتوسط السنوي للأمريكي أعلى من نظيره الصيني بفارق كبير. وتتربع الولايات المتحدة على العرش العالمي بثروة مقدارها 72 تريليون دولار. بينما تمتلك الصين 22 تريليون دولار.

ثم أن الاقتصاد الأمريكي قائم على ريادة الأعمال والابتكار والخلق، وليس اقتصاداً قائماً على الاستنساخ والنقل مثل الاقتصاد الصيني، بينما نلاحظ ابتكارية أقل في الاقتصاد الياباني والأوروبي. وما زالت أمريكا تفرض هيمنتها على ست قطاعات اقتصادية مهمة وهي " الأسلحة، التكنولوجيا، الطاقة، الدواء، الغذاء، النقل". إضافة إلى امتلاكها لعدة علامات تجارية رائدة والمنتشرة حول العالم مثل "كوكاكولا، ما كدونالدز، مايكروسوفت، فيسبوك، غوغل، آبل، جنرال موتورز، شركة بوينغ" وسواها التي تدر عشرات المليارات سنوياً على الاقتصاد الأمريكي. ولا ننسى كون الدولار العملة الأساسية للتجارة العالمية، والعملة الاحتياطية لعدد كبير من الدول.

الهيمنة السياسية

تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية شبكة معقدة جداً ومتشابكة من العلاقات تجعلها ذات هيمنة ونفوذ سياسي في العديد من دول العالم، وهذا السطوة لا تعتمد فقط على القوة العسكرية للولايات المتحدة، بل على مصادر أخرى للقوة مثل وسائل الإعلام التي تمتلكها المؤسسات الأمريكية من صحف وتلفزيون وسينما وانترنت وكتب، وامتلاكها لأشهر الصحف والمجلات العالمية، وألمع الصحفيين والممثلين وأشهر البرامج التلفزيونية والتي يتابعها مئات الملايين في العالم. وتبلغ قيمة صناعة نشر الكتاب في أمريكا حوالي 31 مليار دولار سنوياً، وهي ميزانية دولة بحالها.

للولايات المتحدة نفوذاً مهماً داخل المؤسسات الاقتصادية والسياسية الدولية التي تتحكم بها، ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما يشكلان أبرز معالم السياسة الاقتصادية العالمية. ثم أن الولايات المتحدة أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، وأهم عضو في حلف الناتو. وتمتلك الأسطول الحربي الأضخم الذي يجول في المحيطات ويصول. كما أنها تمتلك مقدرة عجيبة لخلق تحالفات وتفاهمات سياسية واقتصادية بالترغيب أو الترهيب، ولديها إمكانية النفاذ إلى ميزانيات بعض الدول، من خلال المساعدات المالية، وترتبط بشبكة العديد من منظمات المجتمع المدني المنشرة في العالم. يكفي أن تدخلها في مناطق كثيرة في العالم يواجه بالصمت من قبل الكثير من الدول، واعتراض خجول من قليل الدول، وهذا بحد ذاته مؤشر بليغ على النفوذ الأمريكي.

هذا لا يعني أن الولايات المتحدة تمتلك مقدرة وقوة خرافية لا يمكن مقاومتها، ذلك أن أمريكا تواجه بعض الممانعات والتحديات من قبل الصين وروسيا وبعض الدول في أمريكا اللاتينية، لكنها إشكاليات يمكن لأمريكا السيطرة عليها بأقل قدر من الأضرار.

ثم التفوق الأمريكي الظاهر في التعليم العالي، فهي تمتلك حوالي 30 جامعة من ضمن أفضل 100 جامعة في العالم، وتمتلك 6 جامعات من بين أفضل 10 جامعات عالمية. وتتصدر القائمة في الإنفاق على الأبحاث والتطوير بالنسبة للدخل القومي حيث بلغت النسبة 2.82 في العام 2018 حسب شركة "فيسول كابيتال ليست" بملغ مقداره 563 مليار دولار سنوياً. فيما الصين بالمرتبة الثانية حيث تنفق ما مجموعه 377 مليار دولار سنوياً، وينفق الاتحاد الأوروبي 346 مليار دولار، واليابان 155 مليار دولار، ثم كوريا الجنوبية 74 مليار دولار.

ولا أظن أن على الولايات المتحدة القلق- لغاية الآن- من محاولات الصين المتواصلة الفكاك عن هذه السطوة الأمريكية، على الأقل في قارة آسيا مرحلياً، بهدف تحدي الاقتصاد الأمريكي في المستقبل. لكن من الآن ولفترة غير قصيرة من الزمن ستظل الولايات المتحدة في موقعها كأكبر قوة عسكرية واقتصادية مهيمنة على العالم، رغم صعود قوى أخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، وتصاعد نفوذ إقليمي لروسيا بسبب امتلاكها موارد الطاقة.



أمركة العالم

رغم مرور أكثر من مائة عام على خطاب الرئيس الأمريكي "ودرو ويلسون" الذي ألقاه في العام 1916 بمناسبة بداية ولايته الرئاسية الثانية، حيث ينسب إليه مقولة "أن عَلَمَ أمريكا ليس علَمهَا وحدها، بل هو عَلَم الإنسانية جمعاء" إلا أن هذه النبوءة لم تتحقق، ولم يصبح علم الولايات المتحدة علماً للإنسانية، بل أصبح علماً للشر وقتل الشعوب والغطرسة ونهب خيرات الدول. صار وجهاً قبيحاً للعنصرية والتمييز لم تنجح أفلام هوليود في تجميله.

العولمة التي حاولت الولايات المتحدة من خلالها أمركة العالم، هي مشروع استعماري تحدثت أدواته مع تطور الرأسمالية وتركز رأس المال المالي، ترافق مع القفزات الهائلة التي حققها العلم في مجال التقنيات ووسائل الاتصال والتواصل التي تسببت في ثورة المعلوماتية. حاولت الولايات المتحدة نشر وتعميم نظامها وثقافتها وأسلوبها على بقية الدول. لكن هل تمتلك أمريكا حقاً نموذجاً مثالياً يقتدى به لبقية الشعوب؟ الجواب قطعاً لا، على الرغم من قوة أمريكا الاقتصادية والعسكرية. فالولايات المتحدة لم تتمكن للآن من تحقيق الوحدة والاندماج بين مكوناتها الداخلية، وتفتقد إلى جبهة داخلية متماسكة حتى لو ظهر للآخرين أن الأمر غير ذلك. فما تزال العنصرية والتمييز ضد السود والأعراق الأخرى تطل برأسها من قبة المواطن الأبيض. وغالبية المواطنين الأمريكيين يريدون انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب بدون المجمع الانتخابي. ثم إن خروج تظاهرات تطالب باستقلال ولاية كاليفورنيا، الولاية الأغنى والأكبر في أمريكا، هو من الأمور التي تعتبر خطوة متقدمة للأطراف التي تطالب بالإصلاح الأمريكي وستنعكس حتماً على النظام السياسي في البلاد. وهناك انقسامات أيديولوجية في الخطاب السياسي الأمريكي حتى داخل الحزب الواحد.

 شكل انتخاب "ترامب" صدمة للعديدين الذين ينظرون له على أنه الرئيس الأمريكي العنصري والمعادي للأديان والأجانب والكاره للنساء، ليضاعف من الإشكاليات الأمريكية الداخلية. وتعتبر مسألة حرية امتلاك المواطنين الأسلحة واحدة من أكثر القضايا التي يختلف حولها الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة الأمريكية الجمهوريين والديمقراطيين، وتستخدم هذه القضية في المزايدات الانتخابية. وبحسب بيانات موقع هيئة الإذاعة البريطانية فقد وقعت في العام 2016 ما مجموعه 14249 جريمة قتل في الولايات المتحدة، من بينها 9675 بواسطة الأسلحة النارية. ناهيك عن مشاكل القطاع الصحي والتعليمي والضريبي.

هيمنة الولايات المتحدة على العالم ما هي إلا فورة في المسار التاريخي للبشرية، فرضتها القوة العسكرية والاقتصادية والإعلامية لأمريكا، لكن من الواضح أن التاريخ لم ينتهي كما توقع "فوكوياما" ومازال لديه ما يقوله. كما أن الرأسمالية الجديدة بمسميات العولمة وسواها لا تبدو أنها نماذج مؤهلة ليعتنقها الآخرون. إن ممانعة نظام العولمة ورفضه حدث ليس فقط من جانب دول الجنوب الفقير، بل من معظم الدول الغربية الذين أدركوا أن جوهر سياسة العولمة هو تحقيق المصالح الأمريكية، حتى لو تم ذلك على حساب مصالح وحياة مئات الملايين من الشعوب في الشرق والجنوب.

 نظام عالمي للأغنياء

العولمة باعتبارها مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية، قد ساهم فيها الألمان واليابانيون بمدخراتهم المالية الهائلة، وشاركت فيها الشركات العملاقة متعددة الجنسية، وإن بدا مركز القرار في الولايات المتحدة.

إن المجتمع الأمريكي قائم على الانتقاء والاختيار ولا يستند على تاريخ وذاكرة حضارية، فالولايات المتحدة مكونة من مهاجرين اختاروا قصدياً أن تكون أمريكا مكاناً للعيش. هذا الوضع الفريد يعبر عن خصوصية أمريكا الذي لا يشعر المواطن فيها بأي تناقض بين الوطنية والقومية ونظام العولمة. بينما العولمة شكلت صدمة حضارية للمجتمعات البشرية التي لها تاريخ وذاكرة يشكلان عناصر مهمة في تكوينها الاجتماعي وهويتها الثقافية. فيما الشعوب الأخرى تشعر أن العولمة تسلبها هويتها، يشعر الأمريكيون أن هويتهم الحضارية تكمن في العولمة وليس في الهوية القومية، باعتبارهم كيانات سياسية مجزأة.

إن مقتل العولمة يكمن تماماً في نقطة قوتها، التي ترتكز على مبدأ إلغاء الحدود وحرية التجارة، وفي سعيها إلى إلغاء الهويات الثقافية للشعوب التي تمتلك تاريخياً ثقافيا حضارياً. فلن تقبل هذه الأمم المفهوم الجديد للهوية التي تحاول العولمة فرضه وتعميمه قسراً.

هذه العولمة بدت للكثيرين كارثة لا تبقي ولا تذر، حتى بالنسبة للغرب الذي رأى فيها هيمنة من جانب واحد، تجد من يتبناها. إن المدافعون عن نظام العولمة غالباً ما يخلطون بين التطورات العلمية في مجال تقنيات الاتصال والتواصل والثورة المعلوماتية وتطور وسائل الإعلام، وبين العولمة بأبعادها وأهدافها.

عندما حاولت دول الجنوب طرح مشروع النظام الإعلامي الجديد في منظمة اليونسكو، بهدف كسر احتكار دول الشمال لوسائل الإعلام، رفض الغرب المشروع، وانسحبت أمريكا من المنظمة ورفضت دفع حصتها المالية السنوية.

فشلت العولمة في ردم الفجوة الاقتصادية والثقافية بين دول الشمال والجنوب، والنتيجة استمرار الهيمنة الغربية وتعرض الهوية القومية للشعوب الأخرى لخطر التذويب.

في الوقت الذي تمتلك فيه الدول الغربية آليات انتشار العولمة فإنها تستثمرها لتحقيق أقصى الأرباح، فيما الدول النامية التي لا تنتمي لعصر التكنولوجيا فإنها تعيش داخل قلاع من الفقر والأمية والجوع والمرض والعنف والتخلف.

هذا الواقع الراهن باعتباره امتداداً لماضي الرأسمالية البغيضة، يدلل على مقدار الشقاء الذي تعيش وسطه البشرية في ظل العولمة الدكتاتورية والهيمنة الأمريكية. عولمة تتيح للشركات العملاقة عابرة القارات وللقوى المهيمنة على هذا العالم، أن تدوس على جماجم الفقراء، وتعبرهم عبئاً سكانياً ثقيلاً. إن الخلل القائم حالياً في التوازن الاقتصادي والاجتماعي والحياتي بين دول الشمال ودول الجنوب والشرق، وبحسب التقارير السنوية الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية، يشير تماماً وبوضوح إلى حجم البؤس الإنساني.

 ماذا عن العرب

في واقع راهن بائس، وصورة شقية عن المستقبل، وبضوء استمرار السطوة الأمريكية عبر العولمة وسواها، والتي تعني ببساطة أمركة وبسط الحلم الأمريكي على العالم، يظهر أن كافة المبررات الأخلاقية التي تسوقها أمريكا والغرب عن حقوق الإنسان والحريات العامة ومبادئ العدالة، ما هي سوى أطماع بثروات الدول الناهضة تختفي بثوب أخلاقي.

ضمن هذا المشهد ماذا بمقدور العرب أن يفعلوا؟ هل يملك العرب أن يرفضوا نظاماً جديداً للعالم يهيمن فيه قطب واحد تدور في فلكه الدول الغربية، ويحققون مصالحهم على حساب الأمم الأخرى؟ وهل تستطيع الدول العربية التملص من سطوة الشركات الضخمة متعددة الجنسيات التي تسعى نحو مراكمة أرباحها من جيوب فقراء الدول النامية؟ وماذا يفعل العرب في نظام يقبل القوي والثري ويقتل الفقير والضعيف؟ وماهي خطط العرب تجاه نظام يستخدم ببراعة فائقة وسائل الاتصال والإعلام والتقنيات الحديثة والبيانات، لشطب الهوية الثقافية والقومية للشعوب، وفرض ثقافة واحدة عليهم؟

من حق العرب الاستفادة من الإنتاج العلمي والحضاري لبقية الأمم والشعوب، كما سبق وأن استفادت أمم أخرى من إنجاز الحضارة العربية سابقاً، وهذا أمر لا جدال فيه. فجميع التقنيات الحديثة هي إنتاج الجهد الإنساني ومن حق البشرية أن تنتفع بها، بما يضمن رفاه واستقرار وأمن المجتمعات.

أن ترتبط بعلاقة مع آليات وأدوات نظام العولمة وتتعامل معها شيء، وأن تقبل مضامين العولمة كأنها قدراً عليك التسليم به شيء آخر تماماً -بظني-. لأن الأول إنتاج فكري وعلمي يسهم في تطور البشرية. أما الثاني هو يقوم على الإلغاء والإقصاء والهيمنة. إنه بمثابة غزو واعتداء امبريالي بوجه معاصر.

ومما لا شك فيه أن الأمة العربية مستهدفة في هويتها واقتصادها وأمنها وتاريخها من قبل النظام الحديث، شأنها في ذلك بقية الأمم النامية. حيث تشير التجربة الاستعمارية التاريخية إلى النتائج الكارثية التي يخلفها إخضاع دول فقيرة من قبل دول عظمى.

هذا النموذج البائس الذي يحاول الغرب فرضه علينا فشل في معالجة مشكلة البطالة وانتشار المخدرات والتلوث البيئي وغيرها في معقل العولمة. نموذج يفرض شمولية كونية وقبعة موحدة، ويحاول توحيد المظهر العالمي، إلا أنه نموذج بائس حضارياً لأنه يعتمد هيمنة القوي على الضعيف، ويلغي الحوار والتواصل الإنساني. ويقدم عالماً ينقسم إلى قسمين، ثري جداً وفقير جداً. يلغي خصوصية الدول والأمم الوطنية والقومية، وتعطيل هوياتها الثقافية، ويحاول أن تسود اللغة الإنجليزية وتتهمش اللغات القومية.

 القومية والإنسانية

المفكر البريطاني الأمريكي الذي توفي في العام 2018 عن 102 عاماً "برنارد لويس" وارتبط اسمه بالمصائب التي حلت بعالمنا العربي من الاحتلال الأمريكي للعراق مروراً بالحراك الشعبي العربي الذي ابتدأ ياسميناً وجنح حنظلاً، قال عن الشعوب العربية في كتابه "الإيمان والسلطة" الذي صدر في العام 2012 "إما أن نأتي لهم بالحرية، أو نتركهم يدمروننا" وإليه نسبت الخرائط التي كشفت عنها قبل بضعة أعوام وسائل إعلام غربية تظهر فيها دول كبرى في الشرق الأوسط بما في ذلك دولاً عربية، وقد أصبحت ثلاثين جزءًا.

انحاز لويس لإسرائيل والغرب بحكم تنشئته اليهودية، ودعا دوماً للتدخل الغربي لفرض الحرية والديمقراطية على الشعوب العربية والإسلامية. وكانت أفكاره سنداً نظرياً لتيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة. وتعتبر نظرية الفوضى الخلاقة لكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة أحد تجليات هذا الفكر.

 لويس هذا أول من اشتق مصطلح "الأصولية الإسلامية" وأول من ذكر فكرة "صراع الحضارات" عام 1957 قبل "صامويل هنتنغتون". كما روّج هذا المفكر لانتهاء عصر القوميات، فوضع اللبنة الأساسية في المخطط الغربي لغزو المنطقة العربية وسرقة خيراتها ونهب ثرواتها، ثم تقسيمها إلى دويلات طائفية، باسم الديمقراطية تارة، ومحاربة الإرهاب تارة أخرى.

لكنني أعتقد أن القوميات باقية، وسوف تظل ذات شخصية حية ومكونات واضحة لا تزول. إن الافراد ينتمون لقومياتهم طواعية ومستعدون للتضحية من أجلها. ولا يصح وضع القومية في مواجهة الإنسانية التي وجدت قبل وجود القومية، فالإنسانية تخلص القومية من تعصبها وانعزالها. من المهم لأنصار القومية عدم رفض النظام الجديد بالمطلق، وأظن أن على عاتقهم تهيئة المناخات الفكرية لإطلاق حوارات نظرية وإجراء مقاربات فكرية مع دعاة العولمة في الغرب. إن رفض بعض التيارات السياسية والفكرية للتعامل مع آليات وأدوات النظام الجديد بشكل تام، خاصة من قبل القوى الدينية المتشددة التي تدعي دفاعها عن الخصوصية العربية، لا يمكن إلا أن يؤدي إلى مزيد من تدهور الوضع العربي، بينما خصوصية الثقافة العربية تعتمد التراث والحداثة، وترفض الانكفاء والتقوقع، كما ترفض الانصهار في بوتقة الحداثة والعولمة.

نحتاج عربياً إلى ثقافة متنورة لا ترفض الحوار والتواصل مع الآخر، ولا تنعزل عن المشهد الفكري ومواجهة الآراء والمواقف المختلفة بحجة التمسك بالهوية. لا يجب نكران أهمية التواصل الحضاري والتفاعل الثقافي مع الغرب. والخشية من استلاب هويتنا لضعف شخصيتنا القومية، لا ينبغي أن يقودنا إلى رفض وإنكار الآخر، بل على العكس يجب أن يحرض مقدراتنا ويجعلنا ندفع لتشكيل تيار يسعى لإعادة رسم استراتيجيات عربية وفق معايير العصر الحديث، لتكون قادرة على مواجهة تغول رأس المال المالي الغربي، وحتى نتمكن من توظيف التقنيات الحديثة في خدمة الإنسان العربي وتطور مجتمعه، وليس العكس.

 تقتات بضعف الآخر

الإمبراطورية العظيمة في العصر الحديث، كيف امتلكت كل هذه القوة؟ بالطبع على حساب قوت الشعوب النامية وسرقة ثروتها. تتمحور العقيدة الأمريكية في أحد جوانبها حول أن تكون أمريكا مملكة كونية، مثل كائن حي ينمو باستمرار ولا يموت. يتغذى اقتصادها على اقتصاديات دول العالم النامي وثرواته، ويقوم بالقضاء على أي اقتصاد يعرض المصالح الأمريكية للخطر. مملكة تعتمد الأساليب المخابراتية الأمنية لإرغام الآخرين على فعل ما تريد، تؤمن بالعنف وتغتال الديمقراطية وإرادة الشعوب، تغتال رموز النهضة والتنمية في أي بلد ناهض. تثير النزعات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، تقوم بتدمير الدول التي تحاول بناء اقتصاد قوي بعيد عنها، وتجند وسائل الإعلام لتجميل افعالها الشنيعة وتبريرها. ترعى الانقلابات العسكرية وتؤسس جيوش المرتزقة لإسقاط حكومات.

لعل نظرة سريعة على الدراسات العديدة التي تجريها دورياً مراكز أبحاث غربية حول الحريات وحقوق الإنسان والاستبداد، تؤكد دون أي ريب أننا نعيش في عالم قميء ومرعب، لم تستطيع كافة القفزات العلمية والاكتشافات المهمة والتكنولوجيا الحديثة أن تجمل وجهه الدميم. بل يبدو أن العالم متجه نحو الانقسام إلى طرفين، أحدهما ثري، قوي، معافى، ديمقراطي، ينعم بالعلم والمعرفة. والآخر فقير، معدوم، ضعيف، مريض، مستبد، يغرق بالجهل.

لقد أجرت مؤسسة "بيرتيلسمان" الألمانية دراسة شارك إعدادها 250 خبيراً من جامعات ومراكز بحثية في جميع أنحا العالم. تمت دراسة حالة الديمقراطية والوضع الاقتصادي وأداء مؤسسات الدولة وأجهزتها في 129 دولة نامية في العالم بين الفترة الممتدة من بداية العام 2015 لغاية نهاية العام 2017. أهم ما فيها أن هناك 69 دولة غير ديمقراطية في العالم، ووجود 50 دولة تقيد الحريات السياسية، منهم 49 دولة استبدادية. وكشفت تقرير مجلة "الإيكونوميست" عن مؤشرها السنوي للديمقراطية والاستبداد لعام 2018، ويأتي ترتيب الدول العربية في تصنيف الدول أكثر استبداد رغم ما تردده الأنظمة بأنها تطبق الديمقراطية وأنها دول ترعي حقوق الإنسان وتتبع النظام المؤسسي حيث جاء ترتيب الدول العربية متذيل القائمة العالمية.

وفيما يتعلق بمؤشرات الاستعباد العالمي فإن التقرير المنشور في موقعهم على الانترنت لعام 2017 فإن من بين أكثر 10 دول استعباداً للبشر، توجد 4 دول عربية. وفي تقرير عن مؤشر الديمقراطية في العالم أنجزته مؤسسة "فريدوم هاوس" الأمريكية، فإن من بين أكثر 10 دول قمعاً للحريات في العالم يوجد 5 دول عربية.

خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، تغير وجه العالم كما لم يتغير في ثلاثة قرون. في هذا العالم المتغير المتحول المتغول، متى تفهم رؤوس الأنظمة العربية القائمة أن عليها أن تبدل من أدواتها قبل أن تبتلعهم الموجة الرابعة من الرأسمالية.


صداقة على المِحكّّ/ ترجمة بروفيسور حسيب شحادة

Friendship is in Test

جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة بالعبرية، رواها عبد اللطيف بن إبراهيم السراوي الدنفي (عبد حنونه بن أبراهام هستري هدنفي، ١٩٠٣-١٩٩٥، حولون) بالعبرية على بِنياميم صدقة (١٩٤٤-)، الذي أعدّها، نقّحها، ونشرها في  الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، في العددين ١٢٤٠-١٢٤١، ٥ حزيران ٢٠١٧، ص. ٩٥-٩٨.

هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني. 

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري يعيشون في مائة وستّين بيتًا تقريبًا، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى أقطار العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن الشقيقين، بنياميم (الأمين)  ويِفِت (حُسني)،  نجْلي المرحوم راضي صدقة الصباحي (رتصون صدقة الصفري، ٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”الكاهن الأكبر توفيق (متسليح)

ماذا يعرِف أصلًا جيل الشباب عن الكاهن الأكبر، توفيق بن خضر بن إسحاق (متسليح بن فنحاس بن يتسحاك) المعروف بكنيته ”أبو واصف“؟ لم يعرفوه؛ ولكن من عاش في فترته ورآه يستطيع، في نظرة إلى الوراء، أن يعي مدى عظمة شخصيته. لا نظيرَ له في أيّامنا هذه. كان عملاق العمالقة، فذًّا من الأفذاذ، أكبر من كلّ من تسنّى لي معرفتُه في خلال الأربع وثمانين سنة من حياتي.

أُنظر، إلى أيّ مدىً الأمر مُدهش حتّى في أيّامنا. في كلّ مرّة تجتمع فيها مجموعة من الناس ويُذكر اسم أبي واصف في مجرى الحديث، تسمَع على الفور كلَّ الحضور يقولون بصوت جهوري واحد وبلهفة لتلك الأيّام الجميلة في كهنوته السامي: رحمةُ الله عليه. كما ويشكرون الخالق الذي منحهم فرصة التعرّف عليه. كان إنسانًا استثنائيًا من حيث الصورةُ، المهابة والخشوع الذي كان يملأ كلّ فؤاد، هالة من الوقار، إلا أنّ أبا واصف مع هذا عُرف بتواضعه أكثر من أيّة ميزة أخرى. لم يترفّع قطّ، ولم يبحث عن الترفّع والتفاخر. كان بمقدوره الحصول على أيّ شيء لو رغِب فيه، إلّا أنّه حرَص على التحلّي بالتواضع والبساطة والبراءة.

أكرم زعيتر - رئيس بلدية نابلس

دعني أقُصّ عليك قصّة تعكِس كلّ هذه الخصائص المغروسة في شخصية أبي واصف، رحمه الله. نعود إلى ثلاثينات القرن الفائت، كلّ أهالي نابلس، الكبير والصغير وحتّى رئيس البلدية السيّد أكرم زعيتر (١٩٠٩-١٩٩٦، أديب وسياسي، من مؤلفاته: القضية الفلسطينية، ١٩٥٥؛ وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية، ١٩١٨-١٩٣٩، عام ١٩٨٠؛ بواكير النضال، من مذكرات أكرم زعيتر، ١٩٠٩-١٠٣٩، عام ١٩٩٣؛ من أجل أمّتي، من مذكرات أكرم زعيتر، ١٩٣٩-١٩٤٦، عام ١٩٩٣.) احترموا وقدّروا الكاهن الأكبر توفيق. دأب رئيس البلدية على قضاء وقت طويل مع صديقه الكاهن الأكبر السامري، وعلى دعوته  لمرافقته في كلّ لقاء رسمي. وفي كثير من الأحيان، كان الاثنان يمشيان معًا في شوارع نابلس مشية جذبت أنظار الناس. اعتبر السيّد أكرم زعيتر أبا واصف نبيًّا بحقّ وحقيق واعتاد الإصغاء بكلّ رضًى لنصائحه.

مجرّد هذا التقارب ما بين رئيس البلدية المسلم والكاهن الأكبر السامري، أثار غيرة الكثيرين. بعض أهالي نابلس لم يُخف تذمّره من ذلك، وفي كلّ مرّة مرّ بهم هذان الاثنان في أحد شوارع المدينة كانوا يذكرونهما بالشرّ والسوء. رئيس البلدية لم يلاحظ ذلك، إلا أنّ الكاهن الأكبر توفيق انتبه جيدًا لذلك بفطنته الكبيرة. علِم الكاهن أنّ سبب الغيرة الأساسيَّ ليس هو ولكن علاقته الطيبة مع رئيس البلدية. ببساطة، أولئك الوجهاء الذين كانوا يقدحون بهما رغبوا في الحصول على العلاقة ذاتها مع رئيس البلدية. 

بالرغم من أنّ أبا واصف عرف السبب إلا أنّه خشِي وبحقّ أن الأمور ستصل رئيس البلدية وستضرّر علاقته به. علم أنّه لا بد من اتّخاذ خطوة ما لإيقاف سيل الهمز واللمز السرّي ضد رئيس البلدية. لذلك عزم أبو واصف على التقليل بقدر الإمكان من لقاءاته برئيس البلدية، وعند اللقاء كون الكاهن عضو شرف في البلدية، عامله رئيس البلدية كمعاملة غيره من أعضاء البلدية. 

نيّة أبي واصف كانت حسنة، إنّه لم يرغب في أن يقوم أحد مباشرة  بمسّ شرف رئيس البلدية صديقه، ومن ناحية أخرى وبنفس القدر أراد أن يحافظ على علاقات طيّبة مع وجهاء نابلس وذلك لصالح طائفته الصغيرة. أكرم زعيتر، ذلك الرجل الحليم، شعر بابتعاد الكاهن الأكبر السامري عنه وقرّر أن يستقصي ما وراء الأكمة.

صداقة على المحكّ

ذات يوم استدعى رئيسُ البلدية الكاهنَ الأكبر توفيق إلى بيته عن طريق إرسال مساعده الشخصي. لبّى الكاهن توفيق دعوة رئيس البلدية مُكرهًا، إلّا أنّه تظاهر بجهله سبب الاستدعاء العاجل إلى هذا الحدّ. توجّه إليه رئيس البلدية فورًا قائلا ”لا أعرف ما اقترفتُ وأخطأت بحقّك حتّى باتت علاقتنا باردة إلى هذا الحدّ، لا علم لي بأيّ شيء يُمكنني ذكره بخصوص تعكير صفو علاقتنا. هلّا أوضحتَ لي ماذا حدث؟“ 

أومأ أبو واصف بحركة رأسه من الأعلى إلى الأسفل مبتسمًا: ”لا يا سيّدي، رئيس البلدية المبجّل، لم يحدث بيننا شيء، ما فعلته في المرّة الأخيرة كان لمصلحتك الشخصية“. تعجّب رئيس البلدية جدّا من الإجابة ولكن سُرعان ما أضاف أبو واصف: ”لست أدري في ما إذا استرعى انتباهك أنّ كلّ المدينة تبثّ القيل والقال عنك وعنّي. حدث ذلك في كلّ مرّة كنّا نسير في شوارع نابلس بسبب الغيرة والحسد، وأنا لست الشخص الذي ينقد ذلك. إنّي أسعى لصالحك وسلامتك، لذلك امتنعت عن الظهور في بيتك كما كان سابقًا، وكذلك السير معك في الشوارع، لا أريد أن يلحقك أيّ شرّ“، أنهى أبو واصف حديثه منفعِلا.

بدا رئيس البلدية مرتبكًا عند سماع ذلك. بعد برهة استجمع قواه وجرى نحو أبي واصف: ”من هم   هؤلاء الناس النمّامون؟“ صرخ بانفعال وغضب - ”ּأعلم أنّك لن تُفصح عنهم ولكن عليك أن تعرف أنّي أوثرك ألف مرّة أكثر من كل واحد منهم. سأُريك الآن أيّة معاملة سيعاملوننا من اليوم فصاعدًا“.

دعا رئيس البلدية صديقه الكاهن لمرافقته للتوّ في مشوار في شوارع المدينة: ”على سكّان المدينة أن يعوا أنّه ليس بمقدور أحد منهم المسّ بالعلاقة الخاصّة التي تربطنا. إنّك بالنسبة لي المواطن الأفضل في مدينة نابلس“. حاول أبو واصف أن يثْني السيّد أكرم زعيتر عن تنفيذ مشيئته، إلّا أنّ رئيس البلدية كان حازمًا في رأيه. خرج الاثنان إلى الشارع، ويا للعجب ففي كلّ مكان مرّوا به تقدّم المارّون إليهما وقبّلوا أيديهما منحنين وهم يطرحون التحيّة والسلام. 

أحيانًا، توقّف ٱلاثنان عن السير لأنّ رئيس البلدية حرِص على أن يُعلن على مسامع المحتشدين مكانة الكاهن الخاصّة عنده وتفهّم الجميع ذلك. عندما عاد الكاهن ورئيس البلدية إلى عِمارة البلدية التفت أكرم زعيتر إلى الكاهن الأكبر السامري قائلا له: ”هل تراهم، هؤلاء الكلاب؟ إنّهم يفهمون هذا فقط، من الممنوع التنازل لهم“.
بدا أبو واصف خجِلًا بعض الشيء لمشاركته  في مكيدة رئيس البلدية: ”ما قمت بهذا إلّا لمصلحتك الشخصية فقط، ربّما أنّك تعرف أهل المدينة أفضل منّي“، قال هامسا. ضحك رئيس البلدية فرحا، ولكن منذ ذلك اليوم فصاعدًا عادت المياه إلى مجاريها بالنسبة لعلاقة الاثنين. إذن، ما قولك؟ أتبدو القصّة جميلة لدرجة أنّها غير حقيقية؛ إنّك لا تدري ما تنطق به. إنّ القصة حقيقية لا غبار عليها، لم أسمعها من أحد، كنت شاهدَ عِيان لها“.