آمَالَ القلبِ والرُّوح/ حاتم جوعيه

قرَعَ الحُبُّ شبابيكَ  فؤادي  فازْدَهَى الكونُ جمالا ً   
وَعَلتْ  في أفقيَ المُلتاع ِ أصداءُ النَّشيدْ     
وبدَا الفجرُ بعينينا  خلُوبًا  رائعًا   
وتهادَتْ  في جنان ِالرُّوح ِآلافُ الوُرودْ  
فانطلقنا في متاهاتِ الأماني نملأ الدنيا  بهاءً  مثلَ أطيافِ الخلودْ  
إنَّ  " كيوبيدَ " رمَانا  بسهام ٍ ذهبيَّهْ   
أشعلَ  " كيوبيدُ " بقلبينا  الغرامْ   
فسَمَونا فوقَ دنيا البشريَّهْ  //   نتحَدَّى  الأبَدِيَّهْ 
رَتعَ الفنُّ على بوَّابةِ العُمرِ وقد وَلَّتْ أعاصيرُ الشِّتاءْ  
قبلَ أن أهواكِ ما كانَ لعيشي  ووجودي أيُّ معنًى ...أيُّ  َطعم ٍ وهناءْ 
يا فتاة ً سَكبتْ  " فينوسُ " عطرَ الخُلدِ  والسِّحر عليها  
فبدَتْ  كالكوكبِ الدًّرِّيِّ  في أحلى رُوَاءْ   
سوفَ آتيكِ  فتاتي  أفرشُ  الدَّربَ  ورُودًا وضياءْ 
وسآتي  بكنوز ِالأرض ِ لو شئتِ وأهديها إليكِ  
وَسَآتيكِ بشعر ٍ وكلام ٍ لمْ  يقُلْهُ الشُّعراءْ 
يا أمالَ القلبِ ضُمِّيني حبيبًا  يتلظَّى وإلهًا  قهرَ الموتَ وأهوالَ الشَّقاءْ  
أنتِ فجري وحياتي ... أنتِ  دنيا الحُبِّ  يا نبعَ  السَّناءْ  
كلَّما  صوتُكِ نادَى منْ  بعيدٍ 
مُترَعًا بالدِّفْءِ عذبًا مثلَ أنسام ِالصَّبا  
صوتُ  موسيقى  تهادَتْ  في سمائي  
وأزالتْ عنْ عيون ِ الحُزن ِ غيمًا أسودَا 
كم  َكنار ٍ في فؤادي غرَّدا   
فتجلَّى الرَّبُّ  في أغوارِ روحي  
والأماني  فرَشَتْ   لي  مَوْعِدَا 
يا  أمالَ القلبِ  ما أحلى الغرامْ 
طيفُكِ العذبُ معي في كلِّ دربِ   
يا حياة  َالرُّوح ِ أسكرتِ  فؤادي المُسْتهَامْ 
كلُّ أرض ٍ تحتَ أقدامِيَ   َتسْجُو   
وتُغنِّي  للدُّنى  قصَّة َ حُبِّي   
عندَما  تأتينَ نحوي وبقربي  تجلسينْ  
يهربُ الحُزنُ  بعيدًا  
ونغنِّي لثُغُور ِالفُلِّ  دنيا الياسمينْ ... 
مثلَ   كلِّ  العاشقينْ 
أنتِ  وردُ  الرَّوض ِ، والخمرُ المُصَفَّى والسُّلافَهْ   
صوتُكِ الشَّهدُ  وأنغامُ  السَّلامْ  
شعرُكِ  الأشقرُ  نورُ الشَّمس ِ سحرًا... كالدَّراري كالشُّهُبْ  
رائعًا يلمعُ في عتم ِ الدَّيَاجي  كثريَّاتِ الذَّهَبْ  
حُبُّنا العُذريُّ  قد  صارَ حديثَ العاشقينْ   
خالدًا  يبقى لدهر ِ الدَّاهرينْ 
قد قرأتِ الحظَّ  لي يا  ُمنيَة َ القلبِ  وقلتِ .. قُلتِ إنِّي في مَدار ِ المجدِ سائرْ 
طالعي  فوقَ  الثُّريَّا  والنُّجومْ  
إنَّني  كالأسدِ  قلبًا عُنفواني  كالنسورْ  
وبريىءٌ مثل أطفال ِ بلادي  وجميلٌ مثلُ كلِّ الأنبياءْ 
صامدًا  أبقى  كصُوَّان ِ " الجليلْ  "  
يا  لعينيكِ امتدادُ النور ِفي دربي الطويلْ 
أنتِ دنيا السِّحر ِوالإلهام ِوالعيش ِالجميلْ 
أنتتِ قيثارة ُ عُمري وعَزاءُ الرُّوح ِ في الأرض ِ الخرابْ                                   
لستُ أنساكِ حياتي  للمَدَى  لو كفَّنوني  َميِّتًا  تحتَ التُّرابْ  
فأنا النِّسرُ الذي  رَفضَ العيشَ ذليلا ً بينَ قضبان ِ السًّجونْ 
وتحّدَّى القيدَ  والأهوالَ  والخطبَ  الجليلْ 
وأنا أحلى شهيدٍ  أغرمَتْ  فيهِ العذارى والنِّساءْ 
وأميرُ الشُّعراءْ ونبيُّ الأنبياءْ                                                              
يا  أمالَ القلبِ  إنِّي  في غرامي  لن أخونْ   
وبجسمي وبروحي وكياني لكِ دومًا سأكونْ   
إنِّني أرسُمُ  تاريخي وميلادي الجديدْ 
باسم ِ أرضي وبلادي باسمكِ السَّاطع ِمثل ِالشَّمس ِ في أغوارِ نفسي  
يا  أمالَ  الرُّوح ِ يا  فجري السَّعيدْ   

                        (  شعر :  حاتم  جوعيه  -  المغار  - الجليل   )  

كيف احتفل المصريون براس السنة/ لطيف شاكر

يحتفل العالم من مشارق الأرض الي مغاربها   برأس السنة   بالكثير من المهرجانات الصاخبة ، غير أن التاريخ يسجل أن المصريين القدماء كانوا أول من احتفل ببداية العام الجديد.

وأقام المصريون القدماء مظاهر عدة للاحتفال ببداية العام الجديد حسب التقويم الفرعوني، منذ أكثر من 7500 سنة.

 وأكد الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية  ان أقدم تقويم عرفته البشرية هو التقويم المصرى القديم وهو التقويم التحوتى المقدس.

 وقال ريحان لوكالة أنباء (شينخوا) إن التقويم التحوتي المقدس بدأ كما ورد فى قوائم المؤرخ المصرى القديم مانيتون فى العام الأول من حكم الملك حور عما (أثوتيس) إبن الملك مينا عام 5557 ق.م.

وأشار ريحان إلى أن بداية العام التحوتى أى عيد رأس السنة توافق التاسع عشر من شهر يوليو فى التقويم الميلادى الحالى وكان احتفال المصريين بذلك العيد الذى بدأ منذ 7523 ق.م هو أول عيد عرفته البشرية.

وقال إن شجرة عيد الميلاد الحالية ارتبطت بأقدم الأساطير المصرية القديمة، وهى أسطورة الثالوث المقدس، وان المصريين القدماء احتفلوا بشجرة الحياة التى يختارونها من الأشجار دائمة الخضرة رمز الحياة المتجددة .

وأوضح أن هذه العادة انتقلت من مصر إلى سوريا ومنها إلى بابل ثم عبرت البحر الأبيض لتظهر فى أعياد الرومان ثم تعود مرة أخرى لتظهر فى الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح ، "شجرة الكريسماس"، وهى الشجرة التى تحتفظ بخضرتها طول العام مثل شجرة السرو وشجرة الصنوبر وهكذا أهدى المصرى القديم شجرة الميلاد للعالم أجمع .

 ونوه أن كليوباترا كلفت العالم المصرى سوسيجين بجامعة الإسكندرية القديمة بنقل التقويم المصرى للرومان ليحل محل تقويمهم القمرى وأطلقوا عليه اسم "التقويم القيصرى"، وعملت به روما وبلاد أوروبا عدة قرون حتى قام البابا جريجورى الثالث بتعديله عام 1852م .

وقال ان  التقويم  هو فى جوهره عمل مصرى منحه المصريون القدماء لكل البشرية، كما انتقلت مع التقويم تقاليد الاحتفال برأس السنة .

 ولفت ريحان إلى أن المصريين القدماء أطلقوا مصطلحا لتهنئة بعضهم البعض فى عيد رأس السنة بقولهم (سنة خضراء) حيث كانوا يرمزون للحياة المتجددة بشجرة خضراء .

من جانبه، يقول جمال أمين مدير متاحف مصر الوسطى، أن من أقدم التقاليد وابرز المظاهر التي ظهرت مع الاحتفال براس السنة الفرعونية صناعة الكعك والفطائر، مشيرا إلى حرص المصريين في هذا اليوم على الخروج إلى المتنزهات والحقول والنيل فيما يعرف بـ "الأيام الخمسة المنسية" وهي أخر خمسة ايام من السنة المنصرمة.

واضاف أمين أن المصريين كانوا يذهبون في تلك الأيام إلى المقابر حاملين سلال الطعام و الرحمة لاحياء ذكرى موتاهم كل عام، وتعبيرا عن رمز الخلود الذي أمن به المصريون القدماء.

وحرص المصريون في نهاية كل عام ومطلع العام الجديد على تنظيم المسابقات والالعاب ووسائل التسلية والترفيه واقامة حفلات الموسيقى والرقص.

وكانت من الاكلات المفضلة لدى المصريين القدماء في راس السنة بط الصيد، والأوز المشوي، والأسماك المجففة والمملحة، والتي كانت تعد خصيصا لهذا العيد،   ووصف “هيرودوت” نموذجًا عن مشاهداته الشخصية لاحتفالات المصريين بعيد ميلاد الشمس “رع” في مدينة هليوبوليس “المطرية وعين شمس”، في يوم بداية السنة المصرية الجديدة،  

 ويقول مجدي شاكر كبير الاثاريين  تعددت مظاهر الاحتفال بعيد رأس السنة المصرية، فجاءت موثقة على جدران المعابد، حيث كان الاحتفال الذي كان يقام بمناسبة العام الجديد يتصف بالمهابة والإجلال.

ويتابع شاكر ، كان يبدأ الاحتفال مساء اليوم الأول من شهر “توت” أول شهور العام، وكان يتجلى في هذا العيد تمثال “حتحور” المحفوظ في قدس أقداس المعبد ليخرج للضياء في ذلك اليوم الذي يمنح الحياة لعام كامل فيخرج بها من معبدها، على مشهد من الحشود، في موكب مهيب يتقدمه الكهنة نحو “خزانة المعبد”، فيحضرون تمثالًا بهيئة طائر له رأس إمرأة مصنوع من الذهب.

وفي النهاية يقوم الكاهن الذي يرمز لفيضان النيل بقيادة هذا الموكب، فيسكب أمامه أثناء سيره الماء المقدس الجديد، ويتبعه شخص آخر يمثل الملك يقوم بحرق البخور للناووس، وكانت الموسيقى تصاحب هذه اللحظة الحاسمة، ومعها أيضا تراتيل الكهنة، لإعلان ذلك الحدث السعيد، وتستمر عملية البعث، ويمكن رؤية نقوش هذه المراسم كاملة في معبد “دندرة”.

و عن مظاهر الاحتفال المصريون القدماء: “كان المصريون قديما يحتفلون في العاصمة المقدسة أبيدوس، بعيد شجرة أوزير، أمام معبده، فيأتون بأكثر الأشجار إخضرارا لنصبها وزرعها في وسط الميدان، الذي يكتظ بالرجال والنساء والأطفال والشباب، والفقراء والضعفاء، انتظارًا للهدايا والعطايا، حيث يُلقون بطلباتهم وأمنياتهم مكتوبة على الشقافات والبرديات، تحت شجرة المعبود أوزير فيحققها لهم الكهنة، قدر استطاعتهم”.

ويقول الباحث في المصريات  الطيب غريب    أن الفراعنة كانوا يحتفلون برأس السنة الجديدة لمدة 5 أيام متتالية، حيث كانوا يحرصون خلال الإحتفالات علي إستقبال السنة الجديدة بالمحبة والمودة ونسيان الخلافات القديمة، فيتسابق المتخاصمون فى ليلة رأس السنة مع محبيهم، كل نحو خصمه، أو عدوه، فيقتسم الضيف مع مضيفه، أو الخصم مع عدوه، كعكة العيد بين تهليل الأصدقاء والمحبين.

 ومن مظاهر الإحتفالات برأس السنة لدي الفراعنة القيام بإعداد حفلات الزفاف والزواج لشباب المدينة، وكانوا ينظمون عروض فنية بالزهور ويتناول مأكولات الأسماك المجففة والبط والأوز من الصيد ويتم عمل حفلاء شواء في المزارع لديهم، وكذلك يخرجون للحدائق والمتنزهات والحقول للترفيه عن أنفسهم، ويتوجهون للمقابر للتعبير عن إحياء ذكرى موتاهم ويقدمون القرابين للآلهة والمعبودات، ثم يتوجهون لقضاء باقي أيام الاحتفالات في حفلات الرقص والموسيقى والغناء والألعاب المميزة لديهم كسباقات الركض والرماية والرمح وغيرها.

فيما أكد الباحث فرانسيس أمين في دارسة صادرة عن "مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية"، أنه كان فى مصر القديمة لكل إقليم أعياده المحلية، إضافة إلى الأعياد القومية، وكان حلول العام الجديد العيد الأهم بين الاحتفالات لدى الفراعنة الذين أطلقوا اسم "وبت ورنبت ونفرت" بمعنى عيد افتتاح السنة الجميلة" على هذا الاحتفال، لاعتقادهم أنه يوم فأل ومصيرى فى حياة البشر كونه بداية سنة جديدة، آملين بأن يكون عاماً سعيداً على البشر، وكانوا يستقبلونه بممارسة طقوس دينية وصلوات يتعبّدون خلالها لـ"حابى العظيم" كونهم يربطون تحقيق السعادة فى مصر القديمة بفيضان النيل.

ويضيف فرنسيس ، أن الفراعنة كانوا يضعون تماثيل الآلهة فوق أسطح المعابد لتستقبل أشعة الشمس التى يعتقدون أنها مصدر القوة والحياة لهم، وفى معبد دندرة توثق النقوش نقل تمثال "حتحور" إلى المحراب المكشوف فوق سطح المعبد حيث كانوا يقيمون احتفال "الاتحاد بقرص الشمس" فى ليلة اليوم الأول للعام الجديد، وكانت تتمثل مظاهر الاحتفال بالعام الجديد لدى المصريين القدماء فى تزيين تمثال حتحور بملابس طقسية ومصوغات متنوعة وقلادة ذهب، لتدفن أسفل الممرات السرية المقدسة فى معبد دندرة فى اليوم التالي، ويحرص الفراعنة فى صباح اليوم الأول من السنة الجديدة على تبادل قارورات المياه المستديرة التى ترمز إلى الحياة.      

الهريم الذهبي

الهريم  الذهبي الجزء الذي يمثل قمة الهرم , ولهذا الهريم اهمية خاصة , وهي ان وضع هذا الهريم فوق الهرم , يعتبر الاعلان الرسمي عن الانتهاء الفعلي من بناء الهرم .

وهذا الهريم كان في اغلب الاوقات منقوشا , ومغطي بالذهب او الفضة وأكد ذلك ,العثور علي نقش في ممنطقة "ابو صير" يذكر ان هذه الهريمات كانت مكسوة بمعدن الالكتروم وهو المزيج الطبيعي بين الذهب والفضة , وهذا الكساء كان ينقش باسماء المعبودات الكبري بجانب اسم الملك والقابه .

ويبلغ ارتفاع هذا الهريم حوالي متر وطول ضلع قاعدة 1,56م , وعلي هذا الهريم نقشت هذه الكلمات عليه (ليفتح وجه الملك ليري اله الآفاق "حورآخت" عندما يعبر السماء , وعسي الاله ان يعلن الملك ربا للخلود وعدم الفناء ويجيب "حورآخت" أنه قد أعطي الملك أفقا حميلا ) وعثر علي هريم اخر بمنطقة سقارة علي احد جوانبه خرطوش منقوش بداخله اسم الملك "وسر كارع" وآخر بمنطقة فاقوس بالقرب من الدلتا عام 1911 يبلغ ارتفاعه 52سم.

ومن المعروف ان هذه الهريمات لم تكن تستخدم فوق قمة الاهرام فحسب بل انتقلت الي المسلات حيث تم وضعها علي قمة المسلات ,وكانت فرصة سانحة للصوص الاثار ان ينقضوا علي هذه الهريمات لسهولة خلعها لما لها من قيمة اثرية وفنية ومادية.

وخلال عام 1999 حاولت مؤسسة البحث والتنوير الامريكية بالاتفاق مع وزارة الثقافة استعدادا للالفية الثالثة ان تضع هريم صنع من النحاس والذهب فوق قمة الهرم الكبير عند منتصف ليلة 31 ديسمبر 1999 لكن    خشوا  علماء الاثار بمصران يلحق بالهرم  ان تغييرا  يحدث في طبيعة الهرم  الاثرية ,بعد بناء اضافات حديثة ,وزعم البعض انه يمثل الماسونية ,الامر الذي ادي الي تراجع وزير الثقافة  عن وضع الهريم , وخابت آمال المؤسسة الامريكية . 

يا أيها الفرح زرنا مرة في السنة حرام تنسانا بالمرة/ ابراهيم مشارة


كذلك غنت السيدة فيروز وهي تقصد  أحبابها ومعارفها وقد خافت من نسيانها والمثل

 يقول :بعيد عن العين بعيد عن القلب ومن ينسى جارة القمر وقد احتفل ملايين العرب بعيد ميلادها فلتطب السيدة نفسا فهم سيذكرونها حتى بعد موتها وسيزورون ضريحها.

 إنما أعني الفرح الذي غاب عن قلوبنا والطبيعة لا تحب الفراغ كما قال حكيم الإغريق وقد استوطنها الحزن  وكيف لا يسكنها الحزن وأوطاننا نهب للضياع وزماننا ترابي بخس  وساعاتنا أكلها صديد الفراغ ،بلداننا غنيمة للأقوياء والسلاح الذي وضعه العالم متأسيا بعبارة هيمنغواي "وداعا أيها السلاح" رفعناه نحن في وجوه بعضنا البعض : دماء وأشلاء، وأرامل ونازحون وغرقى  وجياع حتى صار العالم لا يتفرج إلا على المأساة العربية شيعة وسنة يقتتلون وأنت  من شيعة هذا أو من عدو ذاك ووهابية وصوفية وأشاعرة  وسلفية وإخوان يتبادلون السباب والشتم والهجاء الذي تركه العالم لأنه ينمي ثقافة الحقد والكراهية تبنيناه نحن وفاء لنقائض جرير والفرزدق وكأننا كنا ننتظر ثورة التقانة  لنظهر مهاراتنا في السب والشتم والنيل من الآخر حتى الطبيعة غضبت علينا وحرمتنا من الفرح بعواصفها الهوجاء وأمطارها الغزار وثلجها النقي الناصع الذي كان يبارك سطوح منازلنا وأغصان أشجارنا غاب هو الآخر وآلى على نفسه أن لا يعود .

زمان الوصل بالأندلس كنا نعيش متعة كل فصل وكانت القلوب على الود مجتمعة فالعالم العربي شيعته وسنته لا يعرفون إحنا ولا عداوات وأقباط مصر يصومون رمضان تضامنا مع المسلمين إحساسا بالمواطنة واليوم يطلع علينا من يقول إنهم ذميون من الواجب أن يدفعوا الجزية وهم مواطنون من الدرجة الثانية  ونساطرة ويعاقبة وصابئة العراق يعيشون جنبا إلى جنب مع سنة العراق وشيعته في انسجام وتسامح وتناغم ويخوضون في شؤون الفكر والثقافة ويبدعون ولست في حاجة إلى ذكر الأسماء ولن أتعرض إلى نكد السياسة وقمعها للحريات فذاك حديث آخر إنما أتحدث عن واقع اجتماعي لا سبيل إلى إنكاره واليوم شيعة العراق وسنته في احتراب  وصابئة العراق ونساطرته ويعاقبته في هجرة إلى أصقاع العالم حفاظا على الحياة ويبدو أن تموز وأدونيس وعشتار  وقدموس قد هزمتهم عرافة السياب :

وفي غرفات عشتار

تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار

ونحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار

لنسأل عن هداياها

جياع نحن وا أسفاه ، فارغتان كفاها

وقاسيتان عيناها

باردتان كالذهب

مطر…

مطر…

مطر

زمان كان المسلم يقدم التهنئة للمسيحي بعيده  وكذا يفعل المسيحي وهو يقدم تهانيه بأعياد المسلم هل تعلمون أن مارون عبود الماروني اللبناني سمى ولديه محمدا وفاطمة فلما سئل عن سبب ذلك قال سميت ولدي محمدا نكالا في أبي الذي سماني مارون وأن الأخطل الصغير الماروني بشارة عبد الله الخوري رثى سعد زغلول المسلم فقال:

لطف المسيح مذاب في حناجره **وعزم أحمد في جنبيه يحتدم

صلى عليه النصارى في كنائسهم** والمسلمون سعوا للقبر واستلموا

وأن أحمد شوقي بارك تحويل كنيسة إلى مسجد وكانت هدية من النصارى فقال:

كنيسة صارت إلى مسجد** هدية السيد للسيد

ولم تثن مسيحية الشاعر القروي رشيد سليم الخوري من الانتصار لمبدأ قرآني: 

أحبوا بعضكم بعضا وعظنا** بها ذئب فما نجت قطيعا

إذا حاولت رفع الضيم فاضرب** بسيف محمد واهجر يسوعا

بل هنأ المسلمين بعيد الفطر أو بعيد الأضحى فقال:

أكرم هذا العيد تكريم شاعر** يتيه بآيات النبي المعظم

ولكنني أصبو إلى عيد أمة** محررة الأعناق من رق الأعجمي

إلى علم من نسج عيسى وأحمد** وآمنة في ظل أخته مريم

وكان الشاعر شفيق المعلوف المسيحي لا يذكر عيسى إلا ذكر محمدا:

يا صاحب الملك الذي لا ينتهي** أبدا وسدته الملا والسرمد

فالشعر في إنجيلنا **والشاعران المسيح وأحمد

وهولا يقصد من الشعر هنا إلا التسامح والرقة والعاطفة النبيلة.

ولم تنس البرازيل الشاعر إلياس فرحات المسيحي حب العرب جميعا والذود عن حماهم لما قال:

إنا وإن تكن الشآم ديارنا **فقلوبنا للعرب بالإجمال

نهوى العراق ورافديه وما على ** أرض الجزيرة من حصا ورمال

بنا ومازلنا نشاطر أهلها **مر الأسى وحلاوة الآمال

واليوم تجد من العرب من يتآمر على بلد عربي آخر ويسعى في خرابه.

كان مكرم عبيد السياسي المصري يحفظ  القرآن الكريم ولا تعرف أنه مسيحي إذا جالسته إلا إذا قال لك أنه مسيحي وقد سئل مرة عن سر فصاحته فأرجعها إلى حفظه للقرآن الكريم

كم عدد العرب الذين يعرفون أن وديع الصافي مسيحي وأن ليلى مراد يهودية وأن أسمهان درزية علوية وأن أمين الريحاني وأحمد فارس الشذياق تحولا إلى الإسلام بغير عناء ولا إقصاء وأن إدوارد سعيد الفلسطيني المولد الأمريكي الجنسية  مؤلف كتاب الاستشراق كان يضيق باسم إدوارد واليوم ترى من يستنطقك عن دينك ومذهبك وطائفتك  استنطاقا بوليسيا بل يطالبك بإثبات حسن السلوك وشهادة حسن النية ويشن عليك حراب عبسية ذبيانية إذا خالفته في المذهب والطائفة كأن الدنيا لا تسعه إلا هو وأن الحق ليس إلا في جرابه وها نحن ندخل القرن الجديد والعلماء الحقيقيون يهاجرون إلى الغرب بعد أن كان العالم العربي يحلم ويسعى إلى ثورة علمية وتنويرية تصل الحاضر المؤمل بالماضي العلمي الزاهر الذي دشنه الرازي والكندي وجابر بن حيان وابن سينا والبيروني وغيره.

واليوم نعيش ثورة علمية ولكنها ثورة الكلام الذي يجيده طراز من الناس يثرثرون على القنوات التلفزيونية ويضحكون على ذقون مجتمع عربي غارق في الأمية الثقافية لا يصنع مسمارا ولو اجتمع له ضعف الصانع والمصنوع ولكنهم ماهرون في سب بعضهم البعض والنيل من بعضهم البعض  ولم يفهموا لفرط عبقريتهم أن الضوء الأبيض سبعة ألوان تمازجت وتناغمت فشكلت هذا الشلال الدافق من البلورية والنقاء والصفاء الذي ندعوه بالضوء ،لم يفهموا عن الخالق حكمته.

يا أيها الثلج الذي كنت تأتينا حاملا تباشير الخصب والنماء فتبارك قرميد منازلنا وتحتضن شرفات منازلنا وتعانق الأرض المستعدة للحب والوصال وقبلات الشوق والهيام فتحبل الأرض لتلد في الربيع الجديان والخرفان وأزهار النرجس والعشب الأخضر ويبتسم القمر الفضي في عليائه الشاهد  على هذه المودة والشبق.

يا أيها الفرح  عمر قلوبنا الخربة فقد استوطنتها غربان الطائفية ونسور المذهبية  زرنا في السنة مرة حرا م تنسانا بالمرة ويا أيها الثلج  قسمتك ضيزى تهاجر إلى بلاد البرد والخصب وتذر ضرع عنزتنا جافة وأرضنا غبراء مجدبة وليالينا مجدبة من حكايات أمهاتنا على نار الحطب ومداخن بيوتنا فاغرة فاها متعجبة من سر هذا الجفاء زرنا هذه السنة  حرام تنسانا بالمرة

يا أيها العرب تعالوا عن مذهبياتكم وعصبياتكم وطائفياتكم كغيركم من شعوب العالم يملأ الثلج أنهاركم  ماء فراتا  وحقولكم بيادر ووجوهكم بسمة وقلوبكم محبة

هنيئا بالعام الجديد وعلى التسامح نلتقي

إلى العَامِ الجَدِيد/ حاتم جوعيه

 ( " بمناسبةِ  عيد  رأس السَّنةِ  الميلاديَّةِ   ")  
  
أيُّهَا   العامُ  الجَديدْ 
أيُّ   بُشْرَى ... أيُّ  خير ٍ وَحُبُور ٍ وَهَناءْ
تحملُ الأنسامُ  من ندٍّ  ومن نفح ِ عبير ٍ وشَذاءْ  
أيقظِ  الآمالَ   فينا  والرَّجاءْ  
أيُّها   العامُ   الجديدْ  
أعطِنا  حُبًّا  ودِفئا ً  وَسُكونا ً  وسَلامَا   
وحَنانا ً  وَوئامَا  
كيْ   نُعِيدْ    // 
بسمة َ الأطفال ِ للكونِ  الوَطِيدْ 
فعلى وقع ِ خطاكْ // يرقصُ القلبُ التياعًا وهيامَا 
لنغنِّ   فجْرَنا  المَنَنشُودَ   دومًا  ولِنزدَدْ   التِحَامَا  
أعطِنا  حُبًّا   لنجتازَ  الوهادَ  المُدْلهِمَّهْ 
نرسُمُ الأحلامَ ... ُنعلِي راية َالأمجادِ في ذروةِ  قِمَّهْ 
فلنحَلّقْ  ما  وراءَ  المُنتهى  واللاوُجُود
ولنُحَرِّرْ روحَنا من عتمةِ  السِّجنِ  وأعباءِ القيودْ  
فلنُوَدِّعْ  عامَنا الماضي  ونخطوُ  لِلقائِكْ  
قادِمٌ  أنتَ  إلينا ... ألفُ  مَرْحًى  لعِناقِكْ  
فعلى أعتابِكَ الوَسْنى شغافُ القلبِ تصبُو لِضِيَائِكْ   
ما الذي تحملهُ من فرح ِ الدنيا وألحانِ السَّعادهْ 
أيُّها المجهولُ فينا لكَ دومًا في حنايا الرُّوح ِ حُبٌّ وعبادَهْ  
هلْ  يعمُّ  السِّلمُ ... يخطو في  رُبَى الشَّرق ِ  الحبيبْ  
تشرقُ الشَّمسُ علينا ... يتهادى النورُ تيهًا ، بعدَ أن حَلَّ المَغيبْ  
سنغنِّي  للسَّلامْ  //  كلَّ  إطلالةِ   صُبْح ٍ  ومساءْ  
إنَّ فجرَ السِّلمِ  يأتي ... سوفَ  يأتي  ،  والضياءْ 
يغمرُ  الدنيا  وأركانَ  الفضاءْ  
 تبسمُ الزهارُ والأطيارُ والأقمارُ ... تزدادُ  سَناءْ  
ندفنُ  الآهاتِ   والحُزنَ   وأهوالَ  الشَّقاءْ 
فلنُغنِّ ولنصَلِّ  مع  خُطى العامِ  الجديدْ 
ولنوَدِّعْ عالمَ الماضي  وأطيافَ الشَّجَنْ    
إنّما  الهمُّ سرابٌ سوفَ يمضي  وَيُولِّي  ...                                                                                          
... يتلاشَى   في   متاهاتِ    الزَّمَنْ  
أترعُوا  الكأسَ   فهذا  اليومُ   عيدْ   //
أيُّ عيدٍ //  إيُّ  بُشرَى  //  إنَّهُ  أروعُ  عيدْ 
واشربُوها ، في سُمُوِّ الروح ِ ، مع عذبِ الأغاني والنشيدْ 
فلنعَلِّ  رايةَ َ الحبِّ  الوَطِيدَهْ  
ولنغنِّ فرحة َ العيدِ  السَّعيدَهْ 
أيُّها   العامُ  الجديدْ  
أيُّ   بُشْرَى  ... أيُّ   حُبٍّ  وحُبور ٍ   وَهَناءْ 
تحملُ الأنسامُ من َندٍّ ومن نفح ِ عبيرٍ وشَذاءْ  
أيقظِ  الآمالَ  فينا  والرَّجَاءْ      
أيُّهَا  العامُ  الحديدْ
أيُّها  العامُ  الجديدْ

كيف تكتب رواية جيدة/ إبراهيم أمين مؤمن

عند كتابة رواية لابد من :
أولاً إيجاد الفكرة : وهذا الأمر وإن كان قلب الرواية فإنه لا يمثل صعوبة في إيجادها بالنسبة للروائي الهاوي ويشاركه في هذا الشأن بالطبع الروائي المحترف .
ثانيًا عناصر الفكرة : وضع العناصر قد يستغرق شهورًا ، وهي  تتكون من عدة تحديدات مثل الأزمنة والأماكن والشخصيات الرئيسة وأسمائها ، والأهم تحديد طبيعة الموضوعات التي سوف يعدها الروائي لدراسة رواياته ، واعلم أن الروائي المحترف قد تكون هذه الموضوعات مسجلة لديه من قبل فلن يتجشم كثيراً في إعدادها أو البحث عنها .
مثل : تريد أن تكتب رواية عن الفضاء .
إذن عليك بدراسة السفن الفضائية ونظريات آينشتاين للجاذبية والكواكب والنجوم والتلسكوبات و … إلخ .
ربما يقول كاتب ..أنا أحدد العنصر وبعدها أدرس .. أقول له  الطريق هذا خاطئ لأن البدء بالدراسة سيوسع أفقك في اختيار الفكرة جيدًا وتحديد عناصر حيوية بنّاءة .
وثالثًا باطن العناصر :  بعد تحديد الفكرة ودراسة المراجع الخاصة بها عليك بتحديد مجموعة من الوقائع والأحداث تتاسب والفكرة العامة ، واعلم أنه كلما استطعت إيصال الفكرة للقارئ بكلام موجز سيكون أفضل ولا ريب من البسط وإن كانت الفكرة جميلة وأخاذة .
واعلم  أن أي واقعة ستذكرها لا ترتبط بالفكرة ستضعف الرواية ، وإن أي كلام يصدر من الشخصيات لا يعبر عن طبيعتهم يسقط الرواية فورًا .
فمثلاً .. أحيانًا يريد الروائي جذب القارئ بذكر مشهد مضاجعة ..
أقول له عندها .. ما المناسبة من ذكر هذه الواقعة ، هل الرواية تتكلم عن الدعارة مثلاً ، هل أحد شخصيتي المشهد شره جنسيًا وهذه الشراهة سوف تتداخل في أحداث الرواية ، هل صراخ الأنثى أو الفتاة عند المضاجعة له دور في إبراز عنصر ما لبناء الرواية.
4- رابعًا الأسلوب … لابد أن يكون كالأتي 
-سلساً ومعبراً ..بحيث لا يجد القارئ صعوبة في فهم  كلام الرواية ، ومعبرًا عن المضمون بأقل الكلمات .
-وخالٍ من الركاكة ..وهذه تمثل معضلة كبيرة جدًا للروائي ، إذ أنه يجب عليه عدم تكرار اللفظ في الجملة ، كذلك  لابد من انتقاء الألفاظ المعبرة عن مراده فقط ولا تعبر عن مراد آخر غير الذي يقصده ، واعلم أن الجملة كلما قصرت وعبرت عن المضمون فهي خالية تمامًا من الركاكة .
-الضبط اللغوي.. كذلك لابد أن تكون منضبطة لغوياً لأن النص الملآن بالأخطاء اللغوية والنحوية يُذهب بنكهة الرواية كلها وإن كانت متفردة في جمال الفكرة وانتقاء العناصر المترابطة .
خامساً السرد : وهذه  تمثل ثقافة الكاتب وقدرته عن التعبير ، طبعاً الروائيون متفاوتون في طريقة التعبير كما الشعراء بالضبط ، إن السرد هو كيان الرواية وقلبها ولذلك كلما كان السرد أجمل وأقوى كلما ارتقت الرواية إلى الدرجات العلى ، واعلم أن السرد فيه أيضاً درجة إبداع الكاتب وقدرته على سياقة الرواية بأسلوب جمالي إبداعي حتى لو كانت من روايات الخيال العلمي .
سادساً  المراجعة ..
والغرض الأساسي منها هو جعل كل من فكرة الرواية وعناصرها ووقائعها وأحداثها وطبيعة شخصياتها متناغمة تماماً تماماً بحيث لا يشذ حدث عن مضمون الفكرة أو تتكلم إحدى شخصيات الرواية بكلام لا يتناغم مع طبيعتها .
كذلك لابد من عمل جدول خارجي يحدد فيه الروائي طبيعة الشخصية وزمن الحدث ومكانه أثناء سرده وربطه بالسابق واللاحق حتى  تتناغم الأحداث وتأتي مرتبة .
والمراجعة كثيرًا ما يتم فيها حذف جمل وإحلال أخرى مكانها ، كذلك يتم إضافة وقائع وحذف أخرى ، وأيضا حذف بعض الكلمات في بعض المواضع وإضافة أخرى في مواضع أخري أيضاً ، واعلم أن المراجعة قد  تستغرق وقتًا أطول إذا قورن بالوقت الذي استغرقته من قبل في سرد الرواية ، وانتبه أخي الروائي لهذا الأمر وهو أنه كلما أكثرت من مراجعة رواياتك كلما حلت وكملت .
وأخيرًا أرجو التوفيق للجميع .                      


الرسالة الممنوع إراؤها للغرباء: ماذا فكّر حقًّا فرويد عن الصهيونية/ ترجمة حسيب شحادة

غير متوقّع: تحذير سپويلر: أبو التحليل النفسي، لم يكن في عِداد كبار مؤيّدي فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين (في الأصل: أرض إسرائيل). بقلم ران أورنيم، ٢٣ أيلول ٢٠١٩.
حسنًا، يتّضح أن سيجموند فرويد لم يكُن نصيرًا للحُلم الصهيوني.
في الواقع، الطبيب الجيّد، عارض بشدّة إقامة دولة يهودية في فلسطين، ولم يتردّد البتّة في التعبير عن تحفظّه من هذه الفكرة؛ وقد قام بذلك بنحو بليغ وبشكل حادّ بما فيه الكفاية، في رسالة بعثها لرئيس مؤسّسة كيرن هيسّود في ڤيينا عام ١٩٣٠.

دعونا نعود لحظة إلى الوراء. 

بدأت الأعمال العدائية ذاتَ يوم حارّ، في منتصف شهر آب سنة ١٩٢٩. لقد وصل الصراع الطويل بين العرب واليهود في فلسطين، حول مسألة ملكية منطقة البراق (حائط المبكى/ الحائط الغربي بالعبرية) والوصول إليه، إلى نقطة الغليان رسميا. في يوم الجمعة  الموافق لـ ١٦ آب ١٩٢٩، اقتحمت جموع عربية، ألهبها المجلس الإسلامي الأعلى، منطقةَ البراق، وطردت مصلّين يهودًا، وحرقت نُسخًا من التوراة وغيرها من الكتب المقدّسة. كان الحدث بمثابة إشارة افتتاحية لموجة من العنف ٱجتاحت البلاد، وفي غضون أسبوع واحد فقط، أودت أعمال الشغب الفلسطينية التي وقعت عام ١٩٢٩، بحياة أكثرَ من ١٣٠ يهوديًا، وجرحت مئات آخرين في سلسلة من الأحداث في الخليل والقدس وتل أبيب وحيفا وصفد وحولده وبئير طوبيه.

وفي عام ١٩٣٠، بعد بضعة أشهر فقط من توقّف أعمال العنف، كانت كيرين هَيسود - وهي منظّمة لجمع الأموال أسّسها الكونغرس الصهيوني، تهدف إلى مساعدة اليهود لأجل الهجرة إلى فلسطين- وهي حملة علاقات عامّة لصالح "اليشوف" - نظام الاستيطان اليهودي في فلسطين. وقد بعثت المنظّمة رسائل إلى اليهود ذوي النفوذ في جميع أنحاء العالم، تطلب منهم نشر بيانات دعم لليهود الذين يعيشون في فلسطين. رسالة كهذه، بعثها حاييم كوپلر، رئيس فرع كيرين هيسود في ڤيينا، لسيجموند فرويد، أبي التحليل النفسي، وبالصدفة كان يهوديًا أيضًا.

يبدو أنّ  فرويد تأخّر بعض الشيء في التفكير في الطلب؛ إنّه أجاب الدكتور كوپلر برسالة بعثها له في ٢٦ من شهر شباط عام ١٩٣٠، وكتبها بأسلوب رزين، فيه القليل من الانتقاد ولكنه مؤدَّب بشكل ملحوظ، حيث عرض بوضوح مواقفه إزاء الصهيونية والاستيطان اليهودي في فلسطين.

لم يكتفِ فرويد برفض طلب نشر بيان دعم عامّ، لكنّه أوضح جيدًا أيضًا، أنّ مِحنة يهود اليشوڤ (أي اليهود في فلسطين قبل ١٩٤٨) لم توقظ عنده، دعونا نقول، تأييدا.

كتب فرويد قائلاً: "لا يُمكنني أن أُلبّي طلبك. على أي شخص ينوي التأثير على الجماهير، أن يمنحهم شيئًا مثيرًا حماسيًا محرِّضا، وموقفي الواقعي العقلاني بخصوص الصهيونية لا يُتيح لي ذلك“.

شرح فرويد أنّه، على الرغم من تعاطفه مع الأهداف الصهيونية في إقامة وطن لليهود، وعلى الرغم من الفخر الذي شعر به بتأسيس جامعة في القدس، إلا أنّه لا يفهم الحركة الصهيونية. لقد كان يعتقد أنّه لن تقوم دولة لليهود في فلسطين - وهذا الموقف، كما افترض، غير شعبي.

لا أعتقد أن فلسطين (في الأصل: پلشتينه) يمكن أن تُصبح ذات يوم دولة يهودية، أو أنّ العالمين المسيحي والإسلامي سيكونان يومًا ما مستعديْن لتسليم  أماكنهم المقدّسة لرعاية اليهود. أعتقد أنّ إقامة وطن لليهود في منطقة ترزح/تئن تحت عبء التاريخ بمقدار أقلّ كانت أكثر حكمة. ولكنّني أعلم أنّ مثل هذه النظرة المنطقية لا يُمكنها أبدًا تحميس الجماهير وكسب دعم الأغنياء المالي".

فيما يتعلّق بالتعبير عن تأييد الروّاد العبريين الذين عانوا من الأحداث، أحسّ فرويد أن "تعصّب رجالنا، الذي لا أساس له، مسؤول إلى حدّ ما، عن عدم الثقة التي سادت أوساط العرب. إنّ قلبي لا يتعاطف أبدًا مع  الالتصاق  الخاطئ، الذي يحوّل قطعةً  من جدار هيرودس [٧٣ ق.م. -٤ ق.م] إلى بقايا مقدّسة وطنية وهكذا تجرح شعور أبناء المكان".

أنهى فرويد رسالته بنفس المدى من التعاطف الذي بدأها به. الآن، قرِّر بنفسك في ما إذا كنتُ، بالنظر إلى وجهة نظري النقدية للغاية، أكون أنا الشخص المناسب للتطوّع في أن أكون مصدرَ عزاء وتشجيع  لأشخاص ضُللوا وراء أمل غير مبرّر".

قرأ الدكتور كوپلر رسالة فرويد وفوجئ بمضمونها؛ خطّ/خربش بقلم رصاص في الزاوية العليا من الرسالة:  "ممنوع كشفه/إراؤه للغرباء!" وحقًّا، لم تر الرسالة النور إلا بعد٦٠ عامًا.

عندما تناهى خبر الرسالة لمسامعه، طلب أبراهام شْڤَدْرون [د. أبراهام أ. شارون/شْڤَدْرون، ١٨٧٨-١٩٥٧] - ذو  مجموعة المخطوطات الكبيرة المحفوظة في المكتبة الوطنية - من الدكتور كوپلر، إرسال المراسلة له ليضمّها لأرشيف المكتبة. وافق الدكتور كوپلر على إرسال الرسالة إليه للاطلاع عليها، لكنّه طلب منه إعادتها إليه - لأنّه إذا حُفظت الرسالة في المكتبة الوطنية، فإنّ محتواها يقينًا سيتسرّب إلى الفضاء العامّ.

"قد تكون رسالة فرويد حقيقية ودافئة، لكنّها لا تنفع أهدافنا"، كتب الدكتور كوپلر في نيسان عام ١٩٣٠ ردًا على شڤدرون. "حتى لو لم أتمكّن من مساعدة الكيرن كيمت في هذا الوقت، فإنّني أعتبر نفسي ملزمًا بعدم إلحاق الضرر بها".

يقال إنّه عند استعراض الأحداث الماضية تبدو كاملة، وباسم الإخلاص، على المرء أن يعترف بأن يهودًا آخرين من أوروبا الغربية عبّروا عن آراء مماثلة لتلك التي عبّر عنها فرويد. وهذا الأخير، بالطبع، لم يكن من الممكن أن يتنبّأ أبدًا بالفظائع التي كانت ستحلّ بالجالية اليهودية في أوروبا أثناء صعود الحزب النازي واندلاع المحرقة/الهولوكوست. إنّه لم يكن يعلم قطّ أي دور مهمّ كان لأولائك الروّاد/الطلائع في إقامة دولة إسرائيل. قد تكون وجهات نظره "غير شعبية"، لكنّه كان بالتأكيد قد وضع إصبعه على القضايا التي لا تزال تؤثّر على المجتمع الإسرائيلي اليوم.


أنا امرأةٌ ولي الفخر بذلكَ/ ريتا شرفان

أنتَ يا من رأى في حريتي وخروجي الى الشارع فسقاً ولا شرف وخروجاً عن التقاليد،
أقولُ لكَ من انتَ ومن أعطاكَ الحق لتقيّمني؟
أنا امرأةٌ ولي الفخر بذلكَ
أنا امرأةٌ ولدتكَ الى الحياةِ أمٌّ.. تُقبّل يديّها
وأختٌ.. تَبكي على كتفيّها
وزوجةٌ... تَنظرُ الى المستقبل بأمَلٍ من خلال عينيها
أنا امرأةٌ أنثى .. والحياة هي أنثى
والموت .. ذكر.
أنا امرأةٌ أنثى، والكرامة التي أنتَ تتغنى بها .. أنثى
أنا امرأة أنثى، والرجولة التي أنتَ تفتخر بها .. أنثى
الأبجدية أنثى، تَكتُب بحروفها أفكارك .. والفكرة أنثى
أنا يا صديقي نصفك والنصف يكون موازنًا لكَ،
وإلّا كنتَ أعرجًا..
فيا صديقي نظرتُك لي تفضح ما في داخلكَ من تقييم لشخصِكَ،
وما فيكَ من غباء لشخص الإمرأة.
أنا امرأةٌ أنثى ولي كل الفخر بذلك
أنا امرأةٌ أنثى 
والحرية أنثى
والثورة أنثى..
حريتي، شرفي _ خط أحمر
**

إن أهدتني الحياة عامًا جديدًا/ الأب يوسف جزراوي

عامٌ آخرٌ يدقُّ طبول الرحيل
ليطوي آخر أيامه ويتكوَّر
مثل كرةِ ثلجٍ
تتدحرجُ  على جليدِ الوجود
فيصعب الإمساك به
ليدخل غَيَاهب النسيان
كغيرهِ من الأعوام 
....
في شتاءٍ  هولنديٍّ قارصٍ
تضيقُ به الأنفاس 
تثاءبت الشمس  الباردة
فَزَّينَ الشفقُ الأحمر البحر
مُلوّحًا لقَوَارِبِ الصيد الرَاكنة
ليتركها تُقاسي وحيدة 
في جُّبِّ ليلٍِ أهيم؛
بينما النوارس المُبتَهَجة 
أَجَلَتْ طقوس العَنَاق
حتّى تمرّ السفن الأنيقة وتَعَبر
لتعاود الإنتِشاء والتلصّص
 على الشمسِ وهي تودَّعُ القمر 
بإِبتسامةٍ مَاجِنةٍ
كما فعلَ معها
في مُسْتَهَلِّ الصباح!
.....
القمرُ توسَّطَ السَّمِاء
لكنه  لا يضيء
كفانوسٍ مطفأ في العتمةِ
 والمدُّ يعلو وسط الظلام
ليغسل رَّمْل السَواحِل 
من خطواتِ العابرين وذكرياتهم
فهل يفعلوها ويخطّوا
 أمنيات عامهم الجديد
على الرَّمْالِ أيضًا؟!
....
طَائِر السنونو بعث الدفء
بوصلةِ غناءٍ
 لّحَقت به حمامة الزَاجَل
فشَدّا الرحال إلى وطنٍ
ملأَ السمع وشغلَ الأبصار 
وكَم تمنيتُ لو حلّقَ
معهما قلبي وطار 
لكن أسراب الطُيُور
 غيّرت وجهتها 
إثر سماعها سَعَال أمنية قديمة 
 قد تبدو صعبة المنال
 وغريبة الأطوار !!
.....
الوحشةُ بدأت تتراقصُ في المكان
حينَ قلتُ للبحر:
أُحُبّها تلك البلاد
وأعشقُ عاصمتها
المَزْكُومة برائحةِ الرماد
 فما أجملها من بلاد
لو لم نكن " الراء"
بين "الحاء" و "الباء"!
بلى والله ما أحلاها 
لو لم تكن دمعة 
 في مآقي الفؤاد
فبين حُبّها وحَرْبها
كُنَّا أضحيةً  وقرابينَ
 نعَتنا صَلاة الجمعة
 وقدّاديس الآحاد! 
....
استنشقتُ شهيقًا عميقًا
ولم يَنْفَذ أريج البحر
إلى رئتي المليئة
 بالتبوغِ المُتَرَسِّبةِ
فعاتبني الحوت: 
وما ذنب البحار
إذا مَزْكُوم الفرات
لم يشمّ أريجها؟
تجاهلتهُ وسَرَتُ سارحًا 
بصمتٍ وسَّكينة
فالصّمتُ نورٌ وبنورهِ
 تستنير الصّلاة
 التأمّلات والحياة
الأحاديث والأفعال.
.....
مشيتُ على السَواحِلِ النَّديّة
اتتبّعُ خُطاي
واقتَفي أثري 
على خريطةِ الليل
 أنصَتُ لموسيقى الأمواج  
وكأنها معزوفة كمان
فأصوات تلك الأمواج
 غَرَست الأمل  في روحي
لاسرقُ النظر 
تارةً إلى الصخور 
وما التصق بها
من قواقعِ ومَحَار
وتارةً أخرى 
أرمقُ نفسي بنظرةٍ
لأجوسُ بها  ملامح ظلّي
وأمعنُ النَّظَر
 في مرآة الليل
إلى عينيَّ المُحمَرّة
عَليَّ أتذكر 
أين رأيت هذا الوجه اللمّاح!
.....
هبّت الرّيحُ
فتَشَابكَت أغصان الشَّجر
واندفعت الأمواج وارتفعت
فنفَذَ أريج البحر
إلى أنفي هذه المرّة
لتغتسل الرَّمال
من آثار خُطاي!!
.....
سمعتُ خطى الشرود
تنسحبُ الواحدة تلو الأخرى 
من شوارع ذهني
فقلتُ لنفسي:
أنا أعرفُ
 ذلك المغترب البغدادي
الذي طالت به 
مسافات النَّوَى واتَّسعت
وأعرفُ ذلك الرَّجُل 
الذي تتبّعت خُطى صَلوَاته
 وتعقَّبتُ أثر ترحاله وأحلامه 
وأكادُ أعدُّ عليه أنفاسه
منذ أربعين عامًا.
أوَليس هو نورسٌ حلّقَ 
 في كلِّ البلدان
ليجدَ بحرًا 
يحطُّ به الرحال
ولكلِّ بحرٍ قال:
يومًا سأعود لشواطئ دجلة
لاصلّي على ضفاف الفرات
وأراقّصُ شُمُوس بغداد 
حتّى آخرِ ومضة؟.
ولكَن كَم
 من يومٍ مضى وأتى
وكَم جاءت بعده أيام
ليعلّق على جدران السَواحِل
 كَوَابِيسًا إِنْتحَلَت صفة الأحلام!!
.....
 قبل أن يلتقي 
عقربا الساعة ويتعانقا
بوداعِ عامٍ واِستقبال آخر
سأعتبر الغربة  عابر سبيل!
بيد أنّ 
على طاولةِ العمرِ
كَؤوسًا كثيرة 
ذقتُ بها لوعة الاغتراب
حتّى الثُّمالَةِ والسَّكَرِ
 لكنّي في هذا العام
 سأبتسمُ مرّةٍ أُخرى 
بوجه حزني الشاهد عَليَّ
فلستُ العراقي الوحيد
الذي لسعته الغربة
ولا أجمل
من أن تتركَ في دَرْوبِ الحياة
صدى ابتسامتكَ
وآثار خطاكَ!
....
في محطاتٍ بِلا قطار
وقفتُ على رصيفِ الانتظار
أرقَبُ حلمًا تناستهُ الأعوام
لكنّني لن أُطيلُ البقاء 
 على قَيْدِ الانتظار 
 بل سأكون كعّداءٍ  
يركضُ على الجمرِ
أو كحصانٍ يسابق نفسه
في طرقاتٍ
 لا نقطة وصول إليها
لاطارد حلم الوصول للديار
فالوطن دَرْبهُ طويل 
وعمري على ما يبدو
 سنواته قصار!
....
سنة ستمضي بِلا رجعة
وسنة أخرى ستأتي 
بشتى الأحزان والأفراح
 دفعة تلو الدفعة
آمل أن يتلاشى فيها
عدد الموتى في الأضّرِحة 
وتنعَّم القُلُوب بالراحة
والعقول بالرجاحة
فيغدو السلام غِنْوةً صدّاحةً
وأن يكون للفرحة فُسْحَة 
وأن ينسج الله لجميعنا
ثوب صحة لا يبلى.
ولأننا كبشر تعودنا
أن نبني الكثير من الجدران
وقليل من الجسور
آمل أن نُقَلّم أحكامنا
ونُشّذَب أحادّيثنا
لتعمّ الفائدة وتسود المُتعة
لتحلّ المصافحة
 وتتفشى لغة المُسامحة والمُصالحة
فنعطّر حياتنا 
برائحةِ  المحبة الفَوّاحة؛
إذ نظرتنا للحياة
تنبع من عمق ونوعية اكتشافنا لها
لذا كنتُ ومازلتُ من المؤمنين
بإنَّ الحياة جميلة  وتستحق العناق 
وأن نأخذها بالأحضان
رغم مفأجاتها اللافحة
 وخسائرنا الفادحة!
....
سنةٌ جديدةٌ أُخرى
 تُضاف إلى عدادِ العمر
نرجو أن تزيلَ 
من أرواحنا التَجَاعِيد
ومن قَلوبنا الهالات السوداء
فهنالكَ بشر يحتاجون
إلى عمليات تجميل داخليّة
مثل تكبير القلب
توسيع العقل
شفط الحقد
تنظيف الضمير
إستِصَال الكذب
بَتْر النفاق
تنَّحِيف الخداع
نفخ الصدق 
تكسير خلايا الشرّ
ريحيم للسان
الحقن بالروحانيّات
زرع الروح بالعفة
ووغرسها بإنسانيّة الوفاء 
ليطلّوا على الآخرين 
من شُرْفةِ الحياة
بِلا تَصَنّعٍ ومساحيق 
أو عمليات تجميل خارجيّة!
......
إن أهدتني الحياة
عامًا جديدًا
سأحتفلُ مع الله أوّلاً
لأشكرهُ على سنةٍ مضت 
بحلوها ومرّها
وأضعُ العام الجديد 
بين يديه
لأني آلفتُ الإتّكال عليه 
ثَمَّ أرسلُ النورس
 ليمضي مع الليلِ
إلى بلدٍ 
يولد فيه الفجر 
من رحمِ الظلمات
 فهو في كلِّ مرّةٍ 
يتركُ لي قسمًا بالعودةِ
 بغصنِ زيتون وعذقِ نخيل
من بساتين بغداد 
ولا يفعل!!
فهل سيَفَي بقَسَمهِ هذا العام ؟!
....
أخيرًا...
في آخرِ ليلةٍ
من كلِّ عام
 اعتدتُ النوم باكرًا
لأحلم بعراقٍ
خالٍ من السرّاق والظلاّم
ببلدٍ يخلو 
من المليشيات وفساد الأحزاب،
من ضجيج البرلمان 
وعَنتَريّات الحكّام
وعصابات إيران.
فهل تصَدَقُ الأمنيات
وتتحقق أحلام المنام
في مُسْتَهَلِّ هذا العام؟
قولوا معي: آمين.

امستردام

فؤاد زكريا/ فهد المضحكي

28 ديسمبر 2019

فؤاد زكريا (1927 – 2010) واحد من أهم الفلاسفة والمفكرين العرب في العصر الحديث، كتب الأكاديمي المصري أحمد سالم أن المفكر المصري زكريا حاول أن يقيم حوارًا فعالاً مع توجهات الاسلام السياسي في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وتحديد الأسباب التي أدت إلى تنامي وتصاعد حدة تواجده في تلك الفترة وفي سعيه إلى تفكيك فكرة أرجع انتشاره إلى «واقع التخلف الذي يعيشه العالم الاسلامي» وانتشار الاسلام الطقوسي الذي يهتم بالمظهر والفصل بين الرجل والمرأة، والتحريمات، والمخاوف الجنسية، بغض النظر عن المضمون السلوكي والاجتماعي الكامن وراءه.

يرى فؤاد زكريا إن ثقافة هذه الجماعات التراثية الجامدة وعجزها عن توظيف التراث بشكلٍ مستنير أدت إلى تعطيل ملكات العقل والنقد لديهم، ما جعل بعضها تسلك سلوكًا متطرفًا، استخدمت فيه العصا وقبضة اليد، أكثر مما استخدمت العقل والمنطق، وهو ما أدى إلى إثارة القلاقل في العالم العربي!.

وبالإضافة إلى ذلك يعتقد أن العنف ليس ظاهرة طارئة على هذه الجماعات المتطرفة، وإنما هو شيء ينتمي إلى تركيبها ذاته، وهو جزء لا يتجزأ من تكوينها النفسي والذهني، وهو وسيلتها الوحيدة لتحقيق أهدافها.

عندما ناقش المرتكزات – كما يوضح الكاتب في موقع حفريات – التي تقوم عليها دعوة الاسلام السياسي للجمع بين الدين والسياسة تبين أن هذه الدعوة يستند فيها الداعون إلى الجمع بين الدين والدنيا، ومن ثم بين العقيدة السياسة على مبدأ صلاحية النص الديني لكل زمان ومكان، وهذا المبدأ ذاته يولد تناقضًا أساسيًا، هو أن الدنيا متطورة والنص ثابت، والمخرج الوحيد من هذا التناقض هو الاقتصار على تأكيد الجوانب العامة فقط في النصوص الدينية، وترك التفاصيل لاجتهادات كل عصر، وفي إطار هذه الكليات العامة يظهر النص الديني في حاجة دائمة إلى البشر كي يصبح حقيقة واقعة ويطبق في مجال إنساني ملموس، وهكذا يبدو من الضروري وجود توسط بشري من نوع ما بين النص والواقع، وفي عملية التوسط تظهر التحيزات ويتجلّى مدى الصراع على ملكية حقيقة الدين.

وينظر فؤاد زكريا إلى دعوة الاسلام السياسي للجمع بين الدين والدولة، بأنها رؤية لا تاريخية تؤدي إلى اغتراب الإنسان عن الزمان والمكان الذي يعيش فيهما، فالاسلام السياسي ينظر إلى التاريخ نظرة دائرية ارتدادية، ترى أن المستقبل لا يتحقق إلا بالماضي المجيد، في حين إن النظرة التقدمية للتاريخ والزمن تركز على كون التاريخ يسير في خط مستقيم، ولهذا كان من الضروري مراعاة المستجدات التي تحدث في المجتمع، والتعايش مع هذه المستجدات بأطروحات مستقبلية، لا أطروحات ماضوية ارتدادية، ولهذا يقول: إن دعوة الاسلام السياسي للجمع بين الدين الدولة، يسود فيها نوع من الشمولية المتزمتة، التي تجمد التاريخ عند مرحلة واحدة من مراحله، وتصم آذانها عن هدير الإنجازات الباهرة، التي تتلاحق يومًا بعد يوم، في العصر الذي نعيش فيه، وتعتمد حركات الاسلام السياسي على رسم صورة للماضي، مشتقة من النصوص، دون تقديم اجتهاد حقيقي، أو برنامج عمل متكامل، تراعي فيه التطور الذي يحدث في حركة التاريخ ومصالح البشر المتغيرة في الاجتماع.

إذا كان – كما يقول الكاتب إيهاب سيد أحمد من موقع «العين الإخبارية» – إن في ذاكرة السابعة إعادة مكتبة الأسرة المصرية إصدار طبعة جديدة من كتابه المرجعي «التفكير العلمي» الذي صدر في سلسلة عالم المعرفة الكويتية للمرة الأولى عام 1978 ومنذ ذلك التاريخ لم يظهر كتاب في البلدان العربية في موضوعه استطاع أن يزاحمه او يزحزح من مكانته وقيمته الكبرى في الثقافة العربية المعاصرة، فإن ذلك يرجع إلى احتراف زكريا الفلسفة لما يزيد على نصف قرن، مفكر عقلاني من طراز فريد، وكان علمًا على مدرسة فلسفية عقلانية نقدية تعتمد النظر النقدي وفعل المساءلة في كل ما يتعرض له من مشكلات او بحوث.

عندما أصدر كتابه القيِّم «التفكير العلمي» ظل هذا الكتاب فريدًا في بابه، ولم يكتب مثله في دقة التحليل وعمق التناول وبساطة العرض، وكذلك في كتابه الآخر عن الفيلسوف «اسبنيوزا» الذي نال عنه جائزة الدولة التشجيعية في مصر عام 1962، وظل هذا رأيه في كل ما كتب من بحوث ومؤلفات، وكتب: «نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان»، و«الإنسان والحضارة» و«خطاب إلى العقل العربي» و«آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة» وغيرها من الأعمال والمؤلفات التي تشهد بأنه كان غزير المعرفة عميق التأمل يتمتع بعقلية نقدية ومنهج صارم طبقه دائمًا ومارسه باستمرار ما جعله أحد أهم المفكرين في العالم العربي.

ساهم فؤاد زكريا بجهدٍ ثقافيٍ رفيع من خلال ترؤسه لتحرير مجلتين دوريتين من أهم المجلات الفكرية والثقافية التي صدرت في القرن العشرين وهما مجلتا (الفكر المعاصر) و(تراث الإنسانية) اللتان كانتا تصدران في الستينات والسبعينات من القرن الفائت، بالاضافة إلى تأسيسه وعمله كمستشار (عالم المعرفة) الكويتية (كانت تصدر عن المجلس الوطني للفنون والآداب والعلوم) منذ يناير 1978.

كان يحذر في كتاباته من ازدواجية الفكر والوقوع في أسر الجمود والحنين إلى الماضي، وكان حريصًا على التأكيد في حواراته ولقاءاته على أهمية بناء العقول وإعادة تشكيلها، جازمًا إن ذلك لا يمكن أن يتم بقرار فوقي، بل بصناعة محيط ثقافي يسهم في خلق ثقافة تحترم العقل وحرية التفكير والإرادة الحرة، وفي رؤية فلسفية لا تخلو من المعاني العميقة، مفرقًا بين معرفة الطريق الذي سنسير فيه والطريق الذي يجب أن نتجنبه او نبتعد عنه، وعلينا أن نعرف الفرق أولاً، ثم نختار أي طريق نسلك.

ومنذ اشتغاله بالفكر والفلسفة والثقافة كانت رسالته الوحيدة بل همه الوحيد هو إحياء العقل النقدي، واستقلال فكر الإنسان وعدم خضوعه لسلطة تحد أو تمنع انطلاقه في النقد والتفكير بحرية، كان دائمًا يدعو إلى تأسيس «ثقافة مصرية وعربية» جديدة تهدف إلى تحديث المجتمع، بفهمٍ جديدٍ للواقع والتصدي لمصادرة حق النقد والتفكير والإبداع، مع تحرير العقل من التعصب وإقصاء الآخر، مع عدم الالتزام بالمسلمات والرؤية الحادة التي تحاصر الفكر والتفكير، بمقولات ثابتة وجامدة، مع التمسك بالتفكير العلمي والمعرفة والتسلح بالنظرة العلمية في الأسلوب والتخطيط والعمل، باعتبار ذلك من ضروريات النهضة الحضارية.

باختصار، ظل مشروعه الثقافي والفكري ينطلق مع أهمية احترام عقل الإنسان تحريره من كل قيود مع حقه في النقد والرفض لكل المسلمات والقوالب التي تنتقل عبر أجيال دون أي محاولات لغربلتها وفحصها والتعرف على أصولها وماهيتها.

الفريق أحمد قايد صالح شاهد على التاريخ/ سري القدوة

ان الثوار الابطال يصنعون التاريخ والرجال الرجال دائما يكونون اصحاب مواقف بطولية وصادقة وسيكتب التاريخ قصة هذا الرجل الصادق الامين الذي كنا نتلمس مدى صدقة من خلال كلماته المفعمة بالحرية وحب الجزائر والوفاء للشهداء الابطال وكانت وصيته الانتقال السلمي للسلطة والحفاظ على الوحدة والعمل ضمن روح الفريق الواحد من اجل انقاذ الجزائر والحفاظ عليها وحمايتها من أي شرور ومؤامرات التدخلات الخارجية فكان يدرك الرجل حجم المؤامرات التى تحاك ضد الجزائر وأهداف ومطامع الدول لتقسيمها وبقاء السيطرة الاستعمارية عليها فوقف بالمرصاد من اجل ايصال الجزائر الي بر الامان والدفع في اتجاه بناء الجزائر الدولة الديمقراطية الواعدة مع الحفاظ على الارث الوطني والكفاحي والتحرري للثورة الجزائرية وأهدافها الوطنية في ترسيخ الوحدة والحفاظ على التراب الجزائري من أي عدوان او استغلال .

برحيل المجاهد القائد الجزائري الكبير نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح وبهذا المصاب الجلل تفقِد الجزائر أحد رجالاتها الأبطال الذي بقي إلى آخر لحظة وفيا لمساره الزاخر بالتضحيات الجسام التي ما انقطعت منذ أن التحق في سن مبكر بصفوف جيش التحرير الوطني الذي ترعرع في أحضانه وتشرب منه جنديا فضابطا فقائدا مجاهدا عقيدة الوفاء للوطن والشعب.

إنها لفاجعة أليمة وقاسية أن تـودع الجزائر في هذا الوقت بالذات وعلى حين غرة قائدا عسكريا بمآثر وخصال الفريق أحمد قايد صالح المجاهد الذي صان الأمانة وحفظ الوديعة وأوفى بالعهد في فترة من أصعب الفترات التي اجتازتها الجزائر حيث قاد المرحلة بكل اقتدار ووطنية ومسؤولية وأمانة ووفاء للأرض الجزائر الحرة وللشهداء الأبرار حيث اخذ على عاتقة قيادة المرحلة الانتقالية للثورة مطبقا القانون بكل مسؤولية محافظا على ثورة الشباب الجزائري من الانحراف والسرقة والاختطاف وحمل الامانة بكل شرف واقتدار وكان صوت الشباب الثائر في شارع الشهيد دودوش مراد وشارع الشهيدة حسيبة بوعلى وسط العاصمة الجزائرية وعبر بصدق عن حرصه الشديد على انقاذ الجزائر من الازمات التى لحقت بها وكأنه كان على موعد مع القدر المحتوم حيث وبعد ان ادى الرسالة وتكريمه على جهوده من الرئيس الجزائري المنتخب سلم الامانة لينتقل من دار الدنيا الى دار الاخرة ولتبقي الجزائر حرة وشمسها المشرقة لن ولم تغيب .

لقد عبر بصدق عن كل انسان جزائري شريف ووقف مدافعا ومنذ البداية عن حقوق الشعب الجزائري ورفض استخدام القوة في تفريق المتظاهرين وحمى ثورة الشباب الجزائري وكرس كل اهتمامه من اجل انقاذ ثورة الشعب الثائر ونقل السلطات وإجراء انتخابات شاملة وحرية الشعب باختيار الرئيس الجديد لتكتمل المشهد ويتم نقل السلطة بطريقة سلمية ومن خلال صناديق الاقتراع ولتكون الجزائر شاهده علي هذا التاريخ الذي كتبه بإصراره وإرادته الحرة وكان معبرا عن الجميع ولسان حال ابناء الشهداء في جزائر البطولة والشرف والوفاء .

فالتاريخ سيكتب هذه المآثر الجليلة والمواقف البطولية بأحرف من ذهب على صفحات الكفاح الجزائري لتمتد حياته عبر الاجيال وتكون نبراسا للأجيال القادمة في احترام خيار الديمقراطية والعمل واستمرار التغير في اتجاه بناء الدولة الجزائرية المعبرة عن ارادة الشهداء، هي ارادة الله ان ينقذ الجزائر ويسلم الامانة ويرحل رحمه الله فارس وقائد شجاع حافظ على الجزائر في ادق الظروف ووصل بها الى بر الامان

اختيار الموت وحقيقة الوصول إلى الله: تأمُّل في تجربتين متشابهتين/ مادونا عسكر

قد يكون من غير المنطقيّ أن يحبّ الإنسان دون أن يرى مَن يحبّ. وقد يكون واهماً في ما لو ظنّ أنّه أحبّ هذا الشّخص حقّاً، دون أن يتعرّف عليه على أرض الواقع. لكن ثمّة معطيات تبدّل هذه الظّنون وتحوّلها إلى منحى آخر، خاصّة حينما يتعلّق الموضوع بحبّ الله. ذلك الّذي نراه مستحوذاً على قلوب أولئك العاشقين الهائمين في ملكوت العشق، المنغمسين فيه حتّى النّفس الأخير. وإذا كان الله مجرّد فكرة أو وهم أو تصوّر إنسانيّ يرسمه الإنسان بحسب احتياجاته العاطفيّة، فكيف يمكن أن نفسّر الحالة العشقيّة الّتي يمرّ بها الصّوفيّون، خاصّة أنّهم يهجمون على الموت، مواجهين إيّاه بشجاعة وبطولة؟
أمام شخصيّتين عاشقتين حتّى المنتهى، من ثقافتين مختلفتين، ومعتقدين متباينين، نقف مندهشين أمام هذا العشق الّذي يخطف الأنفاس ويتساوى والجنون، إذا وافقنا على المنطق القائل إنّ العشق لحظة جنون إلهيّة.
الحلّاج بن منصور في لحظاته الأخيرة، والقدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ، عاشقان يخرجان إلى الموت حبّاً بالله دون أن يرفّ لهما جفن. ولا يواجهان الموت وحسب، بل يطرحان مفهوماً آخر للموت كطريق نهائيّ حرّ للقاء الله الّذين حملانه في قلبهما.
تتشابه ظروف موتهما إلى حدّ بعيد، وتتطابق الإرادة الحرّة في مواجهة الموت ببطولة بدافع الحبّ. فالقدّيس أغناطيوس الأنطاكي إذ سمع به الأمبراطور تراجان وعن غيرته على انتشار المسيحيّة، استدعاه ودخل معه في حوار من جهة "يسوع المصلوب"، انتهى بإصداره الأمر بأن يقيّد أغناطيوس القائل عن نفسه أنّه حامل في قلبه المصلوب، ويُقاد إلى روما العظمى، ليُقدَّم هناك طعامًا للوحوش الضّارية. إلّا أنّ فرح القدّيس أغناطيوس كان عظيماً، فلطالما انتظر أن تأتي هذه السّاعة، ساعة اللّقاء بالسّيّد الحبيب. ويقدّر أنّ استشهاده قد تمّ بين عامي 107 و 117 م.
تشير رسالة القدّيس أغناطيوس الأنطاكي إلى أهل روما، إلى رغبته العميقة في قبول الموت طوعاً، لأنّ في موته ربحاً له. فالموت حياة إذا ما كان لقاء بالمحبوب الإلهيّ. ولمّا بذل الكثير من المؤمنين جهوداً في سبيل إنقاذه، كتب إليهم رسالة يرجوهم عدم التّدخّل واعتراض طريقه نحو الله. ممّا جاء في الرّسالة: "إنّني وبإرادتي الحرّة الذّاتية أموت من أجل الله ما لم تعيقوني أنتم  وأتوسّل إليكم لا تشفقوا عليّ بلا لزوم، دعوني أصير طعاماً للوحوش المفترسة، بهذا يمكنني أن أصل إلى الله، أنا حنطة  الله، تطحنني أسنان الوحوش الضّارية لأثبت أنّني خبز نقيّ، وأفَضِّل أن تهيجوا عليّ الوحوش المفترسة ليصيروا لي قبراً، فلا يتبقّى من جسدي شيء، حتّى لا أثقل على أحد بعد رقادي. وحينئذ أصير تلميذاً حقيقياً ليسوع المسيح، حين لا يرى العالم جسدي بعد. صلّوا إلى الرّبّ عنّي، حتّى أبرهن بهذه الأدوات أن أصير ذبيحة لله. إذ أتألّم سأكون حرّاً من أحرار يسوع المسيح وسوف أقوم حرّاً فيه. كأسير أتعلّم ألّا أشتهي شيئاً."
بالمقابل لقي الحلّاج مصرعه مصلوباً بباب خراسان المطلّ على دجلة على يديّ الوزير حامد بن العبّاس، تنفيذاً لأمر الخليفة المقتدر سنة 922 م. كان الحلّاج متصوّفاً زاهداً مجتهداً في إحقاق الحقّ. ولم يكن تصوّفه علاقة مع الله وحسب بل طوّر مفهوم النّظرة العامّة إلى التّصوّف، فجعله جهاداً ضدّ الظّلم والطّغيان في النّفس والمجتمع. وللحلّاج اختباره الخاص في علاقته مع الله وفلسفته الّتي ترى توحّد الله في مخلوقاته، ومن هنا قال: "ما رأيت شيئاً إلاّ رأيت الله فيه". لكنّه كذلك يعبّر عن اتّحاده بالله بقوله: "أنا أنت بلا شكّ فسبحانك سبحاني"، "فإذا أبصرتني أبصرته"، "أنا من أهوى ومن أهوى أنا". كُفّر الحلاج بسبب هذه الأبيات وما شابهها وسيق للموت. لكنّه كان سعيداً راضياً معبّراً عن ذلك في قصيدته "اقتلوني يا تقاتي".
يتشابه النّصّان من حيث المضمون العشقيّ، وتترسّخ فيهما معاينة الله الشّخص. فالقدّيس أغناطيوس والحلّاج رأيا الله حقّاً وإلّا لما كانا قبلا الموت بفرح كبير. فالعشق الإلهيّ كشف لهما أنّ حقيقة الموت مغايرة لما يعتقده النّاس عن الموت. لقد رأى هذان العاشقان في الموت عبوراً نحو المحبوب الإلهيّ. فيقول القدّيس أغناطيوس في رسالته إلى أهل روما: "لن أنعم مرّة أخرى بمثل هذه الفرصة لأصل إلى الله". كما يقول الحلّاج: "مماتـي في حياتـي وحياتي في مماتـي".
كما أنّه ليس من استدلال حقيقيّ يقود إلى اعتبار أنّ هذين العاشقين أقبلا على الانتحار. فالمنتحر على الرّغم من وعيه لما يقدم عليه إلّا أنّه مسلوب الإرادة. وأمّا في حالة القدّيس أغناطيوس والحلّاج، فالإرادة الحرّة حاضرة وبقوّة (وبإرادتي الحرّة الذّاتية أموت من أجل الله/ أغناطيوس الأنطاكي. أقتلوني يا تقاتي/الحلّاج).
من جهة أخرى، وإذ نطالع النّصّين، يتبادر إلى ذهننا أنّ العاشقين ومن خلال الموت يمدّان يدهما ليلتقطها الله ويجذبهما إليه. يعاينان الحياة ويرجوانها بغضّ النّظر عن الألم الكبير الّذي سيواجهانه. (إخوتي وأخواتي: لا تمنعوني عن الحياة/ دعوني أستقبل النّور الصّافي، لأنّني حيث أصل هناك أصير إنساناً/ القدّيس أغناطيوس). (سَئِمَتْ نفسـي حياتـي...في الرسوم الباليـات/ الحلّاج). وبالتّالي فإنّ العشق الإلهيّ حقيقة تكشف الحقيقة. تفكّك أسرار الحياة والموت، تبدّل المفاهيم  وتنقل الإنسان من مشروعيّة إنسانيّته إلى إنسانيّته الحقيقيّة. ويتبيّن لنا من خلال هذين الاختبارين المتماثلين أنّ العشق الإلهيّ يعزّز في الإنسان نظرته السّماويّة للأرضيّات. ويخلق ثورة في داخل الإنسان. ثورة تبدّله أوّلاً ثمّ تزعزع الواقع لتوجّهه للخير الّذي يريده الله. كما أنّ الاتّحاد بالله، يمنطق العاشق بالمنطق الإلهيّ المتّسم بالحبّ المساوي للحرّيّة. وما دلالة امّحاء الجسد في النّصّين إلّا تفلّت كامل من كلّ شيء في سبيل تحقيق الحرّيّة في الله. (تطحنني أسنان الوحوش الضارية لأثبت أنني خبز نقي، وأفَضِّل أن تهيجوا عليّ الوحوش المفترسة ليصيروا لي قبراً، فلا يتبقى من جسدي شئ، حتى لا أثقل على أحد بعد رقادي./ القدّيس أغناطيوس) (فاقتلونـي واحرقونـي... بعظامـي الفانيــات... ثم مـرّوا برفاتـــي... في القبور الدّارسـات... تجدوا سـرّ حبيبــي... في طوايا الباقيــات/ الحلّاج).
عاشقان أحبّا حتّى المنتهى، حتّى مواجهة الموت كفعل حرّيّة عاشقة للخلود في قلب الله. "ركعتان في العشق لا يجوز وضوؤهما إلى بالدّمّ" (الحلّاج). "لا تقدّموا لي سوى أن أنسكب صعيدة لله والمذبح لا يزال قائماً" (القدّيس أغناطيوس الأنطاكي).  
وضوء الدّمّ تقابله معموديّة الدّم، منتهى الإدراك العشقي، حيث لا شيء ولا أحد يفصل العاشق عن محبوبه الإلهيّ.

حصاد عام فلسطيني وعربي جرحه غير ملتئم/ راسم عبيدات

لا الجرح الفلسطيني ولا العربي التئم،فما زال النزف على أشده في فلسطين وسوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا ومصر والسودان والجزائر...ففي فلسطين ربما هو العام الأسوء...العدوان على شعبنا الفلسطيني شامل وبمشاركة مباشرة من الإدارة الأمريكية المتصهينة،حيث كان هذا العام،عام العقوبات الجماعية والتطهير العرقي بإمتياز،ولعل "مذبحة" الحجر في وادي الحمص،كانت الجريمة الأبرز لهذا العام،وكذلك هي العيسوية منذ حزيران الماضي،وهي في اشتباك مباشر مع المحتل بكل أجهزته المجندة لكسر إرادة العيسوية وتحطيم معنويات أهلها،اجهزة مدنية وامنية تنسق فيما بينها،وتستبيح العيسوية يومياً تداهم وتعتقل وتعتدي على السكان،تقمع وتنكل،تفرض الضرائب بأشكالها وتهدم المنازل وتوزع الإخطارات بالهدم،هي عقوبات جماعية تحمل في طياتها اهداف سياسية..القدس استبيحت ككل،مؤسسات تغلق وانشطة وفعاليات تمنع،ومحاولة لإقصاء أي مظهر من مظاهر السيادة والوجود العربي الفلسطيني في المدينة،فالأقصى بات هدفاً مباشراً للجمعيات التلمودية والتوراتية والإستيطان يتضاعف ويتمدد،والحال في الضفة الغربية ليس بالأفضل،فالإستطيان تضاعف منذ اوسلو اربع مرات،ومحاولات اسرائيلية لضم الأغوار وشمال البحر الميت وشرعنة الإستيطان في الضفة الغربية بدعم أمريكي مباشر،وغزة ما زالت تعاني من الحصار وبالكاد السكان يوفرون مستلزمات حياتهم الأساسية ..وفوق كل الذي ذكرت،ما زالت الساحة الفلسطينية متشظية ومنقسمة على ذاتها،وليس فقط الإنقسام يتكرس ويتشرعن،بل نحن امام حالة من الإنفصال غير المعلن .

اما في سوريا فرغم تراجع حدة العدوان العسكري المباشر عليها،ونجاحها في تحطيم الجماعات الإرهابية ودحرها،ولكن نجد بان الحرب الإقتصادية والمالية على دمشق ما زالت على أشدها من قبل قوى العدوان وفي المقدمة منها امريكا والإتحاد الأوروبي والعديد من المشيخات الخليجية العربية وجماعة الخلافة العثمانية،حيث عصابات اللصوص من ترامب وأردوغان،تسرق النفط والغاز من الحقول السورية في شمال وشرق الفرات،وترامب يقول علناً بانه سيسرق النفط السوري ويبعه،إنها بلطجة القوة في زمن التخاذل والإنهيار والتآمر العربي.

أما في لبنان والعراق،فجرى توظيف الحراكات الشعبية التي خرجت من اجل محاسبة النظام السياسي الفاسد والناهب والمهدر للمال العام ،وهذين النظامين يمثلان طبقة سياسية فاسدة تتحكم في كل مفاصل الدولة والإقتصاد والمجتمع على مدار عشرات السنوات، لا هم لها سوى النهب وشرعنة الفساد،هذه الحراكات الشعبية،جرى استغلالها من قبل قوى محلية وعربية وإقليمية ودولية،من اجل تحقيق اهداف سياسية ليس لها علاقة بمطالب الحراكات الشعبية،فأمريكا ومحورها مارسوا ضغوط اقتصادية ومالية على لبنان،من اجل دفع لبنان للموافقة على ترسيم حدوده البرية والبحرية،بما يمكن اسرائيل من السيطرة على ثروات لبنان النفطية والغازية في بلوك 9،وحتى تدويل حدوده البرية والبحرية والجوية مقابل التمويل،وكذلك العمل على اضعاف ح ز ب الله ومحور المقاومة اللبنانية،بممارسة كل أشكال التحريض على ح ز ب الله وسلاح المقاومة،وكذلك السعي لدفع لبنان نحو الفوضى والإحتراب الطائفي،وفي العراق كان الهدف واضح،دفع العراق الى الإحتراب المذهبي والسعي لإضعاف القوى الموالية لطهران،في العراق وعلى رأسها الحشد الشعبي،وأيضاً تم قصف عدة اهداف تابعة للحشد الشعبي من قبل اسرائيل وأمريكا اكثر من مرة،وكذلك اكثر من قنصلية ايرانية اعتدي عليها وتم حرقها،ولا ننسى بأن التظاهرات الشعبية التي خرجت في ايران احتجاجاً على ارتفاع اسعار المحروقات بدولار واحد،عملت أمريكا والسعودية على توظيفها امنياً من أجل زعزعة استقرار ايران ومحاولة إسقاط النظام الإيراني من خلال الدعم العسكري والمالي لتلك الجماعات.

اما في ليبيا فنجد بان القتال على أشده بين جماعة حفتر المدعومة من قبل مصر والسعودية والإمارات وروسيا وفرنسا،وبين حكومة السراج في طرابلس المدعومة من قطر وتركيا والتي أرسلت قوات عسكرية وأسلحة تركية لدعم حكومة السراج التي وقعت معها اتفاقاً لترسيم حدودها البحرية،بما يمكن تركيا من الإستفادة من هذا الترسيم،في تمرير خط أنابيب الغاز الإسرائيلي اليها عبر تلك المنطقة.

الصراع يدور بن الوكلاء على خطوط النفط والغاز،ويبدو أنه سيدخل مرحلة الحرب بين الأصلاء مع إرسال تركيا لقوات واسلحة لدعم حكومة السراج،والشعب الليبي،ضحية تلك الجماعات المتناحرة على النفوذ والمصالح ،هذا الشعب الذي كان ضحية ما سمي بالربيع العربي،وإستقدام الجامعة العربية لحلف الأطلسي من أجل السيطرة على نفط ليبيا.
واليمن ما زال جرحه ينزف،ولم يتوقف العدوان السعودي عليه،وحتى اللحظة لا يوجد افق سياسي لنهاية هذا العدوان،رغم ان ما دفعته السعودية على تلك الحرب العدوانية،تجاوز 725 مليار دولار.

هذا الحصاد يؤشر بشكل واضح الى ان الجرح الفلسطيني والعربي لم يلتئم،ورغم اتضاح وافتضاح المشاريع التأمرية الأمريكية والصهيونية على الأمة العربية،ولكن البعض عربياً يصر على العناد والمكابرة والإنخراط في المشروع الأمريكي،والهرولة نحو التطبيع العربي الرسمي والشرعي والعلني مع دولة الإحتلال الصهيوني على حساب قضيتنا وحقوق شعبنا الفلسطيني،حيث ما يسمى بصفقة القرن الأمريكي،جاءت لكي تشطب قضيتنا الفلسطينية بشكل نهائي،ورغم كل هذا الإنكشاف ولكن هناك من يرى بإسرائيل الجارة العدوة العاقلة ،وحتى هذه اللفظة لم تعد موجودة في قاموس العديد من المشيخات والدول العربية، التي تسعى لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل وتوقيع معاهدة عدم اعتداء معها،كما كشف عن ذلك وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس.

هذه الدول حرفت الصراع عن أسس وقواعده من صراع عربي- اسرائيلي جوهره القضية الفلسطينية الى صراع إسلامي – إسلامي ( سني- شيعي)،حيث صورت أمريكا للمشيخات الخليجية العربية بأن عدوها الرئيسي هو ايران،وهي من تهدد امنهم واستقرارهم وعروشهم،وتخلق لها قواعد " إرهابية" في المنطقة،في مقدمتها ح ز ب الله اللبناني.
كل ذلك من اجل إخافتها وترهيبها والإستمرار في " استحلابها" مالياً،وكذلك حملها على شراء أسلحة امريكية بمئات المليارات من الدولارات،وإستقدام المزيد من القوات الأمريكية وإقامة القواعد العسكرية على أراضيها والمدفوعة الثمن.

رغم كل هذا الحصاد الفلسطيني والعربي السيء،ولكن هناك بؤر مضيئة،نلمسها في تنامي وتصاعد وزيادة قوة وقدرات قوى المقاومة ومحورها،والتي أصبح لديها ميزان ردع مع الإحتلال الصهيوني،وكذلك المشروع الأمريكي في المنطقة يتراجع ويفقد قدراته على أن يبقى المهيمن والمسيطر على المنطقة،فالتغيرات الجيواستراتيجية التي تحدث،تؤشر الى أفول المشروع الأمريكي في المنطقة،وإختناق دولة الإحتلال الصهيوني بعنصريتها

تأملات في واقع التحديات/ يونس عاشور

رياحُ عاتيةُ قادمة صوبَ المدينة الحالِمة بصخبِ الحياة، وعجيج يتجلّى صداه من جدرانها الخائرة لتسمعهُ آذان نائمة وتائهة وغارقة في عالم الأحلام والأطياف والخيالات..
قد لا تعي أهداف الحياة ومضامينها الرئيسة التي تكمن في الحس القيمي والمعنوي والتعبوي، واهية إزاء التحدّيات والتيارات العاصفة التي تأتي من كلّ حدبٍ وصوب وإذا بها في موقفٍ لا يُحسد عليه.
لقد اصطحبت تلكَ الرياح أتربة ورمال وغبار مُرْهِق وشاق على الأنفس ويتجلّى ذلك في كِبر حجم العاصفة التي كانت تُغطّي مساحات شاسعة من أبعاد ومسافات تلك المدينة بحيث لا يتسنّى للمرء درء المخاطر عنه بكل ما أُوتي من سُلطة. 
لم يكن في المدينة من هو أكفأ لكي يتصدّى لتلك العواصف والجوارف القوية لولا أنّ ثمّة فيلسوفاً كانَ يقطنُ على أطراف تلك المدينة مُتخذاً له كوخاً صغيراً يُمارس فيه شؤون حياته اليومية ببساطة وبدون تكلّف يُذكر حيث أنّ جُلّ أوقاته كانت في استغراقِ موضوعات "التأمل في واقع التحديّات" التي تتصل بشؤون الحياة ومن ثمة التوصل إلى مبان جديدة في تقويم وتثبيت روابط الفكر فيما يخص المدخلات والمخرجات أو في كيفية استنتاج التحولات والتطورات أو استخراج نظريات في التباينات والمتلازمات بنواحي الفكر ومشتقاته ومعطياته الإيديولوجية.
نعود الى واقعة الرياح التي تسبّبت في تخريب وتدمير مرافق المدينة لنستكمل ما قد بدأناه وأسلفناه في ديباجة هذه المقدمة.
كان أهل تلك المدينة لا يأبهون عمّا يمكن أنْ يحدثَ لهم من أضرار جسيمة تتسبب في شل حياتهم العامة أو إحداث اقتلاع لجذور النخيل والأشجار التي كانت تزوّق مداخل المدينة بتزويقات وتزيينات جمالية، وقد حدثَ ذلك بالفعل عند حدوث ومجيء الرياح العاتية والعواصف ذات الأتربة الحجرية العاصفة التي عصفت بمرافقهم وممتلكاتهم في المدينة التي كانت يوماً ما نابضةً بالحياة اليومية الرتيبة.
عندها فزع من فزع وطلبوا من بعضهم البعض النجدّة والوقوف جنباً الى جنب في إعمال التفكير للخروج من هذا المأزق الماهوي الذي ألمّ بهم فإذا بأحدهم يقترحُ عليهم بقصد ذلك الرجل الفيلسوف الذي كان يمكثُ في ذلك الكوخ ليتحدّثوا له بما آلت إليه الوضاع والتفتيش عن مخارج تمكنّهم من استخدام نفوذهم في درء مثل تلك الحوادث الطبيعية عنهم التي ربما قد تتسبب في المستقبل بأضرار جسيمة.
لقد وافقت شريحة من الناس بالذهاب إلى ذلك الفيلسوف رغم أنّ أطراف أخرى قد عارضت الذهاب إليه لأنها لم تكن مقتنعةً بأنّ ذلك الرجل سيُقدّم لهم شيئاً ما على صعيد واقع التحديات الحياتية. 
وبالفعل إتّجهت الشريحة الأولى من الجمهور قاصدةً ذلك الرجل من أجل الجلوس حوله وبسط الحديث معه عن ماهية حيثيات هذا الحدث والتفكير في معرفة الأسباب وراء حدوث مثل هذه الظواهر الخطيرة.
عندما وصلوا إليه وجدوه جالساً وماكثاً في تأملاته وقراءاته وتوجهاته النظرية، جملةً منها كانت حول موضوع " التأملات "
وهذا ما سيقودنا للحديث عنه في هذه العُجَالَةُ في طرح جملةً من المسائل الفلسفية التي تُعنى بهذا الشأن "موضوع التأملات" وإذا كان هذا المفهوم قد لا يحلو للبعض أن يُدرجه في سياقات فلسفية خاصّة فنحن بدورنا نؤثر أن يتضمّن هذا الموضوع مضامين ومباني فلسفية عامّة لأنّه على اتصال بالذات الإنسانية ففي إعمال التأمل ينطلق التفكير إلى التثبيت في النظر وهناك تنبثق البصيرة والرؤية الباطنية والظاهرية للإنسان ويتجلّى له إمكانات وإرهاصات وتقديرات في كيفية الإعادة والتدوير لمفهوم التغيير للتفكير الذي من شأنه أن يقود الإنسان إلى نتائج ونتاجات جديدة في أصول الماهيات والمعطيات على أساس الفحص والتدقيق أو البحث والتنسيق بين مركبّات الفكر وأدواته الناتجة عن محض التأمل في الموضوع الواعي نحو الهدف المقصود.
وبدون إعمال التأملات لا تنتج صياغات مفهومية مترابطة في القول والطرح أو التأويل الأصح المبني على تطلّعات الاستغراق الذاتي المتأني في إعمال النظر للشيء المراد بحث وفحصه ومن ثمة استكشاف مرئياته وحيثياته للوصول إلى نتائج تُحمد عقباها.
فالتأمل هو حالة أو وضعية سيكولوجية ترتبط باستقرار الذات نحو ترسيخ الأدوات والمفهومات في الوجدان الذاتي بحيث يتفاعل النظر بالفكر والمفهوم بالموضوع المراد التفكير فيه واستخلاص نتائج مرجوة تقوم على أساس العلاقة الخلاقّة في طي الملاحظات وانبثاق المعطيات أو في تقديم الرؤية وخلق النظرية الصحيحة الغير شائبة بشوائب الخطأ من هنا نحتاج إلى إعمال التأمل على شكلانية الخطوط العريضة التي تتّسم بروح الاطمئنان والاستقرار النظري والفكري الذي يساعد في تقويم وتكوين مفهوم التفاهم والمفاهمة أو خلق التعايش بين أبناء المجتمع الواحد على أساس المواطنة الصالحة التي تنتهي بنا إلى كسر الحواجز والفواصل الزمنية ومن ثمة الاندماج التكويني القائم على جماليات الحوار والتفاعل الإيجابي الذي من شأنه أن يفتح إمكانات جديدة من التفكير والتغيير أو التطوير والتحديث لمشاريع المجتمع المراد تنفيذها على أسس ومرتكزات الحداثة العصرية الحديثة.
وهذا هو واقع التحديات المعاصرة التي تحتاج منّا إلى تضافر الجهود نحو خلق تناغم وتوافق اجتماعي لحل كافة المشكلات الحياتية المعاصرة التي تتعلق بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها...الخ.
وبالطبع إن ذلك لا يتم إلا من خلالِ إعمال التأملات في موضوع التعاملات مع هذه التحديات التي نواجهها في حياتنا اليومية عبر التحفيز الدائم للإحساس الذاتي وتوجيهه نحو لبّ القضية المراد إيجاد حلاًّ لها.
مفهوم التأمل من وجهة نظر فلسفية هو تأمل روحي وإستغراقي وإبداعي كما أسلفناه وفي قضايا متفرقة للعمل على تحديد الاتجاه البوصلي الصحيح نحو تحليل الأهداف والعناصر الطبيعية للمسائل والتحديات التي يواجهها الإنسان في حياته من أجل الوصول إلى نتائج وغايات وحقائق علمية تمكّنه من معرفة المسائل والمشاكل على أساس التفكير المنهجي العلمي الصحيح المبني على الطمأنينة والسكينة ومن ثمة استشراف المستقبل وفق المعطيات والتحديات..