أساطير واقعيه/ غسان منجد

كانت تصغرني بأعوام 
مشت على قوس قزح 
ثم جاءت انعكاسا لائمة أينعت 
فأمطرت توابل ورائحة برتقال 

مشيت معها الى قمر ناقص 
وجدت وجه بغمازتين 
واحده تناثرت فأصبحت ربيعا 
من نمش في المكان 
والثانية تساءلت عن نسمة شهية 
مضغها وجه 
فجاءت كشر توت الى ضفة جمال 
تصغرني بأعوام 
وتعلمني كيف امشي على عشب يتوجع 
تصغرني بأعوام وتاتي بمخيلة 
تعكس صورة زهر اللوز في قوس قزح ربيع اخر 

مشيت معها 
كما تمشي نعجة مع ذءب الى اخره 


تجلّيات اللغة في القصيدة السرديّة التعبيريّة/ كريم عبدالله


يقول سركون بولص : ونحن حين نقول قصيدة النثر فهذا تعبير خاطىء , لأنّ قصيدة النثر في الشعر الأوربي هي شيء آخر , وفي الشعر العربي عندما نقول نتحدث عن قصيدة مقطّعة وهي مجرّد تسمية خاطئة , وأنا أسمّي هذا الشعر الذي أكتبه بالشعر الحرّ , كما كان يكتبه إليوت و أودن وكما كان يكتبه شعراء كثيرون في العالم . واذا كانت تسميتها قصيدة النثر , فأنت تبدي جهلك , لأنّ قصيدة النثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالارميه , أي قصيدة غير مقطّعة . من هنا بدأنا نحن وأستلهمنا فكرة القصيدة / السرديّة التعبيريّة / بالأتكاء على مفهوم هندسة قصيدة النثر ومن ثمّ التمرّد والشروع في كتابة قصيدة مغايرة لما يُكتب من ضجيج كثير بدعوى قصيدة نثر وهي بريئة كل البراءة من هذا الاّ القليل ممن أوفى لها حسبما يعتقد / وهي غير قصيدة نثر / وأبدع فيها ايما ابداع وتميّز , ونقصد انّ ما يُكتب اليوم انما هو نصّ حرّ بعيد كل البُعد عن قصيدة النثر . انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة تتكون من مفردتي / السرد – التعبير / ويخطيء كثيرا مَن يتصور أنّ السرد الذي نقصده هو السرد الحكائي – القصصي , وأنّ التعبير نقصد به الأنشاء والتعبير عن الأشياء . انّ السرد الذي نقصده انما هو السرد الممانع للسرد أي انّه السرد بقصد الأيحاء والرمز والخيال الطاغي واللغة العذبة والأنزياحات اللغويّة العظيمة وتعمّد الأبهار ولا نقصد منها الحكاية أو الوصف, أما مفهوم التعبيريّة فأنّه مأخوذ من المدرسة التعبيريّة والتي تتحدث عن العواطف والمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة , اي التي تتحدث عن الآلآم العظيمة والمشاعر العميقة وما تثيره الأحداث والأشياء في الذات الأنسانيّة . انّ ما تشترك به القصيدة السرديّة التعبيريّة وقصيدة النثر هو جعلهما النثر الغاية والوسيلة للوصول الى شعرية عالية وجديدة . انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي قصيدة لا تعتمد على العروض والأوزان والقافية الموحّدة ولا التشطير ووضع الفواصل والنقاط الكثيرة او وضع الفراغات بين الفقرات النصيّة وانّما تسترسل في فقراتها النصيّة المتلاحقة والمتراصة مع بعضها وكأنّها قطعة نثريّة . أنّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي غيمة حبلى مثقلة بالمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة ترمي حملها على الأرض الجرّداء فتخضّر الروح دون عناء أو مشقّة .

وسعياً منّا الى ترسيخ مفهوم القصيدة السرديّة التعبيريّة قمنا بأنشاء موقع الكترونيّ على ( الفي سبوك ) العام 2015 ,اعلنا فيه عن ولادة هذه القصيدة والتي سرعان ما أنتشرت على مساحة واسعة من أرضنا العربية ثم ما لبثت أنّ انشرت عالمياً في القارات الأخرى وأنبرى لها كتّاب كانوا أوفياء لها وأثبتوا جدارتهم في كتابة هذه القصيدة وأكّدوا على أحقيتها في الأنتشار وأنطلاقها الى آفاق بعيدة وعالية . فصدرت مجاميع شعرية تحمل سمات هذه القصيدة الجديدة في أكثر من بلد عربي وكذلك مجاميع شعرية في أميركا والهند وافريقيا واميركا اللاتينية وأوربا وصار لها روّاد وعشّاق يدافعون عنها ويتمسّكون بجماليتها ويحافظون على تطويرها .

سنتحدث تباعاً عن تجلّيات هذه اللغة حسبما يُنشر في مجموعة السرد التعبيري – مؤسسة تجديد الأدبيّة – الفرع العربي , ولتكن هذه المقالات ضياء يهتدي به كل مَنْ يريد التحليق بعيدا في سماوات السردية التعبيرية .

أولاً : اللغة التجريدية

اننا حينما نريد التعبيري عن مشهد معين فسوف نلجأ الى اللغة عن طريق فقرات نصّية لأيصال فكرة ما وهذه الفكرة تشتمل على زمن معين ومكان معين , فهناك شيئية وفكرة وهناك تعبير يحاول ان يرسم لنا هذه الشيئية ويضع لها الملامح والحدود وهناك تصور عن هذه الشيئية عند الشاعر , اي أنّ هناك مشاهد تحتوي على الأفكار والأشياء وتجلّي واضح لهذه المشهدية والتركيز عليها والتعبير عنها برمزية واستعارات وخيال وانزياحات لغوية ودهشة تنتاب المتلقي ولغة مغايرة للغة الواقع ,ونعني بذلك انّ المشهد الشيئي يعتمد على مرجعية لغوية مرّتبة بمنطقيّة لغوية يحاول الشاعر من خلالها أيصال فكرة ما للمتلقي عن طريق الكلمات والتعابير اللغوية , فهناك الفاظ تدلّ على هذه الفكرة وهناك نصّ دلالي ودلالة لغوية وغيرها , ولكننا لو القينا نظرة على نصّ الشاعر : نصيف عليّ وهيب – من العراق , فلن نجد اي مشهدية ولا أدراك لشيئية معينة ولا جمال محمول ولا نصّ دلالي ولا دلالة لغوية ولا تعبير دلالي ولا نسق لغوي , فهنا لايوجد وصف معين لمكان او زمان أو فكرة معينة , ولكن مالذي نجده في هذا النصّ ..؟ .

/ الورود المبعثرة من الريح ، تزهر مكانها ورودا أكثر / ما نجده هنا هو عبارة عن مشهد شعوري حاول الشاعر أن يرسمه لنا فلا نجد أي مشهد معين فلقد أختفى التصور الفكري وغاص الشاعر في أعماق نفسه ونسى ما حوله من الواقع ولم يعد يشعر الاّ بالناحية الشعورية احساسا وانفعالا , فلقد تخلّت المفردات عن مرجعياتها الدلالية الى مرجعيات شعورية حسّية .. / مفردات النص تتغير بالحداثة ، بالحمية يندحر السكري لكن القهر أتعب بنكرياس صديقي / وهنا لا نجد المقصدية لدى الشاعر باستخدامه المفردات اللغوية ولا نجد أي ملامح لفكرة معينة يحاول الشاعر ان يوصلها لنا لا نجد سوى نظام شعوري حسّي , فهو لا يحتاج الى لغة مفخّمة ولا رمزية ولا خيال جامح , فلقد تخلّصت المفردات من دلالاتها الشيئية الى دلالات شعورية مجرّدة ../ الضباب يتبدد الى ماء من ضوء ، يشرق على الأماكن ابتسامة ، بحجم اتساع العيون الى المدى / وهنا لا نجد أي مركزيّة للمشهد ولا أي أدراك معين لما يحصل فقط نجد نظام شعوري يتملّك الشاعر وتجريد المفردات من دلالاتها ورفض التقيّد يمشهديّة الحدث فقط إيماءات معينة تحوي المشاعر وهي تخترق النفس ../ لترَّ الأشياء بحتميتها ، كما في نصب الحرية / وهنا لا نجد أي صورة واضحة المعالم وطغيان واضح للأدراكات الحسيّة على حساب الدلالات الشيئية ../ أبيات الشعر استفزاز الجسد لأخذ الهواء النقي ، لا أن يرقص في الهواء الملوث على آه الوجع / فالشاعر هنا لا يعبّر عن فكرة معينة , فالمفردات هنا لاتشير الى اشياء معينة مقصودة بذاتها , فلقد تحرر من الفكرة وحتى رسلته المراد ايصالها الى المتلقي فهي لا تستند الى أي مرجعية لغوية فقط نجد الثقل الشعوري الأحساسي حاضرا وبقوّة ../ تراكم الألم لا ، ضوء الشمس نعم ، أنسج وصديقي من أشعتها ، كل الكلمات محبة / وهنا لا نجد حدث ما أو فاعل ولا شيئية مركزية فقط كيانات شعورية واحساسيةّ , فلا توجد معاني مترابطة كما في النصوص العادية وانما مكونات شعورية ترتبط بنظام أحساسي , أي اننا نجد أن النصّ يتكون من وحدات شعورية بدلا عن الوحدات النصيّة الدلالية .

في اللغة التجريدية ندرك أن هناك ادراك شعوري حسّي وكتل شعورية وندرك اللغة عن طريق الأدراك الشعوري فهناك جمالا حسّيا موجودا في النصّ من غير ان ندرك ما هو هذا الجمال انما الألفاظ هي التي تدلّ عليه .

اذا نحن أمام نصّ تجريدي يحوي على مشهد شعوري وأدراك شعوري وجمال متشيء وجمالية تجريدية وكتل شعورية وتعبير شعوري ونسق أحساسي واخيرا مرجعية شعورية .

النصّ / الثورة / بقلم : نصيف علي وهيب – العراق .

الثورة
الورود المبعثرة من الريح ، تزهر مكانها ورودا أكثر ، مفردات النص تتغير بالحداثة ، بالحمية يندحر السكري لكن القهر أتعب بنكرياس صديقي ، الضباب يتبدد الى ماء من ضوء ، يشرق على الأماكن ابتسامة ، بحجم اتساع العيون الى المدى ، لترَّ الأشياء بحتميتها ، كما في نصب الحرية ، أبيات الشعر استفزاز الجسد لأخذ الهواء النقي ، لا أن يرقص في الهواء الملوث على آه الوجع ، تراكم الألم لا ، ضوء الشمس نعم ، أنسج وصديقي من أشعتها ، كل الكلمات محبة .

المصادر

1-  كريم عبدالله والسرد التعبيري – د.انور غني الموسوي .
2-  الرؤى والدلالات – دار المتن .

مشاهد من ضياعنا في مثلث ترامب/ جواد بولس

مشهد القهر

حاولت ألا أكتب الآن عن صفقة القرن؛ فالصحافة المحلية والعالمية ومعظم المنصات الاعلامية ووسائل التواصل على أنواعها، تفيض، جميعها، بالاراء وتغرق بالتحليلات وبالتعليقات التي ترهق القراء والمتابعين .. على قلّتهم المفضوحة.   

لم أتمالك نفسي؛ اذ شعرت بحالة من الغضب الانساني الحقيقي مثل ملايين المشاهدين الذين تابعوا اعلان الرئيس الأمريكي واستمعوا الى لغة جسده وهو يتلو تفاصيل وثيقته بلذة ظاهرة، وبانحياز سافر ومستفز.

لم أصغِ بانتباه في بعض اللحظات إلى المضامين، ولم أدقق في أبعادها السياسية وفيما تخفيه الحروف وتلوّنه النوايا؛ فوقع المشهد برمته كان ساحقًا لكل نفس حرّة، ونبر الرئيسين، ترامب ونتنياهو، كان يستحضر رعونة التاريخ الذي كتبته، بمحابر من دم، عنجهيات قادة سطاة لم تعقهم حكمة الندم الخالدة، بأنّ الدهر ذو دول.

أجرى الكثيرون مقاربات لافتة بين هذه الصفقة وبين بعض المحطات الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية وصراعها الطويل مع مطامع الحركة الصهيونية؛ فكان أبرزها تلك التي شبّهت وعد "ترامب" الحالي بوعد "بلفور" الشهير بوصفه الوعد المشؤوم.

لا فرق ان كانت هذه المقارنة صحيحة من الناحية التاريخية والعلمية؛ فهي، لمجرد حضورها بهذه القوة في أذهان بعض النخب وعامة الناس، تشكّل برهانًا قويًا على اننا، كفلسطينيين، ما زلنا رهائن لنفس المخاضات العسيرة وضحايا أكيدة لانتكاسات محتملة جديدة؛ وأننا، رغم جميع انتصاراتنا الصغيرة أو الكبيرة، الصحيحة أو الوهمية، لم نخرج بعدُ من رحم المأساة ، لا بل قد يكون ما يخفيه لنا هذا الزمن الارعن من ولائم، أفظع وأوخم.

سيُكتب عن هذه الأيام الكثير، وسيختلف المؤرخون والسياسيون حولها، تمامًا كما اختلف الذين قبلهم وتقارع مَن كان يقف خلف "المفتي" ومَن ضده؛ وقد لا تعرف أجيال الغد، بعد وفاة الجنود، من هو المنتصر ؛ وستبقى الحقيقة حول فلسطين المشتهاة، كما كانت منذ أكثر من قرن، ذات وجهين، أو كسنونوة تائهة تفتش عن وطن .

حدّقت في تعابير وجه ترامب وهو يستشهد بعدل ربّه وبوعود السماء؛ وفتشت عن وداعة المسيح في كلامه وعن تواضعه وعن ذلك " الراعي" الذي وقف مع المساكين والفقراء ونافح الطغاة، فلم اجد إلا "بيلاطس"، وأصغيت لكلامه، فلم أجد "ابن الانسان" هناك، وتيقنت، مجددًا، بأن دين الظالمين واحد، وكذلك ربهم.

لوهلة تمنيت لو كنت أمامه لاتلو على مسامعه ومسامع من حضروا  تراتيل الناصرة والقدس وبيت لحم، ولأذكره بما كتب، قبل ألفي عام، "لوقا الانجيلي" عن الفرق بين أنين دمعة قلب كسير وبريق دموع "العشّارين" ؛ فعندما أقترب يسوع الفلسطيني ورأى أورشليم/القدس، بكى عليها وقال : "ليتك اليوم تعرفين مصدر سلامك، لكن ذلك مخفي عن عينيك الآن. ستأتي عليك أيام يبني فيها أعداؤك الحواجز حولك. سيحاصرونك ويضغطون عليك من كل الجهات. سيدمرونك أنت وأهلك، ولن يتركوا حجرًا على حجر داخل أسوارك ..".

كانت تلك مجرد أمنية رمادية سكنتني في حالة قهر عبثية ؛ فأنا أعرف أن "مسيح" ترامب لا يشبه ذلك "الفادي"  الذي جاء من أجل خلاص البشر، ولوحق وتعذب وبكى، كما أفادنا "لوقا" بنصه الجميل، الذي سيبقى الشاهد على أن " الحجارة " والدول قد تسقط مرّة بعد مرّة؛ ولكن "ذو الحق يبقى ويبقى حقه أبدًا.. لا، لست يا ظلم أقوى منهما أبدا "،  كما أنشدنا أبو الحكم، شاعر قانا الجليل، جريس دبيات. 

مشهد التشاؤم  

رغم الغضب الذي أظهره الكثيرون ازاء ما شاهدوا في مسرحية البيت الأبيض وما سمعوه مثلي، اكتفى بعضهم بتتفيه مبسّط للحدث، وباسداء النصيحة لنا ألا نعير مضمون الوثيقة أي اهتمام؛ فمصيرها، هكذا أكد لنا "أنبياء السراب"، سيكون حتما "مزبلة التاريخ".

في المقابل عبّر غيرهم عن قلقهم الكبير ازاء ما قد تفضي إليه هذه المقترحات، لا سيما وقد استحضرت تفاصيلها ،كما قلنا، تداعيات وعد بلفور، الذي أفضى إلى أقامة دولة اسرائيل بعد أقل من ثلاثة عقود على اعلانه؛ هذا علاوة على أن هذه الوثيقة قد أُعدّت، على الطريقة الأمريكية، وحيكت بخبث وبدراية في ظل ترحيب ودعم وتفهم وصمت وتواطؤ دول كثيرة، وبضمنها معظم الدول العربية والاسلامية وبعض الدول التي كانت تعد حليفة لفلسطين.

حاولت أن أتصرف بنضوج، وألا أظهر غضبي الشديد ؛ لكنني لم انجح باخفاء قلقي بعدما أحسست بحزن ابنتي وبثورة أصحابها ؛ فقد نشأوا في حضن حلم بشّرهم بمستقبل وردي فصحوا على "صفعة" أعادتهم الى عوالم التيه واليأس.

اتسمت نقاشاتهم بوعي مطمئن، وحملت كثيرًا من الوجع. أصغيت إليهم ولفت انتباهي اجماعهم على أن من أخطر ما ورد في الوثيقة بالنسبة لنا ، نحن المواطنين العرب في اسرائيل، هي تلك الفقرة التي تحدثت عن امكانية التبادل الجغرافي، وتطرقها بوضوح وبالتفصيل الى امكانية إتباع مناطق واسعة من "المثلث" الى سيطرة السيادة الفلسطينية، مما سيعني، على أرض الواقع، سلخ اكثر من ثلاثمائة الف مواطن عربي عن أشقائهم في الجليل والنقب.

ولقد وافقتهم؛ فتضمين هذا الموقف في وثيقة دولية رسمية يحمل مؤشرًا خطيرًا على حصول تغيير جوهري في نظرة "العالم" الى مكانتنا والى حقنا في البقاء كمواطنين في اسرائيل.

فعلى الرغم من أن المقترح لا يؤدي، كما أكد ترامب، وقبله صاحب الاقتراح الاصلي ايفيت ليبرمان، الى اقتلاع السكان من أراضيهم، يبقى قبول الفكرة، بصورة مبدئية، مؤشرًا مقلقًا على مستقبلنا وعلى مصيرنا.

لقد استخف القادة العرب بيننا بايفيت ليبرمان عندما عرض، قبل سنوات قليلة، خطته ازاء منطقة المثلث ومعظمهم اغفلوها؛ وقامت مجموعات واسعة بتقزيمها وبالاستهزاء منها؛ في حين توعدتها قطاعات كثيرة الضجيج في مواقعنا ووصفتها بالترّهات التي لا حاجة للحديث عنها. 

مر أقل من عقد على طرح الفكرة في أسواق السياسة العنصرية الاسرائيلية فتحولت، على حين غفلة، الى جزء هام من برنامج دولي متكامل، لن تكف امريكا وحلفاؤها عن محاولات تنفيذه كخطوة من مخطط شامل لترسيم حدود شرق اوسط جديد، ستكون درّته مملكة اسرائيل الكبرى.

لا أعرف، في ظل هذه المعطيات وفي كنف نظام دولي يمتهن المقايضات والخاوات، على ماذا يعوّل مبشرونا بالفرج القريب؟ ولا افهم كيف سنواجه هذه المخاطر المصيرية التي لم تعد مجرد فذلكات أو هلوسات يطلقها بعض غلاة اليمينيين الاسرائيليين العنصريين؟

فأمريكا اليوم هي الدولة الأقوى في العالم وتتحكم، بالتوافق مع دول قوية أخرى مثل روسيا والصين والهند واوروبا، وبالعربدة وبالتآمر أيضًا، في مصائر معظم الدول الضعيفة وأشباه الدول؛ ولا استثني من ذلك غالبية الدول العربية والاسلامية والافريقية وغيرها.

نعم فهي تتصرف برعونة الامبراطوريات التي داست على أنف التاريخ قبل أن تصبح رماده، ولأنها كذلك علينا أن نسأل انفسنا، نحن المواطنين في اسرائيل، من سينقذنا وسيفيدنا وقد اصبحنا هدفًا على رقعة رمايتها؟ وكيف سنواجه حكومة اسرائيلية يجمع الكل انها ستكون آية في اليمينية والعنصرية، مدعومة من امريكا ويرقص في احضانها "أشقاؤنا" العرب و"حلفاؤنا" من أتراك وصرب وغجر ؟ 

كم تهكمنا على "شيطنة" ليبرمان حين اقترح على ابناء المثلث الفلسطينيين ان  ينعموا بالسيادة الفلسطينية مؤكدًا على انهم سيبقون في أرضهم واسرائيل هي التي ستنقلع عنهم وتنقشع !  

سبّب عرض ليبرمان احراجًا صارخًا لكثير من المواطنين العرب ولقياداتهم التي تلعثمت لانها كانت تتكىء على معادلة مواطنة عاقرة؛ واليوم، بعد هذا الحشد الامريكي للفكرة، صار احراجهم عاريًا وقد يصبح قاتلًا؛ فالاكتفاء ،كما فعل البعض، باهمال الفكرة أو برفضها بحجة ان الناس ليست سلعًا يُتلاعب بمصائرها، يعكس وجود أزمة سياسية جدية بينهم، ويكشف عن عورة هؤلاء السياسية وعن قصور حججهم غير المقنعة. 

قليل من التشاؤم لن يضر وهو أفيد من تفائل كذاب خاصة اذا كنا في ذروة العاصفة.

علينا، كمواطنين في دولة تستعدينا حكوماتها، ان نبدأ، بجدية وبحزم، في تحديث صياغة معادلات وجودنا وعلاقتنا بها؛ شريطة ان نفعل ذلك بجرأة وباصرار واع، على ان "مواطنتنا" هي سقفنا الحامي والأضمن وهي الكفالة لبقائنا هنا.

فإما أن نصحو من احلامنا الواهمة وإما سيكون ما قاله ليبرمان بداية نهايتنا؛ والبقية ستأتي من عند السيّد "بلفور الجديد" ومعه من كنا نسميهم الامبرياليين والرجعيات العربية وعتاولة الصهاينة الساعين نحو وطن يهودي خال من العرب .. ومن الاغيار . 

من تاريخ الاحتجاج في الإسلام: أبو العلاء المعري/ ابراهيم مشارة

"زنادقة الإسلام ثلاثة :المعري والتوحيدي وابن الراوندي" 
أبو العلاء المعري شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أحد اكبر شعراء العربية وأحد المنبوذين  من قبل كثير من  الناس – خاصتهم وعامتهم- حتى إن النعوت التي ألحقت به من نوع :الملحد، الزنديق، الأعمى تعييرا بعاهته يتميز عن الشعراء العرب بتبحره في العربية وسعة معارفه  في الدين والفلسفة وهو من الذين تبنوا أسلوب حياة النباتيين فقد حرم على نفسه اللحوم والبيض والحليب وكل مشتقات الحيوان وكانت حجته أن الإنسان أثر ،محتال يأخذ ما ليس من حقه :
غدوت مريض الدين والعقل فالقني : لتسمع أنباء الأمور الصحائح                                                
فلا تأكلن ما أخرج الماء ظالما: ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح                                                 
والغريب هو إخلاص الرجل لمذهبه حتى في أحلك الظروف فقد مرض وأوصى الطبيب له بديك مع حساء فلما قربوه منه  لمسه بيده ورفض أكله وقال كأنه يخاطب الديك:"استضعفوك فوصفوك، هلا وصفوا شبل الأسد؟"                                                 
يعد المعري من الشعراء الذين كرسوا حياتهم وشعرهم وفكرهم لنقد الواقع وتعريته وهو أحد الذين انتبهوا بذكاء لفكرة السلطة قبل فوكو  وعراها، كما تعرض لنقد رجال السياسة ورجال الدين معا:
  مُلَّ المقام فكم أعاشر أُمـــــــة ... أمرت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية واستجازوا كيدها ... فعدوا مصالحها وهم أجراؤها
                        
وقال في نقد رجال الدين: 
رويدكَ قد غررت وأنتَ حرّ 
بصاحب حيلة يعظ النّساء
يحرّم فيكمُ الصهباءَ صبحا
ويشربُها، على عمد مساءَ
تحسّاها فمن مزجٍ وصِرْف 
يَعُلُّ، كأنَما ورد الحســـــــاء
يقولُ لكم: غدوتُ بلا كساء 
وفي لذّاتِها رهَنَ الكِســـــــاء
إذا فعل الفتى ما عنه يَنهــى 
فمن جهتَين لا جهة أســــــاء
                                                                                                       
كان المعري لا يني يفكر أن الإسلام ككرة الثلج بدأت صغيرة وانتهت كبيرة  فالفقه مثلا ليس إلا فكرا بشريا ألبس رداء القداسة  فالبشري تماهى مع الإلهي ومن ثمة جاز الاعتراض عليه ونقده لأنه عمل بشري :

أجــــــــــــاز الشافعي فعال شيء: وقال أبو حنيفة لا يجــــــــــوز
فضل الشيب والشبان منــــــــــــا:    وما اهتدت الفتاة ولا العجوز
بل انتقد الأديان وشنع عليها واعتبرها سبب الفرقة والبغضاء وكأنه ينتقد الإيديولوجيا ويتبنى الدولة المدنية قبل ميلاد الفكرة  اقرأ قوله:
في اللاذقية فتنة : مابين أحمد والمسيــــــــح
هـــــــذا بناقوس يدق وذا: بمئذنة يصيـــــــح
كل يعزز دينــــــه :يا ليت شعري ما الصحيح؟
أو قوله: 
عجبت لكسرى وأشياعه : وغسل الوجوه ببول البقر
وقول النصارى إله يضام: ويظلم حيا ولا ينتصـــــر
وقول اليهود إله يحب رشاش الدماء وريح القــــــــتر
وقوم أتوا من أقاص البلاد:لرمي الجمار ولثم الحجــر
فوا عجبا من مقالاتهم: أيعمى عن الحق كل البشــــــر؟
لقد  انحاز المعري إلى العقل ودافع عن العقلانية  إذ دعا إلى إعمال العقل حتى في النصوص بل اعترض عليها :
كَذَبَ الظَنُّ لا إِمامَ سِوى ال
عَقلِ مُشيراً في صُبحِهِ وَالمَساءِ
فَإِذا ما أَطَعتَهُ جَلَبَ الــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رَحمَةَ عِندَ المَسيرِ وَالإِرســـــــــاءِ
إِنَّما هَذِهِ المَذاهِبُ أَســــــــــــــــــــــــبا
بٌ لِجَذبِ الدُنيا إِلى الرُؤَساءِ

وقسم الناس إلى فئتين :أصحاب العقول وهم الباحثون عن الحقيقة الذين لا يغريهم الشكل كسلطة الحاكم وسلطة رجل الدين وسلطة الرمز وسلطة الماضي ، وقسم هم العامة أو القطيع والذين يصنعون طواغيتهم بأنفسهم:
إثنان أهل الأرض ذو عقل بلا :دين وآخر دين لا عقل له                                                                        
وانظر إلى  اعتراض الشاعر على النصوص المقدسة:
يد بخمس مئين عسجد وديت: ما بالها قطعت في ربع دينار؟
تناقض ما لنا إلا السكوت عنه: وأن نعوذ بمولانا من النار:
ولقد اعترض  جهرا على الخالق:
أنهيت عن قتل النفوس تعمدا: وبعثت أنت لقبضها ملكين!
وزعمت أن لها معادا ثانيا:ما كان أغناها عن الحـــــــالين
لقد كان المعري بمقالنا الحديث رجلا تنويريا  ميالا إلى المجتمع المدني نصيرا للعقل ، مثالا للرجل المخلص لعقيدته  لا يطلب دنيا ولا جاها ومن أجل ذلك الإخلاص قطع رجاءه بمغريات الحياة  واكتفى بالنزر اليسير حتى لا تسوقه أطماع النفس إلى خيانة الضمير وقد انتقد رجال الدين الذين لبسوا المسوح  وكانوا طلاب دنيا لا طلاب علم ولا آخرة بل أعلن صراحة أن  دين الناس هو الرياء:
أرائيك فليغفر لي الله زلتي :بذاك ودين العالمين ريــــــــــاء
وقد يخطئ الإنسان ظن عشيره:وإن راق منه منظر ورواء
إن كثيرا من الأفكار التنويرية والحداثية تجدها عند الشاعر ولا يعوزها إلا المصطلح الحداثي مثل: المجتمع المدني ، العقلانية، النقد الهدام لتوليد المعنى، الإنسانية في مقابل اللاهوتية أو    الناسوت كأولوية على اللاهوت ....
والعجيب أن الشاعر صبر على الأذى ولم يستسلم ولم يتب  بتعبير فقهاء اليوم عن حالة بعض المفكرين والفنانين الذين يقضون أعمارهم دفاعا عن مذهب ثم ينكصون في أرذل العمر ولن تعدم أمثلة من الوسط الفكري أوالفني  ولكن تجد المعري صامدا غير مبدل ولا هياب  فالمعري هو المعري شابا وكهلا وشيخا وهو أمر جدير بالاعتبار حين نفكر في المثقفين الذين يهرولون نحو السلطة رياء  وطمعا في جاه ومركز، أو المثقفين الذين يخافون من السلطة ويسكتون على الظلم إيثارا للسلامة  غير أن العجيب هو حالة التفتح  في المجتمع العربي في القرن الرابع والخامس الهجريين فالمعري المعترض على النص ، المقدم للعقل على النقل، الناقم على السلطة السياسية والدينية لم ينله سوء فلم تتم تصفيته وغاية ما ناله  هجاء وانتقاص من النوع الذي ذكرناه آنفا وكثير من أحداث القتل في التاريخ الإسلامي القديم تحت طائلة الردة والكفر إنما تمت لأسباب سياسية بحتة مغلفة بغلاف الدين  حتى لا تنتبه العامة كقتل غيلان الدمشقي الذي شنع على الأمويين وكذا الجعد بن درهم ثم عبد الله بن المقفع  والحلاج في العصر العباسي مثلا  فأي ردة أصابت مجتمعنا العربي حين  نفكر في حالة فرج فودة  ومهدي عامل ،حسين مروة وشكري بلعيد وغيرهم  هل المجتمع العربي في القرن الرابع أكثر حداثة من المجتمع العربي في القرن العشرين وهو القرن الذي عاش فيه أولئك الأعلام وتمت تصفيتهم؟ 
نتساءل حقا ونحن نرى موجة أسلمة العلوم، وأسلمة الأدب وتحريم الفن، وتبديع الديمقراطية ، وتقسيم الناس إلى كفار ومسلمين،  والدعوة الحثيثة إلى إحياء الماضي والعيش في  أسماله وعدم احترام الحرية الشخصية وإهانة المرأة هل العالم العربي مستعد لنقاش جدي حول المسائل الثلاث المستعصية: الله، الجنس ، السياسة؟
هل يقبل مرجعية عقلانية إنسانية  غير المرجعية الماضوية تلك التي تتمأسس على تقديس السلف وتبجيل الماضي عوض تقديس الإنسان واحترام الحق الإنساني في كيفية العيش ونمط التفكير وحرية المعتقد وحرية الجسد بلا وصاية كهنوتية؟
إن الدولة الدينية خطر على الدين ذاته وخطر على الحريات الأساسية وعلى الثقافة والإبداع والفنون إنها تطمح إلى إلغاء الفروق والتباين وتنميط المجتمع في نمط موحد اللباس والتفكير والشعور مهووس بإيديولوجيا الكفاح والتبشير وهو ما أسميه مجتمع علبة السردين: حجم واحد وطعم واحد ورائحة واحدة وهو أمر ضد الدين ذاته الذي يقر باختلاف الناس ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة.
لا حل إلا بدولة مدنية كما حلم بها أبو العلاء فقد كان مفكرا وشاعرا  حداثيا كما نقول اليوم ونص على كثير من القضايا المصيرية  وبت فيها بعقله وحده.

السلام بين الممكن الوطني والمتطلب الدولي/ سري القدوة

لغة الحضارة الفلسطينية : لقد مضى تقريباً مئة عام على احتلال فلسطين ومهما مضت السنوات لا يمكن الا وان يعود الحق لأصحابه، انهم يريدون ان نتنازل عن الحق الفلسطيني، ان التاريخ يسجل ويشهد من يمارس البلطجة ومن يطبق القانون، ممكن للحرامي أن يسرق ممتلكات غيره ولكن يبقى حرامي، ولا يمكن ان يتم تغيير الواقع بوهم الشعارات والكلمات الكاذبة واستمرار خداع العالم .

ان الشعب الفلسطيني والقيادة يرفضون تلك الصفقات الوهمية وخاصة ما يسمى صفقة القرن والتي وهي خطة لتصفية القضية الفلسطينية وأن هذه «الصفقة» أداة لتلبية رغبات دولة الاحتلال بزعامة نتنياهو، ولا تشكل أساسا لحل الصراع، وقدمتها جهة فقدت مصداقيتها بأن تكون وسيطا نزيها لعملية سياسية جدية وحقيقية وهذه الخطة لحماية ترامب من العزل وحماية نتنياهو من السجن وليست خطة للسلام في الشرق الأوسط بل خطة سلامة الذات لأصحابها .

ان القدس أرض محتلة وهي اساس الرواية الفلسطينية العربية المسيحية والإسلامية وعاصمة لدولة فلسطين وحاضر وماضي ومستقبل الهوية السياسية والثقافة لشعبنا وأن صفقة ترامب التي لا تعطي الأرض المحتلة لأهلها ولا تعترف بحدود 1967 ولا تعترف بأن القدس ارض محتلة، بل تقدمها للاحتلال كاملة وأن ما تسمى صفقة القرن تعصف بأسس الحل العربي التي أقرتها القمم المتعاقبة، خاصة مبادرة السلام العربية، وتتعارض مع أسس الحل التي وضعتها أوروبا وتتعارض مع رؤية دول عدم الانحياز ومؤتمرات القمم الافريقية، بل أنها أصبحت خطة للتفاوض بين غانتس ونتنياهو، وليست أساسا للحل بين الاحتلال وفلسطين، ولا بد من المجتمع الدولي القيام بواجباته وألا يكون شريكا في هذه الصفقة، لأنها تتعارض مع ابجديات القانون الدولي وحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف وأن ما يسمى صفقة القرن لا تستند الى الشرعية الدولية والقانون الدولي وتعطي الاحتلال كل ما يريده على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية المتمثلة في الدولة المستقلة ذات السيادة ومتواصلة الأطراف وعاصمتها القدس وحق اللاجئين بالعودة .

ان مستويات التحرك ستكون على المستوى الدولي عبر التوجه لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة لاهاي من أجل اتخاذ القرارات الهادفة لحماية الحقوق الفلسطينية حسب القانون الدولي، وعلى المستوى الوطني يجب تفعيل كل أشكال المقاومة الشعبية وتطبيق قرارات المجلسين المركزي الفلسطيني والوطني بما في ذلك وضع حد للاتفاقات الأمنية والسياسية وسحب الاعتراف بالاحتلال وتجسيد الدولة على الأرض ولا بد ايضا من التوجه نحو فرض مقاطعة شاملة على الاحتلال وضرورة إنهاء الانقسام والعودة الى الوحدة الوطنية والاستمرار في النضال وفاء للشهداء ولأسرانا وجرحانا .

ان ممارسات الادارة الامريكية التي تتنكر للشرعية الدولية تهدف الى فرض سلام القوة لم تعد طرفا في عملية السلام بل شريكا للاحتلال وان خطتها تتعارض مع ابجديات القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني وبات المطلوب من الدول العربية في هذه الظروف التي تشهد اكبر مؤامرة في التاريخ لتصفية فلسطين والحفاظ على الممكن الوطني الفلسطيني ان تكون درعا لحماية فلسطين من المؤامرة الكبرى وصون حقوق أهلها، وأن الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية يخوضون معركة القدس ويدافعون عن حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة وغير القابلة للتصرف في ضوء ما يمكن تحقيقه على المستوى الدولي استنادا الى احترام الشرعية الدولية وعدم القفز عن الحقوق الفلسطينية المشروعة وبعيدا عن مؤامرات تصفية القضية الفلسطينية .

الصين ترعب العالم!/ د. عبدالله المدني

"رعب في الصين"، "خطر يهدد حياة مئات الملايين من الصينيين"،"الرئيس الصيني يعقد اجتماعا طارئا لقيادة الحزب الشيوعي"،"أوصال الصين مقطوعة"، "العالم يتجنب السفر إلى الصين"، "الإقتصاد الصيني يخسر بلايين الدولارات". هذه مجرد نماذج مختصرة لمانشيتات الصفحات الاولى في الصحافة الآسيوية والعالمية خلال الأسبوع الفائت. 

لأول وهلة يعتقد من يقرأ هذه العناوين أن حربا عالمية ثالثة تستهدف الصين قد اندلعت، أو أن كارثة نووية قد حلت بها على غرار تشيرنوبل السوفياتي. لكن الحقيقة كما بات معروفا للجميع في أقاصي الدنيا،  بفضل ثورة الإعلام الجديد العابر للقارات في لحيظات، هي أن ثاني أقوى إقتصاد في العالم لم تتعلم الدروس مما أصابها في عام 2000 حينما انطلق منها وباء سارس المميت (وقبله وباء إنفلونزا الطيور)، ولم تتخذ ما يكفي من إجراءات لمنع تكراره، فكان أن انتشر فيها ومنها اليوم فيروس مرض كورونا الجديد القاتل الذي لم يحل كاللعنة على الصينيين فحسب وإنما تجاوز الحدود لينتقل إلى دول قريبة وبعيدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند وسنغافورة وماليزيا وفيتنام ونيبال والولايات المتحدة وفرنسا واستراليا وكندا واسكتلندا وغيرها.

الملاحظ هنا أن القيادة الصينية كانت شجاعة في اطلاع العالم على الحقيقة رغم علمها المسبق بالتداعيات السلبية لنشر الحقائق على إقتصادها والتي تمثلت في وقف الرحلات الجوية العالمية إلى مطاراتها كإجراء احترازي مؤقت، وخروج الأجانب من أراضيها، وتجنب السواح زيارة مدنها ومعالمها، دعك من أمور أخرى وصلت حد تجنب استيراد الملابس والأطعمة منها خوفا من إحتمالات تلوثها بالفيروس القاتل. ولو أن هذا الحدث وقع أيام المعلم "ماو تسي تونغ" لتكتمت القيادة عليه ولما سمع به العالم من باب الحفاظ على سمعة البلاد واقتصادها، خصوصا وأن في تلك الحقبة لم يكن هناك إعلام جماهيري يتمتع بالسطوة والقوة التي هو عليه اليوم.

لهذا قلنا أن إعلان الرئيس الصيني "شي جينبينغ" عن أن بلاده في خطر وأن الأزمة في تفاقم أمر يحسب له. كما أن قراره بإغلاق مدينتين من مدن الصين الكبرى(ووهان وهوانغانغ) البالغ تعداد سكانهما معا نحو 19 مليون نسمة، واللتين ثبت لدى السلطات الصينية أنهما مصدرا الفيروس القاتل، ومنع الدخول والخروج منهما واليهما قرار صائب غير مسبوق للحد من انتشار الوباء، على الرغم مما قالته منظمة الصحة العالمية من أن إغلاق مدن بأكملها أمر لم يُجرب من قبل لجهة الحد من إنتشار الاوبئة وأن له نتائج إجتماعية واقتصادية خطيرة، خصوصا مع احتفال الصينيين بموسم السنة القمرية الجديدة، وهو موسم يتنقل فيه مئات الملايين من الصينيثين بين المدن والمقاطعات الشاسعة جوا وبواسطة القطارات المكتظة.

في تغريدة لي حول الموضوع قلت "هل تساءل أحد لماذا الصين وليس غيرها من الدول الأقل قدرات وإمكانيات والاضعف اقتصادا هي مصدر الاوبئة المميتة في السنوات الماضية؟ فجاءت الردود متباينة بين من زعم أن الأمر متعلق بمؤامرة خارجية ضد الصين من قبل خصومها ومنافسيها العالميين، ومن إدعى أن السبب يكمن في تجارب تجريها الصين لإختراع أسلحة جرثومية متطورة، ناهيك عمن تبنى نظرية العقاب الإلهي بمعنى أن الصين حلّ بها ما حلّ عقابا لها على سياسات إغراق البلاد الأقل نموا بالديون. 

غير أن الإجابة الواقعية ــ من وجهة نظري ــ جاءت من زميلنا الكاتب السعودي حسين شبكشي في مقال له بجريدة الشرق الأوسط (26/1/2020) تحت عنوان "عولمة الفيروسات" حيث أرجع الأمر إلى خلل في المنظومة الغذائية التي يعيش عليها السواد الأعظم من الشعب الصيني، معطوفا على عوامل أخرى مثل عدم الاكتراث بالحفاظ على البيئة في ظل حمى عمليات التصنيع الجارفة للطبيعة، وضعف جودة المراقبة في المختبرات الصحية، مضيفا أن حركة السفر والتنقل التي باتت أكثر يسرا اليوم من أي وقت مضى، وانفتاح الصين على العالم بما فيه خروج الصينيين في أفواج سياحية إلى العالم من بعد عزلة قسرية طويلة ساهم في تنقل فيروسات الأوبئة جغرافيا وعدم بقائها معزولة في نطاق البلد الأم.


د. عبدالله المدني
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: يناير 2020 
الإيميل: Elmadani@batelco.com.bh 

عبارة الهامش:
أرجع الأمر إلى خلل في المنظومة الغذائية التي يعيش عليها الصينيون

مقطعان شعريان: لغز الحياة الرهيب، و(ما كان لو تتريّثُ)/ كريم مرزة الأسدي


لا العلم يدركُ مغزاها ولا الفهِمُ
1 - أرى الحياة َكسرٍّ، لطف بارئها***أعيى العقول، بـــــما تحويه ينكتمُ
2 - إنّ التـــــوازن َ- جـلّ اللهُ مقدرةً***من الخليـة ِ حتى الكـون منتظمُ
3- سبحان منْ أبدع التكوينَ في نسق**لاينبغي أنْ تحيدَ الشمـسُ والنُّجُمُ
4 - وتارة ً قد نرى في طيشها عجباً***لا العدلُ بيـن ثناياها ولا القيمُ
5 - تأتي المنية ُللصبيان ِتغصبهمْ***روحَ الحاة، ويُعفى العاجزُ الهرِمُ
6 - أنّى ذهبتَ لتسعى في مناكبها**هــــــي المظالم ُ مَلهومٌ ومُلــتهِمُ
7- فالفرغمُ السبعُ عدّ الأرض ساحتهُ**والكلبُ ما نالّ من عظم ٍ وينهزمُ
8 - 9 - والغيثُ يهطلُ فوق البحرمن عجـز ٍ***ولا تدرُّعى تربائها الديمُ
9 - دع ِ المقـاديرَ تجري في أعنّتها"***لا العلم ُ يدركُ مغزاها ولا الفهِـمُ

***********************
المقطع الثاني من قصيدة أخرى:

1 - ما كــــانَ لــو تتَريث ***عوضاً تعيشُ وتلهثُ

2 - رُيّضتَ تسعة َ أشهر ** في ضنْك ِرحم ٍ تلبثُ

3 - ماذا وجدتّ بذي الحيا**ةِ وكلُّ عمـركَ تبحثُ؟!

4 - فإذا زهــوتّ محدّثـاً ***غطـّى عليـكّ الأحدثُ !

5 - أتـرى بإرضـكَ حارثاً **أمْ غيرَ أرضِكَ تحرثُ؟!

9 -"والظلمُ من ْ شيم ِ النفو**سِ"وأنتَ خُلقكَ يدمثُ!

11 - والديـنُ أصبحَ قسمـةً ** ضيزى(وحـلفٌ)يحنثُ !!

12 - غرفوا ، ومـرّتْ أعصرٌ *** والباقيـاتُ الأجدثُ

13 - دعهمْ فما لكَ حيلة البــ ** ـهتانِ ممـــا يرمثُ

16 - هذي همومٌ كُثـِّــــفتْ ***مـنْ حرِّ صــــدر ٍ تنفثُ

17 - والشعـرُ لا يقوى على الـ**ـكتمان ِمهمـا يمكثُ!

كريم مرزة الأسدي

فيئوا إليّ/ فراس حج محمد

أنا (ترامب)
أنا لم أكذّبْ أبدا
ما بفكري من جنون صاعدٌ بوضوحه على لغتي
يزغرد بابتسامة في شفتي
بغمزة من عينيَ الحلوة
كل شيء قائم على أنضر وجهْ
أنا لست حاكماً عربياً لأدجّلْ
أو أناضلْ
أو أستعير بلاغة الإنشاء من عصر القبائلْ
أنا لن أقرأ الإنجيل يوما سوى يوم الأحدْ
في طقس الصلاةِ
وأنسى في السياسة كل أسفار الخبلْ
أنا لست مواطناً عربياً يغرق كل يوم في دياجير الخطبْ
أنا لست أكذب مثل حكام العربْ
أنا لن أجعجع مثل قيادة تبكي
تُحَسْبِنُ في المحافلْ
وتقول كما قال الزعيم: "لن أقبلْ"!
ستقبل أيها الثورُ الثورجيُّ
وتقبل ثم ثقبل ثم تُقلب صفحتك
وينتهي الأمرُ
فليَ الأمر من قبلٍ ومن بعدُ
أيها الثيران في حظائر الثورة قومي
لا تتأخري
ستموتين من العطش
تعاليْ إلى برسيم البيت الأبيض
إلى أعشاب إسرائيل
إلى ظلٍ ظليل
لا تندبي مثل اليتامى أمام (الكاميرات)
لن ينفعك اليوم سواي
أنا صادق جداً وجادّ
أنا لست مثل حكام العربْ
كي لا أقول الصدق إطلاقا
وأكذب في المساجد كل يوم خمس مرات
وأحقن الأيفون في لغة الغضبْ
أنا هادئٌ جداً
أرى ما أريدْ
أفعل ما أريدْ
لكل شيء عندنا مقدارْ
وكل شيء قد فعلنا بقدرْ!

أديسون وأمه/ عبدالقادر رالة

من منا لا يعرف  توماس اديسون، ومن منا لم يقرأ سيرته ولو في الكتب المدرسية ،ذاك الشاب الطموح الذي أصبح بفضل الإصرار والهمة العالية وتنظيم الوقت من أشهر المخترعين ورجال الأعمال في الولايات المتحدة والعالم، إذ تمكن من اختراع العديد من الأشياء المهمة في حياتنا اليومية، ولعل أهمها وأروعها المصباح الكهربائي الذين ينير بيوتنا وليالينا...
   لكن ذلك الطموح ما كان ليوجد ،وتلك الهمة العالية ما كانت لتثمر كل تلك الاختراعات المتنوعة لولا تلك الأم العظيمة التى حولت الفشل الذريع الى ناجح باهر!
فإديسون الطفل لم يمضي الا ما يقارب  الأربعة أشهر في المدرسة الرسمية ، إذ كان شريد الذهن بطيء الفهم ،حيث وصفه معلمه بالسيء والغير صالح للتعليم .وكثيرا ما كانت الإدارة المدرسية تراسل أمه حول بطء فهمه.
   لكن الأم ما استسلمت وآمنت بحق ابنها في التعليم ولو في البيت، وأصرت أن لا تحرمه من النعليم والدرس.
   فكانت تبتاع له الكتب وتدرسها وتشرحها له بنفسها في البيت حتى امتلك موهبة الفهم والتحليل.
   وأجمل وأروع   ما في سيرة اديسون، وأثرت فيه هو وأثرت فينا نحن قراء سيرته أيضا هو تلك الرسالة التي عثر عليها في أحد الأيام  ،وهو يبحث في خزانة  والدته...
    “ ابنك ...غبي جدا .فمن صباح الغد لن ندخله المدرسة.”
   بكى اديسون لساعات طويلة اذ تذكر أمه الرأئعة التي قرأت له الرسالة بشكل مختلف...
   “ابنك عبقري و المدرسة صغيرة عليه وعلى قدراته ،عليك أن تعليمه بالبيت.”
   قراءة مختلفة صنعت منه مخترعا ذو همةعالية وطموح كبير...

الرسالة الثانية بين آمال عوّاد رضوان ووهيب نديم وهبة- حيفا

رسالة آمال عوّاد رضوان الثانية: 
يُسْعِدُنِي أَنْ أَفْتَرِشَ وَإِيَّاكَ بَعْضَ زَغَارِيدِ الْآمَالِ لِعَرُوسِ الْكَرْمِلِ الْخَلَّابَةِ، نُرَاقِصُ مَوْجَهَا، وَيُعَطِّرُ مَسَامَاتِ الرُّوحِ رَذَاذُ لْيَلِهَا، نَرْتَشِفُ أَثِيرَ هَوَاهَا، وَتَتَلَمَّظُ دِمَاءَنَا كُرُومُ غُرُوبِهَا الْعَابِقِ بِعِشْقِهَا.
الشَّاعِرُ وَهِيب نَدِيم وِهْبِة، دَعِ الْخَيَالَ يَجُولُ وَيَصُولُ فِي بَرَاحِ سَكْرَتِهِ الْمُتَيَقِّظَةِ، دُونَ أَيِّ تَصْرِيحٍ أَوْ جَوَازِ سَفَرٍ يَتَسَكَّعُ عَلَى الْحُدُودِ، فَتَهَلَّلْ/ لِنَتَهلَّلَ بِتَهَالِيلِكَ الْعَذْبَةِ.
هَا جَوَانِحُ جَوَارِحِي
تَكْتَظُّ بِكَ .. تَتَغَلْغَلُ 
فِي خَاصِرَةِ الظِّلَالِ!
أَكَأَنَّمَا 
تُحَلِّقُ أَفْئِدَةُ نَوَارِسِكَ
فِي يَمِّ الْيَقِينِ؟
أَكَأَنَّمَا تَغْشَى.. قَوَارِبَ اعْتَصَمْتْ 
فِي صَوَامِعِ الْوَهْمِ؟

مَحْمُومَةً تَشْرَئِبُّ 
أَعْنَاقُ حُرُوفِكَ
مِنْ خَلْفِ سَوَاحِلِ .. أَبْجَدِيَّتِي الْمَوْصُودَةِ
تُــطَــاوِلُ نَفَحَاتِ مَلَكُوتٍ..
تَخَلَّدَ فِي أَقَاصِي الْأَسَاطِيرِ!

وَفِي عَتِيقِ حَيْفَا 
مَا بَيْنَ 
صَدْرِ السَّمَاوَاتِ .. وَعَجْزِ الْأَرْضِيَّاتِ
نَبْضُ آيَةٍ مَجِيدَةٍ
تَـحُــفُّــهَــا 
تَــرَاتِيلُ أَجْــوَاقِ مَــلَائِــكَــةٍ
وَ ...
بَحْرُ حَيْفَا مَوْشُومٌ .. بِعَصْفِ الْمَنْفَى
يَـ~مُـ~و~جُ عَارِمًا 
بِــكَــرْمِــلٍ يَــتَــنَــسَّــكُ
عَلَى شَوَاطِئِ قَدَاسَةٍ مَجْدُولَةٍ!

خَيَالُكَ الشَّاعِرُ 
يَــثْــمَــلُ .. بِنَدَى الْكَرْمِلِ
يَــنْــسَــلُّ 
فِي مَعَابِرِ أَدِيمِ الْانْتِظَارِ
يَــنْــسِــلُ 
بِمِخْلَبِ حُلُمِهِ الشَّقِيِّ
خَيْطَ لِقَاءٍ.. حَاكَهُ الْمُحَالُ!!

سَبْعُونَ شَهْقَةَ شَمْعَةٍ
غُمِسَتْ طَمْسًا
فِي ثُقُوبِ ذُبَالَاتِ الضَّبَابِ!
تَقْوِيمُ مِيلَادِ وَطَنٍ
تَــآكَــلَــهُ 
هُــزَالٌ مَــشْــطُــورٌ 
عَلَى عَرْشِ الْحَسَرَاتِ!
وَتَحْتَ كَنَفِ غَصَّةٍ جَبْرِيَّةٍ
خُطَى دَمْعَةٍ 
تَمْتَثِلُ .. لِأَضْغَاثِ وَجَعٍ!

تَقْوِيمُ مِيلَادِ وَطَنٍ
تَــآكَــلَــهُ .. هُــزَالٌ مَــشْــطُــورٌ 
عَلَى عَرْشِ الْحَسَرَاتِ!
تَوَغَّلَ خَفْقًا مَثْقُوبًا 
فِي بُؤَرِ الرُّوحِ
أيَعُودُ الضِّيَاءُ الْمَوْعُودُ؟

رسالة وهيب نديم وهبة الثانية: 
آمَال؛ عُصْفُورَةُ الْحَنِينِ تَنْقُرُ شُبَّاكِي؟! 
مَا بَيْنَ الْبَحْرِ "اللُّغَةِ" وَشُعَاعِ الْفَوَانِيسِ
تَحْمِلُ كَلِمَاتُكِ الرَّقِيقَةُ النَّاعِمَةُ.. غِنَاءَ عُصْفُورَةِ الصَّبَاحِ! 
رِسَالَتُكِ الْعَائِدَةُ إِلَى الْجَبَلِ الْكَرْمِلِيِّ الشَّامِخِ تَقُولُ: 
أَنْتِ الشَّامِخَةُ الْعَالِيَةُ.. أَنْتِ الْغَالِيَةُ الْمُبْدِعَةُ الرَّائِعَةُ
كَيْ تَزْرَعَ الدُّنْيَا "حَدَائِقَ الشِّعْرِ" 
كَيْفَ سَقَطَ الطَّيْرُ فِي يَدِي؛ (الْكِتَابُ)؟
لِمَاذَا أَقُولُ إنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ تَفْقِدُ الْكَثِيرَ حِينَ تُقَالُ؟ إِنَّ غُمُوضَ الْبَحْثِ عَنِ الْمَجْهُولِ، مُخَيَّلَةُ الْقَادِمِ الْآتِي، تَكُونُ بِالرَّمْزِ، بِالْإِشَارَةِ، فَالدِّينُ وَحْيٌ، وَالْكِتَابَةُ إِلْهَامٌ وَهَذَيَانٌ، وَحِينَ نُفَسِّرُ سِرَّ الْكِتَابَةِ نَفْقِدُ رَعْشَةَ الْإِحْسَاسِ، وَحِينَ نُفَسِّرُ سِرَّ الْحَيَاةِ، نَفْقِدُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّنَفُّسِ، وَنَفْقِدُ سِرَّ الْحَيَاةِ، هذَا الْحَنِينَ الْعَتِيقَ الْغَامِضَ الَّذِي يَشُدُّ الْإِنْسَانَ لِلْبَقَاءِ.
لِمَاذَا كَتَبْتُ الْأُغْنِيَةَ؟ 
هِيَ قُدْرَةُ كَلِمَاتِكِ الْمَزْرُوعَةِ (حَدَائِقَ بَابِل)، الْمُثْقَلَةِ "بِاللُّغَةِ" الرَّائِعَةِ، وَالثَّقَافَةِ الْعَالِيَةِ وَالرُّوحِ الشَّفَّافَةِ. 
حَتَّى أَنَّنِي كُنْتُ أَخَافُ وَأَنَا أَكْتُبُ، أَنْ أَجْتَازَ الْحُدُودَ، وَهُنَالِكَ مَنْ يُفَسِّرُ الْكَلِمَاتِ مُجَامَلَةً، أَوْ أَنَّ هُنَالِكَ مَعْرِفَةً مُسْبَقَةً، لِهذَا بَقِيَتْ كَلِمَاتِي بَيْنَ حُدُودِ النَّصِّ وَاللُّغَةِ.
الصَّدِيقَةُ الْفَرَاشَةُ الْمُحَلِّقَةُ فِي فَضَاءِ الْإِبْدَاعِ آمَال، 
أَتَمَنَّى أَنْ يَسْتَمِرَّ بَيْنَنَا هذَا التَّوَاصُلُ الثَّقَافِيُّ، وَإِلَى لِقَاءٍ.

من كتاب الرسائل (أَتُخّلِّدُني نوارسُ دهشَتِك؟)

استنساخ الاحتلال وإنتاج الإرهاب في المنطقة/ سري القدوة

إن حكومة المستوطنين بقيادة المدعو نتنياهو تقود وترعى عصابات الإرهاب والكراهية والتطرف الديني التي تواصل جرائمها بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية خاصة في مدينة القدس المحتلة، والتي يغذيها فكر عنصري متطرف قائم على التحريض المتواصل ضد كل فلسطيني وانه لا يمكن تبرير صمت العالم ومؤسساته على مواصلة اعتداء الاحتلال على المصلين في المسجد الأقصى وإحراق المساجد من قبل عصابات الإرهابيين اليهود وتدنيسه بكتاباتهم العنصرية  .

ان التصريحات الصادرة عن قيادات الاحتلال حول احتمال ضم أجزاء من الضفة الغربية في الأغوار وشمال البحر الميت مرفوضة ومدانة وتعكس مستوى غير مسبوق من التعنت السياسي لدى قيادات الاحتلال سواء في الحكم أو المعارضة وإن هذه المواقف تعد انعكاس لحالة الفوضى داخل مجتمع الاحتلال ومن الخطر الشديد الزج بالقضية الفلسطينية في معترك الازمة الانتخابية والمصالح السياسية الضيقة للقيادات الإسرائيلية الذين باتوا يعانون من ازمات نفسية صعبة نتيجة الوضع الحالي القائم واحتمالات انفجاره بصورة غير متوقعة في حال أقدم الاحتلال على تنفيذ هذه السياسات .

 إن القانون الدولي واضح في هذا الخصوص وإن إقدام الاحتلال على إعلان ضم الجولان في السابق لم يغير من حقيقة كونها أرضا محتلة في نظر القانون الدولي ومن ثمّ فإن هذه المواقف والسياسات الإسرائيلية بشأن ضم أجزاء من الضفة لن يكون لها تأثير عملي على الوضعية القانونية لهذه الأراضي بوصفها أرضا محتلة ولن تؤدي الا لمزيد من التصعيد وتقويض فرص الحل السياسي  في المستقبل .

انه من الطبيعي ان تسير الامور في منحدر خطير بعد كل هذه الاجراءات التي يقوم بها الاحتلال وان تعيد المنطقة الى مربع الصفر وكنتيجة لهذا السياسيات الاسرائيلية العقيمة ستدخل المنطقة الي عهد جديد وسيبقي المستقبل مجهول امام فرص تحقيق سلام عادل مبني على الشرعية الدولية وبكل المقاييس فان ما يتم طرحه من قبل قيادة الاحتلال الاسرائيلي والانحياز الامريكي للاحتلال سيؤدي في المحصلة النهائية الى تبلور مرحلة جديدة وانفجار الاوضاع في المنطقة ومن الصعب السيطرة عليها فالاحتلال يعيد استنساخ الاحتلال ويضع المنطقة برمتها امام خيارات ستكون صعبة في المستقبل  وواضح اليوم ان القيادة الفلسطينية ستتخذ خطوات مهمة لمواجهة كل هذا الدمار والخراب الذي يلحق في المنطقة وستكون امام خيارات صعبة وإذا لم تستطع ان تصل إلى شيء سيصبح من الصعب الاستمرار في الوضع القائم حاليا ويجب ان يتم اتخاذ خطوات نحو تعزيز صمود الشعب الفلسطيني وحماية الارض الفلسطينية والعمل على المضي قدما لبناء الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال الاسرائيلي واتخاذ كل الاجراءات الكفيلة في الانفكاك عن الاحتلال وعدم التعامل معه بأي شكل من الاشكال .

اننا وفي ظل عدم وجود شريك حقيقي لصنع السلام وتخلي الولايات المتحدة الامريكي عن دورها السابق ولم تعد تتحمل مسؤوليتها كدولة راعية وشريك أساسي في عملية السلام بل اصبحت شريكا استراتيجيا لدولة الاحتلال وهي من يشجع الاحتلال علي استمرار الاستيطان وسرقة الارض الفلسطينية وإعادة انتاج الاحتلال من جديد للأراضي الفلسطينية ولا بد هنا ان يتم التوجه الي المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية لطلب الحماية الدولية والاستمرار في التحرك الدولي والشعبي لحماية الشعب الفلسطيني ووضع استراتيجية وطنية شاملة لإعادة صياغة وبناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بما يلائم الواقع الجديد ومتطلبات الصمود لمواجهة نهج الاحتلال الغاصب لأرضنا وحقوقنا الفلسطينية.

هناك فرق ما بين شيخ يقاوم... وشيخ يساوم/ راسم عبيدات

هناك من رجال الدين المسلمين والمسيحيين من خرجوا من جدران مساجدهم وكنائسهم الى الفضاء الأرحب،فضاء الوطن من اجل مقارعة المحتلين والإلتحام مع جماهير شعوبهم وتبني قضاياهم وهمومهم ..والنضال ضد المحتلين ...ضد الظلم والإضطهاد وامتهان الكرامة ومصادرة الحقوق،ولعل الشيخ المجاهد عز الدين القسام القادم من قرية جبلة في ريف اللاذقية السورية والذي شارك في الثورة الفلسطينية ضد المستعمر البريطاني وليستشهد في احراش يعبد بعد معركة شرسة مع القوات الإستعمارية البريطانية،في 20/11/1935،ولتكن نضالاته وتضحياته " بروفات" للثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ..ولم يكن الشيخ السوري عز الدين القسام،وحده من خرج خارج جدران جامعه ومسجده لمقارعة المحتل،بل كان مطران حلب المناضل هيلاريون كبوتشي الذي خرج خارج جدران كنيسته،وليلتحق بالثورة الفلسطينية،عندما شاهد ظلم الإحتلال وطغيانه،لم يستطع السكوت على ذلك،فخرج مناضلاً في سبيل حرية الشعب الفلسطيني،وليجري اعتقاله من قبل أجهزة امن الإحتلال والحكم عليه بإثني عشر عاماً،بتهمة تهريب السلاح لحركة فتح،وبعد تدخل الفاتيكان،جرى نفيه لخارج القدس بعد مضي اربعة أعوام على اعتقاله،ولكن ظلت القدس تسكن فيه حتى لحظة وفاته في المنفى ...وكما هو مطران حلب والقدس الراحل هيلاريون كبوتشي،كذلك هو مطران سبسطية وسائر الأراضي المقدسة،المطران عطا الله حنا،والذي تعرض مؤخراً لمحاولة تسميم قذرة،هدفها اسكات صوته المقاوم،فهو يعلي صوته دائماً ضد تعسف وظلم المحتل،ويدعو لوحدة شعبنا الفلسطيني،والحفاظ على فسيفسائه المتنوعة،ولا يرى بالعرب المسيحيين،أقلية،لأنهم عرب،والعرب ليسوا أقلية في أوطانهم،وأقلنة العرب المسيحيون يؤقلن عروبتهم،وتجده حاضراً في كل الأنشطة والفعاليات والمناسبات وطنية،دينية ومجتمعية ...أنه صوت عروبي حر مقاوم، وكذلك الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى،هو مدافع عن قضايا شعبه وعن القدس والمقدسات،ويرى بان القدس والمسجد الأقصى خطان احمران،وأن الأقصى لن يهود او يقسم مكانياً،فهذا مكان عبادة إسلامي خالص بمساحته المعرفة ب 144 دونماً،بمساطبه وقبابه وساحاته،ويرى ضرورة الرباط والتواجد فيه،لكي يتم منع الجماعات التلمودية والتوراتية من اقتحامه واداء طقوسهم وصلواتهم وتعاويذهم التلمودية والتوراتية في ساحاته ..وكذلك منعهم من تنفيذ مخططاتهم بفرض تغيير الواقع القانوني والتاريخي للمسجد الأقصى بقوة الأمر الواقع،والسيطرة على مصلى باب الرحمة،قوات الإحتلال وشرطته أبعدت شيخ الأقصى وخطيبه الدكتور عكرمة صبري إسبوعاً عن المسجد الأقصى،وأبعدت قبله في العام الماضي 55 مواطناً فلسطينياً من القدس والداخل الفلسطيني- 48- وكذلك طالت تلك الإبعادات عدد من حراس وموظفي المسجد الأقصى،الإحتلال بإستهداف الشيخ عكرمة صبري بالإبعاد عن المسجد الأقصى،هو استهداف للعلماء ورجال الدين،وتطور خطير في " تغول" و "توحش" الإحتلال على قدسنا ومقدساتنا،والشيخ عكرمة وجد بان قرار الإحتلال بإبعاده عن الأقصى،مساً بحقه بالدخول الى الأقصى ومساً كذلك بحرية العبادة،والمشاعر الدينية له ولأبناء شعبه ودينه،وكان قراره بكسر قرار إبعاده عن الأقصى لمدة أسبوع،حيث حُمل في صلاة الجمعة الماضية على الأكتاف وادخل للأقصى من قبل أبناء شعبنا الفلسطيني،وبعد ذلك جرى اصدار امر إحتلالي جديد بإبعاده عن الأقصى لمدة أربعة شهور،حيث أخضع امس لتحقيق استمر لساعات حول تحدي أمر ابعاده وإتهامه بالتحريض على الرباط في الأقصى، هذا الرباط جزء من جانب عقدي وديني يدعو المسلمين للدفاع عن مقدساتهم.

مسلسل العقوبات الإسرائيلية بحق الشيخ عكرمة صبري وغيره من العلماء ورجال الدين وحراس الأقصى والمواطنين،حرك المياه الراكده،حيث أعلن المبعدون عن الأقصى بعد لقائهم مع عدد من المؤسسات الحقوقية والإنسانية وتلك المؤسسات التي تعنى بحرية العبادة وأداء الشعائر الدينية،بأنهم في الجمعة القادمة عازمون على كسر قرار إبعادهم عن الأقصى،وهناك حق كفلته لهم كل القوانين الوضعية،بممارسة شعائرهم الدينية بحرية،وكذلك الوصول الى تلك الأماكن الدينية،وان إبعادهم يتنافى مع كل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية،وهو لا يحترم لا حقوقهم ولا مشاعرهم الدينية،ويرون في ذلك شكل من أشكال البلطجة والعقاب الجماعي والظلم والتعسف المقصودين....مواقف الشيخ عكرمة صبري بنى عليها المبعدون عن الأقصى،بأنه ليس من حق الإحتلال ان يمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية،والتي يجب ان تكون مصانة وفق القوانين والشرائع الدولية والسماوية.

أمام هذه اللوحة والصورة الإيجابية والمشرقة التي عكسها رجال الدين المسلمين والمسيحيين عن دور رجال الدين في خدمة شعبهم ووطنهم، نرى بأن هناك منهم من إرتضى ان يكون خادماً ذليلاً لأسياده وحكامه وحتى من يحتلون أرضنا ويغتصبون مقدساتنا،إنه شيخ من شيوخ سلاطين النظام السعودي،هذا النظام الذي فتح الباب على مصرعيه للتطبيع العلني والشرعي والرسمي مع دولة الإحتلال،حيث سمح وزير داخلية الإحتلال " آريه درعي" لمواطني دولة الإحتلال بزيارة السعودية للأغراض الدينية والتجارية والسياحية،من خلال " فيز" اسرائيلية لزيارة السعودية مباشرة،ولمدة تصل الى تسعين يوماً،وكذلك سمح للمواطنين العرب من عرب الداخل الفلسطيني - 48 - بالذهاب الى السعودية من أجل اداء مناسك الحج والعمرة بجواز السفر الإسرائيلي الذي يحملونه قصراً....وأبعد من ذلك ذهب وزير العدل السابق في مملكة آل سعود،ورئيس ما يسمى برابطة علماء المسلمين محمد العيسى الى بولندا،لكي يشارك في إحياء ذكرى المحرقة " الهولوكست،وليؤدي صلاة مشتركة اسلامية - يهودية تضامناً وحزناً على ضحايا المحرقة النازية من اليهود،ونحن كفلسطينيين ضد المحرقة وضد الظلم والإضطهاد بحق الإنسان بغض النظر عن الجنس واللون والدين والمعتقد...ولكن ماذا عن " الهولوكست" المستمر بحق شعبنا الفلسطيني، والذي يحرم من حقوقه بالعيش في حرية وكرامة والتحرر من نير الإحتلال،وإقامة دولته على جزء من أرضه التاريخية التي اغتصبها المحتلون واقاموا دولتهم عليها ..؟؟؟؟
نحن ندرك بان هذا العالم تحركه المصالح والمال،وليس مبادىء القانون الدولي ولا القيم ولا الأخلاق ...ولكن من يصلي ضد المحرقة الأجدر به ان يصلي ضد من يحتلون أرضنا ويحاولون السيطرة على مقدساتنا،وممارسة الطرد والتطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني.

نعم شيخ عن شيخ يفرق،فهناك شيخ ارتضى ان يبقى الى جانب شعبه ويدافع عن أقصاه،وتحمل عسف وظلم المحتل،ودافع عن حقه في الصلاة فيه،وشيخ يمارس الصلاة والطقوس بأمر من نظامه وأسياده،لكي يؤدي دور المطبع الخادم الذليل.

لا لصفقة القرن/ شاكر فريد حسن

عادت صفقة القرن، التي تعدها وتطبخها ادارة ترامب مع حكومة الاحتلال والاستيطان والعدوان، وبتواطؤ من الانظمة العربية الرجعية وفي مقدمتها الخليجية، عادت لتتصدر واجهة الأحداث، ولتتبوأ العناوين العريضة في وسائل الاعلام المختلفة.

وعلى ما يبدو أن طرح الخطة وبدء تنفيذها سيكون قبيل الانتخابات التشريعية الاسرائيلية التي ستجري في بدايات آذار المقبل. ولهذا الغرض تم استدعاء نتنياهو وغانتس للولايات المتحدة.

والواقع، أن صفقة القرن ليس مشروع سلام فحسب، وإنما جريمة حرب تستهدف تفجير الأوضاع في المنطقة واعادى ترسيم خريطتها وفق المصالح الامريكية، وفي خدمة مخططاتها التوسعية الاستعمارية، فضلًا عن تصفية القضية الفلسطينية ووأد حقوق شعبنا الوطنية، وتكريس الاحتلال للأراضي الفلسطيني لأمد بعيد.

إن شعبنا الفلسطيني يرفض هذه الصفقة جملة وتفصيلًا، ولن يقبل بها تحت أي شروط أو ضغوط، لأنها لا تلبي مطالبه العادلة ، وتصادر حقوقه التي اقرتها المواثيق والشرعية الدولية، وفي مقدمتها حق العودة، وحق تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة، ولذلك سيكون مصيرها الفشل كغيرها من المشاريع والمخططات التآمرية التصفوية السابقة.

ولمواجهة هذه الصفقة المشؤومة واسقاطاتها، يتطلب اولًا وقبل كل شيء إنهاء الحالة الانقسامية في الساحة الفلسطينية، وتعميق وتوطيد الوحدة الوطنية، وتعزيز التضامن الدولي والأممي مع شعبنا الفلسطيني وقضيته التحررية، وهذا منوط طبعًا بالجهود الفلسطينية، سياسيًا وشعبيًا واعلاميًا ودبلوماسيًا، لإعادة القضية الفلسطينية للمركز والصدارة، وهو ما يقتضي برنامجًا وطنيًا كفاحيًا، وخطابًا سياسيًا جامعًا، وموقفًا فلسطينيًا واحدًا، وذلك بالخروج من هاوية الانقسام المدمر المتواصل الذي ألحق اضرارًا فادحة بقضية شعبنا الوطنية.

فهذا هو مطلب الساعة والواجب الوطني لكل أبناء شعبنا الفلسطينية بكل شرائحه وقطاعاته وقواه الوطنية الفصائلية، وكل من يزال على عهد شعبه وقضيته.

هل يمكن أن يكون الشعب فاسدا بناء على الروايات؟/ فراس حج محمد

في تعليق للكاتب ماجد عاطف على مقالة "واقعيّة حضور المرأة في رواية أوراق خريفية"، وكنتُ تناولتُ فيها جانبا من أفكار  الكاتب محمد عبد الله البيتاوي، يقول في تعليقه: "كنت في حديث مع كاتبة مغتربة، وتطرقنا لكتاب محمد البيتاوي الذي لم أقرأه، فإذا بها تخبرني أن المجتمع الفلسطيني فاسد، على ما يبدو بناءً على قراءتها لهذا الكتاب. لم أفهم ما قصدته حتى طالعت هذه المقالة".
إن هذا التعليق يثير عدة تساؤلات حول علاقة الأدب، وخاصة الرواية، بالواقع، لاسيما إن كانت الرواية واقعية، وتستند في بعض أحداثها إلى أحداث حقيقية. وهل يجوز مثلا اعتبار الشعب الفلسطيني شعبا فاسدا؛ لأن مجتمع الرواية كان فاسدا، كأن هذا المجتمع الذي تدور حوله الأحداث هو كل ما في هذا المجتمع؟ لقد قيل عن رواية محمد شكري "الخبز الحافي" إن الكاتب قد جعل المغرب ماخورا كبيرا، فهل هي فعلا، وعلى أرض الواقع، ماخور كبير؟ وكما ورد في رواية "الجنس والمدينة" للكاتبة الأمريكية كانديس بوشنيل على لسان سيكبر: "الناس فاسدون جدا هذه الأيام". فهل يمكن للقارئ أن يسلّم بهذه الجملة التي بدت كأنها حقيقة مطلقة لا تقبل النقد أو النقض.
ثمة تعميم لا موضوعي من جهة حتمية ربط الأدب في دلالته على صورة الواقع الحقيقية، لعل في ذلك اجتزاء مبضعي وعزل لمجتمع الرواية عن المجتمع بشكل عام، كأن يقول أحدهم أن فلانا المريض لا خير فيه وهو يرى فقط جزءا من جسده مريضا. لكن الطبيب يعزل هذه المنطقة من ذلك الجسد، ليحاصرها وتكون شغله ومحل علاجه، وكذلك الكاتب، يفصل مجتمع الرواية، لأنه معني بمرض هذا المجتمع الذي عزله عن محيطه ليتأمله ويضعه تحت عدسات الكتابة والقراءة ليلتفت الآخرون إليه. وليلاحظوا ما فيه من مرض، فعمل الكاتب ولاسيما الواقعي كعمل الطبيب سواء بسواء، وموقف القراء من هذا المجتمع المحصور بين دفتي الرواية هو كرأي ذلك الشخص الذي أطلق حكما عاما على مريض بسبب مرض جزء من جسده.
إن ما دار بين الكاتب الفلسطيني ماجد عاطف والكاتبة المغتربة التي لم يسمها يجعلهما يحكمان بالتعميم على المجتمع الفلسطيني بأنه مجتمع فاسد، كأنهما ليسا كاتبين، وتعاملا مع الرواية بهذه الطريقة السطحية. ونسيا مهمة الكاتب، وطريقة عمله، كما أنهما تجاهلا طبيعة المجتمعات البشرية التي لا يمكن أن تكون مجتمعات خير بالمطلق أو شر بالمطلق حتى أكثر المجتمعات طوباوية أو ديستوبية، فالمجتمعات بشكل عام مجتمعات فيها الكثير من المشاكل والفساد والأمراض في كل الدوائر من الأسرة وحتى الدولة، ومن الفرد حتى المجتمع، وفي الثقافة وفي غير الثقافة.
إن الحكم على المجتمعات لا يكون بقراءة الروايات فقط، ربما كانت الروايات إحدى وسائل الحكم على المجتمع، ولكنها ليست هي الوسيلة الوحيدة، فثمة مصادر أخرى لمعرفة أحوال المجتمع بتفاصيله، فمثلا المجتمع الموصوف بالجاهلي قبل الإسلام كان ثمة خير فيه، من مكارم الأخلاق بجانب ما فيه من عصبية قبلية ووأد بنات وغزو وحروب طاحنة، والمجتمع الإسلامي في ذروته الطوباوية في عهد الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، كان ثمة منافقون كثيرون ينخرون ذاك المجتمع، وهذا ينطبق بلا شك على كل مجتمع، الفلسطيني والعربي برمته، والأمريكي والياباني، وسمّ ما شئت، فتتجاور العدالة والتقدم العلمي والرفاهية مع العنصرية وعالم الجريمة والمافيات والاستعمار ونهب الثروات والحروب.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الدارس للأدب، يتمحور حول فكرة العمل الأدبي ليكشف عن فنيات عرض الفكرة، ويعرّف بفكرته للقارئ الذي لم تتح له قراءة العمل الأدبي المدروس، ليكون الدارس في خدمة فكرة النص وجمالياته، ولا بد من ذلك، ليدفع القارئ إلى قراءة النص، فيكوّن وجهة نظره عنه بعيدا عن رأي ذلك الدارس، فيتفق معه أو يختلف. فثمة خطابان في أي نص أدبي أحدهما ظاهر والآخر مضمر، فلا يصح أن نأخذ أحدهما ونترك الآخر، بل لا بد من أن ندرك أن الأدب يقول أشياء أخرى بصمت، معتمدا على ذكاء القارئ الحصيف.

استراليا.. الحاجة الى المصالحة الحقيقية/ عباس علي مراد

على الرغم من ان دخان الحرائق واخبارها طغى وحجب ما عداه من الاخبار هذا العام واواخر العام الماضي، الا ان مرور يوم استراليا وكالعادة كان محطة للتأمل في مستقبل وماضي البلاد، التي ما زالت تنوء تحت حمل ذلك الماضي، الذي يثقل كاهل البلاد التي قفزت الى مصاف الدول المتقدمة منذ ألأستيطان الأبيض في البلاد منذ 231 عام حيث بدأت تتكشف أكثر وأكثر الممارسات التي مورست ضد سكان أستراليا الأصليين المعروفين بالابوريجنال والتي اتت على معظم حضارة هؤلاء السكان.
الأبوريجنال، الذين ما زاولوا يطلقون على 26 كانون الثاني يوم الغزو او يوم النجاة، معظمهم يطالبون بتغيير هذا التاريخ، بينما هناك فئات تطالب بتثبيت هذا اليوم للتذكيربجرائم المستوطنين البيض بحق سكان البلاد الأصليين حتى لا يأتي عليها النسيان، وهناك فريق آخر من السكان الأصلين يطالبون ببقاء الأحتفال بيوم أستراليا في 26 كانون الثاني ولكن بشروط مختلفة، ويتقدم هذا الفريق وزير شؤون السكان الأصلين في حكومة موريسن الوزير كين وايات وهو أول وزير من السكان الأصليين يتولى هذه الحقيبة الذي قال لننسى هذا التاريخ، وليكن يوم للأحتفال ونحتفل بالاشياء الجيدة مع الأصدقاء والعائلات والمجتمع ونحترم بعضنا البعض ومساهمتنا لهذا الوطن.
 في مقابلة مع صحيفة ذي سدني مورننغ هيرالد 25/1/2020 طالب الوزير ببقاء الأحتفالات ولكن يجب التذكير بكل ما حصل من أشياء جيدة وأشياء سيئة منذ العام 1788 تاريخ بدء الأستيطان الأبيض، ويحث على تجنب الحرب الثقافية التي تطغى على المناسبة، ويدعو الأستراليين من كل الخلفيات لأنتهاز هذه الفرصة لنتوحد كأمة، واعترف الوزير ان معظم السكان الأصليين قد يجدون صعوبة في تقبل الأمر، ويضيف ان من حق الأبوريجنال ان يغضبوا من الماضي، وابدى الوزير أعجابه وتفاؤله بالأجيال الشابة وطالب بمشاركة هؤلاء الشباب بقول الحقيقة، ودعى الجميع الابوريجنال وغير الأبوريجنال للأعتراف بأحداث التاريخ وحتى تلك التي تركت ندوباً عميقة في جسد الأمة، وأعرب عن سروره بتقبل ثقافة السكان الأصليين في المجتمع الأسترالي.
وكانت صحيفة (س م ه ) في افتتاحيتها في 25/1/2020 قد دعت الى جعل تاريخ الأبوريجنال نقطة محورية في اليوم الوطني الأسترالي، واعترفت الصحيفة بأن هذا التاريخ له إشكالية ومثير للخلاف، و ترى انه منطقياً ان يتم تغييره في وقت ما بالمستقبل، والمعلوم ان الأحتفال بيوم أستراليا بهذا التاريخ بدأ منذ 31 سنة فقط. 
وكانت الصحيفة استطلعت قراءها حول تغيير تاريخ الأحتفال بيوم أستراليا فأيد التغيير 47% وعارض 43% و10% تمنعوا عن إعطاء أي رأي. وهذا  الانقسام يظهر أيضاً بمواقف المواطنين فنرى بعض المتحمسين الوطنيين يتحركون ضد كل من يدعو الى تغيير التاريخ او حتى ذكر العنف الذي مورس ضد الأبوريجنال في 26 كانون الثاني عام 1788.  
وكذلك يعمد بعض السياسيين المحافظين لاستغلال الأمر سياسياً لدق أسفين بين الطبقات العاملة التقدميين والمحافظين.
 وحسب استطلاع لمعهد يسار الوسط الاسترالي وجد ان 37% يعتبرون الأحتفال هذا اليوم مهين، وهناك 56% يرون ان لا مشكلة لديهم أي يوم يكون المهم ان يكون هناك أحتفال باليوم الوطني. ام استطلاع معهد اليمين الوسط للشأن العام فالصورة مغايرة تماماً حيث يعتبر75% انه يجب الأبقاء على تاريخ 26 كانون الثاني.
من هنا نرى، ان الموضوع يجب ان يحسم بشكل قطعي والوصول الى مصالحة حقيقية، وردم الهوة بين السكان الأصليين وباقي المواطنين على كافة المستويات الصحية، التعليمية ،الأجتماعية  والسياسية وغيرها… والاعتراف بالسكان الأصليين بالدستور الأسترالي، وان يكون لهم ممثلين بالبرلمان يهتمون بقضاياهم كما طالب البيان المعروف ببيان "اولورو" الذي صدر عن اجتماع مجموعات السكان الاصليين قبل عامين في اولورو.
ان أستراليا التي بها نعتز قد بلغت من الرشد والوعي ما يكفي لان تقدم على هكذا خطوة، فلا يضيرها ان تعترف بماضيها الأليم، وتتابع الانفتاح من اجل مستقبل أفضل نعمل على تطويره جميعاً بما يتناسب مع قيم أستراليا المتعددة الثقافات كما يردد معظم السياسين بافتخارهم بهذه التعددية، فالباقي ان يقرن القول بالفعل وتتم المصالحة بين الماضي والحاضر لتحصين المستقبل وخصوصا مع الابوريجنال وثقافتهم والتي عملنا على محوها بكل ما اوتينا من قوة خلال القرنين الماضيين كما تقول الكاتبة اليزيبث فاريلي.

abbasmorad@hotmail.com    

صباحكم أجمل/ قدس يا زهرة المدائن/ زياد جيوسي



"الحلقة الثانية"
تجولنا في كل أنحاء مسجد قبة الصخرة، وكانت مشاعر الخشوع والإيمان تغمرني بقوة، فصليت أكثر من مرة لله تعالى في أنحاء المسجد، وبعدها نزلنا إلى المغارة الواقعة تحت الصخرة المشرفة، وعند بوابتها الصغيرة يوجد قبة صغيرة بنيت في الفترة العثمانية وبداخلها نافذة بها شعرتين من شعر الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)، وسميت حجرة شعرات النبي، ويتم النـزول للمغارة بعدة درجات ضيقة، حيث نجد محرابين صغيرين بداخلها، وقد صليت ركعتين هناك أيضاً. قبل أن أخرج وأجول مرة أخرى في رحاب قبة الصخرة، حيث كنت مبهوراً بجمالية الهندسة والزخرفة وعبق التاريخ حيث أن قبة الصخرة مزينة بستة ملايين قطعة ذهبية تشكل فسيفساء الزخرفة، بينما القبة من الخارج مطلية بالذهب وبين القبة الداخلية والذهبية مسافة 170سم ليتم المرور من خلالها في أعمال الصيانة، وللبناء الهندسي إبداع له حسابات رياضية فالبناء الثماني الشكل مستمد من الآية القرآنية في قوله تعالى:" ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" كما أن 12 عامود تحمل القبة ترمز لعدد شهور السنة، وأبواب الصخرة أربعة بعدد فصول العام ويوجد لها 52 نافذة بعدد أسابيع العام، وفيها 24 قوسا بعدد ساعات اليوم، وفي أعلى قبة الصخرة منقوش آية الكرسي وفي محيطها 3 آيات يرد فيها أسماء الرسل عليهم السلام حملة الرسالات السماوية سيدنا محمد وسيدنا عيس وسيدنا موسى عليهم أطيب الصلاة والسلام، وبجوار كل باب عامودين يقابلهما 3 أعمدة من التي رفعت عليها قبة الصخرة المشرفة ترمز بعددها 5 أعمدة للصلوات الخمس المفروضة، وارتفاع قبة الصخرة 36,5م برمزية عدد أيام السنة، وطوال تجوالي لم تتوقف عدستي عن التقاط الصور لتوثيق الزيارة والمكان قبل أن نخرج لساحة قبة الصخرة الخارجية، من باب منقوش أعلاه: "صخرة بيت المقدس من الجنة"، فالساحة الخارجية محاطة بالأعمدة المقنطرة بالأقواس البوائك (جمع بائكة) وعددها ثمانية أيضا وهذه البوائك تزيد من جمالية المكان مقابل الواجهات الثمانية للأقصى والتي يبلغ طول كل واجهة منها 12.5م ولعل البائكة المتميزة بينها المطلة على المسجد الأقصى "القبلي" لوجود ساعة شمسية عليها، وفي بعض جوانب ساحة قبة الصخرة بعض القباب من مراحل البناء المختلفة والصيانة عبر العصور إضافة إلى صف من الغرف الصغيرة "الخلوات" وقد بنيت في العهد العثماني، ومن يتأمل جدران مسجد الصخرة من الخارج يجد آيات من جمال النقوش والهندسة، فمن الرخام الأبيض الذي يغطي القسم السفلي إلى بلاط السراميك الذي يغطي القسم الأعلى، وصولاً إلى السقف الذي صمم على الطراز الجمالوني، حتى القبة الذهبية بجمالها وسحرها، والآيات القرآنية المنقوشة على رقبة القبة بجمالية الخط العربي الكوفي البسيط، وتزيد قدسية الأقصى بكل أرجاءه على روح الزائر جمالاً آخر من الخشوع والرجاء وفي فترة الاحتلال الصليبي جرى تحويل مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة أسموها قدس الأقداس، وقد سرق القساوسة قطع من حجارة الصخرة المشرفة وباعوها في أوروبا بوزنها ذهبا. 
ومن الدرج المواجه للأقصى نزلنا باتجاهه بخشوع ورهبة، فهذه هي المرة الثانية التي سأدخل فيها رحاب الأقصى بفارق 42 عاماً بين الزيارتين، ومن الضروري الإشارة إلى أن المسجد الأقصى يعني كل المساحة داخل الأسوار والأسوار المحيطة به وجدرانها الداخلية والخارجية، وليس فقط البناء المعروف بالمسجد الأقصى، فأي انتهاك لأي جزء من هذه المساحة هو انتهاك لقدسية الأقصى، وما أن دخلت من البوابة الرئيسة حتى شعرت برهبة مضاعفة، فهنا سجد ملكي صادق اليبوسي لله سبحانه وتعالى، وهنا كان ثاني بيت بني لعبادة الله الواحد الأحد بعد الكعبة في مكة، وإلى هنا أسري بالرسول -عليه الصلاة والسلام- وهنا أم بالأنبياء ومن هنا عُرج به للسماء، وفي القص الديني ينسب بناء الحرمين الشريفين الكعبة والأقصى لسيد البشرية آدم "عليه السلام"، وتجديد البيت العتيق لسيدنا إبراهيم "عليه السلام"، وهنا في القدس تبدأ حكاية كنعان ويبوس وتراث حملناه منذ حط في هذه الديار الفلسطينية أحفاد كنعان الأول منذ عشرة آلاف وخمسمائة عام في أريحا مدينة القمر وانتشروا في كافة أنحاء فلسطين، وجاء بني يبوس الكنعانيين وعمروا القدس؛ مدينة السلام وزهرة المدائن، فتذكرت كيف أذهلني المسجد حين رأيته طفلاً، فبدأت أتراكض فيه أنا وشقيقي محمد "جهاد" الذي يصغرني بفرح طفولي غامر، والمسجد الحالي بناه الأمويون في عهد الوليد بن عبد الملك مكان المسجد البسيط الذي أمر ببنائه عمر بن الخطاب، فالمسجد الذي بناه عمر كان من البساطة حتى أنه لم يصمد كثيراً، والذي بناه سيدنا عمر فوق الأقصى التاريخي حيث لم تكن إلا آثار أبنية قديمة جداً تحولت لمكبّ للنفايات، فأزالها الفاروق عمر وأعاد بناء الأقصى.
عبر القرون التي مضت، ومنذ بناء الأقصى يتم الاهتمام به وتجديده، فالأقصى تعرض لزلازل طبيعية عنيفة أكثر من مرة، وفي كل مرة كان الحكام يسارعون لإعادة بناءه وترميمه مما أدى إلى تغيرات كبيرة على شكل وبناء الأقصى، ولعل زلزال الاحتلال الصليبي كان هو الأقسى عبر التاريخ الماضي، والآن يتعرض الأقصى لاقتحامات المستعمرين الجدد والاحتلال بشكل شبه يومي، في ظل صمت عربي وإسلامي مريب. والأقصى له أربعة مآذن على أربعة أبواب هي مآذن بوابات الأسباط، والمغاربة، والغوانمة، والسلسلة وسيكون لكل مأذنة حديث لاحق وتفصيلي.
   دخلنا من البوابة الرئيس والتي هي بوابة المسجد القبلي، وهو المسجد الأقدم والمسمى الجامع القبلي لأنه يقع جنوبي مساحة الأقصى باتجاه القبلة، وهو المسجد الرئيس وفيه المحراب والمنبر، وفيه يقف الإمام لخطبة الجمعة وهو أقدم المساجد في الأقصى، فهو الذي بُني في العهد الأموي وتعلوه قبة الأقصى الضخمة والرصاصية المعدن فوق سقف جملوني الطراز، وفي القديم كان الأقصى من 15 رواقاً، ولكنه اختصر مع التغييرات إلى سبعة وهي الموجودة الآن، حيث يحيط المسجد القبلي 3 أروقة من كل جانب، فتجولت بعد الصلاة في كل أنحاء المسجد وزواياه وصليت به أكثر من مرة، وتأملت المنبر الذي جرى حرقه على يد المتطرفين اليهود وتحديدا على يد مايكل روهن الأسترالي في 21/8/1969، وهو المنبر المنسوب للفاتح صلاح الدين الأيوبي علما أن من أمر باعداده هو نور الدين زنكي عام 563 ه قبل تحرير الأقصى بعشرين عاما وهو يعد لتحرير القدس، ليتم وضعه في الأقصى بعد تحريره من يد الصليبيين، وقام بصنعه كبار الحرفيين والصناع في دمشق وحلب من الخشب المطعم بالعاج والأبنوس والمعشق من 12 الف قطعة خشبية متداخلة بشكل فني وماهر مع بعضها بدون أية مسامير أو غراء لاصق، مع نقوش وآيات قرآنية وكتابات تاريخية، حيث نقشت الآيات وهي 90-93 من سورة النحل على شكل متوازي أضلاع، على مستوى جلوس الخطيب على المنبر، وفي إطار مربع الشكل تتوسطه كلمة الله نجد أنه قد تم  نقش الآية 18 من سورة التوبة.
   وعلى الجانب الأيسر نقش على شكل متوازي أضلاع: "بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته، الشاكر لنعمته، المجاهد في سبيله المرابط لأعداء دينه، الملك العادل نور الدين، ركن الإسلام والمسلمين، منصف المظلومين من الظالمين، أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر، ناصر أمير المؤمنين، أعز الله أنصاره، وأدام اقتداره وأعلى مناره، ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه وأعز أولياء دولته وأذل كفار نعمته، وفتح له وعلى يديه، وأقر بالنصر والزلفى عينيه برحمتك يا رب العالمين، وذلك في شهور سنة أربع وستين وخمس مئة"، وله في مقدمة الدرج بوابة يعلوها تاج ثم درج يعلوه قوس يصل لمنبر الخطيب، وبقي المنبر ينتظر حتى تم تحرير القدس على يد الفاتح صلاح الدين فأمر بنقله إلى القدس ووضعه في الأقصى حسب وصية نور الدين زنكي، وخطب من عليه قاضي دمشق محي الدين زنكي خطبة الجمعة بعد أن توقفت 90 عاما بسبب الاحتلال الصليبي، والمنبر نقل للأردن بعد عملية الاحراق للترميم بقرار من الملك حسين ملك الأردن، واستمرت عمليات الترميم خمسة سنوات كاملة على يد خبراء بالترميم في جامعة البلقاء في الأردن، وكلفت العملية ملايين الدولارات قبل أن ينقل مجددا ويعاد للأقصى، فجلست للراحة وقراءة القرآن مستنداً إلى عمود حجري ضخم من أعمدة المسجد التاريخية قبل أن أكمل جولتي في رحاب الأقصى وساحاته، حالماً بيوم حرية وتحرر للأقصى والقدس وفلسطين وعيناي ترنو إلى باب المغاربة حيث جنود الإحتلال مدججين بالسلاح.
صباح عمَّاني يسوده الدفء النسبي في ظل أربعينية الشتاء القاسية والتي وصلتها لأيام قليلة، أجلس في مكتبي في شرفتي العمَّانية مستعيدا ذكرى زيارتي الأولى للقدس وزياراتي الأخرى لها، أحتسي قهوتي مع شدو فيروز: "عيوننا إليك ترحل كل يوم تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد، يا ليلة الإسراء يا درب من مرّوا إلى السماء، عيوننا إليك ترحل كلّ يوم وإنّني أصلّي". فأهمس: صباحكم أجمل ولا بد أن تشرق الشمس.

تعويذة امرأة حائض/ ترجمة ب. حسيب شحادة

Amulet of a menstruating woman

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها راضي بن الأمين بن صالح صدقة الصباحي (رتسون بن بنياميم بن شلح تسدكه هصفري، ١٩٢٢-١٩٩٠، أبرز حكيم في الطائفة السامرية في القرن العشرين، مُحيي الثقافة والأدب السامري الحديث، مُتقن لتلاوة التوراة، متمكّن من العبرية الحديثة، العربية، العبرية القديمة والآرامية السامرية، جامع لتقاليد قديمة، مرتّل، شيخ صلاة،  شمّاس، قاصّ بارع، أديب أصدر قرابة الثلاثين كتابًا وهي بمثابة مصدر لكتّاب ونسّاخ معاصرين، شاعر نظم حوالي ٨٠٠ قصيدة وأنشودة،  وباحثون كثيرون تعلّموا منه عن التقليد الإسرائيلي السامري. كان السامري الوحيد الذي سمّاه سيّد الباحثين في الدراسات السامرية، زئيڤ بن حاييم باسم: معلّمي ومرشدي) بالعبرية على مسامع ابنه الأمين (بنياميم) صدقة (١٩٤٤- )، الذي بدوره نقّحها، اعتنى بأُسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٤٦-١٢٤٧، ١٥ آب ٢٠١٧، ص. ٥٨-٦١.  هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الراهن؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني. 

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدُر بانتظام، توزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري من المائة والستّين في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة نسمة، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحُسني (بنياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

” ذو شأو كبير في الحكمة، أمّا في مجال الأعمال فصغير

عُرف الشاعر الكبير إبراهيم بن فرج (مرحيب) بن صدقة الصباحي (هصفري) بتواضعه الشديد وبإيمانه الوثيق بالله تبارك وتعالى. كان يقضي معظم وقته في التأليف والصلاة والعبادة. جمعتُ الكثير من أشعاره ومؤلفاته الأُخرى، وفي كلّها تتجلّى ثقته بالله تبارك وتعالى، وإيمانه غير المحدود به وبرسوله موسى بن عمران (عمرم) عليه السلام . هو لم يكتم استياءه وضغينته نحو عزرا الكاتب وشيعته اللذين قسّما الشعب ولم يباليا بمحاولات توحيده تحت علَم واحد ورأي واحد. 

وكنت أغار دائمًا من موهبته الجمّة؛ حاولت أن أُقلّدَ أسلوبَ كتابته.  كان أوج رغبتي بلوغ علوّ غبار قدمي إبراهيم بن فرج الصباحي، من حيث المقدرة ُعلى التعبير الثريّ الذي امتاز به. وقد تمكّنت بمرور الوقت، من جمع آثاره وإصدارها ونشرها بين أبناء الطائفة خدمة للباحثين.

ولكن من البدهي أنّ كلّ هذا من المعرفة والتأليف، لا يُغني ولا يُسمن من جوع. أسرة إبراهيم كانت والحمد لله كبيرة، زوجته قمر (يرحه)، له ستّة أبناء وبنتان؛ وحالته المادية لم تكن كما يرام طوالَ حياته. معرفته في التجارة كانت أقلَّ بكثير من علمه في التوراة والشعر الديني، وهكذا سُرعان ما نفِد المال الذي أورثه له ولشقيقيه أبوه الغني، مفرج بن يعقوب صدقة. وسُرعان ما أضحى أساس رزقه مُنصبًا على كتابة التعاويذ لعرب مدينتي يافا ونابلس، اللتين سكن فيهما بالتناوب. وهذه ”المهنة“ كانت من نصيب الكثيرين في الطائفة طيلة حياتهم وما زالت حيّةً تُرزق إلى أيّامنا هذه.

ولكن مبادؤه بصدد الحصول على الأجر، كانت مغايرةً لكاتبي التعاويذ الآخرين في الطائفة، الذين كانوا يلهثون وراء رفع الأسعار. إبراهيم كان يطلب أجرًا ضئيلا، وحينما كانوا يسألونه كان يجاوبهم: جلّ زبائني مساكين، مستضعفون وجياع، فلماذا عليّ أن أزيد الطين بِلّة عليهم؛ هكذا كان ذلك الرجل. كان يفترض دائمًا أنّ حالةَ المتوجّهين إليه شبيهة بحالته.

وعندما كان إبراهيم يكتب تعويذةً لشخص ما، ويعود إليه بعد مدّة مدعيًا بأنّ التعويذة لم تنجح، كان يُعيد له ما دفعه بدون أيّ أخذ وردّ. وكان يدأب على القول ”مشيئة الله لا تودّ حلّ المشكلة، إذن لماذا أتقاضى أجرًا على ذلك؟“. إنّي لم أسمع بعدُ عن كاتب تعاويذَ سامريّ، أعاد مالًا بمحض إرادته. الأمر نابع من ورَع مغروس في طبيعة إبراهيم بن فرج صدقة الصباحي. 

إنّ إبراهيم المدعو بأبي فارس، كان رجلًا مثيرًا للإعجاب في مظهره، كان وسيمًا جدّا؛ ذا لحية بيضاء طويلة. إنّه إنسان متواضع وسمعته طيّبة، رحّب به كل إنسان التقاه. صان شرفه لأنّه احترم كلّ امرء، وبالرغم من حالته المادية العصيبة، كان يمُدّ يد العون لكل محتاج. كان عرب يافا يُخطئون بسبب مظهره ويظنّون أنّه كاهن، فعندما كان يسير في الشارع، كان يقول الواحد للآخر ”ها هو الكاهن الوسيم ماشٍ“.

وفي مدّة سكناه في يافا كان شباب نابلس السامريون يُطلقون عليه عبارة ”كاهن يافا“، وعندما كان يأتي إلى جبل جريزيم لمناسبة عيد الفسح/القُربان، كان الفرح والابتهاج يعُمّان خيام السامريين: جاء كاهن يافا. بالطبع، لم يكن كاهنًا، كما أسلفنا، لأنّ عائلة صدقة تنتمي إلى سبط منشه، ولكن بسبب مظهره المحترم ظنّوه كاهنا.

التعويذة التي فشلت

ذات يوم، سُمع طرْق على باب منزل إبراهيم؛ وفي المدخل وقفت امرأة عربية، استأذنت بالدخول وسُرعان ما دعاها إبراهيم المضياف للدخول. ”بما أستطيعُ مساعدَتكِ؟“، سأل إبراهيم. أجابت المرأة ”أريد أن تكتب لي تعويذة لتحسّنَ علاقتي مع زوجي“. فرحت المرأة بالتعويذة ودفعت لإبراهيم ما تيسّر لها من مبلغ ضئيل، ثمّ غادرت منزله راضية مبتهجة بما حصلت عليه، وأمطرته بالكثير من التحايا والتبريكات.

بعد مدّة عادت المرأة العربية إلى منزل إبراهيم الصباحي؛ دخلت ولاحظ أنّها مغتمّة مهمومة فبادرها بالسؤال: ”ما  لكِ يا ابنتي؟ هل تعويذتي لم تنفع، لم تُفدكِ؟“. أجهشت المرأة بالبكاء، فربّت إبراهيم على كتفها لتهدئتها فهدأت ثم أخبرته بأنّ التعويذة لم تفدها بشيء. دسّت يدها في حِضنها واستلّت التعويذة التي أعطاها إيّاها إبراهيم. وحال فتحِها يدها لتُريها لإبراهيمَ طارت التعويذة إلى النافذة واختفت، وكأنّها لم تكن. لم تُسفر كلّ التفتيشات التي قام بها أولاد إبراهيم أيضًا عن أيّة نتيجة. 

ذُهلت المرأة؛ ماذا حصل؟ ماذا جرى للتعويذة؟  سألت وهي خائفة. ألقى إبراهيم نظرةً فاحصة إلى المرأة وقال لها بهدوء: ”هلّا قلتِ لي يا ابنتي الشابة، وَعِديني بقول الحقيقة، أين كانت التعويذة التي سلّمتك إيّاها؟“. ”ماذا تقصِد، أين كانت التعويذة؟“ سألت وهي تئنّ ثم أردفت- وضعتُها في حِضني؛ لم أتركْها لا نهارًا ولا ليلًا كما أمرتني، أجابت. 

فسأل إبراهيم ”هل كنتِ طاهرةً في اليوم الذي أعطيتُك إيّاها فيه؟“ فأجابت: ”أُقسِم بمحمّد /بحياة محمّد أنّني لم أكن طاهرة وقتها، كنت حائضًا، إنّي أقسمتُ بقول الحقيقة“. اهتزّ إبراهيم عند سَماع ذلك وسأل ”كيف تجرّأتِ ولم تُطلعيني على ذلك عندما طلبتِ التعويذة“؟ ردّت المرأة ”إلّا أنّني طاهرةٌ اليوم“. 

”لا دخلَ لهذا الآن، الحقيقة هي أنّك تجرّأتِ على وضع كلامٍ من التوراة، مكتوب في التعويذة، في مكان نجس، غير طاهر، لذلك لم يُكتب للتعويذة النجاح، هذه مشيئة الله“ - قال إبراهيم. 

إستلّ من جيبه بعضَ العُمْلات النقدية وسلّمها للمرأة قائلًا ”خذي ماَلك وعودي إليّ مرّة أُخرى“. ”نعم يا سيّدي، سأفعل ما قلتَ“ تمتمت المرأة وهي خائفة وتسلّمت النقود. 

نادى إبراهيم زوجته بدرية وقال لها ”حضّري لي ماء ساخنًا، بعد حادثةٍ كهذه عليّ الغطس في الماء لتطهير جسدي“، وهذا ما فعله، ثم عاد للجلوس إلى الطاولة، ليستأنف الكتابة من شعر ونثر، رحمة الله عليه.“